الغدير في الكتاب والسنّة والأدب - ج ٥

الشيخ عبد الحسين أحمد الأميني النجفي

الغدير في الكتاب والسنّة والأدب - ج ٥

المؤلف:

الشيخ عبد الحسين أحمد الأميني النجفي


المحقق: مركز الغدير للدّراسات الإسلاميّة
الموضوع : العقائد والكلام
الناشر: مركز الغدير للدراسات الإسلامية
المطبعة: فروردين
الطبعة: ١
الصفحات: ٧١٢

كنز المطالب (ص ١٨٣ ـ ٢٢٤)

 الشيخ حسن العدوي الشافعي

الكفاية (ص ١٢٥ ـ ١٣١)

 عبد الباسط الفاخوري المفتي

الإرشادات السنيّة (ص ٢٦٠)

 عبد المعطي السقّا الشافعي

الفقه على المذاهب الأربعة (الجزء الأول)

 عدّة من فقهاء المذاهب

الحث على زيارة القبور

ورد في السنّة الصحيحة المتّفق عليها الأمر بزيارة القبور والحثّ عليها ، وأصفقت آراء أعلام المذاهب الإسلاميّة على الفتيا بمفاده وأنَّها تستحبّ ، بل قال بعض الظاهريّة بوجوبها كما نصَّ عليه غير واحد أخذاً بظاهر الأمر ؛ وإليك جملة من تلك النصوص :

١ ـ عن بريدة مرفوعاً : «كنت نهيتكم عن زيارة القبور ، ألا فزوروها».

وزاد الترمذي : «فقد أذن الله لنبيّه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في زيارة قبر أُمّه».

أخرجه (١) : مسلم في صحيحه ، والترمذي في سننه ، وقال : حديث حسن صحيح ، والنسائي في السنن (٤ / ٨٩) ، والحاكم في المستدرك (١ / ٣٧٤) عن الصحيحين للبخاري ومسلم ، والبغوي في مصابيح السنّة (١ / ١١٦) وعدّة من الصحاح ، والمنذري في الترغيب والترهيب (٤ / ١١٨) ، وابن الديبع في تيسير الوصول (٤ / ٢١٠) وقال : أخرجه الخمسة إلاّ البخاري.

٢ ـ عن عبد الله بن مسعود مرفوعاً في حديث : «ألا فزوروا القبور فإنَّها تزهِّد في الدنيا وتذكِّر الآخرة».

__________________

(١) صحيح مسلم : ٢ / ٣٦٦ ح ١٠٧ كتاب الجنائز ، سنن الترمذي : ٣ / ٣٧٠ ح ١٠٥٤ ، السنن الكبرى للنسائي : ١ / ٦٥٣ ح ٢١٥٩ ، المستدرك على الصحيحين : ١ / ٥٣٠ ح ١٣٨٥ ، مصابيح السنّة : ١ / ٥٦٨ ح ١٢٣٩ ، الترغيب والترهيب : ٤ / ٣٥٧ ، تيسير الوصول : ٤ / ٢٥٤.

٢٤١

أخرجه (١) ابن ماجة في سننه (١ / ٤٧٦) ، وأبو الوليد محمد بن عبد الله الأزرقي في أخبار مكّة (٢ / ١٧٠) ، والحاكم في المستدرك (١ / ٣٧٥) وصحّحه ، والمنذري في الترغيب والترهيب (٤ / ١١٨) وقال : إسناد صحيح ، والبيهقي في السنن الكبرى (٤ / ٧٧).

٣ ـ عن أنس بن مالك مرفوعاً : «نهيتكم عن زيارة القبور فزوروها ؛ فإنَّها تذكّركم الموت».

أخرجه الحاكم في المستدرك (٢) (١ / ٣٧٥) وصحّحه.

٤ ـ عن ابن عبّاس مرفوعاً : «نهيتكم عن زيارة القبور فزوروها ولا تقولوا هجراً»

أخرجه الطبراني في الكبير والأوسط (٣) ، كما في مجمع الزوائد للهيثمي (٣ / ٥٨)

٥ ـ عن زيد بن الخطّاب في حديث مرفوعاً : «إنّي كنت نهيتكم عن زيارة القبور ، فمن شاء منكم أن يزور فليزُر».

رواه الطبراني في الكبير (٤) ، ونقله عنه الهيثمي في مجمع الزوائد (٣ / ٥٨).

٦ ـ عن أبي هريرة مرفوعاً : «فزوروا القبور فإنّها تذكِّر ـ تذكِّركم ـ الموت».

أخرجه (٥) : مسلم في صحيحه ، وأحمد في مسنده (١ / ٤٤١) ، وابن ماجة في

__________________

(١) سنن ابن ماجة : ١ / ٥٠١ ح ١٥٧١ ، أخبار مكة : ٢ / ٢١١ ، المستدرك على الصحيحين : ١ / ٥٣١ ح ١٣٨٧ ، الترغيب والترهيب : ٤ / ٣٥٧.

(٢) المستدرك على الصحيحين : ١ / ٥٣١ ح ١٣٨٨.

(٣) المعجم الكبير : ١١ / ٢٠٢ ح ١١٦٥٣ ، المعجم الأوسط : ٣ / ٣٤٣ ح ٢٧٣٠.

(٤) المعجم الكبير : ٥ / ٨٢ ح ٤٦٤٨.

(٥) صحيح مسلم : ٢ / ٣٦٥ ح ١٠٦ كتاب الجنائز ، مسند أحمد : ٣ / ١٨٦ ح ٩٣٩٥ ، سنن ابن ماجة : ١ / ٥٠١ ح ١٥٧٢ ، سنن أبي داود : ٣ / ٢١٨ ح ٣٢٣٤ ، السنن الكبرى للنسائي : ١ / ٦٥٤ ح ٢١٦١ ، المستدرك على الصحيحين : ١ / ٥٣١ ح ١٣٩٠ ، الترغيب والترهيب : ٣ / ٣٥٧.

٢٤٢

السنن (١ / ٤٧٦) ، وأبو داود في سننه (٢ / ٧٢) ، والنسائي في السنن (٤ / ٩٠) ، والحاكم في المستدرك (١ / ٣٧٦) ، والبيهقي في سننه الكبرى (٤ / ٧٦) ، والمنذري في الترغيب والترهيب (٤ / ١١٨).

٧ ـ عن بريدة مرفوعاً : «إنّي كنت نهيتكم عن زيارة القبور فزوروها ، وليزدكم زيارتها خيراً».

أخرجه الحاكم في المستدرك (١) (١ / ٣٧٦) وصحّحه هو والذهبي ، والبيهقي في سننه (٤ / ٧٦).

٨ ـ عن أنس بن مالك مرفوعاً : «إنّي نهيتكم عن زيارة القبور فمن شاء أن يزور قبراً فليزره ؛ فإنّه يرقُّ القلب ، ويدمع العين ، ويذكِّر الآخرة ، ولا تقولوا هجراً».

أخرجه (٢) : أحمد في مسنده (٣ / ٢٣٧ ـ ٢٥٠) ، والحاكم في المستدرك (١ / ٣٧٦) وصحّحه هو وأقرّه الذهبي ، والبيهقي في سننه الكبرى (٤ / ٧٧).

٩ ـ عن زيد بن ثابت مرفوعاً : «زوروا القبور ، ولا تقولوا هجراً».

أخرجه الطبراني في الصغير (٣) كما في مجمع الزوائد (٣ / ٥٨).

١٠ ـ عن أبي ذرّ مرفوعاً : «زُرِ القبور تذكرْ بها الآخرة».

أخرجه (٤) : الحاكم في المستدرك (١ / ٣٧٧) وقال : حديث رواته عن آخرهم

__________________

(١) المستدرك على الصحيحين : ١ / ٥٣٢ ح ١٣٩١ ، وكذا في تلخيصه.

(٢) مسند أحمد : ٤ / ١١٩ ح ١٣٠٧٥ ، ص ١٤٠ ح ١٣٢٠٣ ، المستدرك على الصحيحين : ١ / ٥٣٢ ح ١٣٩٣ ، وكذا في تلخيصه.

(٣) المعجم الصغير : ٢ / ٤٣.

(٤) المستدرك على الصحيحين : ١ / ٥٣٣ ح ١٣٩٥ ، الترغيب والترهيب : ٤ / ٣٥٨.

٢٤٣

ثقات ، والمنذري في الترغيب والترهيب (٤ / ١١٨).

١١ ـ عن أبي سعيد الخدري مرفوعاً في حديث : «نهيتكم عن زيارة القبور ، فزوروها ولا تقولوا ما يسخط الربّ».

أخرجه البزّار والهيثمي في مجمع الزوائد (٣ / ٥٨) وقال : رجاله رجال الصحيح.

١٢ ـ عن أبي سعيد الخدري مرفوعاً : «نهيتكم عن زيارة القبور ، فزوروها ولا تقولوا هجراً».

أخرجه البيهقي في سننه الكبرى (٤ / ٧٧).

١٣ ـ عن أبي سعيد الخدري مرفوعاً «إنّي نهيتكم عن زيارة القبور ، فزوروها ؛ فإنَّ فيها عبرة».

أخرجه (١) : أحمد في مسنده (٣ / ٣٨) ، والحاكم في المستدرك (١ / ٣٧٥) وصحّحه وو الذهبي ، والبيهقي في سننه الكبرى (٤ / ٧٧) ، والمنذري في الترغيب والترهيب (٤ / ١١٨) وقال : رواته محتجٌّ بهم في الصحيح ، والهيثمي في مجمع الزوائد (٣ / ٥٨) وقال : رجاله رجال الصحيح.

١٤ ـ عن طلحة بن عبد الله قال : خرجنا مع رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يريد قبور الشهداء. إلى أن قال : فلمّا جئنا قبور الشهداء ، قال : «هذه قبور إخواننا».

أخرجه : أبو داود في سننه (٢) (١ / ٣١٩) ، والبيهقي في السنن الكبرى (٥ / ٢٤٩).

١٥ ـ عن عليّ أمير المؤمنين مرفوعاً في حديث : «إنّي كنت نهيتكم عن زيارة

__________________

(١) مسند أحمد : ٣ / ٤٢٧ ح ١٠٩٣٦ ، المستدرك على الصحيحين : ١ / ٥٣٠ ح ١٣٨٦ ، وكذا في تلخيصه ، الترغيب والترهيب : ٤ / ٣٥٧.

(٢) سنن أبي داود : ٢ / ٢١٨ ح ٢٠٤٣.

٢٤٤

القبور ، فزوروها ، فإنّها تذكّركم الآخرة».

أخرجه أحمد في مسنده (٣) (١ / ١٤٥) ، والهيثمي في مجمع الزوائد (٣ / ٥٨) ، وأخرجه أحمد بلفظ أخصر في المسند (١ / ٤٥٢) من طريق عبد الله بن مسعود.

١٦ ـ أخرج أبو الوليد محمد بن عبد الله الأزرقي في أخبار مكة (٤) (٢ / ١٧٠) قال : أخبرني ابن أبي مليكة في حديث رفعه إلى النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال : «ائتوا موتاكم فسلّموا عليهم ـ أو : صِلُوا ، شكَّ الخزاعي ـ فإنَّ لكم عبرة».

١٧ ـ عن بريدة مرفوعاً : «نهيتكم عن زيارة القبور ، فزوروها ؛ فإنَّ في زيارتها تذكرة». أخرجه أبو داود في سننه (٥) (٢ / ٧٢).

١٨ ـ عن ثوبان مرفوعاً : «نهيتكم عن زيارة القبور ؛ فزوروها واجعلوا زيارتكم لها صلاةً عليهم واستغفاراً لهم».

رواه الطبراني في الكبير (٦) كما في مجمع الزوائد (٣ / ٥٨).

١٩ ـ عنه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «من أراد أن يزور قبراً فليزره ولا يقول إلاّ خيراً ؛ فإنَّ الميّت يتأذّى ممّا يتأذّى منه الحيّ».

ذكره الشيخ شعيب الحريفيش في الروض الفائق في المواعظ والرقائق (٧) (١ / ١٩)

٢٠ ـ عن جابر مرفوعاً : «كنت نهيتكم عن زيارة القبور ، فزوروها».

أخرجه الخطيب في تاريخه (١٣ / ٢٦٤).

__________________

(٣) مسند أحمد : ١ / ٢٣٤ ح ١٢٤٠ و ٢ / ٣٣ ح ٤٣٠٧.

(٤) أخبار مكة : ٢ / ٢١١.

(٥) سنن أبي داود : ٣ / ٢١٨ ح ٣٢٣٥.

(٦) المعجم الكبير : ٢ / ٩٤ ح ١٤١٩.

(٧) الروض الفائق : ص ٢٢.

٢٤٥

٢١ ـ عن أُمّ سلمة مرفوعاً : «نهيتكم عن زيارة القبور فزوروها فإنَّ لكم فيها عبرة». أخرجه الطبراني في الكبير (١) كما في مجمع الزوائد للحافظ الهيثمي (٣ / ٥٨).

٢٢ ـ عن عائشة : كان صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يخرج إلى البقيع فيقول : «السلام عليكم دار قوم مؤمنين ، وآتاكم ما توعدون غداً مؤجَّلون ، وإنّا بكم إن شاء الله لاحقون ، اللهمّ اغفر لأهل بقيع الغرقد».

أخرجه (٢) مسلم في صحيحه ، والبيهقي في السنن (٤ / ٧٩ ، ٥ / ٢٤٩) ، والشربيني في المغني (١ / ٣٥٧) وغيرهم.

٢٣ ـ عن عائشة : إنَّ النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم نهى عن زيارة القبور ثمّ رخّص فيها ، أحسبه قال : «فإنَّها تذكِّر الآخرة».

أخرجه البزّار والهيثمي في مجمع الزوائد (٣ / ٥٨) وقال : رجاله ثقات.

٢٤ ـ عن عائشة قالت : نهى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عن زيارة القبور ، ثمّ قال : «زوروها ؛ فإنَّ فيها موعظةً».

أخرجه الخطيب في تاريخه (١٤ / ٢٢٨).

٢٥ ـ عن عائشة في حديث مرفوعاً : «ألا فزوروا إخوانكم وسلِّموا عليهم ؛ فإنَّ فيهم عبرة». رواه الطبراني في الأوسط (٣) كما في مجمع الهيثمي (٣ / ٥٨).

٢٦ ـ كانت فاطمة تزور قبر عمِّها حمزة كلّ جمعة ، فتصلّي وتبكي عنده.

أخرجه البيهقي في سننه (٤ / ٧٨) ، والحاكم في المستدرك (٤) (١ / ٣٧٧) ، وقال : هذا

__________________

(١) المعجم الكبير : ٢٣ / ٢٧٨ ح ٦٠٢.

(٢) صحيح مسلم : ٢ / ٣٦٣ ح ١٠٢ كتاب الجنائز ، مغني المحتاج : ١ / ٣٦٥.

(٣) المعجم الأوسط : ٦ / ٩٨ ح ٥٢٠٥.

(٤) المستدرك على الصحيحين : ١ / ٥٣٣ ح ١٣٩٦.

٢٤٦

الحديث رواته عن آخرهم ثقات ، ثمّ قال : وقد استقصيت في البحث عن زيارة القبور تحرّياً للمشاركة في الترغيب ، وليعلم الشحيح بذنبه أنَّها سنّة مسنونة وصلّى الله على محمد وآله أجمعين.

قال الأميني : وهناك أحاديث أخرى لم نطل بذكرها المقام ، توجد في الأضاحي والأشربة من كتب الفقه والحديث.

(فَلْيَأْتُوا بِحَدِيثٍ مِثْلِهِ إِنْ كانُوا صادِقِينَ) (١)

أدب زوّار القبور :

١ ـ أن يكون الزائر على طهارة.

٢ ـ أن يأتي من قِبَل رِجلَي الميّت لا من قِبل رأسه.

٣ ـ أن يستقبل الميّت بوجهه عند الزيارة.

٤ ـ أن يزور قائماً ويدعو له كذلك.

٥ ـ قراءة ما تيسّر من القرآن ، ويستحبُّ قراءة يس والتوحيد.

٦ ـ دعاء الميّت مستقبلاً القبلة.

٧ ـ الجلوس لدى القراءة مستقبل القبلة.

٨ ـ رشُّ القبر بالماء الطاهر.

٩ ـ التصدّق عن الأموات.

١٠ ـ أن يكون الزائر حافياً ولا يطأ القبور.

القول في الزيارة :

١ ـ عن عائشة مرفوعاً : قال صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «أتاني جبريل فقال : إنَّ ربّك يأمرك أن تأتي أهل البقيع فتستغفر لهم» ، قالت : كيف أقول لهم يا رسول الله؟ قال : قولي :

__________________

(١) الطور : ٣٤.

٢٤٧

السلام على أهل الديار من المؤمنين والمسلمين ، يرحم الله المستقدمين منّا والمستأخرين ، وإنّا إن شاء الله بكم لاحقون».

أخرجه مسلم في صحيحه (٢) وجمع آخر من الفقهاء والحفّاظ ، وفي رواية :

«السلام عليكم أهل الديار من المؤمنين والمسلمين ، وإنّا إن شاء الله بكم لاحقون ، أسأل الله لنا ولكم العافية».

أخرجه البيهقي في سننه الكبرى (٤ / ٧٩).

٢ ـ عن أبي هريرة رضى الله عنه : إنَّ النبيّ أتى المقبرة فقال : «السلام عليكم دار قوم مؤمنين ، وإنّا إن شاء الله بكم لاحقون».

رواه (٣) : أحمد ومسلم وأبو داود والنسائي.

٣ ـ عن ابن عبّاس قال : مرَّ رسول الله بقبور المدينة ، فأقبل عليهم بوجهه فقال : «السلام عليكم يا أهل القبور ، يغفر الله لنا ولكم ، أنتم سلفنا ونحن بالأثر».

رواه (٤) : الترمذي ، والبغوي في المصابيح (١ / ١١٦).

٤ ـ عن بريدة قال : كان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يعلّمهم إذا خرجوا إلى المقابر :

«السلام عليكم أهل الديار من المؤمنين والمسلمين ، وإنّا إن شاء الله بكم لاحقون ، وأنتم لنا فرط ونحن لكم تبع ، نسأل الله العافية» ، سنن البيهقي (٤ / ٧٩).

٥ ـ عن مجمع بن حارثة قال : خرج النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في جنازة حتى انتهى إلى

__________________

(٢) صحيح مسلم : ٢ / ٣٦٣ ح ١٠٣ كتاب الجنائز.

(٣) مسند أحمد : ٣ / ٧٠ ح ٨٦٦١ ، صحيح مسلم : ٢ / ٣٦٣ ح ١٠٢ كتاب الجنائز ، سنن أبي داود : ٣ / ٢١٩ ح ٢٧٣٧ ، السنن الكبرى : ١ / ٦٥٦ ح ٢١٦٦.

(٤) سنن الترمذي : ٣ / ٣٦٩ ح ١٠٥٣ ، مصابيح السنّة : ١ / ٥٦٩ ح ١٢٤٢.

٢٤٨

المقبرة ، فقال : «السلام على أهل القبور ـ ثلاث مرّات ـ من كان منكم من المؤمنين والمسلمين ، أنتم لنا فرط ونحن لكم تبع ، عافانا الله وإيّاكم». مجمع الزوائد (٣ / ٦٠)

٦ ـ قال أمير المؤمنين عليُّ بن أبي طالب في زيارة قبور بالكوفة :

«السلام عليكم يا أهل الديار من المؤمنين والمسلمين ، أنتم لنا سلف فارط ، ونحن لكم تبع عمّا قليل لاحق ، اللهمّ اغفر لنا ولهم وتجاوز عنّا وعنهم ، طوبى لمن أراد المعاد ، وعمل الحسنات ، وقنع بالكفاف ، ورضي عن الله عزَّ وجلَّ».

أخرجه الطبراني كما في مجمع الزوائد (٩ / ٢٩٩) ، وذكره الجاحظ في البيان والتبيين (١) (٣ / ٩٩) بلفظ يقرب من هذا.

٧ ـ كان عليُّ بن أبي طالب أمير المؤمنين ـ كرّم الله وجهه ـ إذا دخل المقبرة قال : «السلام عليكم يا أهل الديار الموحشة والمحالّ المقفرة من المؤمنين والمؤمنات ، اللهمّ اغفر لنا ولهم ، وتجاوز بعفوك عنّا وعنهم. ثمّ يقول : الحمد لله الذي جعل لنا الأرض كفاتاً أحياءً وأمواتاً ، والحمد لله الذي منها خلقنا ، وإليها معادنا ، وعليها محشرنا ، طوبى لمن ذكر المعاد ، وعمل الحسنات ، وقنع بالكفاف ، ورضي عن الله عزَّ وجلَّ». العقد الفريد (٢) (٢ / ٦).

٨ ـ قال الفيروزآبادي ـ صاحب القاموس ـ في سفر السعادة (٣) (ص ٥٧):

ومن العادات النبويّة زيارة القبور والدعاء والاستغفار ، ومثل هذه الزيارة مستحبّ ، وقال : إذا رأيتم المقابر فقولوا : السلام عليكم أهل الديار ... إلى آخر ما ذكر. ثمّ قال : وكان يقرأ وقت الزيارة من نوع الدعاء الذي كان يقرأه في صلاة الميّت.

__________________

(١) البيان والتبيين : ٣ / ١٠٢.

(٢) العقد الفريد : ٣ / ١١.

(٣) سفر السعادة : ١ / ١٨٣.

٢٤٩

٩ ـ وقف محمد بن الحنفيّة على قبر الحسن بن عليّ ـ الإمام ـ فخنقته العبرة ثمّ نطق فقال : رحمك الله أبا محمد ، فلئن عزّتْ حياتك فلقد هدّتْ وفاتك ، ولنعم الروح روح ضمّه بدنك ، ولنعم البدن بدن ضمّه كفنك ، وكيف لا يكون كذلك وأنت بقيّة ولد الأنبياء ، وسليل الهدى ، وخامس أصحاب الكساء ، غذّتك أكفُّ الحقِّ ، ورُبِّيت في حجر الإسلام ، فطبت حيّا وطبت ميّتاً ، وإن كانت أنفسنا غير طيّبة بفراقك ولا شاكّة في الخيار لك. العقد الفريد (١) (٢ / ٨).

١٠ ـ وقف عليُّ بن أبي طالب ـ أمير المؤمنين ـ على قبر خباب فقال : «رحم الله خباباً لقد أسلم راغباً ، وجاهد طائعاً ، وعاش مجاهداً ، وابتلي في جسمه أحوالاً ، ولن يضيع الله أجر من أحسن عملاً». العقد الفريد (٢) (٢ / ٧).

١١ ـ قامت عائشة على قبر أبيها أبي بكر الصدّيق ، فقالت : نضّر الله وجهك ، وشكر صالح سعيك ، فقد كنت للدنيا مذلاّ بإدبارك عنها ، وللآخرة معزّا بإقبالك عليها ، ولئن كان رزؤك أعظم المصائب بعد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وأكبر الأحداث بعده ، فإنَّ كتاب الله تعالى قد وعدنا بالثواب على الصبر في المصيبة ، وأنا تابعة له في الصبر ، فأقول إنّا لله وإنّا إليه راجعون ، ومستعيضة بأكثر الاستغفار لك ، فسلام الله عليك توديع غير قالية لحياتك ، ولا رازءة على القضاء فيك. المستطرف (٣) (٢ / ٣٣٨).

١٢ ـ كان الحسن البصري إذا دخل المقبرة قال : اللهمّ ربّ هذه الأجساد البالية والعظام النخرة ، التي خرجت من الدنيا وهي بك مؤمنة ، أدخل عليها روحاً منك وسلاماً منّا. العقد الفريد (٤) (٢ / ٦).

__________________

(١) العقد الفريد : ٣ / ١٣.

(٢) العقد الفريد : ص ١٢.

(٣) المستطرف : ٢ / ٣٠١.

(٤) العقد الفريد : ٣ / ١١ ـ ١٢.

٢٥٠

١٣ ـ قام ابن السمّاك على قبر أبي سليمان داود بن نصير الطائي ، المتوفّى (١٦٥) فقال : يا داود ، كنت تسهر ليلك إذ الناس نائمون ، وكنت تسلم إذا الناس يخوضون ، وكنت تربح إذ الناس يخسرون. حتى عدَّ فضائله كلّها. صفة الصفوة (١) (٣ / ٨٢).

هناك ألفاظ كبيرة في زيارة القبور لدة ما ذكر ، نقلت عن الأئمّة وأعلام المذاهب الأربعة ، تنبئنا عن أنَّ الزائر في وسعه أن يزور الميّت ويدعو له بأيّ لفظٍ شاء وأراد ؛ وله سرد ما يروقه من مناقبه وفضائله ، وذكر ما يوجِّه إليه عطف المولى سبحانه ويستوجب له رحمته ، والألفاظ المذكورة في زيارة النبيّ الأقدس صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وزيارة الشيخين تثبت ما نرتئيه.

كلمات حول زيارة القبور

لأعلام العامّة

فيها فوائد جمّة :

١ ـ قال ابن الحاجّ أبو عبيد الله العبدري المالكي المتوفّى (٧٣٧) في المدخل (١ / ٢٥٤) : وصفة السلام على الأموات أن يقول : السلام عليكم أهل الديار من المؤمنين والمؤمنات ، والمسلمين والمسلمات ، رحم الله المستقدمين منّا والمستأخرين ، وإنّا إن شاء الله بكم لاحقون ، أسأل الله لنا ولكم العافية. ثمّ يقول : اللهمّ اغفر لنا ولهم.

وما زدت أو نقصت فواسع ، والمقصود الاجتهاد لهم في الدعاء ؛ فإنَّهم أحوج الناس لذلك لانقطاع أعمالهم ، ثمّ يجلس في قبلة الميّت ويستقبله بوجهه ، وهو مخيّر في أن يجلس في ناحية رجليه إلى رأسه أو قبال وجهه ، ثمّ يثني على الله تعالى بما حضره من الثناء ، ثمّ يصلّي على النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم الصلاة المشروعة ، ثمّ يدعو للميّت بما أمكنه ،

__________________

(١) صفة الصفوة : ٣ / ١٤٦ رقم ٤٤٢.

٢٥١

وكذلك يدعو عند هذه القبور عند نازلة نزلت به أو بالمسلمين ، ويتضرّع إلى الله تعالى في زوالها وكشفها عنه وعنهم.

وهذه صفة زيارة القبور عموماً ، فإن كان الميّت المزار ممّن تُرجى بركته ، فيتوسّل إلى الله تعالى به. وكذلك يتوسّل الزائر بمن يراه الميّت ممّن تُرجى بركته إلى النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، بل يبدأ بالتوسّل إلى الله تعالى بالنبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ؛ إذ هو العمدة في التوسّل والأصل في هذا كلّه والمشرِّع له ، فيتوسّل به صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وبمن تبعه بإحسان إلى يوم الدين ، وقد روى البخاري (١) عن أنس رضى الله عنه أنَّ عمر بن الخطّاب رضى الله عنه كان إذا قحطوا استسقى بالعبّاس ، فقال : اللهمّ كنّا نتوسّل إليك بنبيّك صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فتسقينا ، وإنّا نتوسّل إليك بعمِّ نبيّك فاسقنا. فيُسقَون.

ثمّ يتوسّل بأهل تلك المقابر ـ أعني بالصالحين منهم ـ في قضاء حوائجه ومغفرة ذنوبه ، ثمَّ يدعو لنفسه ولوالديه ، ولمشايخه ، ولأقاربه ، ولأهل تلك المقابر ، ولأموات المسلمين ولأحيائهم وذرّيتهم إلى يوم الدين ، ولمن غاب عنه من إخوانه ، ويجأر إلى الله تعالى بالدعاء عندهم ، ويكثر التوسّل بهم إلى الله تعالى ؛ لأنّه سبحانه وتعالى اجتباهم وشرّفهم وكرّمهم ، فكما نفع بهم في الدنيا ففي الآخرة أكثر.

فمن أراد حاجة فليذهب إليهم ويتوسّل بهم فإنّهم الواسطة بين الله تعالى وخلقه ، وقد تقرّر في الشرع وعلم ما لله تعالى بهم من الاعتناء وذلك كثير مشهور ، وما زال الناس من العلماء والأكابر كابراً عن كابر ، مشرقاً ومغرباً ، يتبرّكون بزيارة قبورهم ويجدون بركة ذلك حسّا ومعنىً ، وقد ذكر الشيخ الإمام أبو عبد الله بن النعمان رحمه‌الله في كتابه المسمّى بسفينة النجاء لأهل الالتجاء ، في كرامات الشيخ أبي النجاء في أثناء كلامه على ذلك ما هذا لفظه :

__________________

(١) صحيح البخاري : ١ / ٣٤٢ ح ٩٦٤ و ٣ / ١٣٦٠ ح ٣٥٠٧.

٢٥٢

تحقّق لذوي البصائر والاعتبار أنَّ زيارة قبور الصالحين محبوبة لأجل التبرّك مع الاعتبار ، فإنَّ بركة الصالحين جارية بعد مماتهم كما كانت في حياتهم ، والدعاء عند قبور الصالحين والتشفّع بهم معمول به عند علمائنا المحقّقين من أئمّة الدين.

ولا يعترض على ما ذكر من أنَّ من كانت له حاجة فليذهب إليهم وليتوسّل بهم بقوله ـ عليه الصلاة والسلام ـ : «لا تُشَدُّ الرحال إلاّ لثلاثة مساجد : المسجد الحرام ، ومسجدي ، والمسجد الأقصى».

وقد قال الإمام الجليل أبو حامد الغزالي ـ رحمه‌الله تعالى ـ في كتاب آداب السفر من كتاب الإحياء (١) له ما هذا نصه : القسم الثاني وهو أن يسافر لأجل العبادة إمّا لجهاد أو حجّ ـ إلى أن قال ـ : ويدخل في جملته زيارة قبور الأنبياء وقبور الصحابة والتابعين وسائر العلماء والأولياء ، وكلّ من يتبرّك بمشاهدته في حياته يتبرّك بزيارته بعد وفاته ، ويجوز شدُّ الرحال لهذا الغرض ، ولا يمنع من هذا قوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «لا تُشَدُّ الرحال إلاّ لثلاثة مساجد : المسجد الحرام ، ومسجدي ، والمسجد الأقصى» ؛ لأنَّ ذلك في المساجد لأنّها متماثلة بعد هذه المساجد ، وإلاّ فلا فرق بين زيارة الأنبياء والأولياء والعلماء في أصل الفضل ، وإن كان يتفاوت في الدرجات تفاوتاً عظيماً بحسب اختلاف درجاتهم عند الله ، والله تعالى أعلم.

٢ ـ قال عزّ الدين الشيخ يوسف الأردبيلي الشافعي المتوفّى (٧٧٦) في الأنوار لأعمال الأبرار في الفقه الشافعي (١ / ١٢٤) : ويستحبّ للرجال زيارة القبور وتكره للنساء ، والسنّة أن يقول : سلام عليكم دار قوم مؤمنين ، وإنّا إن شاء الله عن قريب بكم لاحقون ، اللهمّ لا تحرمنا أجرهم ، ولا تفتنّا بعدهم واغفر لنا ولهم. وأن يدنو من القبر كما كان يدنو من صاحبه حيّا ، وأن يقف متوجِّهاً إلى القبر ، وأن يقرأ ويدعو ؛

__________________

(١) إحياء علوم الدين : ٢ / ٢٢٨.

٢٥٣

فإنَ الميّت كالحاضر يُرجى له الرحمة والبركة ، والدعاء عقيب القراءة أقرب إلى الإجابة.

٣ ـ قال الشيخ زين الدين ، الشهير بابن نجيم المصري الحنفي المتوفّى (٩٦٩ ـ ٩٧٠) في البحر الرائق شرح كنز الدقائق للإمام النسفي (٢ / ١٩٥) ، قال في البدائع : ولا بأس بزيارة القبور والدعاء للأموات إن كانوا مؤمنين ، من غير وطء القبور ؛ لقوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «إنّي كنت نهيتكم عن زيارة القبور ألا فزوروها» ، ولعمل الأُمّة من لدن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إلى يومنا هذا.

وصرّح في المجتنى بأنّها مندوبة ، وقيل : تحرم على النساء ، والأصحُّ أنَّ الرخصة ثابتة لهما. وكان صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يعلّم السلام على الموتى : «السلام عليكم أهل الديار من المؤمنين والمسلمين». ذكره إلى آخره ، ثمّ ذكر قراءة القرآن عند القبور ، وشيئاً من أدب الزيارة.

٤ ـ أجاب ابن حجر المكّي الهيتمي : المتوفّى (٩٧٣) (١) في الفتاوى الكبرى الفقهيّة (٢ / ٢٤) لمّا سُئل رضى الله عنه عن زيارة قبور الأولياء في زمن معيّن مع الرحلة إليها ، هل يجوز مع أنَّه يجتمع عند تلك القبور مفاسد كثيرة كاختلاط النساء بالرجال ، وإسراج السرج الكثيرة وغير ذلك؟ بقوله : زيارة قبور الأولياء قربة مستحبّة ، وكذا الرحلة إليها ، وقول الشيخ أبي محمد : لا تستحبُّ الرحلة إلاّ لزيارته صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، ردّه الغزالي : بأنّه قاس ذلك على منع الرحلة لغير المساجد الثلاثة مع وضوح الفرق ، فإنَّ ما عدا تلك المساجد الثلاثة مستوية في الفضل فلا فائدة في الرحلة إليها ، وأمّا الأولياء فإنّهم متفاوتون في القرب من الله تعالى ونفع الزائرين بحسب معارفهم وأسرارهم ، فكان للرحلة إليهم فائدة أيّ فائدة ، فمن ثمّ سنّت الرحلة إليهم للرجال فقط بقصد ذلك ، وانعقد نذرها كما بسطت الكلام على ذلك في شرح العباب بما لا مزيد على حسنه وتحريره ، وما أشار إليه السائل من تلك البدع أو المحرّمات ، فالقربات لا تُترك لمثل

__________________

(١) مرت الإشارة في الصحيفة ١٧٨ أنّ وفاته سنة (٩٧٤).

٢٥٤

ذلك ، بل على الإنسان فعلها وإنكار البدع ، بل وإزالتها إن أمكنه.

وقد ذكر الفقهاء في الطواف المندوب فضلاً عن الواجب أنَّه يُفعل ولو مع وجود النساء وكذا الرمي ، لكن أمروه بالبعد عنهنّ ، وكذا الزيارة يفعلها لكن يبعد عنهنّ ، وينهى عمّا يراه محرّماً بل ويزيله إن قدر كما مرَّ ، هذا إن لم تتيسّر له الزيارة إلاّ مع وجود تلك المفاسد ، فإن تيسّرت مع عدم المفاسد ، فتارةً يقدر على إزالة كلّها أو بعضها فيتأكّد له الزيارة مع وجود تلك المفاسد ليزيل منها ما قدر عليه ، وتارةً لا يقدر على إزالة شيء منها ، فالأولى له الزيارة في غير زمن تلك المفاسد ، بل لو قيل : يمنع منها حينئذٍ لم يبعد.

ومن أطلق المنع من الزيارة خوف ذلك الاختلاط يلزمه إطلاق منع نحو الطواف والرمي ، بل والوقوف بعرفة أو مزدلفة والرمي إذا خشي الاختلاط أو نحوه ، فلمّا لم يمنع الأئمّة شيئاً من ذلك ـ مع أنَّ فيه اختلاطاً أيّ اختلاط ـ ، وإنّما منعوا نفس الاختلاط لا غير فكذلك هنا. ولا تغترَّ بخلاف من أنكر الزيارة خشية الاختلاط ؛ فإنّه يتعيّن حمل كلامه على ما فصّلناه وقرّرناه ، وإلاّ لم يكن له وجه.

وزعمُ أنَّ زيارة الأولياء بدعة لم تكن في زمن السلف ممنوع ، وبتقدير تسليمه فليس كلّ بدعة يُنهى عنها ، بل قد تكون البدعة واجبةً ، فضلاً عن كونها مندوبة كما صرّحوا به.

٥ ـ قال الشيخ محمد الخطيب الشربيني المتوفّى (٩٧٧) في المغني (١) (١ / ٣٥٧) : يسنُّ الوضوء لزيارة القبور كما قاله القاضي حسين في شرح الفروع ، ويسلِّم الزائر للقبور من المسلمين مستقبلاً وجهه ، ويقرأ عنده من القرآن ما تيسّر ، ويدعو له عقب القراءة رجاء الإجابة ؛ لأنَّ الدعاء ينفع الميّت ، وهو عقب القراءة أقرب إلى الإجابة ،

__________________

(١) مغني المحتاج : ١ / ٣٦٥.

٢٥٥

وعند الدعاء يستقبل القبلة ، وإن قال الخراسانيّون باستحباب استقبال وجه الميّت. قال المصنِّف : ويستحبُّ الإكثار من الزيارة ، وأن يكثر الوقوف عند قبور أهل الخير والفضل. انتهى ملخّصاً.

٦ ـ قال الملاّ عليّ الهروي القاري الحنفي المتوفّى (١٠١٤) في المرقاة شرح المشكاة (١) (٢ / ٤٠٤) في زيارة القبور : الأمر فيها للرخصة أو الاستحباب ، وعليه الجمهور ، بل ادّعى بعضهم الإجماع ، بل حكى ابن عبد البرّ عن بعضهم وجوبها.

٧ ـ قال الشيخ أبو البركات حسن بن عمّار بن عليّ ، المكنّى بابن الإخلاص الوفائي الشرنبلالي الحنفي ، المتوفّى (١٠٦٩) في حاشية (٢) غرر الأحكام (٣) المطبوعة بهامش درر الحكام (١ / ١٦٨) : زيارة القبور مندوبة للرجال ، وقيل : تحرم على النساء ، والأصحّ أنَّ الرخصة ثابتة لهما ، ويستحب قراءة يس لما ورد : «من دخل المقابر فقرأ سورة يس خفّف الله عنهم يومئذٍ ، وكان له بعدد ما فيها حسنات».

وقال في مراقي الفلاح (٤) فصل في زيارة القبور : ندب زيارتها من غير أن يطأ القبور للرجال والنساء ، وقيل : تحرم على النساء ، والأصحّ أنَّ الرخصة ثابتة للرجال والنساء ، فتندب لهنّ أيضاً على الأصحّ ، والسنّة زيارتها قائماً والدعاء عندها قائماً ، كما كان يفعل رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في الخروج إلى البقيع ويقول : «السلام عليكم دار قوم مؤمنين ، وإنّا إن شاء الله بكم لاحقون ، أسأل الله لي ولكم العافية».

ويستحبّ للزائر قراءة سورة يس لما ورد عن أنس رضى الله عنه أنّه قال :

__________________

(١) المرقاة شرح المشكاة : ٤ / ٢٤٨ ح ١٧٦٢.

(٢) تسمّى غنية ذوي الأحكام في بغية الأحكام. (المؤلف)

(٣) كتاب في فروع الحنفية لملا خسرو ، المتوفّى (٨٨٥) وله شرح عليه سمّاه درر الحكام. كشف الظنون : ٢ / ١١٩٩.

(٤) مراقي الفلاح : ص ١٢١.

٢٥٦

قال رسول الله : «من دخل المقابر فقرأ سورة يس ـ يعني : وأهدى ثوابها للأموات ـ خفّف الله عنهم يومئذٍ العذاب ، ورفعه» وكذا يوم الجمعة يرفع فيه العذاب عن أهل البرزخ ، ثمّ لا يعود على المسلمين وكان له ـ أي للقارئ ـ بعدد ما فيها ـ رواية الزيلعي : من فيها من الأموات ـ حسنات.

وعن أنس : أنَّه سأل رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فقال : يا رسول الله إنّا نتصدّق عن موتانا ، ونحجُّ عنهم ، وندعو لهم ، فهل يصل ذلك إليهم؟ فقال : «نعم ، لَيصِلُ ذلك إليهم ويفرحون به كما يفرح أحدكم بالطبق إذا أُهدي إليه». رواه أبو حفص السكيري. إلى أن قال : وعن عليّ رضى الله عنه : «أنَّ النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال : من مرَّ على المقابر فقرأ قل هو الله أحد إحدى عشرة مرّة ، ثمّ وهب أجرها للأموات ، أُعطي من الأجر بعدد الأموات». رواه الدار قطني.

وأخرج ابن أبي شيبة عن الحسن أنَّه قال : من دخل المقابر فقال : اللهمّ ربّ هذه الأجساد البالية والعظام النخرة التي خرجت من الدنيا وهي بك مؤمنة ، أدخل بها روحاً من عندك وسلاماً منّي. استغفر له كلّ مؤمن مات منذ خلق الله آدم. وأخر ج ابن أبي الدنيا بلفظ : كتب له بعدد من مات من ولد آدم إلى أن تقوم الساعة حسنات.

٨ ـ قال الشيخ محمد أمين ، الشهير بابن عابدين المتوفّى (١٢٥٣) في ردّ المحتار على الدر المختار في الفقه الحنفي (١) (١ / ٦٣٠) بعد بيان استحباب زيارة الق بور : وتُزار في كلّ أسبوع كما في مختارات النوازل. قال في شرح لباب المناسك : إلاّ أنَّ الأفضل يوم الجمعة والسبت والإثنين والخميس ، فقد قال محمد بن واسع : الموتى يعلمون بزوّارهم يوم الجمعة ويوماً قبله ويوماً بعده ، فتحصّل أنَّ يوم الجمعة أفضل. انتهى.

__________________

(١) رد المحتار على الدرّ المختار : ١ / ٦٠٤.

٢٥٧

وفيه : يستحب أن يزور شهداء جبل أُحد ؛ لما روى ابن أبي شيبة : أنَّ النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كان يأتي قبور الشهداء بأُحد على رأس كلّ حول ، فيقول : «السلام عليكم بما صَبَرتم فنعمَ عقبى الدار». والأفضل أن يكون ذلك يوم الخميس متطهّراً مبكّراً ؛ لئلاّ تفوته الظهر بالمسجد النبويّ. انتهى.

قلت : استفيد منه ندب الزيارة وإن بَعُد محلّها. وهل تندب الرحلة لها كما اعتيد من الرحلة إلى زيارة خليل الرحمن وأهله وأولاده ، وزيارة السيّد البدوي وغيره من الأكابر الكرام؟ لم أرَ من صرّح به من أئمّتنا ، ومنع منه بعض الشافعيّة إلاّ لزيارته صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قياساً على منع الرحلة لغير المساجد الثلاث ، وردّه الغزالي بوضوح الفرق.

ثمّ ذكر محصَّل قول الغزالي فقال : قال ابن حجر في فتاواه : ولا تُترك لما يحصل عندها من منكرات ومفاسد كاختلاط الرجال بالنساء وغير ذلك ؛ لأنَّ القربات لا تُترك لمثل ذلك ، بل على الإنسان فعلها وإنكار البدع ، بل وإزالتها إن أمكن. انتهى. قلت : ويؤيّده ما مرَّ من عدم ترك اتّباع الجنازة وإن كان معها نساء ونائحات ـ إلى أن قال ـ :

قال في الفتح : والسنّة زيارتها قائماً والدعاء عندها قائماً ، كما كان يفعله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في الخروج إلى البقيع ، ويقول : «السلام عليكم دار قوم مؤمنين ، وإنّا إن شاء الله بكم لاحقون». وفي شرح اللباب للملاّ عليّ القاري : ثمّ من آداب الزيارة ما قالوا من أنَّه يأتي الزائر من قِبل رِجلي المتوفّى لا من قِبَل رأسه ؛ لأنَّه أتعب لبصر الميّت ، بخلاف الأوّل لأنّه يكون مقابل بصره ، لكن هذا إذا أمكنه ، وإلاّ فقد ثبت أنّه ـ عليه الصلاة والسلام ـ قرأ أوّل سورة البقرة عند رأس ميّت وآخرها عند رجليه.

٩ ـ قال الشيخ إبراهيم الباجوري المتوفّى (١٢٧٧) في حاشيته على شرح ابن الغزّي (١ / ٢٧٧) : تندب زيارة القبور للرجال لتذكّر الآخرة ، وتكره من النساء لجزعهنّ

٢٥٨

وقلّة صبرهنّ ، ومحلُّ الكراهة فقط إن لم يشتمل اجتماعهنّ على محرّم وإلاّ حرم ، ويُستثنى من ذلك قبر نبيّنا صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فتندب لهنّ زيارته ، وينبغي ـ كما قال ابن الرفعة ـ أنَّ قبور الأنبياء والأولياء كذلك.

ويندب أن يقول الزائر : السلام عليكم دار قوم مؤمنين ، وإنّا إن شاء الله بكم لاحقون ، نسأل الله لنا ولكم العافية ، اللهمّ لا تحرمنا أجرهم ولا تفتنّا بعدهم واغفر لنا ولهم. وأن يقرأ ما تيسّر من القرآن كسورة يس ، ويدعو لهم ويهدي ثواب ذلك لهم ، وأن يتصدّق عليهم وينفعهم ذلك فيصل ثوابه لهم ، ويُسَنُّ أن يقرب من المزور كقربه منه حيّا ، وأن يسلّم عليه من قِبَل رأسه ويكره تقبيل القبر. إلى آخر ما مرّ (ص ١٥٤).

١٠ ـ قال الشيخ عبد الباسط ابن الشيخ علي الفاخوري ـ المفتي ببيروت ـ في كتابه الكفاية لذوي العناية (ص ٨٠) : يسنّ زيارة القبور للرجال وتكره للنساء ، إلاّ القبر الشريف وكذا قبور بقيّة الأنبياء والصالحين.

ويسنُّ أن يقول الزائر : السلام عليكم دار قوم مؤمنين ، أنتم السابقون وإنّا إن شاء الله بكم لاحقون ، وأن يقرأ ما تيسّر من القرآن كسورة يس ، وأن يدعو للميّت بعد القراءة ، وأن يقول : اللهمّ أوصل ثواب ما قرأته إلى فلان ، وأن يقرب من القبر كقربه منه لو كان حيّا.

١١ ـ قال الشيخ عبد المعطي السقّا في الإرشادات السنيّة (ص ١١١):

زيارة قبور المسلمين مندوبة للرجال لخبر مسلم : «كنت نهيتكم عن زيارة القبور فزوروها ؛ فإنّها تذكِّركم الآخرة» أمّا زيارة النساء فمكروهة إن كانت لقبر غير نبيٍّ وعالم وصالح وقريب ، أمّا زيارة قبر النبيّ ومن ذُكر معه فمندوبة لهنّ بدون محرم إن كانت القبور داخل البلد ، ومع محرم إن كانت خارجه ، ومحلّ ندب زيارتهنّ

٢٥٩

أو كراهتها إذا أذن لهنّ الحليل أو الولي ، وأمنت الفتنة ، ولم يترتّب على اجتماعهنّ مفسدة كما هو الغالب ، بل المحقَّق في هذا الزمان ، وإلاّ فلا ريبة في تحريمها ، ويستحبّ الإكثار من الزيارة لتحصيل الاعتبار والعظة وتذكّر الآخرة ، وتتأكّد الزيارة عشيّة يوم الخميس ، ويوم الجمعة بتمامه ، وبكرة يوم السبت.

وينبغي للزائر أن يقصد بزيارته وجه الله وإصلاح فساد قلبه ، وأن يكون على طهارةٍ رجاء قبول دعائه لنفسه وللميّت ، وأن يسلّم على من بالمقبرة بقوله : السلام عليكم دار قوم مؤمنين ـ وذكر إلى آخره ـ ، ثمّ إذا وصل إلى قبر ميّته قرب منه ووقف مستقبلاً وجهه خاشعاً قائلاً : السلام عليك ، ثمّ يقرأ عنده ما تيسّر من القرآن كسورة الفاتحة ، وسورة يس ، وسورة تبارك ، وسورة الإخلاص والمعوّذتين ، والأفضل أن يكون وقت القراءة جالساً مستقبل القبلة قاصداً نفع الميّت بما يتلوه ، وأن يكثر من التصدّق ، وأن يرشَّ القبر بالماء الطاهر ، وأن يضع عليه جريداً أخضر ونحوه كالريحان والبرسيم ، وتتأكّد زيارة الأقارب والدعاء لهم سيّما الوالدين ، فقد ورد في الحثِّ على زيارتهما والدعاء لهما أخبار كثيرة صحيحة.

١٢ ـ قال منصور علي ناصف في التاج الجامع للأصول في أحاديث الرسول (١) (١ / ٤١٨) : الأمر ـ في زيارة القبور ـ للندب عند الجمهور ، وللوجوب عند ابن حزم ولو مرّة واحدة في العمر. وقال في (ص ٤١٩) : زيارة النساء للقبور جائزة بشرط الصبر وعدم الجزع وعدم التبرّج ، وأن يكون معها زوج أو محرم منعاً للفتنة لعموم الحديث الأوّل ، ولقول عائشة : كيف أقول لهم يا رسول الله؟ .. إلخ. ولزيارة عائشة لقبر أخيها عبد الرحمن ، فلمّا اعترضها عبد الله قالت : نهى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عن زيارة القبور ثمّ أمر بزيارتها. رواه أحمد (٢) وابن ماجة (٣).

__________________

(١) التاج الجامع للأصول : ١ / ٣٨١ ، ٣٨٢.

(٢) مسند أحمد : ١ / ٢٣٤ ح ١٢٤٠.

(٣) سنن ابن ماجة : ١ / ٥٠١ ح ١٥٧١.

٢٦٠