شرح ألفيّة ابن مالك

ابن ناظم

شرح ألفيّة ابن مالك

المؤلف:

ابن ناظم


الموضوع : اللغة والبلاغة
المطبعة: مطبعة القديس جاورجيوس
الطبعة: ٠
الصفحات: ٣٥٥

تقوم واوشك ان تذهب كانك قلت دنا قيامك وقرب ذهابك قال الله تعالى. (وَعَسى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئاً وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ.) واذا بنيت هذه الافعال الثلاثة على اسم قبلها جاز اسنادها الى ضميره وجعل ان يفعل بعدها خبرا وجاز اسنادها الى ان يفعل مكتفى به ويظهر اثر ذلك في التأنيث والتثنية والجمع تقول هند عست ان تقوم والزيدان عسيبا ان يقوما والزيدون عسوا ان يقوموا واوشكوا ان يفعلوا فهذا على الاسناد الى ضمير المبتدأ وتقول هند عسى ان تقوم والزيدان عسى ان يفعلا والزيدون اوشك ان يفعلوا فهذا على الاسناد الى ان بصلتها وهكذا اذا كان بعد ان يفعل اسم ظاهر فانه يجوز كونه اسم عسى على التقديم والتأخير وكونه فاعل الفعل بعد ان تقول على الاول عسى ان يقوما اخواك واخلولق ان يذهبوا قومك وعلى الثاني عسى ان يقوم اخواك واخلولق ان يذهب قومك تفرغ الفعل بعد ان من الضمير لانك اسندته الى الظاهر

والفتح والكسر أجز في السّين من

نحو عسيت وانتقا الفتح زكن

اذا اتصل بعسى تاء الضمير او نوناه نحو عسيت ان تفعل وعسينا ان تفعل والهندات عسين ان يقمن جاز في السين الكسر اتباعا للياء وبه قرأ نافع قوله تعالى. (فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ تَوَلَّيْتُمْ.) والفتح هو الاصل وعليه اكثر القراء ولذلك قال وانتقا الفتح زكن اي واختيار الفتح قد علم

(إنّ واخواتها)

لإنّ أنّ ليت لكنّ لعل

كأنّ عكس ما لكان من عمل

كإنّ زيدا عالم بأنّي

كفوء ولكنّ ابنه ذو ضغن

وراع ذا التّرتيب إلّا في الّذي

كليت فيها أو هنا غير البذي

من الحروف ما يستحق ان يجري في العمل مجرى كان وهي إنّ وأنّ وليت ولكنّ ولعلّ وكانّ فإنّ لتوكيد الحكم ونفي الشك فيه او الانكار له وأنّ مثلها الّا في كونها وما بعدها في تأويل المصدر وليت للتمني وهو طلب ما لا طمع في وقوعه كقولك ليت زيدا حيّ وليت الشباب يعود ولكن للاستدراك وهو تعقيب الكلام برفع ما يتوهم عدم ثبوته او نفيه كقولك ما زيد شجاعا ولكنه كريم فأنك لما نفيت الشجاعة عنه اوهم ذلك نفي الكرم لانهما كالمتضايفين فلما اردت رفع هذا الايهام عقبت الكلام بلكن مع

٦١

مصحوبها ولعلّ للترجي والطمع وقد ترد اشفاقا كقوله تعالى. (فَلَعَلَّكَ باخِعٌ نَفْسَكَ عَلى آثارِهِمْ.) وكانّ للتشبيه وعند النحويين ان قولك كانّ زيدا اسد اصله ان زيدا كالاسد ثم قدمت الكاف ففتحت الهمزة من انّ فصارا حرفا واحدا يفيد التشبيه والتوكيد وهذه الحروف شبيهة بكان لما فيها من سكون الحشو وفتح الآخر ولزوم المبتدأ والخبر فعملت عكس عمل كان ليكون المعمولان معها كمفعول قدم وفاعل أخر فتبين فرعيتها فلذلك نصبت الاسم ورفعت الخبر نحو ان زيدا عالم باني كفوء ولكن ابنه ذو ضغن اي ذو حقد ونحو ليت عبد الله مقيم ولعل اخاك راحل وكأنّ اباك اسد ولا يجوز في هذا الباب تقديم الخبر الّا اذا كان ظرفا او جارا ومجرورا نحو ان عندك زيدا وان في الدار عمرا وقال الله تعالى. (إِنَّ فِي ذلِكَ لَعِبْرَةً.) وان لدينا انكالا. ومثل لصورتي تقديم الخبر في هذا الباب بقوله ليت فيها او هنا غير البذي اي غير الوقح

وهمز إنّ افتح لسدّ مصدر

مسدّها وفي سوى ذاك اكسر

ان المكسورة هي الاصل فاذا عرض لها ان تكون هي ومعمولها في معنى تأويل المصدر بحيث يصح تقديره مكانهما فتحت همزتها للفرق نحو بلغني ان زيدا فاضل تقديره بلغني الفضل وكل موضع هو للمصدر فانّ فيه مفتوحة وكل موضع هو للجملة فان فيه مكسورة ومن المواضع ما يصح فيه الاعتباران فيجوز فيه الفتح والكسر على معنيين كما ستقف عليه ان شاء الله تعالى وقد نبه على مواضع الكسر بقوله

فاكسر في الابتدا وفي بدء صله

وحيث إنّ ليمين مكمله

أو حكيت بالقول أو حلّت محل

حال كزرته وإنّي ذو أمل

وكسروا من بعد فعل علّقا

باللّام كاعلم إنّه لذو تقى

المواضع التي يجب فيها كسر ان ستة الاول ان يبتدأ بها الكلام مستقلّا نحو قوله تعالى.

(إِنَّا أَعْطَيْناكَ الْكَوْثَرَ.) ونحو. الا ان اولياء الله لا خوف عليهم ولا هم يحزنون. او مبنيا على ما قبله نحو زيد انه منطلق قال الشاعر

منا الاناة وبعض القوم يحسبنا

إنا بطاء وفي ابطائنا سرع

الثاني ان تكون اول صلة كقولك جاء الذي إنه شجاع ونحو قوله تعالى. (وَآتَيْناهُ مِنَ الْكُنُوزِ ما إِنَّ مَفاتِحَهُ لَتَنُوأُ بِالْعُصْبَةِ.) واحترز بكونها اول الصلة من نحو جاء الذي

٦٢

عندك انه فاضل ومن نحو قولهم لا افعله ما ان في السماء نجما لان تقديره ما ثبت ان في السماء نجما الثالث ان يتلقى بها القسم نحو قوله تعالى. (حم وَالْكِتابِ الْمُبِينِ إِنَّا أَنْزَلْناهُ فِي لَيْلَةٍ مُبارَكَةٍ.) الرابع ان يحكى بها القول المجرد من معنى الظن نحو قوله تعالى.

(قالَ إِنِّي عَبْدُ اللهِ.) وقوله او حكيت بالقول معناه حكيت ومعها القول لان الجملة اذا حكي بها القول فقد حكيت هي بنفسها مع مصاحبة القول واحترزت بالمجرد من معنى الظن من نحو اتقول انك فاضل الخامس ان تحل محل الحال نحو زرت زيدا واني ذو امل كأنك قلت زرته آملا ومثله قوله تعالى. (كَما أَخْرَجَكَ رَبُّكَ مِنْ بَيْتِكَ بِالْحَقِّ وَإِنَّ فَرِيقاً مِنَ الْمُؤْمِنِينَ لَكارِهُونَ.) فكسر ان في هذه المواضع كلها واجب لانها مواضع الجمل ولا يصح فيها وقوع المصدر السادس ان تقع بعد فعل معلق باللام نحو علمت انه لذو تقى فلو لا اللام لكانت ان مفتوحة لتكون هي وما عملت فيه مصدرا منصوبا بعلمت فلما دخلت اللام وهي معلقة للفعل عن العمل بقي ما بعد الفعل معها منقطعا في اللفظ عما قبله فاعطي حكم ابتداء الكلام فوجب كسر ان كما في قول الله تعالى. (وَاللهُ يَعْلَمُ إِنَّكَ لَرَسُولُهُ.) ومثله بيت الكتاب

ألم تر اني وابن اسود ليلة

لنسري الى نارين يعلو سناهما

بعد إذا فجاءة أو قسم

لا لام بعده بوجهين نمي

مع تلو فالجزا وذا يطّرد

في نحو خير القول أنّي أحمد

يجوز فتح ان وكسرها في مواضع منها ان تقع بعد اذا الفجائية نحو خرجت فاذا ان زيدا واقف بالكسر على معنى فاذا زيد واقف وبالفتح على معنى فاذا الوقوف حاصل والكسر هو الاصل لان اذا الفجائية مختصة بالجمل الابتدائية فان بعدها واقعة في موقع الجملة فحقها الكسر ومنهم من يفتحها بجعلها وما بعدها مبتداء محذوف الخبر قال الشاعر

وكنت ارى زيدا كما قيل سيدا

اذا انه عبد القفا واللهارم

يروى اذا إنه على معنى فاذا هو عبد القفا واذا أنه على معنى فاذا العبودية موجودة ومنها ان تقع بعد قسم وليس مع احد معموليها اللام كقولك حلفت انك ذاهب بالكسر على جعلها جوابا للقسم وبالفتح على جعلها مفعولا باسقاط الخافض والكسر هو الوجه ولا يجيز البصريون غيره واما الفتح فذكر ابن كيسان ان الكوفيين يجيزونه بعد القسم على جعله مفعولا باسقاط الجار وانشدوا

٦٣

لتقعدنّ مقعد القصيّ

منيّ ذي الفاذورة المقليّ

او تحلفي بربك العليّ

اني ابو ذيالك الصبيّ

بكسر ان على الجواب وبفتحها على معنى او تحلفي على اني ابو الصبي ولو كان مع احد معمولي ان بعد القسم اللام كما في نحو حلفت بالله إنك لذاهب وجب الكسر باتفاق لانها مع اللام يجب ان تكون جوابا ولا يجوز ان تكون مفعولا لان ان المفتوحة لا تجامعها اللام الّا مزيدة على ندور ومنها ان تقع بعد فاء الجزاء نحو من يأتني فاني اكرمه بالكسر على انها في موضع الجملة وبالفتح على انها في تأويل مصدر مرفوع لانه مبتدأ محذوف الخبر او خبر محذوف المبتدأ والكسر هو الاصل لان الفتح محوج الى تقدير محذوف لان الجزاء لان يكون الّا جملة والتقدير على خلاف الاصل ومما جاء بالكسر قوله تعالى. (وَما تَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ فَإِنَّ اللهَ بِهِ عَلِيمٌ.) ومما جاء بالفتح قوله تعالى.

(أَلَمْ يَعْلَمُوا أَنَّهُ مَنْ يُحادِدِ اللهَ وَرَسُولَهُ فَأَنَّ لَهُ نارَ جَهَنَّمَ.) التقدير فجزاؤه ان له نار جهنم ومما جاء بالوجهين قوله تعالى. (كَتَبَ رَبُّكُمْ عَلى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ أَنَّهُ مَنْ عَمِلَ مِنْكُمْ سُوءاً بِجَهالَةٍ ثُمَّ تابَ مِنْ بَعْدِهِ وَأَصْلَحَ فَأَنَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ.) فالكسر على معنى فهو غفور رحيم والفتح على معنى فمغفرة الله ورحمته حاصلة لذلك التائب المصلح ومنها ان تقع خبرا عن قول وخبرها قول وفاعل القولين واحد كقولهم اول قولي اني احمد الله بالفتح على معنى اول قولي حمد الله واني احمد الله بالكسر على الاخبار بالجملة لقصد الحكاية كأنك قلت اول قولي هذا اللفظ وقيل الكسر على ان الجملة حكاية القول والخبر محذوف تقديره اول قولي هذا اللفظ ثابت وليس بمرضي لاستلزامه ما لا سبيل الى جوازه وهو اما الاخبار بما لا فائدة فيه واما كون اول صلة دخوله في الكلام كخروجه لان الذي هو اول قولي اني احمد الله حقيقة هو الهمزة من اني فان لم يكن اول صلة لزم الاخبار عن الهمزة من اني بانها ثابتة ولا فائدة فيه وان كان صلة لزم زيادة الاسم وكلا الامرين غير جائز وتكسر ان بعد حتى الابتدائية نحو مرض فلان حتى له لا يرجى برؤه او بعد ما الاستفتاحية نحو اما انك ذاهب فان كانت حتى عاطفة او جارة تعين بعدها الفتح نحو عرفت امورك حتى انك فاضل وكذلك ان كانت اما بمعنى حقا تقول اما انك ذاهب كما تقول حقا انك ذاهب على معنى في حق ذهابك قال الشاعر

أحقا ان جيرتنا استقلوا

فنيتنا ونيتهم فريق

تقديره افي حق ذلك وجوز فيه الشيخ ان يكون حقا مصدرا بدلا من اللفظ بالفعل

٦٤

وتفتح ان بعد لا جرم نحو قوله تعالى. (لا جَرَمَ أَنَّ اللهَ يَعْلَمُ ما يُسِرُّونَ.) وقد تكسر قال الفراء لا جرم كلمة كثر استعمالهم اياها حتى صارت بمنزلة حقا وبذلك فسرها المفسرون واصلها من جرمت اي كسبت وتقول العرب لا جرم لآتينك ولا جرم لقد احسنت فنزلها بمنزلة اليمين قلت فهذا وجه من كسر ان بعدها فقال لا جرم انك ذاهب وما عدا المواضع المذكورة فان فيه بالفتح لا غير نحو قوله تعالى. (وَمِنْ آياتِهِ أَنَّكَ تَرَى الْأَرْضَ خاشِعَةً. أَوَلَمْ يَكْفِهِمْ أَنَّا أَنْزَلْنا عَلَيْكَ الْكِتابَ. قُلْ أُوحِيَ إِلَيَّ أَنَّهُ اسْتَمَعَ نَفَرٌ مِنَ الْجِنِ). (وَلا تَخافُونَ أَنَّكُمْ أَشْرَكْتُمْ بِاللهِ. عَلِمَ اللهُ أَنَّكُمْ كُنْتُمْ تَخْتانُونَ أَنْفُسَكُمْ. ذلِكَ بِأَنَّ اللهَ هُوَ الْحَقُّ). و (إِنَّهُ لَحَقٌّ مِثْلَ ما أَنَّكُمْ تَنْطِقُونَ.) ومن ابيات الكتاب كتاب سيبويه

تظلّ الشمس كاسفة عليه

كآبة انها فقدت عقيلا

وبعد ذات الكسر تصحب الخبر

لام ابتداء نحو إنّي لوزر

ولا يلي ذي اللّام ما قد نفيا

ولا من الأفعال ما كرضيا

وقد يليها مع قد كإنّ ذا

لقد سما على العدا مستحوذا

وتصحب الواسط معمول الخبر

والفصل واسما حلّ قبله الخبر

اذا اريد المبالغة في التأكيد حيّ مع ان المكسورة بلام الابتداء وفرقوا بينهما كراهية الجمع بين اداتين بمعنى واحد فادخلوا اللام على الخبر او ما في محله اما الخبر فتدخل عليه اللام بشرط ان لا يتقدم معموله ولا يكون منفيا ولا ماضيا متصرفا خاليا من قد نحو ان زيدا لرضي بل يكون مفردا نحو قوله تعالى. (إِنَّ رَبَّكَ لَذُو مَغْفِرَةٍ.) ومثله اني لوزر اي ملجأ او ظرفا او شبهه نحو قوله تعالى. (وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ.) او جملة اسمية كقول الشاعر

ان الكريم لمن ترجوه ذو جدة

ولو تعذر ايسار وتنويل

او فعلا مضارعا نحو قوله تعالى. (إِنَّ رَبَّكَ لَيَحْكُمُ بَيْنَهُمْ.) ونحو ان زيدا لسوف يفعل او ماضيا غير متصرف نحو ان زيدا لعسى ان يفعل او مقرونا بقد نحو ان زيد لقد سما وقد ندر دخولها على الخبر المنفي في قوله

وأعلم ان تسليما وتركا

للا متشابهان ولا سواء

وقد تدخل اللام على ما في محل الخبر من معمول الخبر متوسطا بينه وبين الاسم نحو ان زيدا لطعامك اكل وان عبد الله لفيك راغب او فصل نحو. ان هذا لهو القصص

٦٥

الحق او اسم لان متأخر عن الخبر وذلك اذا كان ظرفا او جارا ومجرورا نحو ان عندك لزيدا او ان في الدار لعمرا قال الله تعالى. (إِنَّ فِي ذلِكَ لَعِبْرَةً.) ولا تدخل هذه اللام على غير ما ذكر غير مبتدإ او خبر مقدم الّا مزيدة في اشياء الحقت بالنوادر كقول الشاعر

فانك من حاربته لمحارب

شقيّ ومن سالمته لسعيد

وكما سمعه الفراء من قول ابي الجراح اني ليحمد الله لصالح وكما سمعه الكسائي من قول بعضهم ان كل ثوب لو ثمنه وكقراءة بعضهم قوله تعالى. (إِلَّا إِنَّهُمْ لَيَأْكُلُونَ الطَّعامَ.) وكقول الشاعر

يلومونني في حب ليلى عواذلي

ولكنني من حبها لعميد

وكقول الآخر

وما زلت من ليلى لدن أن عرفتها

لكالهائم المقصي بكل مراد

وكقول الراجز

ام الحليس لعجوز شهر به

ترضى من اللحم بعظم الرقبه

واحسن ما زيدت فيه قوله

ان الخلافة بعدهم لدميمة

وخلائف ظرف لممّا احقر

ووصل ما بذي الحروف مبطل

إعمالها وقد يبقّى العمل

تدخل ما الزائدة على ان واخواتها فتكفها عن العمل الّا ليت ففيها وجهان تقول انما زيد قائم وكأنما خالد اسد ولكنما عمرو جبان ولعلما اخوك ظافر ولا سبيل الى الاعمال لان ما قد ازالت اختصاص هذه الاحرف بالاسماء فوجب اهمالها وتقول ليتما اباك حاضر وان شئت قلت ليتما ابوك حاضر لان ما لم تزل اختصاص ليت بالاسماء فلك ان تعملها نظرا الى بقاء الاختصاص ولك ان تهملها نظرا الى الكف كما قال الشاعر

قالت ألا ليتما هذا الحمام لنا

الى حمامتنا او نصفه فقد

يروى بنصب الحمام ورفعه وذكر ابن برهان ان الاخفش روى انما زيدا قائم وعزا مثل ذلك الى الكسائي وهو غريب وفي قوله وقد يبقى العمل بدون تقييد تنبيه على مجيء مثله

وجائز رفعك معطوفا على

منصوب إنّ بعد أن تستكملا

٦٦

وألحقت بإنّ لكنّ وأن

من دون ليت ولعلّ وكأن

حق المعطوف على اسم ان النصب نحو ان زيدا وعمرا في الدار وان زيدا في الدار وعمرا قال الشاعر

ان الربيع الجود والخريفا

يدا ابي العباس والصيوفا

وقد يرفع بالعطف على محل اسم ان من الابتداء وذلك اذا جاء بعد اسمها وخبرها نحو ان زيدا في الدار وعمرو تقديره وعمرو كذلك قال الشاعر

ان النبوة والخلافة فيهم

والمكرمات وسادة اطهار

وقال الآخر

فمن يك لم ينجب ابوه وامه

فانّ لنا الام النجيبة والاب

فالرفع في امثال هذا على ان المعطوف جملة ابتدائية محذوفة الخبر عطفت على محل ما قبلها من الابتداء ويجوز كونه مفردا معطوفا على الضمير في الخبر ولا يجوز ان يكون معطوفا على محل ان مع اسمها من الرفع بالابتداء لانه يلزم منه تعدد العامل في الخبر اذا الرافع للخبر في هذا الباب هو الناسخ للابتداء وفي باب المبتدأ هو المبتدأ فلو جيء بخبر واحد لاسم ان ومبتدأ معطوف عليه لكان عامله متعددا وانه ممتنع ولهذا لا يجوز رفع المعطوف قبل الخبر لا تقول ان زيدا وعمرو قائمان وقد اجازه الكسائي بناء على ان الرافع للخبر في هذا الباب هو رافعه في باب المبتدأ ووافقه الفراء فيما خفي فيه اعراب المعطوف عليه نحو ان هذا وزيد ضاربان تمسكا بالسماع وما اوهم ذلك فهو اما شاذ لا عبرة فيه واما محمول على التقديم والتأخير فالاول كقولهم انك وزيد ذاهبان قال سيبويه واعلم ان اناسا من العرب يغلطون فيقولون انهم اجمعون ذاهبون وانك وزيد ذاهبان ونظيره قول الشاعر

بدا لي اني لست مدرك ما مضى

ولا سابق شيئا اذا كان جائيا

والثاني كقوله تعالى. (إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هادُوا وَالصَّابِئُونَ وَالنَّصارى مَنْ آمَنَ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَعَمِلَ صالِحاً فَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ.) فرفع الصائبون على التقديم والتاخير لافادة انه يتاب عليهم ان آمنوا واصلحوا مع انهم اشد غيا لخروجهم عن الاديان فما الظن بغيرهم ومثله قول الشاعر

والّا فاعلموا انا وانتم

بغاة ما بقينا في شقاق

قدم فيه انتم على خبر ان تنبيها على ان المخاطبين اوغل في البغي من قومه ولك ان

٦٧

لا تحمل هذا النحو على التقديم والتأخير بل على ان ما بعد المعطوف خبر له دال على خبر المعطوف عليه ويدلك على صحته قول الشاعر

خليليّ هل طبّ فاني وانتما

وان لم تبوحا بالهوى دنفان

وتساوي إنّ في جواز رفع المعطوف على اسمها بعد الخبر لفظا او تقديرا أنّ ولكن لانهما لا يغيران معنى الابتداء فيصح العطف بعدهما كما صح بعد ان قال الله تعالى. (وَأَذانٌ مِنَ اللهِ وَرَسُولِهِ إِلَى النَّاسِ يَوْمَ الْحَجِّ الْأَكْبَرِ أَنَّ اللهَ بَرِيءٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ وَرَسُولُهُ.) كأنه قيل ورسوله برىء ايضا ولا يجوز مثل ذلك بعد ليت ولعل وكأن لان معنى الابتداء غير باق معها فالعطف عليه بعدها لا يصح

وخفّفت إنّ فقلّ العمل

وتلزم اللّام إذا ما تهمل

وربّما استغني عنها إن بدا

ما ناطق أراده معتمدا

والفعل إن لم يك ناسخا فلا

تلفيه غالبا بإن ذي موصلا

تخفف ان فيجوز فيها حينئذ الاعمال والاهمال وهو القياس لانها اذا خففت يزول اختصاصها بالاسماء وقد تعمل استصحابا لحكم الاصل فيها قال سيبويه وحدثنا من يوثق به انه سمع من يقول ان عمرا لمنطلق وعليه قراءة نافع وابن كثير وابي بكر شعبة.

(وَإِنَّ كُلًّا لَمَّا لَيُوَفِّيَنَّهُمْ رَبُّكَ أَعْمالَهُمْ.) والاهمال هو الاكثر نحو. (وَإِنْ كُلٌّ لَمَّا جَمِيعٌ لَدَيْنا مُحْضَرُونَ.)

(وَإِنْ كُلُّ ذلِكَ لَمَّا مَتاعُ الْحَياةِ الدُّنْيا. إِنْ كُلُّ نَفْسٍ لَمَّا عَلَيْها حافِظٌ.) ثم اذا اهملت لزمت لام الابتداء بعد ما اتصل بها فرقا بينها وبين ان النافية كما في الامثلة المذكورة وقد يستغنى عنها بقرينة رافعة لاحتمال النفي كقولهم اما ان غفر الله لك وكقول الشاعر

انا ابن أباة الضيم من آل مالك

وان مالك كانت كرام المعادن

واذا خففت ان فوليها الفعل فالغالب كونه ماضيا ناسخا للابتداء نحو قوله تعالى. (وَإِنْ كانَتْ لَكَبِيرَةً. قالَ تَاللهِ إِنْ كِدْتَ لَتُرْدِينِ. وَإِنْ وَجَدْنا أَكْثَرَهُمْ لَفاسِقِينَ.) واما نحو. (وَإِنْ يَكادُ الَّذِينَ كَفَرُوا لَيُزْلِقُونَكَ.) وقول الشاعر

شلت يمينك إن قتلت لمسلما

حلت عليك عقوبة المتعمد

مما ولي ان المخففة فيه مضارع ناسخ للابتداء وماض غير ناسخ فقليل واقل منه قولهم فيما حكاه الكوفيون ان يزينك لنفسك وان يشينك لهيه

٦٨

وإن تخفّف أنّ فاسمها استكن

والخبر اجعل جملة من بعد أن

وإن يكن فعلا ولم يكن دعا

ولم يكن تصريفه ممتنعا

فالأحسن الفصل بقدأ ونفي او

تنفيس او لو وقليل ذكر لو

وخفّفت كأنّ أيضا فنوي

منصوبها وثابتا أيضا روي

يجوز ان تخفف ان المفتوحة فلا تلغى ولا يظهر اسمها الّا للضرورة كقول الشاعر

لقد علم الضيف والمرملون

اذا اغبرّ افق وهبت شمالا

بأنّك ربيع وغيث مريع

وأنك هناك تكون الثمالا

ولا يجيء خبرها الّا جملة اما اسمية كقول الشاعر

في فتية كسيوف الهند قد علموا

أن هالك كل من يحفى وينتعل

وكقوله تعالى. (فَاعْلَمُوا أَنَّما أُنْزِلَ بِعِلْمِ اللهِ وَأَنْ لا إِلهَ إِلَّا هُوَ.) واما مصدرة بفعل اما مضمن دعاء كقراءة نافع. (وَالْخامِسَةَ أَنَّ غَضَبَ اللهِ عَلَيْها إِنْ كانَ مِنَ الصَّادِقِينَ). واما غير متصرف نحو. (وَأَنْ لَيْسَ لِلْإِنْسانِ إِلَّا ما سَعى.) واما متصرف مفصول من ان بقد نحو علمت ان قد قام زيد ويجوز ان يكون منه نحو قوله تعالى. (وَنادَيْناهُ أَنْ يا إِبْراهِيمُ قَدْ صَدَّقْتَ الرُّؤْيا.) او حرف نفي نحو. (أَفَلا يَرَوْنَ أَلَّا يَرْجِعُ إِلَيْهِمْ قَوْلاً. أَيَحْسَبُ الْإِنْسانُ أَلَّنْ نَجْمَعَ عِظامَهُ.) او حرف تنفيس نحو. علم ان سيكون منكم مرضى. او لو كقوله تعالى. (فَلَمَّا خَرَّ تَبَيَّنَتِ الْجِنُّ أَنْ لَوْ كانُوا يَعْلَمُونَ الْغَيْبَ ما لَبِثُوا فِي الْعَذابِ الْمُهِينِ.) وقوله تعالى. (وَأَنْ لَوِ اسْتَقامُوا عَلَى الطَّرِيقَةِ لَأَسْقَيْناهُمْ ماءً غَدَقاً.) واكثر النحويين لم يذكروا الفصل بين ان المخففة وبين الفعل بلو والى ذلك اشار بقوله وقليل ذكر لو وربما جاء الفعل المتصرف غير مفصول كقول الشاعر

علموا ان يؤملون فجادوا

قبل ان يسئلوا باعظم سؤل

وقول الآخر انشده الفراء

اني زعيم يا نوي

قة ان امنت من الرزاح

ونجوت من عرض المنو

ن من الغدوّ الى الرواح

ان تهبطين بلاد قو

م يرتعون من الطلاح

واما كأن فيجوز تخفيفها وهي محمولة على ان المفتوحة في ترك الغائها الّا انه لا يلزم

٦٩

حذف اسمها ولا كون الخبر جملة فقد يثبت اسمها وقد يحذف وعلى كلا التقديرين فيجيء خبرها مفردا او جملة فمن مجيئه مفردا قول الراجز (كأن وريديه رشاء خلب)

وقول الشاعر

ويوما توافينا بوجه مقسم

كأن ظبية تعطو الى وارق السلم

فمن رواه برفع ظبية على معنى كانها ظبية ويروى كأن ظبية بالنصب على انها اسم كأن والخبر محذوف تقديره كأن مكانها ظبية ويروى كأن ظبية بالجرّ على زيادة ان ومن مجيئه جملة قول الشاعر

ووجه مشرق اللون

كأن ثدياه حقان

تقديره كأنه اي كأن الامر ثدياه حقان

لا التي لنفي الجنس

عمل إنّ اجعل للا في نكره

مفردة جاءتك أو مكرّره

فانصب بها مضافا او مضارعه

وبعد ذاك الخبر اذكر رافعه

وركّب المفرد فاتحا كلا

حول ولا قوّة والثّاني اجعلا

مرفوعا او منصوبا او مركّبا

وإن رفعت أوّلا لا تنصبا

الاصل في لا النافية ان لا تعمل لانها غير مختصة بالاسماء وقد اخرجوها عن هذا الاصل فاعملوها في النكرات عمل ليس تارة وعمل ان اخرى فاذا لم يقصد بالنكرة بعدها استغراق الجنس صح فيها ان تحمل على ليس في العمل لأنها مثلها في المعنى واذا قصد بالنكرة بعدها الاستغراق صح فيها ان تحمل على ان في العمل لأنها لتوكيد النفي وان لتوكيد الايجاب فهي ضدها والشيء قد يحمل على ضده كما يحمل على نظيره لان الوهم ينزل الضدين منزلة النظيرين ولذلك تجد الضد اقرب حضورا في البال مع الضد وقد تقدم الكلام على اعمال لا عمل ليس واما اعمالها عمل ان فمشروط بان تكون نافية للجنس واسمها نكرة متصلة سواء كانت موحدة نحو لا غلام رجل جالس او مكررة نحو لا حول ولا قوة الّا بالله فلو كانت منفصلة وجب الالغاء كقوله تعالى.

(لا فِيها غَوْلٌ.) وقد يجوز الغاؤها مع الاتصال وذلك اذا كررت شبهوها اذ ذاك بحالها مع المعرفة نحو لا حول ولا قوة الّا بالله ثم اسم لا يخلو اما ان يكون مضافا او شبيها

٧٠

بالمضاف او مفردا وهو ما عداهما فان كان مضافا نصب نحو لا صاحب برّ ممقوت وكذلك ان كان شبيها بالمضاف وهو كل ما كان بعده شيء هو من تمام معناه نحو لا قبيحا فعله محبوب ولا خيرا من زيد فيها ولا ثلاثة وثلثين لك واما المفرد فيبنى لتركيبه مع لا تركيب خمسة عشر لتضمنه معنى من الجنسية بدليل ظهورها في قول الشاعر

فقام يذود الناس عنها بسيفه

وقال ألا لا من سبيل الى هند

فيلزم الفتح بلا تنوين ان لم يكن مثنى او جمع تصحيح وذلك نحو لا بخيل محمود ولا حول ولا قوة الّا بالله وان كان مثنى او مجموعا جمع تصحيح للمذكر لزم الياء والنون نحو لا غلامين قائمان ولا كاتبين في الدار قال الشاعر

تعزّ فلا إلفين بالعيش متعا

ولكن لورّاد المنون تتابع

وقال الآخر

يحشر الناس لا بنين ولا آ

باء الّا وقد عنتهم شؤن

وان كان جمع تصحيح لمؤنث جاز فيه الكسر بلا تنوين والمختار فتحه وقد انشدوا قول الشاعر

لا سابغات ولا جأواء باسلة

تقى المنون لدى استيفاء آجال

بالوجهين والذي يدلك على ان اسم لا المفرد مبني انه لو كان معربا لما ترك تنوينه ولكان احق بالتنوين من الشبيه بالمضاف ولما كان للفتح في نحو لا سابغات وجه قوله والثاني اجعلا مرفوعا او منصوبا او مركبا البيت بيان لانه يجوز اذا عطفت النكرة المفردة على اسم لا وكررت لا خمسة اوجه لان العطف يصح معه الغاء لا كما تقدم واعمالها ايضا فان اعملت الاولى فتحت الاسم بعدها وجاز لك في الثاني ثلاثة اوجه الاول الفتح على اعمال لا الثانية مثاله لا حول ولا قوة الّا بالله العليّ العظيم والثاني النصب على جعلها زائدة مؤكدة وعطف الاسم بعدها على محل الاسم قبلها مثاله لا حول ولا قوة الّا بالله العليّ العظيم قال الشاعر

لا نسب اليوم ولا خلة

إتسع الخرق على الراقع

والثالث الرفع على احد الوجهين اجراء لا مجرى ليس والغاؤها او زيادتها وعطف الاسم بعدها على محل لا الاولى مع اسمها فان موضعها رفع بالابتداء مثاله لا حول ولا قوة الّا بالله قال الشاعر

واذا تكون كريهة ادعى لها

واذا بحاس الحيس يدعى جندب

٧١

هذا لعمركم الصغار بعينه

لا امّ لي ان كان ذاك ولا اب

وان الغيث الاولى رفعت الاسم بعدها وجاز لك في الثاني وجهان احدهما الفتح على أعمال لا الثانية مثاله لا حول ولا قوة الّا بالله قال الشاعر

فلا لغو ولا تأثيم فيها

وما فاهوا به ابدا مقيم

والثاني الرفع على الغاء لا او زيادتها وعطف الاسم بعدها على ما قبلها مثاله لا حول ولا قوة الّا بالله وكقوله تعالى. (لا بَيْعٌ فِيهِ وَلا خُلَّةٌ.) ولا يجوز نصب الثاني ورفع الاول لان لا الثانية ان اعملتها وجب في الاسم بعدها البناء على الفتح لانه مفرد وان لم تعملها وجب فيه الرفع لعدم نصب المعطوف عليه لفظا او محلا والى امتناع النصب في نحو هذا اشارة بقوله وان رفعت اولا لا تنصبا

ومفردا نعتا لمبنيّ يلي

فافتح أو انصبن أو ارفع تعدل

وغير ما يلي وغير المفرد

لا تبن وانصبه أو الرّفع اقصد

والعطف إن لم تتكرّر لا احكما

له بما للنّعت ذي الفصل انتمى

اذا وصف اسم لا المبني معها بصفة مفردة متصلة جاز فيه ثلاثة اوجه البناء على الفتح نحو لا رجل ظريف فيها والنصب نحو لا رجل ظريفا فيها والرفع نحو لا رجل ظريف فيها فالبناء على انه ركب الموصوف مع الصفة تركيب خمسة عشر ثم دخلت لا عليها والنصب على اتباع الصفة لمحل اسم لا والرفع على اتباعها لمحل لا مع اسمها وقد نبه على هذه الوجوه بقوله ومفردا نعتا لمبني يلي البيت ومعناه فافتح نعتا مفردا يلي الاسم المبني وان شئت فانصبه او ارفعه تعدل أي ان فعلت ذلك لم تجر ولم تخرج به عن الصواب وان فصل النعت عن اسم لا تعذر بناؤه على الفتح لزوال التركيب بالفصل وجاز فيه النصب نحو لا رجل فيها ظريفا والرفع ايضا نحو لا رجل فيها ظريف وكذلك ان كان النعت غير مفرد تقول لا رجل قبيحا فعله عندك ولا رجل قبيح فعله عندك ولا يجوز لا رجل قبيح فعله عندك وقوله والعطف ان لم تنكر لا احكما البيت معناه انه اذا عطف على اسم لا بدون تكرارها امتنع الغاء لا وجاز في المعطوف الرفع بالعطف على موضع لا مع اسمها نحو لا رجل وامرأة في الدار والنصب بالعطف على موضع اسم لا نحو لا رجل وامرأة في الدار قال الشاعر

فلا ابّ وابنا مثل مروان وابنه

اذا هو بالمجد ارتدى وتأزّرا

٧٢

ولا يجوز بناء المعطوف على الفتح لاجل فصل العاطف كما لم يجز بناء الصفة في نحو لا رجل فيها ظريفا وقد حكى الاخفش لا رجل وامرأة فيها بالبناء على الفتح وهو شاذ مخرج على انه ركب المعطوف مع لا فبني ثم حذفت وابقي حكمها

وأعط لا مع همزة استفهام

ما تستحقّ دون الاستفهام

تدخل همزة الاستفهام على لا النافية للجنس فيبقى ما كان لها من العمل وجواز الالغاء اذا كررت والاتباع لاسمها على محله من النصب او على محل لا معه من الابتداء واكثر ما يجيء ذلك اذا قصد بالاستفهام التوبيخ او الانكار كقول حسان رضي‌الله‌عنه

ألا طعان ألا فرسان عادية

الّا تجشؤكم حول التنانير

ومثله قول الآخر

ألا ارعواء لمن ولّت شبيبته

وآذنت بمشيب بعده هرم

وقد يجيء ذلك والمراد مجرد الاستفهام عن النفي كقول الشاعر

ألا اصطبار لسلمى ام لها جلد

اذا الاقي الذي لاقاه امثالي

وقد يراد بالاستفهام مع لا التمني فيبقى للا بعده ما لها من العمل دون جواز الالغاء والاتباع لاسمها على محله من الابتداء كقول الشاعر

ألا عمر ولّى مستطاع رجوعه

فيرأب ما أثأت يد الغفلات

وقد تكون الا للعرض فلا يليها الّا فعل اما ظاهر كقوله تعالى. (أَلا تُقاتِلُونَ قَوْماً نَكَثُوا أَيْمانَهُمْ. أَلا تُحِبُّونَ أَنْ يَغْفِرَ اللهُ لَكُمْ.) واما مقدر كقول الشاعر

ألا رجلا جزاه الله خيرا

يدل على محصلة تبيت

تقديره عند سيبويه ألا ترونني رجلا

وشاع في ذا الباب إسقاط الخبر

إذا المراد مع سقوطه ظهر

يجب ذكر خبر لا اذا لم يعلم كقوله صلى‌الله‌عليه‌وسلم (لا احد اغير من الله) وكقول حاتم

وردّ جازرهم حرفا مصرّمة

ولا كريم من الولدان مصبوح

وان علم التزم حذفه بنو تميم والطائبون واجاز حذفه وإثباته الحجازيون ومما جاء فيه محذوفا قوله تعالى. قالوا لا ضمير. (وَلَوْ تَرى إِذْ فَزِعُوا فَلا فَوْتَ.) وندر حذف الاسم واثبات الخبر في قولهم لا عليك التقدير لا جناح عليك ولا بأس عليك

٧٣

(ظنّ واخواتها)

إنصب بفعل القلب جزءي ابتدا

أعني رأى خال علمت وجدا

ظنّ حسبت وزعمت مع عد

حجا درى وجعل اللّذ كاعتقد

وهب تعلّم والّتي كصيّرا

أيضا بها انصب مبتدا وخبرا

من الافعال افعال واقعة معانيها على مضمون الجمل فتدخل على المبتدإ والخبر بعد اخذها الفاعل فتنصبهما مفعولين وهي ثلاثة انواع الاول ما يفيد في الخبر يقينا الثاني ما يفيد فيه رجحان الوقوع الثالث ما يفيد فيه تحويل صاحبه اليه فمن النوع الاول رأى لا بمعنى ابصر او اصاب الرؤية كقول الشاعر انشده ابو زيد

رأيت الله اكبر كل شيء

محاولة واكثرهم جنودا

ومنه علم لغير عرفان او علمة وهي انشقاق الشفة العليا كقولك علمت زيدا اخاك ومنه وجد لا بمعنى اصاب او استغنى او حقد او حزن كقوله تعالى. (تَجِدُوهُ عِنْدَ اللهِ) هو خبرا. ومنه درى في نحو قوله

دريت الوفي العهد يا عرو فاغتبط

فان اغتباطا بالوفاء حميد

واكثر ما يستعمل درى معدى الى مفعول واحد بالياء فاذا دخلت عليه الهمزة للنقل تعدى الى مفعول واحد بنفسه والى آخر بالياء كقوله تعالى. (قُلْ لَوْ شاءَ اللهُ ما تَلَوْتُهُ عَلَيْكُمْ وَلا أَدْراكُمْ بِهِ.) ومنه تعلم بمعنى اعلم ولا يتصرف قال الشاعر

تعلم شفاء النفس قهر عدوها

فبالغ بلطف في التحيل والمكر

ومنه الفى في نحو قول الشاعر

قد جرّبوه فالفوه المغيث اذا

ما الروع عمّ فلا يلوى على احد

ومن النوع الثاني خال لا بمعنى تكبر او ظلع كقولك خلت زيدا صديقك ومنه ظنّ لا بمعنى اتهم نحو ظننت عمرا اباك ومنه حسب لا بمعنى صار احسب أي ذا شقرة او حمرة وبياض كالبرص قال الشاعر

وكنا حسبنا كل بيضاء شحمة

عشية لاقينا جذام وحميرا

ومنه زعم لا بمعنى كفل او سمن او هزل قال الشاعر

فان تزعميني كنت اجهل فيكم

فاني شريت الحلم بعدك بالجهل

٧٤

ومنه عدلا بمعنى حسب كقول الشاعر

لا اعد الاقتار عدما ولكن

فقد من قد فقدته الاعدام

وقول الآخر

فلا تعدد المولى شريكك في الغنى

ولكنما المولى شريكك في العدم

ومنه حجالا بمعنى غلب في المحاجاة او قصد او ردّ او اقام او بخل انشد الازهري.

قد كنت احجو ابا عمرو اخاثقة

حتى ألمت بنا يوما ملمات

ومنه جعل في مثل قوله تعالى. (وَجَعَلُوا الْمَلائِكَةَ الَّذِينَ هُمْ عِبادُ الرَّحْمنِ إِناثاً.) ومنه هب في نحو قول الشاعر

فقلت اجرني ابا خالد

والّا فهبني امرءا هالكا

ولا يتصرف فلا يجيء منه ماض ولا مضارع وقد تستعمل رأى لرجحان الوقوع كقوله تعالى. (إِنَّهُمْ يَرَوْنَهُ بَعِيداً وَنَراهُ قَرِيباً.) كما قد ترد خال وظنّ وحسب لليقين نحو قول الشاعر

دعاني الغواني عمهنّ وخلتني

لي اسم فلا ادعى به وهو اول

وقوله تعالى. (فَظَنُّوا أَنَّهُمْ مُواقِعُوها.) وقول الشاعر

حسبت التقى والجود خير تجارة

رباحا اذا ما المرء اصبح ثاقلا

وتسمى هذه الافعال المذكورة وما كان في معناها قلبية بمعنى ان معانيها قائمة بالقلب وليس كل فعل قلبي يعمل العمل المذكور فلاجل ذلك قال انصب بفعل القلب جزءي ابتدا اعني رأى خال علمت وجدا وساق الكلام الى آخره ليدلك على ان من افعال القلوب ما لا ينصب المبتدأ والخبر لانه خص في الاستعمال بالوقوع على المفرد وذلك نحو عرف وتبين وتحقق ومن النوع الثالث صيّر كقولك صيرت زيدا صديقك ومنه اصار وجعل لا بمعنى اعتقد او اوجب او اوجد او الفى او انشأ قال الله تعالى. (فَجَعَلْناهُ هَباءً مَنْثُوراً.) ومنه وهب في قولهم وهبني الله فداك ومنه ردّ في نحو قوله تعالى. (وَدَّ كَثِيرٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ لَوْ يَرُدُّونَكُمْ مِنْ بَعْدِ إِيمانِكُمْ كُفَّاراً.) ومنه ترك كقول الشاعر

وربيته حتى اذا ما تركنه

اخا القوم واستغنى عن المسح شاربه

ومنه تخذ واتخذ كقوله تعالى. (لَاتَّخَذْتَ عَلَيْهِ أَجْراً.) وقال الله تعالى. (وَاتَّخَذَ اللهُ إِبْراهِيمَ خَلِيلاً.) وقد اشار الى هذه الافعال والى عملها بقوله والتي كصيرا ايضا بها انصب

٧٥

مبتدا وخبرا

وخصّ بالتّعليق والإلغاء ما

من قبل هب والأمر هب قد ألزما

كذا تعلّم ولغير الماض من

سواهما اجعل كلّ ما له زكن

تختص الافعال القلبية سوى ما لم يتصرف منها وهو هب وتعلم بالالغاء والتعليق اما الالغاء فهو ترك اعمال الفعل لضعفه بالتأخر عن المفعولين او التوسط بينهما والرجوع الى الابتداء كقولك زيد عالم ظننت وزيد ظننت عالم واما التعليق فهو ترك اعمال الفعل لفظا لا معنى لفصل ما له صدر الكلام بينه وبين معموله كقولك علمت لزيد ذاهب فهذه اللام لما كان لها صدر الكلام علقت علم عن العمل اي رفعته عن الاتصال بما بعدها والعمل في لفظه لان ما له صدر الكلام لا يصح ان يعمل ما قبله فيما بعده قوله ولغير الماض من سواهما اجعل كل ما له زكن معناء ان للمضارع من افعال هذا الباب والامر سوى هب وتعلم ما قد علم للماضي من نصب مفعولين هما في الاصل مبتدأ وخبر كقولك أنت تعلم زيدا مقيما ويا هذا اعلم عبد الله ذاهبا ومن جواز الالغاء والتعليق فيما كان قلبيا كقولك زيد عالم أظن ويا هذا أظن ما زيد عالم والمصدر واسم الفاعل واسم المفعول يجري هذا المجرى ايضا تقول في الاعمال اعجبني ظنك زيدا عالما وانا ظان زيدا مقيما ومررت برجل مظنون ابوه ذاهبا فابوه مفعول اول مرفوع لقيامه مقام الفاعل وذاهبا مفعول ثان وتقول في الالغاء زيد عالم انا ظان وتقول في التعليق اعجبني ظنك ما زيد قائم ومررت برجل ظان ازيد قائم ام عمرو وجميع الافعال المتصرفة يجري المضارع منها والامر والمصدر واسما الفاعل والمفعول مجرى الماضي في جميع الاحكام

وجوّز الإلغاء لا في الابتدا

وانو ضمير الشّان أو لام ابتدا

في موهم إلغاء ما تقدّما

والتزم التّعليق قبل نفي ما

وإن ولا لام ابتدآء أو قسم

كذا والاستفهام ذا له انحتم

قد تقدم ان الالغاء والتعليق حكمان مختصان بالافعال القلبية والمراد هنا بيان ان الالغاء حكم جائز بشرط تأخر الفعل عن المفعولين او توسطه بينهما وان التعليق حكم لازم بشرط الفصل بما النافية او ان او لا اختيها او بلام الابتداء او القسم او بالاستفهام

٧٦

فقال وجوز الالغاء لا في الابتداء فعلم ان الفعل القلبي اذا تأخر عن المفعولين جاز فيه الالغاء والاعمال تقول زيد عالم ظننت وان شئت قلت زيدا عالما ظننت الّا ان الالغاء احسن واكثر ومن شواهده قول الشاعر

آت الموت تعلمون فلا ير

هبكم من لظى الحروب اضطرام

ومثله

هما سيدانا يزعمان وانما

يسوداننا ان يسّرت غنماهما

وعلم ايضا انه اذا توسط بين المفعولين جاز فيه الالغاء والاعمال وهما على السواء الّا ان يؤكد الفعل بمصدر او ضميره فيكون الغاؤه قبيحا تقول زيد ظننت عالم وان شئت زيدا ظننت عالما وكلاهما حسن ولو قلت زيدا ظننت ظنا منطلقا او زيدا ظننته منطلقا اي ظننت الظن قبح فيه الالغاء ومن شواهد الغاء المتوسط قول الشاعر

ا بالاراجيز يا ابن اللؤم توعدني

وفي الاراجيز خلت اللؤم والخور

ومثله

ان المحبّ علمت مصطبر

ولديه ذنب الحب مغتفر

ومن شواهد اعمال المتوسط قول الآخر

شجاك اظن ربع الظاعنينا

ولم تعبأ بعذل العاذلينا

يروى برفع ربع ونصبه فمن رفع جعله فاعل شجاك واظن لغو ومن نصب جعله مفعولا اول لأظن وشجاك مفعول ثان مقدم واذا تقدم الفعل لم يجز الغاؤه وموهم ذلك محمول اما على جعل المفعول الاول ضمير الشان محذوفا والجملة المذكورة مفعول ثان كقول الشاعر

ارجو وآمل ان تدنو مودتها

وما اخال لدينا منك تنويل

تقديره وما اخاله اي وما اخال الامر والشان لدينا منك تنويل واما على تعليق الفعل بلام الابتداء مقدرة كما يعلق بها مظهرة كقول الآخر

كذاك أدبت حتى صار من خلقي

اني رأيت ملاك الشيمة الادب

المراد اني رأيت لملاك الشيمة الادب فحذف اللام وابقى التعليق ولما انتهى كلامه في امر الالغاء قال والتزم التعليق قبل نفي ما وان ولا الى آخره فعلم انه يجب تعليق الفعل القلبي اذا فصل عما بعده بأحد الاشياء المذكورة فيبقى لما بعد المعلق حكم ابتداء الكلام فيقع فيه المبتدأ والخبر والفعل والفاعل فمن المعلقات ما النافية لان لها صدر

٧٧

الكلام فيمتنع ما قبلها ان يعمل فيما بعدها وذلك كقوله تعالى. (لَقَدْ عَلِمْتَ ما هؤُلاءِ يَنْطِقُونَ.) ومنها إن ولا النافيتان اذا كان الفعل قبلها متضمنا معنى القسم لان لهما اذ ذاك صدر الكلام وذلك كقوله تعالى. (وَتَظُنُّونَ إِنْ لَبِثْتُمْ إِلَّا قَلِيلاً.) ومن امثلة كتاب الاصول احسب لا يقوم زيد ومنها لام الابتداء والقسم كقوله تعالى. (وَلَقَدْ عَلِمُوا لَمَنِ اشْتَراهُ ما لَهُ فِي الْآخِرَةِ مِنْ خَلاقٍ.) وكقول الشاعر

ولقد علمت لتأتينّ منيتي

ان المنايا لا تطيش سهامها

ومنها حرف الاستفهام كقولك علمت أزيد قائم ام عمرو وعلمت هل خرج زيد وتضمن معنى الاستفهام يقوم في التعليق مقام حروفه قال الله تعالى. (لِنَعْلَمَ أَيُّ الْحِزْبَيْنِ أَحْصى.)

وقد الحق بافعال القلوب في التعليق غيرها نحو نظر وابصر وتفكر وسأل واستنبأ كما في نحو قوله تعالى. (فَلْيَنْظُرْ أَيُّها أَزْكى طَعاماً. فَانْظُرِي ما ذا تَأْمُرِينَ. فَسَتُبْصِرُ وَيُبْصِرُونَ بِأَيِّكُمُ الْمَفْتُونُ. أَوَلَمْ يَتَفَكَّرُوا ما بِصاحِبِهِمْ مِنْ جِنَّةٍ. يَسْئَلُونَ أَيَّانَ يَوْمُ الدِّينِ.)

(وَيَسْتَنْبِئُونَكَ أَحَقٌّ هُوَ.) ومنه ما حكاه سيبويه من قولهم اما ترى ايّ برق ههنا وقول الشاعر

ومن انتم إنا نسينا من انتم

وريحكم من ايّ ريح الاعاصر

علق فيه نسي لانه ضد علم

لعلم عرفان وظنّ تهمه

تعدية لواحد ملتزمه

الاشارة في هذا البيت الى ما قدمت ذكره من ان افعال هذا الباب انما تعمل العمل المذكور اذا افادت تيقن الخبر او رجحان وقوعه او تحويل صاحبه اليه وان كلّا منها قد يجيء لغير ذلك فيعمل عمل ما في معناه فمن ذلك علم فانها تكون لادراك مضمون الجملة فتنصب مفعولين وتكون لادراك المفرد وهو العرفان فتنصب مفعولا واحدا كما تنصبه عرف قال الله تعالى. (وَاللهُ أَخْرَجَكُمْ مِنْ بُطُونِ أُمَّهاتِكُمْ لا تَعْلَمُونَ شَيْئاً.) وقال تعالى. (لا تَعْلَمُهُمْ نَحْنُ نَعْلَمُهُمْ.) وقد تكون ايضا بمعنى انشقت الشفة العليا فلا يتعدى الى مفعول به يقال علم الرجل علمة فهو اعلم اي مشقوق الشفة العليا ومن ذلك ظنّ فانها تكون لرجحان وقوع الخبر فتنصب مفعولين وتكون بمعنى اتهم فتتعدى الى مفعول واحد تقول ظننت زيدا على المال اي اتهمته واسم المفعول منه مظنون وظنين قال الله تعالى. (وَما هُوَ عَلَى الْغَيْبِ بِضَنِينٍ.) اي بمتهم وقد تقدم التنبيه على استعمال بقية افعال هذا الباب في غير ما يتعدى به الى مفعولين فلا حاجة الى الاطالة بذكره

٧٨

ولرأى الرّؤيا انم ما لعلما

طالب مفعولين من قبل انتمى

الرؤيا مصدر رأى النائم بمعنى حلم خاصة فلذلك اضاف لفظ الفعل اليها ليعرفك ان رأى النائم قد حمل في العمل على علم المتعدية الى مفعولين اذ كان مثلها في كونه ادراكا بالحس الباطن فأجرى مجراه قال الشاعر

ابو حنش يؤرقنا وطلق

وعمار وآونة اثالا

اراهم رفقتي حتى اذا ما

تجافي الليل وانخزل انخزالا

اذا انا كالذي يجري لورد

الى آل فلم يدرك بلالا

فنصب بأرى الهاء مفعولا اولا ورفقتي مفعولا ثانيا على ما ذكرت لك ولا يجوز ان تكون رفقتي حالا لانها معرفة وشرط الحال ان تكون نكرة

ولا تجز هنا بلا دليل

سقوط مفعولين أو مفعول

يجوز في هذا الباب حذف المفعولين والاقتصار على احدهما اما حذف المفعولين فجائز اذا دل عليهما دليل كقوله تعالى. (أَيْنَ شُرَكائِيَ الَّذِينَ كُنْتُمْ تَزْعُمُونَ.) تقديره الذين كنتم تزعمونهم شركاء او كان الكلام بدونهما مفيدا كما اذا قيد الفعل بالظرف نحو ظننت يوم الجمعة او اريد به العموم كقوله تعالى. (إِنْ هُمْ إِلَّا يَظُنُّونَ.) او دل على تجدده قرينة كقول العرب من يسمع يخل ولو قيل ظننت مقتصرا عليه ولا قرينة تدل على الحذف او العموم او قصد التجدد لم يجز لعدم الفائدة واما الاقتصار على احد المفعولين فجائز اذا دلّ على الحذف دليل واكثر النحويين على منعه قالوا لان المفعول في هذا الباب مطلوب من جهتين من جهة العامل فيه ومن جهة كونه احد جزئي الجملة فلما تكرر طلبه امتنع حذفه وما قالوه منتقض بخبر كان فانه مطلوب من جهتين ولا خلاف في جواز حذفه اذا دل عليه دليل والسماع بخلافه قال الله تعالى. (وَلا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَبْخَلُونَ بِما آتاهُمُ اللهُ مِنْ فَضْلِهِ هُوَ خَيْراً لَهُمْ.) تقديره ولا يحسبنّ الذين يبخلون بما يبخلون به هو خيرا لهم فحذف المفعول الاول للدلالة عليه ولو لم يدل على المحذوف دليل لم يجز حذفه بالاتفاق لعدم الفائدة حينئذ

وكتظنّ اجعل تقول إن ولي

مستفهما به ولم ينفصل

بغير ظرف أو كظرف أو عمل

وإن ببعض ذي فصلت يحتمل

٧٩

وأجري القول كظنّ مطلقا

عند سليم نحو قل ذا مشفقا

القول وفروعه مما يتعدى الى مفعول واحد ويكون اما جملة واما مفردا مؤديا معناها فان كان مفردا نصب نحو قلت شعرا وخطبة وحديثا وان كان جملة حكيت نحو قلت زيد قائم ولم يعمل فيها القول كما يعمل الظن لان الظن يقتضي الجملة من جهة معناها فجزآها معه كالمفعولين من باب اعطيت فصح ان ينصبهما الظن نصب اعطيت مفعوليه واما القول فيقتضي الجملة من جهة لفظها فلم يصح ان ينصب جزئيها مفعولين لانه لم يقتضها من جهة معناها فلم يشبه باب اعطيت ولا ان ينصبها مفعولا واحدا لان الجمل لا اعراب لها فلم يبق الّا الحكاية وقوم من العرب وهم سليم يجرون القول مجرى الظن مطلقا فيقولون قلت زيدا منطلقا ونحوه قل ذا مشفقا قال الراجز

قالت وكنت رجلا فطينا

هذا لعمر الله اسرائينا

واما غير سليم فاكثرهم يجيز اجراء القول مجرى الظن اذا وجب تضمنه معناه وذلك اذا كان القول بلفظ مضارع للمخاطب حاضرا تاليا لاستفهام متصل نحو اتقول زيدا ذاهبا وابن تقول عمرا جالسا قال الراجز

متى تقول القلص الرواسما

يحملن ام قاسم وقاسما

فان فصل بين الفعل وبين الاستفهام ظرف او جار ومجرور او احد المفعولين لم يضر تقول ايوم الجمعة تقول زيدا منطلقا وا في الدار تقول عبد الله قاعدا وا زيدا تقول ذاهبا ومن ذلك قول ابن ابي ربيعة

اجهالا تقول بني لؤي

لعمر ابيك ام متجاهلينا

فان فصل غير ذلك وجبت الحكاية نحو انت تقول زيد قائم لان الفعل حينئذ لا يجب تضمنه معنى الظن لانه ليس مستفهما عنه بل عن فاعله وذلك لا ينافي ارادة الحقيقة منه

(أعلم وأرى)

إلى ثلاثة رأى وعلما

عدّوا إذا صارا أرى وأعلما

وما لمفعولي علمت مطلقا

للثّان والثّالث أيضا حقّقا

كثيرا ما يلحق بفاء الفعل الثلاثي همزة النقل فيتعدى بها الى مفعول كان فاعلا قبل

٨٠