الغدير في الكتاب والسنّة والأدب - ج ٥

الشيخ عبد الحسين أحمد الأميني النجفي

الغدير في الكتاب والسنّة والأدب - ج ٥

المؤلف:

الشيخ عبد الحسين أحمد الأميني النجفي


المحقق: مركز الغدير للدّراسات الإسلاميّة
الموضوع : العقائد والكلام
الناشر: مركز الغدير للدراسات الإسلامية
المطبعة: فروردين
الطبعة: ١
الصفحات: ٧١٢

يُستجاب له إن شاء الله تعالى. وقال : قبره ظاهر يُتبرّك به في بغداد ، وكان إبراهيم الحربي يقول : قبر معروف الترياق المجرّب.

وقال في المنتظم (١) (٨ / ٢٤٨) : بُنيت تربة قبر معروف في ربيع الأوّل سنة (٤٦٠) وعقد مشهده أزاجاً بالجصِّ والآجر.

وقال ابن خلّكان في تاريخه (٢) (٢ / ٢٢٤) : وأهل بغداد يستسقون بقبره ويقولون : قبر معروف ترياق مجرّب ، وقبره مشهور يُزار. وذكر (٣) في (ص ٣٩٦) عن مرآة الزمان لأبي المظفر سبط ابن الجوزي : أنّه سمع مشايخه ببغداد يحكون أنّ عون الدين قال : كان سبب ولايتي المخزن أنَّني ضاق ما بيدي حتى فقدت القوت أيّاماً ، فأشار عليّ بعض أهلي أن أمضي إلى قبر معروف الكرخي رضى الله عنه فأسأل الله تعالى عنده ، فإنّ الدعاء عنده مستجاب ، قال : فأتيت قبر معروف فصلّيت عنده ودعوت ، ثمّ خرجت لأقصد البلد ـ يعني بغداد ـ إلى آخر ما ذكر من قصّته.

وفي طبقات الشعراني (٤) (١ / ٦١) : يستسقى بقبره ، وقبره ظاهر يُزار ليلاً ونهاراً.

١٨ ـ عبيد الله بن محمد بن عمر بن عليّ بن الحسين بن عليّ بن أبي طالب : قال الخطيب البغدادي في تاريخه (١ / ١٢٣) : باب البردان فيها أيضاً جماعة من أهل الفضل ، وعند المصلّى المرسوم بصلاة العيد قبر كان يُعرف بقبر النذور ، ويقال : إنّ المدفون فيه رجل من ولد عليّ بن أبي طالب رضى الله عنه يتبرّك الناس بزيارته ، ويقصده ذو الحاجة منهم لقضاء حاجته ، حدّثني القاضي أبو القاسم عليّ بن المحسن التنوخي ، قال : حدّثني

__________________

(١) المنتظم : ١٦ / ١٠٥.

(٢) وفيات الأعيان : ٥ / ٢٣٢ رقم ٧٢٩.

(٣) وفيات الأعيان : ٦ / ٢٣٩ رقم ٨٠٧.

(٤) الطبقات الكبرى : ١ / ٧٢ رقم ١٤٢.

٢٨١

أبي ، قال : كنت جالساً بحضرة عضد الدولة ونحن مخيِّمون بالقرب من مصلّى الأعياد في الجانب الشرقي من مدينة السلام ، نريد الخروج معه إلى همذان في أوّل يوم نزل المعسكر ، فوقع طرفه على البناء الذي على قبر النذور ، فقال لي : ما هذا البناء؟ فقلت : هذا مشهد النذور ، ولم أقل قبر لعلمي بطيرته من دون هذا واستحسن اللفظة ، وقال : قد علمت أنّه قبر النذور وإنّما أردت شرح أمره ، فقلت : هذا يُقال إنّه قبر عبيد الله بن محمد بن عمر بن عليّ بن الحسين بن عليّ بن أبي طالب ، ويقال : إنّه قبر عبيد الله بن محمد بن عمر بن عليّ بن أبي طالب ، وإنّ بعض الخلفاء أراد قتله خفيّا ، فجعلت له هناك زُبْية وسيّر عليها وهو لا يعلم فوقع فيها ، وهيل عليه التراب حيّا ، وإنّما شهر بقبر النذور لأنّه ما يكاد يُنذر له نذر إلاّ صحّ وبلغ الناذر ما يريد ، ولزمه الوفاء بالنذور ، وأنا أحد من نذر له مراراً لا أحصيها كثرةً نذوراً على أُمور متعذّرة ، فبلغتها ولزمني النذر فوفيت به ، فلم يتقبّل هذا القول وتكلّم بما دلّ على أنّ هذا إنّما يقع منه اليسير اتّفاقاً فيتسوّق العوام بأضعافه ويسيّرون الأحاديث [الباطلة] (١) فيه ، فأمسكت.

فلمّا كان بعد أيّام يسيرة ونحن معسكرون في موضعنا ، استدعاني في غدوة يوم وقال : اركب معي إلى مشهد النذور ، فركبت وركب في نفر من حاشيته إلى أن جئت به إلى الموضع ، فدخله وزار القبر وصلّى عنده ركعتين سجد بعدهما سجدة أطال فيها المناجاة بما لم يسمعه أحد ، ثمّ ركبنا معه إلى خيمته وأقمنا أيّاماً ، ثمّ رحل ورحلنا معه يريد همذان فبلغناها وأقمنا فيها معه شهوراً ، فلمّا كان بعد ذلك استدعاني وقال لي : ألست تذكر ما حدّثتني به في أمر مشهد النذور ببغداد؟ فقلت : بلى. فقال : إنّي خاطبتك في معناه بدون ما كان في نفسي اعتماداً لإحسان عشرتك ، والذي كان في نفسي في الحقيقة أنّ جميع ما يُقال فيه كذب ، فلمّا كان بعد ذلك بمديدة طرقني أمر

__________________

(١) الزيادة من المصدر.

٢٨٢

خشيت أن يقع ويتمّ ، وأعملت فكري في الاحتيال لزواله ولو بجميع ما في بيوت أموالي وسائر عساكري ، فلم أجد لذلك فيه مذهباً ، فذكرت ما أخبرتني به في النذر لمقبرة النذور فقلت : لِمَ لا أُجرّب ذلك؟ فنذرت : إن كفاني الله تعالى ذلك الأمر أن أحمل لصندوق هذا المشهد عشرة آلاف درهم صحاحاً ، فلما كان اليوم جاءتني الأخبار بكفاية ذلك الأمر ، فتقدّمت إلى أبي القاسم عبد العزيز بن يوسف ـ يعني كاتبه ـ أن يكتب إلى أبي الريّان ـ وكان خليفته في بغداد ـ يحملها إلى المشهد. ثمّ التفت إلى عبد العزيز ـ وكان حاضراً ـ فقال له عبد العزيز : قد كتبت بذلك ونفذ الكتاب.

١٩ ـ أبو عبد الله محمد بن إدريس الشافعيّ إمام الشافعيّة المتوفّى (٢٠٤) ، دُفن بالقرافة الصغرى ، وقبره يُزار بها بالقرب من المقطّم. تاريخ ابن خلّكان (١) (٢ / ٣٠) ، وقال الجزري في طبقات القراء (٢ / ٩٧) : والدعاء عند قبره مستجاب ، ولمّا زرته قلتُ

زرتُ الإمامَ الشافعي

لأنّ ذلك نافعي

لأنال منه شفاعةً

أكرمْ به من شافعِ

وقال الذهبي في دول الإسلام (٢) (٢ / ١٠٥) : إنّ الملك الكامل عمّر قبّةً على ضريح الشافعي ـ رحمة الله عليه.

٢٠ ـ أبو سليمان الداراني المتوفّى (٢٠٥) أحد الأئمّة ، دُفن في قرية داريا ، في قبلتها وقبره بها مشهور ، وعليه بناء وقد جدّد مزاره في زماننا هذا. البداية والنهاية (٣) (١٠ / ٢٥٩).

__________________

(١) وفيات الأعيان : ٤ / ١٦٥ رقم ٥٥٨.

(٢) دول الإسلام : ص ٣٤٤.

(٣) البداية والنهاية : ١٠ / ٢٨١ حوادث سنة ٢٠٥ ه‍.

٢٨٣

٢١ ـ السيّدة نفيسة بنة أبي محمد الحسن بن زيد بن [الحسن بن] عليّ بن أبي طالب توفّيت سنة (٢٠٨) ودُفنت بدرب السباع ، وقبرها معروف بإجابة الدعاء عنده وهو مجرّب ، رضي الله عنها. تاريخ ابن خلّكان (١) (٢ / ٣٠٢).

٢٢ ـ أحمد بن حنبل إمام الحنابلة المتوفّى (٢٤١) ، قبره ظاهر مشهور ، يُزار ويتبرّك به. كذا في مختصر طبقات الحنابلة (٢) (ص ١١) ، وقال الذهبي في دول الإسلام (٣) (١ / ١١٤) : ضريحه يُزار ببغداد. وحكى ابن الجوزي في مناقب أحمد (٤) (ص ٢٩٧) عن عبد الله بن موسى قال : خرجتُ أنا وأبي في ليلة مظلمة نزور أحمد ، فاشتدّت الظلمة فقال أبي : يا بنيّ تعال حتى نتوسّل إلى الله تعالى بهذا العبد الصالح حتى يُضيء لنا الطريق ، فإنِّي منذ ثلاثين سنة ما توسّلت به إلاّ قُضيت حاجتي ، فدعا أبي وأمّنتُ على دعائه فأضاءت السماء كأنّها ليلة مقمرة حتى وصلنا إليه.

وقال في (ص ٤١٨) : عن أبي الحسن التميمي ، عن أبيه ، عن جدِّه أنّه حضر جنازة أحمد بن حنبل قال : فمكثتُ طول أُسبوع رجاء أن أصل [إلى قبره فلم أصِل] (٥) من ازدحام الناس عليه ، فلمّا كان بعد أُسبوع وصلتُ إلى قبره.

قال في المنتظم (٦) (١٠ / ٢٨٣) : وفي أوائل جمادى الآخرة سنة (٥٧٤) تقدّم أمير المؤمنين بعمل لوح ينصب على قبر الإمام أحمد بن حنبل فعمل ، ونقضت السترة جميعها وبنيتْ بآجر مقطوع جديدة وبُني لها جانبان ووقع اللوح الجديد ، وفي رأسه مكتوب :

__________________

(١) وفيات الأعيان : ٥ / ٤٢٤ رقم ٧٦٧.

(٢) مختصر طبقات الحنابلة : ص ١٤.

(٣) دول الاسلام : ص ١٣٠.

(٤) مناقب أحمد : ص ٤٠٠ ، ٥٦٣.

(٥) الزيادة من المصدر.

(٦) المنتظم : ١٨ / ٢٤٨.

٢٨٤

هذا ما أمر بعمله سيّدنا ومولانا المستضيء بأمر الله أمير المؤمنين. وفي وسطه : هذا قبر تاج السنّة ، وحيد الأمّة العالي الهمّة ، العالم العابد الفقيه ، الزاهد الإمام أبي عبد الله أحمد بن محمد بن حنبل الشيباني رحمه‌الله. وقد كُتب تاريخ وفاته وآية الكرسي حول ذلك ، ووعدت بالجلوس في جامع المنصور فتكلّمتُ يوم الإثنين سادس عشر جمادى الأولى ، فبات في الجامع خلق كثير ، وخُتمت ختمات ، واجتمع للمجلس بكرة ما حزر بمائة ألف ، وتاب خلق كثير ، وقطعت شعور ، ثمّ نزلتُ فمضيتُ إلى زيارة قبر أحمد فتبعني من حزر بخمسة آلاف.

وقال ابن بطوطة في الرحلة (١) (١ / ١٤٢) : قبره لا قبّة عليه ؛ ويذكر أنّها بنيت على قبره مراراً فتهدّمت بقدرة الله تعالى ، وقبره عند أهل بغداد معظّم.

وفي مختصر طبقات الحنابلة (٢) (ص ٣٧) : تقدم أمير المؤمنين في سنة (٥٢٧) (٣) به باراكراف ٢ صفحه ٢٨٤ بعمل لوح ينصب على قبر الإمام أحمد ، وحصل للشيخ أبي الفرج وللحنابلة التعظيم الزائد ، وجعل الناس يقولون للشيخ : هذا كلّه بسببك.

الله يزور أحمد بن حنبل كلّ عام لنصرته كلامه :

روى ابن الجوزي في مناقب أحمد (٤) (ص ٤٥٤) قال : حدّثني أبو بكر بن مكارم بن أبي يعلى الحربي ـ وكان شيخاً صالحاً ـ قال : كان قد جاء في بعض السنين مطر كثير جدّا قبل دخول رمضان بأيّام ، فنمتُ ليلة في رمضان فأُريتُ في منامي كأنِّي قد جئت على عادتي إلى قبر الإمام أحمد بن حنبل أزوره ، فرأيتُ قبره قد

__________________

(١) رحلة ابن بطوطة : ص ٢٢٧.

(٢) مختصر طبقات الحنابلة : ص ٤٤.

(٣) في هذا التاريخ تصحيف ، ولم يكن ولد فيه المستضيء بأمر الله القائم بعمل اللوح ، وكان أوائل بلوغ ابن الجوزي الحلم ، فالصحيح ما مرَّ في كلمة ابن الجوزي. (المؤلف)

(٤) مناقب أحمد : ص ٦٠٧.

٢٨٥

التصق بالأرض [حتى بقي بينه وبين الأرض] (١) مقدار ساف (٢) أو سافين ، فقلتُ : انّما تمّ هذا على قبر الإمام أحمد من كثرة الغيث فسمعته من القبر وهو يقول : لا بل هذا من هيبة الحقِّ عزَّ وجلَّ ؛ لأنّه عزّ وجلّ قد زارني ، فسألته عن سرّ زيارته إيّاي في كلّ عام ، فقال عزّ وجلّ : يا أحمد ، لأنّك نصرت كلامي فهو يُنشر ويُتلى في المحاريب ، فأقبلت على لحده أُقبِّله ، ثمّ قلت : يا سيّدي ، ما السرّ في أنّه لا يقبّل قبر إلاّ قبرك؟ فقال لي : يا بُنيّ ليس هذا كرامة لي ولكن هذا كرامة لرسول الله ، لأنّ معي شعرات من شعره صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ؛ ألا ومن يحبّني [لِمَ لا] (٣) يزورني في شهر رمضان؟ قال ذلك مرّتين.

من يزور أحمد غفر الله له :

أخرج الحافظ ابن عساكر في تاريخه (٤) (٢ / ٤٦) عن أبي بكر بن أنزويه ، قال : رأيتُ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في المنام ومعه أحمد بن حنبل ، فقلتُ : يا رسول الله من هذا؟ فقال : هذا أحمد وليُّ الله ووليُّ رسول الله على الحقيقة ، وأنفق على الحديث ألف دينار. ثمّ قال : من يزوره غفر الله له ؛ ومن يبغض أحمد فقد أبغضني ، ومن أبغضني فقد أبغض الله.

وأخرج الخطيب البغدادي عن عبد العزيز قال : سمعتُ أبا الفرج الهندبائي يقول :

كنتُ أزور قبر أحمد بن حنبل فتركته مدّة ، فرأيتُ في المنام قائلاً يقول لي : تركت زيارة قبر إمام السنّة؟ تاريخ بغداد (٤ / ٤٢٣) ، مناقب أحمد لابن الجوزي (٥) (ص ٤٨١).

__________________

(١) الزيادة من المصدر.

(٢) الساف والسافة : الصف من الطين أو اللبن جمعها آسُف وسافات. (المؤلف)

(٣) الزيادة من المصدر.

(٤) تاريخ مدينة دمشق : ٥ / ٣٣٤ رقم ١٣٦.

(٥) مناقب أحمد : ص ٦٣٩.

٢٨٦

قال ابن الجوزي (١) : وفي صفر سنة (٥٤٢) رأى رجل في المنام قائلاً يقول له : من زار أحمد بن حنبل غُفر له. قال : فلم يبق خاصٌّ ولا عامٌّ إلاّ زاره ، وعقدت يومئذٍ ثَمَّ مجلساً فاجتمع فيه أُلوف من الناس. البداية والنهاية (٢) (١٢ / ٣٢٣).

فضل زوّار قبر أحمد :

أخرج ابن الجوزي في مناقب أحمد (٣) (ص ٤٨١) : عن أحمد بن الحسن ، عن أبيه ، قال : قال الشيخ أبو طاهر ميمون : يا بنيّ رأيت رجلاً بجامع الرصافة في شهر ربيع الأوّل (٤) من سنة [ست و] (٥) ستين وأربعمائة ، فسألته فقال : قد جئت من ستمائة فرسخ ، فقلت : في أيّ حاجة؟ قال : رأيت وأنا ببلدي في ليلة جمعة كأنّي في صحراء أو في فضاء عظيم والخلق قيام ، وأبواب السماء قد فُتحت ، وملائكة تنزل من السماء تلبس أقواماً ثياباً خضراً وتطير بهم في الهواء ، فقلت : من هؤلاء الذين قد اختصّوا بهذا؟ فقالوا لي : هؤلاء الذين يزورون أحمد بن حنبل ، فانتبهت ولم ألبث أن أصلحت أمري وجئت إلى هذا البلد وزرته دفعات ، وأنا عائد إلى بلدي إن شاء الله.

بركة قبر أحمد وجواره :

أخرج ابن الجوزي في مناقب أحمد (٦) (ص ٤٨٢) عن أبي يوسف بن بختان ـ وكان من خيار المسلمين ـ قال : لمّا مات أحمد بن حنبل رأى رجل في منامه كأنَ

__________________

(١) المنتظم : ١٨ / ٥٥.

(٢) البداية والنهاية : ١٢ / ٢٧٧ حوادث سنة ٥٤٢ ه‍.

(٣) مناقب أحمد : ص ٦٣٩.

(٤) في المصدر : ربيع الآخر.

(٥) الزيادة من المصدر.

(٦) مناقب أحمد : ص ٦٤٢ ، ٦٤٣.

٢٨٧

على كلّ قبر قنديلاً ، فقال : ما هذا؟ فقيل له : أما علمت أنّه نور لأهل القبور ، ينوّرهم بنزول هذا الرجل بين أظهرهم ، وقد كان فيهم من يُعذّب فرحم.

وبإسناده عن عبيد بن شريك قال : مات رجل مخنّت فرُئي في النوم فقال : قد غُفر لي ، دفن عندنا أحمد بن حنبل فغفر لأهل القبور.

وبإسناده في (ص ٤٨٣) عن أبي عليّ الحسن بن أحمد الفقيه ، قال : لمّا ماتت أُمُّ القطيعي دفنها في جوار أحمد بن حنبل ، فرآها بعد ليال [فقال : ما فعل الله بكِ؟] (١) فقالت : يا بُنيّ رضي الله عنك ، فلقد دفنتني في جوار رجل ينزل على قبره في كلّ ليلة ـ أو قالت في كلّ ليلة جمعة ـ رحمة تعمُّ جميع أهل المقبرة ، وأنا منهم.

قال : قال أبو عليّ : وحكى أبو ظاهر الجمّال ـ شيخ صالح ـ قال : قرأت ليلة وأنا في مقبرة أحمد بن حنبل ، قوله تعالى (فَمِنْهُمْ شَقِيٌّ وَسَعِيدٌ) (٢) ، ثمّ حملتني عيني فسمعت قائلاً يقول : ما فينا شقيٌّ والحمد لله ببركة أحمد.

وقال : بلغني عن بعض السلف القدماء قال : كانت عندنا عجوز من المتعبِّدات قد خلت بالعبادة خمسين سنة ، فأصبحت ذات يوم مذعورة ، فقالت : جاءني بعض الجنِّ في منامي فقال : إنّي قرينك من الجنِّ ، وإنَّ الجنَّ استرَقَت السمع بتعزية الملائكة بعضها بعضاً بموت رجل صالح يقال له : أحمد بن حنبل ، وتربته في موضع كذا ، وإنَّ الله يغفر لمن جاوره ، فإن استطعت أن تجاوريه في وقت وفاتك فافعلي ، فإنّي لك ناصح ، وإنَّك ميّتة بعده بليلة. فماتت كذلك فعلمنا أنّه منام حقّ.

قال الأميني : هذه نماذج من كلمات الحنابلة في زيارة قبر إمامهم أحمد وبركة جواره ، وهذه سيرتهم المطّردة فيها وفي زيارة قبور مشايخهم كما يأتي ، فشتّان بينها

__________________

(١) الزيادة من المصدر.

(٢) هود : ١٠٥.

٢٨٨

وبين ما تَرّه ابن تيميّة ومن لفّ لفّه ، فإنَّهم شذّوا عن تلكم الآراء ، وأتوا بأحداث تافهة ، وعزوا إلى الإسلام ما لا يُرصف به.

٢٣ ـ ذو النون المصري المتوفّى (٢٤٦) ، دفن في القرافة الصغرى ، وعلى قبره مشهد مبنيّ ، وفي المشهد قبور جماعة من الصالحين ، وزرته غير مرّة.

قاله ابن خلّكان في تاريخه (١) (١ / ١٠٩).

٢٤ ـ بكّار بن قتيبة بن أسد الثقفي البكراوي البصري الحنفي الفقيه المتوفّى بمصر سنة (٢٧٠) ، دُفن بالقرافة ، قبره مشهور يزار ويتبرّك به ، ويُقال : إنّ الدعاء عند قبره مستجاب. الجواهر المضيّة (٢) (١ / ١٧٠).

٢٥ ـ إبراهيم الحربي المتوفّى (٢٨٥) ، دُفن في بيته ، وقبره ظاهر يتبرّك الناس به. قاله ابن الجوزي في مناقب أحمد (٣) (ص ٥٠٩) ، وصفة الصفوة (٢ / ٢٣٢).

٢٦ ـ إسماعيل بن يوسف أبو عليّ الديلمي ، قال المعافي : الناس يزورون قبره وراء قبر معروف الكرخي وبينهما قبور يسيرة ، وقد زرته مراراً. صفة الصفوة (٤) (٢ / ٢٣٣)

٢٧ ـ عليّ بن محمد بن بشّار أبو الحسن المتوفّى (٣١٣) ، قبره ببغداد اليوم ظاهر يُتبرّك به. المنتظم (٥) (٦ / ١٩٩).

٢٨ ـ يعقوب بن إسحاق أبو عوانة النيسابوري ثمّ الأسفراييني الحافظ الشهير ،

__________________

(١) وفيات الأعيان : ١ / ٣١٨ رقم ١٢٩.

(٢) الجواهر المضيّة : ١ / ٤٦١.

(٣) مناقب أحمد : ص ٦٧٧ ، صفة الصفوة : ٢ / ٤١٠ رقم ٢٨٩.

(٤) صفة الصفوة : ٢ / ٤١٣ رقم ٢٩٢.

(٥) المنتظم : ١٣ / ٢٥٢ رقم ٢٢٢٧.

٢٨٩

المتوفّى (٣١٦) ، قال الذهبي في تذكرته (١) (٣ / ٣) : قبر أبي عوانة عليه مشهد مبنيّ بأسفرايين ، يُزار وهو بداخل المدينة.

وقال الحافظ ابن عساكر : إنَّ قبر أبي عوانة بأسفرايين مزار العالم ومتبرّك الخلق ؛ وبجنب قبره قبر الراوية عنه أبي نعيم ، وقريب من مشهده مشهد الإمام أبي إسحاق الأسفراييني ، والعوام يتقرّبون إلى مشهد أبي إسحاق أكثر ممّا يتقرّبون إلى أبي عوانة ، وهم لا يعرفون قدر هذا الإمام الكبير المحدِّث أبي عوانة ، لبعد العهد بوفاته وقرب العهد بوفاة أبي إسحاق ، وكان جدِّي إذا وصل إلى مشهد الأستاذ أبي إسحاق لا يدخله احتراماً ، بل كان يُقبِّل عتبة المشهد ـ وهي مرتفعة بدرجات ـ ، ويقف ساعةً على هيئة التعظيم والتوقير ، ثمّ يعبر عنه كالمودِّع لعظيم الهيبة والقدر ، وإذا وصل إلى مشهد أبي عوانة كان أشدَّ تعظيماً له وإجلالاً وتوقيراً ، ويقف أكثر من ذلك رحمهم‌الله أجمعين. وفيات الأعيان (٢) (٢ / ٤٦٩) ملخّصاً.

٢٩ ـ أبو محمد عبد الله بن أحمد بن طباطبا المصري المتوفّى (٣٤٨) ، دُفن بمصر ، وقبره معروف ومشهور بإجابة الدعاء ، رُوي أنَّ رجلاً حجّ وفاتته زيارة النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فضاق صدره لذلك ، فرآه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في نومه فقال له : إذا فاتتك الزيارة فزر قبر عبد الله ابن أحمد بن طباطبا ، وكان صاحب الرؤيا من أهل مصر. وفيات الأعيان (٣) (١ / ٢٨٢).

٣٠ ـ الحافظ أبو الفضل صبح بن أحمد التميمي السمسار المتوفّى (٣٨٤) ، الدعاء عند قبره مستجاب. شذرات الذهب (٤) (٣ / ١٠٩).

__________________

(١) تذكرة الحفّاظ : ٣ / ٧٨٠ رقم ٧٧٢.

(٢) وفيات الأعيان : ٦ / ٣٩٤ رقم ٨٢٦.

(٣) وفيات الأعيان : ٣ / ٨٢ رقم ٣٤٢.

(٤) شذرات الذهب : ٤ / ٤٤٢ حوادث سنة ٣٨٤ ه‍.

٢٩٠

٣١ ـ الحافظ أبو الحسن علي بن محمد العامري المتوفّى (٤٠٣) ، عكف الناس على قبره ليالي يقرؤون القرآن ويدعون له ، وجاء الشعراء من كل أوب يرثون ويترحّمون. البداية والنهاية (١) (١١ / ٣٥١).

٣٢ ـ أبو سعيد عبد الملك بن محمد الخركوشي المتوفّى (٤٠٦) ، قبره بنيسابور مشهور يزار ويتبرّك به. شفاء السقام للسبكي (٢) (ص ٢٩).

٣٣ ـ محمد بن الحسن أبو بكر بن فورك الأصبهاني المتوفّى (٤٠٦) ، دُفن بالحيرة من نيسابور ، ومشهده بها ظاهر ، يزار ويُستسقى به ، وتجاب الدعوة عنده. وفيات الأعيان (٣) (٢ / ٥٧).

٣٤ ـ أبو علي الحسن بن أبي الهبيش المتوفّى (٤٢٠) ، قال ابن الجوزي في المنتظم (٤) (٨ / ٤٦) : قبره ظاهر بالكوفة وقد عمل عليه مشهد وقد زرته في طريق الحجِّ.

٣٥ ـ أبو جعفر بن أبي موسى المتوفّى (٤٧٠) ، كان إمام الحنابلة في وقته بلا مدافعة ، نُبش قبر أحمد بن حنبل ودفن فيه ، ولزم الناس قبره فكانوا يبيتون عنده كلّ ليلة أربعاء ، ويختمون الختمات فيقال : إنّه قرئ على قبره تلك الأيّام عشرة آلاف ختمة. شذرات الذهب (٥) (٣ / ٣٣٧) ، وقال ابن الجوزي في المنتظم (٦) (٨ / ٣١٧) : كان الناس يبيتون هناك كلّ ليلة أربعاء ويختمون الختمات ، ويخرج المتعيّشون فيبيعون

__________________

(١) البداية والنهاية : ١١ / ٤٠٤ حوادث سنة ٤٠٣ ه‍.

(٢) شفاء السقام : ص ٣٩.

(٣) وفيات الأعيان : ٤ / ٢٧٢ رقم ٦١٠.

(٤) المنتظم : ١٥ / ٢٠٢ رقم ٣١٦٣.

(٥) شذرات الذهب : ٥ / ٣٠٣ حوادث سنة ٤٧٠ ه‍.

(٦) المنتظم : ١٦ / ١٩٦ رقم ٣٤٨٢.

٢٩١

المأكولات ، وصار ذلك فرجةً للناس ، ولم يزالوا كذلك إلى أن جاء الشتاء فامتنعوا ، فختم على قبره في تلك المدّة أكثر من عشرة آلاف ختمة.

وقال ابن كثير : دُفن إلى جانب الإمام أحمد فاتّخذت العامّة قبره سوقاً كلّ ليلة أربعاء يتردّدون إليه. البداية والنهاية (١) (١٢ / ١١٩).

٣٦ ـ المعتمد على الله أبو القاسم محمد بن المعتضد اللخمي الأندلسي المتوفّى (٤٨٨) ، اجتمع عند قبره جماعة من الشعراء الذين كانوا يقصدونه بالمدائح ويجزل لهم المنائح ، فرثوه بقصائد مطوَّلات وأنشدوها عند قبره وبكوا عليه ، فمنهم أبو بحر رثاه بقصيدة منها :

قبَّلتُ (٢) في هذا الثرى لك خاضعاً

وجعلتُ قبرَكَ موضعَ الإنشادِ

ولمّا فرغ من إنشادها ، قبّل الثرى ومرّغ جسمه وعفّر خدّه ، فأبكى كلّ من حضر. شذرات الذهب (٣) (٣ / ٣٩٠).

٣٧ ـ نصر بن إبراهيم المقدسي المتوفّى (٤٩٠) ، شيخ الشافعيّة ، توفّي بدمشق ودفن بباب الصغير ، وقبره ظاهر يزار ، قال النووي : سمعنا الشيوخ يقولون : الدعاء عند قبره يوم السبت مستجاب. شذرات الذهب (٤) (٣ / ٣٩٦).

٣٨ ـ أبو الحسن عليّ بن الحسن المصري فقيه الشافعيّة المتوفّى (٤٩٢) ، قال ابن الأنماطي : قبره بالقرافة يُعرف بإجابة الدعاء عنده. شذرات الذهب (٥) (٣ / ٣٩٩).

__________________

(١) البداية والنهاية : ١٢ / ١٤٥ حوادث سنة ٤٧٠ ه‍.

(٢) في وفيات الأعيان : ٥ / ٣٧ : أقبلت.

(٣) شذرات الذهب : ٥ / ٣٨٨ حوادث سنة ٤٨٨ ه‍.

(٤) شذرات الذهب : ص ٣٩٧ حوادث سنة ٤٩٠ ه‍.

(٥) شذرات الذهب : ص ٤٠٢ حوادث سنة ٤٩٢ ه‍.

٢٩٢

٣٩ ـ عليّ بن إسماعيل بن محمد المتوفّى (٥٥٩) ، قبره بفاس ، من مزاراتها المتبرّك بها المجاب عنده الدعاء ، قاله الساحلي. وفي نيل الابتهاج (ص ١٩٨) : زرت قبره مراراً بفاس.

٤٠ ـ الخضر بن نصر الإربلي الفقيه الشافعي المتوفّى (٥٦٧ ، ٥٦٩) ، قال ابن كثير في تاريخه (١) (١٢ / ٢٨٧) نقلاً عن تاريخ ابن خلّكان : قبره يُزار وقد زرته غير مرّة ، ورأيت الناس ينتابون قبره ويتبرّكون به (٢).

٤١ ـ نور الدين محمود بن زنكي المتوفّى (٥٦٩) ، قال ابن كثير : قبره بدمشق يُزار ويحلق بشبّاكه ويطيب ويتبرّك به كلُّ مارّ ، فيقول : قبر نور الدين الشهيد. البداية والنهاية (٣) (١٢ / ٢٨٤).

وفي شذرات الذهب (٤) (٤ / ٢٣١) : روي أنّ الدعاء عند قبره مستجاب ، ويقال : إنَّه دُفن معه ثلاث شعرات من شعر لحيته صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، فينبغي لمن زاره أن يقصد زيارة شيء منه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم.

٤٢ ـ القاسم بن فيرة الشاطبي المتوفّى (٥٩٠) ، دُفن بالقرافة ، وقبره مشهور معروف يُقصد للزيارة ، وقد زرته مرّات وعرض عليّ بعض أصحابي الشاطبيّة عند قبره ، ورأيت بركة الدعاء عند قبره بالإجابة رحمه‌الله ورضي عنه. طبقات القرّاء (٥) (٣ / ٢٣).

٤٣ ـ أحمد بن جعفر الخزرجي أبو العبّاس السبتي نزيل مراكش والمتوفّى بها

__________________

(١) البداية والنهاية : ١٢ / ٣٥٣ حوادث سنة ٥٦٩ ه‍.

(٢) في هذه العبارة زيادة وتغيير على ما في تاريخ ابن خلّكان : ١ / ١٨٩ [٢ / ٢٣٨ رقم ٢١٦]. (المؤلف)

(٣) البداية والنهاية : ١٢ / ٣٥٠ حوادث سنة ٥٦٩ ه‍.

(٤) شذرات الذهب : ٦ / ٣٨٢ حوادث سنة ٥٦٩ ه‍.

(٥) طبقات القرّاء : ٢ / ٢٢ رقم ٢٦٠٠.

٢٩٣

سنة (٦٠١) ، قبره معروف مزار مزاحم عليه مجرّب الإجابة ، زرته مراراً لا تُحصى ، وجرّبت بركته غير مرّة ، وقال ابن الخطيب السلماني في كلام له : ويبلغ وارد ذلك المزار في اليوم الواحد ثمانمائة مثقال ذهب عين ، وربّما وصل بعض الأيّام ألف دينار ، وتُصرف كلّها في ذوي الحاجات المحتفّين به من أهالي تلك الديار.

قال صاحب نيل الابتهاج ـ بعد كلام طويل حول هذا المزار ـ : قلت : وإلى الآن ما زال الحال على ما كان عليه في روضته من ازدحام الخلق عليها ، وقضاء حوائجهم ، وقد زرته ما يزيد على خمسمائة مرّة ، وبتُّ هناك ما ينيف على ثلاثين ليلة ، وشاهدتُ بركته في الأُمور. ثمّ ذكر قصّة يهوديّ توسّل به وقُضيت حاجته. راجع نيل الابتهاج (ص ٦٢).

٤٤ ـ محمد بن أحمد الحنبلي أبو عمرو (١) المقدّسي المتوفّى (٦٠٧) ، قبره يُزار ، ولمّا دُفن رأى بعض الصالحين في منامه تلك الليلة النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وهو يقول : من زار أبا عمرو ليلة الجمعة فكأنَّما زار الكعبة ، فاخلعوا نعالكم قبل أن تصلوا إليه. شذرات الذهب (٢) (٥ / ٣٠).

٤٥ ـ سيف الدين أبو الحسن القميري المتوفّى (٦٥٣) ، بنابلس ، الدعاء عند قبره مستجاب. شذرات الذهب (٣) (٥ / ١٦١).

٤٦ ـ إسحاق بن يحيى أبو إبراهيم الأعرج المتوفّى بفاس (٦٨٣) ، الدعاء عند قبره مستجاب. نيل الابتهاج (ص ١٠٠).

٤٧ ـ الشيخ أحمد بن عليّ البدوي المتوفّى (٦٧٥) ، دُفن بطندتا (٤) ، وجعلوا على

__________________

(١) في المصدر : أبو عمر.

(٢) شذرات الذهب : ٧ / ٥٦ حوادث سنة ٦٠٧ ه‍.

(٣) شذرات الذهب : ص ٤٥٠ حوادث سنة ٦٥٣ ه‍.

(٤) بلدة بمصر. وهي معروفة اليوم ب (طنطا).

٢٩٤

قبره مقاماً ، واشتهرت كراماته وكثرت النذور إليه. شذرات الذهب (١) (٥ / ٣٤٦).

٤٨ ـ الشيخ حسين الجاكي المتوفّى (٧٣٠) ، قبره ظاهر يُزار كلّ ليلة أربعاء وصبيحتها. طبقات الأخبار (٢ / ٢).

٤٩ ـ الشيخ أحمد بن علوان : قال اليافعي في مرآته (٤ / ٣٥٧) : ومن كراماته أنَّ ذرّية الفقهاء الذين كانوا ينكرون عليه صاروا يلوذون عند النوائب بقبره ، ويستجيرون من خوف السلطان به ، وإلى ذلك وبعض مناقبه الحميدة أشرت في قصيدة. ثمّ ذكر خمسة أبيات.

٥٠ ـ أبو عليّ بن بيان : يتبرّك أهل بلد دير العاقول بزيارة قبره. تاريخ بغداد (١٤ / ٤٢٧).

٥١ ـ أبو عبد الله القرشي الأندلسي توفِّي ببيت المقدس ، قبره مقصود بالزيارة. شذرات الذهب (٢) (٤ / ٣٤٢).

٥٢ ـ الشيخ أبو بكر بن عبد الله العيدروس باعلوي توفّي سنة (٩١٤) بعدن ، وقبره بها أشهر من الشمس الضاحية ، يُقصد للزيارة والتبرّك من الأماكن البعيدة.

سبعة في تريم (٣) يعتقد أهل زبيد أنّ من زارهم سبعة أيّام متوالية قُضيت حاجته ، قال الشيخ عليّ بن أبي بكر في الثناء عليهم :

بباب سهامٍ سبعةٌ من مشايخٍ

لقاصدِهمْ ذخرٌ وكنزٌ لمقللِ

فيونس إبراهيم مرزوق جبرتي

وأفلح ميّاد كذا ابن الرضا الولي

زيارتُهم نجحٌ لكلّ حوائجٍ

وفي الخلد سكنى للذي زار مقبلِ

__________________

(١) شذرات الذهب : ٧ / ٦٠٥ حوادث سنة ٦٧٥ ه‍.

(٢) شذرات الذهب : ٦ / ٥٥٦ حوادث سنة ٥٩٩ ه‍.

(٣) تريم : اسم إحدى مدينتي حضرموت وهما شبام وتريم. معجم البلدان : ٢ / ٢٨.

٢٩٥

تريم بها منهم أُلوفٌ عديدةٌ

بساحةِ بشّارٍ شموس الهدى قلِ

زيارةُ كلٍّ منهمُ صحّ أنّها

لما شئتَ من جلبٍ ودفعٍ محصَّلِ

وإنْ قيل ترياقٌ ببغداد جرِّبا

وفي ربع بشّار شفا كلِّ معضل

إلى آخر الأبيات. النور السافر (١) (ص ٨٠ ، ٨١) ، شذرات الذهب (٢) (٨ / ٦٤).

توجد في المعاجم وكتب التراجم والتاريخ أضعاف ما ذكر من القبور المزورة ، اقتصرنا بالمذكور روماً للاختصار.

منتهى القول في زيارة القبور

هذا قليل من كثير ممّا تداول بين أجيال المسلمين منذ عهدهم المتقادم من لدن عهد الصحابة الأوّلين والتابعين لهم بإحسان ، ثمّ في أدوارهم المتتابعة من زيارة قبر نبيّهم الأعظم صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ومراقد الأئمّة والأولياء والصالحين والعلماء ، وشدّ الرحال إليها ، والتوسّل والاستشفاع بها ؛ وفي الزائرين علماء أعلام وأئمّة يقتدى بهم في كلٍّ من المذاهب ، على أنّ نقلة هذه الأقاويل علماء وقادة ارتضوا تلكم الأعمال بنقلهم لها في مقام فضيلة المقبورين ، وأرباب هاتيك المشاهد ، فعلى ذلك وقع التسالم بين فرق المسلمين في قرونهم المتطاولة ، وذلك يُنبئ عن الإجماع المتحقّق بين طبقات الأمّة الإسلاميّة على استحسان ذلك كلّه ، وكونه سنّة متّبعة.

وأنت ـ أيّها القارئ الكريم ـ إذا أعرت لما تلوناه عليك أُذناً واعية ، فهل تجد لما يصفه ابن تيميّة ومن يرقص لما له من مكاءٍ وتصديةٍ ـ نظراء القصيمي ـ مقيلاً من الصدق؟ فهل كان المسلمون الأوّلون يرون ما يأتون به من الأعمال في مشاهد الموتى كفِرية ثمّ يتقرّبون به إلى الله تعالى؟ حاشا لا نتّهم فرق المسلمين عامّة بمثل

__________________

(١) النور السافر : ص ٧٦.

(٢) شذرات الذهب : ١٠ / ٩٣ حوادث سنة ٩١٤ ه‍.

٢٩٦

هذه الفرية الشائنة ، وهل تجد شيئاً من هاتيك الأعمال مختصّا بالشيعة فحسب؟ لاها الله. وهل الأعمال التي تأتي بها الشيعة عند القبور ـ وقد زعم الرجل أنّها كاشفة عن الغلوِّ والتأليه لعلّي وولده ـ غير ما يأتي به أهل السنّة وفي مقدّم هم أئمّتهم عند تلكم المزارات من لدن عصر الصحابة حتى اليوم من سرد ألفاظ زيارة جامعة لفضائل المزور ، ومن الدعاء عند قبره ، والصلاة لديه ، وختم القرآن عنده وإهدائه إليه ، والتوسّل والاستشفاع به ، وطلب قضاء الحاجة من الله تعالى بوسيلته ، والتبرّك به بالتزام أو تمريغ أو تقبيل ، وتعظيمه بكلّ ما اقتضته حرمته واستوجبه خطره ، فلو صحّت أحلام ابن تيميّة وتابعيه وتكون هذه الأعمال بدعةً وضلالاً وغلوّا وتأليهاً ، وفاعلها خارجاً عن ربقة الإسلام ، لم يبقَ عندئذٍ معتنق للإسلام منذ يومه الأوّل إلاّ ابن تيميّة ومن لفَّ لفَّه.

فحقيقٌ على القارئ الآن أن يقف على كلمة القصيمي الأخرى ، ويكون على بصيرةٍ من أنَّ الشيعة ليس بينها وبين المذاهب الأربعة قطّ اختلاف في هذه المواضيع الهامّة ، وإنّما هي ممّا تسالمت عليه الأمّة الإسلاميّة جمعاء ، غير أنّ كتّاب الهواهي (١) هاج هائجهم على الشيعة فأجّجوا عليهم نيران الإحن والشحناء ، وجاءوا يقطّعون كلمة التوحيد بأقلام مسمومة ، ويشقّون عصا المسلمين ، ويلقون الخلاف بينهم. (أُولئِكَ الَّذِينَ طَبَعَ اللهُ عَلى قُلُوبِهِمْ وَاتَّبَعُوا أَهْواءَهُمْ) (٢).

ذكر في الصراع (٢ / ٦٤٨) قول العلاّمة الأمين من قصيدة له :

لا بدع أن كان الدعاء إليه في

ها صاعداً وبغيرها لم يصعد

ثم قال : هذا القول عند جميع المسلمين على اختلاف مذاهبهم ونحلهم من أقوال

__________________

(١) الهواهي : اللغو من القول ، والأباطيل.

(٢) محمد : ١٦.

٢٩٧

الردّة والكفر الواضح ، ونعوذ بالله من الخذلان. وقبل هذا البيت :

وكذا الصلاةُ لدى القبورِ تبرّكاً

بذوي القبورِ فليس بالصنعِ الردي

إنّ الأئمّةَ من سلالةِ هاشمٍ

ثقلُ النبيّ وقدوةٌ للمقتدي

قالوا الصلاةُ لدى محلِّ قبورنا

في الفضل تعدلُ مثلَها في المسجدِ

عنهم روته لنا الثقاتُ فبالهدى

عنهم إذا شئتَ الهدايةَ فاقتدِ

شرفُ المكانِ بذي المكانِ محقَّقٌ

وأخو الحجا في ذاك لم يتردّدِ

خير عبادة ربِّنا في مثله

من غيره فإليه فاعمد واقصدِ

وكذلكم طلبُ الحوائجِ عندها

من ربِّنا أرجى لنيل المقصدِ

بركاتُها تُرجى لداعٍ أنَّها

بركات شخصٍ في الضريح موسَّدِ

لا بدع أن كان الدعاء إليه إلخ

فقال : والقصيدة أغلبها من هذا النوع الفاحش المناقض لدين الإسلام ولغيره من أديان الله. انتهى. وعدّ القول بالشفاء وإجابة الدعاء عند قبر الحسين السبط عليه‌السلام من آفات الشيعة في (٢ / ٢١).

(كَبُرَتْ كَلِمَةً تَخْرُجُ مِنْ أَفْواهِهِمْ إِنْ يَقُولُونَ إِلاَّ كَذِباً) (١)

ـ ٧ ـ

نظرة التنقيب في الحديث

كثرت القالة حول أحاديث الشيعة ، من رُماة القول على عواهنه ، وكلّ منهم اختار معاثاً ، ويلوك بين شدقيه مغمزة ؛ فترى هذا يزعمها رقاعاً مزوّرة تُعزى إلى الإمام الغائب (٢) ، وآخر يحسبها أكاذيب موضوعة على الإمامين الباقر

__________________

(١) الكهف : ٥.

(٢) راجع الجزء الثالث من كتابنا : ص ٢٧٧ ـ ٢٨٥. (المؤلف)

٢٩٨

والصادق (١) ، لا هذا يبالي بمغبّة فريته ، ولا ذاك يكترث لكشف سوأته ؛ وفي مؤخّر القوم كيذبان أشوس شدّد النكير عليها ، وبالغ في اللغوب ، وتلمّخ بالعجب العجاب ، ألا وهو : عبد الله القصيمي. قال في الصراع (٢) (١ / ٨٥):

الكذّابة حقّا كثيرة في رجال الشيعة وأصحاب الأهواء ، طمعاً في الدنيا وتزلّفاً إلى أصحابها ، أو كيداً للحديث والسنّة وحنقاً على أهلها ، ولكنّ علماء السنّة كشفوا ذلك وأبانوه أتمَّ البيان ـ إلى أن قال ـ : وليس في رجال الحديث من أهل السنّة من هو متّهم بالوضع والكذابة طمعاً في الدنيا ، وازدلافاً إلى أهلها ، وانتصاراً للأهواء والعقائد المدخولة الباطلة.

نعم ؛ قد يوجد بينهم من ساء حفظه أو من كثر نسيانه ، أو من انخدع بالمدلّسين الضعفاء ، ولكن رجال التراجم والجرح والتعديل قد بيّنوا هذا النوع كلّه.

الجواب : لعلّ الباحث يحسب لهذه الدعاوي المجرّدة الفارغة مسّةً من الصدق أو لمسةً من الحقِّ ، ذاهلاً عن أن الغالب على الأقلام المستأجرة اليوم هو الإفك وقول الزور ، وأنّ مدار رُقيّ الأمم في وجه البسيطة وتقدّمها على الكذب والشطط ، ومحور سياسة الدنيا في جهاتها الستّ هو الهثُ (٣) والدجل والتمويه ؛ وأنّ كثيراً من الدعايات في المبادئ والآراء والمعتقدات تحكّمات محضة ، وتقوّلات لا طائل تحتها ، ملفوفة بأفانين الخبّ والخدع ؛ وهناك فئات مبثوثة في الملأ كلّها لا تتأتّى مآربهم من زبرج الدنيا إلاّ بزخرف القول وكذب الحديث ، وتعمية الأُميّين من الناس ، وسوقهم إلى معاسيف السبل ومعاميها ، ولولا تهديد المولى سبحانه عباده بقوله : (ما يَلْفِظُ مِنْ

__________________

(١) يجده الباحث في غير واحد من كتب القوم سلفاً وخلفاً. (المؤلف)

(٢) مرّ مجمل القول حول هذا الكتاب في الجزء الثالث : ص ٢٨٨ ـ ٣٠٩. (المؤلف)

(٣) الهثّ : الكذب.

٢٩٩

قَوْلٍ إلاّ لَدَيهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ) (١) ، ولولا الإنذار النازل في كتاب الله على كلِّ كذّاب أفّاك أثيم لما كان يسع لأحد من هؤلاء الكذّابين الدجّالين أن يكذب أكثر ممّا كذب ، أو يأتي بأمرٍ لم يأتِ به ؛ فكلٌّ منهم أكذب من خُرافة وحُجينة ، فيهمّنا عندئذٍ إيقاف القارئ على حقيقة الأمر ، وإماطة الستر عن سرِّ ما ادّعاه الرجل في رجال الحديث من قومه من أنّهم لا يوجد فيهم متّهم بالوضع والكذابة .. إلخ.

فنذكر أمّة ممّن عُرفوا بالوضع والكذب فضلاً عمّن اتّهم بهما منهم ، ونقدِّم بين يدي الباحث نبذةً من الموضوعات التي لم توضع إلاّ طمعاً في الدنيا وازدلافاً إلى أهلها أو انتصاراً للأهواء والعقائد المدخولة الباطلة ، وتلمسه باليد حساب ما وضعته تلكم الأيدي الأثيمة الخائنة على قدس صاحب الرسالة وسنّته ، فتتّضح عنده جليّة الحال ، وله فصل الخطاب إن لم يتّبع الهوى فيضلَّ عن سبيل الله.

__________________

(١) سورة ق : ١٨.

٣٠٠