شرح ألفيّة ابن مالك

ابن ناظم

شرح ألفيّة ابن مالك

المؤلف:

ابن ناظم


الموضوع : اللغة والبلاغة
المطبعة: مطبعة القديس جاورجيوس
الطبعة: ٠
الصفحات: ٣٥٥

فيصير بها متعديا ان كان لازما كقولك في جلس زيد أجلست زيدا ويزداد مفعولا ان كان متعديا كقولك في لبس زيد جبة ألبست زيدا جبة ومن ذلك قولهم في رأى المتعدية الى مفعولين وفي علم اختها ارى الله زيدا عمرا فاضلا واعلم الله بشرا اخاك كريما فعدوا الفعل بسبب الهمزة الى ثلاثة مفاعيل الاول هو الذي كان فاعلا قبل والثاني والثالث هما اللذان كانا مبتداء وخبرا في الاصل ولهما ما لمفعولي علم من جواز كون ثانيهما مفردا وجملة وظرفا ومن امتناع حذفهما او حذف احدهما الا بقرينة كما اذا دل على الحذف دليل او قيد الفعل بالظرف او نحوه او قصد به التجدد والى هذا كله الاشارة بالاطلاق في قوله وما لمفعولي علمت مطلقا البيت

وإن تعدّيا لواحد بلا

همز فلاثنين به توصّلا

والثّان منهما كثان اثني كسا

فهو به في كلّ حكم ذو ائتسا

تكون علم بمعنى عرف ورأى بمعنى ابصر فيتعدى كل واحد منهما الى مفعول واحد ثم تدخل عليهما همزة النقل فيتعديان بها الى مفعولين الثاني منهما كثاني المفعولين من نحو كسوت زيدا جبة في انه غير الاول في المعنى وانه يجوز الاقتصار عليه وعلى الاول تقول اعلمت اخاك الخبر وأريت عبد الله الهلال فالخبر غير الاخ والهلال غير عبد الله كما ان الجبة غير زيد ولك ان تقتصر على المفعول الثاني نحو اعلمت الخبر وأريت الهلال ولك ان تقتصر على المفعول الاول نحو اعلمت اخاك وأريت عبد الله كما يجوز مثل ذلك في كسوت ونحوه

وكأرى السّابق نبّا أخبرا

حدّث أنبأ كذاك خبّرا

الاصل في نبّأ وأنبأ وأخبر وخبّر وحدّث تعديتها الى مفعول واحد بأنفسها والى آخر بحرف جرّ نحو انبأت زيدا بكذا واخبرته بالامر وقد يتعدى الى اثنين باسقاط الجارّ كقوله تعالى. (قالَتْ مَنْ أَنْبَأَكَ هذا.) وقد يتضمن معنى ارى المتعدي الى ثلاثة مفاعيل فتعمل عمله نحو نبأ الله زيدا عمرا فاضلا وخبرت زيدا اخاك كريما وحدّثت عبد الله بكرا جالسا ولم يثبت ذلك سيبويه الّا لنبأ ومن نعديته الى ثلاثة مفاعيل قول النابغة الذبياني

نبئت زرعة والسفاهة كاسمها

يهدي اليّ غرائب الاشعار

فالتاء مفعول اول قائم مقام الفاعل وزرعة مفعول ثان والسفاهة كاسمها اعتراض

٨١

ويهدي مفعول ثالث وجاز كونه جملة لانه خبر مبتدا في الاصل وألحق ابو علي بنبأ انبأ وألحق بهما السيرافي خبّر وأخبر وحدث ومن شواهد ذلك قول الشاعر انشده ابن خروف

وأنبئت قيسا ولم أبله

كما زعموا خير اهل اليمن

وقول الآخر

وخبرت سوداء الغميم مريضة

فاقبلت من اهلي بمصر اعودها

وقول الآخر

وما عليك اذا اخبرتني دنفا

وغاب بعلك يوما ان تعوديني

وقول الآخر هو الحارث بن حلزة اليشكري

او منعتم ما تسئلون فمن حدّ

ثتموه له علينا العلاء

(الفاعل)

ألفاعل الّذي كمرفوعي أتى

زيد منيرا وجهه نعم الفتى

اعلم ان الافعال كلها ما خلا النواقص على ضربين احدهما ان يأتي على طريقة فعل يفعل نحو ضرب يضرب ودحرج يدحرج والآخر ان يأتي على طريقة فعل يفعل نحو ضرب يضرب ودحرج يدحرج وكلا الضربين يجب اسناده الى اسم مرفوع متأخر لكن الاول يسند الى الفاعل والثاني يسند الى المفعول به او ما يقوم مقامه ويجري مجرى الافعال في الاسناد الى اسم مرفوع متأخر الصفات نحو ضارب وحسن ومكرم والمصادر المقصود بها قصد افعالها من افادة معنى التجدد نحو اعجبني ضربك زيدا ودقّ الثوب القصار الّا ان اسناد الصفات واجب واسناد المصادر جائز وكلا النوعين منه ما يجري مجرى فعل الفاعل ومنه ما يجري مجرى فعل المفعول واذ قد عرفت هذا فتقول الفاعل هو الاسم المسند اليه فعل مقدم على طريقة فعل او يفعل او اسم يشبهه فالاسم يشمل الصريح نحو قام زيد والمؤل نحو بلغني انك ذاهب والمسند اليه فعل مخرج لما لم يسند اليه كالمفعول والمسند اليه غير الفعل وشبهه كقولك خزّ ثوبك وذهب مالك وقولي مقدم مخرج لما تأخر الفعل عنه كزيد من قولك زيد قام فانه مبتدأ والفاعل ضمير مستكن في الفعل وقولي على طريقة فعل او يفعل مخرج لما اسند اليه فعل المفعول نحو ضرب زيد ويكرم عمرو وقولي او اسم يشبهه مدخل لنحو زيد من

٨٢

قولك مررت برجل ضاربه زيد فانه فاعل لانه اسم اسند اليه اسم مقدم يشبه فعلا على طريقة يفعل لأن ضاربا في معنى يضرب ومخرج لنحو عمرو من قولك مررت برجل مضروب عنده عمرو لان المسند اليه لا يشبه فعلا على طريقة يفعل انما يشبه فعلا على طريقة يفعل ألا ترى أن قولك مضروب عنده عمرو بمنزلة قولك يضرب عنده عمرو وقد اشار بقوله الفاعل الذي كمرفوعي اتى البيت الى القيود المذكورة كانه قال الفاعل ما كان كزيد من قولك اتى زيد في كونه اسما اسند اليه فعل مقدم على طريقة فعل او كان كوجهه من قولك منيرا وجهه في كونه اسما اسند اليه اسم مقدم يشبه فعلا على طريقة يفعل ويشمل ذلك فاعل المصدر نحو اعجبني دق الثوب القصار فانه مثل فاعل الوصف في كونه اسما مسند اليه اسم مقدم يشبه فعلا على طريقة فعل لان المعنى اعجبني ان دق الثوب القصار

وبعد فعل فاعل فإن ظهر

فهو وإلّا فضمير استتر

الفاعل كالجزء من الفعل لان الفعل يفتقر اليه معنى واستعمالا فلم يجز تقديم الفاعل عليه كما لم يجز تقديم عجز الكلمة على صدرها فان وقع الاسم قبل الفعل فهو مبتدأ معرض لتسلط نواسخ الابتداء عليه وفاعل الفعل ضمير بعده مطابق للاسم السابق فان كان لمثنى او مجموع برز نحو الزيدان قاما والزيدون قاموا والهندات قمن وان كان لمفرد استتر مذكرا كان او مؤنثا نحو زيد قام وهند خرجت التقدير زيد قام هو وهند خرجت هي وقوله فان ظهر فهو والّا فضمير استتر يعني فان ظهر بعد الفعل ما هو مسند اليه في المعنى فهو الفاعل سواء كان اسما ظاهرا نحو قام زيد او ضميرا بارزا نحو الزيدان قاما وان لم يظهر كما في نحو زيد قام وجب كونه ضميرا مستترا في الفعل لان الفعل لا يخلو عن الفاعل ولا يتأخر عنه

وجرّد الفعل إذا ما أسندا

لاثنين أو جمع كفاز الشّهدا

وقد يقال سعدا وسعدوا

والفعل للظّاهر بعد مسند

اللغة المشهورة ان الف الاثنين وواو الجمع ونون الاناث اسماء مضمرة ومن العرب من يجعلها حروفا دالة على مجرد التثنية والجمع فعلى اللغة الاولى اذا اسند الفعل الى الفاعل الظاهر وهو مثنى او مجموع جرّد من الالف والواو والنون كقولك سعد اخواك وفاز الشهداء وقام الهندات لانها اسماء فلا يلحق شيء منها الفعل الّا مسندا اليه ومع

٨٣

اسناد الفعل الى الظاهر لا يصح فيه ذلك لان الفعل لا يسند مرتين وعلى اللغة الثانية اذا اسند الفعل الى الظاهر لحقه الالف في التثنية والواو في جمع المذكر والنون في جمع المؤنث نحو سعدا اخواك وسعدوا اخوتك وقمن الهندات لانها حروف فلحقت الافعال مع ذكر الفاعل علامة على التثنية والجمع كما تلحق التاء علامة على التأنيث ومما جاء على هذه اللغة قولهم اكلوني البراغيث وقوله صلى‌الله‌عليه‌وسلم. يتعاقبون فيكم ملائكة بالليل وملائكة بالنهار. وقول الشاعر

تولّى قتال المارقين بنفسه

وقد اسلماه مبعد وحميم

وقول الآخر

رأين الغواني الشيب لاح بعارضي

فاعرضن عني بالخدود النواضر

ومن النحويين من يحمل ما ورد من ذلك على انه خبر مقدم ومبتداء مؤخر ومنهم من يحمله على ابدال الظاهر من المضمر وكلا المحملين غير ممتنع فيما سمع من غير اصحاب اللغة المذكورة ولا يجوز حمل جميع ما جاء من ذلك على الابدال او التقديم والتاخير لأن أئمة اللغة اتفقوا على أن قوما من العرب يجعلون الالف والواو والنون علامات للتثنية والجمع كانهم بنوا ذلك على ان من العرب من يلتزم مع تاخير الاسم الظاهر الالف في فعل الاثنين والواو في فعل جمع المذكر والنون في فعل جمع المؤنث فوجب ان تكون عند هولاء حروفا وقد لزمت للدلالة على التثنية والجمع كما قد تلزم التاء للدلالة على التأنيث لانها لو كانت اسما للزم اما وجوب الابدال او التقديم والتاخير واما اسناد الفعل مرتين وكل ذلك باطل لا يقول به احد

ويرفع الفاعل فعل أضمرا

كمثل زيد في جواب من قرا

يضمر فعل الفاعل المذكور جوازا او وجوبا فيضمر جوازا اذا استلزمه فعل قبله او اجيب به نفي او استفهام ظاهر او مقدر فما استلزمه فعل قبله قول الراجز

اسقى الاله عدوات الوادي

وجوفه كل ملث غادي

كل اجشّ حالك السواد

فرفع كل اجش بسقى مضمرا لاستلزام اسقى اياه ومن المجاب به نفي كقولك بلى زيد لمن قال ما قام احد التقدير بلى قام زيد ومن المجاب به استفهام ظاهر قولك زيد لمن قال من قرأ التقدير قرأ زيد ومن المجاب به استفهام مقدر قولك يكتب لي القرآن زيد ترفع زيدا بفعل مضمر لان قولك يكتب لي القرآن مما يحرّك السامع للاستفهام

٨٤

عن كاتبه فنزلت ذلك منزلة الواقع وجئت بزيد مرتفعا بفعل مضمر جوابا لذلك الاستفهام والتقدير يكتبه لي زيد ومثله قراءة ابن عامر وشعبة. (يُسَبِّحُ لَهُ فِيها بِالْغُدُوِّ وَالْآصالِ رِجالٌ.) والمعنى يسبحه رجال وقول الشاعر

ليبك يزيد ضارع لخصومة

ومختبط مما تطيح الطوائح

كانه لما قال ليبك يزيد قيل له من يبكيه فقال ضارع على معنى يبكيه ضارع ويضمر فعل الفاعل وجوبا اذا فسر بما بعد الفاعل من فعل مسند الى ضميره او ملابسه نحو قوله تعالى. (وَإِنْ أَحَدٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجارَكَ.) وهلّا زيد قام ابوه التقدير وان استجارك احد من المشركين استجارك وهلا لابس زيد قام ابوه الّا انه لا يتكلم به لان الفعل الظاهر كالبدل من اللفظ بالفعل المضمر فلم يجمع بينهما

وتاء تأنيث تلي الماضي إذا

كان لأنثى كأبت هند الأذى

اذا اسند الفعل الماضي الى مؤنث لحقته تاء ساكنة تدل على تأنيث فاعله وكان حقها ان لا تلحقه لان معناها في الفاعل الّا أن الفاعل لما كان كجزء من الفعل جاز أن يدل على معنى فيه ما اتصل بالفعل كما جاز أن يتصل بالفاعل علامة رفع الفعل في يفعلان ويفعلون وتفعلين والحاق هذه التاء على ضربين واجب وجائز وقد نبه على ذلك بقوله

وإنّما تلزم فعل مضمر

متّصل أو مفهم ذات حر

وقد يبيح الفصل ترك التّاء في

نحو أتى القاضي بنت الواقف

والحذف مع فصل بإلّا فضّلا

كما زكا إلّا فتاة ابن العلا

المؤنث ينقسم الى قسمين حقيقي التأنيث وهو ما كان من الحيوان بازائه ذكر كامرأة ونعجة واتان والى مجازي التأنيث وهو ما سوى الحقيقي كدار ونار وشمس فاذا اسند الفعل الماضي الى مؤنث لزمته التاء اذا كان المسند اليه اما ضميرا متصلا حقيقي التأنيث كهند قامت او مجازيه كالشمس طلعت واما ظاهرا حقيقي التأنيث غير مفصول ولا مقصود به الجنس نحو قامت هند وان كان المسند اليه ظاهرا مجازي التأنيث نحو طلعت الشمس او مفصولا عن الفعل نحو اتت اليوم هند او مقصودا به الجنس نحو نعمت المرأة حفصة وبئست المرأة عمرة جاز حذف التاء وثبوتها ويختار الثبوت ان كان مجازي التأنيث غير مفصول او كان حقيقي التأنيث مفصولا بغير

٨٥

الّا نحو اتت القاضي فلانة وقد يقال اتى القاضي فلانة قال الشاعر

انّ امراء غرّه منكنّ واحدة

بعدي وبعدك في الدنيا لمغرور

ويختار الحذف ان كان الفصل بالّا او قصد الجنس لان في الفصل بالّا يكون الفعل مسندا في المعنى الى مذكر فحمل على المعنى غالبا تقول (ما زكا الّا فتاة ابن العلا) فتذكر الفعل لان المعنى مازكا شيء او احد الّا فتاة ابن العلا وقد يقال مازكت الّا فتاة ابن العلا نظرا الى ظاهر اللفظ كما قال الشاعر (وما بقيت الّا الضلوع الجراشع) واذا قلت نعم المرأة او بئس المرأة فلانة فالمسند اليه مقصود به الجنس على سبيل المبالغة في المدح والذم فاعطي فعله حكم المسند الى اسماء الاجناس المقصود بها الشمول وتساوي التاء في اللزوم وعدمه تاء مضارع الغائبة ونون التأنيث الحرفية

والحذف قد يأتي بلا فصل ومع

ضمير ذي المجاز في شعر وقع

والتّاء مع جمع سوى السّالم من

مذكّر كالتّاء مع إحدى اللّبن

والحذف في نعم الفتاة استحسنوا

لأنّ قصد الجنس فيه بيّن

حذف التاء من الماضي المسند الى الظاهر الحقيقيّ التأنيث غير المفصول لغة حكى سيبويه ان بعض العرب يقول قال فلانة فيحذف التاء مع كون الفاعل ظاهرا متصلا حقيقيّ التانيث وقد يستباح حذفها من الفعل المسند الى ضمير مجازيّ التأنيث لضرورة الشعر كقول الشاعر

فلا مزنة ودقت ودقها

ولا ارض أبقل ابقالها

وقوله والتاء مع جمع سوى السالم البيت تنبيه على ان حكم الفعل المسند الى جمع غير المذكر السالم حكم المسند الى الواحد المجازيّ التأنيث تقول قامت الرجال وقام الرجال فالتأنيث على تأويلهم بالجماعة والتذكير على تأويلهم بالجمع وتقول قامت الهندات وقام الهندات بثبوت التاء وحذفها لان تأنيث الجموع مجازي يجوز اخلاء فعله من العلامة ولا يجوز اعتبار التانيث في نحو مسلمين لان سلامة نظمه تدل على التذكير واما البنون فيجري مجرى جمع التكسير لتغير نظم واحده تقول قام البنون وقامت البنون كما تقول جاء الرجال وجاءت الرجال وقوله والحذف في نعم الفتاة استحسنوا البيت قد تقدم الكلام عليه

والأصل في الفاعل أن يتّصلا

والأصل في المفعول أن ينفصلا

٨٦

وقد يجاء بخلاف الأصل

وقد يجي المفعول قبل الفعل

قد تقدم أن الفاعل كالجزء من الفعل فلذلك كان حقه أن يتصل بالفعل وحق المفعول الانفصال عنه نحو ضرب زيد عمرا وكثيرا ما يتوسع في الكلام بتقدم المفعول على الفاعل وقد يتقدم على الفعل نفسه فالاول نحو ضرب زيدا عمرو والثاني نحو زيدا ضرب عمرو ومثله قوله تعالى. (فَرِيقاً هَدى وَفَرِيقاً حَقَّ عَلَيْهِمُ الضَّلالَةُ.)

وتقديم المفعول على الفاعل على ثلاثة اقسام جائز وواجب وممتنع وقد نبه على الوجوب والامتناع بقوله

وأخّر المفعول إن لبس حذر

أو أضمر الفاعل غير منحصر

وما بإلّا أو بإنّما انحصر

أخّر وقد يسبق إن قصد ظهر

وشاع نحو خاف ربّه عمر

وشذّ نحو زان نوره الشّجر

اذا خيف التباس الفاعل بالمفعول لعدم ظهور الاعراب وعدم القرينة وجب تقديم الفاعل نحو اكرم موسى عيسى وزارت سعدى سلمى فلو وجدت قرينة تبين بها الفاعل من المفعول جاز تقديم المفعول نحو ضرب سعدى موسى واضنت سلمى الحمى واذا اضمر الفاعل ولم يقصد حصره وجب تقديمه وتأخير المفعول نحو اكرمتك وأهنت زيدا فلو قصد حصره وجب تأخيره نحو ما ضرب زيدا الّا انت وكل ما قصد حصره استحق التأخير فاعلا كان او مفعولا سواء كان الحصر بإنما او بالّا نحو انما ضرب زيد عمرا وما ضرب زيد الّا عمرا هذا على قصد الحصر في المفعول فلو قصد الحصر في الفاعل لقيل انما ضرب عمرا زيد وما ضرب عمرا الّا زيد واجاز الكسائي تقديم المحصور بالّا لان المعنى مفهوم معها سواء قدم المحصور او اخر بخلاف المحصور بانما فانه لا يعلم حصره الّا بالتاخير ووافق ابن الانباري الكسائي في تقديم المحصور اذا لم يكن فاعلا وانشد لمجنون بني عامر

تزودت من ليلى بتكليم ساعة

فما زاد الّا ضعف ما بي كلامها

والى نحو ذا الاشارة بقوله وقد يسبق ان قصد ظهر قوله وشاع نحو خاف ربه عمر يعني انه قد كثر تقديم المفعول الملبس بضمير الفاعل عليه ولم يبال بعود الضمير على متأخر في الذكر لانه متقدم في النية فلو كان الفاعل ملتبسا بضمير المفعول وجب

٨٧

عند اكثر النحويين تأخيره عن المفعول نحو زان الشجر نوره وقوله تعالى. (وَإِذِ ابْتَلى إِبْراهِيمَ رَبُّهُ.) لانه لو تأخر المفعول عاد الضمير على متأخر لفظا ورتبة ومنهم من أجازه لان استلزام الفعل للمفعول يقوم مقام تقديمه فتقول زان نوره الشجر والحق ان ذلك جائز في الضرورة لا غير كقول الشاعر

جزى بنوه ابا الغيلان عن كبر

وحسن فعل كما يجزى سنمار

وقول حسان رضي‌الله‌عنه في مطعم بن عدي

ولو ان مجدا اخلد الدهر واحدا

من الناس ابقى مجده الدهر مطعما

ومثله قول الآخر

كسا حلمه ذا الحلم اثواب سؤدد

ورقى نداه ذا الندى في ذرا المجد

(النائب عن الفاعل)

ينوب مفعول به عن فاعل

فيما له كنيل خير نائل

كثيرا ما يحذف الفاعل لكونه معلوما او مجهولا او عظيما او حقيرا او غير ذلك فينوب عنه فيما له من الرفع واللزوم ووجوب التأخير عن رافعه المفعول به مسندا اليه اما فعل مبني على هيئة تنبىء عن اسناده الى المفعول ويسمى فعل ما لم يسمّ فاعله واما اسم في معنى ذلك الفعل فالاول كقولك في نال زيد خير نائل نيل خير نائل والثاني كقولك في زيد ضارب ابوه غلامه زيد مضروب غلامه وقد بين كيفية بناء الفعل لما لم يسمّ فاعله بقوله

فأوّل الفعل اضممن والمتّصل

بالآخر اكسر في مضيّ كوصل

واجعله من مضارع منفتحا

كينتحي المقول فيه ينتحى

والثّاني التّالي تا المطاوعه

كالأوّل اجعله بلا منازعه

وثالث الّذي بهمز الوصل

كالأوّل اجعلنّه كاستحلي

واكسر أو اشمم فاثلاثيّ أعل

عينا وضمّ جا كبوع فاحتمل

وإن بشكل خيف لبس يجتنب

وما لباع قد يرى لنحو حب

٨٨

وما لفا باع لما العين تلي

في اختار وانقاد وشبه ينجلي

وحاصله ان بناء الفعل لما لم يسمّ فاعله ان كان ماضيا يضم اوله ويكسر ما قبل آخره كقولك في وصل ودحرج وصل ودحرج وان كان مضارعا بضم اوله وبفتح ما قبل آخره كقولك في يضرب وينتحي يضرب وينتحى فان كان اول الفعل الماضي تاء مزيدة تبع ثانيه اوله في الضم كقولك في تعلم وتغافل وتدحرج تعلم العلم وتغوفل عن الامر وتدحرج في الدار لانه لو بقي ثانيه على فتحه لالتبس بالمضارع المبني للفاعل وان كان اول الماضي همزة الوصل تبع ثالثه اوله في الضم كقولك في انطلق واقتسم واستحلى أنطلق به واقتسم المال واستحلي الشراب لانك لو ابقيت ثالثه على فتحه لالتبس بالامر في بعض الاحوال وان كان الماضي ثلاثيا معتل العين فبني لما لم يسم فاعله استثقل فيه مجيء الكسرة بعد الضمة ووجب تخفيفه بالقاء حركة الفاء ونقل حركة العين اليها كقولك في باع وقال بيع وقيل وكان الاصل بيع وقول فاستثقلت كسرة على حرف علة بعد ضمة فالقيت الضمة ونقلت الكسرة الى مكانها فسلمت الياء من نحو بيع لسكونها بعد حركة تجانسها وانقلبت الواو ياء من نحو قبل لسكونها بعد كسرة فصار اللفظ بما اصله الواو كاللفظ بما اصله الياء وبعض العرب ينقل ويشير الى الضم مع التلفظ بالكسر ولا يغير الياء ويسمي ذلك اشماما وقد قرأ به نافع وابن عامر والكسائي في نحو (قِيلَ) و (غِيضَ) و (سِيقَ) ومن العرب من يخفف هذا النوع بحذف حركة عينه فان كانت واوا سلمت كقول الراجز

حوكت على نولين اذ تحاك

تختبط الشوك ولا تشاك

وان كانت ياء قلبت واوا لسكونها وانضمام ما قبلها كقول الآخر

ليت وهل ينفع شيئا ليت

ليت شبابا بوع فاشتريت

وقد يعرض بالكسر او بالضم التباس فعل المفعول بفعل الفاعل فيجب حينئذ الاشمام او اخلاص الضمة في نحو خفت مقصودا به خشيت والاشمام او اخلاص الكسر في نحو طلت مقصودا به غلبت في المطاولة ويجوز في فاء الثلاثي المضاعف مبنيا لما لم يسمّ فاعله من الضم والاشمام والكسر ما جاز في فاء الثلاثي المعتل العين نحو حب الشيء وحب ومن اشم اشم وقد قرأ بعضهم قوله تعالى. (هذِهِ بِضاعَتُنا رُدَّتْ إِلَيْنا.) وان كان الماضي المعتل العين على افتعل كاختار وعلى انفعل كانقاد فعل بثالثه في بنائه لما لم يسمّ فاعله ما فعل باول نحو باع وقال ولفظ بهمزة الوصل على حسب اللفظ

٨٩

بما قبل حرف العلة كقولك اختير وانقيد واختور وانقود وبالاشمام ايضا والى هذه الاشارة بقوله وما لفا باع لما العين تلي البيت تقديره والذي لفا باع في البناء للمفعول من الاحوال الثلاث ثابت للذي تليه العين في نحو اختار وانقاد وهو الثالث

وقابل من ظرف او من مصدر

أو حرف جرّ بنيابة حري

ولا ينوب بعض هذي إن وجد

في اللّفظ مفعول به وقد يرد

اذا خلا فعل ما لم يسمّ فاعله من مفعول به ناب عن الفاعل ظرف متصرف او مصدر كذلك او جار ومجرور بشرط حصول الفائدة بتخصيص النائب عن الفاعل او تقييد الفعل بغيره فالاول نحو صيم يوم السبت وجلس امام المسجد وغضب غضب شديد ورضي عن المسيء والثاني نحو سير بزيد يومان وذهب بامرأة فرسخان وما لا يتصرف من الظروف مثل اذا وعند لا يقبل النيابة عن الفاعل وكذلك ما لا يتصرف من المصادر نحو معاذ الله وحنانيك لان في نيابة الظروف والمصادر عن الفاعل تجوزا باسناد الفعل اليها فما كان منها متصرفا قبل اسناد الفعل اليه حقيقة فيقبل اسناده اليه مجازا وما كان منها غير متصرف لم يقبل الاسناد اليه حقيقة فلا يقبله على جهة المجاز قوله ولا ينوب بعض هذي البيت مذهب سيبويه انه لا يجوز نيابة غير المفعول به مع وجوده واجازه الاخفش والكوفيون محتجين بقراءة ابي جعفر قوله تعالى. (لِيَجْزِيَ قَوْماً بِما كانُوا يَكْسِبُونَ.) باسناد ليجزى الى الجار والمجرور ونصب قوما وهو مفعول به وبنحو قول الراجز

لم يعن بالعلياء الّا سيدا

ولا شفى ذا الغيّ الّا ذو الهدى

وقول الآخر

وإنما يرضي المنيب ربّه

ما دام معنيا بذكر قلبه

وباتّفاق قد ينوب الثّان من

باب كسا فيما التباسه أمن

في باب ظنّ وأرى المنع اشتهر

ولا أرى منعا إذا القصد ظهر

اذا بني الفعل لما لم يسمّ فاعله من متعد الى مفعولين فان كان الثاني غير الاول فالاولى نيابة المفعول الاول لكونه فاعلا في المعنى نحو كسي زيد ثوبا ويجوز نيابة المفعول الثاني ان امن التباسه بالمفعول الاول نحو البس عمرا جبة فلو خيف الالتباس

٩٠

كما في اعطي زيد بشرا وجب نيابة الاول وان كان الثاني من المفعولين هو الاول في المعنى فاكثر النحويين لا يجيز نيابة الثاني عن الفاعل بل يوجب نيابة الاول نحو ظن زيد قائما لان المفعول الثاني من ذا الباب خبر والخبر لا يخبر عنه واجاز بعضهم نيابته عن الفاعل ان امن اللبس قياسا على ثاني مفعولي باب اعطى واليه ذهب الشيخ رحمه‌الله واذا بني فعل ما لم يسمّ فاعله من متعد الى ثلاثة مفاعيل ناب الاول منها عن الفاعل نحو اري زيد اخاك مقيما ولم يجز نيابة الثالث باتفاق وفي نيابة الثاني الخلاف الذي في نيابة الثاني في باب ظن

وما سوى النّائب ممّا علّقا

بالرّافع النّصب له محقّقا

كما لا يكون للفعل الّا فاعل واحد كذلك لا ينوب عن الفاعل الّا شيء واحد وما سواه مما يتعلق بالرافع فمنصوب لفظا ان لم يكن جارا ومجرورا وان يكنه فمنصوب محلا

(اشتغال العامل عن المعمول)

إن مضمر اسم سابق فعلا شغل

عنه بنصب لفظه أو المحل

فالسّابق انصبه بفعل أضمرا

حتما موافق لما قد أظهرا

اذا تقدم اسم على فعل صالح لان ينصبه لفظا او محلّا وشغل الفعل عن عمله فيه بعمله في ضميره صح في ذلك الاسم ان ينصب بفعل لا يظهر موافق للظاهر اي مماثل له او مقارب فالاول نحو أزيدا ضربته والثاني نحو أزيدا مررت به التقدير أضربت زيدا ضربته وأجاوزت زيدا مررت به ولكن لا يجوز اظهار هذا المقدر لان الفعل الظاهر كالبدل من اللفظ به ولا يجمع بين البدل والمبدل منه ثم الاسم الواقع بعده فعل ناصب لضميره على خمسة اقسام لازم النصب ولازم الرفع بالابتداء وراجح النصب على الرفع ومستو فيه الامران وراجح الرفع على النصب اما القسم الاول فنبه عليه بقوله

والنّصب حتم إن تلا السّابق ما

يختصّ بالفعل كإن وحيثما

مثاله ان زيدا رأيته فاضربه وحيثما عمرا لقيته فأهنه وهلا زيدا كلمته فهذا ونحوه مما ولي اداة شرط او تحضيض او غير ذلك مما يختص بالفعل لا يجوز رفعه بالابتداء لئلا يخرج ما وضع على الاختصاص بالفعل عن اختصاصه به ولكن قد يرفع بفعل مضمر مطاوع للظاهر كقول الشاعر

٩١

لا تجزعي ان منفس اهلكته

فاذا هلكت فعند ذلك فاجزعي

التقدير لا تجزعي ان هلك منفس اهلكته ويروى لا تجزعي ان منفسا بالنصب على ما قد عرفت واما القسم الثاني فنبه عليه بقوله

وإن تلا السّابق ما بالابتدا

يختصّ فالرّفع التزمه أبدا

كذا إذا الفعل تلا ما لم يرد

ما قبل معمولا لما بعد وجد

وحاصله انه يمنع من نصب الاسم المشغول عنه الفعل بضميره شيئان احدهما ان يتقدم على الاسم ما هو مختص بالابتداء كاذا الفجائية نحو قولك خرجت فاذا زيد يضربه عمرو لان اذا الفجائية لم تولها العرب الّا مبتداء نحو قوله تعالى. (فَإِذا هِيَ بَيْضاءُ.) او خبر مبتدأ نحو. (إِذا لَهُمْ مَكْرٌ فِي آياتِنا.) فلا يجوز نصب ما بعدها بفعل مضمر لان ذلك يخرجها عما الزمتها العرب من الاختصاص بالابتداء وقد عفل عن هذا كثير من النحويين فاجازوا خرجت فاذا زيدا يضربه عمرو ولا سبيل الى جوازه المانع الثاني ان يكون بين الاسم والفعل ما له صدر الكلام كالاستفهام وما النافية ولام الابتداء وادوات الشرط كقولك زيد هل رأيته وعمرو متى لقيته وخالد ما صحبته وبشر لأحبه وعبد الله ان اكرمته اكرمك فالرفع بالابتداء في هذا ونحوه واجب لان ما له صدر الكلام لا يعمل ما بعده فيما قبله وما لا يعمل لا يفسر عاملا لان المفسر في هذا الباب بدل من اللفظ بالمفسر ولاجل ذلك لو كان الفعل الناصب لضمير الاسم السابق صفة له مما في قوله تعالى. (وَكُلُّ شَيْءٍ فَعَلُوهُ فِي الزُّبُرِ.) امتنع ان يفسر عاملا فيه لان الصفة لا تعمل في الموصوف وما لا يعمل لا يفسر عاملا واما القسم الثالث فنبه عليه بقوله

واختير نصب قبل فعل ذي طلب

وبعد ما إيلاؤه الفعل غلب

وبعد عاطف بلا فصل على

معمول فعل مستقرّ أوّلا

يعني انه يترجح النصب على الرفع باسباب منها ان يكون الفعل المشغول بضمير الاسم السابق فعل امر او نهي او دعاء كقولك زيدا اضربه وخالدا لا تشتمه واللهمّ عبدك ارحمه ومنها ان يتقدم على الاسم ما الغالب ان يليه فعل كالاستفهام والنفي بما ولا وان وحيث المجردة من ما نحو ازيدا ضربته وما عبد الله اهنته وحيث زيدا تلقاه فاكرمه

٩٢

فالنصب في نحو هذا راجح على الرفع الّا في الاستفهام بهل نحو هل زيدا رأيته فانه يتعين فيه النصب ومنها ان يلي الاسم السابق عاطفا قبله معمول فعل نحو قام زيد وعمرا كلمته ولقيت بشرا وخالدا ابصرته وانما يرجح النصب هنا لان المتكلم به عاطف جملة فعلية على جملة فعلية والرافع عاطف جملة اسمية على جملة فعلية وتشاكل المعطوف والمعطوف عليه احسن من تخالفها وقوله وبعد عاطف بلا فصل احترز به من نحو قام زيد واما عمرو فاكرمته فان الرفع فيه اجود لان الكلام بعد اما مستأنف مقطوع عما قبله واما القسم الرابع فنبه عليه بقوله

وإن تلا المعطوف فعلا مخبرا

به عن اسم فاعطفن مخيّرا

اذا كانت الجملة ابتدائية وخبرها فعل ومعموله سميت ذات وجهين لانها من قبل تصديرها بالمبتدأ اسمية ومن قبل كونها مختومة بفعل ومعموله فعلية فاذا وقع الاسم السابق فعلا ناصبا لضميره بعد عاطف على جملة ذات وجهين استوى فيه النصب والرفع لان في كل منهما مشاكلة فاذا قلت زيد قام وعمرو كلمته بالرفع يكون عاطفا مبتداء وخبرا على مبتدا وخبر واذا قلت زيد قام وعمرا كلمته النصب يكون في اللفظ كمن عطف جملة فعلية على جملة فعلية فلما كانت المشاكلة حاصلة بالرفع والنصب لم يكن احدهما ارجح من الآخر واما القسم الخامس فنبه عليه بقوله

والرّفع في غير الّذي مرّ رجح

فما أبيح افعل ودع ما لم يبح

يعني اذا خلا الاسم السابق من الموجب لنصبه ومن المانع منه ومن المرجح له ومن المستوي رجح الرفع بالابتداء كقولك زيد لقيته وعبد الله اكرمته فانه ليس معه موجب النصب كما مع ان زيدا رأيته فاضربه وليس معه موجب الرفع كما مع خرجت فاذا زيد يضربه عمرو وليس معه مرجح النصب كما مع أزيدا لقيته وليس معه المسوي بين النصب والرفع كما مع زيد قام وعمرا كلمته فالرفع فيه هو الوجه والنصب عربي جيد ومنهم من منعه وانشد الشجري على جوازه

فارسا ما غادروه ملحما

غير زميّل ولا نكس وكل

ومثله قراءة بعضهم قوله تعالى. (جَنَّاتُ عَدْنٍ يَدْخُلُونَها.) بالنصب

وفصل مشغول بحرف جرّ

أو بإضافة كوصل يجري

٩٣

يعني ان حكم المشغول عنه الفعل بضمير جرّ او بمضاف اليه حكم المشغول عنه الفعل بضمير نصب فمثل ان زيدا رأيته في وجوب النصب ان زيدا مررت به او رأيت اخاه فتنصب المشغول عنه في هذا الباب بفعل مضمر مقارب للظاهر تقديره جاوزت زيدا مررت به ولا بست زيدا رأيت اخاه كما تنصب المشغول عنه في نحو ان زيدا رأيته بمثل الظاهر ومثل ازيدا لقيته في ترجيح نصبه على الرفع ازيدا مررت به او عرفت اباه ومثل زيد قام وعمرو كلمته في استواء الامرين زيد قام وعمرو مررت به او كلمت غلامه ومثل زيدا ضربته في جواز نصبه مرجوحا زيدا مررت به او ضربت غلامه

وسوّ في ذا الباب وصفا ذا عمل

بالفعل إن لم يك مانع حصل

يصح ان تفسر الصفة عاملا في الاسم السابق كما يفسره الفعل وذلك بشرط ان تكون الصفة صالحة لعمل الفعل المذكور وان لا يكون قبلها ما يمنع من التفسير كقولك أزيدا انت ضاربه وأعمرا انت مكرم اخاه فلو كانت الصفة اسم فاعل بمعنى المضي نحو أزيد انت ضاربه امس لم يصلح لعمل الفعل فلم يجز ان يفسر عاملا في الاسم السابق لان شرط المفسر في هذا الباب صلاحيته للعمل في الاسم السابق بحيث لو خلا عن الشاغل لعمل في السابق وكذلك لو كانت الصفة صلة للالف واللام نحو ازيدا انت الضاربه لم يجز ان يفسر عاملا في الاسم السابق لان الصلة لا تعمل فيما قبل الموصول وما لا يعمل لا يفسر عاملا

وعلقة حاصلة بتابع

كعلقة بنفس الاسم الواقع

يعني ان الملابسة بالشاغل الواقع اجنبيا متبوعا بسببي كالملابسة بالشاغل الواقع سببيا والحاصل انه اذا كان شاغل الفعل اجنبيا وله تابع سببي فالحكم معه كالحكم مع الشاغل السببي فلزيد مثلا في نحو أزيدا ضربت رجلا يحبه او ضربت عمرا اخاه ما له في نحو ا زيدا ضربت محبه او ضربت اخاه

(تعدي الفعل ولزومه)

علامة الفعل المعدّى أن تصل

ها غير مصدر به نحو عمل

فانصب به مفعوله إن لم ينب

عن فاعل نحو تدبّرت الكتب

٩٤

الفعل ينقسم الى متعد ولازم فالمتعدي ما جاز ان يتصل به هاء ضمير لغير مصدر نحو شمل وعمل واللازم ما ليس كذلك نحو شرف وظرف تقول زيد شمله البرّ والخير عمله زيد ولا يجوز ان يتصل مثل هذه الهاء بنحو شرف وظرف انما يتصل به الهاء للمصدر كقولك شرفه زيد وظرفه عمرو تريد شرف الشرف زيد وظرف الظرف عمرو فهذا فرق ما بين المتعدي واللازم والمتعدي ان كان مبنيا للفاعل نصب المفعول به والّا رفعه وعلامة المفعول به ان يصدق عليه اسم مفعول تام من لفظ ما عمل فيه كقولك ركب زيد الفرس فالفرس مركوب وتدبر زيد الكتاب فالكتاب متدبر وقولي تام احترازا مما يصدق عليه اسم مفعول مفتقر الى حرف جرّ نحو سرت يوم الجمعة فيوم الجمعة مسير فيه وضربت زيدا تاديبا فالتاديب مضروب له

ولازم غير المعدّى وحتم

لزوم افعال السّجايا كنهم

كذا افعللّ والمضاهي اقعنسسا

وما اقتضى نظافة أو دنسا

أو عرضا أو طاوع المعدّى

لواحد كمدّه فامتدّا

جميع الافعال منحصرة في قسمي المتعدي واللازم فما سوى المتعدي مما لا يصح اتصال هاء ضمير غير المصدر به فهو لازم نحو قام وقعد ومشى وانطلق ثم من اللازم ما يستدل على لزومه بمعناه ومنه ما يستدل على لزومه بوزنه فمن القسم الاول ان يكون الفعل سجية وهو ما دل على معنى قائم بالفاعل لازم له كشجع وجبن وحسن وقبح وطال وقصر وقوي ونهم اذا كثر اكله وكأفعال النظافة والدنس نحو نظف ووضوء وظهر ونجس ورجس وقذر ومنه ايضا ان يكون الفعل عرضا وهو ما ليس حركة جسم من معنى قائم بالفاعل غير ثابت فيه كمرض وكسل ونشط وحزن وفرح ونهم اذا شبع ومنه ايضا ان يكون الفعل مطاوعا لمتعد الى مفعول واحد كضاعفت الحساب فتضاعف ودحرجت الشيء فتدحرج ونعمته فتنعم وشققته فانشق ومددته فامتدّ وثلمته فانثلم وثرمته فانثرم واحترز بمطاوع المتعدي الى واحد عن مطاوع المتعدي الى اثنين فانه متعد الى واحد نحو كسوت زيدا ثوبا فاكتسى ثوبا والمراد بالفعل المطاوع الدال على قبول المفعول لاثر الفاعل فيه ومن القسم الثاني ان يكون الفعل على وزن افعلل كاقشعر وابذعر اي تفرق او على وزن افعنلل كاحرنجم واثعنجر وكذا ما الحق بافعلل وافعنلل كاكوهدّ الفرخ اذا ارتعد واحرنبى الديك اذا انتفش واقعنسس الجمل

٩٥

اذا امتنع ان يقاد فهذان الوزنان وما الحق بهما من الادلة على عدم التعدي من غير حاجة الى الكشف عن بيان معانيه

وعدّ لازما بحرف جرّ

وإن حذف فالنّصب للمنجرّ

نقلا وفي أنّ وأن يطّرد

مع أمن لبس كعجبت أن يدوا

اذا كان الفعل لازما واريد تعديته الى مفعول عدي بحرف الجرّ نحو عجبت من ذهابك وفرحت بقدومك وكذا يفعل بالفعل المتعدي الى مفعول واحد او اكثر اذا اريد تعديته الى ما يقصر عنه نحو ضربت زيدا بسوط واعطيته درهما من اجلك وقد يحذف حرف الجرّ وينصب مجروره توسعا في الفعل واجراء له مجرى المتعدي وهذا الحذف نوعان مقصور على السماع ومطرد في القياس والمقصور على السماع منه وارد في السعة ومنه مخصوص بالضرورة فالاول نحو شكرت له وشكرته ونصحت له ونصحته وذهبت الى الشام وذهبت الشام وقد يفعل نحو هذا بالمتعدي الى واحد فيصير متعديا الى اثنين كقولهم في كلت لزيد طعامه ووزنت له ماله تقديره كلت زيدا طعامه ووزنته ماله والثاني كقول الشاعر

لدن بهزّ الكف يعسل متنه

فيه كما عسل الطريق الثعلب

اراد كما عسل في الطريق ولكنه لما لم يستقم الوزن بحرف الجرّ حذف ونصب ما بعده بالفعل ومثله قول الآخر

آليت حب العراق الدهر اطعمه

والحبّ ياكله في القرية السوس

اراد آليت على حب العراق ومثله

تحنّ فتبدي ما بها من صبابة

واخفى الذي لو لا الاسى لقضاني

أي لقضى عليّ وقد يحذف حرف الجرّ ويبقى عمله كقول الشاعر

اذا قيل اي الناس شرّ قبيلة

اشارت كليب بالاكف الاصابع

اراد اشارت الى كليب واما الحذف المطرد ففي التعدية الى أنّ وان بشرط امن اللبس نحو عجبت انك ذاهب وعجبت ان يدوا اي ان يغرموا الدبة وتقول رغبت في ان تفعل ولا يجوز رغبت ان تفعل لئلا يوهم ان المراد رغبت عن ان تفعل والى النوعين المذكورين من الحذف اشار بقوله نقلا وفي أنّ وان يطرد مع أمن لبس اي وحذف حرف الجرّ ونصب المنجرّ ينقل عن العرب نقلا ولا يقدم على مثله حينئذ بالقياس

٩٦

الّا في التعدية الى أنّ وان فان الحذف هناك بالشروط المذكورة مطرد يقاس عليه وفي محلهما بعد الحذف قولان فمذهب الخليل والكسائي انه الجرّ ومذهب سيبويه والفراء انه النصب ويؤيد مذهب الخليل ما انشده الاخفش

وما زرت ليلي ان تكون حبيبة

اليّ ولا دبن بها انا طالبه

بجر المعطوف وهو دبن على ان تكون فعلم انه في محل الجرّ

والأصل سبق فاعل معنى كمن

من ألبسن من زاركم نسج اليمن

ويلزم الأصل لموجب عرا

وترك ذاك الأصل حتما قديرى

الفعل المتعدي الى غير مبتدأ وخبر متعد الى واحد ومتعد الى اثنين الثاني منهما غير الاول نحو اعطيت وكسوت وهذا الباب يجوز فيه ذكر المفعولين نحو قوله تعالى.

(إِنَّا أَعْطَيْناكَ الْكَوْثَرَ.) وحذفهما معا نحو قوله تعالى. (فَأَمَّا مَنْ أَعْطى وَاتَّقى.) والاقتصار على احدهما نحو قوله تعالى. (وَلَسَوْفَ يُعْطِيكَ رَبُّكَ فَتَرْضى.) والاصل تقديم ما هو من المفعولين فاعل في المعنى كزيد من قولك البست زيدا جبة فانه اللابس وكمن في قوله البسن من زاركم نسج اليمن واستعمال هذا الاصل في الكلام على ثلاثة اضرب جائز وواجب وممتنع فيجوز في نحو اعطيت درهما زيدا والبست نسج اليمن من زارنا ويجب لاسباب منها خوف التباس المفعول الاول بالثاني نحو اعطيت زيدا عمرا وكون الثاني اما محصورا نحو ما اعطيت زيدا الّا درهما واما ظاهرا والاول ضمير نحو اعطيتك درهما والى نحو هذه المسئلة اشار بقوله ويلزم الاصل لموجب عرا اي وجد يقال عرا به امر اذا نزل به ويمتنع استعمال الاصل لاسباب منها ان يكون المفعول الاول محصورا نحو ما اعطيت الدرهم الّا زيدا او ظاهرا والثاني ضمير نحو الدرهم اعطيته زيدا او ملتبسا بضمير الثاني نحو اسكنت الدار بانيها ولو كان الثاني ملتبسا بضمير الاول كما في اعطيت زيدا ما له جاز تقديمه وتأخيره على ما قد عرفت في باب الفاعل والى نحو هذه الأمثلة اشار بقوله وترك ذاك الاصل حتما قد يرى

وحذف فضلة أجز إن لم يضر

كحذف ما سيق جوابا أو حصر

المفعول من غير باب ظنّ فضلة فحذفه جائز ان لم يعرض مانع كما اذا كان جوابا كقولك ضربت زيدا لمن قال من ضربت او كان محصورا نحو ما ضربت الّا زيدا فلو حذف في الاول لم يحصل جواب ولو حذف في الثاني لزم نفي الضرب مطلقا

٩٧

والمراد نفيه مقيدا فلم يكن من ذكر المفعول بد

ويحذف النّاصبها إن علما

وقد يكون حذفه ملتزما

يجوز حذف الفعل الناصب للفضلة اذا دل عليه دليل وهذا الحذف على ضربين جائز وواجب فيجوز الحذف اذا دل على الفعل قرينة حالية كقولك لمن سدد سهما القرطاس باضمار تصيب ولمن يتأهب للحج مكة والله باضمار تريد او مقالية كقولك زيدا لمن قال من ضربت وكقولك بلى شرّ الناس لمن قال ما ضربت احدا ويجب حذف الفعل اذا فسره ما بعد المنصوب نحو ازيدا رأيته او كان انشاء نداء نحو يا زيد او تحذيرا بإيّا مطلقا او بغيرها في تكرار او عطف كقولك لمن تحذّره اياك الاسد واياك والاسد واياك اياك والاسد الاسد وماز رأسك والسيف ورأسك والحائط او اغراء واردا في تكرار او عطف كقولك لمن تغريه بأخذ السلاح السلاح السلاح والسيف والرمح ولا يجب الحذف فيما عدا ذلك الّا فيما كان واردا امثلا او كالمثل في كثرة الاستعمال كقولهم كليهما وتمرا وامرءا ونفسه والكلاب على البقر وأحشفا وسوء كيلة ومن انت وزيدا وان تأتني فاهل الليل واهل النهار ومرحبا واهلا وسهلا باضمار اعطني ودع وارسل وأتبيع وتذكّر وتجد واصبت واتيت ووطئت

(التنازع في العمل)

إن عاملان اقتضيا في اسم عمل

قبل فللواحد منهما العمل

والثّان أولى عند أهل البصره

واختار عكسا غيرهم ذا أسره

انما قال عاملان ولم يقل فعلان ليشمل تنازع الفعلين نحو قوله تعالى. (آتُونِي أُفْرِغْ عَلَيْهِ قِطْراً.) او تنازع الاسم والفعل نحو قوله تعالى. (هاؤُمُ اقْرَؤُا كِتابِيَهْ.) وتنازع الاسمين كقول الشاعر

عهدت مغيثا مغنيا من أجرته

فلم اتخذ الّا فناءك موئلا

وقال اقتضيا ليخرج العاملان المؤّكد احدهما بالآخر كقول الشاعر

فأين الى اين النجاء ببغلني

اتاك اتاك اللاحقوك احبس احبس

فاتاك اتاك عاملان في اللفظ والثاني منهما لا اقتضاء له الّا التوكيد ولو اقتضى عملا

٩٨

لقيل اتوك اتاك او اتاك اتوك وقال قبل تنبيها على ان التنازع لا يتأتى بين عاملين متأخرين نحو زيد قام وقعد لان كلّا منهما مشغول بمثل ما شغل به الآخر من ضمير الاسم السابق فلا تنازع بينهما بخلاف المتقدمين نحو قام وقعد زيد فان كلّا منهما متوجه في المعنى الى زيد وصالح للعمل في لفظه فيعمل احدهما فيه والآخر في ضميره والى هذا اشار بقوله فللواحد منهما العمل والتنازع اما في الفاعلية او في المفعولية او فيهما على وجهين امثلة ذلك على اعمال الثاني قاما وقعد اخواك ورأيت واكرمت ابويك وضرباني وضربت الزيدين وضربت وضربني الزيدون تضمر في الاول الفاعل وتحذف منه المفعول لانه فضلة فلا يصح اضماره قبل الذكر وامثلته على اعمال الاول قام وقعدا اخواك ورأيت واكرمتهما ابويك وضربني وضربتهما الزيدان وضربت وضربوني الزيدين تضمر في الثاني ضمير الفاعل وضمير المفعول والمختار عند البصريين اعمال الثاني وعند الكوفيين اعمال الاول

وأعمل المهمل في ضمير ما

تنازعاه والتزم ما التزما

كيحسنان ويسئ ابناكا

وقد بغى واعتديا عبداكا

ولا تجئ مع أوّل قد أهملا

بمضمر لغير رفع أوهلا

المهمل هو الذي لم يسلط على الاسم الظاهر وهو يطلبه في المعنى فيعمل في ضميره مطابقا له في الإفراد والتذكير وفروعهما والى ذلك اشار بقوله والتزم ما التزما ثم المهمل لا يخلو اما ان يكون الفعل الاول او الثاني فان كان الاول فاما ان يقتضي الرفع او النصب فان اقتضى الرفع اضمر فيه قبل الذكر اضمارا على شريطة التفسير نحو يحسنان ويسيء ابناكا وان اقتضى النصب امتنع ان يضمر فيه لان المنصوب فضلة يجوز الاستغناء عنها فلا حاجة الى اضمارها قبل الذكر ووجب الحذف الّا في باب ظنّ وفي باب كان وفيما اوقع حذفه في لبس على ما سيأتي بيانه تقول ضربت وضربني زيد ومررت واكرمني عمرو ولا يجوز ضربته وضربني زيد ولا مررت به فاكرمني عمرو وقول الشاعر

اذا كنت ترضيه ويرضيك صاحب

جهارا فكن في الغيب احفظ للود

ضرورة نادرة لا يعتد بمثلها واما المرفوع فعمدة لا يجوز الاستغناء عنها فاضمرت قبل الذكر لما اريد اعمال اقرب الفعلين الى المتنازع فيه وكان اضمارا على شريطة التفسير

٩٩

فيه فجاز للحاجة اليه جوازه في نحو ربّه رجلا ونعم رجلا زيد ومنع الكوفيون الاضمار قبل الذكر في هذا الباب فلم يجيزوا نحو يحسنان ويسيء ابناك وضرباني وضربت الزيدين بل هم في مثل ذلك على مذهبين فمذهب الكسائي انه يعمل الاول فيقول يحسن ويسيئان ابناك وضربني وضربتهما الزيدان او يحذف فاعله للدلالة عليه فيقول يحسن ويسيء ابناك وضربني وضربت الزيدين ومذهب الفراء اعمال الاول او اعمال الثاني وتأخير ضمير الاول ان كان رافعا نحو يحسن ويسيء ابناك هما وضربني وضربت الزيدين هما او اعمال المتنازعين جميعا في الاسم الظاهر ان كانا رافعين فيجوز يحسن ويسيء ابناك ولا يجوز ضربني وضربت الزيدين وما منعه الكوفيون من الاضمار في هذا الباب قبل الذكر ثابت عن العرب فلا يلتفت الى منعهم حكى سيبويه ضربوني وضربت قومك وضربت وانشد

وكمتا مدماة كأنّ متونها

جرى فوقها واستشعرت لون مذهب

وقال بعض الطائيين

جفوني ولم اجف الاخلاء انني

لغير جميل من خليلي مهمل

وقال الآخر

هوينني وهويت الغانيات الى

ان شبت فانصرفت عنهنّ آمالي

وان كان المهمل هو الثاني من المتنازعين فاما ان يقتضي الرفع او النصب فان اقتضى الرفع وجب فيه الاضمار وجاز استعماله باتفاق لانه اضمار متأخر رتبته التقديم فليس اضمارا قبل الذكر وذلك نحو بغى واعتديا عبداكا وضربت واكرماني الزيدين وان اقتضى النصب اضمر فيه غالبا نحو ضربني وضربتهم قومك ونحوه قول الشاعر

اذا هي لم تستك بعود اراكة

تنخّل فاستاكت به عود اسحل

لما اعمل تنخل في العود اعمل استاكت في ضميره فقال استاكت به وقد بحذف من الثاني ضمير المفعول لانه فضلة فيقال ضربني وضربت قومك واكرمني واكرمت الزيدان

بل حذفه الزم إن يكن غير خبر

وأخرنه إن يكن هو الخبر

وأظهر ان يكن ضمير خبرا

لغير ما يطابق المفسّرا

نحو أظنّ ويظنّاني أخا

زيدا وعمرا أخوين في الرّخا

اذا اهمل الاول من المتنازعين ومطلوبه غير رفع لم يجأ معه بضمير المتنازع فيه بل

١٠٠