الغدير في الكتاب والسنّة والأدب - ج ٥

الشيخ عبد الحسين أحمد الأميني النجفي

الغدير في الكتاب والسنّة والأدب - ج ٥

المؤلف:

الشيخ عبد الحسين أحمد الأميني النجفي


المحقق: مركز الغدير للدّراسات الإسلاميّة
الموضوع : العقائد والكلام
الناشر: مركز الغدير للدراسات الإسلامية
المطبعة: فروردين
الطبعة: ١
الصفحات: ٧١٢

شعراء الغدير

في

القرن السابع

١ ـ أبو الحسن المنصور بالله

٢ ـ مجد الدين بن جميل

٣ ـ الشوّاء الكوفي الحلبي

٤ ـ كمال الدين الشافعي

٥ ـ أبو محمد المنصور بالله

٦ ـ أبو الحسين الجزّار

٧ ـ شمس الدين محفوظ

٨ ـ بهاء الدين الإربلي

٦٢١
٦٢٢

ـ ٥٦ ـ

أبو الحسن المنصور بالله

وُلد (٥٦١)

توفّي (٦١٤)

بني عمِّنا إنّ يومَ الغديرِ

يشهدُ للفارسِ المعلمِ

أبونا عليٌّ وصيُّ الرسولِ

ومن خصّه باللوا الأعظمِ

لكم حرمةٌ بانتسابٍ إليه

وها نحن من لحمهِ والدمِ

لئِن كان يجمعنا هاشمٌ

فأين السنام من المنسمِ

وإن كنتم كنجومِ السماء

فنحنُ الأهلّةُ للأنجمِ

ونحن بنو بنته دونكمْ

ونحن بنو عمِّه المسلمِ

حماه أبونا أبو طالبٍ

وأسلم والناسُ لم تُسلمِ

وقد كان يكتمُ إيمانَهُ

فأمّا الولاء فلا يكتمِ

وأيّ الفضائلِ لم نحوِها

ببذلِ النوالِ وضرب الكمي

قَفَوْنا محمدَ في فعلِهِ

وأنتمْ قفوتمْ أبا مجرمِ (١)

هدى لكم الملكَ هديَ العروسِ

فكافيتموهُ بسفكِ الدمِ

ورثنا الكتابَ وأحكامَهُ

على مفصحِ الناسِ والأعجمِ

فإن تفزعوا نحو أوتارِكمْ

فزعنا إلى آيةِ المحكمِ

أشربُ الخمورِ وفعلُ الفجورِ

من شِيَمِ النفرِ الأكرمِ

__________________

(١) يعني أبا مسلم الخراساني عبد الرحمن القائم بالدعوة العباسية سنة (١٢٩). (المؤلف)

٦٢٣

قتلتمْ هداةَ الورى الطاهرين

كفعلِ يزيدَ الشقيِّ العمي

فخرتمْ بملكٍ لكمْ زائلٍ

يقصِّرُ عن ملكِنا الأدومِ

ولا بدَّ للملكِ من رجعةٍ

إلى مسلكِ المنهجِ الأقومِ

إلى النفر الشمِّ أهل الكسا

ومن طلبَ الحقَّ لم يظلمِ

هذه الأبيات نظمها المترجم له في جمادى الأولى سنة (٦٠٢) يعارض بها قصيدة ابن المعتزّ الميميّة التي أوّلها :

بني عمّنا أرجعوا ودّنا

وسيروا على السنن الأقومِ

لنا مفخرٌ ولكم مفخرٌ

ومن يُؤثر الحقّ لم يندمِ

فأنتم بنو بنتِهِ دونَنا

ونحن بنو عمّه المسلمِ

وله من قصيدة تشتمل على (٥٥) بيتاً :

عجبتَ فهل عجبتَ لفيضِ دمعٍ

لموحشةٍ على طللٍ ورسمِ

وما يغنيك من طللٍ محيلٍ

لهندٍ أو لجُملٍ أو لنُعمِ

فعدن عن المنازلِ والتصابي

وهات لنا حديثَ غديرِ خمِ

فيا لك موقفاً ما كان أسنى

ولكن مرَّ في آذان صمِ

لقد مال الأنامُ معاً علينا

كأنَّ خروجَنا من خلف ردمِ

هدينا الناس كلَّهمُ جميعاً

وكم بين المبيِّن والمعمِّي

فكان جزاؤنا منهم قراعاً

ببيضِ الهندِ في الرهج الأجمِ

همُ قتلوا أبا حسنٍ عليّا

وغالوا سبطَهُ حسناً بسمِ

وهم حظروا الفراتَ على حسينٍ

وما صابوه من نصل وسهم (١)

__________________

(١) توجد القصيدتان في الحدائق الوردية [٢ / ١٨٣ و ١٦٩] ، وجملة من الأولى مذكورة في نسمة السحر [مج ٨ / ج ٢ / ٣٣٩]. (المؤلف)

٦٢٤

الشاعر

الإمام المنصور بالله عبد الله بن حمزة بن سليمان بن حمزة بن عليّ بن حمزة بن هاشم بن الحسن بن عبد الرحمن بن يحيى بن أبي محمد عبد الله بن الحسين بن ترجمان الدين القاسم بن إبراهيم طباطبا بن إسماعيل بن إبراهيم بن الحسن بن الحسن ابن الإمام عليّ بن أبي طالب ؛ أحد أئمّة الزيديّة في ديار اليمن ، قرن بين شرف النسب والمجد المكتسب ، وضمّ إلى شرفه الوضّاح علماً جمّا ، وإلى نسبه العلويّ الشريف فضائل كثيرة ، جمع بين السيف والقلم فرفّ عليه العِلم والعَلم ، وشفع علمه الرائق بأدبه الفائق ، فأصبح إمام اليمن في المذهب ، وفي الجبهة والسنام من فقهائها ، كما أنَّه عُدَّ من أفذاذ مؤلّفيها ، وأشعر الدعاة من أئمّتها ، بل أشعر أئمّة الزيديّة على الإطلاق كما قاله صاحبا الحدائق والنسمة.

كان آية في الحفظ ، حكى جمال الدين عمران بن الحسن عن بعض المعروفين بقوّة الحافظة : إنّي أحفظ مائة ألف بيت شعر ، وفلان ـ ذكر رجلاً من أهل الأدب ـ يحفظ أيضاً مثلي ، ونحن لا نعدُّ حفظنا إلى جنب حفظ الإمام المنصور بالله شيئاً.

وقال عماد الدين ذو الشرفين : رأيت مع الإمام مجلّداً في الشعر فقال : قرأته وحفظته فخذه وسلني عن أيّ قصيدة منه شئت ، فجعلت أسأله من أوّله ووسطه وآخره ، وأنا أذكر له بيتاً من القصيدة فيأتي بتمامها.

قرأ في الأُصولين على حسام الدين أبي محمد الحسن بن محمد الرصاص ، وألّف كتباً ممتعة في شتّى المواضيع من الفقه وأصوله والكلام والحديث والمذهب والأدب ، منها :

١ ـ صفوة الاختيار في أصول الفقه.

٦٢٥

٢ ـ حديقة الحكم النبويّة شرح الأربعين السلفيّة.

٣ ـ الشافي في أُصول الدين ـ أربعة أجزاء.

٤ ـ الرسالة الهادية بالأدلّة البادية ، في السبي.

٥ ـ الأجوبة الكافية بالأدلّة الوافية.

٦ ـ الدرّة اليمنيّة في أحكام السبي والغنيمة.

٧ ـ الاختيار المنصوريّة في المسائل الفقهيّة.

٨ ـ الإيضاح لعجمة الإفصاح ، أكثره يتعلّق بالسير.

٩ ـ كتاب الفتاوى ، مرتّب علي كتب الفقه.

١٠ ـ الرسالة القاهرة بالأدلّة الباهرة ، في الفقه.

١١ ـ الرسالة الحاكمة بالأدلّة العالمة.

١٢ ـ الناصحة المشيرة بترك الاعتراض علي السيرة.

١٣ ـ العقيدة النبويّة في الأُصول الدينيّة.

١٤ ـ الرسالة الفارقة بين الزيديّة والمارقة.

١٥ ـ الرسالة النافعة بالأدلّة القاطعة.

١٦ ـ الرسالة الكافية إلي أهل العقول الوافية.

١٧ ـ الرسالة الناصحة بالأدلّة الواضحة (١).

١٨ ـ الجوهرة الشفّافة في جواب الرسالة الطوّافة (٢).

١٩ ـ الأجوبة الرافعة للإشكال.

٢٠ ـ الزبدة في أصول الدين.

٢١ ـ العقد الثمين في الإمامة.

__________________

(١) في جزءين : الأوّل في أصول الدين ، والثاني في فضائل العترة الطاهرة. (المؤلف)

(٢) رسالة أنشأها رجل متفلسف أشعري مصري تحتوي نيّفاً وأربعين مسألة في أُصول الدين. (المؤلف)

٦٢٦

٢٢ ـ القاطعة للأوراد في الجهاد.

٢٣ ـ كتاب تحفة الإخوان.

٢٤ ـ الرسالة التهاميّة ، ديوانه.

كان المترجم يجاهد ويجادل دون دعايته في الإمامة ، وله في ذلك مواقف ومجاهدات ، وكانت بدء دعوته سنة (٥٩٣) في شهر ذي القعدة ، وبايعه الناس في ربيع الأوّل سنة (٥٩٤) ، وأرسل دعاته إلى خوارزم شاه المتوفّى (٦٢٢) وتلقّاهم السلطان بالقبول والإكرام ، وأشغل ردحاً من الزمن منصّة الزعامة في الديار اليمنيّة إلى أن توفّي سنة (٦١٤) ، وكانت ولادته سنة (٥٦١) ، ومن مختار ما رُثي به قصيدة ولده الناصر لدين الله أبي القاسم محمد بن عبد الله ، وهي واحد وأربعون بيتاً مطلعها :

بفي الشامتين التربُ إن يكُ نالني

مصابُ أبي أو هدَّ من عظمه أزري

على حين أعيا المقرباتِ فراقُه

وشنّت له أنيابُ ذي لبدٍ حسرِ

فإن يك نسوانٌ بكين فقد بكتْ

عليه الثريّا في كواكبها الزهرِ

وإن تشمتِ الأعداءُ يوماً فإنَّني

على حدثانِ الدهرِ كالكوكبِ الدرّي

توجد في الحدائق الورديّة (١) للمترجم ترجمة ضافية في ستّين صحيفة ، تحتوي جملة من كتاباته وخطاباته في دعاياته وجهاداته ، وشيئاً كثيراً من مناقبه وكراماته ومقاماته ، وشطراً وافراً من شعره في مواضيع متنوّعة ، ومنه قوله كتبه إلى زوجته المسمّاة ـ متعة ـ يُعزّيها عن أخيها :

الحمدُ للهِ الذي لم يزْل

أحكامُه في خلقه ماضيه

وكلُّ من كان بها راضياً

فإنَّه في عيشةٍ راضيه

وكلُّ من كان لها ساخطاً

فأُمّه في سقرٍ هاويه

__________________

(١) الحدائق الوردية : ٢ / ١٣٣ ـ ١٩٩.

٦٢٧

كم قائلٍ قد قال يا ليتَها

عند الرزايا كانت القاضيه

يا بنت فضلٍ أين فضلٌ وهل

باقٍ على الأيّام أو باقيه

كم من ملوكٍ طال ما عمّروا

فهل لهم في الأرضِ من باقيه

أين النبيُّ المصطفى أحمدٌ

وصنوه حيدرٌ والزاكيه

فسلّمي الأمرَ لمن أمرُهُ

ينطحُ غلبَ العصَبِ العاليه

ومن إذا عاصاه ذو نخوةٍ

صبَّ عليه الأخذةَ الرابيه

لا يغلب اللهَ على أمرِهِ النافذِ

من راقٍ ولا راقيه

إلى آخر [الأبيات]

ومن قصيدة كبيرة له في الحماسة يذكر أجداده بأسمائهم ويفتخر بهم :

كم بين قولي عن أبي عن جدِّه

وأبو أبي فهو النبيُّ الهادي

وفتىً يقول حكى لنا أشياخُنا

ما ذلك الإسنادُ من إسنادي

ما أحسنَ النظرَ البليغَ لمنصفٍ

في مقتضى الإصدارِ والإيرادِ

خذ ما دنا ودعِ البعيدَ لشأنِهِ

يغنيكَ دانيهِ عن الأبعادِ

ذكر صاحب الحدائق له من الأولاد الذكور :

محمد الناصر لدين الله ، أحمد المتوكّل على الله ، عليّ ، حمزة درج صغيراً ، إبراهيم ، سليمان ، الحسن ، موسى ، يحيى ، إدريس درج صغيراً ، القاسم ، فضل درج ، جعفر لا عقب له ، عيسى لا عقب له ، داود ، حسين درج.

ومن البنات : زينب ، سيّدة ، فاطمة ، جمانة ، رملة ، نفيسة ، مريم ، مهديّة ، آمنة ، عاتكة ، وللمترجم ترجمة في نسمة السحر فيمن تشيّع وشعر (١) (ج ٢).

__________________

(١) نسمة السحر : مج ٨ / ج ٢ / ٣٣٩.

٦٢٨

ـ ٥٧ ـ

مجد الدين بن جميل

المتوفّى (٦١٦)

ألمّت وهي حاسرةٌ لثاما

وقد ملأتْ ذوائبُها الظلاما

وأجرت أدمعاً كالطلِّ هبَّت

له ريحُ الصبا فجرى تواما

وقالت أقصدتك يدُ الليالي

وكنتَ لخائفٍ منها عصاما

وأعوزك اليسيرُ وكنت فينا

ثمالاً للأرامل واليتامى

فقلت لها كذاكِ الدهرُ يجني

فقرّي وارقبي الشهرَ الحراما

فأنِّي سوف أدعو اللهَ فيه

وأجعلُ مدحَ حيدرةٍ إماما

وأبعثها إليه منقَّحاتٍ

يفوحُ المسكُ منها والخزامى

تزور فتى كأنّ أبا قُبَيسٍ

تسنّمَ منكبيه أو شماما (١)

أغرٌّ له إذا ذكرت أياد

عطاءٌ وابلٌ يشفي الأواما

وأبلجُ لو ألمَّ به ابن هندٍ

لأوسعه حباءً وابتساما

ولو رمقَ السماءَ وليس فيها

حياً لاستمطرت غيثاً ركاما

وتلثمُ من ترابِ أبي ترابٍ

تراباً يُبرئ الداءَ العقاما

فتحظى عنده وتؤوُب عنه

وقد فازتْ وأدركتِ المراما

بقصد أخي النبيِّ ومن حباه

بأوصافٍ يفوق بها الأناما

__________________

(١) أبو قُبَيس وشمام : اسما جبلين.

٦٢٩

ومَن أعطاه يومَ غديرِ خمٍ

صريحَ المجدِ والشرفَ القدامى

ومن رُدَّت ذكاءٌ له فصلّى

أداءً بعد ما ثنت اللثاما (١)

وآثرَ بالطعامِ وقد توالتْ

ثلاثٌ لم يذُقْ فيها طعاما

بقرصٍ من شعيرٍ ليس يرضى

سوى الملحِ الجريشِ له إداما

فردَّ عليه ذاك القرصُ قرصاً

وزاد عليه ذاك القرص جاما

أبا حسن وأنت فتىً إذا ما

دعاه المستجيرُ حمَى وحاما

أزرتك يقظةً غررَ القوافي

فزرني يا ابن فاطمة مناما

وبشِّرني بأنَّك لي مجيرٌ

وأنَّك مانعي من أن أُضاما

فكيف يخافُ حادثةَ الليالي

فتىً يعطيه حيدرةٌ ذماما

سقتك سحائبُ الرضوانِ سحّا

كفيضِ يديكَ ينسجمُ انسجاما

وزار ضريحَكَ الأملاكُ صفّا

على مغناك تزدحمُ ازدحاما

ولا زالت روايا المزن تهدي

إلى النجفِ التحيّةَ والسلاما

ما يتبع الشعر

وقفت في غير واحد من المجاميع العتيقة المخطوطة على أنّ مجد الدين بن جميل كان صاحب المخزن في زمن الناصر فنقم عليه وأودعه السجن ، فسأله رجال الدولة من الأكابر فلم يقبل فيه شفاعة أحد ، وتركه في الحجرة مدّة عشرين سنة ، فخطر على قلبه أن يمدح الإمام عليّ بن أبي طالب عليه‌السلام فمدحه بهذه الأبيات ، ونام فرآه في ما يراه النائم وهو يقول : الساعة تخرج ؛ فانتبه فرحاً وجعل يجمع رحله ، فقال له الحاضرون : ما الخبر؟ فقال لهم : الساعة أخرج ؛ فجعل أهل السجن يتغامزون ويقولون : تغيّر عقله.

__________________

(١) أداء بعد ما كست الظلاما. كذا في بعض النسخ. (المؤلف)

٦٣٠

وأمّا الناصر فإنّه أيضاً رأى أمير المؤمنين في الطيف ، فقال له عليه‌السلام : أخرج ابن جميل في هذه الساعة ؛ فانتبه مذعوراً وتعوّذ من الشيطان ونام ، فأتاه عليه‌السلام ثانياً وقال له مثل الأوّل ، فقال : ما هذا الوسواس؟ فأتاه ثالثة وأمره بإخراجه ، فانتبه وأنفذ في الحال من يطلقه ، فلمّا طرق الباب قال : والله وذا أنا متهيّئ ؛ فلمّا مثل بين يدي الناصر عرّفوه أنّهم وجدوه متهيئاً للخروج ، فقال له : بلغني أنّك كنت متهيئاً للخروج ، فممّا ذا؟

قال : إنّه جاء إليّ من جاءك قبل أن يجيء إليك. قال : فبما ذا؟ قال : عملت فيه قصيدة ، فقال الناصر : انشدنيها. فأنشد القصيدة.

الشاعر

مجد الدين أبو عبد الله محمد بن منصور بن جميل الجبائي ويقال : الجبي ، المعروف بابن جميل الفزاري ، كاتب شاعر ، وأديب متضلّع ، له في النحو واللغة والأدب وقرض الشعر خطوات واسعة ، وفي معجم الأدباء صحيفة بيضاء ، وفي طبقات النحاة ذكرى خالدة ؛ وقد جمع شوارد تاريخ ذلك الشاعر الفحل المنسيِّ الدكتور مصطفى جواد البغدادي في ترجمة نشرتها مجلّة الغري النجفيّة الغرّاء في عددها ال (١٦) من السنة السابعة (ص ٢) ، ونحن نذكرها برمّتها متناً وتعليقاً قال : وُلد بقرية من نواحي هيت تُعرف بجبا ، وقدم بغداد في أوّل عمره وقرأ بها الأدب ولازم مصدّق بن شبيب الواسطي النحوي حتى برع في النحو واللغة والفقه والفرائض والحساب بعد قراءة القرآن الكريم ، وسمع الحديث من جماعة من الشيوخ ، منهم : أبو الفرج عبد المنعم بن عبد الوهّاب بن كليب ، والقاضي أبو الفتح محمد بن أحمد المندائي الواسطي سمعه حين قدومه بغداد ، وعالج النثر والنظم فبلغ منهما مرتبة عاليةً.

قال القفطي : وقد كان أنشأ مقامات ظهر منها قطعة رأيتها في جملة أجزاء

٦٣١

أُحضرت من بغداد إلى حلب للبيع بخطِّه ، وكان خطّا متوسّطاً صحيح الوضع فيه تلتبس نقط ثابتة لا تكاد تتغيّر (كذا) ، وشعره جيد مشهور مصنوع لا مطبوع (١).

ووصفه ياقوت الحموي بأنَّه نحويّ لغويّ أديب من أفاضل العصر ، قال : وكان كاتباً بليغاً مليح الخطّ ، غزير الفضل ، متواضعاً مليح الصورة ، طيّب الأخلاق (٢).

وكان من شعراء الديوان العبّاسي ، ومدح الخليفة الناصر لدين الله بقصائد كثيرة كان يوردها في المواسم والهناءات (٣) ، فعرف واشتهر ورتّب كاتباً في ديوان التركات الحشريّة وناظراً فيه ، وهي تركات من يتوفّى وتحشر إلى بيت المال لعدم الوارث المستحقّ بحسب مذهب الشافعي ، وكان ببغداد رجل تاجر يُعرف بابن العنيبري ، وكان صديقاً له ، فلمّا حضرته الوفاة سأله الحضور إليه ، فلمّا حضر قال له : أنا طيّب النفس بموتي في زمان ولايتك ليكون جاهك على أطفالي وعيالي. فوعده بهم جميلاً ؛ فلمّا مات حضر إلى تركته وباشرها فرأى فيها ألف دينار عيناً فأخذها وحملها إلى الإمام الناصر ، وأصحبها مطالعة منه يقول فيها : مات ابن العنيبري ـ ورث الله الشريعة أعمار الخلائق ـ وقد حمل المملوك من المال الحلال الصالح للمخزن ألف دينار وهو في عهدة تبقيها دنياً وآخرةً.

قال القفطي : كان ظالم النفس ، عسوفاً فيما يتولاّه ، قال لبعض العاقلين : خف عذابي فإنّه أليم شديد. فقال له الرجل : فإذاً أنت الله لا إله إلاّ هو ؛ فخجل ولم يمنعه ذلك ، ولم يردعه عمّا أراده من ظلمه. قال : وكان يظنّ بنفسه الكثير حتى لا يرى أحداً مثله (٤)

__________________

(١) أصول التاريخ والأدب : ١٩ / ١٦٦ ، ٩ / ٦٧ ـ ٦٨ ، من مجموعاتنا الخطّية وعدّتها ثلاثة وثلاثون مجلّداً ، وهي في ازدياد. (المؤلف)

(٢) معجم الأدباء : ٧ / ١١٠ [١٩ / ٦٠]. (المؤلف)

(٣) أصول التاريخ والأدب : ١٩ / ١٦٦. (المؤلف)

(٤) أصول التاريخ والأدب : ٩ / ٦٧ ، ٦٨. (المؤلف)

٦٣٢

ثمّ توصّل مجد الدين إلى أن يكون كاتباً في المخزن ـ وهو كوزارة الماليّة في عصرنا ـ وكانت توقيعات التعيينات مسندةً كتابتها إليه ، ثمّ ترقّى حتى صار صدراً في المخزن ، أي صاحب المخزن ـ كوزير الماليّة في عصرنا ـ وكان ذلك في ليلة عاشر ذي القعدة سنة (٦٠٥) مضافاً إلى ولاية دُجيل ، وطريق خراسان ـ أي لواء ديالى والخالص ـ والخزانة والعقار وغير ذلك من أعمال الحضرة ببغداد (١).

ولمّا كان كاتباً عدلاً في المخزن كان له من الجراية ـ أي الجامكية ـ خمسة دنانير في الشهر ؛ فلمّا ولي الصدريّة قرّر له عشرة دنانير ، وقد ذكر القفطي حكاية وقعت للمترجم أيّام تولّيه صدريّة المخزن ، إلاّ أنّ سقم الخطّ الذي كتبت به أحالها ، قال : سأله بعض التجّار والغرباء العناية بشخص في إيصال حقّه إليه من المخزن فوعده ومطله ، فقال التاجر الشافع ـ وكان يدلّ عليه ـ : فدفعت إليه في كلّ يوم بدانق. قال له : وكيف؟ قال : لأنّك كنت عدلاً أقرب منه حالاً اليوم. وأشار إلى أنّه لمّا زيد رزقه ورفعت مرتبته تجبر دصر ـ كذا ـ زيادة ، وهي سدس درهم في كلّ يوم وهو الدانق حتى أخجله الله وصرف عن ذلك وسجن مدّة (٢) ، وكان عزله عن تلك الولايات كلّها يوم السبت الثالث والعشرين من شهر ربيع الأوّل سنة (٦١١) ، ثمّ أُطلق من السجن وجُعل وكيلاً كاتباً بباب دار الأمير عدة الدين أبي نصر محمد بن الناصر لدين الله ، ومات وهو على ذلك في منتصف شعبان من سنة (٦١٦) ، وكان كهلاً ، ودُفن في مقابر قريش أي أرض المشهد الكاظمي (٣).

وكان له من الأولاد ابن اسمه صفيّ الدين عبد الله ، كان مقدّم شعراء الديوان في

__________________

(١) أصول التاريخ والأدب : ١٩ / ١٦٦ ، والجامع المختصر : ٩ / ٢٦٥ ـ ٢٦٦. (المؤلف)

(٢) أصول التاريخ والأدب : ٩ / ٦٨. (المؤلف)

(٣) الأصول المذكورة : ١٩ / ١٦٦ ، ومعجم الأدباء : ٧ / ١١٠ [١٩ / ٦٠] ، ومن معجم الأدباء نقل السيوطي كما في البغية : ص ١٠٧ [١ / ٢٥٠ رقم ٤٦٠] ، وترجمه الذهبي نقلاً عن مجد الدين ابن النجّار ، أصول التاريخ : ٢٤ / ٢٤٧. (المؤلف)

٦٣٣

أيّام المستعصم بالله ، وتوفّي سنة (٦٦٩) (١).

وكان له أخ يلقّب بقطب الدين ، فقد ذكر ابن واصل الحموي المؤرِّخ المشهور : أنّ جدّه تاج الدين نصر الله بن سالم بن واصل صاحب القاضي ضياء الدين القاسم بن الشهرزوري ، انحدر من الموصل إلى بغداد مع القاضي المذكور في ثامن عشر شعبان سنة (٥٩٥) ولمّا وصلا إلى بغداد أمر الخليفة الناصر لدين الله بإنزالهم في درب الخبّازين (٢) من سوق الثلاثاء ، ثمّ أنزل تاج الدين في دار صاحب المخزن ، قال والد المؤرِّخ المذكور : وكان بين والدي ـ يعني تاج الدين ـ والصاحب شمس الدولة محمد بن جميل الفزاري مودّة نسجتها الصداقة بين والدي وأخيه قطب الدين في سفرات عديدة إلى دمشق المحروسة ، فلمّا طال المزار وأقمنا بدار الخلافة ، على وجه الإيثار ، صار الخبر عياناً وأصبح المعارف خلاّناً ، فبقي شمس الدولة ووالدي رحمه‌الله يتزاوران ليلاً طرحاً للكلفة (٣).

أدب مجد الدين بن جميل :

لا ريب في أنَّ ضياع أدب الأديب من أمارات ضياع ترجمته أو استبهامها ؛ وقد غبرنا دهراً نبحث عن ترجمة هذا الأديب الكبير فلم نعثر إلاّ على ما ذكرنا من الأخبار والسيرة المختصرة ، فأين مجموع نثره وديوان شعره والمقامات التي أنشأها؟ إنّها في ضمير الغيب ، ولم يصل إليّ منها إلاّ ما أنا ناشره بعد هذا.

كتب مجد الدين محمد بن جميل إلى جدّه ابن واصل المذكور :

إن أخذ الخادم في شكر الإنعام الزيني (٤) قصيرٌ عن غايته وقصر دون نهايته ،

__________________

(١) الحوادث الجامعة : ص ١٨٤ ، ٣٦٨. (المؤلف)

(٢) هو محلّة العاقولية الحاليّة ، وفيها مدرسة التفيّض الأهلية. (المؤلف)

(٣) أصول التاريخ والأدب : ٢٣ / ٥٧. (المؤلف)

(٤) كذا ورد ، وقد قدّمنا أنّ لقبه تاج الدين ، فلعلّه بدّل لقبه بعد ذلك كما كان جارياً في الدولة العباسية. (المؤلف)

٦٣٤

وإن تعرّض لوصف تلك الخلال الشريفة ، والأخلاق اللطيفة ، والألفاظ المستعذبة المألوفة مكنوناً من عيّه ، ولكنَّه نشر ما لعلّه كان مطويّا من حصره ، وفيها هنة لكنّه يقول على ثقة من مسامحته :

قصدت ربعي فتعالى به

قدري فدتك النفسُ من قاصدِ

فما رأى العالمُ من قبلها

بحراً مشى قطُّ إلى واردِ

فلله هو من بحر خضمّ ، عذب ماؤه ، وسرى نسيماً هواؤه ، فأمن سالكوه من خطره ، ورأوا عجائبه وفازوا بدرره ؛ وإن كنت في هذا المقام كالمنافس على قول ابن قلاقس (١) :

قبِّل بنانَ يمينه

وقل السلام عليك بحراً

وغلطتُ في تشبيهه

بالبحر اللهمَّ غفراً

والله تعالى يسبغ الظلّ الظليل ، ويبقي ذلك المجد الأثيل ، ويستخدم الدهر لخدمه ومحبّيه ، ويمتِّعهم ببلوغ الآمال منه وفيه بمنّه وكرمه (٢).

هذه هي الرسالة الإخوانيّة الوحيدة التي عثرت عليها لمجد الدين بن جميل ؛ وله توقيع كتبه في سنة (٦٠٤) أيّام كان كاتباً في المخزن ، في تولية ضياء الدين أحمد بن مسعود التركستاني الحنفي التدريس بمدرسة الإمام أبي حنيفة المجاورة لقبره يومذاك ، قال فيه :

بسم الله الرحمن الرحيم ، الحمد لله المعروف بفنون المعروف والكرم ، الموصوف

__________________

(١) هو أبو الفتح نصر الله بن عبد الله بن مخلوف بن عليّ بن عبد القوي بن قلاقس ، الأديب الشاعر المجيد ، ولد سنة (٥٣٢) ، وتوفّي بعيذاب سنة (٥٦٣) ، وقصر عمره يدل على نبوغه ، وله الديوان المطبوع.(المؤلف)

(٢) أصول التاريخ والأدب : ٢٣ / ٥٧. (المؤلف)

٦٣٥

بصنوف الإحسان والنعم ، المتفرِّد بالعظمة والكبرياء والبقاء والقدم ، الذي اختصَّ الدار العزيزة ـ شيّد الله بناها ، وأشاد مجدها وعلاها ـ بالمحلِّ الأعظم والشرف الأقدم ، وجمع لها شرف البيت العتيق ذي الحرم ، إلى شرف بيت هاشم الذي هشم ، جاعل هذه الأيّام الزاهرة الناضرة ، والدولة القاهرة الناصرة ، عقداً فى جيد مناقبها ، وحليّا يجول على ترائبها ، أدامها الله تعالى ما انحدر لثام الصباح ، وبرح خفاء براح.

أحمده حمد معترفٍ بتقصيره عن واجب حمده ، مغترف من بحر عجزه مع بذل وسعه وجهده ، وأشهد أن لا إله إلاّ الله وحده لا شريك له ، وهو الغنيّ عن شهادة عبده ؛ وأشهد أنّ محمداً عبده ورسوله الذي صدع بأمره ، وجاء بالحقِّ من عنده ، صلّى الله عليه صلاةً تتعدّى إلى أدنى ولده وأبعد جدِّه ، حتى يصل عقبها إلى أقصى قصيّه ونزاره ومعدّه.

وبعد ؛ فلمّا كان الأجلّ السيّد الأوحد العالم ضياء الدين ، شمس الإسلام ، رضيّ الدولة ، عزّ الشريعة ، علم الهدى ، رئيس الفريقين ، تاج الملك ، فخر العلماء ، أحمد بن مسعود التركستاني ـ أدام الله علوّه ـ ممّن أعرق في الدين منسبه ، وتحلّى بعلوم الشريعة أدبه ، واستوى في الصحّة مغيبه ومشهده ، وشهد له بالأمانة لسانه ويده ، وكشف الاختبار منه عفّةً وسداداً ، وأبت مقاصده إلاّ أناة واقتصاداً ، رأى الإحسان إليه والتعويل عليه في التدريس بمشهد أبي حنيفة ـ رحمة الله عليه ـ ومدرسته ، وأسند إليه النظر في وقف ذلك أجمع لاستقبال حادي عشري ذي القعدة سنة أربع وستمائة الهلاليّة وما بعدها وبعدها ، وأمر بتقوى الله ـ جلّت آلاؤه وتقدّست أسماؤه ـ التي هي أزكى قربات الأولياء ، وأنمى خدمات النصحاء ، وأبهى ما استشعره أرباب الولايات ، وأدلّ الأدلّة على سُبل الصالحات ، وفاعلها بثبوت القدم خليق ، وبالتقديم جدير ، قال الله تعالى : (إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللهِ أَتْقاكُمْ إِنَّ اللهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ) (١).

__________________

(١) الحجرات : ١٣.

٦٣٦

وأن يذكر الدرس على أكمل شرائط وأجمل ضوابط ، مواظباً على ذلك ، سالكاً فيه أوضح المسالك ، مقدّماً عليه تلاوة القرآن المجيد على عادة الختمات في البكر والغدوات ، متّبعاً ذلك بتمجيد آلاء الله وتعظيمها ، والصلاة على نبيّه ـ صلّى الله عليه ـ صلاة يضوع أرج نسيمها ، شافعاً ذلك بالثناء على الخلفاء الراشدين والأئمّة المهديّين ـ صلوات الله عليهم أجمعين ـ والإعلان بالدعاء للمواقف الشريفة المقدّسة النبويّة الإماميّة الطاهرة الزكيّة المعظّمة المكرّمة الممجّدة الناصرة لدين الله تعالى ، لا زالت منصورة الكتب والكتائب ، منشورة المناقب ، مسعودة الكواكب والمواكب ، مسودّة الأهب ، مبيضّة المواهب ، ما خطب إلى جموع الأكابر ، وعلى فروع المنابر ، خطيب وخاطب ، وأن يذكر من الأصول فصلاً يكون من سهام الشّبه جُنّة ، ولنصر اليقين مظنّة ، متّبعاً من المذهب ومفرداته ونكته ومشكلاته ما ينتفع به المتوسط والمبتدي ، ويتبيّنه ويستضيء به المنتهي ، وليذكر من المسائل الخلافيّة ما يكون داعياً إلى وفاق المعاني والعبارات ، هادياً لشوارد الأفكار إلى موارد المنافسات ، ناظماً عقود التحقيق في سلوك المحاققات (١) ، مصوّباً أسنّة البديهة إلى ثغر الأناة ، معتصماً في جميع أمره بخشية الله وطاعته ، مستشعراً ذلك في علنه وسريرته.

والمفروض له عن هذه الخدمة في كلّ شهر للاستقبال المقدّم ذكره من حاصل الوقف المذكور لسنة تسع وتسعين الخراجيّة ، وما يجري مجراها من هلاليّة وما بعدها ، أُسوةً بما كان لعبد اللطيف ابن الكيّال ، من الحنطة كيل البيع ثلاثون قفيزاً ، ومن العين الإماميّة عشرة دنانير ، يتناول ذلك شهراً فشهراً ، مع الوجوب والاستحقاق للاستقبال المقدّم ذكره من حاصل الوقف المعيّن للسنة المبيّنة الخراجيّة وما بعدها ، بموجب ما استؤمر فيه من المخزن المعمور ـ أجلّه الله تعالى ـ وإذن : فليجر

__________________

(١) كذا ورد بفكّ الإدغام ، والصواب الإدغام ، وشذّ قولهم : تجانن فلان ، أي أظهر الجنون وليس به. (المؤلف)

٦٣٧

على عادته المذكورة وقاعدته ، ولتكن صلاته وجماعته في جامع القصر الشريف (١) في الضفّة التي لأصحاب أبي حنيفة ـ رحمة الله عليه ـ وليصرف حاصل الوقوف المذكورة في سبلها بمقتضى شرط الواقف المذكور في كتاب الوقفيّة ، من غير زيادة فيها ولا عدول عنها ولا حذف شيء منها ، عالماً أنّه مسؤول في غده عن يومه وأمسه ، وإنّ أفعال المرء صحيفة له في رمسه.

وليبذل جهده في عمارة الوقوف المذكورة واستنمائها ، واستثمار حاصلها وارتفاعها ، مستخيراً من يستخدمه فيها من الأجلاد الأُمناء ذوي العفّة والغناء ، متطلّعاً إلى حركاتهم وسكناتهم ، مؤاخذاً لهم على ما لعلّه يتّصل به من فرطاتهم ، لتكون الأحوال متّسقة النظام ، والمال محروساً من الانثلام ، وليبتدئ بعمارة المشهد والمدرسة المذكورين ، وإصلاح فرشها ومصابيحها ، وأخذ القوّام على الخدمة بها ، وإلزام المتفقّهة بملازمة الدروس وتكرارها ، وإتقان المحفوظات وإحكامها ، وليثبت بخزانة الكتب من المجلّدات وغيرها ، معارضاً ذلك بفهرسته متطلّبا ما عساه قد شذّ منها ، وليأمر خازنها بعد استصلاحه بمراعاتها ونفضها في كلّ وقت ومرمّة شعثها ، وأن لا يخرج منها إلاّ إلى ذي أمانة ، مستظهراً بالرهن عن ذلك ، وليتلقّ هذه الموهبة بشكر يرتبطها ويدبّر أخلافها ، واجتهاد يضبطها ويؤمن إخلافها ، وليعمل بالمحدود له في هذا المثال من غير توقّف فيه بحال إن شاء الله تعالى. وكتب لسبع بقين من ذي القعدة من سنة أربع وستمائة ، وحسبنا الله ونعم الوكيل وصلّى الله على نبينا محمد وآله الطاهرين الأكرمين وسلّم (٢).

__________________

(١) هو جامع سوق الغزل الحالي ، ولكنّه كان أوسع أقطاراً وأوعب للناس. (المؤلف)

(٢) الجامع المختصر : ٩ / ٢٣٣ ـ ٢٣٦. (المؤلف)

٦٣٨

ـ ٥٨ ـ

الشوّاء الكوفي الحلبي

ولد (٥٦٢) تقريباً

توفّي (٦٥٣)

ضمنت لمن يخاف من العقابِ

إذا والى الوصيّ أبا ترابِ

يرى في حشره ربّا غفوراً

ومولىً شافعاً يوم الحسابِ

فتىً فاق الورى كرماً وبأساً

عزيزُ الجار مخضرُّ الجنابِ

يُرى في السلم منه غيثُ جودٍ

وفي يوم الكريهة ليثُ غابِ

إذا ما سلَّ صارمَه لحربٍ

أراك البرقَ في متنِ السحابِ

وصيُّ المصطفى وأبو بنيه

وزوجُ الطهر من بين الصحابِ

أخو النصِّ الجليِّ بيومِ خمٍ

وذو الفضل المرتَّل في الكتابِ (١)

الشاعر

أبو المحاسن يوسف بن إسماعيل بن عليّ بن أحمد بن الحسين بن إبراهيم ، المعروف بالشوّاء ، الملقّب بشهاب الدين الكوفي الحلبي مولداً ومنشأً ووفاةً.

هو من بواقع الشعر والأدب ، ولقد أتته الفضيلة من هنا وهناك ، فرأيٌ مسدّد ،

__________________

(١) الطليعة في شعراء الشيعة : ج ٢ (مخطوط) للعلاّمة السماوي. وتوجد منها ثلاثة أبيات في تاريخ ابن خلّكان [٧ / ٢٣٥ رقم ٨٥٠]. (المؤلف)

٦٣٩

وهوىً محبوب ، ونزعة شريفة ، وقريض رائق ، وأدب فائق ، وقوافٍ ذهبيّة ، وعروض متقن ، فأيّ أخي فضل يتسنّم ذروة مجده؟ وتلك نزعته وهذه صنعته. ترجمه زميله ابن خلّكان في تاريخه (١) (٢ / ٥٩٧) ، وله ذكره الجميل في شذرات الذهب (٢) (٥ / ١٧٨) ، وتاريخ حلب (٣) (٤ / ٣٩٧) ، وتتميم أمل الآمل للسيّد ابن شبانة ، ونسمة السحر فيمن تشيّع وشعر (٤) ، والكنى والألقاب (٥) (١ / ١٤٦) ، والطليعة في شعراء الشيعة ، ونحن نذكر ما في تاريخ ابن خلكان (٦) ملخّصاً قال :

كان أديباً فاضلاً ، متقناً لعلم العروض والقوافي ، شاعراً يقع له في النظم معان بديعة في البيتين والثلاثة ، وله ديوان شعر كبير يدخل في أربع مجلّدات ، وكان زيّه زيّ الحلبيّين الأوائل في اللباس والعمامة المشقوقة ، وكان كثير الملازمة لحلقة الشيخ تاج الدين أبي القاسم أحمد بن هبة الله بن سعد بن سعيد بن المقلّد ، المعروف بابن الجبراني النحوي اللغوي ، وأكثر ما أخذ الأدب منه وبصحبته انتفع ؛ كان بيني وبين الشهاب الشوّاء مودّة أكيدة ومؤانسة كثيرة ، ولنا اجتماعات في مجالس نتذاكر فيها الأدب ، وأنشدني كثيراً من شعره ، وما زال صاحبي منذ أواخر سنة ثلاث وثلاثين وستمائة إلى حين وفاته ، وقبل ذلك كنت أراه قاعداً عند ابن الجبراني المذكور في موضع تصدّره في جامع حلب ، وكان يكثر التمشّي في الجامع أيضاً على جري عادتهم في ذلك كما يعملون في جامع دمشق ، وكان حسن المحاورة ، مليح الإيراد مع السكون والتأنّي ، وأوّل شيءٍ أنشدني من شعره قوله :

__________________

(١) وفيات الأعيان : ٧ / ٢٣١ رقم ٨٥٠.

(٢) شذرات الذهب : ٧ / ٣١٠ حوادث سنة ٦٣٥ ه‍.

(٣) إعلام النبلاء بتاريخ حلب الشهباء : ٤ / ٣٧٠ ـ ٣٧٣.

(٤) نسمة السحر : مج ٩ / ج ٢ / ٦١٤.

(٥) الكنى والألقاب : ١ / ١٥٣.

(٦) وفيات الأعيان : ٧ / ٢٣١ رقم ٨٥٠.

٦٤٠