الغدير في الكتاب والسنّة والأدب - ج ٥

الشيخ عبد الحسين أحمد الأميني النجفي

الغدير في الكتاب والسنّة والأدب - ج ٥

المؤلف:

الشيخ عبد الحسين أحمد الأميني النجفي


المحقق: مركز الغدير للدّراسات الإسلاميّة
الموضوع : العقائد والكلام
الناشر: مركز الغدير للدراسات الإسلامية
المطبعة: فروردين
الطبعة: ١
الصفحات: ٧١٢

حنبل وأتني بالجواب. قال الربيع : فدخلت بغداد ومعي الكتاب ، ولقيت أحمد بن حنبل صلاة الصبح فصليت معه الفجر ، فلمّا انفتل من المحراب سلّمت [إليه] (١) الكتاب ، وقلت له : هذا كتاب أخيك الشافعيّ من مصر. فقال أحمد : نظرت فيه؟ قلتُ : لا ، وكسر أحمد الخاتم وقرأ الكتاب فتغرغرت عيناهُ بالدموع ، فقلت له : أيّ شيء فيه يا أبا عبد الله؟ فقال : يذكر أنّه رأى النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في المنام ، فقال له : اكتب إلى أبي عبد الله أحمد بن حنبل واقرأ عليه منّي السلام ، وقل : إنّك ستُمتحن وتُدعى إلى خلق القرآن فلا تجبهم ، يرفع الله لك علماً إلى يوم القيامة.

قال الربيع فقلت : البشارة ، فخلع قميصه الذي يلي جلده فدفعه إليّ ، فأخذته وخرجت إلى مصر ، وأخذت جواب الكتاب وسلّمته إلى الشافعي ، فقال لي : يا ربيع ، أيّ شيء الذي دفع إليك؟ قلت : القميص الذي يلي جلده ؛ فقال لي الشافعي : ليس نفجعك به ولكن بلّه وادفع إلينا الماء حتى أُشركك فيه (٢). ورواه بطريق آخر وفيه : قال الربيع : فغسلته فحملت ماءه إليه فتركته في قنينة ، وكنت أراه في كلّ يوم يأخذ منه ويمسح على وجهه تبرّكاً بأحمد بن حنبل. وذكره ابن كثير في تاريخه (٣) (١٠ / ٣٣١) نقلاً عن البيهقي.

وقال الفقيه أحمد بن محمد أبو بكر اليازودي (٤) : دخلت العراق فكتبت كتب أهل العراق ، وكتبت كتب أهل الحجاز ، فمن كثرة اختلافهما لم أدر بأيّهما آخذ ، إلى أن قال : فمن كثرة اختلافهما تركت الجماعة وخرجت ، فأصابني غمّ وبتُّ مغموماً. فلمّا

__________________

(١) الزيادة من المصدر.

(٢) في لفظ ابن كثير : ولكن بلّه بالماء وأعطنيه حتى أتبرّك به. (المؤلف)

(٣) البداية والنهاية : ١٠ / ٣٦٥ حوادث سنة ٢٤١ ه‍.

(٤) في تاريخ مدينة دمشق وفي مختصره : الباروذي نسبة إلى باروذ وهي قرية من قرى فلسطين عند الرملة ، كذا ذكر السمعاني في الأنساب : ١ / ٢٥٥ ، وياقوت في معجم البلدان : ١ / ٣٢٠.

٤٦١

كان في جوف الليل قمت وتوضّأت وصلّيت ركعتين ، وقلت : اللهمّ اهدني إلى ما تحبّ وترضى ، ثمّ أويت إلى فراشي فرأيت النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فيما يرى النائم ، دخل من باب بني شيبة ، فأسند ظهره إلى الكعبة ، ورأيت الشافعيّ وأحمد بن حنبل على يمين النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يتبسّم إليهما ، ورأيت بشر المريسي على يسار النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم مكلح الوجه ، فقلت : يا رسول الله ، من كثرة اختلاف هذين الرجلين لم أدر بأيّهما آخذ. فأومأ إلى الشافعيّ وأحمد بن حنبل ، وقال : أولئك الذين آتيناهم الكتاب والحكم والنبوّة ، ثمّ أومأ إلى بشر المريسي وقال : فإن يكفر بها هؤلاء فقد وكّلنا بها قوماً ليسوا بها بكافرين. قال أبو بكر : والله لقد رأيت هذه الرؤيا وتصدّقت من الغد بألف دينار (١) ، وعلمت أنّ الحقّ مع الشيخين ، إلخ. رواه ابن عساكر في تاريخه (٢) (١ / ٤٥٤) نقلاً عن الحافظين البيهقي والجوزقي.

وبلغ غلوُّ الحنابلة في إمامهم إلى حدّ قال المديني : إنّ الله أعزّ هذا الدين برجلين ليس لهما ثالث : أبو بكر الصدّيق يوم الردّة ، وأحمد بن حنبل يوم المحنة (٣). وقال : ما قام أحد بأمر الإسلام بعد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ما قام به أحمد بن حنبل ، قال : الميموني قلت له : يا أبا الحسن! ولا أبو بكر الصدّيق؟ قال : ولا أبو بكر الصدّيق ، إنّ أبا بكر الصدّيق كان له أعوان وأصحاب ، وأحمد بن حنبل لم يكن له أعوان وأصحاب. تاريخ بغداد (٤ / ٤١٨)

وهناك مثل أبي عليّ الحسين بن عليّ الكرابيسي الشافعي المتوفّى (٢٤٥ ، ٢٤٨)

__________________

(١) كذا في المصدر ، وفي المختصر : درهم.

(٢) تاريخ مدينة دمشق : ٥ / ٢٢٦ رقم ١٢٢ ، وفي مختصر تاريخ دمشق : ٣ / ٢٣٣.

(٣) هل خفي على ابن المديني ما أخرجه الحفّاظ من الصحيح المكذوب على رسول الله أنّه صلّي الله عليه وآله وسلّم قال : اللهمّ أعزّ الإسلام بعمر بن الخطّاب خاصّة؟ والصحيح المختلق عليه صلّي الله عليه وآله وسلّم : اللهمّ أيّد الدين بعمر. فجعل الله دعوة رسول الله صلّي الله عليه وآله وسلّم لعمر ، فبنى عليه ملك الإسلام وهدم به الأوثان. مستدرك الحاكم : ٢ / ٨٣ [٣ / ٨٩ ح ٤٤٨٦]. (المؤلف)

٤٦٢

يتحامل على الإمام أحمد ويتكلّم فيه ، ويقول لمّا سمع قوله في القرآن : ايش نعمل بهذا الصبّي؟ إن قلنا : مخلوق ، قال : بدعة ، وإن قلنا : غير مخلوق ، قال : بدعة (١).

ومثل مرجان الخادم المتفقّه لمذهب الشافعي المتوفّى (٥٦٠) كان يتعصّب على الحنابلة ويكرههم ، حتى إنّ الحطيم الذي برسم الوزير ابن هبيرة بمكة يصلّي فيه ابن الطبّاخ الحنبلي (٢) ، مضى مرجان وأزاله من غير تقدّم بغضاً للقوم ، وكان يقول لابن الجوزي الحنبلي : مقصودي قلع مذهبكم وقطع ذكركم ، ولمّا توفّي مرجان فرح ابن الجوزي فرحاً شديداً (٣). المنتظم (١٠ / ٢١٣) ، البداية والنهاية (١٢ / ٢٥٠).

وقال ابن الجوزي في المنتظم (٤) (١٠ / ٢٢٤) : كان أبو سعد السمعاني المتوفّى (٥٦٣) يتعصّب على مذهب أحمد ويبالغ ، فذكر من أصحابنا جماعة وطعن فيهم بما لا يوجب الطعن.

ولابن الجوزي في المنتظم (٥) (٨ / ٢٦٧) كلمة ضافية حول تعصّب أبي بكر الخطيب البغدادي ـ صاحب التاريخ ـ على مذهب أحمد وأصحابه ، إلى أن قذفه بعدم الحياء وقلّة الدين.

وكان محمد بن محمد أبو المظفّر البروي المتوفّى (٥٦٧) يتكلّم في الحنابلة ، وتعصّب عليهم وبالغ في ذمّهم ، وقال : لو كان لي أمر لوضعت عليهم الجزية ، فدَسّ الحنابلة عليه سمّا فمات منه هو وزوجته وولد له صغير. المنتظم (٦) (١٠ / ٢٣٩).

__________________

(١) تاريخ بغداد : ٨ / ٦٤ [رقم ٤١٣٩]. (المؤلف)

(٢) أبو محمد المبارك بن عليّ بن الحسين البغدادي نزيل مكّة ومجاورها ، المتوفّى (٥٧٥). (المؤلف)

(٣) المنتظم : ١٨ / ١٦٦ رقم ٤٢٥٦ ، البداية والنهاية : ١٢ / ٣١١ حوادث سنة ٥٦٠ ه‍.

(٤) المنتظم : ١٨ / ١٧٨ رقم ٤٢٦٩.

(٥) المنتظم : ١٦ / ١٣٢ رقم ٣٤٠٧.

(٦) المنتظم : ١٨ / ١٩٨ رقم ٤٢٩٢. وانظر : شذرات الذهب : ٦ / ٣٧٠ ، العبر : ٢ / ٥٢.

٤٦٣

نعم ؛ هناك من لم تزحزحه النزعات والأهواء عن الهتاف بالصدق نظراء الفيروزآبادي صاحب القاموس ، والعجلوني ، فقال الأوّل في خاتمة كتابه سفر السعادة (١). والثاني في كشف الخفاء (٢ / ٤٢٠) ـ باب فضائل أبي حنيفة والشافعيّ ـ : وذمّهم ليس فيه شيء صحيح ، وكلّ ما ذكر من ذلك فهو موضوع ومفترى.

وقال ابن درويش الحوت في أسنى المطالب (٢) (ص ١٤) : لم يرد في أحد من الأئمّة بعينه نصّ لا صحيح ولا ضعيف.

قائمة الموضوعات والمقلوبات

في وسع الباحث أن يتّخذ ممّا ذُكر في سلسلة الكذّابين من عدّ ما وضعوه أو قلّبوه قائمة تقرّب له الوقوف على حساب الموضوعات والمقلوبات من الأحاديث المبثوثة في طيّات كتب القوم ومسانيدهم ، وإن لم يمكنه عرفان جلّها فضلاً عن كلّها ؛ إذ لم يكن هناك ديوان لتسجيل الوضّاعين ، وضبط ما افتعلوه ، وحصر ما لفّقوه من موضوع أو مقلوب ، والذي يوجد في ترجمة شرذمةٍ قليلة من أُولئك الجمّ الغفير إنّما هو من لقطات التاريخ ، حفظته يد الصدفة لا عن قصدٍ ، وإليك جملة من تلك الثَّوِيلة (٣) :

الأعلام

عدد الأحاديث

أبو سعيد أبان بن جعفر : وضع أكثر من

٣٠٠

أبو عليّ أحمد الجويباري : وضع هو وابنا عكاشة وتميم أكثر من

 ١٠٠٠٠

أحمد بن محمد القيسي : لعلّه وضع على الأئمّة أكثر من

 ٣٠٠٠

__________________

(١) سفر السعادة : ٢ / ٢١٢.

(٢) أسنى المطالب : ص ٣٧ ح ٣١.

(٣) الثويلة : المجموعة.

٤٦٤

الأعلام

 عدد الأحاديث

أحمد بن محمد الباهلي : أحاديثه الموضوعة

 ٤٠٠

أحمد بن محمد المروزي : قلّب على الثقات أكثر من

 ١٠٠٠٠

أحمد أبو سهل الحنفي : أحاديثه المكذوبة

 ٥٠٠

بشر بن الحسين الأصبهاني : له نسخة موضوعة فيها

 ١٥٠

بشر بن عون : له نسخة موضوعة نحو

 ١٠٠

جعفر بن الزبير : وضع على رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم

٤٠٠

الحارث بن أُسامة : أخرج أحاديث موضوعة تعدّ

 ٣٠

الحسن العدوي : حدّث بموضوعات تربو على

 ١٠٠٠

الحكم بن عبد الله أبو سلمة : وضع نحو

 ٥٠

دينار الحبشي : روى عن أنس من الموضوعات قريباً من

 ١٠٠ (١)

زيد بن الحسن : وضع

 ٤٠

زيد بن رفاعة أبو الخير : له من الموضوعات

 ٤٠

سليمان بن عيسى : وضع بضعة و

٢٠

شيخ بن أبي خالد البصري : وضع

 ٤٠٠

صالح بن أحمد القيراطي : لعلّه قلّب أكثر من

١٠٠٠٠

عبد الرحمن بن داود : له من الموضوعات

 ٤٠

عبد الرحيم الفاريابي : وضع أكثر من

 ٥٠٠

عبد العزيز : موضوعاته ومقلوباته

 ١٠٠

عبد الكريم بن أبي العوجاء : وضع

 ٤٠٠٠

عبد الله القزويني : وضع على الشافعي نحو

 ٢٠٠

__________________

(١) مرّ صفحة ٢٣٠ قول ابن عديّ فيه : يقدر أن يروي عنه عشرين ألفاً كلّها كذب. (المؤلف)

٤٦٥

عبد الله القدامي : قلّب على مالك أكثر من

 ١٥٠ (١)

عبد الله الروحي : روى من الموضوع أكثر من

 ١٠٠

عبد المنعم : أخرج من الحديث الكذب نحواً من

 ٢٠٠

عثمان بن مقسم : له عند شيبان ممّا لا يسمع

 ٢٥٠٠٠

عمر بن شاكر : له نسخة غير محفوظة نحو

 ٢٠

محمد بن عبد الرحمن البيلماني : حدّث كذباً

 ٢٠٠

محمد بن يونس الكديمي : وضع أكثر من

 ١٠٠٠

محمد بن عمر الواقدي : روى ممّا لا أصل له

 ٣٠٠٠٠

معلّى (٢) بن عبد الرحمن الواسطي : وضع

 ٩٠

ميسرة بن عبد ربّه البصري : وضع

 ٤٠

نوح بن أبي مريم : وضع في فضل السوَر

 ١١٤

هشام بن عمّار : حدّث كذباً

 ٤٠٠

فمجموع موضوعات هؤلاء المذكورين ومقلوباتهم :

٩٨٦٨٤

أضف إليها ما تركوا من حديث عبّاد البصري من

 ٦٠٠٠٠

وما رُمي من حديث عمر بن هارون من

 ٧٠٠٠٠

وما رُمي من حديث عبد الله الرازي من

 ١٠٠٠٠

وما تُرك من حديث ابن زبالة من

 ١٠٠٠٠٠

وما رُمي من أحاديث محمد بن حميد من

 ٥٠٠٠٠

وما أسقطوه ممّا كتبوه من حديث نصر من

 ٢٠٠٠٠ (٣)

٤٠٨٦٨٤

__________________

(١) لسان الميزان : ٣ / ٣٣٦ [٣ / ٤١٣ رقم ٤٧٤٦]. (المؤلف)

(٢) في بعض المصادر : يعلى. (المؤلف)

(٣) مرّ تفصيل ما في هذه القائمة في ترجمة رجالها في سلسلة الكذّابين. (المؤلف)

٤٦٦

فمجموع ما لا يصحُّ من أحاديث هذا الجمع القليل فحسب يقدر بأربعمائة وثمانية آلاف وستمائة وأربعة وثمانين حديثاً.

ولا يعزب عن الباحث أنّ هذا العدد إنّما هو نزر يسير نظراً إلى ما اختلقته أيدي الافتعال الأثيمة المتكثّرة ، وكان لجلّ الكذّابين الوضّاعين ـ لو لا كلّهم ـ تآليف تحوي شتات ما لفّقوه ممّا لا يُحدُّ ولا يُقدّر ، والتاريخ لم يحفظ لنا شيئاً منها غير الإيعاز إليها في تراجم جمع من مؤلّفيها : كما مرّ من أقوالهم :

أحمد بن إبراهيم المزني : له نسخة موضوعة.

أحمد بن محمد الحِمّاني : صنّف في مناقب أبي حنيفة كلّها موضوعة.

إسحاق بن محمشاذ : له مصنّف في فضائل ابن كرام كلّها موضوعة.

أيّوب بن مدرك الحنفي : له نسخة موضوعة.

بريه بن محمد البيّع : له كتاب أحاديثه موضوعة.

الحسن بن عليّ الأهوازي : صنّف كتاباً أتى بالموضوعات.

الحسين بن داود البلخي : له نسخة أكثرها موضوع.

داود بن عفّان : له نسخة موضوعة على أنس.

زكريّا بن دريد : له نسخة كلّها موضوعة.

عبد الرحمن بن حمّاد : عنده نسخة موضوعة.

عبد العزيز بن أبي زواد : عنده نسخة موضوعة.

عبد الكريم بن عبد الكريم : له كتاب موضوع.

عبد الله بن الحارث : له نسخة كلّها موضوعة.

عبد الله بن عمر القاضي : له نسخة موضوعة على مالك.

عبد المغيث بن زهير الحنبلي : له جزء موضوع في فضائل يزيد.

عبيد بن القاسم : له نسخة موضوعة.

العلاء بن زيد البصري : له نسخة موضوعة.

٤٦٧

لاحق بن الحسين المقدسي : كتب من حديثه الموضوع زيادة على خمسين جزءاً.

محمد بن أحمد المصري : له نسخة موضوعة.

محمد بن الحسن السلمي : ألّف كتباً تبلغ مائة كتاب.

محمد بن عبد الواحد الزاهد : له جزء في فضائل معاوية.

محمد بن يوسف الرقّي : وضع نحواً من ستّين نسخة.

موسى بن عبد الرحمن الثقفي : وضع كتاباً في التفسير.

وعلى القارئ أن يتّخذ هذا مقياساً ويقدّر به موضوعات جميع من ذكرناه من الكذّابين والوضّاعين ومقلوباتهم ومن لم نذكرهم ، فلا يستكثر عندئذٍ قول يحيى بن معين : كتبنا عن الكذّابين وسجرنا به التنّور وأخرجنا به خبزاً نضيجاً (١).

وقول البخاري صاحب الصحيح : أحفظ مائتي ألف حديث غير صحيح (٢).

وقول إسحاق بن إبراهيم الحنظلي : إنّه حفظ أربعة آلاف حديث مزوّرة (٣).

وقول يحيى بن معين : أيّ صاحب حديث لا يكتب عن كذّاب ألف حديث؟ تاريخ بغداد (١ / ٤٣).

وقول الخطيب البغدادي : لأهل الكوفة وأهل خراسان من الأحاديث الموضوعة والأسانيد المصنوعة نسخ كثيرة ، وقلّ ما يوجد بحمد الله في محدِّثي البغداديّين ما يوجد في غيرهم من الاشتهار بوضع الحديث والكذب في الرواية. تاريخ بغداد (١ / ٤٤).

وقول أبي بكر بن أبي سبرة الوضّاع الكذّاب : عندي سبعون ألف حديث في الحلال والحرام. تهذيب التهذيب (٤) (١٢ / ٢٧).

__________________

(١) تاريخ الخطيب البغدادي : ١٤ / ١٨٤ [رقم ٧٤٨٤]. (المؤلف)

(٢) إرشاد الساري للقسطلاني في شرح صحيح البخاري : ١ / ٣٣ [١ / ٥٩]. (المؤلف)

(٣) تاريخ الخطيب البغدادي : ٦ / ٣٥٢ [رقم ٣٣٨١]. (المؤلف)

(٤) تهذيب التهذيب : ١٢ / ٣٢.

٤٦٨

وقد عدّ الفيروزآبادي صاحب القاموس في خاتمة كتابه سفر السعادة (١). واحداً وتسعين باباً توجد فيها أحاديث كثيرة في كتبهم ، فقال : ليس منها شيء صحيح ، ولم يثبت منها عند جهابذة علماء الحديث.

وذكر العجلوني في خاتمة كتابه كشف الخفاء ، جملة من الموضوعات والوضّاعين والكتب المزوّرة ، وعدّ في (ص ٤١٩ ـ ٤٢٤) مائة باب ـ أكثرها في الفقه ـ وقال بعد كلّ باب : لم يصحّ فيه حديث ، أو ليس فيه حديث صحيح ، وما يقرب من ذلك.

وعدّ ابن الحوت البيروتي في أسنى المطالب ما يربو على ثلاثين مبحثاً ممّا يرى الأحاديث الواردة فيه باطلاً لم يصحّ شيء منها.

ويعرب عن كثرة الموضوعات اختيار أئمّة الحديث أخبار تآليفهم الصحاح والمسانيد من أحاديث كثيرة هائلة ، والصفح عن ذلك الهوش الهائش. قد أتى أبو داود في سننه بأربعة آلاف وثمانمائة حديثٍ وقال : انتخبته من خمسمائة ألف حديث (٢) ، ويحتوي صحيح البخاري من الخالص بلا تكرار ألفي حديث وسبعمائة وواحداً وستّين حديثاً اختاره من زهاء ستمائة ألف حديث (٣) ، وفي صحيح مسلم أربعة آلاف حديث أصول دون المكرّرات صنّفه من ثلاثمائة ألف (٤) ، وذكر أحمد بن حنبل في مسنده ثلاثين ألف حديث ، وقد انتخبه من أكثر من سبعمائة وخمسين ألف

__________________

(١) سفر السعادة : ٢ / ٢٠٧.

(٢) طبقات الحفّاظ للذهبي : ٢ / ١٥٤ [٢ / ٥٩٣ رقم ٦١٥] ، تاريخ بغداد : ٩ / ٥٧ [رقم ٤٦٣٨] ، المنتظم لابن الجوزي : ٥ / ٩٧ [١٢ / ٢٦٨ رقم ١٨١١]. (المؤلف)

(٣) تاريخ بغداد : ٢ / ٨ [رقم ٤٢٤] ، إرشاد الساري : ١ / ٢٨ [١ / ٥٠] ، صفة الصفوة : ٤ / ١٤٣ [٤ / ١٦٩ رقم ٧١٢]. (المؤلف)

(٤) المنتظم لابن الجوزي : ٥ / ٣٢ [١٢ / ١٧١ رقم ١٦٦٧] ، طبقات الحفّاظ للذهبي : ٢ / ١٥١ ، ١٥٧ [٢ / ٥٨٩ رقم ٦١٣] ، شرح صحيح مسلم للنووي : ١ / ٣٢ [١ / ٢١]. (المؤلف)

٤٦٩

حديث ، وكان يحفظ ألف ألف حديث (١) ، وكتب أحمد بن الفرات المتوفّى (٢٥٨) ألف ألف وخمسمائة ألف حديث ، فأخذ من ذلك ثلاثمائة ألف في التفسير والأحكام والفوائد وغيرها. خلاصة التهذيب (٢) (ص ٩).

هذه ناحية واحدة من شئون الحديث ، وهناك نواحي أُخرى ناشئة عن ألفاظ الجرح المتكثّرة غير الكذب والوضع ، توجد تحت كلّ واحدة منها أُمّة كبيرة من رجال الحديث ، جاء كلّ فرد منها بأحاديث جمّة ، مثل قولهم :

لا تحلُّ الرواية عنه ، أحاديثه كلّها موضوعة ، يروي ما لا أصل له ، يروي الموضوعات عن الثقات ، أحاديثه مقلوبة منكرة ، ليس بشيء في الحديث ، يأتي عن الثقات بالطامّات ، لا يحلّ الاحتجاج به ، يقلّب الأسانيد ويرفع ، يرفع الموقوف ويوصل ، يسرق الحديث ويقلّب ، ليس بثقة في الحديث ، لا يحلُّ كتب حديثه ، لا يُتابع في جلّ حديثه ، لم يكن ثقةً ولا مأموناً ، كلّ الأصحاب مجمع على تركه ، عامّة ما يرويه غير محفوظة ، لا يُستدلُّ به ويُعتبر به ، ليس له حديث يعتمد عليه ، مضطرب الحديث ليس بشيء ، يكثر من المناكير في تآليفه ، متّفق على تركه ، يأتي الموضوعات ، يأتي بالمقلوبات ، ذاهب الحديث ، لا يُكتب عنه ، مدلّس عن الكذّابين ، لا يسوى شيئاً ، ينفرد بالمناكير ، ليس بحجّة ، واهٍ بمرّة ، ضعيف جدّا ، هالك ، ساقط ، مبتدع ، يدلّس ، اختلط ، يخلط ، متّهم بالكذب ، يُتّهم بوضع الحديث.

مشكلة الثقة والثقات :

هذا شأن من لا يوثق به وبحديثه عند القوم ؛ وأمّا من يوصف بالثقة فهناك

__________________

(١) ترجمة أحمد المنقولة عن طبقات الشعراني [١ / ٥٤ ـ ٥٦ رقم ٩٤] المطبوعة في آخر الجزء الأوّل من مسنده ، طبقات الذهبي : ٢ / ١٧ [٢ / ٤٣١ رقم ٤٣٨]. (المؤلف)

(٢) خلاصة الخزرجي : ١ / ٢٧ رقم ١٠٤.

٤٧٠

مشكلة عويصة لا تنحلُّ ، وتجعل القارئ في بهيتة ، فلا يعرف أيُّ مثقّف قطُّ ما الثقة وما معناها ، وأيّ ملكة هي ، وما يراد منها ، وبما ذا تتأتّى ، وأيّ خلّةٍ تضادّها وتناقضها ، فهلمّ معي نقرأ تاريخ جمعٍ نُصّ على ثقتهم نظراء :

١ ـ زياد بن أبيه : صاحب الطامّات والجرائم الموبقة. قال خليفة بن خيّاط : كان يعدُّ من الزهّاد ، وقال أحمد بن صالح : لم يكن يُتّهم بالكذب. تاريخ ابن عساكر (١) (٥ / ٤٠٦ ، ٤١٤).

٢ ـ عمر بن سعد بن أبي وقّاص : قاتل الإمام السبط الشهيد ، قال العجلي : ثقة. خلاصة التهذيب (٢) (ص ١٤٠).

٣ ـ عمران بن حطّان : رأس الخوارج صاحب الشعر المعروف في ابن ملجم المرادي

يا ضربة من تقيٍّ ما أراد بها

إلاّ ليبلغ من ذي العرش رضوانا

إنّي لأذكره حيناً فأحسبه

أوفى البريّة عند الله ميزانا (٣)

وثّقه العجلي (٤) ، وجعله البخاري من رجال صحيحه ، وأخرج عنه.

٤ ـ إسماعيل بن أوسط البجلي أمير الكوفة المتوفّى (١١٧) : كان من أعوان الحجّاج بن يوسف الثقفي ، وقدّم سعيد بن جبير للقتل ، وثّقه ابن معين ، وعدّه ابن حبّان من الثقات (٥). ميزان الاعتدال (١ / ١٠٣) ، لسان الميزان (١ / ٣٩٥).

__________________

(١) تاريخ مدينة دمشق : ١٩ / ١٦٢ رقم ٢٣٠٩ ، وفي مختصر تاريخ دمشق : ٩ / ٨١.

(٢) خلاصة الخزرجي : ٢ / ٢٧٠ رقم ٥١٦٥.

(٣) راجع الجزء الأوّل من كتابنا : ص ٣٢٤. (المؤلف)

(٤) تاريخ الثقات : ص ٣٧٣ رقم ١٣٠٠.

(٥) الثقات لابن حبان : ٦ / ٣٠ ، ميزان الاعتدال : ١ / ٢٢٢ رقم ٨٥٣ ، لسان الميزان : ١ / ٤٤١ رقم ١٢٤٨.

٤٧١

٥ ـ أسد بن وداعة : شاميّ تابعيّ ناصبيّ ، كان يسبُّ عليّا ، وكان عابداً ، وثّقه النسائي (١). ميزان الاعتدال (١ / ٩٧) ، لسان الميزان (١ / ٣٨٥).

٦ ـ أبو بكر محمد بن هارون : ناصبيّ منحرف ، وكان يُعرف بالإغراب عن أمير المؤمنين ، وثّقه الخطيب البغدادي (٢). لسان الميزان (٥ / ٤١١).

٧ ـ خالد القسري : الأمير الناصبيّ البغيض الظلوم ، هكذا وصفه الذهبي. وفي تاريخ ابن كثير (٣) (١٠ / ٢٠ ، ٢١) : كان رجل سوء يقع في عليّ بن أبي طالب ، وكانت أُمّه نصرانيّة ، وكان متّهماً في دينه ، وقد بنى لأمّه كنيسة في داره. قال ابن حبّان (٤) : ثقه.

٨ ـ إسحاق بن سويد العدوي البصري المتوفّى (١٣١) : كان يحمل على عليّ تحاملاً شديداً ، وقال : لا أُحبّ عليّا. وثّقه أحمد وابن معين والنسائي ، وهو من رجال صحاح البخاري ومسلم وأبي داود والنسائي. تهذيب التهذيب (٥) (١ / ٢٣٦).

٩ ـ نعيم بن أبي هند المتوفّى (٢١١) الناصبيّ : كان يتناول عليّا أمير المؤمنين ، وثّقه النسائي. ميزان الاعتدال (٦) (٣ / ٢٤٣).

١٠ ـ حريز بن عثمان : الذي كان يصلّي في المسجد ولا يخرج منه حتى يلعن عليّا سبعين لعنة كلّ يوم ، قال إسماعيل بن عيّاش : رافقت حريزاً من مصر إلى مكة فجعل يسبُّ عليّا ويلعنه ، وقال لي : هذا الذي يرويه الناس أن النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال لعليّ :

__________________

(١) ميزان الاعتدال : ١ / ٢٠٧ رقم ٨١٦ ، لسان الميزان : ١ / ٤٢٩ رقم ١٢١١.

(٢) تاريخ بغداد : ٣ / ٣٥٧ رقم ١٤٦٣ ، لسان الميزان : ٥ / ٤٦٥ رقم ٨١٤٢.

(٣) البداية والنهاية : ١٠ / ٢٣ حوادث سنة ١٢٦ ه‍.

(٤) الثقات : ٦ / ٢٥٦.

(٥) تهذيب التهذيب : ١ / ٢٠٦.

(٦) ميزان الاعتدال : ٤ / ٢٧١ رقم ٩١١٢.

٤٧٢

«أنت منّي بمنزلة هارون من موسى» حقُّ ، ولكن أخطأ السامع. قلت : فما هو؟ قال : إنّما هو : أنت منّي بمكان قارون من موسى ، قلت : عمّن ترويه؟ قال : سمعت الوليد بن عبد الملك يقوله على المنبر (١) ، احتجّ بحديثه البخاري وأبو داود والترمذي وغيرهم ، وفي الرياض النضرة (٢) (٢ / ٢١٦) : ثقة ولكن يبغض عليّا ، أبغضه الله عزَّ وجلَّ.

١١ ـ أزهر بن عبد الله الحمصي : كان يسبُّ عليّا ، وثّقه العجلي (٣) ، وهو من رجال أبي داود والترمذي والنسائي. تهذيب التهذيب (٤) (١ / ٢٠٤).

١٢ ـ عبد الرحمن بن إبراهيم الشهير بدُحَيْم الشاميّ : القائل بأنّ من قال : إنّ الفئة الباغية هم أهل الشام فهو ابن الفاعلة ، يروي عنه البخاري وغيره ، وعرّف بالثقة وأنّه حجّة (٥).

١٣ ـ الحافظ عبد المغيث الحنبلي : يؤلّف كتاباً في فضائل يزيد بن معاوية ، يأتي بالموضوعات ، ويترجَم بالزهد والثقة والدين والصدق والأمانة والصلاح والاجتهاد (٦).

١٤ ـ الحافظ زيد بن الخباب ، قال ابن معين (٧) : ثقة يقلّب حديث الثوري. خلاصة التهذيب (٨) (ص ١٠٨).

١٥ ـ خلف بن هشام : كان يشرب الخمر ، وثّقه أحمد إمام الحنابلة ، فقيل :

__________________

(١) تاريخ ابن عساكر : ٤ / ١١٥ [١٢ / ٣٣٦ رقم ١٢٥٤ ، وفي مختصر تاريخ دمشق : ٦ / ٢٧٨] ، تاريخ الخطيب : ٨ / ٢٦٨ [رقم ٤٣٦٥]. (المؤلف)

(٢) الرياض النضرة : ٣ / ١٦٩.

(٣) تاريخ الثقات : ص ٥٩ رقم ٥٥.

(٤) تهذيب التهذيب : ١ / ١٧٩.

(٥) الكاشف : ٢ / ١٥٤ رقم ٣١٦٩ ، تهذيب التهذيب : ٦ / ١٢٠ ، الثقات : ٨ / ٣٨١.

(٦) سير أعلام النبلاء : ٢١ / ١٦٠ ، شذرات الذهب : ٦ / ٤٥٣ حوادث سنة ٥٨٣ ه‍.

(٧) معرفة الرجال : ٢ / ٢١٤ رقم ٧١٧.

(٨) خلاصة الخزرجي : ١ / ٣٥٠ رقم ٢٢٤٩.

٤٧٣

يا أبا عبد الله إنّه يشرب؟ فقال : قد انتهى إلينا علم هذا عنه ، ولكن هو والله عندنا الثقة الأمين ، شرب أو لم يشرب. تاريخ بغداد (٨ / ٣٢٦).

١٦ ـ خالد بن سلمة بن العاص أبو سلمة القرشي : وثّقه الإمام أحمد (١) ، ويحيى بن معين ، وقال : شيخ يكتب حديثه ، وقال ابن عدي (٢) : هو في عداد من يُجمع حديثه ، حديثه قليل ولا أرى برواياته بأساً ، وكان رأساً في المرجئة ، ويبغض عليّا. تاريخ الشام (٣) (٥ / ٥٣).

نعم ؛ ترك أحمد بن حنبل الحديث عن عبيد الله بن موسى العبسي لمّا سمعه يتناول معاوية بن أبي سفيان ، وبعث رسوله إلى يحيى بن معين فقال له : أخوك أبو عبد الله أحمد بن حنبل يقرأ عليك السلام ويقول لك : هو ذا تكثر الحديث عن عبيد الله وأنا وأنت سمعناه يتناول معاوية بن أبي سفيان ، وقد تركت الحديث عنه. فقال يحيى ابن معين للرسول : إقرأ على أبي عبد الله السلام وقل له : يحيى بن معين يقرأ عليك السلام ، قال لك : أنا وأنت سمعنا عبد الرزّاق يتناول عثمان بن عفان ، فاترك الحديث عنه ، فإنّ عثمان أفضل من معاوية (٤).

نعم ؛ ترك شعبة رواية المنهال بن عمرو الأسدي الكوفي لمّا سمع من بيته صوت قراءة بالتطريب ، كما قاله ابن أبي حاتم (٥). خلاصة التهذيب (٦) (ص ٣٣٢).

نعم ؛ قال يزيد بن هارون : لا تحلّ الرواية عن أبي يوسف لأنّه كان يعطي

__________________

(١) العلل ومعرفة الرجال : ٢ / ٤٨٣ رقم ٣١٧٦.

(٢) الكامل في ضعفاء الرجال : ٣ / ٢٣ رقم ٥٨٤.

(٣) تاريخ مدينة دمشق : ١٦ / ٨٨ رقم ١٨٨٤ ، وفي مختصر تاريخ دمشق : ٧ / ٣٥٢.

(٤) تاريخ بغداد للخطيب البغدادي : ١٤ / ٤٢٧ [رقم ٧٧٨٨]. (المؤلف)

(٥) الجرح والتعديل : ٨ / ٣٥٧.

(٦) خلاصة الخزرجي : ٣ / ٥٩ رقم ٧٢٢٣.

٤٧٤

أموال اليتامى مضاربةً ويجعل الربح لنفسه. تاريخ بغداد (١٤ / ٢٥٨).

نعم نعم ؛ ترك البخاري الرواية عن الإمام الصادق جعفر بن محمد ، وقال يحيى ابن سعيد : في نفسي منه شيء ، وقال : ما كان كذوباً. تهذيب التهذيب (١) (٢ / ١٠٣) ، ووثّقه (٢) الشافعي وابن معين وابن أبي خيثمة وأبو حاتم وابن عدي وابن حبّان والنسائي وآخرون.

نعم ؛ قال أبو حاتم بن حبّان البستي (٣) : يروي عليُّ بن موسى الرضا ـ الإمام الطاهر ـ عن أبيه العجائب كأنّه يهمّ ويُخطئ. أنساب السمعاني في باب الراء والضاد ، تهذيب التهذيب (٧ / ٣٨٨) (٤).

نعم ؛ ضعّف ابن الجوزي الإمام الطاهر الحسن بن عليّ بن محمد العسكري في الموضوعات ، كما في لسان الميزان (٥) (٢ / ٢٤٠).

(فَوَيْلٌ لَهُمْ مِمَّا كَتَبَتْ أَيْدِيهِمْ وَوَيْلٌ لَهُمْ مِمَّا يَكْسِبُونَ) (٦)

__________________

(١) تهذيب التهذيب : ٢ / ٨٨.

(٢) معرفة الرجال : ١ / ١١٠ رقم ٥١٤ ، الجرح والتعديل : ٢ / ٤٨٧ ، الكامل في ضعفاء الرجال : ٢ / ١٣٤ رقم ٣٣٤ ، الثقات : ٦ / ١٣١.

(٣) كتاب المجروحين : ٢ / ١٠٦.

(٤) الأنساب : ٣ / ٧٤ ، تهذيب التهذيب : ٧ / ٣٣٨.

(٥) لسان الميزان : ٢ / ٢٩٨ رقم ٢٥٣١.

(٦) البقرة : ٧٩.

٤٧٥

سلسلة الموضوعات على النبيّ الأمين صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم

يهمّنا هاهنا ذكر نماذج ممّا وضعته يد أولئك الكذّابين الوضّاعين المذكورين ، أو من يشاكلهم في الافتعال في باب الفضائل فحسب.

١ ـ عن ابن عبّاس ، قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : ما في الجنّة شجرة إلاّ مكتوب على كلّ ورقة منها : لا إله إلاّ الله ، محمد رسول الله ، أبو بكر الصدّيق ، عمر الفاروق ، عثمان ذو النورين.

من موضوعات عليّ بن جميل الرقّي. أخرجه الطبراني (١) ، وقال : موضوع ، وعليّ بن جميل وضّاع ، وقد تفرّد به وسرقه منه معروف بن أبي معروف البلخي ، وعبد العزيز بن عمرو الخراساني رجل مجهول.

وأخرجه أبو نعيم (٢) من طريق عليّ بن جميل ؛ ورواه الختّلي في الديباج من طريق عبد العزيز بن عمرو الخراساني كما في ميزان الاعتدال. قال مؤلّفه الذهبي (٣) في (٢ / ١٣٨) : عبد العزيز فيه جهالة ، والخبر باطل فهو الآفة فيه.

__________________

(١) المعجم الكبير : ١١ / ٦٣ ح ١١٠٩٣.

(٢) حلية الأولياء : ٣ / ٣٠٤ رقم ٢٤٩.

(٣) ميزان الاعتدال : ٢ / ٦٣٣ رقم ٥١٢٠.

٤٧٦

وأخرجه ابن عدي من طريق معروف البلخي ، قال الذهبي في الميزان (١) (٣ / ١٨٤) : هذا موضوع لكنّه مشهور بعليّ بن جميل ، عن جرير ، وكان يحلف فيقول : حدّثنا والله جرير ، وقال ابن عدي (٢) : معروف هذا غير معروف ، ولعلّه سرقه من عليّ بن جميل.

ورواه أبو القاسم بشران في أماليه من طريق محمد بن عبد بن عامر السمرقندي ، وهو ذلك الكذّاب الوضّاع ، عن عصام بن يوسف ، قال ابن عدي (٣) : روى أحاديث لا يُتابع عليها.

ورواه الخطيب البغدادي في تاريخه (٥ / ٤ و ٧ / ٣٣٧) من طريق الحسين بن إبراهيم الاحتياطي (٤) ، عن عليّ بن جميل. قال الذهبي في ميزانه (٥) (١ / ٢٥٣) بعد ذكره من هذا الطريق : هذا باطل ، والمتّهم به حسين الاحتياطي ، وقال (٦) في (٣ / ١٨٤). إنّه موضوع.

وذكره ابن كثير في تاريخه (٧) (٧ / ٢٥٠) من طريق الطبراني ، فقال : إنّه حديث ضعيف ، في إسناده من تُكلّم فيه ، ولا يخلو من نكارة.

قال الأميني : ألا تعجب من إخراج ابن كثير الحديث من الوضع والبطلان إلى الضعف والنكارة؟ وهو يعلم أنّ مثل هذه الرواية لا تسمّى ضعيفةً في مصطلح أهل

__________________

(١) ميزان الاعتدال : ٤ / ١٤٥ رقم ٨٦٦٠.

(٢) الكامل في ضعفاء الرجال : ٦ / ٣٢٥ رقم ١٨٠٦.

(٣) الكامل في ضعفاء الرجال : ٥ / ٣٧١ رقم ١٥٣٤.

(٤) في تاريخ بغداد وميزان الاعتدال : الحسين بن عبد الرحمن الاحتياطي.

(٥) ميزان الاعتدال : ١ / ٥٤٠ رقم ٢٠١٨.

(٦) ميزان الاعتدال : ٤ / ١٤٦ رقم ٨٦٦٠.

(٧) البداية والنهاية : ٧ / ٢٣٠ حوادث سنة ٣٥ ه‍.

٤٧٧

الفنّ وهو يرى نفسه منهم. نعم : شنشنة أعرفها من أخزم (١) ، وأعجب من ذلك أنّ الخطيب لم يذكر في هذه الرواية التي هذه حالها كلمة تعرب عمّا في سندها من الغمز ، وهذا شأنه في كثير من أمثال هذه الأحاديث الموضوعة.

٢ ـ عن ابن عبّاس مرفوعاً : إذا كان يوم القيامة نادى منادٍ تحت العرش : هاتوا أصحاب محمد ، فيؤتى بأبي بكر وعمر وعثمان وعليّ ، فيقال لأبي بكر : قف على باب الجنّة فأدخل فيها من شئت ، وردّ من شئت.

ويقال لعمر : قف عند الميزان فثقّل من شئت برحمة الله ، وخفّف من شئت.

ويُعطى عثمان غصن شجرة من الشجر التي غرسها الله بيده فيقال : ذُد بهذا عن الحوض من شئت.

ويُعطى عليّ حلّتين فيقال له : خذهما فإنّي ادّخرتهما لك يوم أنشأت خلق السموات والأرض.

رواه إبراهيم بن عبد الله المصّيصي ، وأحمد بن الحسن بن القاسم الكوفي ، وكلاهما كذّابان وضّاعان ، والله أعلم أيّهما وضع هذا الحديث ، ذكره الذهبي بهذا اللفظ في ميزانه (٢) (١ / ٢٠ ، ٤٢) ، وفيه آفة القلب بعد الوضع ، فإنّ المحفوظ من لفظه كما في الرياض النضرة (٣) (١ / ٣٢) بعد : وخفّف من شئت ، ويُكسى عثمان حلّتين ويُقال له : البسهما فإنّي خلقتهما ـ أو ادّخرتهما ـ من حين أنشأت خلق السموات والأرض. ويُعطى عليّ بن أبي طالب عصا عوسج من الشجرة التي غرسها الله تعالى بيده في الجنّة فيقال : ذُد الناس عن الحوض. فقلبوا ما لعليّ عليه‌السلام من ذود المنافقين عن الحوض

__________________

(١) مثل يُضرب للطبع المتوارث من الأسلاف.

(٢) ميزان الاعتدال : ١ / ٤٠ و ٩٠ رقم ١٢٤ و ٣٣١.

(٣) الرياض النضرة : ١ / ٤٧.

٤٧٨

وجعلوه لعثمان بعد ما زادوا على الحديث صدراً مفتعلاً ، وحديث ذود أمير المؤمنين عليّ عن الحوض أخرجه الحفّاظ من عدّة طرق عن جمع من الصحابة ، قد أسلفنا طرقه وتصحيح الحاكم له في الجزء الثاني (ص ٣٢١).

٣ ـ عن أنس مرفوعاً : لا أفتقد أحداً من أصحابي غير معاوية بن أبي سفيان ، لا أراه ثمانين عاماً ـ أو سبعين عاماً ـ فإذا كان بعد ثمانين عاماً ـ أو سبعين عاماً ـ يقبل إليّ على ناقة من المسك الأذفر حشوها من رحمة الله ، قوائمها من الزبرجد ، فأقول : معاوية! فيقول : لبّيك يا محمد ؛ فأقول : أين كنت من ثمانين عاماً؟ فيقول : كنت في روضة تحت عرش ربّي يُناجيني وأُناجيه ، ويُحيّيني وأُحيّيه ويقول : هذا عوض ممّا كنت تُشتم في دار الدنيا.

من موضوعات عبد الله بن حفص الوكيل ، قال ابن عدي (١) : موضوع لا أشكُّ أنّه واضعه ، وقال الخطيب (٢) : باطل إسناداً ومتناً ونراه ممّا وضعه الوكيل ، وإنّ إسناده رجاله كلّهم ثقات غيره ، وقال الذهبي في ميزانه (٣) بعد ذكره من طريق ابن عدي : قلت : ما كان ينبغي لابن عدي أن يتشاغل بالأخذ عن هذا الدجّال الأعمى البصر والبصيرة ، والذي قال الله فيه : (وَمَنْ كانَ فِي هذِهِ أَعْمى فَهُوَ فِي الْآخِرَةِ أَعْمى وَأَضَلُّ سَبِيلاً) (٤) ، وقال في ترجمة عبيد الله بن سليمان (٥) : روى عن عبد الرزاق بخبر باطل فهو الآفة فيه.

وقال ابن حجر في لسان الميزان (٦) (٤ / ١٠٥) : والخبر المذكور رواه

__________________

(١) الكامل في ضعفاء الرجال : ٤ / ٢٦٤ رقم ١١٠٠.

(٢) تاريخ بغداد : ٩ / ٤٤٩ رقم ٥٠٧٩.

(٣) ميزان الاعتدال : ٢ / ٤١٠ رقم ٤٢٧٥.

(٤) الإسراء : ٧٢.

(٥) ميزان الاعتدال : ٣ / ١٠ رقم ٥٣٦٩.

(٦) لسان الميزان : ٤ / ١٢٢ رقم ٥٤١١.

٤٧٩

ابن عساكر (١) في ترجمته ـ ولفظه ـ : إنّي لأدخل الجنة فلا أفتقد منها أحداً إلاّ معاوية سبعين عاماً ، ثمّ أراه فأقول : يا معاوية أين كنت؟ فيقول : كنت تحت عرش ربّي يتحفني بيده ، فقال : هذا بما كان يشتمونك في دار الدنيا. قال ابن عساكر : هذا حديث منكر ، وفيه غير واحد من المجاهيل.

٤ ـ عن أنس مرفوعاً : ليلة أُسري بي دخلت الجنّة فإذا أنا بتفّاحة تعلّقت عن حوراء ، قالت : أنا للمقتول ظلماً عثمان.

أخرجه الذهبي في ميزانه (٢) (٢ / ٢٠) من طريق عبّاس بن محمد العدوي (٣) الوضّاع ، وقال : خبر موضوع ، وذكره (٤) أيضاً في (٣ / ٢٩٣) بتغيير يسير من طريق يحيى بن شبيب الكذّاب الوضّاع ، وقال : هذا كذب ، والله يعلم أيّ الرجلين وضعه.

وقال ابن حجر في لسان الميزان (٥) (٣ / ٢٤٥) : ذكره ابن حبّان في الضعفاء (٦) ، وقال : لا أصل لهذا من كلام النبيّ ولا أنس ولا ثابت ولا حمّاد ـ هم رجال سند الحديث ـ وأوعز الذهبي إليه في الميزان (٧) في ترجمة عبد الله بن إبراهيم الدمشقي وقال : خبر باطل ، وقال ابن حجر في لسانه (٨) (٣ / ٢٤٨) : الحديث المذكور عن عقبة ابن عامر رفعه : لمّا عُرج بي إلى السماء دخلت جنّة عدن ، فوقعت في كفّي تفّاحة ،

__________________

(١) تاريخ مدينة دمشق : ٣٧ / ٤٦٨ رقم ٤٤٥٠ ، وفي مختصر تاريخ دمشق : ١٥ / ٣٢١ ، مع اختلاف يسير في الألفاظ بينهما.

(٢) ميزان الاعتدال : ٢ / ٣٨٦ رقم ٤١٨٢.

(٣) في المصدر : العلوي.

(٤) في المصدر : ٤ / ٣٨٥ رقم ٩٥٤٣.

(٥) لسان الميزان : ٣ / ٣٠٨ رقم ٤٤٥٢.

(٦) كتاب المجروحين : ٢ / ١٩١.

(٧) ميزان الاعتدال : ٢ / ٣٨٩ رقم ٤١٩٢.

(٨) لسان الميزان : ٣ / ٣١١ و ٣٦٣ رقم ٤٤٥٩ و ٤٦٠١.

٤٨٠