شرح ألفيّة ابن مالك

ابن ناظم

شرح ألفيّة ابن مالك

المؤلف:

ابن ناظم


الموضوع : اللغة والبلاغة
المطبعة: مطبعة القديس جاورجيوس
الطبعة: ٠
الصفحات: ٣٥٥

لا يجوز اظهاره لكون حرف النداء كالعوض منه ولا يفارق المنادى النصب الّا اذا كان مفردا معرفة فانه اذ ذاك يبنى على ما كان يرفع به قبل النداء كقولك يا زيد ويا زيدان ويا زيدون والوجه في بنائه شبهه بالضمير من نحو يا انت في التعريف والافراد وتضمن معنى الخطاب وكان بناؤه على صورة الرفع ايثارا له باقوى الاحوال اذ كان معربا في الاصل واما ما ليس معرفة ولا مفردا وهو النكرة التي لم يقصد بها معين كقول الاعمى يا رجلا خذ بيدي وقول الشاعر

أيا راكبا امّا عرضت فبلغن

ندامايّ من نجران أن لا تلاقيا

والمضاف نحو يا غلام زيد والشبيه بالمضاف نحو يا حسنا وجهه ويا طالعا جبلا ويا ثلاثة وثلاثين فلاحظ له في البناء لقصوره عن المفرد المعرفة في الشبه بالضمير المذكور وقد فهم من هذا ان مما يستحق البناء المركب من نحو معدي كرب لانه ليس مضافا ولا شبيها بالمضاف فان كان مبنيا كسيبويه كان في محل النصب وقدر بناؤه على الضم كما يقدر الرفع اذا كان بناؤه يشبه الاعراب من جهة وروده في الاستعمال على قياس مطرد وكذا كل اسم مبني قبل النداء ويظهر اثر هذا التقدير في التابع فانه يجوز فيه النصب اتباعا للمحل نحو يا سيبويه الظريف والرفع اتباعا للبناء المقدر نحو يا سيبويه الظريف وإلى هذا اشار بقوله وليجر مجرى ذي بناء جدّدا يعني في الحكم له بنصب المحل وبناء آخره على الضم

ونحو زيد ضمّ وافتحنّ من

نحو أزيد بن سعيد لا تهن

والضّمّ إن لم يل الابن علما

ويل الابن علم قد حتما

يجوز في المنادى العلم الموصوف بابن متصل مضاف الى علم الضمّ على الاصل والفتح على الاتباع والتخفيف فيما كثر دوره في الاستعمال كقولك يا زيد بن سعيد ويجوز يا زيد بن سعيد وهو عند المبرد اولى من الفتح فانه انشد عليه قول الراجز

يا حكم بن المنذر بن الجارود

سرادق المجد عليك ممدود

ثم قال ولو قال يا حكم بن المنذر كان اجود ولو كان الابن مفصولا عن موصوفه كما في نحو يا زيد الظريف ابن عمرو فليس في الموصوف الّا الضم لان مثل ذلك لم يكثر في الكلام فلم يستثقل مجيئه على الاصل وهكذا اذا كان الموصوف بابن غير علم نحو يا غلام بن زيد او لم يكن المضاف اليه علما نحو يا زيد ابن اخينا

٢٢١

واضمم أو انصب ما اضطرارا نوّنا

ممّا له استحقاق ضمّ بينّا

قد تقدم ان المنادى المفرد المعرفة يستحق البناء على الضم وبيّن هنا ان ما حقه الضم اذا اضطر الشاعر الى تنوينه جاز له فيه وجهان احدهما الضم تشبيها بمرفوع اضطر الى تنوينه وهو مستحق لمنع الصرف الثاني النصب تشبيها بالمضاف لطوله بالتنوين وبقاء الضم في العلم أولى من النصب والنصب في غير العلم أولى من الضم لان سبب البناء في العلم اقوى منه في اسم الجنس الدال على معين ومن شواهد الضم انشاد سيبويه

سلام الله يا مطر عليها

وليس عليك يا مطر السّلام

وقول كثير

ليت التحية كانت لي فاشكرها

مكان يا جمل حييت يا رجل

الرواية المشهورة يا جمل بالضم ومن شواهد النصب قول الشاعر

ضربت صدرها اليّ وقالت

يا عدّيا لقد وقتك الاواقي

وقول الآخر

أعبدا حلّ في شعبي غريبا

ألؤما لا أبا لك واغترابا

وباضطرار خصّ جمع يا وأل

إلّا مع الله ومحكيّ الجمل

يقول الجمع بين حرف النداء والالف واللام مخصوص بالضرورة الّا في موضعين احدهما الاسم الاعظم الله فانه يجمع فيه بين الالف واللام وحرف النداء على وجهين على قطع الهمزة نحو يا الله وعلى وصلها نحو يا الله والثاني المنادى اذا كان جملة محكية نحو يا المنطلق زيد في رجل مسمى بالجملة واما غير ذلك فلا يجمع فيه بين حرف النداء والالف واللام الّا في ضرورة الشعر كقوله

فيا الغلامان اللذان فرّا

اياكما ان تكسبانا شرّا

وانما لم يجز مثل هذا في السعة كراهية الجمع بين اداتي تعريف على شيء واحد واغتفر الجمع بينهما في يا الله اذا كانت الالف واللام فيه لازمة معوضا بها عن همزة الإله فلا يقاس عليه سواه وقد اجاز البغداديون يا الرجل في السعة قالوا لانا لم نر موضعا يدخله التنوين ولا تدخله الالف واللام

والأكثر اللهمّ بالتّعويض

وشذّ يا اللهمّ في قريض

٢٢٢

لما بيّن انه يجمع بين الاداتين في الاسم الاعظم نبّه على ان له في النداء استعمالا آخر هو الاكثر وهو تعويض ميم مشددة مفتوحة في الآخر عن حرف النداء كقولك اللهمّ ارحمنا ولكون الميم عوضا عن حرف النداء لم يجمع بينهما الّا في الضرورة كقول الراجز

اني اذا ما حدث ألما

اقول يا اللهمّ يا اللهما

ولو كان اصل اللهمّ يا الله أمنا كما يراه الكوفيون للزم باطراد جواز امرين احدهما يا الله امنا ارحمنا بلا عطف قياسا على اللهمّ ارحمنا والثاني اللهمّ وارحمنا بالعطف قياسا على يا الله امنا وارحمنا واللازم منتف اجماعا

(فصل)

تابع ذي الضّمّ المضاف دون أل

ألزمه نصبا كأزيد ذا الحيل

وما سواه ارفع أو انصب واجعلا

كمستقلّ نسقا وبدلا

وإن يكن مصحوب أل ما نسقا

ففيه وجهان ورفع ينتقى

كل منادى مضموم فحق تابعه النصب مفردا كان او غيره لان متبوعه مبني اللفظ منصوب المحل وما كان كذلك فانما حق تابعه ان يجري على محله فقط ولكن خولف ذلك في باب النداء فجاء بعض توابعه بوجهين فما نصب منه فعلى الاصل وما رفع فلشبه متبوعه بالمرفوع في اطراد الهيئة ولا يرفع الّا وهو مفرد او مضاف يشبه المفرد لكون اضافته غير محضة نحو يا زيد الحسن الوجه ولأصالة نصب التابع في هذا الباب فضل على الرفع بان اشترك معه في التابع المفرد والشبيه به وخصّ بالتابع المضاف اضافة محضة والى هذا الاختصاص اشار بقوله تابع ذي الضم المضاف دون أل ألزمه نصبا ففهم ان المضاف المصاحب لال وهو ذو الاضافة اللفظية كالمفرد ثم نص على حكمها فقال وما سواه ارفع او انصب واجعلا كمستقل نسقا وبدلا ففهم ان النعت والتوكيد وعطف البيان اذا كان شيء منها مفردا او شبيها به جاز فيه النصب حملا على الموضع والرفع حملا على اللفظ فيقال يا زيد الحسن والكريم الاب بالنصب ويا زيد الحسن والكريم الاب بالرفع وهكذا التوكيد وعطف البيان نحو يا تميم اجمعين واجمعون ويا غلام بشرا وبشر واما البدل والمنسوق الخالي من الالف واللام فحكمها في الاتباع حكمهما في الاستقلال ولا فرق في ذلك بين الواقع بعد مضموم والواقع بعد

٢٢٣

منصوب فما كان منهما مفردا ضم كما يضم لو وقع بعد حرف النداء لان البدل في قوة تكرار العامل والعاطف كالنائب عن العامل وما كان منهما مضافا نصب كما ينصب لو وقع بعد حرف النداء فان قرن المعطوف بالالف واللام امتنع تقدير حرف النداء قبله فاشبه النعت وجاز فيه الرفع والنصب نحو قوله تعالى. (يا جِبالُ أَوِّبِي مَعَهُ وَالطَّيْرَ.)

بالنصب والرفع واختلف في المختار منهما فقال الخليل وسيبويه والمازني هو الرفع وإليه اشار بقوله ورفع ينتقى وقال ابو عمرو وعيسى بن عمر ويونس والجرمي هو النصب وقال المبرد ان كانت الالف واللام للتعريف كما هي في الصنع فالمختار النصب لان المعرّف بالالف واللام يشبه المضاف وإن كانت غير معرّفة كما هي في اليسع فالمختار الرفع لان الالف واللام اذا لم تعرّف لم يشبه ما هي فيه المضاف

وأيّها مصحوب أل بعد صفه

يلزم بالرّفع لدى ذي المعرفه

وأيّها ذا أيّها الّذي ورد

ووصف أيّ بسوى هذا يرد

اذا قلت يا ايها الرجل فأيّ والرجل كاسم واحد واي منادى والرجل تابع مخصص له ملازم لان أيّا مبهم لا يستعمل بدون المخصص وكان قبل النداء يتخصص بالاضافة فعوض عنها في النداء بالتخصيص بالتابع فان كان مشتقا فهو نعت نحو يا ايها الفاضل وان كان جامدا فهو عطف بيان نحو يا ايها الغلام ولزمته هاء التنبيه تعويضا عما فاته من الاضافة وان اريد به مؤنث أنث بالتاء نحو قوله تعالى. (يا أَيَّتُهَا النَّفْسُ.) ولا توصف اي في النداء الّا بما فيه الالف واللام نحو يا ايها الرجل او بالموصول ومنه قوله تعالى. (يا أَيُّهَا الَّذِي نُزِّلَ عَلَيْهِ الذِّكْرُ.) وباسم الاشارة نحو يا ايها ذا اقبل قال الشاعر

ألا ايهذا الباخع الوجد نفسه

لشيء تحته عن يديه المقادر

ولا توصف أي بغير ذلك واليه الاشارة بقوله ووصف أي بسوى هذا يرد ومتى كانت صفة اي معربة لم تكن الّا مرفوعة لانها هي المنادى في الحقيقة وانما جيء معها باي توصلا الى نداء ما فيه الالف واللام واجاز المازني والزجاج نصب صفة اي قياسا على صفة غيره من المناديات المضمومة ويجوز ان توصف صفة اي الّا انها لا تكون الّا مرفوعة مفردة كانت او مضافة كقول الراجز

يا ايها الجاهل ذو التنزي

لا توعدني حبّة بالنكز

٢٢٤

وذو إشارة كأيّ في الصّفه

إن كان تركها يفيت المعرفه

بيّن بهذا ان اسم الاشارة اذا جعل سببا الى نداء ما فيه الالف واللام فعل به كما فعل بأي فتقول يا هذا الرجل بالرفع لا غير اذا اردت ما اردت بقولك يا ايها الرجل فان قدرت الوقف على هذا ولم تجعله وصلة الى نداء ذي الالف واللام بل مستغنيا بافراده عنه جاز نصب صفته ورفعها وهذا اراد بقوله ان كان تركها يفيت المعرفة ففهم ان صفة هذا متى لم يكن تركها يفيت معرفة المراد به لم يجب رفعها بل يجوز فيه الوجهان

في نحو سعد سعد الاوس ينتصب

ثان وضمّ وافتح اوّلا تصب

اذا كرر اسم مضاف في النداء نحو يا سعد سعد الاوس وكقول الشاعر

يا زيد زيد اليعملات الذبل

تطاول الليل عليك فانزل

تعين نصب الثاني وجاز في الاول وجهان الضم والفتح فان ضم فلأنه منادى مفرد معرفة ونصب الثاني حينئذ لانه منادى مضاف او توكيد او عطف بيان او بدل او منصوب باضمار اعني وان فتح الاول فهو على مذهب سيبويه منادى مضاف الى ما بعد الثاني والثاني مقحم بين المضاف والمضاف اليه ومذهب المبرد ان الاول منادى مضاف الى محذوف دل عليه الآخر والثاني مضاف الى الآخر ومن النحويين من جعل الاسمين عند فتح الاول مركبين تركيب خمسة عشر

(المنادى المضاف الى ياء المتكلم)

واجعل منادى صحّ إن يضف ليا

كعبد عبدي عبد عبدا عبديا

كثيرا ما يضاف المنادى الى ياء المتكلم وكثرة ذلك تستتبع فيه التخفيف فاستعمل على الاصل وهو اثبات الياء وفتحها ومخففا على اربعة اوجه واكثرها استعمالا حذف الياء وابقاء الكسرة تدل عليها نحو يا عبد ثم ثبوتها ساكنة نحو يا عبدي ثم قلب الياء الفا بعد قلب الكسرة قبلها فتحة نحو يا عبد اثم حذف الالف وابقاء الفتحة دليلا عليها نحو يا عبد وذكروا وجها من التخفيف خامسا وهو الاكتفاء من الاضافة بنيتها وجعل الاسم مضموما كالمنادى المفرد ومنه قراءة بعضهم قوله تعالى. (قالَ رَبِّ السِّجْنُ أَحَبُّ إِلَيَّ.) وحكى يونس عن بعض العرب يا امّ لا تفعلي

وفتح او كسر وحذف اليا استمر

في يا ابن أمّ يا ابن عمّ لا مفر

٢٢٥

اذا نودي المضاف الى المضاف الى ياء المتكلم لم تحذف الياء كما تحذف اذا نودي المضاف اليها الّا في يا ابن امّ ويا ابن عمّ وذلك قولك يا ابن اخي ويا ابن خالي وكان الاصل في ابن الام وابن العم ان يقال فيهما يا ابن امي ويا ابن عمي الّا انهما كثر استعمالهما في النداء فخصا بالتخفيف بحذف الياء وأبقاء الكسرة دليلا عليها في قول من قال يا ابن امّ وابن عمّ وبأبدال الياء الفا ثم حذفها وابقاء الفتحة دليلا عليها في قول من قال يا ابن امّ ويا ابن عمّ ولا يكادون يثبتون الياء ولا الالف الّا في الضرورة كقول الشاعر

يا ابن امي ويا شقيق نفسي

انت خليتني لدهر شديد

وقول الآخر

يا ابنة عما لا تلومي واهجعي

لا يخرق اللوم حجاب مسمعي

وفي النّدا أبت أمّت عرض

واكسر أو افتح ومن اليا التّا عوض

التاء في يا أبت تاء تأنيث معوّض بها عن ياء المتكلم ولذلك يبدلها في الوقف هاء ابن كثير وابن عامر واما الباقون فيقفون بالتاء رعاية للرسم ولكونها عوضا عن ياء المتكلم لم يجمع بينهما فاما قولها

يا أمتا أبصرني راكب

يسير في مسحنفر لاحب

فقمت أحثي الترب في وجهه

عمدا وأحمي حوزة الغائب

فالالف فيه الالف التي تلحق المستغاث والمندوب او بدل من ياء المتكلم وهوّن امر الجمع بينها وبين التاء ذهاب صورة المعوض عنه وفي تاء يا أبت لغتان احداهما تحريكها بالكسرة لانها كانت مستحقة قبل ياء الاضافة فلما عوّض عنها بالتاء ولا يكون ما قبلها الّا مفتوحا جعلت الكسرة عليها دليلا لتكون كالمعوض عنه في مجامعة الكسرة بالجملة واللغة الثانية تحريك التاء بالفتحة وهو أقيس لانها الحركة التي للمعوض عنه الّا ان الكسرة اكثر وقالوا في الأم يا امت كما قالوا في الاب يا أبت ولا تعوّض التاء من يا المتكلم الّا مع الاب والأم في النداء خاصة ولهذا قال وفي الندا أبت أمت

(اسماء لازمت النداء)

وفل بعض ما يخصّ بالنّدا

لؤمان نومان كذا واطّردا

في سب الأنثى وزن يا خباث

والأمر هكذا من الثّلاثي

٢٢٦

وشاع في سبّ الذّكور فعل

ولا تقس وجرّ في الشّعر فل

خص بالنداء اسماء لا تستعمل في غيره الّا في ضرورة الشعر فمن ذلك قولهم للرجل يا فل بمعني يا فلان ويقال للمرأة يا فلة كما يقال يا فلانة وليس هو ترخيم فلان ولو كان ترخيما لم تلحقه التاء ولم تحذف منه الالف لانه لا يحذف في الترخيم مع الآخر ما قبله اذا كان حرف مدّ زائد الّا اذا كان المرخم خماسيا فصاعدا وفلان على اربعة احرف فلو رخم قيل فيه يا فلا باثبات الالف ومن ذلك قولهم يا لؤمان ويا ملأمان ويا ملأم بمعنى عظيم اللؤم وقولهم يا نومان للكثير النوم ومثله يا مكرمان للعظيم الكرم ولا يقاس على هذه الصفات باجماع ومثلها في الاختصاص بالنداء والقصر على السماع ما عدل الى فعل في سبّ المذكر نحو يا غدر ويا فسق ويا خبث واما ما عدل به الى فعال في سبّ المؤنث نحو يا خباث ويا لكاع ويا فساق فهو مقيس عند سيبويه في كل وصف من فعل ثلاثي ولا يستعمل الّا مبنيا على الكسر تشبيها له بنزال قوله والامر هكذا من الثلاثي يعني به ان بناء فعال للامر من كل فعل ثلاثي مقيس عند سيبويه نحو نزال وتراك وقوله وجرّ في الشعر فل اعلام بخروج فل عن اختصاصه بالنداء في الضرورة وذلك قول الراجز

تدافع الشيب ولم تقتل

في لجة أمسك فلانا عن فل

ونحوه في الخروج عن الاختصاص بالنداء قول الآخر

اطوّف ما اطوّف ثم آوي

الى بيت قعيدته لكاع

(الاستغاثة)

إذا استغيث اسم منادى خفضا

باللّام مفتوحا كيا للمرتضى

وافتح مع المعطوف إن كرّرت يا

وفي سوى ذلك بالكسر ائتيا

اذا نودي منادى ليخلّص من شدة او يعين على مشقة فنداؤه استغاثة وهو مستغاث وكثيرا ما تدخل على المنادى الذي بهذه الصفة لام الجرّ المقوية للتعدية لتنص على الاستغاثة فتفتح مع المستغاث ما لم يكن معطوفا فرقا بين المستغاث والمستغاث من اجله ولا يجوز استعماله مع اللام الّا معربا لان تركيبه مع اللام اعطاء شبها بالمضاف وذلك قولك يا لزيد فان عطفت المستغاث فلا يخلو اما ان تكرر حرف النداء او لا فان

٢٢٧

كررته فلا بد من فتح اللام كقول الشاعر

يا لقومي ويا لامثال قومي

لأناس عتوّهم في ازدياد

وان لم تكرر كسرت اللام لذهاب اللبس حينئذ قال الشاعر

يبكيك ناء بعيد الدار مغترب

يا للكهول وللشبان للعجب

وهكذا تكسر مع المستغاث من اجله ما لم يكن مضمرا قال الشاعر

تكنفني الوشاة فازعجوني

فيا للناس للواشي المطاع

ففتح اللام مع الناس لانه مستغاث وكسرها مع الواشي لانه مستغاث من اجله والى كسر اللام مع المستغاث من اجله ومع المعطوف غير المكرر معه ياء اشار بقوله وفي سوى ذلك بالكسر ائتيا اي جيء بكسر اللام فيما ليس مستغاثا ولا معطوفا مكررا معه يا وهو المعطوف بدون يا والمستغاث من اجله وقد تلي يا لام مكسورة فيستدل بكسرها على ان المستغاث محذوف وان مصحوبها مستغاث من اجله كقول العرب يا للعجب ويا للماء على معنى يا للناس للعجب ويا للرجال للماء ثم حذف المنادى كما حذف في قول الآخر

يا لعنة الله والاقوام كلهم

والصالحين على سمعان من جار

ولام ما استغيث عاقبت ألف

ومثله اسم ذو تعجّب ألف

تعاقب لام الاستغاثة الف تلي آخره اذا وجدت عدمت اللام واذا وجدت اللام عدمت مثال الاول قول الشاعر

يا يزيدا لآمل نيل عز

وغنى بعد فاقة وهوان

ومثال الثاني كثير وفيما تقدم منه كفاية وقد يخلو المستغاث من اللام والالف كقول القائل

ألا يا قوم للعجب العجيب

وللغفلات تعرض للأريب

وينادى المتعجب منه فيعامل معاملة المستغاث من غير فرق فمن ذلك قول بعضهم يا للعجب ويا للماء بفتح اللام على معنى يا عجب احضر فهذا اوانك

(الندبة)

ما للمنادى اجعل لمندوب وما

نكّر لم يندب ولا ما أبهما

المندوب هو المذكور توجعا منه نحو وارأساه او تفجعا عليه لفقده بموت او غيبة نحو وازيداه

٢٢٨

والقصد من الندبة الاعلام بعظمة المصاب فلذلك لا يندب الّا العلم ونحوه كالمضاف اضافة توضح المندوب كما يوضح الاسم العلم ولا يندب الاسم النكرة ولا اي ولا اسم الاشارة ولا الموصول المبهم ولا اسم الجنس المفرد لانها غير دالة على المندوب دلالة تبين بها عذر النادب ويجوز ان يندب الموصول اذا اشتهرت صلته شهرة ترفع عنه الابهام كقولهم وامن حفر بئر زمزماه والى هذه المسئلة وامثالها اشار بقوله

ويندب الموصول بالّذي اشتهر

كبئر زمزم يلي وامن حفر

واعلم ان المندوب له استعمالان احدهما ان يجري مجرى غيره من الاسماء المناداة في بنائه على الضمّ ان كان مفردا ونصبه ان كان مضافا وفي جواز تنوينه للضرورة على الوجهين المذكورين فمن ذلك قول الراجز

وافقعسا وأين مني فقعس

أابلي يأخذها كروس

والاستعمال الثاني ان يلحق آخر ما تم به الف وقد نبه على ذلك بقوله

ومنتهى المندوب صله بالألف

متلؤها إن كان مثلها حذف

كذاك تنوين الّذي به كمل

من صلة أو غيرها نلت الأمل

تقول في زيد وازيدا وفي عبد الملك واعبد الملكا وفي من حفر بئر زمزم وامن حفر بئر زمزما فتجيء بالف الندبة في الآخر لانه الذي انتهى به الاسم قال الشاعر

حملت أمرا عظيما فاصطبرت له

وقمت فيه بأمر الله يا عمرا

ويحذف لألف الندبة ما قبلها من الف او تنوين في صلة او غيرها كقولك في موسى وا موساه وفي ابي بكر واأبا بكراه وفي من نصر محمدا وامن نصر محمداه واجاز يونس وصل الف الندبة بآخر الصفة نحو وازيد الظريفاه ويشهد له قول بعض العرب وا جمجمتي الشاميتيناه ولما ذكر لحاق الف الندبة ذكر حال ما قبل الالف فقال

والشكّل حتما أوله مجانسا

إن يكن الفتح بوهم لابسا

الالف لا يكون ما قبلها الّا مفتوحا فاذا لحقت المنادى الف الندبة وكان ما قبلها غير مفتوح وجب فتحه الّا ان يوقع ذلك في اللبس فيجب ابدال الف الندبة من جنس حركة ما قبلها مثال ما يفتح قبل الالف قولك في رقاش وارقاشاه وفي عبد الملك واعبد الملكاه وفي من اسمه قام الرجل واقام الرجلاه بردّ الحركة قبل الالف في ذلك

٢٢٩

كله فتحة لتسلم الالف ما لم يوقع في لبس ومثال ما تبدل فيه الف الندبة من جنس حركة ما قبلها قولك في ندبة فتى مضاف الى كاف المخاطبة وا فتاكيه وفي ندبة فتى مضاف الى هاء الغائب وافتاهوه تبدل الالف بعد الكسرة ياء وبعد الضمة واوا لانك لو سلمتها وقلبت الكسرة والضمة فتحة لأوهم الاضافة الى كاف المخاطب وهاء الغائبة ولم يعرف المراد

وواقفا زد هاء سكت إن ترد

وإن تشأ فالمدّ والها لا تزد

علامة الندبة لا تلزم المندوب الّا اذا خيف اللبس كما اذا كان الحرف المستعمل معه يا ولم يقم على المراد قرينة وما أمن فيه اللبس جاز ان تلحقه العلامة وان لا تلحق فما كان من المندوب بلا علامة نحو وازيد فهو في كونه منصوبا تارة ومبنيا على صورة الرفع اخرى كغيره من المناديات ولا يجوز ان تلحقه الهاء بحال وما كان منه بالعلامة نحو وا زيدا جاز ان تلحقه في الوقف هاء السكت توصلا الى زيادة المد نحو وازيداه وجاز ان لا تلحقه كما ينبيء عنه قوله وان تشأ فالمد والها لا تزد اي وان تشأ ان لا تزيد في الوقف الهاء فالمد كاف ولا تثبت هذه الهاء في الوصل الّا للضرورة كما في قول الشاعر

ألا يا عمر وعمراه

وعمرو بن الزبيراه

وقائل واعبديا واعبدا

من في النّدا اليا ذا سكون أبدى

اذا ندب المضاف الى ياء المتكلم على لغة من اثبتها مفتوحة زيدت الالف ولم يحتج الى عمل ثان لان الياء مهيئة لمباشرة الالف واذا ندب على لغة من حذف الياء مكتفيا بالكسرة جعل بدل الكسرة فتحة وزيدت الالف واذا ندب على لغة من يبدل الياء الفا حذفت الالف المبدلة وزيدت الف الندبة كما يفعل بالمقصور واذا ندب على لغة من يثبت الياء ساكنة وهو المشار اليه في البيت جاز حذف الياء لالتقاء الساكنين وابقاؤها مفتوحة فيقال على الاول واعبدا وعلى الثاني وا عبديا واما المندوب المضاف الى المضاف الى ياء المتكلم نحو وا انقطاع ظهرياه فلا تحذف منه الياء لان المضاف اليها غير منادى

(الترخيم)

ترخيما احذف آخر المنادى

كيا سعا فيمن دعا سعادا

٢٣٠

الترخيم في اللغة ترقيق الصوت وتليينه يقال صوت رخيم اي رقيق وعند النحويين هو حذف بعض الكلمة على وجه مخصوص وهو على ثلاثة انواع احدها حذف آخر الاسم في النداء وهو المذكور هنا والثاني حذف الآخر في غير النداء لغير موجب ويختص بضرورة الشعر وسينبه عليه والثالث ترخيم التصغير كقولك في اسود سويد وسنذكره في باب التصغير ولما اخذ في بيان احكام الترخيم في النداء قال ترخيما احذف آخر المنادى فعلم انه يجوز ترخيم المنادى بحذف آخره في سعة الكلام لانه لم يقيده بالضرورة ونصبه ترخيما يجوز ان يكون مفعولا له او مصدرا في موضع الحال او ظرفا على حذف المضاف ولما بيّن ان ترخيم المنادى بحذف آخره مثّله فقال كيا سعا فيمن دعا سعادا وفي الكلام حذف مضاف تقديره في قول من دعا سعادا ونحوه قولك في حارث يا حار قال الشاعر

يا حار لا أرمين منكم بداهية

لم يلقها سوقة قبلي ولا ملك

وليس كل منادى يقبل الترخيم فلما اخذ في بيان ما يجوز ترخيمه وما لا يجوز ترخيمه قال

وجوّزنه مطلقا في كلّ ما

أنّث بالها والّذي قد رخّما

بحذفها وفّره بعد واحظلا

ترخيم ما من هذه الها قد خلا

إلّا الرّباعيّ فما فوق العلم

دون إضافة وإسناد متم

لا يجوز ترخيم المنادى الّا اذا كان مفردا معرفة وهو مؤنث بالهاء او علم اما المؤنث بالهاء فيجوز ترخيمه مطلقا اي سواء كان علما او غير علم وسواء كان على اربعة احرف فصاعدا او اقل قال الراجز

جاري لا تستنكري عذيري

سيري واشفاقي على بعيري

اراد يا جارية وقالوا يا شا أرجني اي يا شاة اقيمي وقوله والذي قد رخما بحذفها وفره بعد اي لا تنقص منه بعد حذف الهاء شيئا انما ذكره ليعلم ان قوله بعد ومع الآخر احذف الذي تلا مقصور الحكم على العلم الخالي من هاء التأنيث وان نحو عقنباة لو رخمته لم تحذف منه مع الهاء شيئا لان هاء التأنيث في حكم الانفصال فلا يستتبع حذفها حذف ما قبلها وغير الهاء ليس كذلك تقول في مروان يا مرو وفي زيدون يا زيد وفي عرفات يا عرف فتتبع الآخر ما قبله في الحذف واما العلم فلا يرخم الّا اذا كان

٢٣١

مفردا زائدا على ثلاثة احرف وهو قوله واحظلا اي امنع ترخيم ما من هذه الها قد خلا الّا الرباعي فما فوق العلم دون اضافة واسناد متم فعلم ان غير المؤنث بالهاء لا يرخم وهو ثلاثي كعمر ولا اسم الجنس كعالم ولا مضاف ولا شبيه به ومنه المركب من جملة كتأبط شرّا وانما يرخم منه العلم المفرد الزائد على الثلاثة ومنه المركب تركيب المزج كبعدي كرب وسيبويه الّا ان هذا النوع انما يرخم بحذف عجزه

ومع الآخر احذف الّذي تلا

إن زيد لينا ساكنا مكمّلا

أربعة فصاعدا والخلف في

واو وياء بهما فتح قفي

اذا كان قبل آخر المنادى الجائز الترخيم حرف لين ساكن زائد مسبوق باكثر من حرفين حذف في الترخيم هو والآخر باجماع ان كان حرف مد كقولك في عمران يا عمر وفي مسكين يا مسك وفي منصور يا منص وبخلاف ان لم يكن كذلك نحو غرنيق وفرعون فمذهب الفراء والجرمي انهما في الترخيم بمنزلة مسكين ومنصور وغيرهما من النحويين لا يرى ذلك بل يقول يا غرني ويا فرعو والى هذا اشار بقوله والخلف في واو وياء بهما فتح قفي اي وقعا بعد فتحة وتبعاها ولا يخرج عن هذا الضابط الّا ما آخره هاء التأنيث وقد سبق التنبيه عليه وتقول في مختار يا مختا ولا تحذف الالف لانها بدل من عين الكلمة فليست زائدة وتقول في نحو هبيخ وقنور يا هبي ويا قنو فتحذف الآخر وتبقي ما قبله وان كان حرف لين زائد الّا انه غير ساكن وتقول في عماد ومجيد وثمود يا عما ويا مجي ويا ثمو فلا تحذف ما قبل الآخر لانه ليس قبله الّا حرفان وعند الفراء ان الرباعي كالزائد عليه فتقول يا عم ويا مج ويا ثم واجاز ايضا ابقاء الالف والياء ولم يجز ابقاء الواو لانه يستلزم عدم النظير لانه ليس في الاسماء المتمكنة ما آخره واو قبلها ضمة وليس شرطا عند الفراء في حذف ما قبل الآخر كونه حرف لين بل مجرد كونه ساكنا فتقول في نحو قمطر يا قم قال لانه اذا قيل يا قمط بسكون الطاء لزم عدم النظير اذ ليس في الاسماء المتمكنة ما آخره حرف صحيح ساكن ومما انفرد به الفراء جواز ترخيم الثلاثي المحرك الوسط نحو حكم فانه اذا قيل في ترخيمه يا حك لم يلزم منه عدم النظير اذ في الاسماء المتمكنة ما هو على حرفين ثانيهما متحرك كغد ويد فلو كان الثلاثي ساكن الوسط لم يجز ترخيمه باجماع لانه موقع في عدم النظير

٢٣٢

والعجز احذف من مركّب وقل

ترخيم جملة وذا عمرو نقل

اذا رخم المركب من نحو معدي كرب وسيبويه حذف عجزه لانه منه بمنزلة هاء التأنيث من نحو طلحة الّا انه خالف هاء التأنيث في انه قد يحذف معه ما قبله كقولك في اثنا عشر يا اثن قال سيبويه واما اثنا عشر فاذا رخمته حذفت الالف لأن عشر بمنزلة نون مسلمين واكثر النحويين لا يجيز ترخيم المركب من جملة وهو جائز لأن سيبويه قال في بعض ابواب النسب تقول في النسب الى تأبط شرّا تأبطيّ لأن من العرب من يقول يا تأبط ومنع من ترخيمه في باب الترخيم فعلم ان جوازه على لغة قليلة قوله وذا عمرو نقل هو اسم سيبويه

وإن نويت بعد حذف ما حذف

فالباقي استعمل بما فيه ألف

واجعله إن لم تنو محذوفا كما

لو كان بالآخر وضعا تمما

فقل على الأوّل في ثمود يا

ثمو ويا ثمي على الثّاني بيا

والتزم الأوّل في كمسلمه

وجوّز الوجهين في كمسلمه

المعرب في ترخيم المنادى مذهبان احدهما وهو الاكثر ان ينوى ثبوت المحذوف فلا يغير ما بقي عن شيء مما كان عليه قبل الحذف والثاني ان لا ينوى المحذوف فيصير ما بقي كأنه اسم تام موضوع على تلك الصيغة ويعطى من البناء على الضم وغيره ما يستحقه لو لم يحذف منه شيء فيقال على المذهب الاول في نحو حارث وجعفر وقمطر يا حار ويا جعف ويا قمط وعلى الثاني يا حار ويا جعف ويا قمط وتقول على الاول في ثمود يا ثمو فلا تغير ما بقي عن حاله وعلى الثاني يا ثمي لانك لما لم تنو المحذوف جعلت ما بقي في حكم اسم تام قد تطرفت فيه الواو بعد ضمة فوجب قلب الضمة كسرة والواو ياء كما في نحو ادل واجر وهكذا تقول في نحو صميان وعلاوة على الاول يا صمي ويا علاو وعلى الثاني يا صما ويا علاء لانه لما تحركت الياء من صمي وانفتح ما قبلها ولم يكن بعدها ما يمنع من الاعلال قلبت الفا على حد رمى وسعى ولما قطرفت الواو من علا وقبلها الف مزيدة وجب قلب الواو همزة على حد كساء وغطاء ومن الاسماء ما لا يرخم الّا على نية المحذوف فمن ذلك ما فيه هاء التأنيث للفرق نحو مسلمة تقول في ترخيمه يا مسلم ولا يجوز ان يرخم على المذهب الثاني لانك لو قلت فيه يا مسلم

٢٣٣

لالتبس المؤنث بالمذكر فلو لم تكن الهاء للفرق كما في مسلمة اسم رجل جاز ترخيمه على المذهبين وتقول في طيلسان على لغة من كسر اللام يا طيلس بنية المحذوف ولا يجوز يا طيلس لأنه ليس في الكلام فيعل صحيح العين الّا ما ندر من صيقل اسم امرأة ومن قوله تعالى. (بِعَذابٍ بَئِيسٍ.) في قراءة بعضهم وتقول في حبليات يا حبلي ولا يجوز يا حبلا بابدال الياء الفا لأن فعلى لا تكون الفه الّا للتأنيث ولا تكون الف التأنيث مبدلة وعلى هذا فقس جميع ما يجيء في هذا الباب

ولاضطرار رخّموا دون ندا

ما للنّدا يصلح نحو أحمدا

قد يضطر الشاعر فيرخم ما ليس منادى لكن بشرط كونه صالحا لأن ينادى فمن ذلك قول امرىء القيس

لنعم الفتى تعشو الى ضوء ناره

طريف ابن مال ليلة الجوع والخصر

اراد ابن مالك فحذف الكاف وترك ما بقي كأنه اسم برأسه وهذا الوجه مجمع على جوازه للضرورة واجاز سيبويه الترخيم لها على نية المحذوف وانشد

ألا اضحت حبالكم رماما

واضحت منك شاسعة أماما

ومنع من ذلك المبرد وروى عجز هذا البيت وما عهدي بعهدك يا اماما

فكلتا الروايتين لا تقدح احداهما في صحة الاخرى وانشد سيبويه ايضا

انّ ابن حارث ان اشتق لرؤيته

او امتدحه فان الناس قد علموا

اراد ابن حارثة ولا يرخم للضرورة المعرف بالالف واللام لعدم صلاحيته للنداء ومن ههنا خطئ من جعل من ترخيم الضرورة قول الراجز

القاطنات البيت غير الرّيم

قواطنا مكة من ورق الحمي

ذكر ذلك ابو الفتح في المحتسب

(الاختصاص)

الاختصاص كنداء دون يا

كأيّها الفتى بإثر ارجونيا

وقد يرى ذا دون أيّ تلو أل

كمثل نحن العرب أسخى من بذل

كثيرا ما يتوسع في الكلام فيخرج على خلاف مقتضى الظاهر كاستعمال الطلب موضع الخبر نحو احسن بزيد والخبر موضع الطلب نحو قوله تعالى. (وَالْوالِداتُ يُرْضِعْنَ.) وقوله

٢٣٤

تعالى. (وَالْمُطَلَّقاتُ يَتَرَبَّصْنَ.) ومن ذلك الاختصاص لانه خبر يستعمل بلفظ النداء كقولهم اللهم اغفر لنا ايتها العصابة ونحن نفعل كذا ايها القوم وانا افعل كذا ايها الرجل يراد بهذا النوع من الكلام الاختصاص على معنى اللهمّ اغفر لنا متخصصين من بين العصائب ونحن نفعل كذا مخصوصين من بين الاقوام وانا افعل كذا مخصوصا من بين الرجال فهو في الحقيقة منصوب باخص لازم الاضمار غير مقيد بمحل الاعراب ويقع المختص بلفظ ايها وايتها ومعرّفا بالالف واللام نحو نحن العرب اقرى الناس للضيف ومضافا الى المعرّف بهما نحو قوله صلى‌الله‌عليه‌وسلم. نحن معاشر الانبياء لا نورث. لفظه كلفظ المنادى ومع ذلك فهو مخالفه من ثلاثة اوجه فانه لا يجوز ان يستعمل معه حرف النداء ويجيء معرّفا بالالف واللام ولا يبتدأ به في الكلام وربما فهم ذلك من قوله كأيها الفتى باثر ارجونيا وقل ما يكون المختص الّا متكلما مفردا او مشاركا وقد جاء مخاطبا في قولهم بك الله نرجوا الفضل

(التحذير والاغراء)

إيّاك والشّرّ ونحوه نصب

محذّر بما استتاره وجب

ودون عطف ذا لإيّا انسب وما

سواه ستر فعله لن يلزما

إلّا مع العطف أو التّكرار

كالضّيغم الضّيغم يا ذا السّاري

التحذير تنبيه المخاطب على مكروه يجب الاحتراز منه فان كان بلفظ اياك او نحوه كاياك واياكما واياكم واياكنّ فهو مفعول بفعل لا يجوز اظهاره لانه قد كثر التحذير بهذا اللفظ فجعلوه بدلا من اللفظ بالفعل والتزموا معه اضمار العامل سواء كان معطوفا عليه نحو اياك والشر او مكررا نحو فاياك اياك المراء او مفردا نحو اياك الأسد تقديره احذّرك الاسد ونبه على وجوب اضمار ناصب اياك في الافراد بقوله ودون عطف ذا لإيا انسب وان كان التحذير بغير اياك ونحوه كان المحذر منصوبا بفعل جائز الاظهار والاضمار الّا مع العطف او التكرار تقول نفسك الشرّ اي جنب نفسك الشر وان شئت اظهرت الفعل وتقول نفسك والأسد اي ق نفسك واحذر الاسد ومثله ماز رأسك والسيف اراد يا مازن ق رأسك واحذر السيف ولا يجوز اظهار العامل لكون العطف كالبدل من اللفظ به وتقول رأسك رأسك فتنصبه

٢٣٥

باللازم اضماره لان التكرار بمنزلة العطف وكثيرا ما يستغنى عن ذكر المحذر ويذكر المحذر منه منصوبا بفعل جائز الاظهار والاضمار في الافراد نحو الاسد ولازم الاضمار في العطف والتكرار نحو الاسد الاسد وقوله تعالى. (ناقَةَ اللهِ وَسُقْياها.)

وشذّ إيّاي وإيّاه أشذ

وعن سبيل القصد من قاس انتبذ

شذ التحذير باياي في قوله اياي وان يحذف احدكم الارنب اي نحني عن حذف الأرنب ونحوا انفسكم عن حذف الارنب فاكتفى اولا بذكر المحذر وثانيا بذكر المحذر منه وانما كان هذا المثال شاذا لأن مورد الاستعمال ان يكون التحذير للمخاطب فمجيئه للمتكلم خارج عن ذلك فهو شاذ واشذ منه قول بعضهم اذا بلغ الرجل الستين فاياه وايا الشوابّ لانه جاء فيه التحذير للغائب واضيفت فيه ايا الى الظاهر

وكمحذّر بلا إيّا اجعلا

مغرّى به في كلّ ما قد فصّلا

الاغراء امر المخاطب بلزوم امر يحمد به كقول الشاعر

أخاك أخاك ان من لا أخا له

كساع الى الهيجا بغير سلاح

اي الزم أخاك والاغراء كالتحذير تنصبه باللازم اضماره في العطف والتكرار وبالجائز اظهاره في الافراد وهذا معنى قوله وكمحذر بلا ايا يعني ان ايا لا يجوز معها الاظهار فالمغرى به انما هو كالمحذر بلفظ غير ايا ومما يدخل تحت قوله في كل ما قد فصلا وان لم يكن هو قد تعرّض لذكره ان المكرر قد يرفع في التحذير والاغراء قال الفراء في قوله تعالى. (ناقَةَ اللهِ وَسُقْياها.) نصب الناقة على التحذير وكل تحذير فهو نصب ولو رفع على اضمار هذه ناقة الله لجاز فان العرب قد ترفع ما فيه معنى التحذير وانشد

إن قوما منهم عمير واشبا

ه عمير ومنهم السفاح

لجديرون باللقاء اذا قا

ل اخو النجدة السلاح السلاح

فرفع وفيه معنى الامر بأخذ السلاح

(اسماء الافعال والاصوات)

ما ناب عن فعل كشتان وصه

هو اسم فعل وكذا أوّه ومه

اسماء الافعال الفاظ نابت عن الافعال معنى واستعمالا كشتان بمعنى افترق وصه بمعنى اسكت واوه بمعنى اتوجع ومه بمعنى اكفف واستعمالها كاستعمال الافعال من كونها عاملة

٢٣٦

غير معمولة بخلاف المصادر الآتية بدلا من اللفظ بالفعل فانها وان كانت كالافعال في المعنى فليست مثلها في الاستعمال لتأثرها بالعوامل

وما بمعنى افعل كآمين كثر

وغيره كوي وهيهات نزر

اكثر ما تجيء اسماء الافعال بمعنى الامر كآمين بمعنى استجب وتيد بمعنى امهل وهيت وهيا بمعنى اسرع وويها بمعنى اغر وايه بمعنى امض في حديثك وحيهل بمعنى ائت او اقبل او عجل واطرد صوغه من كل فعل ثلاثي كنزال بمعنى انزل ودراك بمعنى ادرك وتراك بمعنى اترك وحذار بمعنى احذر وشذ صوغه من الرباعي كقرقار بمعنى قرقر وقاس عليه الاخفش ومجيء اسماء الافعال بمعنى الماضي والحال قليل نزر فمما جاء بمعنى الماضي هيهات بمعنى بعد ووشكان وسرعان بمعنى سرع وبطآن بمعنى بطوء ومما جاء بمعنى الحال افّ بمعنى اتضجر واوه بمعنى اتوجع ووي ووا وواها بمعنى اعجب

والفعل من أسمائه عليكا

وهكذا دونك مع إليكا

كذا رويد بله ناصبين

ويعملان الخفض مصدرين

من جملة اسماء الافعال ما كان في اصله ظرفا او حرف جرّ ثم خرج عن ذلك وصار بمنزلة صه ونزال في الدلالة على معنى الفعل وتحمل ضمير الفاعل فمن ذلك عليك بمعنى الزم ودونك وعندك ولديك بمعنى خذ واليك بمعنى تنح ومكانك بمعنى اثبت ووراءك بمعنى تأخر وامامك بمعنى تقدم ولا يستعمل هذا النوع في الغالب الّا جارّا لضمير المخاطب وشذ عليّ بمعنى اولني واليّ بمعنى اتنحى وعليه بمعنى ليلزم وحكى الاخفش عليّ عبد الله زيدا وهو غريب واما رويد فمرخم تصغير ارواد مصدر أروده اي امهله ويستعمل في الخبر والامر اما في الخبر فكقولك ساروا رويدا وساروا سيرا رويدا تنصبه على الحال على معنى ساروا مرودين او على النعت للمصدر اما ظاهرا او مقدرا واما في الامر فكقولك رويد زيدا اي امهل زيدا وله استعمالان هو في احدهما اسم فعل وفي الآخر مصدر بدل من اللفظ بالفعل لانه تارة يكون مبنيا على الفتح واذا وليه المفعول كان منصوبا نحو رويد زيدا فههنا هو اسم فعل لانه لو كان مصدرا لكان معربا ولو كان معربا لكان منونا وتارة يكون منصوبا منونا او مضافا الى المفعول نحو رويد زيد فههنا هو مصدر لانه لو كان اسم فعل لما كان

٢٣٧

الّا مبنيا واما بله فهي بمعنى دع ولها ايضا استعمالان مضافة وغير مضافة فاذا قلت بله زيد كانت مصدرا بدلا من اللفظ بالفعل واذا قلت بله زيدا كانت اسم فعل كما قلنا في رويد

وما لما تنوب عنه من عمل

لها وأخّر ما لذي فيه العمل

يعني ان اسماء الافعال تعمل عمل الافعال التي نابت عنها فترتفع الفاعل ظاهرا نحو شتان زيد وعمرو ومضمرا كما في نزال وينصب منها المفعول ما هو في معنى المتعدي نحو دراك زيدا ويتعدى اليه بحرف من حروف الجرّ ما هو في معنى ما يتعدى بذلك الحرف ومن ثم عدي حيهل بنفسه لما ناب عن ائت في العمل نحو حيهل الثريد وبالباء لما ناب عن عجل في نحو اذا ذكر الصالحون فحيهل بعمر وبعلي لما ناب عن اقبل في نحو حيهل على كذا قوله وأخر ما لذي فيه العمل يعني انه يجب تأخير معمول اسم الفعل ولا يستوي بينه وبين الفعل في جواز التقديم والتأخير فتقول دراك زيدا كما تقول ادرك زيدا وتقول زيدا ادرك ولا تقول زيدا دراك هذا مذهب جميع النحويين الّا الكسائي فانه اجاز فيه ما يجوز في الفعل من التقديم والتأخير

واحكم بتنكير الّذي ينوّن

منها وتعريف سواه بيّن

لما كانت هذه الكلمات اسماء مضمنة معاني الافعال كانت كباقي الاسماء لا تخرج عن كونها معرفة او نكرة فما تجرد من التنوين معرفة وما تنوّن نكرة ومنها ما لازم التعريف كنزال وبله وآمين ومنها ما لازم التنكير كواها وويها ومنها ما استعمل بالوجهين كصه وصه ومه ومه واف واف

وما به خوطب ما لا يعقل

من مشبه اسم الفعل صوتا يجعل

كذا الّذي أجدى حكاية كقب

والزم بنا النّوعين فهو قد وجب

اسماء الاصوات الفاظ اشبهت اسماء الافعال في الاكتفاء بها دالة على خطاب ما لا يعقل او على حكاية بعض الاصوات فالاول اما لزجر كهلا للخيل وعدس للبغل وهيد وهيد وهاد وعاه وهاب للابل وهيج وعاج وحل وحاب وجاه للبعير واسّ وهسّ وهج وقاع للغنم وهج وهجا للكلب وسع وجح للضان ووح للبقر وعز وعيز للعنز وحر للحمار وجاه للسبع واما لدعاء كاو للفرس ودوه للربع وعوه للجحش وبس

٢٣٨

للغنم وجوت وجيّ للابل الموردة وتأوتؤ للتيس المنزى ونخ للبعير المناخ وهدع لصغار الابل المسكنة وسأ وتشوء للحمار المورد ودج للدجاج وقوس للكلب والثاني كغاق للغراب وماء للظبية وشيب لشرب

الابل وعيط للمتلاعبين وطيخ للضاحك وطاق للضرب وطق لوقع الحجارة وقب لوقع السيف وخاز باز للذباب وخاق باق للنكاح وقاش ماش للقماش كأنه سمي باسم صوته وهذه الكلمات وامثالها اسماء لامتناع كونها حروفا من قبل الاكتفاء بها وامتناع كونها افعالا من قبل انها لا تدل على الحدث والزمان وحكم جميعها البناء وكذا اسماء الافعال وقد تقدمت العلة في ذلك وما يقع منها موقع المتمكن يجوز فيه الاعراب والبناء قال الشاعر

دعاهنّ ردفي فارعوين لصوته

كما رعت بالجوت الظماء الصواديا

يروى بكسر تاء الجوت وفتحها

(نونا التوكيد)

للفعل توكيد بنونين هما

كنوني اذهبنّ واقصدنهما

يؤكّدان افعل ويفعل آتيا

ذا طلب أو شرطا أمّا تاليا

أو مثبتا في قسم مستقبلا

وقلّ بعد ما ولم وبعد لا

وغير إمّا من طوالب الجزا

وآخر المؤكّد افتح كابرزا

لتوكيد الفعل نونان ثقيلة وخفيفة ونظرهما باذهبنّ واقصدنهما ومثل ذلك في التنزيل قوله تعالى. (لَيُسْجَنَنَّ وَلَيَكُوناً مِنَ الصَّاغِرِينَ.) ويؤكد بهما من الافعال فعل الامر نحو اضربن والمضارع المستقبل وهو قوله ويفعل آتيا لكن بشرط كونه في الغالب طلبا او شرطا لان مقرونة بما او جواب قسم مثبتا اما فعل الطلب فتوكيده جائز وذلك ان يكون امرا نحو ليقومنّ زيد او نهيا نحو قوله تعالى. (وَلا تَحْسَبَنَّ اللهَ غافِلاً.) او تخضيضا كقول الشاعر

هلا تمنّن بوعد غير مخلفة

كما عهدتك في ايام ذي سلم

او تمنيا كقول الآخر

فليتك يوم الملتقى ترينني

لكي تعلمي اني امروء بك هائم

او استفهاما كقول الآخر

٢٣٩

وهل يمنعني ارتيادي البلا

د من حذر الموت ان يأتين

وقول الآخر

أفبعد كندة تمدحنّ قبيلا

وقول الآخر

فاقبل على رهطي ورهطك نبتحث

مساعينا حتى نرى كيف نفعلا

واما الشرط باما فتوكيده بالنون جائز ايضا قال الله تعالى. (فَإِمَّا تَثْقَفَنَّهُمْ فِي الْحَرْبِ.)

وقوله تعالى. (وَإِمَّا تَخافَنَّ مِنْ قَوْمٍ خِيانَةً.) وقد تخلو من التوكيد بها كما في قول الشاعر

فاما تريني ولي لمة

فان الحوادث اودى بها

وقال الآخر

يا صاح اما تجدني غير ذي جدة

فما التخلي عن الخلان من شيمي

واما جواب القسم فاذا كان مضارعا مثبتا مستقبلا وجب توكيده باللام والنون معا ان كان غير مقرون بحرف تنفيس ولا مقدم المعمول نحو والله لافعلنّ والّا فباللام لا غير كما في قوله تعالى. (وَلَسَوْفَ يُعْطِيكَ رَبُّكَ فَتَرْضى.) وقوله تعالى. (وَلَئِنْ مُتُّمْ أَوْ قُتِلْتُمْ لَإِلَى اللهِ تُحْشَرُونَ.) ولو كان الجواب مضارعا منفيا لم يؤكد ولو كان بمعنى الحال اكد باللام دون النون لانها مختصة بالمستقبل وذلك نحو والله ليفعل زيد الآن ولا يجوز ليفعلن ومنع البصريون هذا الاستعمال استغناء عنه بالجملة الاسمية المصدرة بالمؤكد كقولك والله ان زيدا ليفعل الآن واجازه الكوفيون ويشهد لهم قراءة ابن كثير قوله تعالى. (لا أُقْسِمُ بِيَوْمِ الْقِيامَةِ.) وقول الشاعر انشده الفراء

لئن يك قد ضاقت عليكم بيوتكم

ليعلم ربي انّ بيتي واسع

واما المضارع من غير ما ذكر فلا يؤكد بالنون الّا اذا كان بعد ما الزائدة دون ان او منفيا بلم او لا او كان شرطا لغير اما او جزاء فانه حينئذ يقل توكيده بها بالاضافة الى توكيده فيما سبق اما توكيده بعد ما الزائدة فله شيوع في الكلام ما لم يتقدمها رب فمن ذلك قولهم بعين ما ارينك وبجهد ما تبلغنّ وقولهم في المثل ومن عضة ما ينبتنّ شكيرها وقول الشاعر

قليلا به ما يحمدنك وارث

اذا نال مما كنت تجمع مغنما

وانما كان لهذا التوكيد شيوع من قبل انّ ما لما لازمت هذه المواضع اشبهت عندهم لام

٢٤٠