شرح ألفيّة ابن مالك

ابن ناظم

شرح ألفيّة ابن مالك

المؤلف:

ابن ناظم


الموضوع : اللغة والبلاغة
المطبعة: مطبعة القديس جاورجيوس
الطبعة: ٠
الصفحات: ٣٥٥

اسْتَجارَكَ.) فلو كان الرافع للمضارع وقوعه موقع الاسم مطلقا لما كان بعد ان الشرطية الّا مرفوعا واللازم منتف فالملزوم كذلك فان قيل ما ذكرتموه معارض بان ما قاله الكوفيون باطل لان التجريد من الناصب والجازم امر عدميّ والرفع امر وجوديّ فكيف يصح ان يكون الامر العدميّ علة لامر وجوديّ فجوابه لا نسلم ان التجريد من الناصب والجازم عدميّ لانه عبارة عن استعمال المضارع على اول احواله مخلّصا عن لفظ يقتضي تغييره واستعمال الشيء والمجيء به على صفة ما ليس بعدميّ

وبلن انصبه وكي كذا بأن

لا بعد علم والّتي من بعد ظن

فانصب بها والرّفع صحح واعتقد

تخفيفها من أنّ فهو مطّرد

وبعضهم أهمل أن حملا على

ما أختها حيث استحقّت عملا

ونصبوا بإذن المستقبلا

إن صدّرت والفعل بعد موصلا

أو قبله اليمين وانصب وارفعا

إذا إذن من بعد عطف وقعا

الادوات التي تنصب المضارع هي لن وكي وان واذن فاما لن فحرف نفي مختص بالمضارع ويخلصه للاستقبال وينصبه كما تنصب لا الاسم وذلك كقولك لن يقوم زيد ولن يذهب عمرو ونحو ذلك واما كي فتكون اسما مخففا من كيف فتدخل على الاسم والفعل الماضي والمضارع المرفوع كقول الشاعر

كي تجنحون الى سلم وما ثئرت

قتلاكم ولظى الهيجاء تضطرم

وتكون حرفا فتدخل على ما الاستفهامية او المصدرية او على فعل مضارع منصوب فاذا دخلت على ما فهي حرف جرّ لمساواتها معها للام التعليل معنى واستعمالا وذلك قولهم في السوال عن العلة كيمه كما يقولون له وكقول الشاعر

اذا انت لم تنفع فضرّ فانما

يراد الفتى كيما يضرّ وينفع

فجعل ما مصدرية وادخل عليها كي كما تدخل عليها اللام والمعنى انما يراد الفتى للضر والنفع واذا دخلت على الفعل المضارع فلا يكون ذلك الّا على معنى التعليل كقولك جئت كي تحسن اليّ فالوجه ان تكون مصدرية ناصبة للمضارع ولام الجرّ قبلها مقدرة وذلك لكثرة وقوع اللام قبلها كقوله تعالى. (لِكَيْلا تَأْسَوْا عَلى ما فاتَكُمْ.) وحرف الجرّ لا يدخل على مثله ولا يباشره الّا في ضرورة قليلة وانما يدخل على اسم اما صريح او

٢٦١

مؤوّل به فلو لا ان كي هنا مع الفعل بمنزلة المصدر ما جاز ان تدخل عليها اللام ويجوز في كي مع الفعل اذا كانت مجردة من اللام ان تكون الجارة والفعل بعدها منصوب بان مضمرة كما ينتصب بعد اللام بدليل ظهور ان بعد كي في الضرورة كقول الشاعر

فقالت أكل الناس اصبحت مانحا

لسانك كيما ان تغرّ وتخدعا

واما ان فتكون زائدة ومفسرة ومصدرية فالزائدة هي التالية للما التوقيتية كما هي في قوله تعالى. (فَلَمَّا أَنْ جاءَ الْبَشِيرُ.) والمفسرة هي الداخلة على جملة مبينة حكاية ما قبلها من دالّ على معنى القول بغير حروفه كالتي في قوله تعالى. (فَأَوْحَيْنا إِلَيْهِ أَنِ اصْنَعِ الْفُلْكَ.) وفي قوله تعالى. (وَانْطَلَقَ الْمَلَأُ مِنْهُمْ أَنِ امْشُوا.) اي انطلقت السنتهم بهذا القول والمصدرية هي التي مع الفعل في تأويل مصدر وتنقسم الى مخففة من أنّ وناصبة للمضارع فان كان العامل فيها من افعال العلم وجب ان تكون المخففة وتعين في المضارع بعدها الرفع الّا ان يكون العلم في معنى غيره ولذلك اجاز سيبويه ما علمت الّا ان تقوم بالنصب قال لانه كلام خرج مخرج الاشارة فجرى مجرى قولك اشير عليك ان تفعل وان كان العامل في ان من غير افعال العلم والظن وجب ان تكون غير المخففة وتعين في المضارع بعدها النصب كقولك اريد ان تقوم وان كان العامل فيها من افعال الظن جاز فيها الامران وصح في المضارع بعدها النصب والرفع الّا ان النصب هو الاكثر ولذلك اتفق عليه في قوله تعالى. (أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا.)

واختلف في قوله تعالى. (وَحَسِبُوا أَلَّا تَكُونَ فِتْنَةٌ.) فقرأ برفع تكون ابو عمرو وحمزة والكسائي وقرأ الباقون بنصبه ومن العرب من يجيز اهمال غير المخففة حملا على ما المصدرية فيرفع المضارع بعدها كقول الشاعر

ان تقرآن على اسماء ويحكما

مني السّلام وان لا تشعرا احدا

فان الاولى والثانية مصدريتان غير مخففتين وقد اعملت احداهما واهملت الاخرى ومن اهمالها قراءة بعضهم قوله تعالى. (لِمَنْ أَرادَ أَنْ يُتِمَّ الرَّضاعَةَ.) وقول الشاعر

اذا متّ فادفني الى جنب كرمة

تروّي عظامي في الممات عروقها

ولا تدفنني في الفلاة فانني

اخاف اذا ما مت ان لا اذوقها

واما اذن فحرف جواب يختص بجملة واقعة جوابا لشرط مقدر وقد يكون مذكورا كقول الشاعر

٢٦٢

لئن عاد لي عبد العزيز بمثلها

وامكنني منها اذن لا أقيلها

وينصب بها المضارع بشرط كونه مستقبلا وكون اذن مصدّرة والفعل متصل بها او منفصل بقسم كقولك لمن قال ازورك غدا اذن اكرمك واذن والله اكرمك فلو كان المضارع بمعنى الحال وجب رفعه لان فعل الحال لا يكون الّا مرفوعا وذلك قولك لمن قال انا احبك اذن اصدقك وكذا لو كانت اذن غير مصدرة فتوسطت بين ذي خبر وخبره او بين ذي جواب وجوابه لانها هناك تشبه الظن المتوسط بين المفعولين فوجب الغاؤها فيه كما جاز الغاء الظن في مثله واما قول الراجز

لا تتركني فيهم شطيرا

اني اذن اهلك او اطيرا

فشاذ لا يقاس عليه ولو توسطت اذن بين عاطف ومعطوف جاز الغاؤها واعمالها والغاؤها اجود وبه قرأ القراء السبعة في قوله تعالى. (وَإِذاً لا يَلْبَثُونَ خِلافَكَ إِلَّا قَلِيلاً.)

وفي بعض الشواذ اذا لا يلبثوا بالنصب على الاعمال ولو كان الفعل منفصلا من اذن بغير قسم كقولك اذن انا اكرمك وجب الغاؤها لان غير القسم جزء من الجملة فلا تقوى اذن معه على العمل فيما بعده بخلاف القسم فانه زائد مؤكد فلم يمنع الفصل به من النصب هنا كما لم يمنع من الجرّ في قولهم ان الشاة لتجتر فتسمع صوت والله ربها حكاه ابو عبيدة وفي قولهم هذا غلام والله زيد واشتريته بوالله الف درهم حكاه ابن كيسان عن الكسائي وحكى سيبويه عن بعض العرب الغاء اذن مع استيفاء شروط العمل وهو القياس لانها غير مختصة وانما اعملها الاكثرون حملا على ظنّ لانها مثلها في جواز تقدمها على الجملة وتأخرها عنها وتوسطها بين جزئيها كما حملت ما على ليس لانها مثلها في نفي الحال

وبين لا ولام جرّ التزم

إظهار أن ناصبة وإن عدم

لا فأن اعمل مظهرا أو مضمرا

وبعد نفي كان حتما أضمرا

أولى نواصب الافعال بالعمل أن لاختصاصها بالفعل وشبهها في اللفظ والمعنى بما يعمل النصب في الاسماء وهو أن المصدرية فلذلك جاز في أن دون اخواتها ان تعمل في الفعل مظهرة ومضمرة فتعمل مضمرة باطراد بعد ستة احرف لام الجرّ واو بمعنى الى او الّا وحتى بمعنى الى او كي وفاء الجواب وواو المصاحبة والعاطف على اسم لا يشبه الفعل ولا تعمل مضمرة فيما سوى ذلك الّا على وجه الشذوذ وسيأتي التنبيه عليه ان شاء الله تعالى

٢٦٣

اما لام الجرّ فلأن مع الفعل بعدها ثلاثة احوال وجوب الاظهار ووجوب الاضمار وجواز الامرين فيجب الاظهار مع الفعل المقرون بلا كقوله تعالى. (لِئَلَّا يَعْلَمَ أَهْلُ الْكِتابِ.) ويجب الاضمار مع الفعل اذا كانت اللام قبله زائدة لتوكيد نفي كان كقوله تعالى. (وَما كانَ اللهُ لِيَظْلِمَهُمْ.) وتسمي لام الجحود ويجوز الاضمار والاظهار مع الفعل الواقع بخلاف ذلك سواء كانت اللام للتعليل كقولك جئتك لتحسن وما فعلت ذلك لتغضب وتسمى لام كي او للعاقبة كقوله تعالى. (فَالْتَقَطَهُ آلُ فِرْعَوْنَ لِيَكُونَ لَهُمْ عَدُوًّا وَحَزَناً.)

او زائدة كقوله تعالى. (يُرِيدُ اللهُ لِيُبَيِّنَ لَكُمْ.) فالفعل في هذه المواضع منصوب بان مضمرة ولو اظهرتها في امثال ذلك لحسن واما او فقد اشار الى اضمار ان بعدها بقوله

كذاك بعد أو إذا يصلح في

موضعها حتّى أو الّا أن خفي

يعني انه كما اضمرت أن الناصبة حتما بعد لام الجرّ المؤكدة لنفي كان كذلك تضمر حتما وتخفي بعد او اذا صلح في مكانها حتى او الّا يريد حتى التي بمعنى الى لا التي بمعنى كي والحاصل انه ينصب المضارع بان لازمة الاضمار بعد او بمعنى الى او الّا فان كان ما قبلها مما ينقضي شيئا فشيئا فهي بمعنى الى والّا فهي بمعنى الأمثال الاول قولك لأنتظرنه او مجيء تقديره لأنتظرنه الى ان يجيء ونحوه قول الشاعر

لاستسهلنّ الصعب او ادرك المنى

فما انقادت الآمال الّا لصابر

ومثال الثاني قولك لأقتلنّ الكافر او يسلم تقديره لاقتلنّ الكافر الّا ان يسلم ونحوه قول الشاعر

وكنت اذا غمزت قناة قوم

كسرت كعوبها او تستقيما

وقول الآخر

لأجدّلنك او تملك فتيتي

بيدي صغار طارفا وتليدا

فان قلت او المذكورة حرف عطف واقع بعد فعل فكيف نصب الفعل بعدها باضمار ان مع كون ان والفعل في تأويل الاسم فكيف صح عطف الاسم على الفعل قلت صح ذلك على تأويل الفعل قبل او بمصدر معمول لكون مقدر فاذا قلت لأنتظرنه او يجيء او لأقتلنّ الكافر او يسلم فهو محمول على تقدير ليكوننّ انتظار مني او مجيء منه وليكوننّ قتل مني للكافر او اسلام منه وكذا جميع ما جاء من هذا القبيل فان قلت فلم نصبوا الفعل بعد او حتى احتاجوا الى هذا التأويل قلت ليفرقوا بين او التي

٢٦٤

تقتضي مساواة ما قبلها لما بعدها في الشك فيه وبين او التي تقتضي مخالفة ما قبلها لما بعدها في ذلك فانهم كثيرا ما يعطفون الفعل المضارع على مثله بأو في مقام الشك في الفعلين تارة وفي مقام الشك في الثاني منهما اخرى فقط فاذا ارادوا بيان المعنى الاول رفعوا ما بعد أو فقالوا افعل كذا او اترك ليؤذن الرفع بان ما قبل او مثل ما بعدها في الشك واذا ارادوا بيان المعنى الثاني نصبوا ما بعد او فقالوا لأنتظرنه او يجيء ولأقتلنّ الكافر او يسلم ليؤذن النصب بان ما قبل او ليس مثل ما بعدها في الشك لكونه محقق الوقوع او راجحه فلما احتج الى النصب ليعلم هذا المعنى احتيج له الى عامل ولم يجز ان تكون او لعدم اختصاصها فتعين ان تكون ان مضمرة واحتيج لتصحيح الاضمار الى التأويل المذكور واما حتى فقد اشار الى نصب الفعل بعدها باضمار ان بقوله

وبعد حتّى هكذا إضمار أن

حتم كجد حتّى تسرّ ذا حزن

وتلو حتّى حالا أو مؤوّلا

به ارفعنّ وانصب المستقبلا

حتى حرف غاية وتأتي في الكلام على ثلاثة اضرب عاطفة وابتدائية وجارة فالعاطفة تعطف بعضا على كله كقولك اكلت السمكة حتى رأسها والابتدائية تدخل على جملة مضمونها غاية لشيء قبلها وقد تكون اسمية كقول الشاعر

فما زالت القتلى تمجّ دماءها

بدجلة حتى ماء دجلة اشكل

وقد تكون فعلية كقولهم شربت الابل حتى يجيء البعير يجرّ بطنه والجارة تدخل الاسم على معنى الى والفعل ايضا على معنى الى وقد تدخله على معنى كي ويجب حينئذ ان تضمر ان لتكون مع الفعل في تأويل مصدر مجرور بحتى ولا يجوز ان تظهر فاذا دخلت حتى على الفعل المضارع فهي اما جارة واما ابتدائية فان كان الفعل مستقبلا او في حكم المستقبل فحتى حرف جرّ بمعنى الى او كي والفعل بعدها لازم النصب بان المضمرة وذلك نحو قولك لاسيرنّ حتى تغرب الشمس ولأنوينّ حتى يغفر لي والمعنى لأسيرنّ الى ان تغرب الشمس ولأنوينّ كي يغفر لي وان كان الفعل بعد حتى حالا او في تقدير الحال فهي حرف ابتداء والفعل بعدها لازم الرفع لخلوه عن ناصب او جازم فالحال المحقق كقولك سرت البارحة حتى ادخلها الآن ومرض فلان حتى لا يرجونه وسألت عنه حتى لا احتاج الى سؤال والحال المقدر ان يكون الفعل قد

٢٦٥

وقع فيقدر المخبر به اتصافه بالدخول فيه فيرفع لانه حال بالنسبة الى تلك الحال وقد يقدر اتصافه بالعزم عليه فينصب لانه مستقبل بالنسبة الى تلك الحال ومنه قوله تعالى. (وَزُلْزِلُوا حَتَّى يَقُولَ الرَّسُولُ.) قرأ نافع بالرفع والباقون بالنصب واما فاء الجواب وواو المصاحبة فقد اشار الى نصب الفعل بعدهما باضمار ان بقوله

وبعد فاجواب نفي أو طلب

محضين أن وسترها حتم نصب

والواو كالفا إن تفد مفهوم مع

كلا تكن جلدا وتظهر الجزع

أن مبتدأ ونصب خبره وسترها حتم حال من فاعل نصب وبعد حال من مفعوله المحذوف التقدير أن تنصب الفعل مضمرة اضمارا لازما وذلك اذا كان الفعل بعد الفاء المجاب بها نفي او طلب وهو امر او نهي او دعاء او استفهام او عرض أو تحضيض او تمن فالنفي نحو ما تأتينا فتحدثنا ونحو قوله تعالى. (لا يُقْضى عَلَيْهِمْ فَيَمُوتُوا.) والامر نحو زرني فازورك وكقول الراجز

يا ناق سيري عنقا فسيحا

الى سليمان فنستريحا

والنهي نحو قوله تعالى. (وَلا تَطْغَوْا فِيهِ فَيَحِلَّ.) والدعاء كقول الشاعر

ربّ وفقني فلا اعدل عن

سنن الساعين في خير سنن

والاستفهام كقول الآخر

هل تعرفون لباناتي فارجو أن

تقضى فيرتدّ بعض الروح في الجسد

والعرض نحو ألا تنزل عندنا فتصيب خيرا وكقول الشاعر

يا ابن الكرام ألا تدنو فتبصر ما

قد حدثوك فما راء كمن سمعا

والتحضيض نحو قوله تعالى. (لَوْ لا أَخَّرْتَنِي إِلى أَجَلٍ قَرِيبٍ فَأَصَّدَّقَ.) والتمني نحو قوله تعالى. (يا لَيْتَنِي كُنْتُ مَعَهُمْ فَأَفُوزَ فَوْزاً عَظِيماً.) وكقول الشاعر

يا ليت امّ خليد واعدت فوفت

ودام لي ولها عمر فنصطحبا

ولا ينصب الفعل بعد الفاء مسبوقة بغير نفي او طلب الّا لضرورة كقول الشاعر

سأترك منزلي لبني تميم

وألحق بالحجاز فاستريحا

او لتقدم ترج او شرط او جزائه وستقف على التنبيه عليه ولا يجوز النصب بعد شيء من ذلك الّا بثلاثة شروط الاول ان يكون النفي خالصا من معنى الاثبات الثاني ان لا يكون الطلب اسم فعل ولا بلفظ الخبر كما قد اشار اليهما بقوله محضين ولذلك

٢٦٦

وجب رفع ما بعد الفاء في نحو ما انت الّا تأتينا فتحدثنا وما تزال تأتينا فتحدثنا وما قام فياكل الّا طعامه وقول الشاعر

وما قام منا قائم في نديّنا

فينطق الّا بالتي هي اعرف

وفي نحو صه فاسكت وحسبك الحديث فينام الناس واجاز الكسائي نصب ما بعد الفاء في هذين لانه في معنى اسكت فاسكت واكتف بالحديث فينام الناس الشرط الثالث ان يقصد بالفاء الجزاء والسببية ولا يكون الفعل بعدها مبنيا على مبتدأ محذوف فلو قصد بالفاء مجرد العطف او بالفعل بعدها بناؤه على محذوف وجب الرفع فقيل ما تأتينا فتحدثنا على معنى ما تأتينا فما تحدثنا او ما تأتينا فانت تحدثنا قال الله تعالى. (وَلا يُؤْذَنُ لَهُمْ فَيَعْتَذِرُونَ.) اي فهم يعتذرون اما اذا قصد بالفاء معنى السببية ولا ينوى مبتدأ فليس في الفعل بعدها الّا النصب نحو ما تأتينا فتحدثنا بمعنى ما تأتينا محدثا او ما تأتينا فكيف تحدثنا فلما ارادوا بيان هذا المعنى نصبوا بان مضمرة على انها والفعل في تأويل مصدر معطوف على مصدر متأول من الفعل المتقدم معمولا لكون محذوف تقديره في نحو ما تأتينا فتحدثنا ما يكون منك اتيان فحديث مني وفي نحو زرني فازورك اي لتكن زيارة منك فزيارة مني وكذا ما اشبهه وجميع المواضع التي ينتصب فيها المضارع باضمار ان بعد الفاء ينتصب فيها بذلك بعد الواو اقصد بها المصاحبة وذلك نحو قوله تعالى. (وَلَمَّا يَعْلَمِ اللهُ الَّذِينَ جاهَدُوا مِنْكُمْ وَيَعْلَمَ الصَّابِرِينَ.)

وقول الشاعر

فقلت ادعي وأدعو انّ أندى

لصوت ان ينادي داعيان

وقول الآخر

لا تنه عن خلق وتأتي مثله

عار عليك اذا فعلت عظيم

وقول الآخر

ألم أك جاركم ويكون بيني

وبينكم المودة والاخاء

وقوله تعالى. (يا لَيْتَنا نُرَدُّ وَلا نُكَذِّبَ بِآياتِ رَبِّنا وَنَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ.) في قراءة حمزة وابن عامر وحفص وقرأ الباقون ونكون بالرفع على معنى ونحن نكون قال ابن السراج الواو تنصب ما بعدها في غير الموجب من حيث انتصب ما بعد الفاء وانما تكون كذلك اذا لم ترد الاشتراك بين الفعل والفعل واردت عطف الفعل على مصدر الفعل الذي قبلها كما كان في الفاء واضمرت ان وتكون الواو في هذا بمعنى مع

٢٦٧

فقط ولا بد مع هذا الذي ذكره من رعاية ان لا يكون الفعل بعد الواو مبنيا على مبتدأ محذوف لانه متى كان كذلك وجب رفعه ومن ثم جاز فيما بعد الواو في نحو لا تاكل السمك وتشرب اللبن ثلاثة اوجه الجزم على التشريك بين الفعلين في النهي والنصب على النهي عن الجمع والرفع على ذلك المعنى ولكن على تقدير لا تاكل السمك وانت تشرب اللبن واما العاطف على اسم لا يشبه الفعل فقد اشار الى نصب المضارع بعده بان جائزة الاضمار بعد ما اعترض بذكر ما يجزم من الجواب عند حذف الفاء وذكر النصب بعد الفاء في جواب الترجي في قوله

وبعد غير النّفي جزما اعتمد

إن تسقط الفا والجزاء قد قصد

وشرط جزم بعد نهي أن تضع

إن قبل لا دون تخالف يقع

والأمر إن كان بغير افعل فلا

تنصب جوابه وجزمه اقبلا

والفعل بعد الفاء في الرّجا نصب

كنصب ما إلى التّمنّي ينتسب

وإن على اسم خالص فعل عطف

تنصبه أن ثابتا أو منحذف

يجب في جواب غير النفي اذا خلا من الفاء وقصد الجزاء ان يجزم لانه جواب شرط مضمر دل عليه الطلب المذكور لقربه من الطلب وشبهه به في احتمال الوقوع وعدمه فصلح ان يدل على الشرط ويجزم بعده الجواب بخلاف النفي فانه يقتضي تحقق عدم الوقوع كما يقتضي الايجاب تحقق وجوده فكما لا يجزم الجواب بعد الموجب كذلك لا يجزم بعد النفي وانما يجزم بعد الامر ونحوه من الطلب كقولك زرني ازرك تقديره زرني فان تزرني ازرك وقيل لا حاجة الى هذا التقدير بل الجواب مجزوم بالطلب لتضمنه معنى حرف الشرط وهو مشكل لان معنى الشرط لا بد له من فعل شرط ولا يجوز ان يكون هو الطلب بنفسه ولا مضمنا له مع معنى حرف الشرط لما في ذلك من التعسف ولما فيه من زيادة مخالفة الاصل ولا مقدرا بعده لقبح اظهاره بدون حرف الشرط بخلاف اظهاره معه ولا يجوز ان يجعل للنهي جواب مجزوم الّا اذا كان الشرط المقدر موافقا للمطلوب فيصح ان يدل عليه وعلامة ذلك ان يصح المعنى بتقدير دخول ان على لا نحو لا تدن من الاسد تسلم فللنهي هنا جواب مجزوم لان المعنى يصح بقولك ان لا تدن من الاسد تسلم بخلاف قولك لا تدن من الاسد ياكلك فان الجزم فيه

٢٦٨

ممتنع لعدم صحة المعنى بقولك ان لا تدن من الاسد ياكلك واجاز الكسائي جزم جواب النهي مطلقا وما يحتج له به من نحو قول الصحابي يا رسول الله لا تشرف يصبك سهم ومن رواية من روى قوله صلى‌الله‌عليه‌وسلم (من أكل من هذه الشجرة فلا يقرب مسجدنا يؤذنا بريح الثوم) فهو مخرّج على الابدال من فعل النهي لا على الجواب ويساوي فعل الامر في صحة جزم الجواب بعده بدون الفاء ما دل على معناه من اسم فعل او غيره وان لم يساوه في صحة النصب مع الفاء فيقال نزال انزل معك وحسبك ينم الناس وان لم يجز نزال فانزل وحسبك فينام الناس الّا عند الكسائي وألحق الفراء الرجاء بالتمني فجعل له جوابا منصوبا ويجب قبوله لثبوته سماعا كقراءة حفص عن عاصم قوله تعالى. (لَعَلِّي أَبْلُغُ الْأَسْبابَ أَسْبابَ السَّماواتِ فَأَطَّلِعَ إِلى إِلهِ مُوسى.) وكقول الراجز

علّ صروف الدهر او دولاتها

يدلننا اللّمة من لماتها

فتستريح النفس من زفراتها

وينصب المضارع الواقع بعد عاطف على اسم غير شبيه بالفعل كالواو في قول الشاعر

للبس عباءة وتقرّ عيني

أحب اليّ من لبس الشفوف

اراد للبس عباءة وان تقرّ عيني فحذف ان وابقى عملها ولو استقام له الوزن فاثبتها لكان اقيس وكالفاء وثم واو في قول الشاعر

لو لا توقّع معترّ فارضيه

ما كنت أوثر اترابا على ترب

وقول الآخر

اني وقتلي سليكا ثم اعقله

كالثور يضرب لما عافت البقر

وفي قوله تعالى. (أَوْ يُرْسِلَ رَسُولاً.) في قراءة السبعة الّا نافعا بنصب يرسل عطفا على وحيا والاصل ان يرسل ولو كان المعطوف عليه وصفا شبيها بالفعل لم يجز نصب الفعل المعطوف على ذلك الوصف كما قد نبه عليه بقوله وان على اسم خالص اي غير مقصود به معنى الفعل واحترز بذلك من نحو الطائر فيغضب زيد الذباب فان يغضب معطوف على اسم الفاعل ولا يمكن ان ينصب لان اسم الفاعل مؤوّل بالفعل لان التقدير الذي يطير فيغضب زيد الذباب وقد يقع المضارع موقع المصدر في غير المواضع المذكورة فيقدر بان وقياسه مع ذلك ان يرفع كقولهم تسمع بالمعيدي خير من ان تراه تقديره ان تسمع بالمعيدي وكقول الشاعر

٢٦٩

وما راعني الّا يسير بشرطة

وعهدي به قينا يفش بكير

اراد الّا ان يسير وقد ينصب بان المضمرة وهو قليل ضعيف وقد اشار الى مجيئه بقوله

وشذّ حذف أن ونصب في سوى

ما مرّ فاقبل منه ما عدل روى

ومما روي من ذلك قول بعض العرب خذ اللص قبل يأخذك وقول الشاعر

فلم أر مثلها خباسة واحد

ونهنهت نفسي بعد ما كدت أفعله

قال سيبويه اراد بعد ما كدت ان افعله

(عوامل الجزم)

بلا ولام طالبا ضع جزما

في الفعل هكذا بلم ولمّا

واجزم بإن ومن وما ومهما

أيّ متى أيّان أين إذ ما

وحيثما أنّى وحرف إذ ما

كإن وباقي الأدوات أسما

الادوات التي يجزم بها المضارع هي اللام ولا الطلبيتان ولم ولما اختها وان الشرطية وما في معناها اما لام الامر فهي اللام المكسورة الداخلة على المضارع في مقام الامر والدعاء نحو قوله تعالى. (لِيُنْفِقْ ذُو سَعَةٍ.) وقوله تعالى. (لِيَقْضِ عَلَيْنا رَبُّكَ.) ويختار تسكينها بعد الواو والفاء ولذلك اجمع القراء عليه فيما سوى قوله تعالى. (وَلْيُوفُوا نُذُورَهُمْ وَلْيَطَّوَّفُوا.) وقوله تعالى. (وَلِيَتَمَتَّعُوا.) ونحو قوله تعالى (فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي.)

وقوله تعالى. (فَلْيَتَّقُوا اللهَ وَلْيَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً.) وقد تسكن بعد ثم كقراءة ابي عمرو وغيره قوله تعالى. (ثُمَّ لْيَقْضُوا تَفَثَهُمْ.) ودخول هذه اللام على مضارع الغائب والمتكلم والمخاطب المبني للمفعول كثير كقوله تعالى. (وَلْنَحْمِلْ خَطاياكُمْ) وقول النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم (قوموا فلأصلّ لكم) وقولك لتعن بحاجتي ولتزء علينا ودخولها على مضارع المخاطب المبني للفاعل قليل استغنوا عن ذلك بصيغة افعل ومن دخولها عليه قوله عليه‌السلام (لتأخذوا مصافكم) وقراءة أبي وانس قوله تعالى. (فَبِذلِكَ فَلْيَفْرَحُوا.)

ويجوز في الشعر ان تحذف ويبقى جزمها كقول الشاعر

محمد تفد نفسك كل نفس

اذا ما خفت من شيء تبالا

وكقول الآخر

فلا تستطل مني بقائي ومدتي

ولكن يكن للخير منك نصيب

٢٧٠

التقدير لتفد نفسك وليكن للخير منك نصيب فاما نحو قوله تعالى. (قُلْ لِعِبادِيَ الَّذِينَ آمَنُوا يُقِيمُوا الصَّلاةَ.) فالجزم فيه بجواب الامر لا باللام المقدرة والمعنى قل لعبادي اقيموا الصلاة يقيموا فان قيل حمله على ذلك يستلزم ان لا يتخلف احد من المقول لهم عن الطاعة والواقع بخلاف ذلك فجوابه من وجهين احدهما لا تسلم ان الحمل على ذلك يستلزم ان لا يتخلف احد من المقول لهم عن الطاعة لان الفعل مسند اليهم على سبيل الاجمال لا الى كل واحد منهم فيجوز ان يكون التقدير قل لعبادي اقيموا الصلاة يقيمها اكثرهم ثم حذف المضاف واقيم المضاف اليه مقامه فاتصل الضمير تقديرا موافقا لغرض الشارع وهو انقياد الجمهور الثاني سلمنا ان الحمل على ذلك يستلزم ان لا يتخلف احد من المقول لهم عن الطاعة لكن لا نسلم ان الواقع بخلاف ذلك لجواز ان لا يكون المراد بالعباد المقول لهم كل من اظهر الايمان ودخل في زمرة اهله بل خلّص المؤمنين ونجباؤهم واولئك لا يتخلف احد منهم عن الطاعة اصلا واما لا الطلبية فهي الداخلة على المضارع في مقام النهي او الدعاء نحو لا تحزن ولا تؤاخذنا وتصحب فعل المخاطب والغائب كثيرا وقد تصحب فعل المتكلم كقول الشاعر

اذا ما خرجنا من دمشق فلا نعد

لها ابدا ما دام فيها الجراضم

وكقول الآخر

لا أعرفن ربربا حورا مدامعها

مردفات على اعقاب اكواز

واما لم ولما اختها فينفيان المضارع ويقلبان معناه الى المضي ولا بد في منفي لما ان يكون متصلا بالحال وقد يحذف ويوقف على لما كقولهم كلّا ولما اي ولما يكن ذاك وقد احترزت بقولي ولما اختها اي اخت لم من لما الحينية نحو قوله تعالى. (وَلَمَّا جاءَ أَمْرُنا نَجَّيْنا هُوداً.) ومن لما بمعنى الّا نحو عزمت عليك لما فعلت اي الّا فعلت والمعنى ما اسألك الّا فعلك فانّ التي تدخل على المضارع وتجزمه هي لما النافية لا غير وانما عملت هي واخواتها الجزم لانها اختصت بالمضارع ودخلت عليه لمعان لا تكون للاسماء فناسب ان تعمل فيه العمل الخاص بالفعل وهو الجزم واما ان الشرطية فهي التي تقتضي في الاستقبال تعليق جملة على جملة تسمى الاولى منهما شرطا والثانية جزاء ومن حقهما ان يكونا فعليتين ويجب ذلك في الشرط فان كانا مضارعين جزمتهما لانها اقتضتهما فعملت فيهما وذلك نحو ان يقم زيد يقم عمرو ويساوي ان في ذلك الادوات التي في معناها وهي من وما ومهما واي ومتى وايان وابن واذما وحيثما وانّى كقوله

٢٧١

تعالى. (مَنْ يَعْمَلْ سُوءاً يُجْزَ بِهِ.) وكقوله تعالى. (وَما تَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ يَعْلَمْهُ اللهُ.) وكقوله تعالى. (مَهْما تَأْتِنا بِهِ مِنْ آيَةٍ لِتَسْحَرَنا بِها فَما نَحْنُ لَكَ بِمُؤْمِنِينَ.) وكقوله تعالى. (أَيًّا ما تَدْعُوا فَلَهُ الْأَسْماءُ الْحُسْنى.) وكقول الشاعر

ولست بحلّال التلاع مخافة

ولكن متى يسترفد القوم ارفد

وكقول الآخر

ايّان نؤمنك تأمن غيرنا واذا

لم تدرك الأمن منا لم تزل حذرا

وكقول الآخر

صعدة نابتة في حائر

اينما الريح تميلها تمل

وكقول الآخر

وانك اذ ما تأت ما انت آمر

به تلف من اياه تأمر آتيا

وكقول الآخر

حيثما تستقم يقدر لك

الله نجاحا في غابر الازمان

وكقول الآخر

خليليّ أنّى تأتياني تأتيا

أخا غير ما يرضيكما لا يحاول

وعند النحويين ان اذ في اذ ما مسلوب الدلالة على معناه الاصلي مستعمل مع ما المزيدة حرفا بمعنى ان الشرطية وما سوى اذ ما من الادوات المذكورة فاسماء متضمنة معنى ان معمولة لفعل الشرط او الابتداء لا غير فما كان منها اسم زمان او مكان كمتى وابن ونحو ذلك فهو ابدا في موضع منصوب بفعل الشرط على الظرفية وما كان منها اسماء غير ذلك كمن وما ومهما فهو في موضع مرفوع بالابتداء ان كان فعل الشرط مشغولا عنه بالعمل في ضميره كما في نحو من يكرمني اكرمه وما تأمر به افعله والّا فهو في موضع منصوب بفعل الشرط لفظا كما في نحو من تضرب اضرب ومهما تصنع اصنع مثله او محلّا كما في نحو بمن تمرر امرر ولما فرغ من ذكر الجوازم اخذ في الكلام على احكام الشرط والجزاء فقال

فعلين يقتضين شرط قدّما

يتلو الجزاء وجوابا وسما

وماضيين أو مضارعين

تلفيهما أو متخالفين

وبعد ماض رفعك الجزا حسن

ورفعه بعد مضارع وهن

٢٧٢

واقرن بفا حتما جوابا لو جعل

شرطا لإن أو غيرها لم ينجعل

وتخلف الفاء إذا المفاجأه

كإن تجد إذا لنا مكافأه

كل من ادوات الشرط المذكورة يقتضي جملتين تسمى الاولى منهما شرطا والثانية جزاء وجوابا ايضا وحق الجملتين ان تكونا فعليتين ويجب ذلك في الشرط دون الجزاء فقد يكون جملة فعلية تارة واسمية تارة كما ستقف عليه واذا كان الشرط والجزاء فعليتين جاز ان يكون فعلاهما مضارعين وهو الاصل وان يكونا ماضيين لفظا وان يكون الشرط ماضيا والجواب مضارعا وان يكون الشرط مضارعا والجواب ماضيا فالاول نحو قوله تعالى. (وَإِنْ تُبْدُوا ما فِي أَنْفُسِكُمْ أَوْ تُخْفُوهُ يُحاسِبْكُمْ بِهِ اللهُ.) والثاني نحو قوله تعالى. (وَإِنْ عُدْتُمْ عُدْنا.) والثالث نحو قوله تعالى. (مَنْ كانَ يُرِيدُ الْحَياةَ الدُّنْيا وَزِينَتَها نُوَفِّ إِلَيْهِمْ أَعْمالَهُمْ فِيها.) والرابع نحو قول الشاعر

من يكدني بسيّيء كنت منه

كالشجا بين حلقه والوريد

وقول الآخر

ان تصرمونا وصلناكم وان تصلوا

ملاتم انفس الاعداء إرهابا

واكثر النحويين يخصون هذا النوع بالضرورة وليس بصحيح بدليل ما رواه البخاري من قول النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم (من يقم ليلة القدر ايمانا واحتسابا غفر له) ومن قول عائشة رضي‌الله‌عنها ان ابا بكر رجل اسيف متى يقم مقامك رق وما كان ماضيا لفظا من شرط او جواب فهو مجزوم تقديرا واما المضارع فان كان شرطا وجب جزمه لفظا وكذا ان كان جوابا والشرط مضارع وان كان الجواب مضارعا والشرط ماض فالجزم مختار والرفع كثير حسن كقول زهير

وان اتاه خليل يوم مسئلة

يقول لا غائب مالي ولا حرم

ورفعه عند سيبويه على تقدير تقديمه وكون الجواب محذوفا وعند ابي العباس على تقدير الفاء وقد يجيء الجواب مرفوعا والشرط مضارع واليه الاشارة بقوله ورفعه بعد مضارع وهن وذلك نحو قول الشاعر

يا اقرع بن حابس يا اقرع

انك إن يصرع اخوك نصرع

وقول الآخر

فقلت تحمّل فوق طوقك انها

مطبعة من يأتها لا يضيرها

٢٧٣

وقراءة طلحة بن سليمان قوله تعالى. (أَيْنَما تَكُونُوا يُدْرِكْكُمُ الْمَوْتُ.) واعلم ان الجواب متى صح ان يجعل شرطا وذلك اذا كان ماضيا متصرفا مجردا عن قد وغيرها او مضارعا مجردا او منفيا بلا او لم فالاكثر خلوه من الفاء ويجوز اقترانه بها فان كان مضارعا رفع وذلك كقوله تعالى. (إِنْ كانَ قَمِيصُهُ قُدَّ مِنْ قُبُلٍ فَصَدَقَتْ.) وقوله تعالى. (وَمَنْ جاءَ بِالسَّيِّئَةِ فَكُبَّتْ وُجُوهُهُمْ فِي النَّارِ.) وقوله تعالى (فَمَنْ يُؤْمِنْ بِرَبِّهِ فَلا يَخافُ بَخْساً وَلا رَهَقاً.) ومتى لم يصلح ان يجعل الجواب شرطا وذلك اذا كان جملة اسمية او فعلية طلبية او فعلا غير متصرف او مقرونا بالسين او سوف او قد او منفيا بما او لن او ان فانه يجب اقترانه بالفاء نحو قوله تعالى. (إِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِنَ الْبَعْثِ فَإِنَّا خَلَقْناكُمْ.) وقوله تعالى. (إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللهَ فَاتَّبِعُونِي.) وقوله تعالى. (إِنْ تَرَنِ أَنَا أَقَلَّ مِنْكَ مالاً وَوَلَداً فَعَسى رَبِّي أَنْ يُؤْتِيَنِ خَيْراً مِنْ جَنَّتِكَ.) وقوله تعالى. (إِنْ يَسْرِقْ فَقَدْ سَرَقَ أَخٌ لَهُ مِنْ قَبْلُ.) وقوله تعالى. (وَإِنْ تَعاسَرْتُمْ فَسَتُرْضِعُ لَهُ أُخْرى.) وقوله تعالى.

(مَنْ يَرْتَدَّ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِي اللهُ بِقَوْمٍ.) فالفاء في هذه الاجوبة ونحوها ما لا يصلح ان يجعل شرطا واجبة الذكر ولا يجوز تركها الّا في ضرورة او ندور فحذفها في الضرورة كقول الشاعر

من يفعل الحسنات الله يشكرها

والشرّ بالشرّ عند الله مثلان

وكقول الآخر

ومن لم يزل ينقاد للغيّ والهوى

سيلفى على طول السلامة نادما

وحذفها في الندور كما اخرجه البخاري من قوله صلى‌الله‌عليه‌وسلم لأبي بن كعب (فان جاء صاحبها والّا استمتع بها) وتقوم مقام الفاء في الجملة الاسمية اذا المفاجأة كما في قوله كإن تجد اذا لنا مكافأه ومثله قوله تعالى. (وَإِنْ تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ بِما قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ إِذا هُمْ يَقْنَطُونَ.) وهذا لان اذا المفاجأة لا يبتدأ بها ولا تقع الّا بعد ما هو معقب بما بعدها فاشبهت الفاء فجاز ان تقوم مقامها

والفعل من بعد الجزا إن يقترن

بالفا أو الواو بتثليث قمن

وجزم او نصب لفعل إثر فا

وواو ان بالجملتين اكتنفا

اذا جاء بعد جواب الشرط المجزوم مضارع مقرون بالفاء او الواو جاز جزمه عطفا على الجواب ورفعه على الاستئناف ونصبه على اضمار ان قال سيبويه فاذا انقضى الكلام

٢٧٤

ثم جئت بثم فان شئت جزمت وان شئت رفعت وكذا الفاء والواو الّا انه قد يجوز النصب بالفاء والواو وبلغنا ان بعضهم قرأ قوله تعالى. (يُحاسِبْكُمْ بِهِ اللهُ فَيَغْفِرُ لِمَنْ يَشاءُ وَيُعَذِّبُ مَنْ يَشاءُ.) وذكر غير سيبويه انها قراءة ابن عباس وقرأ بالرفع عاصم وابن عامر وبالجزم باقي السبعة وروي بالاوجه الثلاثة نأخذ من قول الشاعر

فان يهلك ابو قابوس يهلك

ربيع الناس والبلد الحرام

ونأخذ بعده بذناب عيش

أجب الظهر ليس له سنام

وجاز النصب بعد الفاء والواو إثر الجزاء لان مضمونه غير محقق الوقوع فاشبه الواقع بعده الواقع بعد الاستفهام واذا وقع مضارع بعد الفاء والواو بين شرط وجزاء جاز جزمه بالعطف على فعل الشرط ونصبه باضمار ان قال سيبويه وسألت الخليل عن قوله ان تأتني فتحدثني احدثك وان تأتنى وتحدثني احدثك فقال هذا يجوز والجزم الوجه ومن شواهد النصب قول الشاعر

ومن يقترب منا ويخضع نؤوه

ولا يخش ظلما ما أقام ولا هضما

والشّرط يغني عن جواب قد علم

والعكس قد يأتي إن المعنى فهم

اذا تقدم على الشرط ما هو الجواب في المعنى اغنى ذلك عن ذكره كما في نحو افعل كذا ان فعلت واذا لم يتقدم على الشرط ما هو الجواب في المعنى فلا بد من ذكره الّا اذا دل عليه دليل فانه حينئذ يسوغ حذفه كما في قوله تعالى. (وَإِنْ كانَ كَبُرَ عَلَيْكَ إِعْراضُهُمْ فَإِنِ اسْتَطَعْتَ أَنْ تَبْتَغِيَ نَفَقاً فِي الْأَرْضِ أَوْ سُلَّماً فِي السَّماءِ فَتَأْتِيَهُمْ بِآيَةٍ.) تتمته.

فافعل. وفي قوله تعالى. (أَفَمَنْ زُيِّنَ لَهُ سُوءُ عَمَلِهِ فَرَآهُ حَسَناً.) تتمته. ذهبت نفسك عليهم حسرة. فحذفت لدلالة فلا تذهب نفسك عليهم حسرات او تتمته كمن هداه الله تعالى منبها عليه بقوله تعالى. (فَإِنَّ اللهَ يُضِلُّ مَنْ يَشاءُ وَيَهْدِي مَنْ يَشاءُ.) واذا دل على فعل الشرط دليل فحذفه بدون ان قليل وحذفه معها كثير فمن حذفه بدون ان قول الشاعر

فطلقها فلست لها بكفء

والّا يعل مفرقك الحسام

اراد وان لا تطلقها يعل مفرقك الحسام

ومثله قول الآخر

متى تؤخذوا قسرا بظنة عامر

ولا ينجح الّا في الصفاد يزيد

٢٧٥

اراد متى تثقفوا تؤخذوا ومن حذف الشرط مع ان قوله تعالى. (فَلَمْ تَقْتُلُوهُمْ.) تقديره ان افتخرتم بقتلهم فلم تقتلوهم انتم ولكن الله قتلهم وقوله تعالى. (فَاللهُ هُوَ الْوَلِيُّ.) تقديره ان ارادوا وليا بحق فالله هو الوليّ بالحق لا وليّ سواه وقوله تعالى. (يا عِبادِيَ الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ أَرْضِي واسِعَةٌ فَإِيَّايَ فَاعْبُدُونِ). اصله فان لم يتأت ان تخلصوا العبادة لي في ارض فاياي في غيرها فاعبدون وقد يحذف الشرط والجزاء ويكتفى بان كقول الشاعر

قالت بنات العم يا سلمى وان

كان فقيرا معدما قالت وان

اي قالت وان كان فقيرا معدما رضيته

واحذف لدى اجتماع شرط وقسم

جواب ما أخّرت فهو ملتزم

وإن تواليا وقبل ذو خبر

فالشّرط رجّح مطلقا بلا حذر

وربّما رجّح بعد قسم

شرط بلا ذي خبر مقدّم

القسم مثل الشرط في احتياجه الى جواب الّا ان جواب القسم مؤكد بان او اللام او منفي وجواب الشرط مقرون بالفاء او مجزوم فاذا اجتمع الشرط والقسم اكتفي بجواب احدهما عن جواب الآخر فان لم يتقدم الشرط والقسم ما يحتاج الى خبر اكتفي بجواب السابق منهما عن جواب صاحبه فيقال في تقدم الشرط ان تقم والله اقم وان تقم والله فلن اقوم وفي تقدم القسم والله ان تقم لأقومنّ وو الله ان تقم ما اقوم وإن تقدم على الشرط والقسم ما يحتاج الى خبر رجح اعتبار الشرط على اعتبار القسم تأخر او تقدم فيقال زيد والله ان تقم يكرمك بالجزم لا غير وربما رجح اعتبار الشرط على القسم السابق وان لم يتقدم عليه مخبر عنه كقول الشاعر

لئن منيت بنا عن غب معركة

لا تلفنا عن دماء القوم ننتفل

وقول الآخر

لئن كان ما حدّثته اليوم صادقا

أصم في نهار القيظ للشمس باديا

واركب حمارا بين سرج وفروة

وأعر من الخانام صغرى شماليا

(فصل لو)

لو حرف شرط في مضيّ ويقل

إيلاؤها مستقبلا لكن قبل

٢٧٦

وهي في الاختصاص بالفعل كإن

لكنّ لو أنّ بها قد تقترن

وإن مضارع تلاها صرفا

إلى المضيّ نحو لو يفي كفى

لو في الكلام على ضربين مصدرية وشرطية فالمصدرية هي التي تصلح في موضعها ان واكثر ما تقع بعد ودّ او ما في معناها كقوله تعالى. (يَوَدُّ أَحَدُهُمْ لَوْ يُعَمَّرُ أَلْفَ سَنَةٍ.)

وقد تقدم ذكرها واما الشرطية فهي للتعليق في الماضي كما انّ ان للتعليق في المستقبل ومن ضرورة كون لو للتعليق في الماضي ان يكون شرطها منتفي الوقوع لانه لو كان ثابتا لكان الجواب كذلك ولم يكن تعليق في البين بل ايجاب لايجاب لكن لو للتعليق لا للايجاب فلا بد من كون شرطها منتفيا واما جوابها فان كان مساويا للشرط في العموم كما في قولك لو كانت الشمس طالعة كان النهار موجودا فلا بد من انتفائه ايضا وان كان اعم من الشرط كما في قولك لو كانت الشمس طالعة كان الضوء موجودا فلا بد من انتفاء القدر المساوي منه للشرط ولذلك تسمع النحويين يقولون لو حرف يدل على امتناع الشيء لامتناع غيره اي تدل على امتناع الجواب لامتناع الشرط ولا يريدون انها تدل على امتناع الجواب مطلقا لتخلفه في نحو لو ترك العبد سوال ربه لأعطاه وانما يريدون انها تدل على انتفاء المساوي من جوابها للشرط والأولى ان يقال لو حرف شرط يقتضي نفي ما يلزم من ثبوته ثبوت غيره فينبه على انها تقتضي لزوم شيء لشيء وكون الملزوم منتفيا ولا يتعرّض لنفي اللازم مطلقا ولا لثبوته لانه غير لازم من معناها وذهب بعض النحويين الى ان لو كما تكون للشرط في الماضي كذا تكون للشرط في المستقبل واليه الاشارة بقوله ويقل ايلاؤها مستقبلا لكن قبل اي ويقل ايلاء لو فعلا مستقبلا المعنى وما كان من حقها ان يليها ذلك لكن ورد به السماع فوجب قبوله وعندي ان لو لا تكون لغير الشرط في الماضي وما تمسكوا به من نحو قوله تعالى. (وَلْيَخْشَ الَّذِينَ لَوْ تَرَكُوا مِنْ خَلْفِهِمْ ذُرِّيَّةً ضِعافاً خافُوا عَلَيْهِمْ.)

وقول الشاعر

ولو ان ليلى الاخيلية سلمت

عليّ ودوني جندل وصفائح

لسلمت تسليم البشاشة او زقا

اليها صدّى من جانب القبر صائح

لا حجة فيه لصحة حمله على المضي ولو مثل إن في انّ شرطها لا يكون الّا فعلا وقد شذ عند سيبويه كونه مبتدأ مؤلفا من أنّ وصلتها نحو لو انك جئتني لأكرمتك وشبه

٢٧٧

شذوذ ذلك بانتصاب غدوة بعد لدن فجعل ان بعد لو في موضع رفع بالابتداء وان كانت لا تدخل على مبتدإ غيرها كما ان غدوة بعد لدن تنصب وان كان غيرها بعدها يجب جرّه ومنهم من حمل ان بعد لو على انها فاعل لثبت مضمرا كما اضمر بعد ما المصدرية في قولهم لا افعل ذلك ما انّ في السماء نجما وهو اقرب في القياس ما ذهب اليه سيبويه فان قلت فما تصنع يقول الشاعر

لو بغير الماء حلقي شرق

كنت كالغصان بالماء اعتصاري

قلت قد خرجه ابو علي على ان تقديره لو شرق بغير الماء حلقي هو شرق فقوله هو شرق جملة اسمية مفسرة للفعل المضمر واسهل من هذا التخريج عدي ان يحمل البيت على اضمار كان الشانية وتجعل الجملة المذكورة بعد لو خبرا لها كما فعل مثل ذلك في قول الشاعر

ونبئت ليلى ارسلت بشفاعة

اليّ فهلا نفس ليلى شفيعها

وزعم الزمخشري ان خبر ان بعد لو لا يكون الّا فعلا وهو باطل بنحو قوله تعالى.

(وَلَوْ أَنَّ ما فِي الْأَرْضِ مِنْ شَجَرَةٍ أَقْلامٌ.) وبنحو قول الشاعر

ولو انّ ما ابقيت مني معلق

بعود ثمام ما تأوّد عودها

وقول الآخر

ولو ان حيّا فائت الموت فاته

اخو الحرب فوق القارح العدوان

ولكون لو للتعليق في الماضي غلب دخولها على الفعل الماضي وهو مبني فلذلك اذا دخلت على المضارع لم تعمل فيه شيئا ووجب ان يكون بدخولها مصروفا الى المضي كما في قوله تعالى. (لَوْ يُطِيعُكُمْ فِي كَثِيرٍ مِنَ الْأَمْرِ لَعَنِتُّمْ.) وقول الشاعر

لو يسمعون كما سمعت حديثها

خرّوا لعزّة ركعا وسجودا

ولا يكون جواب لو الّا فعلا ماضيا او مضارعا مجزوما بلم وقلّ ما يخلو من اللام ان كان مثبتا نحو قوله تعالى. (وَلَوْ عَلِمَ اللهُ فِيهِمْ خَيْراً لَأَسْمَعَهُمْ وَلَوْ أَسْمَعَهُمْ لَتَوَلَّوْا وَهُمْ مُعْرِضُونَ.) ومن خلوه منها قوله تعالى. (وَلْيَخْشَ الَّذِينَ لَوْ تَرَكُوا مِنْ خَلْفِهِمْ ذُرِّيَّةً ضِعافاً خافُوا عَلَيْهِمْ.) وان كان منفيا بلم امتنعت اللام وان كان منفيا بما جاز لحاقها والخلو منها الّا ان الخلو منها اجود وبذلك نزل القرآن العظيم فقال تعالى. (وَلَوْ شاءَ رَبُّكَ ما فَعَلُوهُ.) وقد يستغنى عن جواب لو لقرينة كما يستغنى عن جواب ان فمن ذلك قوله تعالى. (وَلَوْ أَنَّ قُرْآناً سُيِّرَتْ بِهِ الْجِبالُ أَوْ قُطِّعَتْ بِهِ الْأَرْضُ أَوْ كُلِّمَ بِهِ الْمَوْتى بَلْ لِلَّهِ

٢٧٨

الْأَمْرُ جَمِيعاً.) وقوله تعالى. (فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْ أَحَدِهِمْ مِلْءُ الْأَرْضِ ذَهَباً وَلَوِ افْتَدى بِهِ.)

وندر حذف شرط لو وجوابها كما في قول الشاعر

ان يكن طبك الدلال فلو في

سالف الدهر والسنين الخوالي

قال ابو الحسن الاخفش اراد فلو كان في سالف الدهر لكان كذا وكذا

(أما ولو لا ولو ما)

أمّا كمهما يك من شيء وفا

لتلو تلوها وجوبا ألفا

وحذف ذي الفاقلّ في نثر إذا

لم يك قول معها قد نبذا

أما حرف تفصيل مؤوّل بمهما يكن من شيء لانه قائم مقام حرف شرط وفعل شرط ولا بد بعده من ذكر جملة هي جواب له ولا بد فيها من ذكر الفاء الّا في ضرورة كقول الشاعر

فاما القتال لا قتال لديكم

ولكنّ سيرا في عراض المواكب

او في ندور نحو ما خرّج البخاري من قوله صلى‌الله‌عليه‌وسلم (اما بعد ما بال رجال يشترطون شروطا ليست في كتاب الله) او فيما حذف منه القول واقيم حكايته مقامه كقوله تعالى. (فَأَمَّا الَّذِينَ اسْوَدَّتْ وُجُوهُهُمْ أَكَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمانِكُمْ.) اي فيقال لهم اكفرتم وما سوى ذلك فذكر الفاء بعد اما فيه لازم نحو اما زيد فقائم والاصل ان يقال اما فزيد قائم فتجعل الفاء في صدر الجواب كما مع غير اما من ادوات الشرط ولكن خولف هذا الاصل مع اما فرارا من قبحه لكونه في صورة معطوف بلا معطوف عليه ففصلوا بين اما والفاء بجزء من الجواب والى ذا الاشارة بقوله وفالتلو تلوها فان كان الجواب شرطيا فصل بجملة الشرط كقوله تعالى. (فَأَمَّا إِنْ كانَ مِنَ الْمُقَرَّبِينَ فَرَوْحٌ وَرَيْحانٌ وَجَنَّةُ نَعِيمٍ.) التقدير مهما يكن من شيء فان كان المتوفى من المقرّبين فجزاؤه روح وريحان وجنة نعيم ثم قدم الشرط على الفاء فالتقى فاآن فحذفت الثانية منهما حملا على اكثر الحذفين نظائر وان كان جواب اما غير شرطيّ فصل بمبتدأ نحو اما زيد فقائم او خبر نحو اما قائم فزيد او معمول فعل او شبهه او معمول مفسر به نحو اما زيدا فاضرب واما زيدا فانا ضارب واما عمرا فاعرض عنه ولا يفصل بين اما والفاء بفعل لان اما قائمة مقام حرف شرط وفعل شرط فلو وليها فعل لتوهم انه

٢٧٩

فعل الشرط ولم يعلم بقيامها مقامه واذا وليها اسم بعده الفاء كان في ذلك تنبيه على ما قصد من كون ما وليها مع ما بعده جوابا

لو لا ولو ما يلزمان الابتدا

إذا امتناعا بوجود عقدا

وبهما التّحضيض مز وهلّا

ألّا ألا وأولينها الفعلا

وقد يليها اسم بفعل مضمر

علّق أو بظاهر مؤخّر

للو لا ولو ما استعمالان احدهما يدلان فيه على امتناع شيء لثبوت غيره وهذا اراد بقوله اذا امتناعا بوجود عقدا اي اذا عقدا وربطا امتناع شيء بوجود غيره ولازما بينهما ويقتضيان حينئذ مبتداء ملتزما حذف خبره وجوبا في الغالب وجوابا مصدّرا بفعل ماض او مضارع مجزوم بلم فان كان الماضي مثبتا قرن باللام غالبا وان كان منفيا تجرّد منها غالبا واذا دل على الجواب دليل جاز حذفه كقوله تعالى. (وَلَوْ لا فَضْلُ اللهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ وَأَنَّ اللهَ تَوَّابٌ حَكِيمٌ.) والاستعمال الآخر يدلان فيه على التحضيض ويختصان بالافعال كقوله تعالى. (لَوْ لا أُنْزِلَ عَلَيْنَا الْمَلائِكَةُ.) وكقوله تعالى. (لَوْ ما تَأْتِينا بِالْمَلائِكَةِ.) ويشاركهما في التحضيض والاختصاص بالافعال هلا والّا وألا وقد يلي حرف التحضيض اسم عامل فيه فعل مؤخر نحو هلّا زيدا ضربت او مضمر كقول الشاعر

ألآن بعد لجاجتي تلحونني

هلّا التقدم والقلوب صحاح

اي هلّا كان التقدم باللحي اذ القلوب صحاح وكقول الآخر

اتيت بعبد الله في القدّ موثقا

فهلا سعيدا ذا الخيانة والغدر

اي فهلّا اسرت سعيدا وكقول الآخر

تعدّون عقر النيب أفضل مجدكم

بني ضوطرى لو لا الكميّ المقنعا

اي لو لا تعدون عقر الكميّ او قتله فحذف مع الفعل المضاف واقام المضاف اليه مقامه وقد يقع بعد حرف التحضيض مبتدأ وخبر فيقدر المضمر كان الشانية كقول الشاعر

ونبئت ليلى ارسلت بشفاعة

اليّ فهلّا نفس ليلى شفيعها

اي فهلا كان الامر والشان نفس ليلى شفيعها

٢٨٠