الغدير في الكتاب والسنّة والأدب - ج ٥

الشيخ عبد الحسين أحمد الأميني النجفي

الغدير في الكتاب والسنّة والأدب - ج ٥

المؤلف:

الشيخ عبد الحسين أحمد الأميني النجفي


المحقق: مركز الغدير للدّراسات الإسلاميّة
الموضوع : العقائد والكلام
الناشر: مركز الغدير للدراسات الإسلامية
المطبعة: فروردين
الطبعة: ١
الصفحات: ٧١٢

مع أصحابه ، قال : وكان يصيبه الصمات فكان يقوم كما هو يضع خدّه على قبر النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ثمّ يرجع ، فعوتب في ذلك فقال : إنَّه ليصيبني خطرة ، فإذا وجدت ذلك استشفيت بقبر النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وكان يأتي موضعاً من المسجد في الصحن فيتمرّغ فيه ويضطجع ، فقيل له في ذلك فقال : إنّي رأيت النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في هذا الموضع ـ يعني في النوم (١).

٦ ـ قال العزّ بن جماعة الحموي الشافعي المتوفّى (٨١٩) في كتاب العلل والسؤالات لعبد الله بن أحمد بن حنبل عن أبيه رواية أبي عليّ بن الصوف عنه ، قال عبد الله : سألت أبي عن الرجل يمسُّ منبر رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ويتبرّك بمسِّه ويقبِّله ويفعل بالقبر مثل ذلك رجاء ثواب الله تعالى. قال : لا بأس به. وفاء الوفا (٢) (٢ / ٤٤٣).

٧ ـ قال العلاّمة أحمد بن محمد المقري المالكي المتوفّى (١٠٤١) في فتح المتعال بصفة النعال (٣) نقلاً عن وليّ الدين العراقي ، قال : أخبر الحافظ أبو سعيد بن العلا قال : رأيت في كلام أحمد بن حنبل في جزء قديم عليه خطُّ ابن ناصر (٤) وغيره من الحفّاظ ، أنَّ الإمام أحمد سُئل عن تقبيل قبر النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وتقبيل منبره. فقال : لا بأس بذلك. قال : فأريناه التقيّ ابن تيميّة فصار يتعجّب من ذلك ويقول : عجبت من أحمد عندي جليل ـ هذا كلامه أو معنى كلامه ـ! وقال : وأيّ عجب في ذلك وقد روينا عن الإمام أحمد أنَّه غسل قميصاً للشافعيّ وشرب الماء الذي غسله به (٥)؟ وإذا كان هذا

__________________

(١) وفاء الوفا : ٢ / ٤٤٤ [٤ / ١٤٠٦]. (المؤلف)

(٢) وفاء الوفا : ٤ / ١٤٠٤.

(٣) فتح المتعال : ص ٣٢٩.

(٤) هو الحافظ محمد بن ناصر أبو الفضل البغدادي ، توفّي سنة (٥٥٠) ، قال ابن الجوزي في المنتظم : ١٠ / ١٦٣ [١٨ / ١٠٣ رقم ٤٢٠١] ، كان حافظاً متقناً ، ثقة لا مغمز فيه. (المؤلف)

(٥) ذكره ابن الجوزي في مناقب أحمد : ص ٤٥٥ [ص ٦٠٩] ، وابن كثير في تاريخه : ١٠ / ٣٣١ [١٠ / ٣٦٥ حوادث سنة ٢٤١ ه‍]. (المؤلف)

٢٢١

تعظيمه لأهل العلم فما بالك بمقادير الصحابة؟ وكيف بآثار الأنبياء عليهم الصلاة والسلام؟ وما أحسن ما قاله مجنون ليلى :

أمرُّ على الديار ديار ليلى

أقبِّل ذا الجدار وذا الجدارا

وما حبُّ الديار شغفنَ قلبي

ولكن حبُّ من سكن الديارا

٨ ـ ذكر الخطيب ابن حملة : أنَّ عبد الله بن عمر ـ رضي الله تعالى عنهما ـ كان يضع يده اليمنى على القبر الشريف (١) ، وأنَّ بلالاً ـ رضي الله تعالى عنه ـ وضع خدّيه عليه أيضاً.

ورأيت في كتاب السؤالات لعبد الله ابن الإمام أحمد ـ وذكر ما تقدّم عن ابن جماعة ثمّ قال ـ : ولا شكّ أنَّ الاستغراق في المحبّة يحمل على الإذن في ذلك ، والمقصود من ذلك كلّه الاحترام والتعظيم ، والناس تختلف مراتبهم في ذلك كما كانت تختلف في حياته ، فأُناس حين يرونه لا يملكون أنفسهم بل يبادرون إليه ، وأُناس فيهم أناة يتأخّرون ، والكلُّ محلُّ خير (٢).

٩ ـ قال شيخ مشايخ الشافعيّة ، الشافعيُّ الصغير محمد بن أحمد الرملي المتوفّى (١٠٠٤) في شرح المنهاج : ويكره أن يجعل على القبر مظلّة ، وأن يُقبَّل التابوت الذي يُجعل فوق القبر واستلامه ، وتقبيل الأعتاب عند الدخول لزيارة الأولياء. نعم ؛ إن قصد التبرّك لا يكره كما أفتى به الوالد ـ رحمه‌الله تعالى ـ فقد صرّحوا (٣) بأنَّه إذا

__________________

(١) وفي الشفا للقاضي [٢ / ١٩٩] : رؤي ابن عمر واضعاً يده على مقعد رسول الله من المنبر ، ثمّ وضعها على وجهه. (المؤلف)

(٢) وفاء الوفا للسمهودي : ٢ / ٤٤٤ [٤ / ١٤٠٥]. (المؤلف)

(٣) أخرج الحميدي في الجمع بين الصحيحين ، وأبو داود في مسنده [١ / ٧ ح ٢٧] : أنّ رسول صلّي الله عليه واله وسلّم كان يشير إلى الحجر الأسود بمحجنته ، ويقبّل المحجن. (المؤلف)

٢٢٢

عجز عن استلام الحجر سنَّ له أن يشير بعصا وأن يقبِّلها (١).

١٠ ـ قال أبو العبّاس أحمد الرملي الكبير الأنصاري ـ شيخ الشيوخ ـ في حاشية روض الطالب المطبوعة في هامش أسنى المطالب (١ / ٣٣١) عند قول المصنِّف في أدب مطلق زيارة القبور ، أن يدنو منه دنوّه منه حيّا ، قال في المجموع : ولا يستلم القبر ولا يقبِّله ، ويستقبل وجهه للسلام ، والقبلة للدعاء ، وذكره أبو موسى الأصبهاني ، قال شيخنا : نعم ؛ إن كان قبر نبيٍّ أو وليٍّ أو عالمٍ واستلمه أو قبّله بقصد التبرّك فلا بأس به.

١١ ـ نقل الطيّب الناشري ، عن محبّ الدين الطبري الشافعي : أنَّه يجوِّز تقبيل القبر ومسّه ، قال : وعليه عمل العلماء الصالحين وأنشد :

لو رأينا لسليمى أثراً

لسجدنا ألف ألف للأثر (٢)

١٢ ـ قال القاضي عياض المالكي في الشفا (٣) ـ بعد كلام طويل في تعظيم قبر النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ـ : وجدير بمواطن عُمِّرت بالوحي والتنزيل ، وتردّد بها جبرئيل وميكائيل ، وعرجت منها الملائكة والروح ، وضجّت عرصاتها بالتقديس والتسبيح ، واشتملت تربتها على جسد سيّد البشر ، وانتشر عنها من دين الله وسنّة نبيّه ما انتشر ، مدارس وآيات ومساجد وصلوات ، ومشاهد الفضائل والخيرات ، ومعاهد البراهين والمعجزات ، ومناسك الدين ، ومشاعر المسلمين ، ومواقف سيّد المرسلين ، ومتبوَّأ خاتم النبيِّين ، حيث انفجرت النبوّة ، وأين فاض عُبابها ، ومواطن مهبط

__________________

(١) حكاه الشبرأملسي عن الشيخ أبي الضياء المتوفّى (١٠٨٧) في حاشية المواهب اللدنيّة ، والحمزاوي في كنز المطالب : ص ١٩ [ص ٢١٩]. (المؤلف)

(٢) وفاء الوفا للسمهودي : ٢ / ٤٤٤ [٤ / ١٤٠٦]. (المؤلف)

(٣) الشفا بتعريف حقوق المصطفى : ٢ / ١٣١ ـ ١٣٤.

٢٢٣

الرسالة ، وأوّل أرض مسَّ جلدَ المصطفى ترابها ؛ أن تُعظَّم (١) عرصاتها ، وتنسّم نفحاتها ، وتُقبَّل ربوعها وجدرانها.

يا دارَ خير المرسلين ومن به

هُديَ الأنامُ وخصَّ بالآياتِ

عندي لأجلِكِ لوعةٌ وصبابةٌ

وتشوّقٌ متوقِّدُ الجمراتِ

وعليَّ عهدٌ إن ملأت محاجري

من تلكمُ الجدرانِ والعرصاتِ

لأُعفِّرنَّ مصونَ شيبي بينها

من كثرةِ التقبيلِ والرشفاتِ

لو لا العوادي والأعادي زرتُها

أبداً ولو سحباً على الوجناتِ

لكن سأهدي من حفيل تحيّتي

لقطينِ تلك الدارِ والحجراتِ

١٣ ـ قال قاضي القضاة شهاب الدين الخفاجي الحنفي المتوفّى (١٠٦٩) في شرح الشفا (٢) (٣ / ٥٧٧) عند قول القاضي ـ ونقل من كتاب أحمد بن سعيد الهندي في من وقف بالقبر أن لا يلصق به ولا يمسّه بشيء من جسده ـ : فلا يقبّله ، فيكره مسّه وتقبيله وإلصاق صدره لأنَّه ترك أدب ، وكذا كلّ ضريح يكره فيه ، وهذا أمر غير مجمع عليه ؛ ولذا قال أحمد والطبري : لا بأس بتقبيله والتزامه. وروي أنَّ أبا أيّوب الأنصاري كان يلتزم القبر الشريف ، قيل : وهذا لغير من لم يغلبه الشوق والمحبّة ، وهو كلام حسن.

وقال (٣) في (٣ / ٥٧١) عند قول ابن أبي مليكة : ـ من أحبَّ أن يكون وِجاه النبيّ فيجعل القنديل الذي في القبلة عند القبر على رأسه ـ : هو إرشاد لكيفيّة الزيارة وأن يكون بينه وبين القبر فاصل ، فقيل : إنَّه يبعد عنه بمقدار أربعة أذرع ، وقيل : ثلاثة وهذا مبنيٌّ على أنَّ البعد أولى وأليق بالأدب كما كان في حياته صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وعليه الأكثر ،

__________________

(١) أن وما بعدها في تأويل مصدر على أنّه مبتدأ مؤخر للخبر المتقدم : (جدير) في أول الكلام. (المؤلف)

(٢) نسيم الرياض : ٣ / ٥٢٤.

(٣) نسيم الرياض : ص ٥١٧.

٢٢٤

وذهب بعض المالكيّة إلى أنَّ القرب أولى ، وقيل : يعامله معاملته في حياته فيختلف ذلك باختلاف الناس ، وهذا باعتبار ما كان في العصر الأوّل ، وأمّا اليوم فعليه مقصورة تمنع من دنوِّ الزائر ، فيقف عند الشبّاك.

١٤ ـ نقل عن ابن أبي الصيف اليماني ـ أحد علماء مكّة من الشافعيّة ـ جواز تقبيل المصحف ، وأجزاء الحديث ، وقبور الصالحين.

١٥ ـ قال الحافظ ابن حجر (١) : استنبط بعضهم من مشروعيّة تقبيل الحجر الأسود جواز تقبيل كلِّ من يستحقُّ التعظيم من آدميٍّ وغيره ، فأمّا تقبيل يد الآدميّ فسبق في الأدب ، وأمّا غيره ، فنقل عن أحمد أنَّه سُئل عن تقبيل منبر النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وقبره ، فلم يرَ به بأساً ، واستبعد (٢) بعض أتباعه صحّته عنه (٣).

١٦ ـ قال الزرقاني المصري المالكي في شرح المواهب (٨ / ٣١٥) : تقبيل القبر الشريف مكروه إلاّ لقصد التبرّك فلا كراهة كما اعتقده الرملي.

١٧ ـ قال الشيخ إبراهيم الباجوري الشافعي ، في حاشيته على شرح ابن قاسم الغزّي على متن الشيخ أبي شجاع في الفقه الشافعي (١ / ٢٧٦):

يكره تقبيل القبر واستلامه ومثله التابوت الذي يجعل فوقه ، وكذلك تقبيل الأعتاب عند الدخول لزيارة الأولياء ، إلاّ أن قصد به التبرّك بهم فلا يكره ، وإذا عجز عن ذلك لازدحام ونحوه كاختلاط الرجال بالنساء ـ كما يقع في زيارة سيدي أحمد البدوي ـ وقف في مكان يتمكّن فيه من الوقوف بلا مشقّة ، وقرأ ما تيسّر وأشار بيده

__________________

(١) فتح الباري : ٣ / ٤٧٥ ح ١٦٠٩.

(٢) المستبعد هو ابن تيميّة أو من يشاكله من أهل الأهواء المضلّة الذين لا يعتنى بهم وبآرائهم في دين الله. (المؤلف)

(٣) وفاء الوفا للسمهودي : ٢ / ٤٤٤ [٤ / ١٤٠٥]. (المؤلف)

٢٢٥

أو نحوها ، ثمّ قبّل ذلك ، فقد صرّحوا بأنَّه إذا عجز عن استلام الحجر الأسود يسنُّ له أن يشير بيده أو عصا ثمّ يقبِّلها.

١٨ ـ قال الشيخ حسن العدوي الحمزاوي المالكي في كنز المطالب (ص ٢١٩) ومشارق الأنوار (١) (ص ٦٦) بعد نقل عبارة الرملي المذكور :

ولا مرية حينئذٍ أنَّ تقبيل القبر الشريف لم يكن إلاّ للتبرّك ، فهو أولى من جواز ذلك لقبور الأولياء عند قصد التبرّك ، فيحمل ما قاله العارف على هذا المقصد ، لا سيّما وأنَّ قبره الشريف روضة من رياض الجنّة.

١٩ ـ قال الشيخ سلامة العزّامي الشافعي في فرقان القرآن (ص ١٣٣):

وقال ـ يعني ابن تيميّة ـ : من طاف بقبور الصالحين أو تمسّح بها كان مرتكباً أعظم العظائم. وأتى بكلام ملتبس ؛ فمرّة يجعله من الكبائر ، وأخرى من الشرك إلى مسائل من أشباه ذلك ، قد فرغ العلماء المحقِّقون والفقهاء المدقِّقون من بحثها وتدوينها قبل أن يولد هو بقرون ، فيأبى إلاّ أن يخالفهم ؛ وربّما ادّعى الإجماع على ما يقول ، وكثيراً ما يكون الإجماع قد انعقد قبله على خلاف قوله ، كما يعلم ذلك من أمعن في كلامه وكلام من قبله وكلام من بعده ممّن تعقّبه من أهل الفهم المستقيم والنقد السليم ، وإليك مثالاً :

التمسّح بالقبر أو الطواف به من عوام المسلمين ، فأهل العلم فيه على ثلاثة أقوال : الجواز مطلقاً ، والمنع مطلقاً على وجه كراهة التنزيه الشديدة ، ولكنّها لا تبلغ حدّ التحريم ، والتفصيل بين من غلبه شدّة شوقٍ إلى المزور فتنتفي عنه هذه الكراهة ومن لا فالأدب تركه. وأنت إذا تأمّلت في الأُمور التي كفّر بها المسلمين وجعلها

__________________

(١) مشارق الأنوار : ١ / ١٤٠.

٢٢٦

عبادة لغير الله وجدت حجَّته ترجع إلى مقدّمتين صدقت كبراهما وهي : كلّ عبادة لغير الله شرك. وهي معلومة من الدين بالضرورة ، ثمّ يسوق عليه الأدلّة بالآيات الواردة فى المشركين ، وكذبت صغراهما ، وهي قوله : كلّ نداءٍ لميّت أو غائب أو طواف بقبر أو تمسّح به أو ذبح أو نذر لصاحبه ... إلخ ، فهو عبادة لغير الله.

ثمّ يسوق الآيات والأحاديث الصحاح التي لم يفهمها أو تعمّد في تأويلها على غير وجهها ، ثمّ يخرج من هذا القياس الذي فسدت إحدى مقدّمتيه بنتيجة لا محالة كاذبة ، وهي : أنَّ جمهور المسلمين ـ إلاّ إيّاه ومن شايعه ـ مشركون كافرون ، وقد أجاد تلخيص هذا المذهب وأدلّته وتزييفها منطقيّا وأُصوليّا كلّ الإجادة سيّد أهل التحقيق وتاج أهل التدقيق الإمام أبو عبد الله محمد بن عبد المجيد الفاسي ، المتوفّى سنة تسع وعشرين ومائتين وألف في مؤلّفٍ ردّ به على ذلك المذهب ،ينطق بعلوِّ كعب هذا الإمام.إلى أن قال :

ولقد تعدّى هذا الرجل حتى على الجناب المحمّدي فقال : إنَّ شدّ الرحال إلى زيارته معصية ، وإنّ من ناداه مستغيثاً به ـ عليه الصلاة والسلام ـ بعد وفاته فقد أشرك ، فتارةً يجعله شركاً أصغر ، وأُخرى يجعله شركاً أكبر ، وإن كان المستغيث ممتلئ القلب بأنَّه لا خالق ولا مؤثِّر إلاّ الله ، وأنَّ النبيَّ ـ صلى الله عليه ـ إنَّما تُرفع إليه الحوائج ويُستغاث به ، على أنَّ الله جعله منبع كلِّ خير ، مقبول الشفاعة ، مستجاب الدعاء صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كما هي عقيدة جميع المسلمة ، مهما كانوا من العامّة. انتهى.

وأخبر جمال الدين عبد الله بن محمد الأنصاري المحدِّث ، قال : رحلنا مع شيخنا تاج الدين الفاكهاني (١) إلى دمشق ، فقصد زيارة نعل سيّدنا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم التي بدار الحديث الأشرفيّة بدمشق وكنت معه ، فلمّا رأى النعل المكرّمة حسر عن رأسه

__________________

(١) الفقيه المالكي المتضلّع في الفقه وأصوله والأدب ، له تآليف قيّمة ، توفّي (٧٣٤). (المؤلف)

٢٢٧

وجعل يقبّله ويمرّغ وجهه عليه ودموعه تسيل ، وأنشد :

فلو قيل للمجنون ليلى ووصلَها

تريدُ أم الدنيا وما في طواياها

لقال غبارٌ من ترابِ نعالِها

أحبُّ إلى نفسي وأشفى لبلواها (١)

٢٠ ـ أخرج محبّ الدين الطبري في الرياض النضرة (٢) (٢ / ٥٤) حديثاً طويلاً فيما اتّفق بالأبواء بين عمر بن الخطّاب ، لمّا خرج حاجّا في نفر من أصحابه ، وبين شيخ استغاث به ، وفيه : لمّا انصرف عمر ونزل ذلك المنزل واستخبر عن الشيخ وعرف موته ، فكأنّي أنظر إلى عمر وقد وثب مباعداً ما بين خطاه ، حتى وقف على القبر ـ قبر الشيخ ـ فصلّى عليه ثمّ اعتنقه وبكى.

فلو جاز لمثل عمر الوقوف على قبر رجل عاديّ واعتناقه والبكاء عليه ، فما وازع الأُمّة عن الوقوف على قبر رسولها الكريم واعتناقه والبكاء عليه ، أو قبور عترته الطاهرة.

(أُولئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللهُ فَبِهُداهُمُ اقْتَدِهْ) (٣).

زيارة أبي بكر بن أبي قحافة :

لفظ الفقه على المذاهب الأربعة (٤) (١ / ٥٥١).

٢٧ ـ ثمّ يقف حيث يحاذي رأس الصدّيق رضى الله عنه ويقول :

السلام عليك يا خليفة رسول الله ، السلام عليك يا صاحب رسول الله في

__________________

(١) الديباج المذهَّب : ص ١٨٧ [٢ / ٨١]. (المؤلف)

(٢) الرياض النضرة : ٢ / ٣٣٠.

(٣) الأنعام : ٩٠.

(٤) الفقه على المذاهب الأربعة : ١ / ٧١٣.

٢٢٨

الغار ، السلام عليك يا رفيقه في الأسفار ، السلام عليك يا أمينه في الأسرار ، جزاك الله عنّا أفضل ما جزى إماماً عن أُمّة نبيّه ، ولقد خلفته بأحسن خلف ، وسلكت طريقه ومنهاجه خير سلك ، وقاتلت أهل الردّة والبدع ، ومهّدت الإسلام ، ووصلت الأرحام ، ولم تزل قائماً للحقّ ناصراً لأهله حتى أتاك اليقين ، والسلام عليك ورحمة الله وبركاته ، اللهمّ أَمتنا على حبّه ، ولا تخيِّب سعينا في زيارته برحمتك يا كريم.

زيارة عمر بن الخطّاب :

٢٨ ـ ثمّ يتحوّل حتى يحاذي قبر عمر رضى الله عنه ويقول :

السلام عليك يا أمير المؤمنين ، السلام عليك يا مظهر الإسلام ، السلام عليك يا مكسِّر الأصنام ، جزاك الله عنّا أفضل الجزاء ، ورضي الله عمّن استخلفك ، فقد نصرت الإسلام والمسلمين حيّا وميّتاً ؛ فكفلت الأيتام ، ووصلت الأرحام ، وقوي بك الإسلام ، وكنت للمسلمين إماماً مرضيّا وهادياً ومهديّا ، جمعت شملهم ، وأغنيت فقيرهم ، وجبرت كسرهم ، السلام عليك ورحمة الله وبركاته.

قال الأميني : هذه الزيارة هي التي ذكرها الشرنبلالي الفقيه الحنفي في مراقي الفلاح (١) وغير واحد من السلف ، غير أنَّ أعلام اليوم زادوا فيها ما راقهم من فضائل الشيخين ، وليس هناك أيّ وازع من ذلك. إذ في وسع الزائر سرد جمل الثناء على المزور بكلّ ما يعلم من مناقبه ، وقد أطبقت الأُمّة الإسلاميّة على هذا في قرونها الخالية حتى اليوم.

زيارة أُخرى :

رواية القسطلاني (٢) :

__________________

(١) مراقي الفلاح : ص ١٥١.

(٢) المواهب اللدنيّة : ٤ / ٥٨٤.

٢٢٩

ينتقل عن يمينه قدر ذراع فيسلّم على أبي بكر رضى الله عنه ؛ لأنَّ رأسه بحذاء منكب النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فيقول :

السلام عليك يا خليفة سيّد المرسلين ، السلام عليك يا من أيّد الله به يوم الردّة الدين ، جزاك الله عن الإسلام والمسلمين خيراً ، اللهمّ ارض عنه وارض عنّا به.

ثمّ ينتقل عن يمينه قدر ذراع فيسلّم على عمر بن الخطاب رضى الله عنه ، فيقول :

السلام عليك يا أمير المؤمنين ، السلام عليك يا من أيّد الله به الدين ، جزاك الله عن الإسلام والمسلمين خيراً ، اللهمّ ارض عنه وارض عنّا به.

ثم يرجع إلى موقفه الأوّل قبالة وجه سيِّدنا محمد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم.

زيارة أُخرى :

لفظ الباجوري :

يتأخّر صوب يمينه قدر ذراع فيسلّم على أبي بكر رضى الله عنه فيقول :

السلام عليك يا أبا بكر يا خليفة رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، جزاك الله عن أُمّة محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم خيراً.

ثمّ يتأخّر أيضاً قدر ذراع فيسلّم على عمر رضى الله عنه فيقول مثل ما تقدّم ، ثمَّ يرجع إلى موقفه الأوّل قبالة وجهه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ويتوسّل به إلى ربِّه.

زيارة الشيخين بلفظ واحد :

ثمّ يرجع نصف ذراع فيقول :

السلام عليكما يا ضجيعي رسول الله ورفيقيه ووزيريه ومشيريه والمعاونين له على القيام في الدين ، القائمين بعده بمصالح المسلمين ، وجزاكما الله أحسن الجزاء.

٢٣٠

وزاد الشرنبلالي الحنفي في مراقي الفلاح (١) :

جئناكما نتوسّل بكما إلى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ليشفع لنا ، ويسأل ربّنا أن يتقبّل سعينا ، ويحيينا على ملّته ، ويميتنا عليها ويحشرنا في زمرته.

زيارة الشيخين بلفظ آخر :

ذكرها ابن حبيب في ذيل زيارة النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم :

السلام عليكما يا صاحبي رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، يا أبا بكر ويا عمر جزاكما الله عن الإسلام وأهله أفضل ما جزى وزيري نبيٍّ على وزارته في حياته ، وعلى حسن خلافته إيّاه في أُمّته بعد وفاته ، فقد كنتما لرسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وزيرَي صدقٍ في حياته ، وخلفتماه بالعدل والإحسان في أُمّته بعد وفاته ، فجزاكما الله على ذلك مرافقته في جنّته ، وإيّانا معكم برحمته.

زيارة الشيخين بلفظ ثالث :

رواية الغزالي (٢) :

السلام عليكما يا وزيري رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، والمعاونين له على القيام بالدين ما دام حيّا ، والقائمين في أُمّته بعده بأمور الدين ، تتبعان في ذلك آثاره ، وتعملان بسنّته ، فجزاكما الله خير ما جزى وزيري نبيّ عن دينه.

وهناك ألفاظ أُخرى في مجمع الأنهر وغيره ، وفي المذكور غنىً وكفاية ، قال ابن الحاجّ في المدخل (١ / ٢٦٥) : يثني عليهما بما حضره ، ويتوسّل بهما إلى النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، ويقدّمهما بين يديه شفيعين في حوائجه.

__________________

(١) مراقي الفلاح : ص ١٥١.

(٢) إحياء علوم الدين : ١ / ٢٣٢.

٢٣١

٢٩ ـ ولا يقف في الحرم الأقدس طويلاً بل بمقدار الصلاة والدعاء تأدّباً منه ، فهذا مستحبٌّ عنده.

وداع الحرم الأقدس :

٣٠ ـ ثمّ إذا فرغ الزائر من أشغاله وعزم على الخروج من المدينة ، فالمستحبُّ أن يأتي القبر الشريف ويعيد دعاء الزيارة ما سبق ، ويودّع رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ويسأل الله أن يرزقه العودة إليه ، ويسأل السلامة في سفره ، ثمّ يصلّي ركعتين في الروضة الصغيرة ـ وهي موضع مقام رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قبل أن زيدت المقصورة في المسجد ـ فإذا خرج فليخرج رجله اليسرى أوّلاً ثمّ اليمنى ، وليقل :

اللهمّ صلِّ على محمد وعلى آل محمد ، ولا تجعله آخر العهد بنبيّك ، وحطَّ أوزاري بزيارته ، وأصحبني في سفري السلامة ويسِّر رجوعي إلى أهلي ووطني سالماً يا أرحم الراحمين ، ويقول :

اللهمّ إنّا نسألك في سفرنا هذا البرّ والتقوى ومن العمل ما تحبُّ وترضى ، اللهمّ كن لنا صاحباً في سفرنا وخليفةً على أهلنا ، اللهمّ ذلِّل لنا صعوبة سفرنا واطوِ عنّا بعده ، اللهمّ إنّا نعوذ بك من وعثاء السفر ، وكآبة المنظر ، وسوء المنقلب في الأهل والمال ، اللهمّ اصحبنا بنصح واقلبنا بذمّة ، اكفنا ما أهمّنا وما لا نهتمُّ له ، ورجِّعنا سالمين مع القبول والمغفرة والرضوان ، ولا تجعله آخر العهد بهذا المحلِّ الشريف.

ويعيد السلام والدعاء المتقدّم في الزيارة ، ويقول بعده :

اللهمّ لا تجعل هذا آخر العهد بحرم رسولك صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وحضرته الشريفة ، ويسِّر لي العود إلى الحرمين سبيلاً سهلةً ، وارزقني العفو والعافية في الدنيا والآخرة.

وزاد الشربيني في المغني (١) : وردّنا إلى أهلنا سالمين غانمين.

__________________

(١) مغني المحتاج : ١ / ٥١٣.

٢٣٢

وقال الكرماني من الحنفيّة : إذا اختار الرجوع يستحبُّ له أن يأتي القبر الشريف ويقول بعد السلام والدعاء :

ودّعناك يا رسول الله غير مودّع ولا سامحين بفرقتك ، نسألك أن تسأل الله تعالى أن لا يقطع آثارنا من زيارة حرمك ، وأن يعيدنا سالمين غانمين إلى أوطاننا ، وأن يبارك لنا فيما وهب لنا ، وأن يرزقنا الشكر على ذلك ، اللهمّ لا تجعل هذا آخر العهد من زيارة قبر نبيّك صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم.

ثمّ يتوجّه إلى الروضة ويصلّي ركعتين عند الخروج ، ويسأل الله العود.

زيارة أئمّة البقيع وبقيّة المزارات فيها

٣١ ـ ويستحبُّ بعد زيارته عليه‌السلام أن يخرج الزائر إلى البقيع كلّ يوم ، ويوم الجمعة آكد كما قال الفاكهي (١). وفي إحياء العلوم (٢) : يستحبّ أن يخرج كلّ يوم إلى البقيع. وكذا قال النووي والفاخوري وزاد الأخير : ويخصُّ يوم الجمعة ، يأتي المشاهد والمزارات فيزور العبّاس ومعه الحسن بن عليّ ، وزين العابدين ، وابنه محمد الباقر ، وابنه جعفر الصادق ، ويزور أمير المؤمنين سيّدنا عثمان ، وقبر إبراهيم ابن النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وجماعة من أزواج النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وعمّته صفيّة ، وكثيراً من الصحابة والتابعين خصوصاً سيّدنا مالكاً وسيّدنا نافعاً ، ويقول :

سلام عليكم بما صبرتم فنعم عُقبى الدار ، سلام عليكم دار قومٍ مؤمنين ، وإنّا إن شاء الله بكم لاحقون. ويقرأ آية الكرسي وسورة الإخلاص.

وقال النووي (٣) : يقول : السلام عليكم دار قوم مؤمنين أنتم السابقون وإنّا إن

__________________

(١) حسن الأدب : ص ٨٣.

(٢) إحياء علوم الدين : ١ / ٢٣٢.

(٣) المنهاج المطبوع ضمن مغني المحتاج : ١ / ٣٦٥.

٢٣٣

شاء الله بكم لاحقون ، اللهمّ اغفر لأهل بقيع الغرقد (١) ، اللهمّ لا تحرمنا أجرهم ، ولا تفتنّا بعدهم ، واغفر لنا ولهم.

وزاد القاضي حسين : اللهمّ ربّ هذه الأجساد البالية والعظام النخرة التي خرجت من الدنيا وهي بك مؤمنة ، أدخل عليها روحاً منك وسلاماً منّي ، اللهمّ برِّد مضاجعهم عليهم واغفر لهم (٢).

وقال ابن الحاج في المدخل (١ / ٢٦٥) : هو بالخيار إن شاء أن يخرج إلى البقيع ليزور من فيه اقتداءً بالنبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، فإذا أتى إلى البقيع بدأ بثالث الخلفاء عثمان بن عفان رضى الله عنه ، ثمّ يأتي قبر العبّاس عمِّ النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، ثمّ يأتي من بعده من الأكابر ، وينوي امتثال السنّة في كونه ـ عليه الصلاة والسلام ـ كان يزور أهل بقيع الغرقد ، وهذا نصٌّ في الزيارة ، فدلّ على أنَّها قربة بنفسها مستحبّة ، معمول بها في الدين ، ظاهرة بركتها عند السلف والخلف.

قال الأميني : إنَّ المشاهد المقصودة ببقيع الغرقد كانت مشهودةً قبل استيلاء يد العيث والفساد الأثيمة عليها ، وهي كثيرة جمعها وبسط القول فيها السمهودي في وفاء الوفا (٣) (٢ / ١٠١ ـ ١٠٥) ، وهناك فوائد هامّة.

زيارة شهداء أُحد

٣٢ ـ يستحبّ للحاجّ أن يزور شهداء أُحد ، قال النووي والشرنبلالي (٤) وغيرهما : أفضلها وأحسنها يوم الخميس خصوصاً قبر سيّدنا حمزة.

وقال الفاخوري في الكفاية : ويخصُّ بها يوم الإثنين. وقال ابن حجر : ويسنُ

__________________

(١) نوع من الشجر ، سميت به مقبرة بالمدينة لكثرته فيها.

(٢) وفاء الوفا للسمهودي : ٢ / ٤٤٨ [٤ / ١٤١٠]. (المؤلف)

(٣) وفاء الوفا للسمهودي : ٣ / ٨٩١ ـ ٩٢٤.

(٤) مراقي الفلاح : ص ١٥١.

٢٣٤

له أن يأتي متطهِّراً قبور الشهداء بأُحد ، ويبدأ بسيّد الشهداء حمزة رضى الله عنه. وقال الفاكهي في حسن الأدب (ص ٨٣) : وقد ورد : زوروهم وسلِّموا عليهم ، والذي نفسي بيده لا يسلِّم عليهم أحد إلاّ ردّوا عليه إلى يوم القيامة. ولا يخفى أنَّ ردّهم السلام دعاء بالسلامة ، ودعاؤهم مستجاب.

زيارة حمزة عمّ النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم :

فيقول وهو في غاية الأدب والإجلال :

السلام عليك يا عمَّ المصطفى ، السلام عليك يا سيّد الشهداء ، السلام عليك يا أسد الله ، السلام عليك يا أسد رسول الله ، رضي الله عنك وأرضاك وجعل الجنّة منقلبك ومثواك ، السلام عليكم أيّها الشهداء ورحمة الله وبركاته.

قال ابن جبير في رحلته (١) (ص ١٥٣) : وحول الشهداء ـ بجبل أُحد ـ تربة حمراء ، هي التربة التي تنسب إلى حمزة ، ويتبرّك الناس بها.

زيارة بقيّة الشهداء :

ثمّ يتوجّه إلى قبور الشهداء الباقين ـ والمشهور من الشهداء المكرّمين الذين استشهدوا يوم أُحد وهم سبعون رجلاً ـ فيقول :

السلام عليكم بما صبرتم فنعم عُقبى الدار ، السلام عليكم يا شهداء ، السلام عليكم يا سعداء ، رضي الله عنكم وأرضاكم.

قال الحمزاوي في كنز المطالب (ص ٢٣٠) : ويتوسّل بهم إلى الله في بلوغ آماله ؛ لأنّ هذا المكان محلّ مهبط الرحمات الربّانيّة ، وقد قال خير البريّة عليه الصلاة وأزكى

__________________

(١) رحلة ابن جبير : ص ١٧٣.

٢٣٥

التحيّة : إنَّ لربّكم في دهركم نفحات ، ألا فتعرّضوا لنفحات ربِّكم. ولا شكَّ ولا ريب أنَّ هذا المكان محلُّ هبوط الرحمات الإلهيّة ، فينبغي للزائر أن يتعرّض لهاتيك النفحات الإحسانيّة ، كيف لا؟ وهم الأحبّة والوسيلة العظمى إلى الله ورسوله ، فجدير لمن توسّل بهم أن يبلغ المنى وينال بهم الدرجات العلى ، فإنّهم الكرام لا يخيب قاصدهم وهم الأحياء ، ولا يُردُّ من غير إكرام زائرهم.

وقال السمهودي في وفاء الوفا (١) (٢ / ١١٣) : وقد سرد ابن النجّار أسماءهم ، فتبعته ليسلّم عليهم من شاء بأسمائهم :

حمزة بن عبد المطّلب

 عبد الله بن جحش

 مصعب بن عمير

 عمارة بن زياد

شماس بن عثمان

 عمرو بن معاذ

 الحارث بن أنس

 سلمة بن ثابت

عمرو بن ثابت (٢)

 ثابت بن وقش

 رفاعة بن وقش

 حسيل بن جابر

صيفي بن قبطي (٣)

 الحُباب بن قبطي (٤)

 عباد بن سهل

 الحارث بن أوس

إياس بن أوس

 عبيد بن التيّهان

 حبيب بن زيد

 يزيد بن حاطب

أبو سفيان بن الحارث

 أنيس بن قتادة

 حنظلة بن أبي عامر

 أبو حبّة بن عمرو

عبيد الله بن جبير (٥)

 أبو سعد بن خيثمة

 عبد الله بن مسلمة (٦)

 سُبيع بن حاطب

عمرو بن قيس

 قيس بن عمرو

 ثابت بن عمرو

 عامر بن مخلد

أبو هبيرة بن الحارث

 عمرو بن مطرّف

 أوس بن ثبت (٧)

 أنس بن النضر

قيس بن مخلّد

 عمرو بن إياس

 سليم بن الحارث

 نعمان بن عبد [عمرو] (٨)

__________________

(١) وفاء الوفا : ٣ / ٩٣٣.

(٢) الزيادة من سيرة ابن هشام ، وأُسد الغابة : ٤ / ٢٠٢ رقم ٣٨٧٥ وهو أخو سلمة بن ثابت.

(٣) في سيرة ابن هشام : ٣ / ١٢٩ ، وأُسد الغابة : ١ / ٤٣٦ رقم ١٠٢٢ و ٣ / ٤١ رقم ٢٥٤٤ ، والأنساب : ٤ / ٥٧٩ : قَيظي.

(٤) في سيرة ابن هشام : ٣ / ١٢٩ ، وأُسد الغابة : ١ / ٤٣٦ رقم ١٠٢٢ و ٣ / ٤١ رقم ٢٥٤٤ ، والأنساب : ٤ / ٥٧٩ : قَيظي.

(٥) في سيرة ابن هشام : ٣ / ١٣٠ ، وأُسد الغابة : ٣ / ١٩٤ رقم ٢٨٥٥ عبد الله بن جبير.

(٦) في سيرة ابن هشام : ٣ / ١٣١ ، وأُسد الغابة : ٣ / ٢٦٦ رقم ٢٩٨٦ : عبد الله سلمة.

(٧) في سيرة ابن هشام : ٣ / ١٣١ ، وأُسد الغابة : ١ / ١٦٥ رقم ٢٩٠ : أوس بن ثابت وهو أخو حسان ابن ثابت الشاعر.

(٨) الزيادة من سيرة ابن هشام ، وأُسد الغابة : ٥ / ٣٣٣ رقم ٥٢٤٦.

٢٣٦

خارجة بن زيد

 سعد بن الربيع

 أوس بن الأرقم

 مالك بن سنان

سعد بن سويد (١)

 عليّة بن الربيع (٢)

 ثعلبة بن سعد

 نقيب بن فروة (٣)

عبد الله بن عمرو

 ضمرة الجهني

 نوفل بن عبد الله

 عبّاس بن عبادة

نعمان بن مالك

 المحذر بن زياد (٤)

 عبادة بن الحسحاس

 رفاعة بن عمرو

عبد الله بن عمرو

 عمرو بن الجموح

 خلاّد بن عمرو

 أبو أيمن ، مولى عمرو [بن الجَمُوح]

عبيدة بن عمرو (٥)

 عنترة مولى عبيدة (٦)

 سهل بن قيس

 ذكوان بن عبد قيس

عبيد بن المعلّى

 مالك بن نميلة

 الحارث بن عدي

 مالك بن إياس

إياس بن عدي

 كيسان مولى بني النجّار

ومن أراد الوقوف على تفصيل أسماء هؤلاء الشهداء السعداء وعرفان أُسرهم ، فعليه بسيرة ابن هشام (٧) (٣ / ٧٥ ـ ٨١) ؛ وللسمهودي في وفاء الوفا (٨) (٢ / ١١٤ ـ ١١٩) حول قبور شهداء أُحد كلمة ضافية ، فيها فوائد جمّة.

٣٣ ـ قال الكمال بن الهمام ـ محقِّق الحنفيّة ـ : ويزور جبل أُحد نفسه ، ففي الصحيح : أُحد جبل يحبّنا ونحبّه.

قال الأميني : جعل البخاري في صحيحه (٩) في آخر غزوة أُحد باباً في حديث : أُحد يحبّنا ونحبّه.

__________________

(١) المذكور في سيرة ابن هشام : سعيد بن سويد.

(٢) في سيرة ابن هشام : ٣ / ١٣٢ ، وأُسد الغابة : ٣ / ٥٥٩ رقم ٣٥٣٧ : عتبة بن الربيع.

(٣) في سيرة ابن هشام : ٣ / ١٣٢ : ثقف بن فروة.

(٤) في سيرة ابن هشام : ٣ / ١٣٢ ، وأُسد الغابة : ٥ / ٦٤ رقم ٤٦٧٠ : المُجذَّر بن ذياد.

(٥) في سيرة ابن هشام : ٣ / ١٣٣ وأُسد الغابة : ٢ / ٤٤٧ رقم ٢٢٢٢ و ٤ / ٣٠٥ رقم ٤١٠٣ : سُليم بن عمرو بن حديدة ، ومولاه عنترة السلمي.

(٦) في سيرة ابن هشام : ٣ / ١٣٣ وأُسد الغابة : ٢ / ٤٤٧ رقم ٢٢٢٢ و ٤ / ٣٠٥ رقم ٤١٠٣ : سُليم بن عمرو بن حديدة ، ومولاه عنترة السلمي.

(٧) السيرة النبويّة : ٣ / ١٢٩ ـ ١٣٣.

(٨) وفاء الوفا : ٣ / ٩٣٥ ـ ٩٤١.

(٩) صحيح البخاري : ٤ / ١٤٩٨ ح ٣٨٥٥ ـ ٣٨٥٦.

٢٣٧

٣٤ ـ ويستحبُّ استحباباً مؤكّداً ـ كما قال النووي ـ أن يأتي مسجد قباء ، وفي يوم السبت أولى. وقال الفاكهي : في السبت فالإثنين فالخميس أولى سيّما صبيحة سابع عشر رمضان لحديث في ذلك ، فيصلّي فيه ويقول بعد دعائه بما أحبّ : يا صريخ المستصرخين ، يا غياث المستغيثين ، يا مفرِّج كرب المكروبين ، يا مجيب دعوة المضطرّين ، صلِّ على سيّدنا محمد وآله ، واكشف كربي وحزني كما كشفت عن رسولك حزنه وكربه في هذا المقام ، يا حنّان يا منّان ، يا كثير المعروف والإحسان ، يا دائم النعم ، يا أرحم الراحمين ، ولا حول ولا قوّة إلاّ بالله العليّ العظيم.

وقد صحَّ عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «من خرج حتى يأتي هذا المسجد ـ يعني مسجد قباء ـ فيصلّي فيه ، كان كعدل عمرة» مستدرك الحاكم (١) (٣ / ١٢) صحّحه الحاكم والذهبي.

وأخرج الطبراني (٢) مرفوعاً : «من توضّأ فأسبغ الوضوء ، ثمّ عمد إلى مسجد قباء لا يريد غيره ولا يحمله على الغدو إلاّ الصلاة في مسجد قباء ، فصلّى فيه أربع ركعات يقرأ في كلّ ركعة بأمّ القرآن ، كان له كأجر المعتمر إلى بيت الله». مجمع الزوائد (٤ / ١١)

٣٥ ـ التبرّك بما بقي من الآثار النبويّة والأماكن الشريفة ، كما في مراقي الفلاح (٣) وغيرها ، قال الخطيب الشربيني في المغني (٤) (١ / ٤٩٥):

يسنُّ أن يأتي سائر المشاهد بالمدينة وهي نحو ثلاثين موضعاً ـ يعرفها أهل المدينة ـ ، ويسنُّ زيارة البقيع وقباء ، وأن يأتي بئر أريس فيشرب منها ويتوضّأ

__________________

(١) المستدرك على الصحيحين : ٣ / ١٣ ح ٤٢٧٩ ، وكذا في تلخيصه.

(٢) المعجم الكبير : ١٩ / ١٤٦ ح ٣١٩.

(٣) مراقي الفلاح : ص ١٥٢.

(٤) مغني المحتاج : ١ / ٥١٢.

٢٣٨

وكذلك بقيّة الآبار السبعة ، وقد نظمها بعضهم في بيت فقال :

أريسٌ وغرسُ رومةٍ وبُضاعة

كذا بُصّة قل بيرحاء مع العهنِ

قال الأميني : هذا البيت لأبي الفرج ناصر الدين المراغي ، وقبله قوله :

إذا رمت آبار النبيِّ بطيبةٍ

فعدّتها سبعٌ مقالاً بلا وهنِ (١)

٣٦ ـ قال الفاخوري في الكفاية لذوي العناية (ص ١٣٠) : ويستحبُّ أن يستصحب معه هديّة من تمر المدينة وماء آبارها من غير تكلّف ولا مفاخرة ، وإذا قفل منصرفاً قاصداً وطنه كبّر في طريقه على كلّ مرتفع ثلاثاً ، ثمّ يقول :

لا إله إلاّ الله وحدَهُ لا شريك له ، له الملكُ وله الحمدُ وهو على كلّ شيءٍ قدير ، آئبون تائبون عابدون ساجدون لربّنا حامدون ، صدق الله وعدَهُ ونَصَرَ عبده وأعزَّ جنده وهزمَ الأحزاب وحده.

وقال الشيخ زاده في مجمع الأنهر (١ / ١٥٨) : ثمّ ينصرف باكياً حزيناً على فراق الحضرة النبويّة ، ومن السنن أن يكبِّر على كلّ شرف من الأرض ويقول : آئبون تائبون عابدون. إلخ.

(فَهَلْ يَنْظُرُونَ إِلاَّ سُنَّتَ الْأَوَّلِينَ فَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّتِ اللهِ تَبْدِيلاً وَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّتِ اللهِ تَحْوِيلاً) (٢).

المصادر :

أخذنا ما مرَّ من الآداب والزيارات من مناسك أعلام المذاهب الأربعة ، وكتبهم

__________________

(١) يوجد تفصيل الكلام حول هذه الآبار في وفاء الوفا : ٢ / ١١٩ ـ ١٤٩ [٣ / ٩٤٢ ـ ٩٨٣]. (المؤلف)

(٢) فاطر : ٤٣.

٢٣٩

الفقهيّة ، فمن ابتغى الوقوف على تفصيل ما لم نذكر مصدره ممّا ذكر فعليه بما يلي من الكتب :

التأليف

 المؤلّف

إحياء العلوم (١ / ٢٤٦)

 حجّة الإسلام أبو حامد الغزالي

التذكرة

 أبو الوفاء بن عقيل الحنبلي

المستوعب

 ابن أبي سنينة السامري الحنبلي

المدخل (الجزء الأول)

 أبو عبد الله العبدري المالكي

شفاء السقام (ص ٥٢ ـ ١١٩)

 تقيّ الدين السبكي الشافعي

وفاء الوفا (٢ / ٤٣١ ـ ٤٥٥)

 نور الدين السمهودي الشافعي

المواهب اللدنيّة

 أبو العبّاس القسطلاني الشافعي

أسنى المطالب (١ / ٥٠١)

 أبو يحيى الأنصاري الشافعي

الجوهر المنظّم

 ابن حجر الهيثمي الشافعي

مغني المحتاج (١ / ٤٩٤)

 الخطيب الشربيني الشافعي

حسن التوسّل ، مؤلَّف في الآداب

 جمال الدين الفاكهي الشافعي

الشفا

 القاضي عياض المالكي

مراقي الفلاح في خاتمته ، مخطوط

 أبو البركات الشرنبلالي الحنفي

شرح الشفا (١)

 القاضي الخفاجي الحنفي

مجمع الأنهر (٢) (١ / ١٥٦)

 عبد الرحمن شيخ زاده

مفتاح السعادة (٣ / ٧٣)

 المولى أحمد طاش كبرى زاده

شرح المواهب (٨ / ٢٩٧ ـ ٣٣٥)

 أبو عبد الله الزرقاني المالكي

الحاشية (٣) (١ / ٣٤٨)

 الشيخ إبراهيم الباجوري الشافعي

__________________

(١) اسمه نسيم الرياض في شرح الشفا.

(٢) في شرح ملتقى الأبحر للشيخ إبراهيم الحلبي ، المتوفّى (٩٥٦). (المؤلف)

(٣) على شرح ابن الغزّي في الفقه الشافعي. (المؤلف)

٢٤٠