الغدير في الكتاب والسنّة والأدب - ج ٥

الشيخ عبد الحسين أحمد الأميني النجفي

الغدير في الكتاب والسنّة والأدب - ج ٥

المؤلف:

الشيخ عبد الحسين أحمد الأميني النجفي


المحقق: مركز الغدير للدّراسات الإسلاميّة
الموضوع : العقائد والكلام
الناشر: مركز الغدير للدراسات الإسلامية
المطبعة: فروردين
الطبعة: ١
الصفحات: ٧١٢

١ ـ الحافظ سعيد بن منصور النسائي أبو عثمان الخراساني المتوفّى (٢٢٧).

٢ ـ الحافظ أبو القاسم الطبراني المتوفّى (٣٦٠).

٣ ـ الحافظ أبو أحمد بن عدي المتوفّى (٣٦٥).

٤ ـ الحافظ أبو الشيخ الأنصاري المتوفّى (٣٦٩).

٥ ـ الحافظ أبو الحسن الدارقطني المتوفّى (٣٨٥).

٦ ـ الحافظ أبو بكر البيهقي المتوفّى (٤٥٨).

٧ ـ القاضي عياض المالكي المتوفّى (٥٤٤).

٨ ـ قاضي القضاة الخفاجي الحنفي المتوفّى (١٠٦٢) : في شرح الشفاء (٣ / ٥٦٥) ، نقله عن البيهقي والدارقطني والطبراني وابن منصور.

٩ ـ زين الدين عبد الرؤوف المناوي المتوفّى (١٠٣١) : في كنوز الحقائق (ص ١٤١) بلفظ : «من زار قبرى بعد موتي».

١٠ ـ العجلوني المتوفّى (١١٦٢) : في كشف الخفاء (٢ / ٢٥١) ، نقلاً عن أبي الشيخ والطبراني وابن عدي والبيهقي.

ـ ١٥ ـ

عن ابن عبّاس مرفوعاً : «من حجَّ إلى مكّة ثمّ قصدني في مسجدي كتبت له حجّتان مبرورتان».

أخرجه (١) الديلمي في مسنده ، كما في وفاء الوفا (٢ / ٤٠١) ونيل الأوطار (٤ / ٣٢٦).

__________________

(١) وفاء الوفا : ٤ / ١٣٤٧ ، نيل الأوطار : ٥ / ١٠٩.

١٦١

ـ ١٦ ـ

عن رجل من آل الخطّاب مرفوعاً : «من زارني متعمِّداً كان في جواري يوم القيامة ، ومن مات في أحد الحرمين بعثه الله في الآمنين ـ من الآمنين ـ». وزاد الشحامي عقب قوله ـ يوم القيامة ـ : «ومن سكن المدينة وصبر على بلائها كنت له شهيدا وشفيعاً يوم القيامة». روي بإسنادٍ فيه من الحفّاظ (١) :

١ ـ الحافظ أبو جعفر العقيلي المتوفّى (٣٢٢).

٢ ـ الحافظ أبو الحسن الدارقطني المتوفّى (٣٨٥).

٣ ـ الحافظ أبو عبد الله الحاكم المتوفّى (٤٠٥).

٤ ـ الحافظ أبو بكر البيهقي المتوفّى (٤٥٨) : في شعب الإيمان.

٥ ـ الحافظ ابن عساكر الدمشقي المتوفّى (٥٧١).

٦ ـ الحافظ أبو محمد عبد المؤمن الدمياطي المتوفّى (٧٠٥) : وأخرجه من طريق هؤلاء الحفّاظ.

٧ ـ وليّ الدين الخطيب العمري التبريزي في مشكاة المصابيح المؤلَّف (٧٣٧) في باب حرم المدينة في الفصل الثالث.

٨ ـ تقيّ الدين السبكي المتوفّى (٧٥٦) : في شفاء السقام (ص ٢٤) ، وقال : مرسل جيّد ، ورواه عنه السيّد نور الدين السمهودي في وفاء الوفا (٢ / ٣٩٩).

__________________

(١) الضعفاء الكبير : ٤ / ٣٦٢ رقم ١٩٧٣ ، سنن الدارقطني : ٢ / ٢٧٨ ح ١٩٣ ، شعب الإيمان : ٣ / ٤٨٨ ح ٤١٥٢ ، مختصر تاريخ دمشق : ٢ / ٤٠٦ ، مشكاة المصابيح : ٢ / ١٢٨ ح ٢٧٥٥ ، وفاء الوفا ٤ / ١٣٤٣.

١٦٢

ـ ١٧ ـ

عن عبد الله بن عمر مرفوعاً : «من زارني إلى المدينة كنت له شهيداً وشفيعاً». أخرجه (١) الحافظ الدارقطني بإسناده في السنن كما في وفاء الوفا (٢ / ٣٩٨).

ـ ١٨ ـ

رُوي عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال : «من وجد سعةً ولم يفد ـ يغد ـ إليَّ فقد جفاني». ذكره (٢) ابن فرحون في مناسكه ، والغزالي في الإحياء (١ / ٢٤٦) ، والقسطلاني في المواهب اللدنيّة ، والعجلوني في كشف الخفاء (٢ / ٢٧٨).

ـ ١٩ ـ

قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «من زارني بعد وفاتي وسلّم عليَّ رددتُ عليه‌السلام عشراً ، وزاره عشرة من الملائكة ، كلّهم يسلّمون عليه ، ومن سلّم عليَّ في بيته ردَّ الله تعالى عليَّ روحي حتى أُسلّم عليه».

ذكره الشيخ شعيب الحريفيش المتوفّى (٨٠١) في الروض الفائق (٣) (٢ / ١٣٧).

ـ ٢٠ ـ

عن أبي عبد الله محمد بن العلاء قال : دخلت المدينة وقد غلب عليَّ الجوع فزرت قبر النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وسلّمت عليه وعلى الشيخين وقلت : يا رسول الله جئت

__________________

(١) سنن الدارقطني : ٢ / ٢٧٨ ح ١٩٤ ، وفاء الوفا : ٤ / ١٣٤٢.

(٢) إحياء علوم الدين : ١ / ٢٣١ ، المواهب اللدنيّة : ٤ / ٥٧١.

(٣) الروض الفائق : ص ٣٨٠.

١٦٣

وبي من الفاقة والجوع مالا يعلمه إلاّ الله وأنا ضيفك في هذه الليلة ، ثمّ غلبني النوم فرأيت النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في المنام فأعطاني رغيفاً فأكلت نصفه ، ثمّ انتبهت من المنام وفي يدي نصفه الآخر ، فتحقّق عندي قول النبيِّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «من رآني في المنام فقد رآني حقّا ؛ فإنَّ الشيطان لا يتمثّل بي».

ثمّ نوديت : «يا أبا عبد الله لا يزور قبري أحد إلاّ غُفر له ونال شفاعتي غداً».

ذكره الشيخ شعيب الحريفيش في الروض الفائق (١) (٢ / ١٣٨) فقال في المعنى :

من زارَ قبرَ محمدٍ

نالَ الشفاعةَ في غدِ

بالله كرِّر ذكرَهُ

وحديثَهُ يا منشدي

واجعل صلاتَكَ دائماً

جهراً عليهِ تهتدي

فهو الرسولُ المصطفى

ذو الجودِ والكفِّ الندي

وهو المشفَّعُ في الورى

من هولِ يوم الموعدِ

والحوضُ مخصوصٌ به

في الحشرِ عذبُ الموردِ

صلّى عليه ربّنا

ما لاح نجمُ الفرقدِ

 ـ ٢١ ـ

مرفوعاًعنه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «لا عذر لمن كان له سعة من أُمّتي ولم يزرني».

رواه الشيخ عبد الرحمن شيخ زاده في مجمع الأنهر في شرح ملتقى الأبحر (١ / ١٥٧) ، وعدّه من أدلّة الباب من دون غمز فيه.

ـ ٢٢ ـ

عن أمير المؤمنين عليّ عليه‌السلام : «من زار قبر رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كان في جواره».

__________________

(١) الروض الفائق : ص ٣٨١.

١٦٤

أخرجه (١) : ابن عساكر كما في نيل الأوطار للشوكاني (٤ / ٣٢٦).

(فَلَعَلَّكَ باخِعٌ نَفْسَكَ عَلى آثارِهِمْ إِنْ لَمْ يُؤْمِنُوا بِهذَا الْحَدِيثِ أَسَفاً) (٢).

(فَبِأَيِّ حَدِيثٍ بَعْدَهُ يُؤْمِنُونَ) (٣).

كلمات أعلام المذاهب الأربعة

حول زيارة النبيّ الأقدس صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وهي [اثنتان و] أربعون كلمة

١ ـ قال أبو عبد الله الحسين بن الحسن الحليمي الجرجاني الشافعي المتوفّى (٤٠٣) في كتابه المنهاج في شعب الإيمان (٤) بعد ذكر جملة من تعظيم النبي : فأمّا اليوم فمن تعظيمه زيارته.

٢ ـ قال أبو الحسن أحمد بن محمد المحاملي الشافعي المتوفّى (٤٢٥) في التجريد : ويستحبُّ للحاج إذا فرغ من مكّة أن يزور قبر النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم.

٣ ـ قال القاضي أبو الطيّب طاهر بن عبد الله الطبري المتوفّى (٤٥٠) : ويستحبّ أن يزور النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بعد أن يحجَّ ويعتمر.

٤ ـ قال أقضى القضاة أبو الحسن الماوردي المتوفّى (٤٥٠) في الأحكام السلطانيّه (٥) (ص ١٠٥):

فإذا عاد ـ وليُّ الحاجِّ ـ سار بهم على طريق المدينة لزيارة قبر رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم

__________________

(١) مختصر تاريخ دمشق : ٢ / ٤٠٦ ، نيل الأوطار : ٥ / ١٠٩.

(٢) الكهف : ٦.

(٣) الأعراف : ١٨٥.

(٤) المنهاج في شعب الإيمان : ٢ / ١٣٠.

(٥) الأحكام السلطانيّة : ٢ / ١٠٩.

١٦٥

ليجمع لهم بين حجّ بيت الله وزيارة قبر رسول الله ، رعايةً لحرمته وقياماً بحقوق طاعته ، وذلك وإن لم يكن من فروض الحجِّ فهو من مندوبات الشرع المستحبّة ، وعبادات الحجيج المستحسنة.

وقال في الحاوي : أمّا زيارة قبر النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فمأمور بها ومندوب إليها.

٥ ـ حكى عبد الحقّ بن محمد الصقيلي المتوفّى (٤٦٦) في كتابه تهذيب الطالب ، عن الشيخ أبي عمران المالكي أنَّه قال : إنَّما كره مالك أن يُقال : زرنا قبر النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ؛ لأنَّ الزيارة من شاء فعلها ومن شاء تركها ، وزيارة قبر النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم واجبة.

قال عبد الحقِّ : يعني من السنن الواجبة (في المدخل ١ / ٢٥٦) يريد وجوب السنن المؤكّدة.

٦ ـ قال أبو إسحاق إبراهيم بن محمد الشيرازي الفقيه الشافعي المتوفّى (٤٧٦) في المهذّب (١) : ويستحبُّ زيارة قبر رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم.

٧ ـ قال أبو الخطّاب محفوظ بن أحمد الكلوذاني الفقيه البغدادي الحنبلي المتوفّى (٥١٠) في كتاب الهداية : وإذا فرغ من الحجِّ استحبّ له زيارة قبر النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وقبر صاحبيه.

٨ ـ قال القاضي عياض المالكي المتوفّى (٥٤٤) في الشفاء (٢) : وزيارة قبره صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم سنّة مجمع عليها ، وفضيلة مرغّب فيها. ثمّ ذكر عدّة من أحاديث الباب فقال :

قال إسحاق بن إبراهيم الفقيه : وممّا لم يزل من شأن من حجَّ المِزور (٣) بالمدينة

__________________

(١) المهذّب : ١ / ٢٣٣.

(٢) الشفا بتعريف حقوق المصطفى : ٢ / ١٩٤.

(٣) قيل بكسر الميم وسكون الزاي وفتح الواو ، مصدر ميمي بمعنى الزيارة. شرح الشفا للخفاجي [٣ / ٥١٥]. (المؤلف)

١٦٦

والقصد إلى الصلاة في مسجد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، والتبرّك برؤية روضته ومنبره وقبره ومجلسه وملامس يديه ومواطن قدميه والعمود الذي استند إليه ومنزل جبريل بالوحي فيه عليه ، ومن عمّره وقصده من الصحابة وأئمّة المسلمين ، والاعتبار بذلك كلّه.

٩ ـ قال ابن هبيرة المتوفّى (٥٦٠) ، في كتاب اتِّفاق الأئمّة : اتّفق مالك والشافعي وأبو حنيفة وأحمد بن حنبل رحمهم‌الله تعالى على أنَّ زيارة النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم مستحبّة. المدخل لابن الحاجّ (١ / ٢٥٦).

١٠ ـ عقد الحافظ ابن الجوزي الحنبلي المتوفّى (٥٩٧) في كتابه مثير الغرام الساكن إلى أشرف الأماكن ، باباً في زيارة قبر النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وذكر حديثي ابن عمر وأنس المذكورين في أحاديث الباب.

١١ ـ قال أبو محمد عبد الكريم بن عطاء الله المالكي المتوفّى (٦١٢) في مناسكه : فصل : إذا كمل لك حجّك وعمرتك على الوجه المشروع لم يبق بعد ذلك إلاّ إتيان مسجد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم للسلام على النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، والدعاء عنده والسلام على صاحبيه والوصول إلى البقيع وزيارة ما فيه من قبور الصحابة والتابعين ، والصلاة في مسجد الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، فلا ينبغي للقادر على ذلك تركه.

١٢ ـ قال أبو عبد الله محمد بن عبد الله بن الحسين السامري الحنبلي ـ المعروف بابن أبي سنينة ـ المتوفّى (٦١٦) في كتاب المستوعب ، باب زيارة قبر الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : وإذا قدم مدينة الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم استحبَّ له أن يغتسل لدخولها. ثمّ ذكر أدب الزيارة ، وكيفيّة السلام والدعاء والوداع.

١٣ ـ قال الشيخ موفّق الدين عبد الله بن أحمد بن قدامة المقدسي الحنبلي المتوفّى (٦٢٠) في كتابه المغني (١) : فصل : يستحبُّ زيارة قبر النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، ثمّ ذكر حديثي

__________________

(١) شرح مختصر الخرقي في فروع الحنابلة [٦ / ٥٨٨] ، تأليف الشيخ أبي القاسم عمر الحنبليّ المتوفّى (٣٣٤) ، والشرح المذكور من أعظم كتب الحنابلة التي يعتمدون عليها. (المؤلف)

١٦٧

ابن عمر وأبي هريرة من طريق الدارقطني وأحمد.

١٤ ـ قال محيي الدين النووي الشافعي المتوفّى حدود (٦٧٧) في المنهاج (١) المطبوع بهامش شرحه المغني (١ / ٤٩٤) : ويسنُّ شرب ماء زمزم وزيارة قبر رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بعد فراغ الحجّ.

١٥ ـ قال نجم الدين بن حمدان الحنبلي المتوفّى (٦٩٥) في الرعاية الكبرى في الفروع الحنبليّة : ويسنّ لمن فرغ عن نسكه زيارة قبر النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وقبر صاحبيه ، وله ذلك بعد فراغ حجِّه وإن شاء قبل فراغه.

١٦ ـ قال القاضي الحسين : إذا فرغ من الحجّ فالسنّة أن يقف بالملتزم ويدعو ، ثمّ يشرب من ماء زمزم ، ثمّ يأتي المدينة ويزور قبر النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم. الشفاء.

١٧ ـ قال القاضي أبو العبّاس أحمد السروجي الحنفي المتوفّى (٧١٠) في الغاية : إذا انصرف الحاجّ والمعتمرون من مكّة فليتوجّهوا إلى طيبة مدينة رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وزيارة قبره ؛ فإنَّها من أنجح المساعي.

١٨ ـ قال الإمام القدوة ابن الحاجّ محمد بن محمد العبدري القيرواني المالكي المتوفّى (٧٣٧) في المدخل ، في فصل زيارة القبور (١ / ٢٥٧) : وأمّا عظيم جناب الأنبياء والرسل ـ صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين ـ فيأتي إليهم الزائر ، ويتعيّن عليه قصدهم من الأماكن البعيدة ، فإذا جاء إليهم فليتّصف بالذلّ والانكسار والمسكنة والفقر والفاقة والحاجة والاضطرار والخضوع ، ويحضر قلبه وخاطره إليهم وإلى مشاهدتهم بعين قلبه لا بعين بصره ؛ لأنَّهم لا يبلون ولا يتغيّرون ، ثمّ يثني على الله تعالى بما هو أهله ، ثمّ يصلّي عليهم ويترضّى على أصحابهم ، ثمّ يترحّم على التابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين ، ثمّ يتوسّل إلى الله تعالى بهم في قضاء مآربه

__________________

(١) المنهاج : ١ / ٥١١.

١٦٨

ومغفرة ذنوبه ، ويستغيث بهم ، ويطلب حوائجه منهم ، ويجزم بالإجابة ببركتهم ويقوّي حسن ظنّه في ذلك ، فإنَّهم باب الله المفتوح ، وجرت سنّته سبحانه وتعالى بقضاء الحوائج على أيديهم وبسببهم ، ومن عجز عن الوصول فليرسل بالسلام عليهم ، ويذكر ما يحتاج إليه من حوائجه ومغفرة ذنوبه وستر عيوبه إلى غير ذلك ؛ فإنَّهم السادة الكرام ، والكرام لا يردُّون من سألهم ولا من توسّل بهم ولا من قصدهم ولا من لجأ إليهم.

هذا الكلام في زيارة الأنبياء والمرسلين عليهم الصلاة والسلام عموماً. ثمّ قال :

فصل : وأمّا في زيارة سيّد الأوّلين والآخرين ـ صلوات الله عليه وسلامه ـ فكلُّ ما ذكر يزيد عليه أضعافه أعني في الانكسار والذلّ والمسكنة ؛ لأنَّه الشافع المشفَّع الذي لا تردُّ شفاعته ، ولا يخيب من قصده ، ولا من نزل بساحته ، ولا من استعان أو استغاث به ، إذ إنّه ـ عليه الصلاة والسلام ـ قطب دائرة الكمال وعروس المملكة ـ إلى أن قال ـ :

فمن توسّل به ، أو استغاث به ، أو طلب حوائجه منه ، فلا يردُّ ولا يخيب لما شهدت به المعاينة والآثار ، ويحتاج إلى الأدب الكلّي في زيارته عليه الصلاة والسلام ، وقد قال علماؤنا رحمة الله عليهم : إنَّ الزائر يشعر نفسه بأنَّه واقف بين يديه عليه الصلاة والسلام كما هو في حياته ، إذا لا فرق بين موته وحياته ـ أعني في مشاهدته لأمّته ومعرفته بأحوالهم ونيّاتهم وعزائمهم وخواطرهم ـ ذلك عنده جليٌّ لا خفاء فيه ـ إلى أن قال ـ :

فالتوسّل به ـ عليه الصلاة والسلام ـ هو محلّ حطّ أحمال الأوزار ، وأثقال الذنوب والخطايا ؛ لأنَّ بركة شفاعته ـ عليه الصلاة والسلام ـ وعظمها عند ربّه لا يتعاظمها ذنب إذ إنّها أعظم من الجميع ، فليستبشر من زاره ، وليلجأ إلى الله تعالى بشفاعة نبيّه ـ عليه الصلاة والسلام ـ من لم يزره ، اللهمّ لا تحرمنا من شفاعته بحرمته

١٦٩

عندك آمين ربّ العالمين ، ومن اعتقد خلاف هذا فهو المحروم ، ألم يسمع قول الله : (وَلَوْ أَنَّهُمْ إِذْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ جاؤُكَ فَاسْتَغْفَرُوا اللهَ وَاسْتَغْفَرَ لَهُمُ الرَّسُولُ) (١) الآية؟ فمن جاءه ووقف ببابه وتوسّل به وجد الله توّاباً رحيماً ؛ لأنَّ الله منزَّه عن خلف الميعاد ، وقد وعد سبحانه وتعالى بالتوبة لمن جاءه ووقف ببابه وسأله واستغفر ربّه ، فهذا لا يشكُّ فيه ولا يرتاب إلاّ جاحد للدين معاند لله ولرسوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، نعوذ بالله من الحرمان.

١٩ ـ ألّف الشيخ تقيّ الدين السبكي الشافعي المتوفّى (٧٥٦) كتاباً حافلاً في زيارة النبيّ الأعظم في (١٨٧) صحيفة ، وأسماه شفاء السقام في زيارة خير الأنام ردّا على ابن تيميّة ، وذكر كثيراً من أحاديث الباب ، ثمّ جعل باباً في نصوص العلماء من المذاهب الأربعة على استحبابها ، وأن ذلك مجمع عليه بين المسلمين. وقال (٢) في (ص ٤٨):

لا حاجة إلى تتبّع كلام الأصحاب في ذلك مع العلم بإجماعهم وإجماع سائر العلماء عليه ، والحنفيّة قالوا : إنَّ زيارة قبر النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم من أفضل المندوبات والمستحبّات ، بل تقرب من درجة الواجبات ، وممّن صرّح بذلك أبو منصور محمد بن مكرم الكرماني في مناسكه ، وعبد الله بن محمود بن بلدجي في شرح المختار ، وفي فتاوى أبي الليث السمرقندي في باب أداء الحجّ.

وقال في (ص ٥٩) : كيف يتخيّل في أحد من السلف منعهم من زيارة المصطفى صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وهم مجمعون على زيارة سائر الموتى ، وسنذكر ذلك وما ورد من الأحاديث والآثار في زيارتهم.

وحكى في (ص ٦١) عن القاضي عياض وأبي زكريّا النووي إجماع العلماء والمسلمين على استحباب الزيارة.

__________________

(١) النساء : ٦٤.

(٢) شفاء السقام : ص ٦٤ ، ٧٩ ، ٨٢ ، ٨٥.

١٧٠

وقال (ص ٦٢) : وإذا استحبَّ زيارة قبر غيره صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، فقبره أولى لما له من الحقّ ووجوب التعظيم ، فإن قلت : الفرق ـ يعني بين زيارة قبر النبيّ وغيره ـ أنَّ غيره يُزار للاستغفار له لاحتياجه إلى ذلك ، كما فعل النبيُّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في زيارته أهل البقيع ، والنبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم مستغنٍ عن ذلك. قلتُ : زيارته صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إنَّما هي لتعظيمه والتبرّك به ، ولتنالنا الرحمة بصلاتنا وسلامنا عليه ، كما أنّا مأمورون بالصلاة عليه والتسليم وسؤال الوسيلة وغير ذلك ممّا يعلم أنَّه حاصل له صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بغير سؤالنا ؛ ولكنَّ النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أرشدنا إلى ذلك لنكون بدعائنا له متعرِّضين للرحمة التي رتّبها الله على ذلك.

فإن قلت : الفرق أيضاً أنَّ غيره لا يُخشى فيه محذور وقبره صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يُخشى الإفراط في تعظيمه أن يُعبد. قلت : هذا كلام تقشعرُّ منه الجلود ، ولولا خشية اغترار الجهّال به لما ذكرته ، فإنّ فيه تركاً لما دلّت عليه الأدلّة الشرعيّة بالآراء الفاسدة الخياليّة ، وكيف تقدم على تخصيص قوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «زوروا القبور»؟ وعلى ترك قوله : «من زار قبري وجبت له شفاعتي»؟ وعلى مخالفة إجماع السلف والخلف بمثل هذا الخيال الذي لم يشهد به كتاب ولا سنّة؟ بخلاف النهي عن اتّخاذه مسجداً ، وكون الصحابة احترزوا عن ذلك المعنى المذكور ؛ لأنَّ ذلك قد ورد النهي فيه ، وليس لنا أن نشرِّع أحكاماً من قبلنا (أَمْ لَهُمْ شُرَكاءُ شَرَعُوا لَهُمْ مِنَ الدِّينِ ما لَمْ يَأْذَنْ بِهِ اللهُ) (١) فمن منع زيارة قبر النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فقد شرع من الدين ما لم (٢) يأذن به الله ، وقوله مردود عليه ، ولو فتحنا باب هذا الخيال الفاسد لتركنا كثيراً من السنن بل ومن الواجبات.

والقرآن كلّه والإجماع المعلوم من الدين بالضرورة ، وسيرة الصحابة والتابعين وجميع علماء المسلمين والسلف الصالحين على وجوب تعظيم النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم والمبالغة في ذلك. ومن تأمّل القرآن العزيز وما تضمّنه من التصريح والإيماء إلى وجوب المبالغة

__________________

(١) الشورى : ٢١.

(٢) من هنا إلى قوله : ما يجب من الأدب. ساقط من الطبعة الثانية وأثبتناه من الطبعة الأولى.

١٧١

في تعظيمه وتوقيره والأدب معه ، وما كانت الصحابة يعاملونه به من ذلك ، امتلأ قلبه إيماناً ، واحتقر هذا الخيال الفاسد ، واستنكف أن يصغي إليه والله تعالى هو الحافظ لدينه ، ومن يهدِ الله فهو المهتدي ، ومن يضلل فلا هادي له ، وعلماء المسلمين متكفّلون بأن يبيّنوا للناس ما يجب من الأدب والتعظيم والوقوف عند الحدّ الذي لا يجوز مجاوزته بالأدلّة الشرعيّة ، وبذلك يحصل الأمر من عبادة غير الله تعالى ، ومن أراد الله ضلاله من أفراد من الجهّال فلن يستطيع أحد هدايته ، فمن ترك شيئاً من التعظيم المشروع لمنصب النبوّة زاعماً بذلك الأدب مع الربوبيّة فقد كذب على الله تعالى وضيّع ما أمر به في حقّ رسله ، كما أنَّ من أفرط وجاوز الحدّ إلى جانب الربوبيّة فقد كذب على رسل الله وضيّع ما أمروا به في حقّ ربّهم سبحانه وتعالى ، والعدل حفظ ما أمر الله به في الجانبين ، وليس في الزيارة المشروعة من التعظيم ما يفضي إلى محذور.

وعقد (١) في (ص ٧٥ ـ ٨٧) باباً في كون السفر إلى الزيارة قربةً ، وبسط القول فيه وأثبته بالكتاب والسنّة والإجماع والقياس ، واستدلَّ عليه من الكتاب بقوله تعالى : (وَلَوْ أَنَّهُمْ إِذْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ جاؤُكَ فَاسْتَغْفَرُوا اللهَ وَاسْتَغْفَرَ لَهُمُ الرَّسُولُ لَوَجَدُوا اللهَ تَوَّاباً رَحِيماً) (٢). بتقريب صدق المجيء وعدم الفرق بين حياته صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ومماته.

ومن السنّة بعموم قوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «من زار قبري» ، وصريح صحيحة ابن السكن : «من جاءني زائراً لا تعمله حاجة إلاّ زيارتي» ، وبما دلَّ من السنّة على خروج النبيّ من المدينة لزيارة القبور ، وإذا جاز الخروج إلى القريب جاز إلى البعيد ، فقد ثبت في الصحيح خروجه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إلى البقيع (٣) بأمر من الله تعالى وتعليم

__________________

(١) شفاء السقام : ص ١٠٠ ـ ١١٧.

(٢) النساء : ٦٤.

(٣) أخرجه مسلم في صحيحه [٢ / ٣٦٣ ح ١٠٢ كتاب الجنائز]. (المؤلف)

١٧٢

عائشة كيفيّة السلام على أهل البقيع ، وخروجه إلى قبور الشهداء (١). ثمّ قال :

الرابع : الإجماع لإطباق السلف والخلف ، فإنَّ الناس لم يزالوا في كلّ عام ، إذا قضوا الحجّ ، يتوجّهون إلى زيارته صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، ومنهم من يفعل ذلك قبل الحجّ ، هكذا شاهدناه وشاهده من قبلنا ، وحكاه العلماء عن الأعصار القديمة كما ذكرناه في الباب الثالث. وذلك أمر لا يُرتاب فيه ، وكلّهم يقصدون ذلك ويعرجون إليه وإن لم يكن طريقهم ، ويقطعون فيه مسافة بعيدة وينفقون فيه الأموال ويبذلون فيه المهج ، معتقدين أنَّ ذلك قربة وطاعة ، وإطباق هذا الجمع العظيم من مشارق الأرض ومغاربها على ممرّ السنين وفيهم العلماء والصلحاء وغيرهم يستحيل أن يكون خطأ ، وكلّهم يفعلون ذلك على وجه التقرّب به إلى الله ، ومن تأخّر عنه من المسلمين ، فإنَّما يتأخّر بعجز أو تعويق المقادير مع تأسّفه عليه وودِّه لو تيسّر له ، ومن ادّعى أنَّ هذا الجمع العظيم مجمعون على خطأ فهو المخطئ.

٢٠ ـ قال زين الدين أبو بكر بن الحسين بن عمر القريشي العثماني المصري المراغي المتوفّى (٨١٦) في تحقيق النصرة في تاريخ دار الهجرة (٢) :

وينبغي لكلّ مسلم اعتقاد كون زيارته صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قربةً عظيمةً ؛ للأحاديث الواردة في ذلك ، ولقوله تعالى (وَلَوْ أَنَّهُمْ إِذْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ جاؤُكَ فَاسْتَغْفَرُوا اللهَ وَاسْتَغْفَرَ لَهُمُ الرَّسُولُ). الآية. لأنّ تعظيمه لا ينقطع بموته ، ولا يقال : إنَّ استغفار الرسول لهم إنَّما هو في حياته وليست الزيارة كذلك ، لِما أجاب به بعض الأئمّة المحقِّقين أنَّ الآية دلّت على تعليق وجدان الله تعالى توّاباً رحيماً بثلاثة أمور : المجيء ، واستغفارهم ، واستغفار الرسول لهم. وقد حصل استغفار الرسول لجميع المؤمنين ؛ لأنَّه قد استغفر

__________________

(١) أخرجه أبو داود في سننه : ١ / ٣١٩ [٢ / ٢١٨ ح ٢٠٤٣]. (المؤلف)

(٢) تحقيق النصرة في تاريخ دار الهجرة : ص ١٠٢.

١٧٣

للجميع ، قال الله تعالى : (وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِناتِ) (١) فإذا وجد مجيئهم واستغفارهم كملت الأُمور الثلاثة الموجبة لتوبة الله تعالى ورحمته. المواهب اللدنيّة للقسطلاني (٢).

٢١ ـ قال السيّد نور الدين السمهودي المتوفّى (٩١١) في وفاء الوفا (٣) (٢ / ٤١٢) بعد ذكر أحاديث الباب :

وأمّا الإجماع : فأجمع العلماء على استحباب زيارة القبور للرجال ، كما حكاه النووي بل قال بعض الظاهريّة بوجوبها ، وقد اختلفوا في النساء ، وقد امتاز القبر الشريف بالأدلّة الخاصّة به كما سبق ، قال السبكي : ولهذا أقول إنَّه لا فرق في زيارته صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بين الرجال والنساء. وقال الجمال الريمي في التقفية : يُستثنى ـ أي من محلّ الخلاف ـ قبر النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وصاحبيه ؛ فإنَّ زيارتهم مستحبّة للنساء بلا نزاع ، كما اقتضاه قولهم في الحجّ : يُستحبّ لمن حجَّ أن يزور قبرَ النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وحينئذ فيقال معاياةً : قبور يستحبُّ زيارتها للنساء بالاتِّفاق ، وقد ذكر ذلك بعض المتأخِّرين وهو الدمنهوري الكبير ، وأضاف إليه قبور الأولياء والصالحين والشهداء. ثمّ بسط القول في أنَّ السفر للزيارة قربة كالزيارة نفسها.

٢٢ ـ قال الحافظ أبو العبّاس القسطلاني المصري المتوفّى (٩٢٣) في المواهب اللدنيّة (٤) ـ الفصل الثاني في زيارة قبره الشريف ومسجده المنيف ـ : اعلم أنَّ زيارة قبره الشريف من أعظم القربات وأرجى الطاعات والسبيل إلى أعلى الدرجات ، ومن اعتقد غير هذا فقد انخلع من ربقة الإسلام ، وخالف الله ورسوله وجماعة العلماء الأعلام.

__________________

(١) محمد : ١٩.

(٢) المواهب اللدنيّة : ٤ / ٥٧٢.

(٣) وفاء الوفا : ٤ / ١٣٦٢.

(٤) المواهب اللدنيّة : ٤ / ٥٧٠.

١٧٤

وقد أطلق بعض المالكيّة ، وهو أبو عمران الفاسي ـ كما ذكره في المدخل (١) عن تهذيب الطالب لعبد الحقّ ـ : أنَّها واجبة. قال : ولعلّه أراد وجوب السنن المؤكّدة ، وقال القاضي عياض (٢) : إنَّها من سنن المسلمين مجمع عليها وفضيلة مرغَّب فيها.

ثمّ ذكر جملةً من الأحاديث الواردة في زيارته صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فقال : وقد أجمع المسلمون على استحباب زيارة القبور كما حكاه النووي (٣) ، وأوجبها الظاهريّة ، فزيارته صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم مطلوبة بالعموم والخصوص كما سبق ، ولأنَّ زيارة القبور تعظيم ، وتعظيمه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم واجب ، ولهذا قال بعض العلماء : لا فرق في زيارته صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بين الرجال والنساء ، وإن كان محل الإجماع على استحباب زيارة القبور للرجال ، وفي النساء خلاف ، الأشهر في مذهب الشافعي الكراهة.

قال ابن حبيب من المالكيّة : ولا تدع زيارة قبره صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم والصلاة في مسجده ؛ فإنَّ فيه من الرغبة ما لا غنى بك ولا بأحد عنه ، وينبغي لمن نوى الزيارة أن ينوي مع ذلك زيارة مسجده الشريف والصلاة فيه ، لأنَّه أحد المساجد الثلاثة التي لا تشدّ الرحال إلاّ إليها ، وهو أفضلها عند مالك ، وليس لشدّ الرحال إلى غير المساجد الثلاثة فضل ؛ لأنَّ الشرع لم يجئ به ، وهذا الأمر لا يدخله قياس ؛ لأنّ شرف البقعة إنَّما يُعرف بالنصّ الصريح عليه ، وقد ورد النصُّ في هذه دون غيرها.

وقد صحَّ أنّ عمر بن عبد العزيز كان يبرد البريد للسلام على النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فالسفر إليه قربة لعموم الأدلّة. ومن نذر الزيارة وجبت عليه كما جزم به ابن كج من أصحابنا ، وعبارته : إذا نذر زيارة قبر النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لزمه الوفاء وجهاً واحداً. انتهى. إلى أن قال :

وللشيخ تقيّ الدين ابن تيميّة هنا كلام شنيع عجيب يتضمّن منع شدِّ الرحال

__________________

(١) المدخل : ١ / ٢٥٦.

(٢) الشفا بتعريف حقوق المصطفى : ٢ / ١٩٤.

(٣) شرح صحيح مسلم : ٧ / ٤١.

١٧٥

للزيارة النبويّة ، وأنَّه ليس من القرب بل يضدُّ ذلك ، وردَّ عليه الشيخ تقيّ الدين السبكي في شفاء السقام فشفى صدور المؤمنين.

٢٣ ـ ذكر شيخ الإسلام أبو يحيى زكريّا الأنصاري الشافعي المتوفّى (٩٢٥) : في أسنى المطالب شرح روض الطالب ـ لشرف الدين إسماعيل بن المقري اليمني ـ (١ / ٥٠١) ما يستحبّ لمن حجَّ وقال : ثمّ يزور قبر النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ويسلِّم عليه وعلى صاحبيه بالمدينة المشرّفة. ثمّ ذكر شطراً من أدلّتها وجملة من آداب الزيارة.

٢٤ ـ قال ابن حجر الهيتمي المكي الشافعي المتوفّى (٩٧٣) (١) في كتابه الجوهر المنظّم في زيارة القبر المكرّم (ص ١٢) ـ طبع سنة (١٢٧٩) بمصر ـ بعد ما استدلَّ على مشروعيّة زيارة قبر النبيّ بعدّة أدلّة ، منها الإجماع : فإن قلت : كيف تحكي الإجماع على مشروعيّة الزيارة والسفر إليها وطلبها وابن تيميّة ـ من متأخِّري الحنابلة ـ منكر لمشروعيّة ذلك كلّه كما رآه السبكي في خطِّه؟ وقد أطال ابن تيميّة الاستدلال لذلك بما تمجّه الأسماع ، وتنفر عنه الطباع ، بل زعم حرمة السفر لها إجماعاً وأنَّه لا تقصّر فيه الصلاة ، وأنّ جميع الأحاديث الواردة فيها موضوعة ، وتبعه بعض من تأخّر عنه من أهل مذهبه.

قلت : من هو ابن تيميّة حتى يُنظر إليه أو يُعوَّل في شيء من أُمور الدين عليه؟ وهل هو إلاّ كما قال جماعة من الأئمّة الذين تعقّبوا كلماته الفاسدة وحججه الكاسدة ، حتى أظهروا عوار سقطاته وقبائح أوهامه وغلطاته ، كالعزّ بن جماعة : عبد أضلّه الله تعالى وأغواه ، وألبسه رداء الخزي وأرداه ، وبوّأه من قوّة الافتراء والكذب ما أعقبه الهوان وأوجب له الحرمان. ولقد تصدّى شيخ الإسلام وعالم الأنام المجمع على جلالته واجتهاده وصلاحه وإمامته التقيُّ السبكيُّ ـ قدّس الله روحه ونوّر ضريحه ـ للردِّ عليه في تصنيف مستقلّ أفاد فيه وأجاد ، وأصاب ، وأوضح بباهر حججه طريق الصواب. ثمّ قال :

__________________

(١) المشهور أنّ وفاته في الثالث والعشرين من رجب سنة (٩٧٤) إلاّ ما كان في البدر الطالع للشوكاني ، فإنّه أرّخ وفاته سنة (٩٧٣).

١٧٦

هذا وما وقع من ابن تيميّة ممّا ذكر وإن كان عثرة لا تُقال أبداً ، ومصيبة يستمرُّ شؤمها سرمداً ، وليس بعجيب فإنَّه سوّلت له نفسه وهواه وشيطانه أنَّه ضرب مع المجتهدين بسهم صائب ، وما درى المحروم أنَّه أتى بأقبح المعائب ، إذ خالف إجماعهم في مسائل كثيرة ، وتدارك على أئمّتهم سيّما الخلفاء الراشدين باعتراضات سخيفة شهيرة ، حتى تجاوز إلى الجناب الأقدس المنزَّه سبحانه عن كلِّ نقص والمستحقِّ لكل كمال أنفس ، فنسب إليه الكبائر والعظائم ، وخرق سياج عظمته بما أظهره للعامّة على المنابر من دعوى الجهة والتجسيم ، وتضليل من لم يعتقد ذلك من المتقدِّمين والمتأخِّرين ، حتى قام عليه علماء عصره وألزموا السلطان بقتله أو حبسه وقهره ، فحبسه إلى أن مات ، وخمدت تلك البدع ، وزالت تلك الضلالات ، ثمّ انتصر له اتباع لم يرفع الله لهم رأساً ، ولم يظهر لهم جاهاً ولا بأساً ، بل ضُربت عليهم الذلّة والمسكنة وباءوا بغضب من الله ذلك بما عصوا وكانوا يعتدون.

٢٥ ـ قال الشيخ محمد الخطيب الشربيني المتوفّى (٩٧٧) ، في مغني المحتاج (١)) (١ / ٣٥٧ : ومحلّ هذه الأقوال (٢) في غير زيارة قبر سيّد المرسلين ، أمّا زيارته فمن أعظم القربات للرجال والنساء ، وألحق الدمنهوري به قبور بقيّة الأنبياء والصالحين والشهداء ، وهو ظاهر وإن قال الأذرعي : لم أره للمتقدِّمين ، قال ابن شهبة : فإن صحَّ ذلك فينبغي أن يكون زيارة قبر أبويها وإخوتها وسائر أقاربها كذلك فإنَّهم أولى بالصلة من الصالحين. انتهى. والأولى عدم إلحاقهم بهم لما تقدّم من تعليل الكراهة (٣).

وقال (٤) في (ص ٤٩٤) بعد بيان مندوبيّة زيارة قبره الشريف صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وذكر جملة

__________________

(١) مغني المحتاج : ١ / ٣٦٥.

(٢) يعني الأقوال في زيارة القبور للنساء من الندب والكراهة والحرمة والإباحة. (المؤلف)

(٣) من أنّها مظنّة لطلب بكائهنّ ورفع أصواتهنّ لما فيهنّ من رقّة القلب وكثرة الجزع. قال الأميني : هذا التعليل عليل جدّا ، كما يأتي بيانه في كلمة ابن حجر في زيارة القبور. (المؤلف)

(٤) مغني المحتاج : ١ / ٥١٢.

١٧٧

من أدلّتها : ليس المراد اختصاص طلب الزيارة بالحجِّ ؛ فإنَّها مندوبة مطلقاً كما مرَّ بعد حجّ أو عمرة أو قبلهما أو لا مع نسك ؛ بل المراد ـ يعني من قول المصنِّف بعد فراغ الحجِّ ـ تأكّد الزيارة فيها لأمرين أحدهما : أنَّ الغالب على الحجيج الورود من آفاق بعيدة ، فإذا قربوا من المدينة يقبح تركهم الزيارة. والثاني : لحديث «من حجَّ ولم يزرني فقد جفاني».

رواه ابن عدي في الكامل (١) ، وغيره. وهذا يدلُّ على أنَّه يتأكّد للحاجّ أكثر من غيره ، وحكم المعتمر حكم الحاجّ في تأكّد ذلك.

٢٦ ـ قال الشيخ زين الدين عبد الرؤوف المناوي المتوفّى (١٠٣١) في شرح الجامع الصغير (٦ / ١٤٠) : وزيارة قبره صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم الشريف من كمالات الحجِّ ، بل زيارته عند الصوفيّة فرض وعندهم الهجرة إلى قبره كهي إليه حيّا. قال الحكيم : زيارة قبر المصطفى صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم هجرة المضطرّين هاجروا إليه فوجدوه مقبوضاً فانصرفوا ، فحقيق أن لا يخيِّبهم ، بل يوجب لهم شفاعة تقيم حرمة زيارتهم.

وقال في شرح الحديث الأوّل المذكور (ص ٩٣) : إنَّ أثر الزيارة إمّا الموت على الإسلام مطلقاً لكل زائر ، وإمّا شفاعة تخصُّ الزائر أخصَّ من العامّة ، وقوله : «شفاعتي» في الإضافة إليه تشريف لها ؛ إذ الملائكة وخواصُّ البشر يشفعون ، فللزائر نسبة خاصّة ، فيشفع هو فيه بنفسه ، والشفاعة تعظم بعظم الزائر.

٢٧ ـ جعل الشيخ حسن بن عمار الشرنبلالي في مراقي الفلاح بإمداد الفتّاح (٢) ، فصلاً في زيارة النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وقال : زيارة النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم من أفضل القربات وأحسن المستحبّات ، تقرب من درجة ما لزم من الواجبات ، فإنَّه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم حرّض عليها وبالغ في الندب إليها ، فقال : «من وجد سعةً فلم يزرني فقد جفاني». وقال صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «من

__________________

(١) الكامل في ضعفاء الرجال : ٧ / ١٤ رقم ١٩٥٦.

(٢) مراقي الفلاح : ص ١٠٥.

١٧٨

زار قبري وجبت له شفاعتي». وقال صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «من زارني بعد مماتي فكأنَّما زارني في حياتي» إلى غير ذلك من الأحاديث ، وممّا هو مقرّر عند المحقِّقين أنّه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم حيٌّ يُرزَق ممتّع بجميع الملاذِّ والعبادات ، غير أنّه حجب عن أبصار القاصرين عن شرف المقامات ، ورأينا أكثر الناس غافلين عن أداء حقِّ زيارته وما يسنُّ للزائر من الجزئيّات والكليّات ، أحببنا أن نذكر بعد المناسك وآدابها ما فيه نبذة من الآداب تتميماً لفائدة الكتاب. ثمّ ذكر شيئاً كثيراً من آداب الزائر والزيارة كما يأتي.

٢٨ ـ وقال قاضي القضاة شهاب الدين الخفاجي الحنفي المصري المتوفّى (١٠٦٩) في شرح الشفا (٢) (٣ / ٥٦٦) : واعلم أنَّ هذا الحديث (٣) هو الذي دعا ابن تيميّة ومن معه كابن القيّم إلى مقالته الشنيعة التي كفّروه بها ، وصنّف فيها السبكي مصنّفاً مستقلاّ ، وهي منعه من زيارة قبر النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وشدّ الرحال إليه ، وهو كما قيل :

لمهبطِ الوحي حقّا ترحلُ النجبُ

وعند ذاك المرجّى ينتهي الطلبُ

فتوهّم أنَّه حمى جانب التوحيد بخرافات لا ينبغي ذكرها ، فإنَّها لا تصدر عن عاقل فضلاً عن فاضل سامحه الله تعالى.

وأمّا قوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «لا تتّخذوا قبري عيداً». فقيل : كره الاجتماع عنده في يوم معيّن على هيئة مخصوصة. وقيل : المراد لا تزوره في العام مرّة فقط بل أكثروا الزيارة له (٤) ، وأمّا احتماله للنهي عنها فهو ـ بفرض أنّه المراد ـ محمول على حالة مخصوصة ؛ أي لا تتّخذوه كالعيد في العكوف عليه وإظهار الزينة عنده وغيره ، مما يُجتمَع له في الأعياد ، بل لا يُؤتى إلاّ للزيارة والسلام والدعاء ثمّ ينصرف.

__________________

(٢) نسيم الرياض في شرح الشفا : ٣ / ٥١٤.

(٣) حديث شدّ الرحال إلى المساجد. (المؤلف)

(٤) هذا المعنى ذكره غير واحد من أعلام القوم. (المؤلف)

١٧٩

وقال (١) في صحيفة (٥٧٧) في شرح حديث : «لا تجعلوا قبري عيداً» : أي كالعيد باجتماع الناس ، وقد تقدّم تأويل الحديث ، وأنَّه لا حجّة فيه لما قاله ابن تيميّة وغيره ؛ فإنَّ إجماع الأُمّة على خلافه يقتضي تفسيره بغير ما فهموه ؛ فإنّه نزعة شيطانيّة.

٢٩ ـ قال الشيخ عبد الرحمن شيخ زاده المتوفّى (١٠٧٨) في مجمع الأنهر في شرح ملتقى الأبحر (١ / ١٥٧) : من أحسن المندوبات ، بل يقرب من درجة الواجبات ، زيارة قبر نبيّنا وسيّدنا محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وقد حرّض عليه‌السلام على زيارته ، وبالغ في الندب إليها بمثل قوله عليه‌السلام : «من زار قبري». فذكر ستّة من أحاديث الباب ، ثمّ قال : فإن كان الحجُّ فرضاً فالأحسن أن يبدأ به إذا لم يقع فيه طريق الحاجّ المدينة المنوّرة ثمّ يثني بالزيارة ، فإذا نواها فلينو معها زيارة مسجد الرسول عليه‌السلام. ثمّ ذكر جملةً كبيرةً من آداب الزائر.

٣٠ ـ قال الشيخ محمد بن عليّ بن محمد الحصني المعروف بعلاء الدين الحصكفي الحنفي ، المفتي بدمشق المتوفّى (١٠٨٨) في الدرّ المختار في شرح تنوير الأبصار (٢) ـ في آخر كتاب الحج ـ : وزيارة قبره صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم مندوبة بل قيل واجبة لمن له سعة ، ويبدأ بالحجّ لو فرضاً ويخيّر لو نفلاً ما لم يمرّ به ، فيبدأ بزيارته لا محالة ، ولينوِ معه زيارة مسجده صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم.

٣١ ـ قال أبو عبد الله محمد بن عبد الباقي الزرقاني المالكي المصري المتوفّى (١١٢٢) في شرح المواهب (٨ / ٢٩٩) : قد كانت زيارته مشهورةً في زمن كبار الصحابة معروفةً بينهم ، لمّا صالح عمر بن الخطّاب أهل بيت المقدس جاءه كعب الأحبار فأسلم ، ففرح به وقال : هل لك أن تسير معي إلى المدينة وتزور قبره صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وتتمتّع بزيارته؟ قال : نعم.

__________________

(١) نسيم الرياض في شرح الشفا : ٣ / ٥٢٣.

(٢) الدرّ المختار : ص ١٩٠.

١٨٠