الشيخ عبد الحسين أحمد الأميني النجفي
المحقق: مركز الغدير للدّراسات الإسلاميّة
الموضوع : العقائد والكلام
الناشر: مركز الغدير للدراسات الإسلامية
المطبعة: فروردين
الطبعة: ١
الصفحات: ٧١٢
كنز المطالب (ص ١٨٣ ـ ٢٢٤) |
الشيخ حسن العدوي الشافعي |
الكفاية (ص ١٢٥ ـ ١٣١) |
عبد الباسط الفاخوري المفتي |
الإرشادات السنيّة (ص ٢٦٠) |
عبد المعطي السقّا الشافعي |
الفقه على المذاهب الأربعة (الجزء الأول) |
عدّة من فقهاء المذاهب |
الحث على زيارة القبور
ورد في السنّة الصحيحة المتّفق عليها الأمر بزيارة القبور والحثّ عليها ، وأصفقت آراء أعلام المذاهب الإسلاميّة على الفتيا بمفاده وأنَّها تستحبّ ، بل قال بعض الظاهريّة بوجوبها كما نصَّ عليه غير واحد أخذاً بظاهر الأمر ؛ وإليك جملة من تلك النصوص :
١ ـ عن بريدة مرفوعاً : «كنت نهيتكم عن زيارة القبور ، ألا فزوروها».
وزاد الترمذي : «فقد أذن الله لنبيّه صلىاللهعليهوآلهوسلم في زيارة قبر أُمّه».
أخرجه (١) : مسلم في صحيحه ، والترمذي في سننه ، وقال : حديث حسن صحيح ، والنسائي في السنن (٤ / ٨٩) ، والحاكم في المستدرك (١ / ٣٧٤) عن الصحيحين للبخاري ومسلم ، والبغوي في مصابيح السنّة (١ / ١١٦) وعدّة من الصحاح ، والمنذري في الترغيب والترهيب (٤ / ١١٨) ، وابن الديبع في تيسير الوصول (٤ / ٢١٠) وقال : أخرجه الخمسة إلاّ البخاري.
٢ ـ عن عبد الله بن مسعود مرفوعاً في حديث : «ألا فزوروا القبور فإنَّها تزهِّد في الدنيا وتذكِّر الآخرة».
__________________
(١) صحيح مسلم : ٢ / ٣٦٦ ح ١٠٧ كتاب الجنائز ، سنن الترمذي : ٣ / ٣٧٠ ح ١٠٥٤ ، السنن الكبرى للنسائي : ١ / ٦٥٣ ح ٢١٥٩ ، المستدرك على الصحيحين : ١ / ٥٣٠ ح ١٣٨٥ ، مصابيح السنّة : ١ / ٥٦٨ ح ١٢٣٩ ، الترغيب والترهيب : ٤ / ٣٥٧ ، تيسير الوصول : ٤ / ٢٥٤.
أخرجه (١) ابن ماجة في سننه (١ / ٤٧٦) ، وأبو الوليد محمد بن عبد الله الأزرقي في أخبار مكّة (٢ / ١٧٠) ، والحاكم في المستدرك (١ / ٣٧٥) وصحّحه ، والمنذري في الترغيب والترهيب (٤ / ١١٨) وقال : إسناد صحيح ، والبيهقي في السنن الكبرى (٤ / ٧٧).
٣ ـ عن أنس بن مالك مرفوعاً : «نهيتكم عن زيارة القبور فزوروها ؛ فإنَّها تذكّركم الموت».
أخرجه الحاكم في المستدرك (٢) (١ / ٣٧٥) وصحّحه.
٤ ـ عن ابن عبّاس مرفوعاً : «نهيتكم عن زيارة القبور فزوروها ولا تقولوا هجراً»
أخرجه الطبراني في الكبير والأوسط (٣) ، كما في مجمع الزوائد للهيثمي (٣ / ٥٨)
٥ ـ عن زيد بن الخطّاب في حديث مرفوعاً : «إنّي كنت نهيتكم عن زيارة القبور ، فمن شاء منكم أن يزور فليزُر».
رواه الطبراني في الكبير (٤) ، ونقله عنه الهيثمي في مجمع الزوائد (٣ / ٥٨).
٦ ـ عن أبي هريرة مرفوعاً : «فزوروا القبور فإنّها تذكِّر ـ تذكِّركم ـ الموت».
أخرجه (٥) : مسلم في صحيحه ، وأحمد في مسنده (١ / ٤٤١) ، وابن ماجة في
__________________
(١) سنن ابن ماجة : ١ / ٥٠١ ح ١٥٧١ ، أخبار مكة : ٢ / ٢١١ ، المستدرك على الصحيحين : ١ / ٥٣١ ح ١٣٨٧ ، الترغيب والترهيب : ٤ / ٣٥٧.
(٢) المستدرك على الصحيحين : ١ / ٥٣١ ح ١٣٨٨.
(٣) المعجم الكبير : ١١ / ٢٠٢ ح ١١٦٥٣ ، المعجم الأوسط : ٣ / ٣٤٣ ح ٢٧٣٠.
(٤) المعجم الكبير : ٥ / ٨٢ ح ٤٦٤٨.
(٥) صحيح مسلم : ٢ / ٣٦٥ ح ١٠٦ كتاب الجنائز ، مسند أحمد : ٣ / ١٨٦ ح ٩٣٩٥ ، سنن ابن ماجة : ١ / ٥٠١ ح ١٥٧٢ ، سنن أبي داود : ٣ / ٢١٨ ح ٣٢٣٤ ، السنن الكبرى للنسائي : ١ / ٦٥٤ ح ٢١٦١ ، المستدرك على الصحيحين : ١ / ٥٣١ ح ١٣٩٠ ، الترغيب والترهيب : ٣ / ٣٥٧.
السنن (١ / ٤٧٦) ، وأبو داود في سننه (٢ / ٧٢) ، والنسائي في السنن (٤ / ٩٠) ، والحاكم في المستدرك (١ / ٣٧٦) ، والبيهقي في سننه الكبرى (٤ / ٧٦) ، والمنذري في الترغيب والترهيب (٤ / ١١٨).
٧ ـ عن بريدة مرفوعاً : «إنّي كنت نهيتكم عن زيارة القبور فزوروها ، وليزدكم زيارتها خيراً».
أخرجه الحاكم في المستدرك (١) (١ / ٣٧٦) وصحّحه هو والذهبي ، والبيهقي في سننه (٤ / ٧٦).
٨ ـ عن أنس بن مالك مرفوعاً : «إنّي نهيتكم عن زيارة القبور فمن شاء أن يزور قبراً فليزره ؛ فإنّه يرقُّ القلب ، ويدمع العين ، ويذكِّر الآخرة ، ولا تقولوا هجراً».
أخرجه (٢) : أحمد في مسنده (٣ / ٢٣٧ ـ ٢٥٠) ، والحاكم في المستدرك (١ / ٣٧٦) وصحّحه هو وأقرّه الذهبي ، والبيهقي في سننه الكبرى (٤ / ٧٧).
٩ ـ عن زيد بن ثابت مرفوعاً : «زوروا القبور ، ولا تقولوا هجراً».
أخرجه الطبراني في الصغير (٣) كما في مجمع الزوائد (٣ / ٥٨).
١٠ ـ عن أبي ذرّ مرفوعاً : «زُرِ القبور تذكرْ بها الآخرة».
أخرجه (٤) : الحاكم في المستدرك (١ / ٣٧٧) وقال : حديث رواته عن آخرهم
__________________
(١) المستدرك على الصحيحين : ١ / ٥٣٢ ح ١٣٩١ ، وكذا في تلخيصه.
(٢) مسند أحمد : ٤ / ١١٩ ح ١٣٠٧٥ ، ص ١٤٠ ح ١٣٢٠٣ ، المستدرك على الصحيحين : ١ / ٥٣٢ ح ١٣٩٣ ، وكذا في تلخيصه.
(٣) المعجم الصغير : ٢ / ٤٣.
(٤) المستدرك على الصحيحين : ١ / ٥٣٣ ح ١٣٩٥ ، الترغيب والترهيب : ٤ / ٣٥٨.
ثقات ، والمنذري في الترغيب والترهيب (٤ / ١١٨).
١١ ـ عن أبي سعيد الخدري مرفوعاً في حديث : «نهيتكم عن زيارة القبور ، فزوروها ولا تقولوا ما يسخط الربّ».
أخرجه البزّار والهيثمي في مجمع الزوائد (٣ / ٥٨) وقال : رجاله رجال الصحيح.
١٢ ـ عن أبي سعيد الخدري مرفوعاً : «نهيتكم عن زيارة القبور ، فزوروها ولا تقولوا هجراً».
أخرجه البيهقي في سننه الكبرى (٤ / ٧٧).
١٣ ـ عن أبي سعيد الخدري مرفوعاً «إنّي نهيتكم عن زيارة القبور ، فزوروها ؛ فإنَّ فيها عبرة».
أخرجه (١) : أحمد في مسنده (٣ / ٣٨) ، والحاكم في المستدرك (١ / ٣٧٥) وصحّحه وو الذهبي ، والبيهقي في سننه الكبرى (٤ / ٧٧) ، والمنذري في الترغيب والترهيب (٤ / ١١٨) وقال : رواته محتجٌّ بهم في الصحيح ، والهيثمي في مجمع الزوائد (٣ / ٥٨) وقال : رجاله رجال الصحيح.
١٤ ـ عن طلحة بن عبد الله قال : خرجنا مع رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم يريد قبور الشهداء. إلى أن قال : فلمّا جئنا قبور الشهداء ، قال : «هذه قبور إخواننا».
أخرجه : أبو داود في سننه (٢) (١ / ٣١٩) ، والبيهقي في السنن الكبرى (٥ / ٢٤٩).
١٥ ـ عن عليّ أمير المؤمنين مرفوعاً في حديث : «إنّي كنت نهيتكم عن زيارة
__________________
(١) مسند أحمد : ٣ / ٤٢٧ ح ١٠٩٣٦ ، المستدرك على الصحيحين : ١ / ٥٣٠ ح ١٣٨٦ ، وكذا في تلخيصه ، الترغيب والترهيب : ٤ / ٣٥٧.
(٢) سنن أبي داود : ٢ / ٢١٨ ح ٢٠٤٣.
القبور ، فزوروها ، فإنّها تذكّركم الآخرة».
أخرجه أحمد في مسنده (٣) (١ / ١٤٥) ، والهيثمي في مجمع الزوائد (٣ / ٥٨) ، وأخرجه أحمد بلفظ أخصر في المسند (١ / ٤٥٢) من طريق عبد الله بن مسعود.
١٦ ـ أخرج أبو الوليد محمد بن عبد الله الأزرقي في أخبار مكة (٤) (٢ / ١٧٠) قال : أخبرني ابن أبي مليكة في حديث رفعه إلى النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم قال : «ائتوا موتاكم فسلّموا عليهم ـ أو : صِلُوا ، شكَّ الخزاعي ـ فإنَّ لكم عبرة».
١٧ ـ عن بريدة مرفوعاً : «نهيتكم عن زيارة القبور ، فزوروها ؛ فإنَّ في زيارتها تذكرة». أخرجه أبو داود في سننه (٥) (٢ / ٧٢).
١٨ ـ عن ثوبان مرفوعاً : «نهيتكم عن زيارة القبور ؛ فزوروها واجعلوا زيارتكم لها صلاةً عليهم واستغفاراً لهم».
رواه الطبراني في الكبير (٦) كما في مجمع الزوائد (٣ / ٥٨).
١٩ ـ عنه صلىاللهعليهوآلهوسلم : «من أراد أن يزور قبراً فليزره ولا يقول إلاّ خيراً ؛ فإنَّ الميّت يتأذّى ممّا يتأذّى منه الحيّ».
ذكره الشيخ شعيب الحريفيش في الروض الفائق في المواعظ والرقائق (٧) (١ / ١٩)
٢٠ ـ عن جابر مرفوعاً : «كنت نهيتكم عن زيارة القبور ، فزوروها».
أخرجه الخطيب في تاريخه (١٣ / ٢٦٤).
__________________
(٣) مسند أحمد : ١ / ٢٣٤ ح ١٢٤٠ و ٢ / ٣٣ ح ٤٣٠٧.
(٤) أخبار مكة : ٢ / ٢١١.
(٥) سنن أبي داود : ٣ / ٢١٨ ح ٣٢٣٥.
(٦) المعجم الكبير : ٢ / ٩٤ ح ١٤١٩.
(٧) الروض الفائق : ص ٢٢.
٢١ ـ عن أُمّ سلمة مرفوعاً : «نهيتكم عن زيارة القبور فزوروها فإنَّ لكم فيها عبرة». أخرجه الطبراني في الكبير (١) كما في مجمع الزوائد للحافظ الهيثمي (٣ / ٥٨).
٢٢ ـ عن عائشة : كان صلىاللهعليهوآلهوسلم يخرج إلى البقيع فيقول : «السلام عليكم دار قوم مؤمنين ، وآتاكم ما توعدون غداً مؤجَّلون ، وإنّا بكم إن شاء الله لاحقون ، اللهمّ اغفر لأهل بقيع الغرقد».
أخرجه (٢) مسلم في صحيحه ، والبيهقي في السنن (٤ / ٧٩ ، ٥ / ٢٤٩) ، والشربيني في المغني (١ / ٣٥٧) وغيرهم.
٢٣ ـ عن عائشة : إنَّ النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم نهى عن زيارة القبور ثمّ رخّص فيها ، أحسبه قال : «فإنَّها تذكِّر الآخرة».
أخرجه البزّار والهيثمي في مجمع الزوائد (٣ / ٥٨) وقال : رجاله ثقات.
٢٤ ـ عن عائشة قالت : نهى رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم عن زيارة القبور ، ثمّ قال : «زوروها ؛ فإنَّ فيها موعظةً».
أخرجه الخطيب في تاريخه (١٤ / ٢٢٨).
٢٥ ـ عن عائشة في حديث مرفوعاً : «ألا فزوروا إخوانكم وسلِّموا عليهم ؛ فإنَّ فيهم عبرة». رواه الطبراني في الأوسط (٣) كما في مجمع الهيثمي (٣ / ٥٨).
٢٦ ـ كانت فاطمة تزور قبر عمِّها حمزة كلّ جمعة ، فتصلّي وتبكي عنده.
أخرجه البيهقي في سننه (٤ / ٧٨) ، والحاكم في المستدرك (٤) (١ / ٣٧٧) ، وقال : هذا
__________________
(١) المعجم الكبير : ٢٣ / ٢٧٨ ح ٦٠٢.
(٢) صحيح مسلم : ٢ / ٣٦٣ ح ١٠٢ كتاب الجنائز ، مغني المحتاج : ١ / ٣٦٥.
(٣) المعجم الأوسط : ٦ / ٩٨ ح ٥٢٠٥.
(٤) المستدرك على الصحيحين : ١ / ٥٣٣ ح ١٣٩٦.
الحديث رواته عن آخرهم ثقات ، ثمّ قال : وقد استقصيت في البحث عن زيارة القبور تحرّياً للمشاركة في الترغيب ، وليعلم الشحيح بذنبه أنَّها سنّة مسنونة وصلّى الله على محمد وآله أجمعين.
قال الأميني : وهناك أحاديث أخرى لم نطل بذكرها المقام ، توجد في الأضاحي والأشربة من كتب الفقه والحديث.
(فَلْيَأْتُوا بِحَدِيثٍ مِثْلِهِ إِنْ كانُوا صادِقِينَ) (١)
أدب زوّار القبور :
١ ـ أن يكون الزائر على طهارة.
٢ ـ أن يأتي من قِبَل رِجلَي الميّت لا من قِبل رأسه.
٣ ـ أن يستقبل الميّت بوجهه عند الزيارة.
٤ ـ أن يزور قائماً ويدعو له كذلك.
٥ ـ قراءة ما تيسّر من القرآن ، ويستحبُّ قراءة يس والتوحيد.
٦ ـ دعاء الميّت مستقبلاً القبلة.
٧ ـ الجلوس لدى القراءة مستقبل القبلة.
٨ ـ رشُّ القبر بالماء الطاهر.
٩ ـ التصدّق عن الأموات.
١٠ ـ أن يكون الزائر حافياً ولا يطأ القبور.
القول في الزيارة :
١ ـ عن عائشة مرفوعاً : قال صلىاللهعليهوآلهوسلم : «أتاني جبريل فقال : إنَّ ربّك يأمرك أن تأتي أهل البقيع فتستغفر لهم» ، قالت : كيف أقول لهم يا رسول الله؟ قال : قولي :
__________________
(١) الطور : ٣٤.
السلام على أهل الديار من المؤمنين والمسلمين ، يرحم الله المستقدمين منّا والمستأخرين ، وإنّا إن شاء الله بكم لاحقون».
أخرجه مسلم في صحيحه (٢) وجمع آخر من الفقهاء والحفّاظ ، وفي رواية :
«السلام عليكم أهل الديار من المؤمنين والمسلمين ، وإنّا إن شاء الله بكم لاحقون ، أسأل الله لنا ولكم العافية».
أخرجه البيهقي في سننه الكبرى (٤ / ٧٩).
٢ ـ عن أبي هريرة رضى الله عنه : إنَّ النبيّ أتى المقبرة فقال : «السلام عليكم دار قوم مؤمنين ، وإنّا إن شاء الله بكم لاحقون».
رواه (٣) : أحمد ومسلم وأبو داود والنسائي.
٣ ـ عن ابن عبّاس قال : مرَّ رسول الله بقبور المدينة ، فأقبل عليهم بوجهه فقال : «السلام عليكم يا أهل القبور ، يغفر الله لنا ولكم ، أنتم سلفنا ونحن بالأثر».
رواه (٤) : الترمذي ، والبغوي في المصابيح (١ / ١١٦).
٤ ـ عن بريدة قال : كان رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم يعلّمهم إذا خرجوا إلى المقابر :
«السلام عليكم أهل الديار من المؤمنين والمسلمين ، وإنّا إن شاء الله بكم لاحقون ، وأنتم لنا فرط ونحن لكم تبع ، نسأل الله العافية» ، سنن البيهقي (٤ / ٧٩).
٥ ـ عن مجمع بن حارثة قال : خرج النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم في جنازة حتى انتهى إلى
__________________
(٢) صحيح مسلم : ٢ / ٣٦٣ ح ١٠٣ كتاب الجنائز.
(٣) مسند أحمد : ٣ / ٧٠ ح ٨٦٦١ ، صحيح مسلم : ٢ / ٣٦٣ ح ١٠٢ كتاب الجنائز ، سنن أبي داود : ٣ / ٢١٩ ح ٢٧٣٧ ، السنن الكبرى : ١ / ٦٥٦ ح ٢١٦٦.
(٤) سنن الترمذي : ٣ / ٣٦٩ ح ١٠٥٣ ، مصابيح السنّة : ١ / ٥٦٩ ح ١٢٤٢.
المقبرة ، فقال : «السلام على أهل القبور ـ ثلاث مرّات ـ من كان منكم من المؤمنين والمسلمين ، أنتم لنا فرط ونحن لكم تبع ، عافانا الله وإيّاكم». مجمع الزوائد (٣ / ٦٠)
٦ ـ قال أمير المؤمنين عليُّ بن أبي طالب في زيارة قبور بالكوفة :
«السلام عليكم يا أهل الديار من المؤمنين والمسلمين ، أنتم لنا سلف فارط ، ونحن لكم تبع عمّا قليل لاحق ، اللهمّ اغفر لنا ولهم وتجاوز عنّا وعنهم ، طوبى لمن أراد المعاد ، وعمل الحسنات ، وقنع بالكفاف ، ورضي عن الله عزَّ وجلَّ».
أخرجه الطبراني كما في مجمع الزوائد (٩ / ٢٩٩) ، وذكره الجاحظ في البيان والتبيين (١) (٣ / ٩٩) بلفظ يقرب من هذا.
٧ ـ كان عليُّ بن أبي طالب أمير المؤمنين ـ كرّم الله وجهه ـ إذا دخل المقبرة قال : «السلام عليكم يا أهل الديار الموحشة والمحالّ المقفرة من المؤمنين والمؤمنات ، اللهمّ اغفر لنا ولهم ، وتجاوز بعفوك عنّا وعنهم. ثمّ يقول : الحمد لله الذي جعل لنا الأرض كفاتاً أحياءً وأمواتاً ، والحمد لله الذي منها خلقنا ، وإليها معادنا ، وعليها محشرنا ، طوبى لمن ذكر المعاد ، وعمل الحسنات ، وقنع بالكفاف ، ورضي عن الله عزَّ وجلَّ». العقد الفريد (٢) (٢ / ٦).
٨ ـ قال الفيروزآبادي ـ صاحب القاموس ـ في سفر السعادة (٣) (ص ٥٧):
ومن العادات النبويّة زيارة القبور والدعاء والاستغفار ، ومثل هذه الزيارة مستحبّ ، وقال : إذا رأيتم المقابر فقولوا : السلام عليكم أهل الديار ... إلى آخر ما ذكر. ثمّ قال : وكان يقرأ وقت الزيارة من نوع الدعاء الذي كان يقرأه في صلاة الميّت.
__________________
(١) البيان والتبيين : ٣ / ١٠٢.
(٢) العقد الفريد : ٣ / ١١.
(٣) سفر السعادة : ١ / ١٨٣.
٩ ـ وقف محمد بن الحنفيّة على قبر الحسن بن عليّ ـ الإمام ـ فخنقته العبرة ثمّ نطق فقال : رحمك الله أبا محمد ، فلئن عزّتْ حياتك فلقد هدّتْ وفاتك ، ولنعم الروح روح ضمّه بدنك ، ولنعم البدن بدن ضمّه كفنك ، وكيف لا يكون كذلك وأنت بقيّة ولد الأنبياء ، وسليل الهدى ، وخامس أصحاب الكساء ، غذّتك أكفُّ الحقِّ ، ورُبِّيت في حجر الإسلام ، فطبت حيّا وطبت ميّتاً ، وإن كانت أنفسنا غير طيّبة بفراقك ولا شاكّة في الخيار لك. العقد الفريد (١) (٢ / ٨).
١٠ ـ وقف عليُّ بن أبي طالب ـ أمير المؤمنين ـ على قبر خباب فقال : «رحم الله خباباً لقد أسلم راغباً ، وجاهد طائعاً ، وعاش مجاهداً ، وابتلي في جسمه أحوالاً ، ولن يضيع الله أجر من أحسن عملاً». العقد الفريد (٢) (٢ / ٧).
١١ ـ قامت عائشة على قبر أبيها أبي بكر الصدّيق ، فقالت : نضّر الله وجهك ، وشكر صالح سعيك ، فقد كنت للدنيا مذلاّ بإدبارك عنها ، وللآخرة معزّا بإقبالك عليها ، ولئن كان رزؤك أعظم المصائب بعد رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم وأكبر الأحداث بعده ، فإنَّ كتاب الله تعالى قد وعدنا بالثواب على الصبر في المصيبة ، وأنا تابعة له في الصبر ، فأقول إنّا لله وإنّا إليه راجعون ، ومستعيضة بأكثر الاستغفار لك ، فسلام الله عليك توديع غير قالية لحياتك ، ولا رازءة على القضاء فيك. المستطرف (٣) (٢ / ٣٣٨).
١٢ ـ كان الحسن البصري إذا دخل المقبرة قال : اللهمّ ربّ هذه الأجساد البالية والعظام النخرة ، التي خرجت من الدنيا وهي بك مؤمنة ، أدخل عليها روحاً منك وسلاماً منّا. العقد الفريد (٤) (٢ / ٦).
__________________
(١) العقد الفريد : ٣ / ١٣.
(٢) العقد الفريد : ص ١٢.
(٣) المستطرف : ٢ / ٣٠١.
(٤) العقد الفريد : ٣ / ١١ ـ ١٢.
١٣ ـ قام ابن السمّاك على قبر أبي سليمان داود بن نصير الطائي ، المتوفّى (١٦٥) فقال : يا داود ، كنت تسهر ليلك إذ الناس نائمون ، وكنت تسلم إذا الناس يخوضون ، وكنت تربح إذ الناس يخسرون. حتى عدَّ فضائله كلّها. صفة الصفوة (١) (٣ / ٨٢).
هناك ألفاظ كبيرة في زيارة القبور لدة ما ذكر ، نقلت عن الأئمّة وأعلام المذاهب الأربعة ، تنبئنا عن أنَّ الزائر في وسعه أن يزور الميّت ويدعو له بأيّ لفظٍ شاء وأراد ؛ وله سرد ما يروقه من مناقبه وفضائله ، وذكر ما يوجِّه إليه عطف المولى سبحانه ويستوجب له رحمته ، والألفاظ المذكورة في زيارة النبيّ الأقدس صلىاللهعليهوآلهوسلم وزيارة الشيخين تثبت ما نرتئيه.
كلمات حول زيارة القبور
لأعلام العامّة
فيها فوائد جمّة :
١ ـ قال ابن الحاجّ أبو عبيد الله العبدري المالكي المتوفّى (٧٣٧) في المدخل (١ / ٢٥٤) : وصفة السلام على الأموات أن يقول : السلام عليكم أهل الديار من المؤمنين والمؤمنات ، والمسلمين والمسلمات ، رحم الله المستقدمين منّا والمستأخرين ، وإنّا إن شاء الله بكم لاحقون ، أسأل الله لنا ولكم العافية. ثمّ يقول : اللهمّ اغفر لنا ولهم.
وما زدت أو نقصت فواسع ، والمقصود الاجتهاد لهم في الدعاء ؛ فإنَّهم أحوج الناس لذلك لانقطاع أعمالهم ، ثمّ يجلس في قبلة الميّت ويستقبله بوجهه ، وهو مخيّر في أن يجلس في ناحية رجليه إلى رأسه أو قبال وجهه ، ثمّ يثني على الله تعالى بما حضره من الثناء ، ثمّ يصلّي على النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم الصلاة المشروعة ، ثمّ يدعو للميّت بما أمكنه ،
__________________
(١) صفة الصفوة : ٣ / ١٤٦ رقم ٤٤٢.
وكذلك يدعو عند هذه القبور عند نازلة نزلت به أو بالمسلمين ، ويتضرّع إلى الله تعالى في زوالها وكشفها عنه وعنهم.
وهذه صفة زيارة القبور عموماً ، فإن كان الميّت المزار ممّن تُرجى بركته ، فيتوسّل إلى الله تعالى به. وكذلك يتوسّل الزائر بمن يراه الميّت ممّن تُرجى بركته إلى النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم ، بل يبدأ بالتوسّل إلى الله تعالى بالنبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم ؛ إذ هو العمدة في التوسّل والأصل في هذا كلّه والمشرِّع له ، فيتوسّل به صلىاللهعليهوآلهوسلم وبمن تبعه بإحسان إلى يوم الدين ، وقد روى البخاري (١) عن أنس رضى الله عنه أنَّ عمر بن الخطّاب رضى الله عنه كان إذا قحطوا استسقى بالعبّاس ، فقال : اللهمّ كنّا نتوسّل إليك بنبيّك صلىاللهعليهوآلهوسلم فتسقينا ، وإنّا نتوسّل إليك بعمِّ نبيّك فاسقنا. فيُسقَون.
ثمّ يتوسّل بأهل تلك المقابر ـ أعني بالصالحين منهم ـ في قضاء حوائجه ومغفرة ذنوبه ، ثمَّ يدعو لنفسه ولوالديه ، ولمشايخه ، ولأقاربه ، ولأهل تلك المقابر ، ولأموات المسلمين ولأحيائهم وذرّيتهم إلى يوم الدين ، ولمن غاب عنه من إخوانه ، ويجأر إلى الله تعالى بالدعاء عندهم ، ويكثر التوسّل بهم إلى الله تعالى ؛ لأنّه سبحانه وتعالى اجتباهم وشرّفهم وكرّمهم ، فكما نفع بهم في الدنيا ففي الآخرة أكثر.
فمن أراد حاجة فليذهب إليهم ويتوسّل بهم فإنّهم الواسطة بين الله تعالى وخلقه ، وقد تقرّر في الشرع وعلم ما لله تعالى بهم من الاعتناء وذلك كثير مشهور ، وما زال الناس من العلماء والأكابر كابراً عن كابر ، مشرقاً ومغرباً ، يتبرّكون بزيارة قبورهم ويجدون بركة ذلك حسّا ومعنىً ، وقد ذكر الشيخ الإمام أبو عبد الله بن النعمان رحمهالله في كتابه المسمّى بسفينة النجاء لأهل الالتجاء ، في كرامات الشيخ أبي النجاء في أثناء كلامه على ذلك ما هذا لفظه :
__________________
(١) صحيح البخاري : ١ / ٣٤٢ ح ٩٦٤ و ٣ / ١٣٦٠ ح ٣٥٠٧.
تحقّق لذوي البصائر والاعتبار أنَّ زيارة قبور الصالحين محبوبة لأجل التبرّك مع الاعتبار ، فإنَّ بركة الصالحين جارية بعد مماتهم كما كانت في حياتهم ، والدعاء عند قبور الصالحين والتشفّع بهم معمول به عند علمائنا المحقّقين من أئمّة الدين.
ولا يعترض على ما ذكر من أنَّ من كانت له حاجة فليذهب إليهم وليتوسّل بهم بقوله ـ عليه الصلاة والسلام ـ : «لا تُشَدُّ الرحال إلاّ لثلاثة مساجد : المسجد الحرام ، ومسجدي ، والمسجد الأقصى».
وقد قال الإمام الجليل أبو حامد الغزالي ـ رحمهالله تعالى ـ في كتاب آداب السفر من كتاب الإحياء (١) له ما هذا نصه : القسم الثاني وهو أن يسافر لأجل العبادة إمّا لجهاد أو حجّ ـ إلى أن قال ـ : ويدخل في جملته زيارة قبور الأنبياء وقبور الصحابة والتابعين وسائر العلماء والأولياء ، وكلّ من يتبرّك بمشاهدته في حياته يتبرّك بزيارته بعد وفاته ، ويجوز شدُّ الرحال لهذا الغرض ، ولا يمنع من هذا قوله صلىاللهعليهوآلهوسلم : «لا تُشَدُّ الرحال إلاّ لثلاثة مساجد : المسجد الحرام ، ومسجدي ، والمسجد الأقصى» ؛ لأنَّ ذلك في المساجد لأنّها متماثلة بعد هذه المساجد ، وإلاّ فلا فرق بين زيارة الأنبياء والأولياء والعلماء في أصل الفضل ، وإن كان يتفاوت في الدرجات تفاوتاً عظيماً بحسب اختلاف درجاتهم عند الله ، والله تعالى أعلم.
٢ ـ قال عزّ الدين الشيخ يوسف الأردبيلي الشافعي المتوفّى (٧٧٦) في الأنوار لأعمال الأبرار في الفقه الشافعي (١ / ١٢٤) : ويستحبّ للرجال زيارة القبور وتكره للنساء ، والسنّة أن يقول : سلام عليكم دار قوم مؤمنين ، وإنّا إن شاء الله عن قريب بكم لاحقون ، اللهمّ لا تحرمنا أجرهم ، ولا تفتنّا بعدهم واغفر لنا ولهم. وأن يدنو من القبر كما كان يدنو من صاحبه حيّا ، وأن يقف متوجِّهاً إلى القبر ، وأن يقرأ ويدعو ؛
__________________
(١) إحياء علوم الدين : ٢ / ٢٢٨.
فإنَ الميّت كالحاضر يُرجى له الرحمة والبركة ، والدعاء عقيب القراءة أقرب إلى الإجابة.
٣ ـ قال الشيخ زين الدين ، الشهير بابن نجيم المصري الحنفي المتوفّى (٩٦٩ ـ ٩٧٠) في البحر الرائق شرح كنز الدقائق للإمام النسفي (٢ / ١٩٥) ، قال في البدائع : ولا بأس بزيارة القبور والدعاء للأموات إن كانوا مؤمنين ، من غير وطء القبور ؛ لقوله صلىاللهعليهوآلهوسلم : «إنّي كنت نهيتكم عن زيارة القبور ألا فزوروها» ، ولعمل الأُمّة من لدن رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم إلى يومنا هذا.
وصرّح في المجتنى بأنّها مندوبة ، وقيل : تحرم على النساء ، والأصحُّ أنَّ الرخصة ثابتة لهما. وكان صلىاللهعليهوآلهوسلم يعلّم السلام على الموتى : «السلام عليكم أهل الديار من المؤمنين والمسلمين». ذكره إلى آخره ، ثمّ ذكر قراءة القرآن عند القبور ، وشيئاً من أدب الزيارة.
٤ ـ أجاب ابن حجر المكّي الهيتمي : المتوفّى (٩٧٣) (١) في الفتاوى الكبرى الفقهيّة (٢ / ٢٤) لمّا سُئل رضى الله عنه عن زيارة قبور الأولياء في زمن معيّن مع الرحلة إليها ، هل يجوز مع أنَّه يجتمع عند تلك القبور مفاسد كثيرة كاختلاط النساء بالرجال ، وإسراج السرج الكثيرة وغير ذلك؟ بقوله : زيارة قبور الأولياء قربة مستحبّة ، وكذا الرحلة إليها ، وقول الشيخ أبي محمد : لا تستحبُّ الرحلة إلاّ لزيارته صلىاللهعليهوآلهوسلم ، ردّه الغزالي : بأنّه قاس ذلك على منع الرحلة لغير المساجد الثلاثة مع وضوح الفرق ، فإنَّ ما عدا تلك المساجد الثلاثة مستوية في الفضل فلا فائدة في الرحلة إليها ، وأمّا الأولياء فإنّهم متفاوتون في القرب من الله تعالى ونفع الزائرين بحسب معارفهم وأسرارهم ، فكان للرحلة إليهم فائدة أيّ فائدة ، فمن ثمّ سنّت الرحلة إليهم للرجال فقط بقصد ذلك ، وانعقد نذرها كما بسطت الكلام على ذلك في شرح العباب بما لا مزيد على حسنه وتحريره ، وما أشار إليه السائل من تلك البدع أو المحرّمات ، فالقربات لا تُترك لمثل
__________________
(١) مرت الإشارة في الصحيفة ١٧٨ أنّ وفاته سنة (٩٧٤).
ذلك ، بل على الإنسان فعلها وإنكار البدع ، بل وإزالتها إن أمكنه.
وقد ذكر الفقهاء في الطواف المندوب فضلاً عن الواجب أنَّه يُفعل ولو مع وجود النساء وكذا الرمي ، لكن أمروه بالبعد عنهنّ ، وكذا الزيارة يفعلها لكن يبعد عنهنّ ، وينهى عمّا يراه محرّماً بل ويزيله إن قدر كما مرَّ ، هذا إن لم تتيسّر له الزيارة إلاّ مع وجود تلك المفاسد ، فإن تيسّرت مع عدم المفاسد ، فتارةً يقدر على إزالة كلّها أو بعضها فيتأكّد له الزيارة مع وجود تلك المفاسد ليزيل منها ما قدر عليه ، وتارةً لا يقدر على إزالة شيء منها ، فالأولى له الزيارة في غير زمن تلك المفاسد ، بل لو قيل : يمنع منها حينئذٍ لم يبعد.
ومن أطلق المنع من الزيارة خوف ذلك الاختلاط يلزمه إطلاق منع نحو الطواف والرمي ، بل والوقوف بعرفة أو مزدلفة والرمي إذا خشي الاختلاط أو نحوه ، فلمّا لم يمنع الأئمّة شيئاً من ذلك ـ مع أنَّ فيه اختلاطاً أيّ اختلاط ـ ، وإنّما منعوا نفس الاختلاط لا غير فكذلك هنا. ولا تغترَّ بخلاف من أنكر الزيارة خشية الاختلاط ؛ فإنّه يتعيّن حمل كلامه على ما فصّلناه وقرّرناه ، وإلاّ لم يكن له وجه.
وزعمُ أنَّ زيارة الأولياء بدعة لم تكن في زمن السلف ممنوع ، وبتقدير تسليمه فليس كلّ بدعة يُنهى عنها ، بل قد تكون البدعة واجبةً ، فضلاً عن كونها مندوبة كما صرّحوا به.
٥ ـ قال الشيخ محمد الخطيب الشربيني المتوفّى (٩٧٧) في المغني (١) (١ / ٣٥٧) : يسنُّ الوضوء لزيارة القبور كما قاله القاضي حسين في شرح الفروع ، ويسلِّم الزائر للقبور من المسلمين مستقبلاً وجهه ، ويقرأ عنده من القرآن ما تيسّر ، ويدعو له عقب القراءة رجاء الإجابة ؛ لأنَّ الدعاء ينفع الميّت ، وهو عقب القراءة أقرب إلى الإجابة ،
__________________
(١) مغني المحتاج : ١ / ٣٦٥.
وعند الدعاء يستقبل القبلة ، وإن قال الخراسانيّون باستحباب استقبال وجه الميّت. قال المصنِّف : ويستحبُّ الإكثار من الزيارة ، وأن يكثر الوقوف عند قبور أهل الخير والفضل. انتهى ملخّصاً.
٦ ـ قال الملاّ عليّ الهروي القاري الحنفي المتوفّى (١٠١٤) في المرقاة شرح المشكاة (١) (٢ / ٤٠٤) في زيارة القبور : الأمر فيها للرخصة أو الاستحباب ، وعليه الجمهور ، بل ادّعى بعضهم الإجماع ، بل حكى ابن عبد البرّ عن بعضهم وجوبها.
٧ ـ قال الشيخ أبو البركات حسن بن عمّار بن عليّ ، المكنّى بابن الإخلاص الوفائي الشرنبلالي الحنفي ، المتوفّى (١٠٦٩) في حاشية (٢) غرر الأحكام (٣) المطبوعة بهامش درر الحكام (١ / ١٦٨) : زيارة القبور مندوبة للرجال ، وقيل : تحرم على النساء ، والأصحّ أنَّ الرخصة ثابتة لهما ، ويستحب قراءة يس لما ورد : «من دخل المقابر فقرأ سورة يس خفّف الله عنهم يومئذٍ ، وكان له بعدد ما فيها حسنات».
وقال في مراقي الفلاح (٤) فصل في زيارة القبور : ندب زيارتها من غير أن يطأ القبور للرجال والنساء ، وقيل : تحرم على النساء ، والأصحّ أنَّ الرخصة ثابتة للرجال والنساء ، فتندب لهنّ أيضاً على الأصحّ ، والسنّة زيارتها قائماً والدعاء عندها قائماً ، كما كان يفعل رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم في الخروج إلى البقيع ويقول : «السلام عليكم دار قوم مؤمنين ، وإنّا إن شاء الله بكم لاحقون ، أسأل الله لي ولكم العافية».
ويستحبّ للزائر قراءة سورة يس لما ورد عن أنس رضى الله عنه أنّه قال :
__________________
(١) المرقاة شرح المشكاة : ٤ / ٢٤٨ ح ١٧٦٢.
(٢) تسمّى غنية ذوي الأحكام في بغية الأحكام. (المؤلف)
(٣) كتاب في فروع الحنفية لملا خسرو ، المتوفّى (٨٨٥) وله شرح عليه سمّاه درر الحكام. كشف الظنون : ٢ / ١١٩٩.
(٤) مراقي الفلاح : ص ١٢١.
قال رسول الله : «من دخل المقابر فقرأ سورة يس ـ يعني : وأهدى ثوابها للأموات ـ خفّف الله عنهم يومئذٍ العذاب ، ورفعه» وكذا يوم الجمعة يرفع فيه العذاب عن أهل البرزخ ، ثمّ لا يعود على المسلمين وكان له ـ أي للقارئ ـ بعدد ما فيها ـ رواية الزيلعي : من فيها من الأموات ـ حسنات.
وعن أنس : أنَّه سأل رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم فقال : يا رسول الله إنّا نتصدّق عن موتانا ، ونحجُّ عنهم ، وندعو لهم ، فهل يصل ذلك إليهم؟ فقال : «نعم ، لَيصِلُ ذلك إليهم ويفرحون به كما يفرح أحدكم بالطبق إذا أُهدي إليه». رواه أبو حفص السكيري. إلى أن قال : وعن عليّ رضى الله عنه : «أنَّ النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم قال : من مرَّ على المقابر فقرأ قل هو الله أحد إحدى عشرة مرّة ، ثمّ وهب أجرها للأموات ، أُعطي من الأجر بعدد الأموات». رواه الدار قطني.
وأخرج ابن أبي شيبة عن الحسن أنَّه قال : من دخل المقابر فقال : اللهمّ ربّ هذه الأجساد البالية والعظام النخرة التي خرجت من الدنيا وهي بك مؤمنة ، أدخل بها روحاً من عندك وسلاماً منّي. استغفر له كلّ مؤمن مات منذ خلق الله آدم. وأخر ج ابن أبي الدنيا بلفظ : كتب له بعدد من مات من ولد آدم إلى أن تقوم الساعة حسنات.
٨ ـ قال الشيخ محمد أمين ، الشهير بابن عابدين المتوفّى (١٢٥٣) في ردّ المحتار على الدر المختار في الفقه الحنفي (١) (١ / ٦٣٠) بعد بيان استحباب زيارة الق بور : وتُزار في كلّ أسبوع كما في مختارات النوازل. قال في شرح لباب المناسك : إلاّ أنَّ الأفضل يوم الجمعة والسبت والإثنين والخميس ، فقد قال محمد بن واسع : الموتى يعلمون بزوّارهم يوم الجمعة ويوماً قبله ويوماً بعده ، فتحصّل أنَّ يوم الجمعة أفضل. انتهى.
__________________
(١) رد المحتار على الدرّ المختار : ١ / ٦٠٤.
وفيه : يستحب أن يزور شهداء جبل أُحد ؛ لما روى ابن أبي شيبة : أنَّ النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم كان يأتي قبور الشهداء بأُحد على رأس كلّ حول ، فيقول : «السلام عليكم بما صَبَرتم فنعمَ عقبى الدار». والأفضل أن يكون ذلك يوم الخميس متطهّراً مبكّراً ؛ لئلاّ تفوته الظهر بالمسجد النبويّ. انتهى.
قلت : استفيد منه ندب الزيارة وإن بَعُد محلّها. وهل تندب الرحلة لها كما اعتيد من الرحلة إلى زيارة خليل الرحمن وأهله وأولاده ، وزيارة السيّد البدوي وغيره من الأكابر الكرام؟ لم أرَ من صرّح به من أئمّتنا ، ومنع منه بعض الشافعيّة إلاّ لزيارته صلىاللهعليهوآلهوسلم قياساً على منع الرحلة لغير المساجد الثلاث ، وردّه الغزالي بوضوح الفرق.
ثمّ ذكر محصَّل قول الغزالي فقال : قال ابن حجر في فتاواه : ولا تُترك لما يحصل عندها من منكرات ومفاسد كاختلاط الرجال بالنساء وغير ذلك ؛ لأنَّ القربات لا تُترك لمثل ذلك ، بل على الإنسان فعلها وإنكار البدع ، بل وإزالتها إن أمكن. انتهى. قلت : ويؤيّده ما مرَّ من عدم ترك اتّباع الجنازة وإن كان معها نساء ونائحات ـ إلى أن قال ـ :
قال في الفتح : والسنّة زيارتها قائماً والدعاء عندها قائماً ، كما كان يفعله صلىاللهعليهوآلهوسلم في الخروج إلى البقيع ، ويقول : «السلام عليكم دار قوم مؤمنين ، وإنّا إن شاء الله بكم لاحقون». وفي شرح اللباب للملاّ عليّ القاري : ثمّ من آداب الزيارة ما قالوا من أنَّه يأتي الزائر من قِبل رِجلي المتوفّى لا من قِبَل رأسه ؛ لأنَّه أتعب لبصر الميّت ، بخلاف الأوّل لأنّه يكون مقابل بصره ، لكن هذا إذا أمكنه ، وإلاّ فقد ثبت أنّه ـ عليه الصلاة والسلام ـ قرأ أوّل سورة البقرة عند رأس ميّت وآخرها عند رجليه.
٩ ـ قال الشيخ إبراهيم الباجوري المتوفّى (١٢٧٧) في حاشيته على شرح ابن الغزّي (١ / ٢٧٧) : تندب زيارة القبور للرجال لتذكّر الآخرة ، وتكره من النساء لجزعهنّ
وقلّة صبرهنّ ، ومحلُّ الكراهة فقط إن لم يشتمل اجتماعهنّ على محرّم وإلاّ حرم ، ويُستثنى من ذلك قبر نبيّنا صلىاللهعليهوآلهوسلم فتندب لهنّ زيارته ، وينبغي ـ كما قال ابن الرفعة ـ أنَّ قبور الأنبياء والأولياء كذلك.
ويندب أن يقول الزائر : السلام عليكم دار قوم مؤمنين ، وإنّا إن شاء الله بكم لاحقون ، نسأل الله لنا ولكم العافية ، اللهمّ لا تحرمنا أجرهم ولا تفتنّا بعدهم واغفر لنا ولهم. وأن يقرأ ما تيسّر من القرآن كسورة يس ، ويدعو لهم ويهدي ثواب ذلك لهم ، وأن يتصدّق عليهم وينفعهم ذلك فيصل ثوابه لهم ، ويُسَنُّ أن يقرب من المزور كقربه منه حيّا ، وأن يسلّم عليه من قِبَل رأسه ويكره تقبيل القبر. إلى آخر ما مرّ (ص ١٥٤).
١٠ ـ قال الشيخ عبد الباسط ابن الشيخ علي الفاخوري ـ المفتي ببيروت ـ في كتابه الكفاية لذوي العناية (ص ٨٠) : يسنّ زيارة القبور للرجال وتكره للنساء ، إلاّ القبر الشريف وكذا قبور بقيّة الأنبياء والصالحين.
ويسنُّ أن يقول الزائر : السلام عليكم دار قوم مؤمنين ، أنتم السابقون وإنّا إن شاء الله بكم لاحقون ، وأن يقرأ ما تيسّر من القرآن كسورة يس ، وأن يدعو للميّت بعد القراءة ، وأن يقول : اللهمّ أوصل ثواب ما قرأته إلى فلان ، وأن يقرب من القبر كقربه منه لو كان حيّا.
١١ ـ قال الشيخ عبد المعطي السقّا في الإرشادات السنيّة (ص ١١١):
زيارة قبور المسلمين مندوبة للرجال لخبر مسلم : «كنت نهيتكم عن زيارة القبور فزوروها ؛ فإنّها تذكِّركم الآخرة» أمّا زيارة النساء فمكروهة إن كانت لقبر غير نبيٍّ وعالم وصالح وقريب ، أمّا زيارة قبر النبيّ ومن ذُكر معه فمندوبة لهنّ بدون محرم إن كانت القبور داخل البلد ، ومع محرم إن كانت خارجه ، ومحلّ ندب زيارتهنّ
أو كراهتها إذا أذن لهنّ الحليل أو الولي ، وأمنت الفتنة ، ولم يترتّب على اجتماعهنّ مفسدة كما هو الغالب ، بل المحقَّق في هذا الزمان ، وإلاّ فلا ريبة في تحريمها ، ويستحبّ الإكثار من الزيارة لتحصيل الاعتبار والعظة وتذكّر الآخرة ، وتتأكّد الزيارة عشيّة يوم الخميس ، ويوم الجمعة بتمامه ، وبكرة يوم السبت.
وينبغي للزائر أن يقصد بزيارته وجه الله وإصلاح فساد قلبه ، وأن يكون على طهارةٍ رجاء قبول دعائه لنفسه وللميّت ، وأن يسلّم على من بالمقبرة بقوله : السلام عليكم دار قوم مؤمنين ـ وذكر إلى آخره ـ ، ثمّ إذا وصل إلى قبر ميّته قرب منه ووقف مستقبلاً وجهه خاشعاً قائلاً : السلام عليك ، ثمّ يقرأ عنده ما تيسّر من القرآن كسورة الفاتحة ، وسورة يس ، وسورة تبارك ، وسورة الإخلاص والمعوّذتين ، والأفضل أن يكون وقت القراءة جالساً مستقبل القبلة قاصداً نفع الميّت بما يتلوه ، وأن يكثر من التصدّق ، وأن يرشَّ القبر بالماء الطاهر ، وأن يضع عليه جريداً أخضر ونحوه كالريحان والبرسيم ، وتتأكّد زيارة الأقارب والدعاء لهم سيّما الوالدين ، فقد ورد في الحثِّ على زيارتهما والدعاء لهما أخبار كثيرة صحيحة.
١٢ ـ قال منصور علي ناصف في التاج الجامع للأصول في أحاديث الرسول (١) (١ / ٤١٨) : الأمر ـ في زيارة القبور ـ للندب عند الجمهور ، وللوجوب عند ابن حزم ولو مرّة واحدة في العمر. وقال في (ص ٤١٩) : زيارة النساء للقبور جائزة بشرط الصبر وعدم الجزع وعدم التبرّج ، وأن يكون معها زوج أو محرم منعاً للفتنة لعموم الحديث الأوّل ، ولقول عائشة : كيف أقول لهم يا رسول الله؟ .. إلخ. ولزيارة عائشة لقبر أخيها عبد الرحمن ، فلمّا اعترضها عبد الله قالت : نهى رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم عن زيارة القبور ثمّ أمر بزيارتها. رواه أحمد (٢) وابن ماجة (٣).
__________________
(١) التاج الجامع للأصول : ١ / ٣٨١ ، ٣٨٢.
(٢) مسند أحمد : ١ / ٢٣٤ ح ١٢٤٠.
(٣) سنن ابن ماجة : ١ / ٥٠١ ح ١٥٧١.