شرح ألفيّة ابن مالك

ابن ناظم

شرح ألفيّة ابن مالك

المؤلف:

ابن ناظم


الموضوع : اللغة والبلاغة
المطبعة: مطبعة القديس جاورجيوس
الطبعة: ٠
الصفحات: ٣٥٥

بابي كان وان وللمفعول الاول في باب ظنّ وغير المزيدة مدخل للنحو بحسبك زيد. (وَما مِنْ إِلهٍ إِلَّا اللهُ.) مما جاء مبتدءا مجرورا بحرف جرّ زائد وقولي مخبرا عنه او وصفا مخرج لاسماء الافعال نحو نزال ودراك ورافعا لمكتفى به مخرج لنحو قائم من قولك أقائم ابوه زيد فان مرفوعه ليس مكتفى به معه وقد وضح من هذا ان المبتدأ اما ذو خبر كزيد من قولك زيد عاذر واما وصف مسند الى الفاعل او نائبه كسار ومكرم من قولك اسار هذان وما مكرم العمران فهذا الضرب قد استغنى بمرفوعه عن الخبر لشدة شبهه بالفعل ولذلك لا يحسن استعماله ولا يطرد في الكلام حتى يعتمد على ما يقربه من الفعل وهو الاستفهام او النفي كما في قوله

أقاطن قوم سلمى ام نووا ظعنا

ان يظعنوا فعجيب عيش من قطنا

وقال الآخر

خليليّ ما واف بعهدي انتما

اذا لم تكونا لي على من اقاطع

اما اذا لم يعتمد على الاستفهام او النفي كان الابتداء به قبيحا وهو جائز على قبحه ومن الشواهد عليه قول الشاعر

خبير بنو لهب فلا تك ملغيا

مقالة لهبيّ اذا الطير مرّت

فهذا مثل قوله فائز اولوا الرّشد فان قلت فلم لم يجعل الوصف في مثل هذا المثال خبرا مقدما وما بعده مبتدءا قلت لعدم المطابقة فان الوصف في هذا لو كان خبرا مقدما لتحمل ضمير ما بعده وطابقه في التثنية والجمع فلما لم يطابقه علم انه لم يتحمل ضميره بل اسند اليه اسناد الفعل الى الفاعل ألا ترى الى قوله والثاني مبتدا وذا الوصف خبر ان في سوى الافراد طبقا استقر يعني ان الوصف اذا كان لما بعده من مثنى او مجموع وطابقه كما في نحو أقائمان الزيدان وأقائمون الزيدون كان خبرا مقدما وما بعده مبتداء له لان المطابقة في الوصف تشعر بتحمل الضمير وتحمله الضمير يمنع كونه مبتداء فيفهم من هذا ان الوصف متى كان لمثنى او مجموع ولم يطابقه وجب كونه مبتداء لانه قد علم انه لم يتحمل الضمير ومتى كان لمفرد كما في قوله تعالى. (أَراغِبٌ أَنْتَ عَنْ آلِهَتِي يا إِبْراهِيمُ.) جاز ان يكون مبتداء وما بعده فاعل وجاز ان يكون خبرا مقدما متحملا للضمير

ورفعوا مبتدأ بالابتدا

كذاك رفع خبر بالمبتدا

المبتدأ والخبر مرفوعان ولا خلاف عند البصريين ان المبتدأ مرفوع بالابتدإ واما

٤١

الخبر فالصحيح انه مرفوع بالمبتدأ قال سيبويه فاما الذي يبنى عليه شيء هو هو فان المبني عليه يرتفع به كما ارتفع هو بالابتدأ وذلك كقولك عبد الله منطلق وقيل رافع الجزئين هو الابتداء لانه اقتضاهما فعمل فيهما وهو ضعيف لان اقوى العوامل وهو الفعل لا يعمل رفعين بدون اتباع فما ليس اقوى اولى ان لا يعمل ذلك وعند المبرد ان الابتداء رافع للمبتدإ وهما رافعان للخبر وهو قول بما لا نظير له وذهب الكوفيون الى ان المبتدأ والخبر مترافعان ويبطله ان الخبر يرفع الفاعل كما في نحو زيد قائم ابوه فلا يصلح لرفع المبتدإ لان اقوى العوامل وهو الفعل لا يعمل رفعين بدون اتباع فما ليس اقوى لا ينبغي له ذلك

والخبر الجزء المتمّ الفائده

كالله برّ والأيادي شاهده

ومفردا يأتي ويأتي جمله

حاوية معنى الّذي سيقت له

وإن تكن إيّاه معنى اكتفى

بها كنطقي الله حسبي وكفى

خبر المبتدإ ما به تحصل الفائدة مع المبتدإ كبر وشاهدة من قولك الله برّ والايادي شاهدة والاصل في الخبر ان يكون اسما مفردا وقد يكون جملة بشرط ان تكون مرتبطة بالمبتدإ والّا لم تحصل الفائدة بالاخبار بها عنه ولو قلت زيد قام عمرو لم يكن كلاما والارتباط باحد امرين الاول ان تكون الجملة مشتملة على معنى المبتدإ اما لان يكون فيها ضميره مذكورا نحو زيد قام ابوه او مقدرا نحو البر الكر بستين تقديره البر الكر منه بستين درهما ومثله السمن منوان بدرهم واما لان فيها مشارا به اليه ظاهرا هو المبتدأ كما في قوله تعالى. (وَلِباسُ التَّقْوى ذلِكَ خَيْرٌ.) او متضمنا للمبتدأ كما في قوله تعالى. (وَالَّذِينَ يُمَسِّكُونَ بِالْكِتابِ وَأَقامُوا الصَّلاةَ إِنَّا لا نُضِيعُ أَجْرَ الْمُصْلِحِينَ.)

ومنه قولهم زيد نعم الرجل واما لان فيها المبتدأ معادا نحو قوله تعالى. (الْحَاقَّةُ مَا الْحَاقَّةُ) و (الْقارِعَةُ مَا الْقارِعَةُ.) والثاني ان تكون الجملة نفس المبتدا في المعنى كقولك نطقي الله حسبي وكفى فنطقي مبتدأ والله مبتدأ ثان وحسبي خبره والجملة خبر المبتدأ الاول والرابط لها به هو كون مفهومهما هو المراد بالمبتدأ ومن ذلك قوله تعالى. (دَعْواهُمْ فِيها سُبْحانَكَ اللهُمَّ وَتَحِيَّتُهُمْ فِيها سَلامٌ.) وقوله. (فَإِذا هِيَ شاخِصَةٌ أَبْصارُ الَّذِينَ كَفَرُوا.)

وقوله. (قُلْ هُوَ اللهُ أَحَدٌ) على اظهر الوجهين. والله اعلم

٤٢

والمفرد الجامد فارغ وإن

يشتقّ فهو ذو ضمير مستكن

وأبرزنه مطلقا حيث تلا

ما ليس معناه له محصّلا

الخبر المفرد لا يخلو اما ان يكون جامدا او مشتقا فان كان جامدا لم يتحمل ضمير المبتدأ خلافا للكوفيين لان الجامد لا يصلح لتحمل الضمير الّا على تأويله بالمشتق كقولك زيد اسد والجارية قمر على تأويل هو شجاع وهي منيرة والجامد اذا كان خبرا لا يحتاج الى ذلك لانه يكفى في صحة الاخبار به كونه صادقا على ما صدق عليه المبتدأ وذلك كقولك زيد اخوك وهذا عبد الله وما اشبه ذلك وان كان مشتقا فان لم يرفع ظاهرا رفع ضمير المبتدأ لان المشتق بمنزلة الفعل في المعنى فلا بد له من فاعل اما ظاهر كما في نحو زيد ضارب غلامه واما مضمر كما في نحو زيد منطلق تقديره زيد منطلق هو وهذا الضمير يجب استتاره الّا اذا جرى الخبر على غير من هو له فيرفع ضميره فانه حينئذ يجب عند البصريين بروزه مطلقا اي سواء خيف اللبس مع الاستتار او امن تقول زيد عمر وضاربه هو فزيد مبتدأ وعمرو مبتدأ ثان وضاربه خبر عمرو والهاء له وهو فاعل عائد على زيد ووجب ابرازه لئلا يتوهم ان عمروا هو فاعل الضرب وتقول هند زيد ضاربته هي تبرز الفاعل لان الخبر جرى على غير من هو له وان كان اللبس مع الاستتار مأمونا اجرآء لهذا النوع من الخبر على نسق واحد وعند الكوفيين ان ابراز الضمير انما يجب عند خوف اللبس ومما يدل على صحة قولهم قول الشاعر

قومي ذرى المجد بانوها وقد علمت

بصدق ذلك عدنان وقحطان

اذ لم يقل بانوها هم وقال

وأخبروا بظرف او بحرف جرّ

ناوين معنى كائن أو استقرّ

ولا يكون اسم زمان خبرا

عن جثّة وإن يفد فأخبرا

مما يخبر به عن المبتدأ الجار والمجرور نحو الحمد لله والظرف وهو كل اسم زمان او مكان متضمن معنى في نحو السفر غدا وزيد امامك والمصحح للاخبار بهذين تضمنهما معنى صادقا على المبتدأ ولك ان تقدره بمفرد نحو كائن او مستقر ولك ان تقدره بجملة نحو كان او استقر كما في الصلة ويترحج الاول بامرين الاول وقوع الظرف والجار

٤٣

والمجرور خبرا في موضع لا يصلح للجملة كقولهم اما في الدار فزيد تقديره اما مستقر في الدار فزيد ولا يجوز ان يكون تقديره اما استقر في الدار فزيد لان اما لا تفصل عن الفاء الّا باسم مفرد نحو اما زيد فقائم او بجملة شرط دون جوابه نحو قوله تعالى. (فَأَمَّا إِنْ كانَ مِنَ الْمُقَرَّبِينَ فَرَوْحٌ وَرَيْحانٌ وَجَنَّةُ نَعِيمٍ.) الثاني وقوع الظرف والجار والمجرور خبرا في موضع لا يصلح للفعل كقوله تعالى. (إِذا لَهُمْ مَكْرٌ فِي آياتِنا.) تقديره اذا حاصل لهم مكر ولا يجوز ان يكون تقديره اذا حصل لهم مكر لان اذا الفجائية لا تليها الافعال واعلم ان اسم المكان يجوز ان يخبر به عن اسم المعنى واسم العين واما اسم الزمان فانما يخبر به في الغالب عن اسم المعنى نحو القتال غدا او يوم الجمعة وقد يخبر به عن اسم العين اذا كان مثل اسم المعنى في وقوعه وقتا دون وقت نحو الرطب في تموز والورد في ايار او دل دليل على تقدير حذف مضاف كقول الشاعر

أكل عام نعم تحوونه

يلقحه قوم وتنتجونه

تقديره اكل عام احراز نعم او نهب نعم ونحوه الليلة الهلال لان معناه الليلة حدوث الهلال او رؤية الهلال او كان المبتدأ عاما واسم الزمان خاصا كقولك نحن في شهر كذا وما عدا ذلك فلا يصح فيه الاخبار عن اسم العين باسم الزمان لانه لا يفيد والله اعلم

ولا يجوز الابتدا بالنّكره

ما لم تفد كعند زيد نمره

وهل فتى فيكم فما خلّ لنا

ورجل من الكرام عندنا

ورغبة في الخير خير وعمل

برّ يزين وليقس ما لم يقل

الاصل في المبتدأ ان يكون معرفة لان الغالب في النكرة ان لا يفيد الاخبار عنها والاصل في الخبر ان يكون نكرة لانه محصل للفائدة وقيد التعريف فيه الاصل عدمه وقد يعرفان نحو الله ربنا وربكم وقد ينكران بشرط حصول الفائدة وذلك في الغالب بان يكون المبتدأ نكرة محضة والخبر ظرفا او جارا ومجرورا مقدما نحو عند زيد نمرة وفي الدار رجل او يعتمد على استفهام نحو هل فتى فيكم او نفي نحو ما احد افضل منك ومثله ما خلّ لنا او يختص فيقرب من المعرفة اما بوصف نحو ولعبد مؤمن خير من مشرك ومثله رجل من الكرام عندنا وإما بعمل نحو امر بمعروف صدقة ونهي عن منكر صدقة ومثله رغبة في الخير خير واما باضافة نحو خمس صلوات كتبهنّ

٤٤

الله على العباد ومثله عمل برّ يزين وقد يبتدأ بالنكرة في غير ما ذكرنا لان الاخبار عنها مفيد وذلك نحو قول الشاعر

فيوم علينا ويوم لنا

ويوم نساء ويوم نسر

وقول الآخر

سرينا ونجم قد اضاء فمذ بدا

محياك اخفى ضؤه كل شارق

وقول ابن عباس رضي‌الله‌عنه تمرة خير من جرادة وقولهم شرّ أهرّ ذا ناب وشيء جاء بك والله اعلم بالصواب

والأصل في الأخبار أن تؤخّرا

وجوّزوا التّقديم إذ لا ضررا

فامنعه حين يستوي الجزآن

عرفا ونكرا عادمي بيان

كذا إذا ما الفعل كان الخبرا

أو قصد استعماله منحصرا

أو كان مسندا لذي لام ابتدا

أو لازم الصّدر كمن لي منجدا

الاصل تقديم المبتدأ وتأخير الخبر لانه وصف في المعنى للمبتدأ فحقه ان يتأخر عنه وضعا كما هو متأخر عنه طبعا وقد يعدل عن الاصل فيقدم الخبر كقولهم تميمي انا ومشنوء من يشنؤك وقد يمنع من تقديمه اسباب كما قد يمنع من تأخيره اسباب اما اسباب منع التقديم فمنها ان يكون المبتدأ والخبر معرفتين او نكرتين وليس معهما قرينة تبين المخبر عنه من المخبر به كقولك زيد صديقك وافضل منك افضل مني فلو قلت صديقك زيد وافضل مني افضل منك كان المقدم هو المبتدأ بخلاف نحو أبو يوسف ابو حنيفة فانك لو قلت فيه ابو حنيفة ابو يوسف كان ابو حنيفة خبرا مقدما لانه قد علم ان المراد تشبيه ابي يوسف بأبي حنيفة وان المعنى أبو يوسف مثل ابي حنيفة قال الشاعر

بنونا بنو ابنائنا وبناتنا

بنوهنّ ابناء الرجال الاباعد

المعنى بنو ابنائنا مثل بنينا فقدم الخبر وحذف المضاف ومنها ان يكون الخبر فعلا بشرط كون المبتدأ مفردا والفعل مسندا الى ضميره نحو زيد قام وهند خرجت فهذا النوع لا يجوز فيه تقديم الخبر لعدم القرينة الدالة على ارادته فانك لو قلت قام زيد وخرجت هند كان من باب الفعل والفاعل لان اعتباره اقرب ولو كان المبتدأ

٤٥

مثنى او مجموعا كما في نحو اخواك قاما واخوتك قاموا جاز تاخيره نحو قاما اخواك وقاموا اخوتك لان اسناد الفعل الى الف الضمير او واوه امارة على الاخبار بالجملة عن الاسم بعدها وكذا لو كان المبتدأ مفردا والفعل مسندا الى غير ضميره نحو زيد قام ابوه فانه يجوز تاخيره نحو قام ابوه زيد ومنها قصد بيان انحصار الخبر اعني انحصار جملة ما للمبتدأ من الاخبار التي يصح فيها النزاع فيما ذكر كما اذا قلت انما زيد شاعر في الرد على من يعتقد انه كاتب وشاعر او كاتب لا شاعر وقد يستفاد الحصر بانما كما قد ذكرنا وقد يستفاد بالّا بعد النفي نحو ما زيد الّا شاعر فالخبر المحصور بانما يجب تاخيره لان تقديمه يوهم انحصار المبتدأ كما اذا قلت انما شاعر زيد في الرد على من قال اما شاعر فزيد وعمرو او فعمر لا زيد واما الخبر المحصور بالّا بعد النفي فتقديمه مع الّا لا يضر بمعنى الكلام ومع ذلك الزموه التاخير حملا على الحصر بانما الّا فيما ندر من نحو قوله

فيا رب هل الّا بك النصر يرتجى

عليهم وهل الّا عليك المعوّل

ومنها ان يكون الخبر مسندا الى مبتدأ مقرون بلام الابتداء نحو لزيد قائم او واجب التقديم نحو ما تضمن استفهاما كقوله من لي منجدا من المبتدا ولي الخبر ومنجدا حال من الضمير الذي في الخبر ولا يجوز في نحو ذلك التقديم لا تقول قائم لزيد ولا لي منجدا من لان لام الابتداء والاستفهام لهما صدر الكلام واما اسباب منع تاخير الخبر فكما يأتي في قوله

ونحو عندي درهم ولي وطر

ملتزم فيه تقدّم الخبر

كذا إذا عاد عليه مضمر

ممّا به عنه مبينا يخبر

كذا إذا يستوجب التّصديرا

كأين من علمته نصيرا

وخبر المحصور قدّم أبدا

كما لنا إلّا اتّباع أحمدا

يعني انه يلزم تقديم الخبر لاسباب منها ان يكون الخبر ظرفا او حرف جرّ والمبتدأ نكرة محضة نحو عندي درهم ولي وطر التزموا تقديم الخبر في نحو هذا رفعا لايهام كونه نعتا في مقام الاحتمال وذلك انك لو قلت درهم عندي احتمل ان يكون عندي خبرا للمبتدأ وان يكون نعتا له لانه نكرة محضة وحاجة النكرة الى التخصيص ليفيد الاخبار

٤٦

عنها قائدة يعتد بمثلها آكد من حاجتها الى الخبر ولهذا لو كان الخبر ظرفا او حرف جرّ والمبتدأ معرفة او نكرة مختصة كما في نحو زيد عندك ورجل تميمي في الدار جاز فيه التقديم والتاخير ومنها ان يكون مع المبتدأ ضمير عائد على ما اتصل بالخبر كقولهم على التمرة مثلها زبدا وكقول الشاعر

اهابك اجلالا وما بك قدرة

عليّ ولكن ملّ عين حبيبها

ملّ عين خبر مقدم وحبيبها مبتدأ مؤخر لانه معرفة وما قبله نكرة وتأخير المبتدإ فيه واجب لانه لو قدم لعاد الضمير معه الى متأخر في اللفظ والرتبة ومنها ان يكون الخبر واجب التصدير لتضمنه معنى الاستفهام كقوله اين من علمته نصيرا ابن ظرف مكان وهو خبر مقدم ومن اسم موصول في موضع رفع بالابتداء وما بعده صلته وخبره واجب التقديم لتضمنه معنى الاستفهام ومثل ذلك قولك كيف زيد ومتى اللقاء ومنها ان يكون المبتدأ محصورا كقولك انما قائم زيد وما قائم الّا زيد ومثله نحو وما لنا الّا اتباع احمد صلى‌الله‌عليه‌وسلم وقد تقدم في هذه المسئلة ما يغني عن الاطالة

وحذف ما يعلم جائز كما

تقول زيد بعد من عندكما

وفي جواب كيف زيد قل دنف

فزيد استغني عنه إذ عرف

يجوز حذف كل من المبتدأ والخبر اذا علم ودل عليه دليل كما اذا قلت زيد في جواب من عندك ودنف في جواب كيف عمرو فزيد مبتدأ محذوف الخبر ودنف خبر محذوف المبتدأ والتقدير زيد عندي وعمرو دنف ولكن جاز فيهما الحذف لظهور المراد ومن ذلك حذف الخبر نحو خرجت فاذا السبع وزيد قائم وعمرو وقول الشاعر

نحن بما عندنا وأنت بما

عندك راض والرأي مختلف

التقدير خرجت فاذا السبع حاضر وزيد قائم وعمرو كذلك ونحن بما عندنا راضون وانت بما عندك راض ومن ذلك حذف المبتدإ في قوله تعالى. (مَنْ عَمِلَ صالِحاً فَلِنَفْسِهِ وَمَنْ أَساءَ فَعَلَيْها.) اي فعمله لنفسه واساءته عليها وقول الشاعر

اضاءت لهم احسابهم ووجوههم

دجى الليل حتى نظم الجزع ثاقبه

نجوم سماء كلما انقض كوكب

بدا كوكب تأوي اليه كواكبه

ارادهم نجوم سماء ومن ذلك حذف ما يحتمل كونه مبتدءا وخبرا كقوله تعالى. (طاعَةٌ

٤٧

مَعْرُوفَةٌ.) فان سياق الكلام قبله يصحح كونه خبرا لمبتدإ محذوف اي طاعتكم طاعة معروفة لانها بالقول دون الفعل وكونه مبتدءا خبره محذوف اي طاعة معروفة مقبولة هي امثل بكم من هذا القسم الكاذب ومن ذلك حذف المبتدإ والخبر معا في قوله تعالى. (وَاللَّائِي لَمْ يَحِضْنَ). تتمته فعدتهنّ ثلاثة اشهر وجميع ما ذكر من الحذف سبيله في الكلام الجواز وقد يحذف المبتدأ وجوبا اذا كان خبره اما نعتا مقطوعا نحو الحمد لله الحميد واللهم صلى على محمد الرؤوف الرحيم واما مصدرا بدلا من اللفظ بالفعل في الاصل كقولهم سمع وطاعة اي امري سمع وطاعة قال سيبويه وسمعت ممن يوثق بعربيته يقال له كيف اصبحت فقال حمد الله وثناء عليه اي حالي حمد الله وانشد

فقالت حنان ما أتى بك ههنا

اذو نسب ام انت بالحي عارف

واما صريحا في القسم كقولهم في ذمتي لافعلنّ كذا اي في ذمتي يمين وقال

تساور سوارا الى المجد والعلا

وفي ذمتي لئن فعلت ليفعلا

ولا يحذف المبتدأ وجوبا في سوى ذلك الّا في باب نعم اذا قيل ان المخصوص خبر فان المبتدأ لا يجوز ذكره واما الخبر فيحذف ايضا وجوبا لكن بشرط العلم به وسد غيره مسده وذلك فيما نبه عليه بقوله

وبعد لو لا غالبا حذف الخبر

حتم وفي نصّ يمين ذا استقر

وبعد واو عيّنت مفهوم مع

كمثل كلّ صانع وما صنع

وقبل حال لا يكون خبرا

عن الّذي خبره قد أضمرا

كضربي العبد مسيئا وأتم

تبييني الحقّ منوطا بالحكم

وحاصله ان ما يجب حذفه من الاخبار اربعة الاول خبر المبتدأ بعد لو لا الامتناعية بشرط تعليق امتناع الجواب على نفس المبتدأ وهو الغالب كقولك لو لا زيد لزرتك تقديره لاجل ضرورة تصحيح الكلام لو لا زيد مانع لزرتك ثم التزم فيه حذف الخبر للعلم به وسد جواب لو لا مسده وقد يعلق امتناع الجواب على نسبة الخبر الى المبتدأ فان لم يدل على ذلك دليل وجب ذكره كقول الزبير رضي‌الله‌عنه

ولو لا بنوها حولها لخبطتها

كخبطة عصفور ولم أتلعثم

وقوله صلى‌الله‌عليه‌وسلم. لو لا قومك حديثوا عهد بالاسلام لهدمت الكعبة فجعلت

٤٨

لها بابين. وان دل على ذلك دليل جاز ترك الخبر وذكره كقول ابي العلاء المعرّي

يذيب الرعب منه كلّ عضب

فلو لا الغمد يمسكه لسالا

ولو قيل في الكلام لو لا الغمد لسال لصح ولكنه آثر ذكر الخبر رفعا لايهام تعليق الامتناع على نفس الغمد بطريق المجاز الثاني خبر المبتدإ الصريح في القسم نحو لعمرك لافعلنّ اي لعمرك قسمي الّا ان هذا الخبر لا يتكلم به لانه معلوم وجواب القسم ساد مسده ومثله ايمن الله ليقومنّ ولو كان المبتدأ مرادا به القسم وليس من الصريح فيه جاز حذف الخبر واثباته نحو عهد الله لافعلنّ فهذا على الحذف وان شئت قلت عليّ عهد الله باثبات الخبر الثالث خبر المبتدأ المعطوف عليه بواو المصاحبة وهي الناصبة على المعية نحو كل رجل وضيعته وكل صانع وما صنع فالخبر في نحو هذا مضمر بعد المعطوف تقديره مقرونان الّا انه لا يذكر للعلم به وسد العطف مسده ولو لم تكن الواو للمصاحبة كما في نحو زيد وعمرو مجتمعان لم يجب الحذف قال الشاعر

تمنوا ليّ الموت الذي يشعب الفتى

وكل امرىء والموت يلتقيان

الرابع خبر المبتدأ اذا كان مصدرا عاملا في مفسر صاحب حال واقع بعده نحو ضربي العبد مسيئا او افعل تفضيل مضافا الى المصدر المذكور نحو اتم تبييني الحق منوطا بالحكم فمسيئا حال من الضمير في كان المفسر بمفعول المصدر المقدر مع الفعل المضاف اليه الخبر وكذلك منوطا والتقدير ضربي العبد اذا كان مسيئا واتم تبييني الحق اذا كان منوطا بالحكم وقد التزم في هذا النحو حذف الخبر للعلم به وسد الحال مسده وقد اشار الى هذه المسئلة بقوله. وقبل حال لا يكون خبرا. عن الذي خبره قد اضمرا. اي ويجب حذف الخبر مقدرا قبل حال لا يصح جعلها خبرا للمبتدأ كما في المثالين المذكورين وفيه اشارة الى ان الحال متى صح جعلها خبرا للمبتدأ لم يجز ان تسد الحال مسد خبره بل تكون هي الخبر وان حذف معها فعلى وجه الجواز حكى الاخفش زيد قائما وخرجت فاذا زيد جالسا وروي عن علي بن ابي طالب رضي‌الله‌عنه.

ونحن عصبة أي ونحن نرى عصبة او نكون عصبة وانما يصح ان تسد الحال مسد الخبر اذا باينت المبتدأ كما في نحو ضربي زيدا قائما واكثر شربي السويق ملتوتا واخطب ما يكون الامير قائما فان قلت الحكم على هذا المنصوب بانه حال مبني على ان كان المقدرة تامة فلم لم نجعلها ناقصة وهذا المنصوب خبرا قلت لوجهين احدهما التزام تنكيره فانهم لا يقولون ضربي زيدا القائم ولا اكثر شربي السويق الملتوث فلما

٤٩

التزم تنكيره علم انه حال لا خبر والثاني وقوع الجملة الاسمية مقرونة بالواو موقعه كقوله صلى‌الله‌عليه‌وسلم. اقرب ما يكون العبد من ربه وهو ساجد. وقد منع الفراء وقوع هذه الحال فعلا مضارعا واجازه سيبويه وانشد لرؤبة

ورأى عينيّ الفتى اباكا

يعطي الجزيل فعليك ذاكا

وأخبروا باثنين أو بأكثرا

عن واحد كهم سراة شعرا

قد يتعدد الخبر فيكون المبتدأ الواحد له خبران فصاعدا وذلك في الكلام على ثلاثة أقسام قسم يجب فيه العطف وقسم يجب فيه ترك العطف وقسم يجوز فيه الامران فالاول ما تعدد لتعدد ما هو له اما حقيقة نحو بنوك كاتب وصانع وفقيه قال الشاعر

يداك يد خيرها يرتجى

وأخرى لاعدائها غائظه

واما حكما كقوله تعالى. (اعْلَمُوا أَنَّمَا الْحَياةُ الدُّنْيا لَعِبٌ وَلَهْوٌ وَزِينَةٌ وَتَفاخُرٌ بَيْنَكُمْ وَتَكاثُرٌ فِي الْأَمْوالِ وَالْأَوْلادِ.) والثاني ما تعدد في اللفظ دون المعنى وضابطه ان لا يصدق الاخبار ببعضه عن المبتدإ كقولك الرمان حلو حامض بمعنى مزّ وزيد اعسر يسر بمعنى اضبط وقد اجاز فيه ابو علي الفارسي العطف وجعل منه قول نمر بن تولب

لقيم بن لقمان من اخته

فكان ابن اخت له وابنما

وهو سهو والثالث ما تعدد لفظا ومعنى دون تعدد ما هو له فهذا يجوز فيه الوجهان نحو هم سراة شعراء وان شئت قلت هم سراة وشعراء قال الله عزوجل. (وَهُوَ الْغَفُورُ الْوَدُودُ ذُو الْعَرْشِ الْمَجِيدُ فَعَّالٌ لِما يُرِيدُ.) وقال حميد بن ثور الهلالي.

ينام بإحدى مقلتيه ويتقي

باخرى المنايا فهو يقظان هاجع

وقال الآخر فكان ابن اخت له وابنما ونحو قوله تعالى. (صُمٌّ وَبُكْمٌ فِي الظُّلُماتِ)

(كان واخواتها)

ترفع كان المبتدا اسما والخبر

تنصبه ككان سيّدا عمر

دخول كان واخواتها على المبتدإ والخبر على خلاف القياس لانها افعال وحق الافعال كلها ان تنسب معانيها الى المفردات لا الى الجمل فان ذلك للحروف نحو هل وليت وما في قولك هل جاء زيد وليته عندنا وما احد افضل منك ولكنهم توسعوا في الكلام فاجروا بعض الافعال مجرى الحروف فنسبوا معانيها الى الجمل وذلك كان واخواتها فانهم ادخلوها على المبتدإ والخبر على نسبة معانيها الى مضمونها ثم رفعوا بها

٥٠

المبتدأ تشبيها بالفاعل ونصبوا الخبر تشبيها بالمفعول سواء تقدم او تأخر نحو كان زيد قائما وكان سيدا عمر ويسمى المرفوع في هذا الباب اسما والمنصوب خبرا

ككان ظلّ بات أضحى أصبحا

أمسى وصار ليس زال برحا

فتئ وانفكّ وهذي الأربعة

لشبه نفي أو لنفي متبعه

ومثل كان دام مسبوقا بما

كأعط ما دمت مصيبا درهما

معنى كان وجد وظل اقام نهارا وبات اقام ليلا واضحى واصبح وامسى دخل في الضحى والصباح والمساء وصار تجدد ومعنى ليس نفي الحال فان نفت غيره فبقرينة كقول الشاعر

وما مثله فيهم ولا كان قبله

وليس يكون الدهر ما دام يذبل

ومعنى زال انفصل وكذا برح وفتئ وانفك ومعنى دام بقي فاجروا هذه الافعال بالمعاني المذكورة مجرى الحروف فادخلت على الجمل الابتدائية على تعلق معانيها بها فعملت فيها العمل المذكور وهي في ذلك على ثلاثة اقسام قسم يعمل بلا شرط وهو كان وليس وما بينهما وقسم يعمل بشرط تقدم نفي او شبهه وهو زال وبرح وفتئ وانفك مثال النفي ما زال زيد عالما ولن يبرح عمرو كريما وقول الشاعر

ألا يا اسلمي يا دار ميّ على البلى

ولا زال منهلا بجرعائك القطر

وقول الآخر

ليس ينفك ذا غنى واعتزاز

كل ذي عفة بقل قنوع

وقد يغني معنى النفي عن لفظه كقوله تعالى. (تَاللهِ تَفْتَؤُا تَذْكُرُ يُوسُفَ.) قال الشاعر

تنفك تسمع ما حيي

ت بهالك حتى تكونه

فالمرء قد يرجو النجا

ة مؤملا والموت دونه

واما شبه النفي فهو النهي كقوله

صاح شمر ولا تزل ذاكر المو

ت فنسيانه ضلال مبين

ومتى خلت هذه الافعال الاربعة عن نفي او نهي ظاهر او مقدر لا تعمل العمل المذكور وقسم يعمل بشرط تقدم ما المصدرية النائبة عن الظرف نحو اعط ما دمت مصيبا درهما المعنى اعط درهما مدة دوامك مصيبه فالمصحح لرفع دام الاسم ونصبها الخبر كونها صلة لما المذكورة فلو لم تكن صلة لها لم يصح ذلك العمل فيها وكذا لو لم تكن

٥١

ما نائبة عن الظرف فلا يقال عرفت بما دام زيد صديقك والمرجع في ذلك كله الى متابعة الاستعمال

وغير ماض مثله قد عملا

إن كان غير الماض منه استعملا

ما تصرف من هذه الافعال وغيرها فللمضارع منه والامر ما للماضي من العمل تقول يكون زيد فاضلا ولا يزال عمرو كريما فترفع بالمضارع الاسم وتنصب الخبر كما تفعل بالماضي وكذلك الامر نحو كن عالما او متعلما كن فعل امر يرفع الاسم وينصب الخبر واسمها ضمير المخاطب وعالما هو الخبر قال الله تعالى. (قُلْ كُونُوا حِجارَةً أَوْ حَدِيداً.) ويجري المصدر واسم الفاعل في ذلك مجرى الفعل تقول اعجبني كون زيد صديقك وهو كائن اخاك وقال الشاعر

ببذل وحلم ساد في قومه الفتى

وكونك اياه عليك يسير

وقال الآخر

وما كل من يبدي البشاشة كائنا

اخاك اذا لم تلفه لك منجدا

وقول الآخر

قضى الله يا اسماء ان لست زائلا

احبك حتى يغمض العين مغمض

وفي جميعها توسّط الخبر

أجز وكلّ سبقه دام حظر

كذاك سبق خير ما النّافيه

فجئ بها متلوّة لا تاليه

ومنع سبق خبر ليس اصطفي

وذو تمام ما برفع يكتفي

الاصل تاخير الخبر في هذا الباب كما في باب المبتدإ والخبر وقد لا يتأخر فيتوسط بين الفعل والاسم تارة ويتقدم على الفعل تارة كالمفعول اما التوسط فجائز مع جميع افعال هذا الباب كقوله تعالى. (وَكانَ حَقًّا عَلَيْنا نَصْرُ الْمُؤْمِنِينَ.) وقال الشاعر

سلي ان جهلت الناس عنا وعنهم

فليس سواء عالم وجهول

وكقول الآخر

لا طيب للعيش ما دامت منغصة

لذاته بادكار الموت والهرم

وأما التقديم فجائز الّا مع دام كما قال وكلّ سبقه دام حظر اي منع ومع المقرون بما النافية ومع ليس على ما اختاره المصنف تقول عالما كان زيد وفاضلا لم يزل عمرو

٥٢

ولا يجوز نحو ذلك في دام لانها لا تعمل الّا مع ما المصدرية وما هذه ملتزمة صدر الكلام وان لا يفصل بينها وبين صلتها بشيء فلا يجوز معها تقديم الخبر على دام وحدها ولا عليها مع ما ومثل دام في ذلك كل فعل قارنه حرف مصدري نحو اريد ان تكون فاضلا وكذلك المقرون بما النافية نحو ما زال زيد صديقك وما برح عمرو اخاك فالخبر في نحو هذا لا يجوز تقديمه على ما لان لها صدر الكلام ويجوز توسطه بين ما والفعل نحو ما قائما كان زيد كقوله صلى‌الله‌عليه‌وسلم. فو الله ما الفقر اخشى عليكم.

واما ليس فمذهب سيبويه وابي علي وابن برهان جواز تقديم خبرها عليها بدليل جواز تقديم معمول خبرها عليها في نحو قوله تعالى. (أَلا يَوْمَ يَأْتِيهِمْ لَيْسَ مَصْرُوفاً عَنْهُمْ.) ولتفسيرها عاملا فيما اشتغلت عنه بملابس ضميره كقولهم ا زيدا لست مثله حكاه سيبويه وذهب الكوفيون والمبرد وابن السراج الى منع ذلك فاسوها على عسى ونعم وبئس وفعل التعجب قال السيرافي بين ليس وفعل التعجب ونعم وبئس فرق لان ليس تدخل على الاسماء كلها مظهرها ومضمرها ومعرفتها ونكرتها ويتقدم خبرها على اسمها ونعم وبئس لا يتصل بهما ضمير المتكلم ولا العلم وفعل التعجب يلزم طريقة واحدة ولا يكون فاعله الأضميرا فكانت ليس اقوى منها قلت وبين ليس وعسى فرق لان عسى متضمنة معنى ما له صدر الكلام وهو معنى الترجي في نحو لعل وليس بخلاف ذلك لانها دالة على النفي وليس هو في لزوم صدر الكلام كالترجي لان النفي وان لزم صدر الكلام فيما لم يلزمه فيما عداها فلا يلزم من امتناع التقديم على هذه الافعال امتناع تقديم خبر ليس عليها واعلم ان من الخبر ما يجب تقديمه في هذا الباب كما يجب في باب المبتدإ والخبر وذلك نحو كم كان مالك وابن كان زيد وآتيك ما دام في الدار صاحبها قال الله تعالى.

(وَما كانَ جَوابَ قَوْمِهِ إِلَّا أَنْ قالُوا.) ومنه ما يجب تاخيره نحو كان الفتى مولاك وما زال غلام هند حبيبها وما كان زيد الّا في الدار وقوله وذو تمام ما برفع يكتفي اشارة الى ان من هذه الافعال ما يجوز ان يجرى على القياس فيسند الى الفاعل ويكتفي به وتسمى حينئذ تامة بمعنى انها لا تحتاج الى الخبر وذلك نحو قوله تعالى. (وَإِنْ كانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إِلى مَيْسَرَةٍ.) وقوله تعالى. (فَسُبْحانَ اللهِ حِينَ تُمْسُونَ وَحِينَ تُصْبِحُونَ.)

وقوله تعالى. (خالِدِينَ فِيها ما دامَتِ السَّماواتُ وَالْأَرْضُ.) وقول الشاعر

وبات وباتت له ليلة

كليلة ذي العائر الارمد

وجميع افعال هذا الباب تصلح للتمام الا فتئ وليس وزال وقد نبه على ذلك في قوله

٥٣

وما سواه ناقص والنّقص في

فتئ ليس زال دائما قفي

يعني ان ما ليس تاما من الافعال المذكورة يسمى ناقصا بمعنى انه لا يتم بالمرفوع ومذهب سيبويه واكثر البصريين انها انما سميت ناقصة لانها سلبت الدلالة على الحدث وتجردت للدلالة على الزمان وهو باطل لان هذه الافعال مستوية في الدلالة على الزمان وبينها فرق في المعنى فلا بد فيها من معنى زائد على الزمان لان الافتراق لا يكون بما به الاتفاق وذلك المعنى هو الحدث لانه لا مدلول للفعل غير الزمان الّا الحدث والذي ينبغي ان يحمل عليه قول من قال انّ كان الناقصة مسلوبة الدلالة على الحدث انها مسلوبة ان تستعمل دالة على الحدث دلالة الافعال التامة بنسبة معناها الى مفرد ولكن دلالة الحروف عليه فسمي ذلك سلبا لدلالته على الحدث بنفسه

ولا يلي العامل معمول الخبر

إلّا إذا ظرفا أتى أو حرف جر

ومضمر الشّان اسما انو إن وقع

موهم ما استبان أنّه امتنع

لا يجيز البصريون ايلاء كان او احدى اخواتها معمول الخبر الّا اذا كان ظرفا او حرف جرّ نحو كان يوم الجمعة زيد صائما واصبح فيك اخوك راغبا ولا يجوز عندهم في نحو كانت الحمى تأخذ زيدا ونحو كان زيد آكلا طعامك ان يقال كانت زيدا الحمى تاخذ ولا كان طعامك زيد آكلا ولا كان طعامك آكلا زيد واجاز ذلك الكوفيون تمسكا بنحو قول الشاعر

قنافذ هداجون حول بيوتهم

بما كان اياهم عطية عوّدا

وقول الآخر

فاصبحوا والنوى عالي معرسهم

وليس كل النوى تلقى المساكين

ومحمله عند البصريين على اسناد الفعل الى ضمير الشان والجملة بعده خبر كما اذا وقع المبتدأ والخبر بعده مرفوعين كقول الشاعر

اذا مت كان الناس صنفان شامت

وآخر مئن بالذي كنت اصنع

وقد تزاد كان في حشو كما

كان أصحّ علم من تقدّما

قد تأتي كان بلفظ الماضي زائدة لا عمل لها ولا دلالة لها على اكثر من الزمان وتتعين

٥٤

للزيادة اذا وقعت في حشو الكلام كوقوعها بين ما وفعل التعجب نحو ما كان احسن زيدا وما كان اصح علم من تقدم وبين المسند والمسند اليه كقوله. أو نبي كان موسى وبين الجار والمجرور كقول الشاعر

سراة بني ابي بكر تسامى

على كان المسّومة العراب

وندر زيادتها بلفظ المضارع كقول ام عقيل

أنت تكون ماجد نبيل

اذا تهب شمأل بليل

ولم يزد غيرها من اخواتها الّا اصبح وامسى فيما شذ من نحو قولهم ما اصبح ابردها وما امسى ادفاها

ويحذفونها ويبقون الخبر

وبعد إن ولو كثيرا ذا اشتهر

وبعد أن تعويض ما عنها ارتكب

كمثل أمّا أنت برّا فاقترب

ومن مضارع لكان منجزم

تحذف نون وهو حذف ما التزم

كثير في كلامهم حذف كان وابقاء عملها وحذفها مع اسمها اكثر من حذفها وابقاء الاسم مع الخبر او دونه واكثر ما تحذف بعد ان ولو الشرطيتين نحو سر مسرعا ان راكبا او ماشيا اي ان كنت راكبا او كنت ماشيا واعط ولو زيدا او عمرا اي ولو كان المعطى زيدا او عمرا بررت قال الشاعر

حدبت عليّ بطون ضبة كلها

ان ظالما فيهم وان مظلوما

وقال الآخر

لا يأمن الدهر ذو بغي ولو ملكا

جنوده ضاق عنها السهل والجبل

واما قولهم الناس مجزيون باعمالهم ان خيرا فخير وان شرّا فشرّ والمرء مقتول بما قتل به ان سيفا فسيف وان خنجرا فخنجر ففيه اربعة اوجه نصب الاول ورفع الثاني وعكسه ونصبهما ورفعهما فنصب الاول على معنى ان كان عمله خيرا وان كان ما قتل به سيفا ورفعه على معنى ان كان في عمله خير وإن كان معه سيف ونصب الثاني على معنى فيجزى خيرا او فكان جزاؤه خيرا او كان ما يقتل به سيفا ورفعه على معنى فجزاؤه خير وما يقتل به سيف وقد تحذف كان بعد غير ان ولو فمن ذلك حذفها بعد لدن كقول الراجز انشده سيبويه (من لد شولا فالى اتلائها) اي من لدن كانت شولا ومنه حذفها بعد ان الناصبة للفعل بتعويض ما عن الفعل واثبات الاسم والخبر كقوله

٥٥

اما انت برّا فاقترب تقديره لأن كنت برّا فاقترب فان مصدرية وما عوض عن كان وانت اسمها وبرّا خبرها ومثله قول الشاعر

ابا خراشة اما انت ذا نفر

فان قومي لم تأكلهم الضبع

ومتى دخل على المضارع من كان الجازم اسكن النون ووجب حذف الواو قبله لاجل التقاء الساكنين فيقال لم يكن زيد قائما وقد تخفف لكثرة الاستعمال فتحذف نونها تشبيها بحرف اللين هذا ان لم يلها ساكن نحو لم يك زيد قائما فان وليها ساكن كما في قوله لم يكن ابنك قائما امتنع الحذف الّا عند يونس ويشهد له قول الشاعر

فان لم تك المرآة ابدت وسامة

فقد ابدت المرآة جبهة ضيغم

(فصل في ما ولا ولات وإن المشبهات بليس)

إعمال ليس أعملت ما دون إن

مع بقا النّفي وترتيب زكن

وسبق حرف جرّ او ظرف كما

بي أنت معنيّا أجاز العلما

ألحق اهل الحجاز ما النافية بليس في العمل اذا كانت مثلها في المعنى فرفعوا بها الاسم ونصبوا الخبر نحو ما هذا بشرا وما هنّ امهاتهم واهملها التميميون لعدم اختصاصها بالاسماء وهو القياس ومن اعملها فشرط عملها عنده فقدان الزائدة وبقاء النفي وتاخير الخبر وهو المشار اليه بقوله وترتيب زكن اي علم فلو وجدت ان كما في قول الشاعر

بني غدانة ما ان انتم ذهب

ولا صريف ولكن انتم خزف

بطل العمل لضعف شبه ما حينئذ بليس اذ قد وليها ما لا يلي ليس ولو انتقض النفي بالا نحو وما محمد الّا رسول بطل ايضا عملها لبطلان معناها وندر ايضا قول مغلس

وما حق الذي يعثو نهارا

ويسرق ليله الّا نكالا

وقول الآخر

وما الدهر الّا منجنونا باهله

وما صاحب الحاجات الّا معذبا

وكذلك لو تقدم الخبر لان ما عامل ضعيف لا قوة لها على شيء من التصرف فلذلك لم تعمل حال تقدم خبرها على الاسم الّا فيما ندر من قول الفرزدق

فاصبحوا قد اعاد الله نعمتهم

اذ هم قريش واذ ما مثلهم بشر

ولا يجوز تقديم معمول خبر ما على اسمها الّا اذا كان ظرفا او حرف جرّ تقول ما زيد آكلا طعامك ولو قدمت الطعام على زيد لم يجز الّا ان ترفع الخبر نحو ما طعامك

٥٦

زيد آكل قال الشاعر

وقالوا تعرّفها المنازل من منى

وما كل من وافى منى انا عارف

وتقول ما عندك زيد مقيما وما بي انت معنيا بتقديم معمول خبر ما على اسمها اجازوا ذلك في الظرف والجار والمجرور لانه يتوسع فيهما ما لا يتوسع في غيرهما

ورفع معطوف بلكن أو ببل

من بعد منصوب بما الزم حيث حل

لا يجوز نصب المعطوف بلكن ولا ببل على خبر ما لان المعطوف بهما موجب وما لا تنصب الخبر الّا منفيا فاذا عطف بهما على خبر ما وجب رفع المعطوف لكونه خبر مبتدا محذوف تقول ما زيد قائما بل قاعد وما عمرو شجاعا لكن كريم المعنى بل هو قاعد ولكن هو كريم

وبعد ما وليس جرّ البا الخبر

وبعد لا ونفي كان قد يجر

كثيرا ما تزاد باء الجرّ في الخبر بعد ما وليس توكيدا للنفي نحو. وما ربك بغافل وأ ليس الله بكاف عبده. وقد تزاد في الخبر بعد لا كقول سواد بن قارب

فكن لي شفيعا يوم لا ذو شفاعة

بمغن فتيلا عن سواد بن قارب

ومثله لا خير بخير بعده النار اذا قدر معناه لا خير خيرا بعده النار ويجوز ان يكون المعنى لا خير في خير بعده النار وبعد نفي كان كقوله

وان مدت الايدي الى الزاد لم اكن

بأعجلهم اذ اجشع القوم اعجل

وفي مواضع اخر كقوله تعالى. (أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّ اللهَ الَّذِي خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ وَلَمْ يَعْيَ بِخَلْقِهِنَّ بِقادِرٍ.) وكقول الشاعر

دعاني اخي والخيل بيني وبينه

فلما دعاني لم يجدني بقعدد

وقول الآخر

يقول اذا قلولى عليها واقردت

ألا هل اخو عيش لذيذ بدائم

وقول امرىء القيس

فان تنأ عنها حقبة لا تلافها

فانك مما احدثت بالمجرب

في النّكرات أعملت كليس لا

وقد تلي لات وإن ذا العملا

وما للات في سوى حين عمل

وحذف ذي الرّفع فشاو العكس قل

٥٧

يجوز في لا النافية ان تعمل عمل ليس ان كان الاسم نكرة نحو لا رجل افضل منك قال الشاعر

تعزّ فلا شيء على الارض باقيا

ولا وزر مما قضى الله واقيا

وقال الآخر

من صدّ عن نيرانها

فانا ابن قيس لا براح

اراد لا براح لي فترك تكرير لا ورفع الاسم بعدها دليل على الحاقها بليس وقد تزاد التاء مع لا لتأنيث اللفظ والمبالغة في معناه فتعمل العمل المذكور في اسماء الاحيان لا غير نحو حين وساعة وأوان والاعرف حينئذ حذف الاسم كقوله تعالى. (وَلاتَ حِينَ مَناصٍ.) المعنى ليس هذا الحين حين مناص أي فرار واما الساعة والاوان قال الشاعر

ندم البغاة ولات ساعة مندم

والبغي مرتع مبتغيه وخيم

وقال الآخر

طلبوا صلحنا ولات اوان

فأجبنا ان ليس حين بقاء

اراد ولات اوان صلح فقطع اوان عن الاضافة في اللفظ فبناها وآثر بناءها على الكسر تشبيها بنزال ونونها للضرورة وقد يحذفون خبر لات ويبقون اسمها كقراءة بعضهم.

(وَلاتَ حِينَ مَناصٍ). ولم يثبتوا بعدها الاسم والخبر جميعا وقد ندر اجراء ان النافية مجرى ليس في قراءة سعيد بن جبير. ان الذين تدعون من دون الله عبادا امثالكم.

وكقول الشاعر

ان هو مستوليا على احد

الّا على اضعف المجانين

(أفعال المقاربة)

ككان كاد وعسى لكن ندر

غير مضارع لهذين خبر

وكونه بدون أن بعد عسى

نزر وكاد الأمر فيه عكسا

وكعسى حرى ولكن جعلا

خبرها حتما بأن متّصلا

وألزموا اخلولق ان مثل حرى

وبعد أوشك انتفا أن تزرا

٥٨

ومثل كاد في الأصحّ كربا

وترك أن مع ذي الشروع وجبا

كأنشأ السّائق يحدو وطفق

كذا جعلت وأخذت وعلق

افعال المقاربة على ثلاثة اضرب لان منها ما يدل على رجاء الفعل وهو عسى وحرى واخلولق ومنها ما يدل على مقاربته في الامكان وهو كاد وكرب واوشك ومنها ما يدل على الشروع فيه وهو انشأ وطفق وجعل واخذ وعلق وكل هذه الافعال مستوية في اللحاق بكان في رفع الاسم ونصب الخبر لانها مثل كان في الدخول على مبتدإ وخبر في الاصل لكن التزم في هذا الباب كون الخبر فعلا مضارعا الّا فيما ندر مما جاء مفردا كقول الراجز

اكثرت في العذل ملحا دائما

لا تكثرن اني عسيت صائما

وقول الآخر

فأبت الى فهم وما كدت آيبا

وكم مثلها فارقتها وهي تصفر

او جملة اسمية كقوله

وقد جعلت قلوص ابني زياد

من الاكوار مرتعها قريب

او فعلا ماضيا كقول ابن عباس رضي‌الله‌عنه. فجعل الرجل اذا لم يستطع ان يخرج ارسل رسولا. فهذا ونحوه نادر والمطرد كون الخبر فعلا مضارعا مقرونا بان المصدرية او مجردا منها فيقرن بان بعد افعال الرجاء نحو عسى الله ان يتوب عليهم وحرى زيد ان يقوم واخلولقت السماء ان تمطر وربما تجرد منها بعد عسى كقول الشاعر

عسى الهمّ الذي امسيت فيه

يكون وراءه فرج قريب

فان قلت كيف جاز اقتران الخبر ههنا بان المصدرية مع انه يلزم منه الاخبار عن اسم العين بالمصدر قلت يجوز مثل ذلك على المبالغة او حذف المضاف كانه قيل عسى امر زيد ان يقوم والأولى جعل ان بصلتها مفعولا به على اسقاط الجار والفعل قبلها تام قال سيبويه تقول عسيت ان تفعل كذا فانّ ههنا بمنزلتها في قاربت ان تفعل وبمنزلة دنوت ان تفعل واخلولقت السماء ان تمطر فهذا نص منه على انّ ان تفعل بعد عسى ليس خبرا والحق انّ افعال المقاربة ملحقة بكان اذا لم يقترن الفعل بعدها بان اما اذا اقترن بها فلا واما افعال المقاربة في الامكان فيجوز في الفعل الذي بعدها اقترانه بان وتجرده منها الا ان الاعرف تجرده بعد كاد وكرب نحو كادوا يكونون عليه لبدا

٥٩

وقال الشاعر

كرب القلب من جواه يذوب

حين قال الوشاة هند غضوب

وقد يقترن بان بعدهما كقول عمر رضي‌الله‌عنه. ما كدت ان اصلي العصر حتى كادت الشمس ان تغرب. ومثله قول الشاعر

ابيتم قبول السلم منا فكدتم

لدى الحرب ان تغنوا السيوف عن السلّ

وقول الآخر في كرب

سقاها ذوو الاحلام سجلا على الظما

وقد كربت اعناقها ان تقطعا

ومثله

قد برت او كربت ان تبورا

لما رأيت بيهسا مثبورا

ولم يذكر سيبويه في كرب الا تجريد خبرها من ان فلذلك قال الشيخ ومثل كاد في الاصح كربا واما اوشك فالامر فيها على العكس من كاد قال الشاعر

ولو سئل الناس التراب لأوشكوا

اذا قيل هاتوا ان يملوا ويمنعوا

وقد يقال اوشك زيد يفعل والوجه اوشك ان يفعل واما افعال الشروع فلا يقترن الخبر بعدها بان لانها للانشاء فخبرها حال فلا يجوز ان تصحبه ان لانها لا تدخل على المضارع الّا مستقبلا تقول انشأ السائق يحدو وطفق زيد يحدو وجعلت افعل واخذت اكتب وعلقت انشىء بتجريد الخبر من ان لا غير

واستعملوا مضارعا لأوشكا

وكاد لا غير وزادوا موشكا

جميع افعال المقاربة لا تتصرف ولا يستعمل منها غير مثال الماضي الّا كاد واوشك اما كاد فجاءوا لها بمضارع لا غير نحو يكاد زيتها يضيء واما اوشك فجاءوا لها بمضارع نحو قول الشاعر

يوشك من فرّ من منيته

في بعض غرّاته يوافقها

وهو فيها اعرف من مثال الماضي وربما جاءوا لها باسم فاعل كقول الشاعر

فموشكة ارضنا ان تعود

خلاف الانيس وحوشا يبابا

بعد عسى اخلولق أوشك قد يرد

غنى بأن يفعل عن ثان فقد

وجرّدن عسى أو ارفع مضمرا

بها إذا اسم قبلها قد ذكرا

يجوز اسناد عسى وإخلولق واوشك الى ان يفعل فيستغنى به عن الخبر تقول عسى ان

٦٠