الغدير في الكتاب والسنّة والأدب - ج ٥

الشيخ عبد الحسين أحمد الأميني النجفي

الغدير في الكتاب والسنّة والأدب - ج ٥

المؤلف:

الشيخ عبد الحسين أحمد الأميني النجفي


المحقق: مركز الغدير للدّراسات الإسلاميّة
الموضوع : العقائد والكلام
الناشر: مركز الغدير للدراسات الإسلامية
المطبعة: فروردين
الطبعة: ١
الصفحات: ٧١٢

زيارة النبيّ الأقدس

٢٢ ـ يقول : السلام عليك يا رسول الله ، السلام عليك يا نبيّ الله ، السلام عليك يا خيرة الله ، السلام عليك يا حبيب الله ، السلام عليك يا سيد المرسلين وخاتم النبيّين ، السلام عليك يا خيرة الخلائق أجمعين ، السلام عليك يا قائد الغرِّ المحجّلين ، السلام عليك وعلى آلك وأهل بيتك وأزواجك وأصحابك أجمعين ، السلام عليك وعلى سائر الأنبياء والمرسلين وجميع عباد الله الصالحين ، جزاك الله عنّا يا رسول الله أفضل ما جزى به نبيّا ورسولاً عن أمّته وصلّى عليك كلّما ذكرك الذاكرون ، وغفل عن ذكرك الغافلون ، أفضل وأكمل ما صلّى على أحدٍ من الخلق أجمعين ، أشهد أن لا إله إلاّ الله وحده لا شريك له ، وأشهد أنَّك عبده ورسوله وخيرته من خلقه ، وأشهد أنّك بلّغت الرسالة ، وأدّيت الأمانة ونصحت الأمّة ، وكشفت الغمّة ، وجاهدت في الله حقَّ جهاده ، اللهمّ آتهِ الوسيلة والفضيلة ، وابعثه مقاماً محموداً الذي وعدته ، وآتِه نهاية ما ينبغي أن يسأله السائلون ، اللهمّ صلِّ على سيّدنا محمد نبيّك ورسولك النبيّ الأُميّ ، وعلى آل سيّدنا محمد وأزواجه وذرّيته كما صلّيت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم ، وبارك على سيّدنا محمد النبيّ الأُميّ وعلى آل محمد كما باركت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم في العالمين ، إنّك حميد مجيد.

زيارة أخرى :

حكاها ابن فرحون عن ابن حبيب (١) :

السلام عليك أيّها النبيُّ ورحمة الله وبركاته ، صلّى الله عليك وسلّم يا رسول الله أفضل وأزكى وأعلى وأنمى صلاةٍ صلاّها على أحدٍ من أنبيائه وأصفيائه ، أشهد

__________________

(١) عبد الملك بن حبيب القرطبي الإمام الجليل الثقة مصنّف كتاب الواضحة. (المؤلف)

٢٠١

يا رسول الله أنّك قد بلّغت ما أُرسلتَ به ، ونصحتَ الأُمّة ، وعبدت ربّك حتى أتاك اليقين ، وكنت كما نعتك الله في كتابه حيث قال : (لَقَدْ جاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ ما عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَؤُفٌ رَحِيمٌ) (١) فصلوات الله وملائكته وجميع خلقه في سماواته وأرضه عليك يا رسول الله.

زيارة ثالثة :

اتّفق عليها أعلام المذاهب الأربعة (٢) :

السلام عليك يا نبيّ الله ورحمة الله وبركاته ، أشهدُ أنّك رسول الله ، فقد بلّغت الرسالة وأدّيت الأمانة ، ونصحت الأُمّة ، وجاهدت في أمر الله حتى قبض الله روحك حميداً محموداً ، فجزاك الله عن صغيرنا وكبيرنا خير الجزاء ، وصلّى عليك أفضل الصلاة وأزكاها ، وأتمَّ التحيّة وأنماها ، اللهمّ اجعل نبيّنا يوم القيامة أقرب النبيّين إليك ، واسقنا من كأسه ، وارزقنا من شفاعته ، واجعلنا من رفقائه يوم القيامة ، اللهمّ لا تجعل هذا آخر العهدبقبر نبيّنا عليه‌السلام ، وارزقنا العود إليه ، يا ذا الجلال والإكرام.

الزيارة الرابعة :

رواية الغزالي (٣) :

السلام عليك يا رسول الله ، السلام عليك يا نبيّ الله ، السلام عليك يا أمين الله ، السلام عليك يا حبيب الله ، السلام عليك يا صفوة الله ، السلام عليك يا خيرة الله ، السلام عليك يا أحمد ، السلام عليك يا محمد ، السلام عليك يا أبا القاسم ، السلام

__________________

(١) التوبة : ١٢٨.

(٢) في الفقه على المذاهب الأربعة : ١ / ٥٩١ [١ / ٧١٣]. (المؤلف)

(٣) إحياء علوم الدين : ١ / ٢٣١.

٢٠٢

عليك يا ماحي ، السلام عليك يا عاقب ، السلام عليك يا حاشر ، السلام عليك يا بشير ، السلام عليك يا نذير ، السلام عليك يا طهر ، السلام عليك يا طاهر ، السلام عليك يا أكرم ولد آدم ، السلام عليك يا سيّد المرسلين ، السلام عليك يا خاتم النبيّين ، السلام عليك يا رسول ربِّ العالمين ، السلام عليك يا قائد الخير ، السلام عليك يا فاتح البرّ ، السلام عليك يا نبيّ الله ، السلام عليك يا هادي الأُمّة ، السلام عليك يا قائد الغرّ المحجّلين ، السلام عليك وعلى أهل بيتك الذين أذهب الله عنهم الرجس وطهّرهم تطهيراً ، السلام عليك وعلى أصحابك الطيّبين وعلى أزواجك الطاهرات أُمّهات المؤمنين ، جزاك الله عنّا أفضل ما جزى نبيّا عن قومه ورسولاً عن أُمّته ، وصلّى عليك كلّما ذكرك الذاكرون ، وكلّما غفل عنك الغافلون ، وصلّى عليك في الأوّلين والآخرين أفضل وأكمل وأعلى وأجلَّ وأطيب وأطهر ما صلّى على أحدٍ من خلقه كما استنقذنا بك من الضلالة ، وبصّرنا بك من العماية ، وهدانا بك من الجهالة ، أشهد أن لا إله إلاّ الله وحده لا شريك له ، وأشهد أنّك عبد الله ورسوله وأمينه وصفيّه وخيرته من خلقه ، وأشهد أنَّك قد بلّغت الرسالة ، وأدّيت الأمانة ، ونصحت الأُمّة ، وجاهدت عدوّك ، وهديت أُمّتك ، وعبدت ربّك حتى أتاك اليقين ، فصلّى الله عليك وعلى أهل بيتك الطيّبين ، وسلّم وشرّف وكرّم وعظّم.

زيارة خامسة :

رواية القسطلاني (١) :

السلام عليك يا رسول الله ، السلام عليك يا نبيّ الله ، السلام عليك يا حبيب الله ، السلام عليك يا خيرة الله ، السلام عليك يا صفوة الله ، السلام عليك يا سيّد المرسلين وخاتم النبيّين ، السلام عليك يا قائد الغرّ المحجّلين ، السلام عليك وعلى أهل

__________________

(١) المواهب اللدنيّة : ٤ / ٥٨١.

٢٠٣

بيتك الطيّبين الطاهرين ، السلام عليك وعلى أزواجك الطاهرات أُمّهات المؤمنين ، السلام عليك وعلى أصحابكَ أجمعين ، السلام عليك وعلى سائر الأنبياء وسائر عباد الله الصالحين ، جزاك اللهُ أفضل ما جزى نبيّا ورسولاً عن أُمّته ، وصلّى الله عليكَ كلّما ذكرك الذاكرون ، وغفل عن ذكرك الغافلون ، وأشهد أن لا إله إلاّ الله ، وأشهد أنَّك عبده ورسوله وأمينه وخيرته من خلقه ، وأشهد أنَّك قد بلّغت الرسالة ، وأدّيت الأمانة ، ونصحت الأُمّة ، وجاهدت في الله حقّ جهاده.

قال : ومن ضاق وقته عن ذلك فليقل ما تيسّر منه.

زيارة سادسة :

رواية الباجوري :

قال : يسلّم عليه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بلا رفع صوت قائلاً : السلام عليك يا رسول الله ، السلام عليك يا نبيّ الله ، السلام عليك يا حبيب الله ، أشهد أنّك رسول الله حقّا بلّغت الرسالة ، وأدّيت الأمانة ، ونصحت الأُمّة ، وكشفت الغمّة ، وجلوت الظلمة ، ونطقت بالحكمة ، وجاهدت في سبيل الله حقَّ جهاده ، جزاك الله عنّا أفضل الجزاء.

زيارة أخرى سابعة :

ذكرها الشرنبلالي الحنفي في المراقي (١) :

السلام عليك يا سيّدي يا رسول الله ، السلام عليك يا نبيّ الله ، السلام عليك يا حبيب الله ، السلام عليك يا نبيّ الرحمة ، السلام عليك يا شفيع الأُمّة ، السلام عليك يا سيّد المرسلين ، السلام عليك يا خاتم النبيّين ، السلام عليك يا مزّمِّل ، السلام عليك

__________________

(١) مراقي الفلاح : ص ١٥٠.

٢٠٤

يا مدّثِّر ، السلام عليك وعلى أُصولك الطيّبين وأهل بيتك الطاهرين الذين أذهب الله عنهم الرجس وطهّرهم تطهيراً ، جزاك الله عنّا أفضل ما جزى نبيّا عن قومه ورسولاً عن أُمّته ، أشهد أنّك رسول الله بلّغت الرسالة ، وأدّيت الأمانة ، ونصحت الأُمّة ، وأوضحت الحجّة ، وجاهدت في سبيل الله حقَّ جهاده ، وأقمت الدين حتى أتاك اليقين ، صلّى الله عليك وسلّم وعلى أشرف مكان شُرّف بحلول جسمك الكريم فيه صلاةً وسلاماً دائمين من ربِّ العالمين ، عدد ما كان وعدد ما يكون بعلم الله ، صلاةً لا انقضاء لأمرها ، يا رسول الله نحن وفدك وزوّار حرمك ، تشرّفنا بالحلول بين يديك ، وجئنا من بلاد شاسعة وأمكنة بعيدة نقطع السهل والوعر بقصد زيارتك ، لنفوز بشفاعتك ، والنظر إلى مآثرك ومعاهدك ، والقيام بقضاء بعض حقِّك والاستشفاع بك إلى ربّنا ؛ فإنَّ الخط ايا قد قصمت ظهورنا ، والأوزار قد أثقلت كواهلنا ، وأنت الشافع المشفَّع الموعود بالشفاعة العظمى ، والمقام المحمود والوسيلة ، وقد قال الله تعالى : (وَلَوْ أَنَّهُمْ إِذْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ جاؤُكَ فَاسْتَغْفَرُوا اللهَ وَاسْتَغْفَرَ لَهُمُ الرَّسُولُ لَوَجَدُوا اللهَ تَوَّاباً رَحِيماً) (١). وقد جئناك ظالمين لأنفسنا ، مستغفرين لذنوبنا ، فاشفع لنا إلى ربِّك ، واسأله أن يميتنا على سنّتك ، وأن يحشرنا في زمرتك ، وأن يوردنا حوضك ، وأن يسقينا بكأسك غير خزا يا ولا نادمين ، الشفاعة الشفاعة يا رسول الله ولإخواننا الذين سبقونا بالإيمان ، ولا تجعل في قلوبنا غلاّ للذين آمنوا ، ربّنا إنّك ـ تقولها ثلاثاً ـ ، ربّنا اغفر لنا رءوف رحيم.

زيارة ثامنة :

رواية شيخ زاده في مجمع الأنهر (٢) :

السلام عليك أيّها النبي ورحمة الله وبركاته ، السلام عليك يا رسول الله ،

__________________

(١) النساء : ٦٤.

(٢) مجمع الأنهر في شرح ملتقى الأبحر : ١ / ٣١٣.

٢٠٥

السلام عليك يا خير خلق الله ، السلام عليك يا سيّد ولد آدم ، إنِّي أشهد أن لا إله إلاّ الله وحده لا شريك له ، وأشهد أنّك عبده ورسوله وأمينه ، أشهد أنّك قد بلّغت الرسالة ، وأدّيت الأمانة ، ونصحت الأُمّة ، وكشفت الغمّة ، فجزاك الله عنّا خيراً ، جزاك الله عنّا أفضل ما جزى نبيّا عن أُمّته ، اللهمّ أعط سيّدنا عبدك ورسولك محمداً الوسيلة والفضيلة والدرجة العالية الرفيعة ، وابعثه المقام المحمود الذي وعدته ، وأنزله المنزل المبارك عندك ، سبحانك أنت ذو الفضل العظيم.

ثمّ يسأل الله تعالى حاجته وأعظم الحاجات سؤال حسن الخاتمة وطلب المغفرة ويقول

السلام عليك يا رسول الله ، أسألك الشفاعة الكبرى ، وأتوسّل بك إلى الله تعالى في أن أموت مسلماً على ملّتك وسنّتك ، وأن أحشر في زمرة عباد الله الصالحين. ثمّ ذكر السلام على الشيخين.

زيارة تاسعة :

رواية الفاكهي :

السلام عليك أيّها النبيُّ الكريم ـ ثلاثاً ـ السلام عليك يا رسول الله ، السلام عليك يا نبيّ الله ، السلام عليك يا خيرة الله ، السلام عليك يا حيبب الله ، السلام عليك يا سيّد المرسلين ، السلام عليك يا خاتم النبيّين ، السلام عليك يا خير الخلائق أجمعين ، السلام عليك يا إمام المتّقين ، السلام عليك يا قائد الغرّ المحجّلين ، السلام عليك يا رحمةً للعالمين ، السلام عليك يا منّة الله على المؤمنين ، السلام عليك يا شفيع المذنبين ، السلام عليك يا هادياً إلى صراطٍ مستقيم ، السلام عليك يا من وصفه الله بقوله : (وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ) و (بِالْمُؤْمِنِينَ رَؤُفٌ رَحِيمٌ) السلام عليك وعلى سائر الأنبياء والمرسلين وآلك وأهل بيتك وأزواجك وأصحابك أجمعين وعباد الله

٢٠٦

الصالحين ورحمة الله وبركاته ، جزى الله محمداً كما هو أهله ، جزاك الله عنّا يا رسول الله أفضل ما جزى نبيّا عن قومه ورسولاً عن أُمّته ، وصلّى الله عليك كلّما ذكرك الذاكرون ، وغفل عن ذكرك الغافلون أفضل وأكمل ما صلّى على أحدٍ من خلقه أجمعين ، وأشهد أن لا إله إلاّ الله وحده لا شريك له ، وأشهد أنَّك عبده ورسوله وخيرته من خلقه ، فإنَّك قد بلّغت الرسالة ، وأدّيت الأمانة ، ونصحت الأمّة ، وجاهدت في الله حقَّ جهاده ، وكما نصَّ الله في كتابه ؛ اللهمّ آته الوسيلة والفضيلة وابعثه مقاماً محموداً الذي وعدته ، اللهمّ صلِّ على محمد عبدك ونبيّك ورسولك النبيّ الأُمِّيّ وعلى آل محمد وأزواجه وذريّته كما صلّيت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم ، وبارك على محمد وعلى آل محمدٍ وأزواجه وذريّته كما باركت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم في العالمين إنّك حميد مجيد ، ربّنا آمنّا بما أنزلت واتّبعنا الرسول فاكتبنا مع الشاهدين ، الحمد لله الذي أقرَّ عيني برؤيتك يا رسول الله ، وأدخلني بروضتك وحضرتك يا حبيب الله.

فإن عجز عن ذلك كلّه أتى بما أمكنه.

الدعاء عند رأس النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم :

٢٣ ـ يقف عند رأسه الشريف ويقول :

اللهمّ إنّك قلت وقولك الحقُّ : (وَلَوْ أَنَّهُمْ إِذْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ جاؤُكَ فَاسْتَغْفَرُوا اللهَ وَاسْتَغْفَرَ لَهُمُ الرَّسُولُ لَوَجَدُوا اللهَ تَوَّاباً رَحِيماً) وقد جئناك سامعين قولك ، طائعين أمرك ، مستشفعين بنبيِّك ، ربَّنا اغفر لنا ولإخواننا الذين سبقونا بالإيمان ، ولا تجعل في قلوبنا غلاّ للذين آمنوا ، ربّنا إنَّك رءوف رحيم ، ربَّنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار ، سبحان ربِّنا ربِّ العزّة عمّا يصفون ، وسلام على المرسلين ، والحمد لله ربِّ العالمين.

٢٠٧

ويدعو بما يحضره من الدعاء. ذكره الشرنبلالي الحنفي في مراقي الفلاح (١) وغيره في غيرها.

دعاء آخر عند رأسه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم :

رواية الغزالي (٢)

يقف عند الرأس مستقبل القبلة بين القبر والأُسطوانة ، وليحمد الله عزَّوجل وليمجّده وليكثر من الصلاة علي رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم ثم يقول :

اللهم انّك قلت وقولك الحقّ : (وَلَوْ أَنَّهُمْ إِذْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ جاؤُكَ فَاسْتَغْفَرُوا اللهَ وَاسْتَغْفَرَ لَهُمُ الرَّسُولُ لَوَجَدُوا اللهَ تَوَّاباً رَحِيماً). اللهمّ إنّا سمعنا قولك ، وأطعنا أمرك ، وقصدنا نبيّك ، مستشفعين به إليك في ذنوبنا ، وما أثقل ظهورنا من أوزارنا ، تائبين من زللنا معترفين بخطايانا وتقصيرنا ، فتب اللهمّ علينا ، وشفِّع نبيّك هذا فينا ، وارفعنا بمنزلته عندك وحقِّه عليك ، اللهمّ اغفر للمهاجرين والأنصار ، واغفر لنا ولإخواننا الذين سبقونا بالإيمان ، اللهمّ لا تجعله آخر العهد من قبر نبيّك ومن حرمك يا أرحم الراحمين.

ثمّ يأتي الروضة فيصلّي فيها ركعتين ، ويكثر من الدعاء ما استطاع لقوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «ما بين قبري ومنبري روضة من رياض الجنّة ، ومنبري على حوضي».

وقال العدوي الحمزاوي في كنز المطالب (ص ٢١٦) : ومن أحسن ما يقول بعد تجديد التوبة في ذلك الموقف الشريف ، وتلاوة (وَلَوْ أَنَّهُمْ إِذْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ جاؤُكَ فَاسْتَغْفَرُوا اللهَ وَاسْتَغْفَرَ لَهُمُ الرَّسُولُ) الآية : نحن وفدك يا رسول الله وزوّارك ،

__________________

(١) مراقي الفلاح : ص ١٥٢.

(٢) إحياء علوم الدين : ١ / ٢٣٢.

٢٠٨

جئناك لقضاء حقِّك وللتبرّك بزيارتك والاستشفاع بك ممّا أثقل ظهورنا وأظلم قلوبنا.

وزاد الشيخ علي القاري الحنفي في شرح الشمائل : فليس لنا شفيع غيرك نؤمِّله ، ولا رجاء غير بابك نصله ، فاستغفر لنا واشفع لنا إلى ربِّك يا شفيع المذنبين ، واسأله أن يجعلنا من عباده الصالحين.

يا خيرَ من دُفنتْ بالقاعِ أعظمُهُ

فطاب من طيبهنَّ القاعُ والأكمُ

نفسي الفداءُ لقبرٍ أنت ساكنُه

فيه العفافُ وفيه الجودُ والكرمُ

قال الأميني : هذه مأخوذة عن حكاية حكاها محمد بن حرب الهلالي ، عن أعرابيٍّ أتى قبر رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وزاره ، ثمّ قال ما يقرب ممّا ذكر ، رواها (١) ابن النجّار وابن عساكر وابن الجوزي ، والقسطلاني في المواهب ، والسبكي في شفاء السقام ، والخالدي في صلح الإخوان (ص ٥٤) وقال : تلقّى هذه الحكاية العلماء بالقبول ، وذكرها أئمّة المذاهب الأربعة في المناسك مستحسنين لها ، وذكر جمع تضمين أبي الطيّب أحمد بن عبد العزيز المقدسي البيتين المذكورين بقوله :

أقولُ والدمُع من عينيَّ منسجمُ

لمّا رأيتُ جدارَ القبرِ يُستلَمُ

والناسُ يغشونه باكٍ ومنقطعٌ

من المهابةِ أو داعٍ فملتزمُ

فما تملّكتُ أن ناديتُ من حُرَقٍ

في الصدرِ كادت لها الأحشاءُ تضطرمُ

يا خيرَ من دُفنتْ بالقاعِ أعظمُهُ

وفيه شمس التقى والدين قد غربت

من بعد ما أشرقت من نيرها الظلمُ

حاشا لوجهك أن يبلى وقد هُدِيتْ

في الشرقِ والغربِ من أنوارِه الأُممُ

فإن تمسّك أيدي التربِ لامسةً

فأنت بين السمواتِ العلى عَلَمُ

__________________

(١) مختصر تاريخ دمشق : ٢ / ٤٠٨ ، الوفا في فضائل المصطفى : ص ٨١٧ ، المواهب اللدنيّة : ٤ / ٥٨٣ ، شفاء السقام : ص ٦٣.

٢٠٩

لقيتَ ربّكَ والإسلامُ صارمُهُ

ماضٍ وقد كان بحرُ الكفرِ يلتطمُ

فقمت فيه مقام المرسلين إلى

أن عزَّ فهو على الأديانِ محتكمُ

لئن رأيناه قبراً إنَّ باطنَهُ

لروضةٌ من رياضِ الخلدِ تبتسمُ

طافتْ به من نواحيه ملائكةٌ

تغشاه في كلِّ ما يومٍ وتزدحمُ

لو كنت أبصرتُهُ حيّا لقلت له

لا تمش إلاّ على خدّي لك القدمُ

الصلاة على النبيّ الطاهر صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم :

٢٤ ـ أخرج البخاري بإسناده مرفوعاً : «من صلّى عليَّ عند قبري وكّل الله به ملكاً يبلّغني ، وكفى أمر دنياه وآخرته ، وكنت له شفيعاً ـ أو شهيداً ـ يوم القيامة» (١)

قال المجد : ويأتي الزائر بأتمِّ أنواع الصلاة وأكمل كيفيّاتها ، والاختلاف في ذلك مشهور. قال : والذي أختاره لنفسي :

اللهمّ صلِّ على سيّدنا محمد وآله وصحبه وأزواجه عدد ما خلقتَ وعدد ما أنت خالق ، وزِنَة ما خلقت ، وزِنَة ما أنت خالق ، ومِلءَ ما خلقت ، ومِلءَ ما أنت خالق ، ومِلءَ سمواتك ، ومِلءَ أرضك ، ومثل ذلك ، وأضعاف ذلك ، وعدد خلقك ، وزِنَة عرشك ، ومنتهى رحمتك ، ومداد كلماتك ، ومبلغ رضاك ، وحتى ترضى ، وعدد ما ذكرك به خلقُك في جميع ما مضى ، وعدد ما هم ذاكروك فيما بقي في كلّ سنة وشهر وجمعة ويوم وليلة وساعة من الساعات ، ونسيم ونَفَس ولمحة وطرفة من الأبد إلى الأبد ، أبد الدنيا والآخرة ، وأكثر من ذلك لا ينقطع أوّله ولا ينفد آخره ، ـ يقوله مرّةً أو ثلاثاً ـ ثمّ يقول : اللهمّ صلِّ على سيّدنا محمد وعلى آل سيّدنا محمد.

__________________

(١) ذكره الخطيب الشربيني في المغني : ١ / ٤٩٤ [١ / ٥١٢]. (المؤلف)

٢١٠

روي (١) عن ابن أبي فديك (٢) قال : سمعت بعض من أدركت يقول : بلغنا أنَّه من وقف عند قبر النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فقال : (إِنَّ اللهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً) (٣) صلّى الله تعالى على محمد وسلّم.

وفي رواية : صلّى الله عليك يا محمد. يقولها سبعين مرّة ، ناداه ملك : صلّى الله عليك يا فلان لم تسقط لك اليوم حاجة.

قال السمهودي (٤) : قال بعضهم : الأولى أن يقول : صلّى الله وسلّم عليك يا رسول الله ، وإن كانت الرواية ـ يا محمد ـ تأدّباً ، لأنَّ من خصائصه ـ صلّى الله تعالى عليه وسلّم ـ أن لا يُنادى باسمه بل يُقال : يا رسول الله ، يا نبيّ الله ، ونحوه. والذي يظهر أنَّ هذا في نداء لا يقترن به الصلاة والسلام.

التوسل والاستشفاع بقبره الشريف صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم :

٢٥ ـ ثمّ يرجع الزائر إلى موقفه الأوّل قبالة وجه رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، فيتوسّل به في حقِّ نفسه ، ويستشفع إلى ربِّه سبحانه وتعالى ، ويكثر الاستغفار والتضرّع بعد قوله : يا خير الرسل إنَّ الله أنزل عل يك كتاباً صادقاً قال فيه : (وَلَوْ أَنَّهُمْ إِذْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ جاؤُكَ فَاسْتَغْفَرُوا اللهَ وَاسْتَغْفَرَ لَهُمُ الرَّسُولُ لَوَجَدُوا اللهَ تَوَّاباً رَحِيماً) وإنّي جئتك مستغفراً من ذنوبي متشفِّعاً بك إلى ربّي ، ويقول :

__________________

(١) أخرجه البيهقي [في شعب الإيمان : ٣ / ٤٩٢ ح ٤١٦٩] ، والقاضي عياض في الشفا [٢ / ١٩٧] ، والسبكي في الشفاء ، والعبدري في المدخل [١ / ٢٦١] وجمع آخرون. (المؤلف)

(٢) محمد بن إسماعيل بن مسلم بن فديك ، المتوفّى (٢٠٠) إمام ثقة ، يروي عنه الأئمّة الستّة ـ أصحاب الصحاح. (المؤلف)

(٣) الأحزاب : ٥٦.

(٤) وفاء الوفا : ٤ / ١٣٩٩.

٢١١

نحن وفدكَ يا رسول الله وزوّارك ، جئناك لقضاء حقِّك والتبرّك بزيارتك والاستشفاع بك إلى ربِّك تعالى ؛ فإنَّ الخطايا قد أثقلت ظهورنا ، وأنت الشافع المشفَّع الموعود بالشفاعة العظمى والمقام المحمود ، وقد جئناك ظالمين لأنفسنا ، مستغفرين لذنوبنا ، سائلين منك أن تستغفر لنا إلى ربّك ، فأنت نبيّنا وشفيعنا ، فاشفع لنا إلى ربّك ، واسأله أن يميتنا على سنّتك ومحبّتك ، ويحشرنا في زمرتك ، وأن يوردنا حوضك غير خزايا ولا نادمين.

قال القسطلاني في المواهب اللدنيّة (١) : وينبغي للزائر له صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أن يكثر من الدعاء والتضرُّع والاستغاثة والتشفّع والتوسّل به صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، فجدير بمن استشفع به أن يشفِّعه الله فيه. قال : وإنَّ الاستغاثة هي طلب الغوث فالمستغيث يطلب من المستغاث به إغاثته أن يحصل له الغوث ، فلا فرق بين أن يعبِّر بلفظ الاستغاثة ، أو التوسّل ، أو التشفّع ، أو التوجّه أو التجوُّه ـ لأنَّهما من الجاه والوجاهة ، ومعناهما علوّ القدر والمنزلة ـ وقد يتوسّل بصاحب الجاه إلى من هو أعلى منه. قال : ثمّ إنَّ كلاّ من الاستغاثة ، والتوسّل والتشفّع ، والتوجّه بالنبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كما ذكره في تحقيق النصرة (٢) ومصباح الظلام (٣) واقع في كلّ حال : قبل خلقه وبعد خلقه ، في مدّة حياته في الدنيا وبعد موته في البرزخ ، وبعد البعث في عرصات القيامة.

ثمّ فصّل ما وقع من التوسّل والاستشفاع به صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في الحالات المذكورة.

وقال الزرقاني في شرح المواهب (٨ / ٣١٧) : ونحو هذا في منسك العلاّمة خليل ، وزاد : وليتوسّل به صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، ويسأل الله تعالى بجاهه في التوسّل به ، إذ هو محطُّ جبال الأوزار وأثقال الذنوب ؛ لأنَّ بركة شفاعته وعظمها عند ربِّه لا يتعاظمها ذنب ، ومن

__________________

(١) المواهب اللدنيّة : ٤ / ٥٩٣.

(٢) تحقيق النصرة : ص ١١٣.

(٣) مصباح الظلام : ٢ / ٣٥٢.

٢١٢

اعتقد خلاف ذلك فهو المحروم الذي طمس الله بصيرته ، وأضلَّ سريرته ، ألم يسمع قوله تعالى : (وَلَوْ أَنَّهُمْ إِذْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ جاؤُكَ فَاسْتَغْفَرُوا اللهَ) الآية؟ قال : ولعلّ مراده التعريض بابن تيميّة.

قال الأميني : هناك جماعة من الحفّاظ وأعلام أهل السنّة بسطوا القول في التوسّل وقالوا : إنَّ التوسّل بالنبيِّ جائز في كلّ حال قبل خلقه وبعده ، في مدّة حياته في الدنيا وبعد موته ، في مدّة البرزخ وبعد البعث في عرصات القيامة والجنّة ، وجعلوه على ثلاثة أنواع :

١ ـ طلب الحاجة من الله تعالى به أو بجاهه أو لبركته. فقالوا : إنَّ التوسّل بهذا المعنى جائز في جميع الأحوال المذكورة.

٢ ـ التوسّل به بمعنى طلب الدعاء منه ، وحكموا بأنَّ ذلك جائز في الأحوال كلِّها.

٣ ـ الطلب من النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ذلك الأمر المقصود ، بمعنى أنّه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قادر على التسبّب فيه بسؤاله ربّه وشفاعته إليه ، فيعود إلى النوع الثاني في المعنى ، غير أنَّ العبارة مختلفة ، وعدّوا منه قول القائل للنبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : اسألك مرافقتك في الجنّة. وقول عثمان بن أبي العاص : شكوت إلى النبيِّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم سوء حفظي للقرآن. فقال : أُدنُ منّي يا عثمان ، ثمّ وضع يده على صدري وقال : أُخرج يا شيطان من صدر عثمان. فما سمعت بعد ذلك شيئاً إلاّ حفظت. وقال السبكي في شفاء السقام (١) : والآثار في ذلك كثيرة أيضاً ـ إلى أن قال ـ : فلا عليك في تسميته توسّلاً ، أو تشفّعاً ، أو استغاثة ، أو تجوّهاً ، أو توجّها ؛ لأنَّ المعنى في جميع ذلك سواء.

قال الأميني : لا يسعنا إيقاف الباحث على جلِّ ما وقفنا عليه من كلمات ضافية

__________________

(١) شفاء السقام : ص ١٧٥.

٢١٣

لأعلام المذاهب الأربعة في المناسك وغيرها حول التوسّل بالنبيّ الأقدس صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، ولو ذكرناها برمّتها لتأتي كتاباً حافلاً ، وقد بسط القول فيه جمع لا يُستهان بعدّتهم ؛ منهم :

١ ـ الحافظ ابن الجوزي المتوفّى (٥٩٧) ، في كتاب الوفا في فضائل المصطفى ، جعل فيه بابين في المقام : باب التوسّل بالنبيّ ، وباب الاستشفاء بقبره.

٢ ـ شمس الدين أبو عبد الله محمد بن النعمان المالكي المتوفّى (٦٨٣) ، في كتابه مصباح الظلام في المستغيثين بخير الأنام ، قال الخالدي في صلح الإخوان (١) : هو كتاب نفيس نحو عشرين كرّاساً ، وينقل عنه كثيراً السيّد نور الدين السمهودي في وفاء الوفا (٢) ، في الجزء الثاني في باب التوسّل بالنبيِّ الطاهر.

٣ ـ ابن داود المالكي الشاذلي ، ذكر في كتابه البيان والاختصار شيئا كثيراً ممّا وقع للعلماء والصلحاء من الشدائد ، فالتجأوا إلى النبيِّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فحصل لهم الفرج.

٤ ـ تقيِّ الدين السبكي المتوفّى (٧٥٦) : في شفاء السقام (٣)(ص ١٢٠ ـ ١٣٣).

٥ ـ السيّد نور الدين السمهودي المتوفّى (٩١١) : في وفاء الوفا (٤) (٢ / ٤١٩ ـ ٤٣١).

٦ ـ الحافظ أبو العبّاس القسطلاني المتوفّى (٩٢٣) : في المواهب اللدنيّة (٥).

٧ ـ أبو عبد الله الزرقاني المصري المالكي المتوفّى (١١٢٢) : في شرح المواهب (٨ / ٣١٧).

٨ ـ الخالد البغدادي المتوفّى (١٢٩٩) : في صلح الإخوان (٦) ، وهو أحسن ما

__________________

(١) صلح الإخوان : ص ٩١.

(٢) وفاء الوفا : ٤ / ١٣٧٥.

(٣) شفاء السقام : ص ١٦٠.

(٤) وفاء الوفا : ٤ / ١٣٧١ ـ ١٣٨٧.

(٥) المواهب اللدنيّة : ٤ / ٥٩٥.

(٦) صلح الإخوان : ص ١٢١.

٢١٤

أُلِّف في الموضوع ، فقد جمع شوارده في سبعين صحيفة ، وأفرد فيه رسالة ردّا على كلمة السيّد محمود الآلوسي في التوسّل بالنبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، طبعت في عشرين صحيفة بمطبعة نخبة الأخبار سنة (١٣٠٦).

٩ ـ العدوي الحمزاوي المتوفّى (١٣٠٣) : في كنز المطالب (ص ١٩٨).

١٠ ـ العزّامي الشافعي القضاعي : في فرقان القرآن (١) المطبوع مع الأسماء والصفات للبيهقي في (١٤٠) صحيفة ، وهو كتاب قيِّم أدّى للكلام حقّه.

(أُولئِكَ الَّذِينَ يَدْعُونَ يَبْتَغُونَ إِلى رَبِّهِمُ الْوَسِيلَةَ) (٢).

التبرّك بالقبر الشريف بالتزامٍ وتمريغٍ وتقبيل :

٢٦ ـ لم نجد في المقام قولاً بالحرمة لأحد من أعلام المذاهب الأربعة ممّن لهم ولآرائهم قيمة في المجتمع ؛ وإنّما القائل بالنهي عنه من أُولئك يراه تنزيهاً لا تحريماً ، ويقول بالكراهة مستنداً إلى زعم أنَّ الدنوّ من القبر الشريف يخالف حسن الأدب ، ويحسب أنّ البعد منه أليق به ، وليس من شأن الفقيه النابه أن يُفتي في دين الله بمثل هذه الاعتبارات التي لا تُبنى على أساس ، وتختلف باختلاف الأنظار والآراء.

نعم ؛ هناك أُناس (٣) شذّت عن شرعة الحقِّ وحكموا بالحرمة ، قولاً بلا دليل ، وتحكّماً بلا برهان ، ورأياً بلا بيّنة ، وهم معروفون في الملأ بالشذوذ ، لا يُعبأ بهم وبآرائهم.

فها نحن نقدِّم بين يدي القارئ ما يوقفه على الحقيقة ، ويُريه صواب الرأي ، وجَدد الطريق ؛ وعند جُهينة الخبر اليقين.

__________________

(١) فرقان القرآن : ص ١٢٥.

(٢) الإسراء : ٥٧.

(٣) هم ابن تيميّة ومن لفّ لفّه. (المؤلف)

٢١٥

١ ـ أخرج الحافظ ابن عساكر في التحفة ، من طريق طاهر بن يحيى الحسيني ، قال : حدّثني أبي ، عن جدِّي ، عن جعفر بن محمد ، عن أبيه ، عن عليّ ـ رضي الله تعالى عنه ـ قال :

لمّا رُمِس رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، جاءت فاطمة ـ رضي الله تعالى عنها ـ فوقفت على قبره صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وأخذت قبضةً من تراب القبر ووضعت على عينيها ، وبكت وأنشأت تقول :

ما ذا على من شمَّ تربةَ أحمدٍ

أن لا يشمَّ مدى الزمانِ غواليا

صُبَّتْ عليَّ مصائبٌ لو أنَّها

صُبَّتْ على الأيّامِ عُدنَ لياليا

ورواه (١) : ابن الجوزي في الوفاء ، وابن سيّد الناس في السيرة النبويّة (٢ / ٣٤٠) ، والقسطلاني في المواهب مختصراً ، والقاري في شرح الشمائل (٢ / ٢١٠) ، والشبراوي في الإتحاف (ص ٩) ، والسمهودي في وفاء الوفا (٢ / ٤٤٤) ، والخالدي في صلح الإخوان (ص ٥٧) ، والحمزاوي فى مشارق الأنوار (ص ٦٣) ، والسيّد أحمد زيني دحلان في السيرة النبويّة (٣ / ٣٩١) ، وعمر رضا كحالة في أعلام النساء (٣ / ١٢٠٥).

وذكر البيتين لها ـ سلام الله عليها ـ ابن حجر في الفتاوى الفقهيّة (٢ / ١٨) ، والخطيب الشربيني فى تفسيره (١ / ٣٤٩) ، والقسطلاني في إرشاد الساري (٢ / ٣٩٠).

٢ ـ عن أبي الدرداء قال : إنَّ بلالاً ـ مؤذِّن النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ـ رأى في منامه رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وهو يقول : ما هذه الجفوة يا بلال؟ أما آن لك أن تزورني يا بلال؟ فانتبه حزيناً وجلاً خائفاً ، فركب راحلته وقصد المدينة ، فأتى قبر النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فجعل

__________________

(١) الوفا في فضائل المصطفى : ص ٨١٩ ح ١٥٣٨ ، السيرة النبوية : ٢ / ٤٣٢ ، المواهب اللدنيّة : ٤ / ٥٦٣ ، الإتحاف بحب الأشراف : ص ٣٣ ، وفاء الوفا : ٤ / ١٤٠٥ ، مشارق الأنوار : ١ / ١٣٤ ، السيرة النبوية : ٢ / ٣١٠ ، أعلام النساء : ٤ / ١١٣ ، إرشاد الساري : ٣ / ٣٥٢.

٢١٦

يبكي عنده ويمرِّغ وجهه عليه ، فأقبل الحسن والحسين فجعل يضمّهما ويقبِّلهما. الحديث.

أخرجه (١) الحافظ ابن عساكر في تاريخ الشام مسنداً بطريق في موضعين ـ كما في شفاء السقام (ص ٣٩ و ٤٠) ـ في ترجمة إبراهيم بن محمد الأنصاري (٢ / ٢٥٦) وفي ترجمة بلال ، غير أنَّ مهذِّب الكتاب حذف الإسناد في الموضع الأوّل وأبقى المتن ، وأسقطه رأساً سنداً ومتناً في الثاني ، وقد أخطأ وأساء على الحديث وعلى الكتاب.

ورواه الحافظ أبو محمد عبد الغني المقدسي في الكمال في ترجمة بلال ، وأبو الحجّاج المزِّي في التهذيب ، والسبكي في شفاء السقام (ص ٣٩) وقال : روينا ذلك بإسناد جيّد ، ولا حاجة إلى النظر في الإسنادين اللذين رواه ابن عساكر بهما ـ وإن كان رجالهما معروفين مشهورين ـ ، وذكره ابن الأثير في أُسد الغابة (١ / ٢٠٨) ، والسمهودي في وفاء الوفا (٢ / ٤٠٨) وقال : سند جيّد ، و (ص ٤٤٣) وقال : إسناده جيّد ، والقسطلاني في المواهب اللدنيّة ، والخالدي في صلح الإخوان (ص ٥٧) ، والحمزاوي في مشارق الأنوار (ص ٥٧).

٣ ـ عن عليّ أمير المؤمنين عليه‌السلام قال : «قدم علينا أعرابيٌّ بعد ما دفنّا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بثلاثة أيّام ، فرمى بنفسه على قبر النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وحثا من ترابه على رأسه وقال : يا رسول الله قلت فسمعنا قولك ، ووعيت عن الله سبحانه فوعينا عنك ، وكان فيما أنزل عليك : (وَلَوْ أَنَّهُمْ إِذْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ جاؤُكَ) الآية. وقد ظلمتُ

__________________

(١) تاريخ مدينة دمشق : ٧ / ١٣٧ رقم ٤٩٣ ، وفي مختصر تاريخ دمشق : ٤ / ١١٨ ، ٥ / ٢٦٥ ، شفاء السقام : ص ٥٣ ، ٥٤ ، تهذيب الكمال : ٤ / ٢٨٩ رقم ٧٨٢ ، أُسد الغابة : ١ / ٢٤٤ رقم ٤٩٣ ، وفاء الوفا : ٤ / ١٣٥٦ و ١٤٠٥ ، مشارق الأنوار : ١ / ١٢١.

٢١٧

نفسي وجئتك تستغفر لي. فنودي من القبر : قد غفر لك». أخرجه (٢) :

١ ـ الحافظ أبو سعيد عبد الكريم السمعاني المتوفّى (٥٧٣).

٢ ـ الحافظ أبو عبد الله بن نعمان المالكي المتوفّى (٦٨٣) : في مصباح الظلام.

٣ ـ أبو الحسن عليّ بن إبراهيم بن عبد الله الكرخي.

٤ ـ الشيخ شعيب الحريفيش المتوفّى (٨٠١) : في الروض الفائق (٢ / ١٣٧).

٥ ـ السيّد نور الدين السمهودي المتوفّى (٩١١) : في وفاء الوفا (٢ / ٤١٢).

٦ ـ أبو العبّاس القسطلاني المتوفّى (٩٢٣) : في المواهب اللدنيّة.

٧ ـ الشيخ داود الخالدي المتوفّى (١٢٩٩) : في صلح الإخوان (ص ٥٤٠).

٨ ـ الشيخ حسن الحمزاوي المالكي المتوفّى (١٣٠٣) : في مشارق الأنوار (ص ٥٧).

٤ ـ عن داود بن أبي صالح قال : أقبل مروان يوماً فوجد رجلاً واضعاً وجهه ـ جبهته ـ على القبر ، فأخذ مروان برقبته ثمّ قال : هل تدري ما تصنع؟ فأقبل عليه فإذا أبو أيّوب الأنصاري ، فقال : نعم إنّي لم آتِ الحجر ، إنَّما جئت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، ولم آتِ الحجر ، سمعت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يقول : «لا تبكوا على الدين إذا وليه أهله ، ولكن ابكوا على الدين إذا وليه غير أهله».

أخرجه (٣) : الحاكم في المستدرك (٤ / ٥١٥) وصحّحه هو والذهبي في تلخيصه ، ورواه أبو الحسين يحيى بن الحسن الحسيني في أخبار المدينة ، بإسناد آخر عن المطلب بن عبد الله بن حنطب ، كما في شفاء السقام للسبكي (٤) (ص ١١٣). قال السبكي بعد حكايته : فإن صحَّ هذا الإسناد لم يكره مسُّ جدار القبر ، وإنَّما أردنا بذكره القدح في القطع بكراهة ذلك.

__________________

(٢) الروض الفائق : ص ٣٨٠ ، وفاء الوفا : ٤ / ١٣٩٩ ، المواهب اللدنيّة : ٤ / ٥٨٣ ، مشارق الأنوار : ١ / ١٢١.

(٣) المستدرك على الصحيحين : ٤ / ٥٦٠ ح ٨٥٧١ ، وكذا في تلخيصه.

(٤) شفاء السقام : ص ١٥٢.

٢١٨

وذكره السيّد نور الدين السمهودي في وفاء الوفا (١) (٢ / ٤١٠ ، ٤٤٣) نقلاً عن إمام الحنابلة أحمد ، قال : رأيته بخطّ الحافظ أبي الفتح المراغي المدني ، وأخرجه الحافظ الهيثمي في مجمع الزوائد (٤ / ٢) نقلاً عن أحمد.

قال الأميني : إنَّ هذا الحديث يعطينا خبراً بأنَّ المنع عن التوسّل بالقبور الطاهرة إنّما هو من بدع الأمويّين وضلالاتهم منذ عهد الصحابة ، ولم تسمع أُذن الدنيا قطُّ صحابيّا ينكر ذلك غير وليد بيت أُميّة مروان الغاشم ، نعم ؛ الثور يحمي أنفه برَوقه (٢) ، نعم ؛ بعلّة الوَرَشَان يأكُلُ رُطَبَ المشان (٣) ، نعم ؛ لبني أُميّة عامّة ولمروان خاصّة ضغينة على رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم منذ يوم لم يُبقِ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في الأُسرة الأمويّة حرمةً إلاّ هتكها ، ولا ناموساً إلاّ مزّقه ، ولا ركناً إلاّ أباده ، وذلك بوقيعته صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فيهم وهو (وَما يَنْطِقُ عَنِ الْهَوى * إِنْ هُوَ إِلاَّ وَحْيٌ يُوحى * عَلَّمَهُ شَدِيدُ الْقُوى) (٤) فقد صحَّ عنه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قوله :

«إذا بلغت بنو أُميّة أربعين اتَّخذوا عباد الله خولاً ، ومال الله نحلاً ، وكتاب الله دغلاً».

وصحَّ عنه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قوله : «إذا بلغ بنو أبي العاص ثلاثين رجلاً اتّخذوا دين الله دغلاً ، وعباد الله خولاً ، ومال الله دولاً».

وصحَّ عنه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قوله : «إنّي أُريت في منامي كأنَّ بني الحكم بن أبي العاص ينزون على منبري كما تنزو القردة». قال : فما رُؤي النبيُّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم مستجمعاً ضاحكاً حتى توفّي.

__________________

(١) وفاء الوفا : ٤ / ١٣٥٩ و ١٤٠٤.

(٢) روق الثور : قرنُه.

(٣) مثل يضرب لمن يظهر شيئاً ، والمراد منه شيء آخر. الوَرَشان : طائر أخفّ من الحمام. المشان : نوع من التمر. لسان العرب : ١٥ / ٢٧١.

(٤) النجم : ٣ ـ ٥.

٢١٩

وصحَّ عنه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قوله ـ لمّا استأذن الحكم بن أبي العاص عليه ـ : «عليه لعنة الله وعلى من يخرج من صلبه إلاّ المؤمن منهم وقليل ما هم ، يَشرُفون في الدنيا ويضعون في الآخرة ، ذوو مكر وخديعة ، يُعطَون في الدنيا وما لهم في الآخرة من خلاق».

وصحَّ عنه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قوله لمّا أُدخل عليه مروان بن الحكم «هو الوزغ ابن الوزغ ، الملعون ابن الملعون».

وصحَّ عن عائشة قولها : إنَّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال : «لعن الله أبا مروان ومروان في صلبه ، فمروان فضض (١) من لعنة الله عزّ وجلّ».

وصحَّ عن عبد الله بن الزبير : أنَّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لعن الحكم وولده (٢). فحقيق على مروان أن يُري الأُمّة الإسلاميّة أنّه يحامي عن التوحيد وقد رام أن يخذِّلها عن نبيِّها ويصغِّره عندها ، وكيف يروقه نبيٌّ كان هذا هتافه فيه وفي أبيه وجدِّه وأصله وشجرته؟ تلك الشجرة الملعونة التي اجتثّت من فوق الأرض ما لها من قرار.

فلا يحقُّ لمسلم أن يحذو حذو تلك الأُمّة الملعونة ويقول بقولهم ويتّخذ برأيهم ، ويتّبع إثر أُولئك الرجال الذين اتّخذوا دين الله دغلاً ، وعباد الله خولاً ، وكتاب الله حولاً.

٥ ـ عن أبي خيثمة ، زهير بن حرب الثقة المأمون المتوفّى (٢٣٤) قال : حدّثنا مصعب بن عبد الله ، حدّثنا إسماعيل بن يعقوب التيمي قال : كان ابن المنكدر (٣) يجلس

__________________

(١) الفَضَض : كلّ ما انقطع من شيءٍ أو تفرّق ، والمراد أنّه قطعة من لعنة الله وطائفة منها.

(٢) هذه الأحاديث أخرجها جمع من الحفّاظ بطرقهم ، وقد جمعها الحاكم وصحّحها في المستدرك : ٤ / ٤٧٩ ـ ٤٨٢ [٤ / ٥٢٦ ح ٨٤٧٧]. (المؤلف)

(٣) محمد بن المنكدر القرشي التيمي أبو عبد الله المدني ، أحد الأئمّة الأعلام من التابعين توفّي (١٣٠). (المؤلف)

٢٢٠