شرح ألفيّة ابن مالك

ابن ناظم

شرح ألفيّة ابن مالك

المؤلف:

ابن ناظم


الموضوع : اللغة والبلاغة
المطبعة: مطبعة القديس جاورجيوس
الطبعة: ٠
الصفحات: ٣٥٥

فلا والله لا يلفى لمابي

ولا للمابهم ابدا دواء

فلو كان المؤكد مغايرا في اللفظ للمؤكد كان الشذوذ اقل كقول الشاعر

فاصبحنّ لا يسألنه عن بما به

أصعّد في علو الهوى ام تصوّبا

فاكد عن بالباء لانها هنا بمعناها كما هي في نحو قوله تعالى. (وَيَوْمَ تَشَقَّقُ السَّماءُ بِالْغَمامِ).

وقول الشاعر

فان تسألوني بالنساء فانني

خبير بادواء النساء طبيب

اذا شاب رأس المرء او قلّ ماله

فليس له من ودهن نصيب

ومضمر الرّفع الّذي قد انفصل

أكّد به كلّ ضمير اتّصل

يؤكد بضمير الرفع المنفصل الضمير المستتر كقوله تعالى. (اسْكُنْ أَنْتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ.) والضمير المتصل مرفوعا او منصوبا او مجرورا نحو فعلت انت ورأيتني انا ومررت به هو

(العطف)

العطف إمّا ذو بيان أو نسق

والغرض الآن بيان ما سبق

فذو البيان تابع شبه الصّفه

حقيقة القصد به منكشفه

العطف كما ذكر على ضربين عطف بيان وعطف نسق فاما عطف البيان فهو التابع الموضح والمخصص متبوعه غير مقصود بالنسبة ولا مشتقا ولا مؤوّلا بمشتق كقوله

اقسم بالله ابو حفص عمر

ما مسها من نقب ولا دبر

فخرج بقولي الموضح والمخصص التوكيد وعطف النسق وبقولي غير مقصود بالنسبة البدل لانه في نية تكرار العامل كما سيأتي ذكره وبقولي ولا مشتقا ولا مؤوّلا بمشتق النعت والحاصل ان المقصود من عطف البيان هو المقصود من النعت الّا ان الفرق بينهما ان النعت لا بد ان يكون مشتقا او مؤوّلا به وعطف البيان لا يكون الّا جامدا والى هذا اشار بقوله فذو البيان تابع شبه الصفة حقيقة القصد به منكشفه يعني ان عطف البيان كالصفة في كونه كاشفا حقيقة المقصود به وهو مسمى المتبوع

فأولينه من وفاق الأوّل

ما من وفاق الأوّل النّعت ولي

٢٠١

فقد يكونان منكّرين

كما يكونان معرّفين

عطف البيان لكون المقصود به من تكميل المعطوف عليه قصد النعت يستتبع لزوم موافقته المتبوع في التعريف والتنكير والافراد والتثنية والجمع والتذكير والتأنيث كما يستتبعه النعت ومنع بعض النحويين كون عطف البيان نكرة تابعا لنكرة واجازه اكثرهم ولاجل ما فيه من الخلاف نص عليه بقوله فقد يكونان منكرين وليس قول من منع ذلك بشيء لان النكرة تقبل التخصيص بالجامد كما تقبل المعرفة التوضيح به كقولك لبست ثوبا جبة ونظيره من كتاب الله تعالى. (يُوقَدُ مِنْ شَجَرَةٍ مُبارَكَةٍ زَيْتُونَةٍ لا شَرْقِيَّةٍ وَلا غَرْبِيَّةٍ.) وقوله تعالى. (وَيُسْقى مِنْ ماءٍ صَدِيدٍ.) واجاز ابو علي في التذكرة في طعام من قوله تعالى. (أَوْ كَفَّارَةٌ طَعامُ مَساكِينَ.) العطف والابدال ومن شرط عطف البيان مغايرته المعطوف عليه في اللفظ لكيما يحصل بانضمامه مع الاول زيادة وضوح وعلى هذا قول الراجز

اني وأسطار سطرن سطرا

لقائل يا نصر نصر نصرا

من التوكيد اللفظي أتبع اولا على اللفظ وثانيا على الموضع ويجوز ان يكون نصرا المنصوب مصدرا بمعنى الدعاء كسقيا ورعيا واكثر النحويين يجعل التابع في هذا البيت عطف بيان وليس بصحيح وزعم الجرجاني والزمخشري ان لا بد من زيادة وضوحه على وضوح متبوعه وهو خلاف القياس ومذهب سيبويه اما مخالفته القياس فلأن عطف البيان في الجامد بمنزلة النعت في المشتق ولا يلزم زيادة تخصيص النعت باتفاق فلا يلزم زيادة تخصيص عطف البيان واما مخالفته لمذهب سيبويه فلانه جعلى ذا الجمة من قولهم يا هذا ذا الجمة عطف بيان مع ان هذا اخص من المضاف الى ذي الالف واللام

وصالحا لبدليّة يرى

في غير نحو يا غلام يعمرا

ونحو بشر تابع البكرىّ

وليس أن يبدل بالمرضيّ

ما يحكم عليه بانه عطف بيان باعتبار كونه موضحا او مخصصا لمتبوعه يجوز الحكم عليه بانه بدل باعتبار كونه مقصودا بالنسبة على نية تكرار العامل لافادة تقرير معنى الكلام وتوكيده ولا يمتنع الحكم على عطف البيان بالبدلية الّا في موضعين الاول ان يكون التابع مفردا معرفة معربا والمتبوع منادى كقولك يا اخانا زيدا فان زيدا يجب ان يكون عطف بيان ولا يجوز ان يكون بدلا لانه لو كان بدلا لكان في نية

٢٠٢

تكرار حرف النداء معه ولكان يلزم بناؤه على الضم كما يلزم في كل منادى مفرد معرفة ومثل يا اخانا زيدا تمثيله بيا غلام يعمرا وقول الشاعر

أيا أخوينا عبد شمس ونوفلا

اعيذكما بالله ان تحدثا حربا

الثاني ان يكون المعطوف خاليا من لام التعريف والمعطوف عليه معرفا بها مضاف اليه صفة مقرونة بها كقول الشاعر

أنا ابن التارك البكريّ بشر

عليه الطير ترقبه وقوعا

فبشر عطف على البكري ولا يجوز ان يكون بدلا لان البدل في نية تكرار العامل والتارك لا يصح ان يضاف اليه لما علمت ان الصفة المحلاة بالالف واللام لا تضاف الا الى المعرف بهما وقوله وليس ان يبدل بالمرضيّ تعريض لمذهب الفراء في هذه المسألة وقد تقدم في الصفة المشبهة باسم الفاعل

(عطف النسق)

تال بحرف متبع عطف النّسق

كاخصص بودّ وثناء من صدق

التابع اما كامل الاتصال بمتبوعه فينزل منه منزلة جزئه فلا يحتاج الى رابط وهو التوكيد وعطف البيان والصفة واما كامل الانقطاع عنه فينزل منه منزلة ما لا علاقة له مع ما قبله فلا يحتاج ايضا الى رابط وهو البدل لانه في نية الاضراب عن الاول واستئناف الحكم للثاني واما متوسط بين كمال الاتصال وكمال الانقطاع فيحتاج الى الرابط وهو المعطوف عطف النسق ويعرف بانه التابع المتوسط بينه وبين متبوعه احد الحروف التسعة الآتي ذكرها والتالي في قوله تال بحرف متبع بمعنى التابع وهو جنس للتوابع فلما قيده بالحرف المتبع اخرج غير المحدود منه

فالعطف مطلقا بواو ثمّ فا

حتّى أم او كفيك صدق ووفا

وأتبعت لفظا فحسب بل ولا

لكن كلم يبد امروء لكن طلا

حروف العطف على ضربين احدهما ما يعطف مطلقا اي يشرك في الاعراب والمعنى وهو الواو وثم والفاء وحتى وام وأو واكثر المصنفين لا يعدون او فيما يشرك في الاعراب والمعنى لان المعطوف بها يدخله الشك او التخيير بعد ما مضى اول الكلام على اليقين والقطع وانما عدّها الشيخ في هذا القسم لانّ ذكرها يشعر السامع بمشاركة ما

٢٠٣

قبلها لما بعدها فيما سيقت لاجله وان كان مساق ما قبلها صورة على غير مساق ما بعدها الضرب الثاني ما يعطف لفظا فحسب اي يشرك في الاعراب وحده وهو بل ولا ولكن وعدّ الكوفيون من هذا الضرب ليس محتجين بنحو قول الشاعر

أين المفرّ والاله الطالب

والاشرم المغلوب ليس الغالب

ولا حجة فيه لجواز ان يجعل الغالب اسم ليس وخبرها ضميرا متصلا عائدا على الاشرم ثم حذف لاتصاله كما يحذف في نحو زيد ضربه عمرو اذا قلت زيد ضرب عمرو وكما حذف في قول الشاعر

فاطعمنا من لحمها وسنامها

شواء وخير الخير ما كان عاجله

التقدير ما كانه عاجله على معنى عاجل الخير خبره

فاعطف بواو لاحقا أو سابقا

في الحكم أو مصاحبا موافقا

واخصص بها عطف الّذي لا يغني

متبوعه كاصطفّ هذا وابني

لما فرغ من عدد حروف العطف اخذ في بيان معانيها وكيفية استعمالها فقال فاعطف بواو لاحقا او سابقا في الحكم او مصاحبا موافقا فبين ان الواو لمطلق الجمع فيصح ان يعطف بها لاحق اي متأخر عن المتبوع في حصول المشاركة فيه له كقولك جاء زيد وعمرو بعده وان يعطف بها سابق اي متقدم على المتبوع في حصول المشاركة فيه له كقولك جاء زيد وعمرو قبله وان يعطف بها مصاحب اي موافق للمتبوع في زمان حصول ما فيه الاشتراك كقولك جاء زيد وعمرو معه والى هذا الذي ذكرته الاشارة بقوله او سابقا في الحكم فرفع توهم ان يراد بلاحق وسابق ومصاحب اللحاق والسبق والمصاحبة في الوجود لا في النسبة الى ما فيه المشاركة ويحكى عن بعض الكوفيين ان الواو للترتيب فلا يجوز ان يعطف بها سابق ويدل على عدم صحة هذا القول الاستعمال كقوله تعالى. (وَأَوْحَيْنا إِلى إِبْراهِيمَ وَإِسْماعِيلَ وَإِسْحاقَ وَيَعْقُوبَ وَالْأَسْباطِ وَعِيسى وَأَيُّوبَ.) وقوله تعالى. فيما يحكيه عن منكري البعث. (إِنْ هِيَ إِلَّا حَياتُنَا الدُّنْيا نَمُوتُ وَنَحْيا وَما نَحْنُ بِمَبْعُوثِينَ.) وقوله تعالى. (كَذَّبَتْ قَبْلَهُمْ قَوْمُ نُوحٍ وَأَصْحابُ الرَّسِّ وَثَمُودُ وَعادٌ وَفِرْعَوْنُ وَإِخْوانُ لُوطٍ.) وكقول الشاعر

أغلى السباء بكل أدكن عاتق

او جونة قدحت وفض ختامها

وقول الآخر

٢٠٤

حتى اذا رجب تولى وانقضى

وجماديان وجاء شهر مقبل

وقول الآخر

فقلت له لما تمطى بجوزه

وأردف أعجازا وناء بكلكل

وتختص الواو بعطف ما لا يستغنى عنه في الكلام بمتبوعه كفاعل ما يقتضي الاشتراك في الفاعلية لفظا وفيها وفي المفعولية معنى كقولك تضارب زيد وعمرو واختصم خالد وبكر ومنه قوله اصطف هذا وابني فلو قلت اصطف هذا فابني او ثم ابني لم يجز لان الفاء وثم للترتيب وهو ينافي الاشتراك في الفاعلية والمفعولية معا اذا تأملت

والفاء للتّرتيب باتّصال

وثمّ للتّرتيب بانفصال

واخصص بفاء عطف ما ليس صله

على الّذي استقرّ أنّه الصّله

الفاء للترتيب وهو على ضربين ترتيب في المعنى وترتيب في الذكر والمراد بالترتيب في المعنى ان يكون المعطوف بها لاحقا متصلا بلا مهلة كقوله تعالى. (خَلَقَكَ فَسَوَّاكَ.)

والاكثر كون المعطوف بها متسببا عما قبله كقولك أملته فمال واقمته فقام وعطفته فانعطف واما الترتيب في الذكر فنوعان احدهما عطف مفصل على مجمل هو هو في المعنى كقولك توضأ فغسل وجهه ويديه ومسح رأسه ورجليه ومنه قوله تعالى.

(وَنادى نُوحٌ رَبَّهُ فَقالَ رَبِّ إِنَّ ابْنِي مِنْ أَهْلِي وَإِنَّ وَعْدَكَ الْحَقُّ وَأَنْتَ أَحْكَمُ الْحاكِمِينَ.)

الثاني عطف لمجرد المشاركة في الحكم بحيث يحسن بالواو كقول امرئ القيس

قفا نبك من ذكرى حبيب ومنزل

بسقط اللوى بين الدّخول فحومل

وتختص الفاء بعطف ما لا يصلح كونه صلة على ما هو صلة كقولك الذي يطير فيغضب زيد الذباب فلو جعلت موضع الفاء واوا او غيرها فقلت الذي يطير ويغضب زيد او ثم يغضب زيد الذباب لم تجز المسألة لان يغضب زيد جملة لا عائد فيها على الذي فلا يصح ان تعطف على الصلة لان شرط ما عطف على الصلة ان يصلح وقوعه صلة فان كان العطف بالفاء لم يشترط ذلك لانها تجعل ما بعدها مع ما قبلها في حكم جملة واحدة لاشعارها بالسببية فكأنك قلت الذي ان يطير يغضب زيد الذباب واما ثم فللترتيب في المعنى بانفصال اي يكون المعطوف بها لاحقا للمعطوف عليه في حكمه متراخيا عنه بالزمان كقوله تعالى. (وَعَصى آدَمُ رَبَّهُ فَغَوى ثُمَّ اجْتَباهُ رَبُّهُ فَتابَ عَلَيْهِ وَهَدى). وقد تأتي للترتيب في الذكر كقوله تعالى. (ثُمَّ آتَيْنا مُوسَى الْكِتابَ

٢٠٥

تَماماً عَلَى الَّذِي أَحْسَنَ.) وقد تقع موقع الفاء كقول الشاعر

كهز الردينيّ تحت العجاج

جرى في الانابيب ثم اضطرب

وقد يعطف بالفاء متراخ كقوله تعالى. (وَالَّذِي أَخْرَجَ الْمَرْعى فَجَعَلَهُ غُثاءً أَحْوى.) اما لتقدير متصل قبله واما لحمل الفاء على ثم لاشتراكهما في الترتيب

بعضا بحتّى اعطف على كلّ ولا

يكون إلّا غاية الّذي تلا

مما يعطف مشتركا في الاعراب والمعنى حتى الّا ان المعطوف بها لا يكون الّا بعضا وغاية للمعطوف عليه اما في نقص واما في زيادة نحو غلبك الناس حتى النساء واحصيت الاشياء حتى مثاقيل الذر ومن كلامهم استنت الفصال حتى القرعى ومات الناس حتى الانبياء والملوك وقد لا يكون المعطوف بها بعض ما قبلها الا بتأويل كقول الشاعر

ألقى الصحيفة كي يخفف رحله

والزاد حتى نعله ألقاها

فعطف النعل وليست بعضا لما قبلها لانه في تأويل القى ما يثقله حتى نعله ولا تقتضي الترتيب بل مطلق الجمع كالواو ويشهد لذلك قوله في لحديث الشريف (كل شيء بقضاء وقدر حتى العجز والكيس) وليس في القضاء ترتيب وانما الترتيب في ظهور المقتضيات

وأم بها اعطف إثر همز التّسويه

أو همزة عن لفظ أيّ مغنيه

وربّما حذفت الهمزة إن

كان خفا المعنى بحذفها أمن

وبانقطاع وبمعنى بل وفت

إن تك ممّا قيّدت به خلت

ام في العطف على ضربين متصلة ومنقطعة فالمتصلة هي التي ما قبلها وما بعدها لا يستغنى باحدهما عن الآخر لانهما مفردان تحقيقا او تقديرا ونسبة الحكم عند المتكلم اليهما معا او الى احدهما من غير تعيين وتسمى عادلة اي معادلة للهمزة في الاستفهام بها وشرط استعمالها كذلك ان يقرن ما يعطف بها عليه اما بهمزة التسوية وهي التي مع جملة يصح تقدير المصدر في موضعها واكثر ما تكون فعلية كقوله تعالى. (سَواءٌ عَلَيْهِمْ أَأَنْذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْ تُنْذِرْهُمْ لا يُؤْمِنُونَ.) المعنى سواء عليهم الانذار وعدمه ومثله قول الشاعر

ما ابالي أنبّ بالحزن تيس

ام جفاني بظهر غيب لئيم

٢٠٦

التقدير ما ابالي بنبيب تيس ولا بجفاء لئيم وقد تكون اسمية كقول الشاعر

ولست ابالي بعد فقدي مالكا

اموتي ناء ام هو الآن واقع

المراد ما ابالي بعد فقد مالك بنأي موتي ولا بوقوعه واما بهمزة يقصد بها وبأم ما يقصد بايّ المطلوب بها تعيين احد الشيئين بحكم معلوم الثبوت وتقع ام بعد هذه الهمزة بين مفردين نحو أزيد في الدار ام عمرو واقائم زيد ام قاعد وان شئت قلت أزيد قائم ام قاعد كما قال الله تعالى. (وَإِنْ أَدْرِي أَقَرِيبٌ أَمْ بَعِيدٌ ما تُوعَدُونَ.) وبين جملتين في معنى المفردين وقد تكونان فعليتين او ابتدائيتين او احداهما فعلية والاخرى ابتدائية فالاول كقول الشاعر

فقمت للطيف مرتاعا فأرقني

فقلت أهي سرت ام عادني حلم

التقدير فقلت أهي سارية ام عائد حلمها أي أيّ هذين هي والثاني كقول الآخر

لعمرك ما ادري ولو كنت داريا

شعيث بن سهم ام شعيث بن منقر

التقدير ما ادري أشعيث بن سهم ام شعيث بن منقر والمعنى ما ادري اي النسبين هو الصحيح وابن سهم وابن منقر خبران لا صفتان وحذف التنوين من شعيث حذفه من عمرو في قول الآخر

عمرو الذي هشم الثريد لقومه

ورجال مكة مسنتون عجاف

والثالث كقوله تعالى. (أَأَنْتُمْ تَخْلُقُونَهُ أَمْ نَحْنُ الْخالِقُونَ.) كأنه قيل أينا خلقه وقد تقع ام المتصلة بين مفرد وجملة كقوله تعالى. (قُلْ إِنْ أَدْرِي أَقَرِيبٌ ما تُوعَدُونَ أَمْ يَجْعَلُ لَهُ رَبِّي أَمَداً.) وقوله وربما حذفت الهمزة البيت اشارة الى نحو ما مر من قول الشاعر شعيث بن سهم ام شعيث بن منقر ومثله قول الآخر

فلا تعجلي يا ميّ ان تتبيني

بنصح أتى الواشون ام بحبول

وقول الآخر

لعمرك ما ادري وان كنت داريا

بسبع رمين الجمر ام بثمان

وقراءة ابن محيصن قوله تعالى. (سَواءٌ عَلَيْهِمْ أَأَنْذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْ تُنْذِرْهُمْ.) واما ام المنقطعة فهي الواقعة بين جملتين ليستا في تقدير المفردين بل كل منهما مستقل بفائدته وذلك اذا لم تكن بعد همزة التسوية او همزة تحسن في موضعها اي وهذا معنى قوله ان تك مما قيدت به خلت ولا تخلو ام المنقطعة عن معنى الاضراب وكثيرا ما تقتضي معه الاستفهام كما في قوله تعالى. (أَمِ اتَّخَذَ مِمَّا يَخْلُقُ بَناتٍ.) وتقع بعد الخبر والاستفهام بالهمزة

٢٠٧

وغيرها فمن وقوعها بعد الخبر قوله تعالى. (لا رَيْبَ فِيهِ مِنْ رَبِّ الْعالَمِينَ أَمْ يَقُولُونَ افْتَراهُ.) المعنى بل يقولون افتراه وقول بعض العرب انها لأبل ام شاة جرى اول كلامه على اليقين فلما تبين له الخطأ اضرب عنه معقبا له بالشك ومن وقوعها بعد الاستفهام قوله تعالى. (أَلَهُمْ أَرْجُلٌ يَمْشُونَ بِها أَمْ لَهُمْ أَيْدٍ يَبْطِشُونَ بِها.) وتقول هل زيد قائم ام عمرو فهذا على الانقطاع واضمار الخبر لعمرو لان هل لا يستفهم بها الّا عن الجملة فلا يصح في ام بعدها ان تكون متصلة وقد تتجرد المنقطعة بعد الخبر عن الاستفهام كما في قول الشاعر

وليت سليمى في المنام ضجيعتي

هنالك ام في جنة أم جهنم

وهو المصحح لوقوع هل بعدها في نحو قوله تعالى. (قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الْأَعْمى وَالْبَصِيرُ أَمْ هَلْ تَسْتَوِي الظُّلُماتُ وَالنُّورُ.)

خير أبح قسّم بأو وأبهم

واشكك وإضراب بها أيضا نمي

وربّما عاقبت الواو إذا

لم يلف ذو النّطق للبس منفذا

او يعطف بها في الطلب والخبر فاذا عطف بها في الطلب كانت اما للتخيير نحو خذ هذا او ذاك واما للاباحة نحو جالس الحسن او ابن سيرين والفرق بينهما ان التخيير ينافي الجمع والاباحة لا تأباه واذا عطف بها في الخبر فهي اما للتقسيم كقولك الكلمة اسم او فعل او حرف واما للابهام على السامع كقوله تعالى. (وَإِنَّا أَوْ إِيَّاكُمْ لَعَلى هُدىً أَوْ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ.) واما لشك المتكلم في ذي النسبة كقولك قام زيد او عمرو واما للاضراب في رأى الكوفيين وابي علي وابن برهان قال ابن برهان في شرح اللمع قال ابو علي او حرف يستعمل على ضربين احدهما ان يكون لاحد الشيئين او الاشياء والآخر ان يكون للاضراب وقال ابن برهان واما الضرب الثاني فنحو انا اخرج ثم تقول او اقيم اضربت عن الخروج واثبت الاقامة كأنك قلت لا بل اقيم وانشد الشيخ على مجيئها للاضراب قول جرير يخاطب هشام بن عبد الملك

ماذا ترى في عيال قد برمت بهم

لم احص عدتهم الّا بعداد

كانوا ثمانين او زادوا ثمانية

لو لا رجاؤك قد قتّلت اولادي

وحكى الفراء اذهب الى زيد او دع ذلك فلا تبرح اليوم قوله وربما عاقبت الواو اشار به الى نحو قول الشاعر

٢٠٨

جاء الخلافة او كانت له قدرا

كما أتى ربه موسى على قدر

اوقع او مكان الواو لما أمن اللبس ورأى ان السامع لا يجد عن حملها على غير معنى الواو مخرجا ومثل ذلك قول الآخر

قوم اذا سمعوا الصريخ رأيتهم

ما بين ملجم مهره او سافع

وقول امرىء القيس

فظل طهاة اللحم من بين منضج

صفيف شواء او قدير معجل

ومثل أو في القصد إمّا الثّانيه

في نحو إمّا ذي وإمّا النّائيه

مذهب اكثر النحويين ان إما المسبوقة بمثلها عاطفة ومذهب ابن كيسان وابي علي ان العطف انما هو بالواو التي قبلها وهي جائية لمعنى من المعاني المستفادة من او وهو اختيار الشيخ ولذلك لم يعدها في اول الباب مع العواطف والذي يمنع من كونها عاطفة امران احدهما تقدمها على المعطوف عليه والثاني وقوعها بعد الواو والعاطف لا يتقدم المعطوف عليه ولا يدخل على عاطف غيره واصل إما إن فضمت اليها ما وقد يستغنى عن ما في الشعر قال الشاعر

وقد كذبتك نفسك فاكذبنها

فان جزعا وان اجمال صبر

وغالب الاستعمال ان تكون مكررة لتشعر من اول وهلة بقصد التخيير او الاباحة او التقسيم او الابهام او الشك وان لا تخلو الثانية عن الواو وقد يستغنى عن الثانية بالّا كقول الشاعر

فاما أن تكون اخي بصدق

فأعرف منك غثي من سميني

والّا فاطرجني واتخذني

عدوّا اتقيك وتتقيني

وقد يستغنى عنها وعن الواو باو كقولك قام اما زيد او عمرو وقد يستغنى عن الاولى كقول الشاعر

نهاض بدار قد تقادم عهدها

واما باموات ألمّ خيالها

وقول النمر بن تولب العكلي

سقته الرواعد من صيف

وأن من خريف فلن يعدما

قال سيبويه اراد اما من صيف واما من خريف وقد تخلو الثانية عن الواو كقول الشاعر

يا ليتما امنا شالت نعامتها

ايما الى جنة ايما الى نار

اراد اما الى جنة واما الى نار ففتح الهمزة وهي لغة بني تميم وابدل من الميم الاولى ياء ثم

٢٠٩

حذف الواو

وأول لكن نفيا او نهيا ولا

نداء او أمرا أو اثباتا تلا

من حروف العطف لكن ولا فاما لكن فيعطف بها مثبت بعد نفي كقولك ما قام زيد لكن عمرو او بعد نهي كقولك لا تضرب زيدا لكن عمرا وتدخل الواو على لكن كقوله تعالى. (ما كانَ مُحَمَّدٌ أَبا أَحَدٍ مِنْ رِجالِكُمْ وَلكِنْ رَسُولَ اللهِ وَخاتَمَ النَّبِيِّينَ.)

فتعرّى عن العطف لامتناع دخول العاطف على العاطف ويجب تقدير ما بعد لكن جملة معطوفة بالواو على ما قبلها لان كونه مفردا يستلزم مخالفة المعطوف للمعطوف عليه في الحكم وذلك ممتنع في عطف المفرد على المفرد بالواو بخلاف عطف جملة على جملة كقولك قام زيد ولم يقم عمرو واكرمت خالدا واهنت بشرا وزعم ابن خروف ان المعطوف بلكن لم يستعمل الّا مع الواو وذكر بعضهم ان يونس لا يرى لكن عاطفة ولعل ذلك لعدم ورودها بين مفردين خالية عن الواو ولم يمثل سيبويه العطف بها الّا بعد الواو فقال ما مررت بصالح ولكن طالح ويسمى المعطوف بها وببل بدلا واما لا فيعطف بها منفي بعد اثبات لقصر الحكم على ما قبلها اما قصر افراد كما اذا اعتقد انسان ان زيدا كاتب وشاعر وهو مخطىء في اعتقاد كونه شاعرا واردت ان ترده الى الصواب فقلت زيد كاتب لا شاعر واما قصر قلب لاعتقاد المخاطب الى غيره كما اذا اعتقد انسان ان زيدا جاهل واخطأ في اعتقاده واردت ان ترده الى الصواب فقلت زيد عالم لا جاهل ويعطف بلا بعد الخبر كما مثلنا وبعد الامر نحو اضرب زيدا لا عمرا وبعد النداء نحو يا ابن اخي لا ابن عمي ومنع ابو القاسم الزجاجي في كتاب معاني الحروف ان يعطف بلا بعد الفعل الماضي وليس منع ذلك صحيحا لقول العرب جدّك لا كدك قيل في تفسيره نفعك جدّك لا كدك ومثله في العطف على معمول فعل ماض قول امرىء القيس

كأنّ دثارا حلقت بلبونه

عقاب تنوفى لا عقاب القواعل

وبل كلكن بعد مصحوبيها

كلم أكن في مربع بل تيها

وانقل بها للثّان حكم الاوّل

في الخبر المثبت والأمر الحبلي

من حروف العطف بل ومعناها الاضراب وحالها فيه مختلف فان كان المعطوف بها

٢١٠

جملة فهي للتنبيه على انتهاء غرض واستئناف غيره كما تقول زيد شاعر بل هو فقيه وان كان مفردا فلا يخلو اما ان يكون بعد نفي او نهي او بعد غيرهما فان كانت بعد نفي او نهي فهي لتقرير حكم ما قبلها وجعل ضده لما بعدها والى هذا اشار بقوله وبل كلكن بعد مصحوبيها تقول ما قام زيد بل عمرو فتقرر نفي القيام عن زيد وتثبته لعمرو ومثل ذلك تمثيله بلم اكن في مربع بل تيها المربع منزل الربيع والتيهاء الارض التي لا يهتدى بها وتقول لا تضرب خالدا بل بشرا فتقرر نهي المخاطب عن ضرب خالد وتأمره بضرب بشر ووافق المبرد في هذا الحكم واجاز كون بل ناقلة حكم النفي والنهي الى ما بعدها واستعمال العرب على خلاف ما اجازه قال الشاعر

لو اعتصمت بنا لم تعتصم بعدا

بل اولياء كفاة غير أوكال

وقال الآخر

وما انتميت الى خور ولا كشف

ولا لئام غداة الروع اوزاع

بل ضاربين حبيك البيض ان لحقوا

شمّ العرانين عند الموت لذاع

وان كان المعطوف ببل بعد غير النفي والنهي فهي لازالة الحكم عن ما قبلها حتى كأنه مسكوت عنه وجعله لما بعدها كقولك جاء زيد بل عمرو وخذ هذا بل ذاك

وإن على ضمير رفع متّصل

عطفت فافصل بالضّمير المنفصل

أو فاصل ما وبلا فصل يرد

في النّظم فاشيا وضعفه اعتقد

الضمير ينقسم الى بارز ومستتر والبارز ينقسم الى منفصل ومتصل اما الضمير المنفصل فكالظاهر في جواز عطفه والعطف عليه من غير ما شرط تقول زيد وانت متفقان وانا وعمرو مقيمان ولا تصحب الّا خالدا واياي وانما رأيت اياك وبشرا واما المتصل فاما مرفوع او منصوب او مجرور فان كان مرفوعا فهو والمستتر سواء في انه لا يحسن العطف عليهما الّا مع الفصل والغالب كونه بضمير منفصل مؤكد للمعطوف عليه كقوله تعالى. (ما لَمْ تَعْلَمُوا أَنْتُمْ وَلا آباؤُكُمْ.) وقد يفصل بمفعول او غيره كقوله تعالى.

(يَدْخُلُونَها وَمَنْ صَلَحَ مِنْ آبائِهِمْ.) وربما اكتفي بفصل لا بين العاطف والمعطوف عليه كقوله تعالى. (ما أَشْرَكْنا وَلا آباؤُنا). واجاز صاحب الكشاف في قوله تعالى. (أَإِنَّا لَمَبْعُوثُونَ أَوَآباؤُنَا الْأَوَّلُونَ.) ان يكون آباؤنا معطوفا على الضمير في لمبعوثون للفصل بالهمزة وقد يعطف على الضمير المتصل المرفوع بلا فصل كقول جرير

٢١١

ورجا الاخيطل من سفاهة رأيه

ما لم يكن وأب له لينالا

وقول عمرو بن ابي ربيعة

قلت اذ أقبلت وزهر تهادى

كنعاج الملا تعسفن رملا

وليس بمقصور على الشعر حكى سيبويه مررت برجل سواء والعدم بعطف العدم على الضمير في سواء ومع ذلك فهو قليل في الكلام ضعيف في القياس لما فيه من ايهام عطف الاسم على الفعل وان كان الضمير المتصل منصوبا حسن العطف عليه وان لم يفصل لانه لا يستتر ولا ينزل من الفعل منزلة الجزء كما في ضمير الرفع وان كان مجرورا فلا يجوز العطف عليه عند الاكثرين الّا باعادة الجار كقوله تعالى. (قُلِ اللهُ يُنَجِّيكُمْ مِنْها وَمِنْ كُلِّ كَرْبٍ.) وقوله تعالى. (وَعَلَيْها وَعَلَى الْفُلْكِ تُحْمَلُونَ.) وقوله تعالى.

(فَقالَ لَها وَلِلْأَرْضِ ائْتِيا.) وذهب يونس والفراء الى جواز العطف على الضمير المجرور بدون اعادة الجار وهو اختيار الشيخ وقد نبه عليه بقوله

وعود خافض لدى عطف على

ضمير خفض لازما قد جعلا

وليس عندي لازما إذ قد أتى

في النّظم والنّثر الصّحيح مثبتا

فجعل الدليل على عدم لزوم اعادة الخافض مع المعطوف على الضمير المجرور وروده في السماع نظما ونثرا كقراءة حمزة. (وَاتَّقُوا اللهَ الَّذِي تَسائَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحامَ.) بخفض الارحام وهي قراءة ابن عباس والحسن ومجاهد وقتادة والنخعي وغيرهم ومثل هذه القراءة قول بعضهم ما فيها غيره وفرسه بجر فرسه حكاه قطرب ومثله انشاد سيبويه

فاليوم قرّبت تهجونا وتشتمنا

فاذهب فما بك والايام من عجب

وانشاد الفراء

نعلّق في مثل السواري سيوفنا

وما بينها والكعب غوط نفانف

وقول الآخر

اذا اوقدوا نارا لحرب عدوهم

فقد خاب من يصلى بها وسعيرها

وقول الآخر

بنا ابدا لا غيرنا يدرك المنى

وتكشف غماء الخطوب الفوادح

ومما يجب ان يحمل على ذلك قوله تعالى. (وَصَدٌّ عَنْ سَبِيلِ اللهِ وَكُفْرٌ بِهِ وَالْمَسْجِدِ الْحَرامِ.) لان جرّ المسجد للعطف على سبيل الله ممتنع مثله باتفاق لاستلزامه الفصل بين

٢١٢

المصدر ومعموله بالاجنبي فلم يبق سوى جره بالعطف على الضمير المجرور بالباء ولا يبعد ان يقال في هذه المسئلة ان العطف على الضمير المجرور بدون اعادة الجار غير جائز في القياس وما ورد منه في السماع محمول على شذوذ اضمار الجار كما اضمر في مواضع اخر نحو ما كل بيضاء شحمة ولا سوداء تمرة وكقولهم امرر ببني فلان الّا صالح فطالح وقولهم بكم درهم اشتريت ثوبك على ما يراه سيبويه رحمه‌الله من ان الجرّ فيه بعدكم باضمار من لا بالاضافة والدليل على ان العطف المذكور لا يجوز في القياس من وجهين احدهما ان الضمير المجرور شبيه بالتنوين لمعاقبته له وكونه على حرف واحد فلا يجوز العطف عليه كما لم يجز العطف على التنوين الثاني ان الضمير المتصل متصل كاسمه والجار والمجرور كشيء واحد فاذا اجتمع على الضمير الاتصالان اشبه العطف عليه العطف على بعض الكلمة فلم يجز ووجب اما تكرير الجار واما النصب باضمار فعل فان قيل لو كان الشبه بالتنوين او ببعض الكلمة مانعا من العطف على الضمير المجرور لمنع من توكيده ومن الابدال منه واللازم منتف بالاجماع قلنا لا نسلم صدق الملازمة والفرق بين التوكيد والعطف ان التوكيد مقصود به تكميل متبوعه فينزّل منه منزلة الجزء وذلك يقتضي امرين الاول ان شبه الضمير المجرور بالتنوين حال توكيده اقل من شبهه به حال العطف عليه لطلبه حال التوكيد ما لا يطلبه التنوين وهو التكميل بما بعده فلا يلزم ان يؤثّر شبه التنوين في التوكيد ما اثره في العطف لاحتمال ترتيب الحكم على اقوى الشبهين الثاني ان شبه الضمير المجرور ببعض الكلمة وان منع من العطف لا يمنع من التوكيد لان بعض الكلمة لا يمتنع عليه تكميله ببقية اجزائه فكذا لا يمتنع على ما اشبه بعض الكلمة تكميله بما بعده واما البدل فالفرق بينه وبين العطف ان البدل في نية تكرار العامل فاتباعه الضمير المجرور في الحقيقة اتباع له وللجار جميعا لان البدل في قوة المصرح معه بالعامل وليس كذلك المعطوف فجاز ان تقول مررت به المسكين جواز قولك مررت به وبزيد

والفاء قد تحذف مع ما عطفت

والواو إذ لا لبس وهي انفردت

بعطف عامل مزال قد بقي

معموله دفعا لوهم اتقي

قد تحذف الفاء مع المعطوف بها اذا امن اللبس وكذلك الواو فمن حذف الفاء مع المعطوف قوله تعالى. (فَتُوبُوا إِلى بارِئِكُمْ فَاقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ ذلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ عِنْدَ بارِئِكُمْ فَتابَ

٢١٣

عَلَيْكُمْ.) التقدير فامتثلتم فتاب عليكم وقوله تعالى. (فَمَنْ كانَ مِنْكُمْ مَرِيضاً أَوْ عَلى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ.) معناه فافطر فعليه عدة من ايام اخر ومن حذف الواو مع المعطوف قوله تعالى. (لا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْ رُسُلِهِ.) اي بين احد وأحد من رسله وقوله تعالى.

(وَجَعَلَ لَكُمْ سَرابِيلَ تَقِيكُمُ الْحَرَّ.) المعنى تقيكم الحرّ والبرد ومثله قول النابغة الذبياني.

فما كان بين الخير لو جاء سالما

ابو حجر الّا ليال قلائل

اي فما كان بين الخير وبيني وقول امرىء القيس

كأن الحصى من خلفها وامامها

اذا نجلته رجلها حذف أعسرا

اراد اذا نجلته رجلها ويدها قوله وهي انفردت بعطف عامل مزال قد بقي معموله اشارة الى نحو قوله تعالى. (وَالَّذِينَ تَبَوَّؤُا الدَّارَ وَالْإِيمانَ.) فان الايمان منصوب بفعل محذوف معطوف على تبوّؤا وتقديره والله اعلم تبوّؤا الدار والفوا الايمان وقد اندفع بهذا التقدير من الاضمار توهم ان يكون الايمان مفعولا معه فان قلت ولم دفع هذا التوهم قلت لانه لا فائدة في تقييد الذين يحبون من هاجر اليهم بمصاحبة الايمان بخلاف تقييدهم بإلف الايمان ومثل الآية الكريمة في الاستشهاد قول الشاعر

تراء كأن الله يجدع انفه

وعينيه ان مولاه ثاب له وفر

تقديره يجدع انفه ويفقأ عينيه وكذا قول الآخر

اذا ما الغانيات برزن يوما

وزججن الحواجب والعيونا

اراد زججن الحواجب وكحلن العيون ومما ينبغي ان يعد من هذا القبيل قوله تعالى.

(اسْكُنْ أَنْتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ.) لان فعل امر المخاطب لا يعمل في الظاهر فهو على معنى اسكن انت ولتسكن زوجك الجنة

وحذف متبوع بدا هنا استبح

وعطفك الفعل على الفعل يصح

واعطف على اسم شبه فعل فعلا

وعكسا استعمل تجده سهلا

يعني انه استباح حذف المتبوع في باب العطف لان التابع مع العاطف يدل عليه مثل ذلك قولهم وبك واهلا سهلا لمن قال مرحبا واهلا فحذف مرحبا وعطف عليه اهلا وسهلا ومنه قوله تعالى. (فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْ أَحَدِهِمْ مِلْءُ الْأَرْضِ ذَهَباً وَلَوِ افْتَدى بِهِ.)

المعنى والله أعلم لو ملكه ولو افتدى به وقوله تعالى. (وَلِتُصْنَعَ عَلى عَيْنِي.) اي لترحم ولتصنع وقال صاحب الكشاف في قوله تعالى .. (أَفَلَمْ تَكُنْ آياتِي تُتْلى عَلَيْكُمْ.) المعنى ألم

٢١٤

يأتكم رسولي فلم تكن آياتي تتلى عليكم قوله وعطفك الفعل على الفعل يصح تنبيه على ان الافعال كالاسماء في جواز التشريك بينهما في الاحكام بحروف العطف الّا ان ذلك مشروط بالاتفاق في الزمان فلا يعطف ماض على مستقبل ولا مستقبل على ماض فان اختلفا في اللفظ دون الزمان جاز كقوله تعالى. (تَبارَكَ الَّذِي إِنْ شاءَ جَعَلَ لَكَ خَيْراً مِنْ ذلِكَ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ وَيَجْعَلْ لَكَ قُصُوراً.) وقوله تعالى. (يَقْدُمُ قَوْمَهُ يَوْمَ الْقِيامَةِ فَأَوْرَدَهُمُ النَّارَ.) وقوله واعطف على اسم شبه فعل فعلا مثاله قوله تعالى. (أَوَلَمْ يَرَوْا إِلَى الطَّيْرِ فَوْقَهُمْ صافَّاتٍ وَيَقْبِضْنَ.) وقوله تعالى. (إِنَّ الْمُصَّدِّقِينَ وَالْمُصَّدِّقاتِ وَأَقْرَضُوا اللهَ قَرْضاً حَسَناً.) وقوله تعالى. (فَالْمُغِيراتِ صُبْحاً فَأَثَرْنَ بِهِ نَقْعاً.) وقوله وعكسا استعمل تجده سهلا يعني ان الاسم المشبه للفعل يعطف على الفعل لتقارب المعنى كقوله تعالى. (يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَمُخْرِجُ الْمَيِّتِ مِنَ الْحَيِّ.) وقول الراجز

يا رب بيضاء من العواهج

امّ صبيّ قد حبا او دارج

وقول الآخر

بات يعشّيها بعضب باتر

يقصد في أسوقها وجائر

فدارج عطف على حبا وجائر عطف على يقصد لانهما بمعنى درج ويجور

(البدل)

اعلم ان الغرض من الابدال ان يذكر الاسم مقصودا بالنسبة كالفاعلية والمفعولية والاضافة بعد التوطئة لذكره بالتصريح بتلك النسبة الى ما قبله لافإدة توكيد الحكم وتقريره لان الابدال في قوة اعادة الجملة ولذلك تسمع النحويين يقولون البدل في حكم تكرار العامل ولما اخذ الشيخ في تعريف البدل قال

ألتّابع المقصود بالحكم بلا

واسطة هو المسمّى بدلا

فصدّر التعريف بجنس البدل وهو التابع ثم تممه بخاصة البدل وهو المقصود بالحكم بلا واسطة فاخرج بالمقصود بالحكم النعت والتوكيد وعطف البيان لانهنّ مكملات للمقصود بالحكم وبلا واسطة المعطوف ببل ولكن فانهما مقصودان بالحكم لكن بواسطة ثم اخذ في بيان اقسام البدل فقال

مطابقا أو بعضا او ما يشتمل

عليه يلفى أو كمعطوف ببل

٢١٥

وذا للاضراب اعز إن قصد اصحب

ودون قصد غلط به سلب

فبيّن ان البدل يجيء على اربعة اضرب الاول بدل كل من كل وهو المطابق للمبدل منه المساوي له في المعنى كقولك مررت باخيك زيد ومثله قوله تعالى. (إِلى صِراطِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ اللهِ.) والثاني بدل بعض من كل كقولك اكلت الرغيف نصفه ومثله قوله تعالى. (ثُمَّ عَمُوا وَصَمُّوا كَثِيرٌ مِنْهُمْ.) والثالث بدل الاشتمال وهو ما يدل على معنى في متبوعه او يستلزم معنى في متبوعه فالدال على معنى في المتبوع كقولك اعجبني زيد حسنه وكقول الراجز

وذكرت تقتد برد مائها

وعنك البول على انسائها

والدال على ما يستلزم معنى في المتبوع كقولك اعجبني زيد ثوبه وكقوله تعالى.

(يَسْئَلُونَكَ عَنِ الشَّهْرِ الْحَرامِ قِتالٍ فِيهِ.) لان القتال في الشهر الحرام يستلزم معنى فيه وهو ترك تعظيمه وكقوله تعالى. (وَاذْكُرْ فِي الْكِتابِ مَرْيَمَ إِذِ انْتَبَذَتْ مِنْ أَهْلِها مَكاناً شَرْقِيًّا.) فان وقت الانتباذ وما عقبه يستلزم معنى في مريم عليها‌السلام وهو كونها على غاية من التقى والبر والعفاف فلذلك صح في اذ ان تكون بدل اشتمال من مريم ولا بد في بدل الاشتمال من رعاية امرين احدهما امكان فهم معناه مع الحذف كما في قولك اعجبني زيد علمه وأدبه فان ذكر زيد يشتمل على علمه وأدبه اشتمالا يفهم معناه في الحذف ومن ثم امتنع نحو عقلت زيدا بعيره لان ذكر زيد لا يشتمل على البعير ولا يشعر به والامر الآخر حسن الكلام على تقدير حذفه ومن ثم امتنع نحو اسرجت زيدا فرسه لانه وان فهم معناه في الحذف لا يحسن استعمال مثله وان جاء شيء منه حمل على الاضراب او الغلط والغالب في بدلي البعض والاشتمال مصاحبة ضمير عائد على المبدل منه وقد يخلوان عنه كقوله تعالى. (وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً.) على اظهر الاحتمالين والاحتمال الثاني ان يكون الحج مصدرا مضافا الى المفعول ومن فاعل المصدر على معنى ولله على الناس ان يحج البيت المستطيع وقوله تعالى. (قُتِلَ أَصْحابُ الْأُخْدُودِ النَّارِ ذاتِ الْوَقُودِ.) وقول الشاعر

هل تدنينّك من اجارع واسط

او بات يعملة اليدين حضار

من خالد اهل السماحة والندى

ملك العراق الى رمال وبار

فمن خالد بدل من اجارع واسط لاشتمالها عليه وهو خال عن ضمير المبدل منه الرابع البدل المباين للمبدل منه بحيث لا يشعر به ذكر المبدل منه بوجه وهو نوعان الاول

٢١٦

بدل الاضراب وهو ما يذكر متبوعه بقصد ويسمى بدل البداء مثاله قولك اكلت تمرا زبيبا اخبرت اولا باكل التمر ثم اضربت عنه وجعلته في حكم المتروك ذكره وابدلت منه الزبيب على حد العطف ببل اذا قلت اكلت تمرا بل زبيبا ومنه قوله صلى‌الله‌عليه‌وسلم. ان الرجل ليصلي الصلاة وما كتب له نصفها ثلثها ربعها الى عشرها. والى هذا الاشارة بقوله وذا للاضراب اعز ان قصدا صحب والثاني بدل الغلط والنسيان وهو ما لا يريد المتكلم ذكر متبوعه بل يجري لسانه عليه من غير ما قصد كقولك لقيت رجلا حمارا اردت ان تقول لقيت حمارا فغلطت او نسيت فقلت رجلا ثم تذكرت فأبدلت منه الحمار ويصان عن هذا النوع الفصيح من الكلام واليه الاشارة بقوله ودون قصد غلط به سلب اي ببدل الغلط يستفاد سلب الحكم عن الاول واثباته للثاني

كزره خالدا وقبّله اليدا

واعرفه حفّه وخذ نبلا مدى

اشتمل هذا البيت على امثلة انواع البدل فزره خالدا بدل كل وقبله اليدا بدل بعض واعرفه حقه بدل اشتمال وخذ نبلا مدى يصلح ان يجعل بدل اضراب وبدل غلط على المأخذين المذكورين

ومن ضمير الحاضر الظّاهر لا

تبدله إلّا ما إحاطة جلا

أو اقتضى بعضا أو اشتمالا

كأنّك ابتهاجك استمالا

تبدل المعرفة من النكرة نحو قوله تعالى. (وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ صِراطِ اللهِ.)

والنكرة من النكرة نحو قوله تعالى. (إِنَّ لِلْمُتَّقِينَ مَفازاً حَدائِقَ وَأَعْناباً.) والنكرة من المعرفة نحو قوله تعالى. (لَنَسْفَعاً بِالنَّاصِيَةِ ناصِيَةٍ كاذِبَةٍ.) والمعرفة من المعرفة نحو قوله تعالى. (اهْدِنَا الصِّراطَ الْمُسْتَقِيمَ صِراطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ.) ويبدل المضمر من المظهر نحو رأيت زيدا اياه ويبدل المظهر من المضمر لكن في ذلك تفصيل لان الضمير اما للمتكلم او المخاطب او الغائب اما ضمير الغائب فيبدل منه كما يبدل من الظاهر تقول ضربته زيدا ومررت به عمرو وقال الشاعر

على حالة لو انّ في القوم حاتما

على جوده لضن بالماء حاتم

بجر حاتم على البدل من الهاء في جوده وقد قيل في قوله تعالى. (وَأَسَرُّوا النَّجْوَى الَّذِينَ

٢١٧

ظَلَمُوا.) وجوه منها ان يكون الذين بدلا من الواو في اسروا واما ضمير المتكلم والمخاطب فلا يبدل منه بدل كل الّا اذا افاد البدل فائدة التوكيد من الاحاطة والشمول كقولهم جئتم كبيركم وصغيركم وكقول عبيدة بن الحارث بن عبد المطلب

فما برحت اقدامنا في مقامنا

ثلاثتنا حتى ازيروا المنائيا

ويصح ابداله بدل بعض واشتمال اما بدل البعض فكقولك اني باطني وجل قال الشاعر

اوعدني بالسجن والاداهم

رجلي فرجلي شثنة المناسم

وفي التنزيل العزيز. (لَقَدْ كانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كانَ يَرْجُوا اللهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ.) واما بدل الاشتمال فكقول الشاعر

ذريني ان امرك لن يطاعا

وما ألفيتني حلمي مضاعا

فحلمي بدل من ياء الفيتني وكقول الآخر

بلغنا السماء مجدنا وسناؤنا

وانا لنرجو فوق ذلك مظهرا

فمجدنا بدل من فاعل بلغنا واجاز الاخفش الابدال من ضمير الحاضر مطلقا واحتج له بقول الشاعر

وشوهاء تعدو بي الى صارخ الوغى

بمستلئم مثل الفنيق المرحل

يريد بمستلئم متدرعا ولا يعني الّا نفسه والا وجه عدّ هذا البيت من النوع المسمى في علم البيان بالتجريد على معنى تعدو بي الى صارخ الوغى ومعي من نفسي مستلئم فجرّد من نفسه مستلئما وجعله مصاحبا له ومثله قوله تعالى. (لَهُمْ فِيها دارُ الْخُلْدِ.) فكأنه جرّد من الدار دارا وقرأ علي كرم الله وجهه وابن عباس رضي‌الله‌عنهما. فهب لي من لدنك وليا يرثني وارث من آل يعقوب. قال ابو الفتح يريد فهب لي من لدنك وليا يرثني منه او به وارث من آل يعقوب وهو الوارث نفسه فكأنه جرّد منه وارثا وانشد الاخطل

بنزوة لص بعد ما مرّ مصعب

باشعث لا يفلى ولا هو يقبل

مصعب نفسه هو الاشعث فكأنه استخلص منه اشعث ومثله بيت الاعشى

لات هنا ذكرى جبيرة أو من

جاء منها بطائف الاهوال

وهي نفسها طائف الاهوال

وبدل المضمّن الهمز يلي

همزا كمن ذا أسعيد أم علي

٢١٨

بمعني ان المبدل من اسم الاستفهام لا بد من اقترانه بالهمزة كقولك من ذا أسعيد ام علي وكم مالك أعشرون ام ثلاثون وكيف اصبحت أفرحا ام ترحا ومنى سفرك أغدا ام بعد غد

ويبدل الفعل من الفعل كمن

يصل إلينا يستعن بنا يعن

يبدل الفعل من الفعل فيشتركان في الاعراب كقوله من يصل الينا يستعن بنا يعن فالجزم في يستعن بالابدال من يصل فان قلت من اي انواع البدل بعد هذا المثال قلت من بدل الاشتمال لان الاستعانة تستلزم معنى في الوصول وهو نجحه ومن ذلك قوله تعالى. (وَمَنْ يَفْعَلْ ذلِكَ يَلْقَ أَثاماً يُضاعَفْ لَهُ الْعَذابُ يَوْمَ الْقِيامَةِ.) فيضاعف بدل من يلق ولذلك جزم وقول الراجز

انّ عليّ الله أن تبايعا

تؤخذ كرها او تجيء طائعا

فابدل تؤخذ من تبايع ولذلك اشتركا في النصب وكثيرا ما تبدل الجملة من الجملة اذا كانت الثانية أوفى بتأدية المعنى المقصود من الاولى كما قال الشاعر

اقول له ارحل لا تقيمنّ عندنا

والّا فكن في السر والجهر مسلما

فابدل لا تقيمن من ارحل لانه اوفى منه بتأدية معنى الكراهة لاقامته الدلالة عليه بالمطابقة ودلالة ارحل عليه بالالتزام ومن امثلة ذلك في التنزيل العزيز قوله تعالى.

(بَلْ قالُوا مِثْلَ ما قالَ الْأَوَّلُونَ قالُوا أَإِذا مِتْنا وَكُنَّا تُراباً وَعِظاماً أَإِنَّا لَمَبْعُوثُونَ.) وقوله تعالى. (أَمَدَّكُمْ بِما تَعْلَمُونَ أَمَدَّكُمْ بِأَنْعامٍ وَبَنِينَ وَجَنَّاتٍ وَعُيُونٍ.) وقوله تعالى. (قالَ يا قَوْمِ اتَّبِعُوا الْمُرْسَلِينَ اتَّبِعُوا مَنْ لا يَسْئَلُكُمْ أَجْراً وَهُمْ مُهْتَدُونَ.)

(النداء)

وللمنادى النّاء أو كالنّاء يا

وأي وآ كذا أيا ثمّ هيا

والهمز للدّاني ووا لمن ندب

أو يا وغير والدى اللّبس اجتنب

للمنادى من الحروف في غير الندبة ان كان بعيدا او نحوه كالنائم والساهي يا واي وأيا وعيا وزاد الكوفيون آ وآي وان كان قريبا فله الهمزة نحو أزيد اقبل وله في الندبة وهي نداء المتفجع عليه او المتوجع منه وا نحو وا زيداه وا ظهراه وتعاقبها ياان أمن اللبس ودلت القرينة على ارادة الندبة والى هذا اشار بقوله وغير والدى اللبس

٢١٩

اجتنب وذهب المبرد الى ان أيا وهيا للبعيد واي والهمزة للقريب ويا لهما وذهب ابن برهان الى ان أيا وهيا للبعيد والهمزة للقريب واي للمتوسط ويا للجميع واجمعوا على جواز نداء القريب بما للبعيد توكيدا وعلى منع العكس

وغير مندوب ومضمر وما

جا مستغاثا قد يعرّى فاعلما

وذاك في اسم الجنس والمشار له

قلّ ومن يمنعه فانصر عاذله

يجوز حذف حرف النداء اكتفاء بتضمن المنادى معنى الخطاب ان لم يكن مندوبا او مضمرا او مستغاثا او اسم جنس او اسم اشارة لان الندبة تقتضي الاطالة ومد الصوت فحذف حرف النداء فيها غير مناسب وهكذا الاستغاثة فان الباعث عليها هو شدة الحاجة الى الغوث والنصرة فتقتضي مد الصوت ورفعه حرصا على الابلاغ وحرف النداء معين على ذلك واما المضمر فلا يحذف منه حرف النداء لانه لو حذف فاتت الدلالة على النداء لان الدال عليه هو حرف النداء وتضمن المنادى معنى الخطاب فلو حذف الحرف من المنادى المضمر بقي الخطاب وهو فيه غير صالح للدلالة على ارادة النداء لان دلالته على الخطاب وضعية لا تفارقه بحال واما اسم الجنس واسم الاشارة فلا يحذف منهما حرف النداء الّا فيما ندر من نحو قولهم اصبح ليل وأطرق كرا وافند مخنوق وقوله في الحديث الشريف ثوبي حجر وقول الله سبحانه وتعالى. (ثُمَّ أَنْتُمْ هؤُلاءِ تَقْتُلُونَ أَنْفُسَكُمْ.) وذلك لان حرف النداء في اسم الجنس كالعوض من اداة التعريف فحقه ان لا يحذف كما لم تحذف الاداة واسم الاشارة في معنى اسم الجنس فجرى مجراه وعند الكوفيين ان حذف حرف النداء من اسم الجنس والمشار اليه قياس مطرد والبصريون يقصرونه على السماع وقول الشيخ ومن يمنعه فانصر عاذله يوهم اختيار مذهب الكوفيين هذا ان لم يحمل المنع على عدم قبول ما جاء من ذلك

وابن المعرّف المنادى المفردا

على الّذي في رفعه قد عهدا

وانو انضمام ما بنوا قبل النّدا

وليجر مجرى ذي بناء جدّدا

والمفرد المنكور والمضافا

وشبهه انصب عادما خلافا

كل منادى فحقه النصب لانه مفعول بفعل مضمر تقديره ادعو او انادي الّا انه

٢٢٠