شرح ألفيّة ابن مالك

ابن ناظم

شرح ألفيّة ابن مالك

المؤلف:

ابن ناظم


الموضوع : اللغة والبلاغة
المطبعة: مطبعة القديس جاورجيوس
الطبعة: ٠
الصفحات: ٣٥٥

١

بسم الله الرّحمن الرّحيم

قال الشيخ الامام العالم العامل الفاضل الكامل المتقن المحقق مجمع الفضائل. فريد دهره. ولسان عصره. بدر الدين ابو عبد الله محمد ابن الامام حجة العرب محمد بن مالك الطائي الجياني تغمده الله برحمته* اما بعد حمد الله سبحانه بما له من المحامد. على ما اسبغ من نعمه البوادىء والعوائد. والصلوة والسّلام على سيدنا محمد المرسل رحمة للعالمين. وقدوة للعارفين. وعلى آله واصحابه الطاهرين. وعلى سائر عباد الله الصالحين فاني ذاكر في هذا الكتاب ارجوزة والدي رحمه‌الله في علم النحو المسماة بالخلاصة ومرصعها بشرح يحل منها المشكل. ويفنح من ابوابها كل مقفل.

جانبت فيها الايجاز المخل. والاطناب الممل. حرصا على التقريب لفهم مقاصدها. والحصول على جملة فوائدها. راجيا من الله تعالى حسن التأييد. والتوفيق والتسديد. بمنه وعونه. وهذه اول الارجوزة.

قال محمّد هو ابن مالك

أحمد ربّي الله خير مالك

مصلّيا على الرّسول المصطفى

وآله المستكملين الشّرفا

وأستعين الله في ألفيّه

مقاصد النّحو بها محويّه

النحو في اللغة هو القصد وفي اصطلاحنا عبارة عن العلم باحكام مستنطة من استقراء كلام العرب اعني احكام الكلم في ذواتها او فيما يعرض لها بالتركيب لتأدية اصل

٢

المعاني من الكيفية والتقديم والتأخير ليحترز بذلك عن الخطأ في فهم معاني كلامهم وفي الحذو عليه

تقرّب الأقصى بلفظ موجز

وتبسط البذل بوعد منجز

يقول ان هذه الالفية مع انها حاوية للمقصد الاعظم من علم النحو لما فيهما من المزية على نظائرها انها تقرب الى الافهام المعاني البعيدة بسبب وجازة اللفظ واصابة المعنى وتنقيح العبارة وتبسط البذل اي توسع العطا بما تمنحه من الفوائد لقرائها واعدة بحصول مأربهم وناجزة بوفائها

وتقتضي رضى بغير سخط

فائقة ألفيّة ابن معطي

وهو بسبق حائز تفضيلا

مستوجب ثنائي الجميلا

والله يقضي بهبات وافره

لي وله في درجات الآخره

(الكلام وما يتألف منه)

كلامنا لفظ مفيد كاستقم

واسم وفعل ثمّ حرف الكلم

واحده كلمة والقول عمّ

وكلمة بها كلام قد يؤمّ

الكلام عند النحويين هو اللفظ الدال على معنى يحسن السكوت عليه وهذا ما اراد بقوله مفيد كاستقم كأنه قال الكلام لفظ مفيد فائدة تامة يصح الاكتفاء بها كالفائدة في استقم فاكتفى عن تتميم الحد بالتمثيل ولا بد للكلام من طرفين مسند ومسند اليه ولا يكونان الّا اسمين نحو زيد قائم او اسما وفعلا نحو قام زيد ومنه استقم فانه مركب من فعل امر وفاعل هو ضمير المخاطب تقديره استقم انت وقوله واسم وفعل ثم حرف الكلم واحدة كلمة يعني ان الكلم اسم جنس واحدة كلمة كلبنة ولبن ونبقة ونبق وهي على ثلاثة اقسام اسم وفعل وحرف لان الكلمة اما ان يصح ان تكون ركنا للاسناد او لا الثاني الحرف والاول اما ان يصح ان يسند اليه او لا الثاني الفعل والاول الاسم وقد ظهر من هذا انحصار الكلمة في ثلاثة اقسام والمراد بالكلمة لفظ بالقوة او لفظ بالفعل مستقل دال بحملته على معنى مفرد بالوضع فاللفظ مخرج للخط وللعقد والاشارة والنصب وبالقوة مدخل للضمير في نحو افعل وتفعل ولفظ بالفعل مدخل لنحو زيد

٣

في قام زيد ومستقل مخرج للابعاض الدالة على معنى كألف المفاعلة وحروف المضارعة ودال معمم لما دلالته ثابتة كرجل ولما دلالته زائلة كاحد جزئي امرئ القيس لانه كلمة ولذلك اعرب باعرابين كل على حدة وبجملته مخرج للمركب كغلام زيد فانه دال بجزئيه على جزئي معناه وبالوضع مخرج للمهمل ولما دلالته عقلية كدلالة اللفظ على حال اللّافظ به وبين الكلام والكلم عموم من وجه وخصوص من وجه فالكلام اعمّ من قبل انه يتناول المركب من كلمتين فصاعدا واخص من قبل انه لا يتناول غير المفيد والكلم اعمّ من قبل انه يتناول المفيد وغير المفيد واخص من قبل انه لا يتناول المركب من كلمتين لان اقل الجمع ثلاثة وقوله والقول عمّ يعني ان القول يطلق على الكلم والكلمة والكلام فهو اعمّ وقوله وكلمة بها كلام قد يؤمّ يعني انه قد يقصد بالكلمة ما يقصد بالكلام من اللفظ الدال على معنى يحسن السكوت عليه كقوله صلّى الله عليه وعلى آله وسلم اصدق كلمة قالها شاعر كلمة لبيد وهي قوله

(ألا كل شيء ما خلا الله

باطل. وكلّ نعيم لا محالة زائل)

وكقولهم كلمة الشهادة يريدون بها (لا اله الّا الله محمد رسول الله) وهو من باب تسمية الشيء باسم بعضه كتسميتهم رئيسة القوم عينا والبيت من الشعر قافية وقد يسمون القصيدة قافية لاشتمالها عليها قال الشاعر

وكم علمته نظم القوافي

فلما قال قافية هجاني

اراد قصيدة

بالجرّ والتّنوين والنّدا وأل

ومسند للأسم تمييز حصل

قد عرفت ان الكلمة تنقسم الى ثلاثة اقسام اسم وفعل وحرف فلا بد من معرفة ما يميز بعضها عن بعض والّا فلا فائدة في التقسيم ولما اخذ في بيان ذلك ذكر للاسم علامات تخصه ويمتاز بها عن قسيميه وتلك العلامات هي الجرّ والتنوين والندا والالف واللام والاسناد اليه اما الجرّ فمختص بالاسماء لان كل مجرور مخبر عنه في المعنى ولا يخبر الّا عن الاسم فلا يجرّ الّا الاسم كزيد وعمرو في قولك مررت يزيد ونظرت الى عمرو واما التنوين فهو نون ساكنة زائدة تلحق آخر الاسم لفظا وتسقط خطا وهو على انواع تنوين الامكنية كزيد وعمرو وتنوين التنكير كسيبويه وسيبويه آخر وتنوين المقابلة كمسلمات وتنوين التعويض كحينئذ وتنوين الترنم وهو المبدل من حرف الاطلاق نحو قول الشاعر

٤

يا صاح ما هاج العيون الذرفن

من طلل كالاتحميّ انهجن

وتنوين الغالي وهو اللاحق للروي المقيد كقول الشاعر

وقاتم الاعماق خاوي المخترقن

مشتبه الاعلام لماع الخفقن

على ما حكاه الاخفش وهذه الانواع كلها الّا تنوين الترنم والغالي مختصة بالاسماء لانها لمعان لا تليق بغيرها لان الامكنية والتنكير والمقابلة للجمع المذكر السالم وقبول الاضافة والتعويض عنها مما استأثر به الاسم على غيره واما النداء كقولك يا زيد ويا رجل فمختص بالاسم ايضا لان المنادى مفعول به والمفعول به لا يكون الّا اسما لأنه مخبر عنه في المعنى واما الالف واللام وهي المعبر عنها بأل فهي من خواص الاسماء ايضا لانها موضوعة للتعريف ورفع الابهام وانما يقبل ذلك الاسم كقولك في رجل الرجل وفي غلام الغلام واما الاسناد اليه فهو ان ينسب الى اللفظ باعتبار معناه ما تتم به الفائدة كقولك زيد قائم وعمرو منطلق وهو من خواص الاسماء فان الموضوع للنسبة اليه باعتبار مسماه هو الاسم لا غير وقد عبر عن هذه العلامات بالبيت المذكور وتقديره حصل للاسم تمييز عن الفعل والحرف بالجرّ والتنوين والندا وال ومسند اي والاسناد اليه فاقام اسم المفعول مقام المصدر واللام مقام الى وحذف صلته اعتمادا على التنوين. واسناد المعنى اليه ولما فرغ من ذكر علامات الاسماء اخذ في ذكر علامات الافعال فقال

بتا فعلت وأتت ويا افعلي

ونون أقبلنّ فعل ينجلي

اي يعرف الفعل وينجلي امره بالصلاحية لدخول تاء ضمير المخاطب عليه كقولك في فعل فعلت وفي ليس لست ذاهبا وفي تبارك تباركت يا رحمن او بتاء التانيث الساكنة كقولك في اقبل اقبلت وفي اتى اتت او ياء المخاطبة كقولك في افعل افعلي او نون التاكيد كقولك في اقبل اقبلن فمتى حسن في الكلمة شيء من هذه العلامات المذكورة علم انها فعل ومتى لم يحسن في الكلمة شيء من العلامات المذكورة للاسماء والافعال علم انها حرف ما لم يدل على نفي الحرفية دليل فتكون اسماء نحو قط فانه لا يحسن فيه شيء من هذه العلامات المذكورة ومع ذلك فهو اسم لامتناع ان يكون فعلا او حرفا لاستعماله مسندا اليه في المعنى فانك اذا قلت ما فعلته قط فهو في قوة قولك ما فعلته في الزمان الماضي وغير الاسم لا يسند اليه لا لفظا ولا معنى وقد عرف الحرف بقوله

٥

سواهما الحرف كهل وفي ولم

فعل مضارع يلي لم كيشم

وماضي الأفعال بالتّا مز وسم

بالنّون فعل الأمر إن أمر فهم

يعني ان هل وفي ولم ونحوها حروف لامتناع كونها اسماء او افعالا لعدم صلاحيتها لعلاماتهما وعدم ما يمنع الحرفية وقوله فعل مضارع يلي لم كيشم مع البيت الذي يليه بيان على ان الفعل على ثلاثة اقسام مضارع وماضي وامر فعلامة المضارع ان يحسن فيه لم كقولك في يشم لم يشم وفي يخرج وينطلق لم يخرج ولم ينطلق وهو يصلح للحال والاستقبال تقول يفعل الآن وهو يفعل ويفعل غدا ويسمى مضارعا لمشابهته الاسم في احتمال الابهام والتخصيص وقبول لام الابتداء والجريان على حركات اسم الفاعل وسكناته وعلامة الماضي ان يحسن فيه تاء التأنيث الساكنة نحو نعمت وبئست وهو موضوع للماضي من الازمنة وعلامة فعل الامر ان تدل الكلمة على الامر ويحسن فيه نون التاكيد نحو قم فانه يدل على الامر كما ترى ويحسن فيه نون التاكيد نحو قومن

والأمر إن لم يك للنّون محلّ

فيه هو اسم نحو صه وحيّهلّ

اذا دلت الكلمة على معنى فعل الامر ولم تصلح لنون التاكيد فهي اسم فعل نحو صه بمعنى اسكت وحيهل بمعنى اقبل او اسرع او عجل فهذان اسمان لأنهما يدلان على الامر ولا يدخلهما نون التاكيد لا تقول صهن ولا حيهلن وكذا اذا رادفت الكلمة الفعل الماضي ولم تصلح لتاء التانيث الساكنة كهيهات بمعنى بعد او رادفت الكلمة الفعل المضارع ولم تصلح للم كاوّه بمعنى اتوجع وكأف بمعنى اتضجر فهي اسم والحاصل ان الكلمة متى رادفت الفعل ولم تصلح لعلامانه فهي اسم لانتفاء الفعلية لانتفاء لازمها وهو القبول لعلامات الفعل وانتفاء الحرفية لكون ما يرادف الفعل قد وقع احد ركني الاسناد فوجب ان يكون اسما وان لم يحسن فيه العلامات المذكورة للاسماء لان الاسم اصل فالالحاق به عند التردد اولى

(المعرب والمبني)

والاسم منه معرب ومبني

لشبه من الحروف مدني

تقدير الكلام ان الاسم منه معرب ومنه مبني اي ان الاسم منحصر في قسمين احدهما المعرب وهو ما سلم من شبه الحرف ويسمى متمكنا والثاني المبني وهو ما اشبه الحرف

٦

شبها تاما وهو المراد بقوله لشبه من الحروف مدني اي يبنى الاسم لشبه بالحرف مقرب منه ثم بيّن جهات الشبه فقال

كالشّبه الوضعىّ في اسمى جئتنا

والمعنويّ في متى وفي هنا

وكنيابة عن الفعل بلا

تأثّر وكافتقار أصّلا

يبنى الاسم لشبهه بالحرف في الوضع او في المعنى او في الاستعمال او في الافتقار اما بناؤه لشبهة بالحرف في الوضع فاذا كان الاسم على حرف واحد او حرفين فان الاصل في الاسماء ان تكون على ثلاثة احرف فصاعدا والاصل في الحروف ان تكون على حرف واحد كباء الجرّ او لامه او حرفين كمن وعن فاذا وضع الاسم على حرف واحد او حرفين بني حملا على الحرف فالتاء في قوله جئتنا اسم لانه مسند اليه وهو مبني لشبهه بالحرف في الوضع على حرف واحد ونا ايضا من جئتنا اسم لأنه يصح ان يسند اليه كقولك جئنا ويدخله حرف الجرّ نحو مررت بنا وهو مبني لشبهه بالحرف في الوضع على حرفين فان قلت يد ودم على حرفين ونراه معربا قلت لانه موضوع فى الاصل على ثلاثة احرف والاصل فيهما يدي ودمي بدليل قولهم الايدي والدماء واليديان والدميان فلما لم يكن موضوعا في الاصل على حرفين لم يكن قريب الشبه من الحرف فلم يعتبر واما بناء الاسم لشبهه بالحرف في المعنى فاذا تضمن الاسم معنى من معاني الحروف تضمنا لازما للفظ او المحل غير معارض بما يقتضي الاعراب يبنى كمتى وهنا وكالمنادى المفرد المعرفة نحو يا زيد اما متى وهنا فهما اسمان لدخول حرف الجرّ عليهما نحو الى متى تقيم ومن هنا تسير وهما مبنيان لشبهما بالحرف في المعنى للزوم متى تضمن معنى همزة الاستفهام ولزوم هنا تضمن معنى الاشارة فانه معنى من معاني الحروف وان لم يوضع له لفظ يدل عليه ولكنه كالخطاب والتنبيه فمن حق اللفظ المتضمن معنى الاشارة ان يبنى كما يبنى سائر ما تضمن معنى الحرف فلما لازمت متى وهنا تضمن معنى الحرف بلا معارض تعين بناؤهما واما المنادى المفرد المعرفة نحو يا زيد فهو مبني للزوم محله تضمن معنى الخطاب فان كل منادى مخاطب غير مظهر معه حرف الخطاب فلما لازم محله تضمن معنى الحرف بلا معارض بني ولو لم يكن تضمن الاسم لمعنى الحرف لازما للفظ او المحل الذي وقع فيه لم يؤثر كما في نحو سرت يوما وفرسخا فان يوما وفرسخا مما يستعمل ظرفا تارة وغير ظرف اخرى ولو عارض شبه الحرف ما يقتضي الاعراب

٧

استصحب لانه الاصل في الاسم وذلك نحو اي في الاستفهام نحو ايهم رأيت وفي الشرط نحو ايهم تضرب اضرب فانها بالنظر الى تضمنها معنى الحرف تستحق البناء لكن عارض ذلك لزوم الاضافة الى الاسم المفرد التي هي من خواص الاسماء فاعربت واما بناء الاسم لشبهه بالحرف في الاستعمال فاذا لازم طريقة هي للحرف كاسماء الافعال والاسماء الموصولة اما اسماء الافعال نحو صه ومه ودراك وهيهات فانها مبنية لشبها بالحرف في الاستعمال وهذا لان اسماء الافعال ملازمة للاسناد الى الفاعل فهي ابدا عاملة ولا يعمل فيها شيء فاشبهت في استعمالها الحروف العاملة كأن واخواتها فبنيت لذلك واما الاسماء الموصولة نحو الذي والتي مما يفتقر الى الوصل بجملة خبرية مشتملة على ضمير عائد فان حقها البناء لانها تلازم الجمل فهي كالحرف في الاستعمال فان الحروف باسرها لا تستعمل الّا مع الجمل اما ظاهرة او مقدرة ولو عارض شبه الحرف في الاستعمال ما يقتضي الاعراب عمل به ولذلك اعرب اللذان واللتان وان اشبها الحرف في الاستعمال لانه قد عارض ذلك ما فيهما من التثنية التي هي من خواص الاسماء

ومعرب الأسماء ما قد سلما

من شبه الحرف كأرض وسما

المعرب من الاسماء ما سلم من شبه الحرف على الوجه المذكور فمثل للمعرب من الاسماء بمثال من الصحيح وهو ارض وبمثال من المعتل وهو سما على وزن هدى لغة في الاسم تنبيها على ان المعرب على ضربين احدهما يظهر اعرابه والآخر يقدر فيه

وفعل أمر ومضيّ بنيا

وأعربوا مضارعا إن عريا

من نون توكيد مباشر ومن

نون إناث كيرعن من فتن

الاصل في الافعال البناء لاستغنائها عن الاعراب باختلاف صيغها لاختلاف المعاني التي تعتور عليها فجاء مثال الماضي والامر على وفق الاصل فبني الماضي على الفتح نحو قام وقعد وبني الامر على السكون نحو قم واقعد واما المضارع فاعرب حملا على الاسم لشبهه به في الابهام والتخصيص ودخول لام الابتداء والجريان على حركات اسم الفاعل وسكناته لكن اعرابه مشروط بان لا يتصل به نون توكيد ولا نون اناث فان اتصل به نون التوكيد بني على الفتح نحو لا تفعلن لانه تركب مع النون تركيب خمسة عشر فبني بناءه ولهذا لو حال بين الفعل والنون الف الاثنين او واو الجمع او ياء المخاطبة نحو هل تضربان وهل تضربن وهل تضربن لم يحكم عليه بالبناء لتعذر الحكم عليه

٨

بالتركيب اذ لم يركبوا ثلاثة اشياء فيجعلوها شيئا واحدا والاصل في نحو هل تضربان هل تضربانن فاستثقلت النونات فحذفت نون الرفع تخفيفا وبقي الفعل مقدر الاعراب والى هذا اشار بقوله من نون توكيد مباشر واذا اتصل بالمضارع نون الاناث بني على السكون لانه اتصل به ما لا يتصل هو ولا نظيره بالاسماء فضعف شبهه بالاسم فرجع الى اصله من البناء وحمل على نظيره من الماضي المسند الى النون فبني على السكون فقالوا هن يقمن ويرعن ونحو ذلك فاسكنوا ما قبل النون في المضارع كما قالوا قمن ورعن باسكان ما قبلها في الماضي

وكلّ حرف مستحق للبنا

والأصل في المبنيّ أن يسكّنا

ومنه ذو فتح وذو كسر وضم

كأين أمس حيث والسّاكن كم

الحروف كلها مبنية لاحظ لها في الاعراب لانها لا تتصرف ولا يعتور عليها من المعاني ما يحتاج الى الاعراب لبيانها فبنيت لذلك وقد ظهر من قوله والاسم منه معرب ومبني الى هنا ان الكلمات منحصرة في قسمين معرب ومبني وان المعرب هو الاسم المتمكن والفعل المضارع غير المتصل بنون التوكيد او بنون الاناث وان المبني منها هو الاسم المشبه بالحرف والفعل الماضي وفعل الامر والمضارع المتصل بنون التوكيد او نون الاناث وكل الحروف فان قلت من الكلمات ما هو محكي كقولك من زيد لمن قال مررت بزيد ومنها ما هو متبع كقراءة بعضهم (الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ) وذلك ينافي الانخصار في القسمين قلت لا ينافيه لان المحكي والمتبع داخلان في قسم المعرب بمعنى القابل للاعراب والاصل في البناء ان يكون على السكون لانه اخف من الحركة فاعتباره اقرب فان منع من البناء على السكون مانع الجىء الى البناء على الحركة وهي فتح او كسر او ضم فالبناء على السكون يكون في الاسم نحو من وكم وفي الفعل نحو قم واقعد وفي الحرف نحو هل وبل والبناء على الفتح يكون في الاسم نحو ابن وكيف وفي الفعل نحو قام وقعد وفي الحرف نحو ان وليت والبناء على الكسر يكون في الاسم نحو امس وهؤلاء وفي الحرف نحو جير بمعني نعم وفي نحو باء الجرّ ولامه ولا كسر في الفعل والبناء على الضم يكون في الاسم نحو حيث وقبل وبعد وفي الحرف نحو منذ على لغة من جرّ بها ولا ضم في الفعل

والرّفع والنّصب اجعلن إعرابا

لاسم وفعل نحو لن أهابا

٩

والاسم قد خصّص بالجرّ كما

قد خصّص الفعل بأن ينجزما

الاعراب اثر ظاهر او مقدر يجلبه العامل في آخر المعرب والمراد بالعامل ما كان معه جهة مقتضية لذلك الاثر نحو جاءني ورأيت من قولك جاءني زيد ورأيت زيدا او دعى الواضع الى ذلك كالحروف الجارة فان الواضع لما رآها ملازمة للاسماء وغير منزلة منها منزلة الجزء ورأى ان كل ما لازم شيئا ولم ينزل منزلة الجزء اثر فيه غالبا استحسن ان يجعلها مؤثرة في الاسماء وعاملة فيها عملا ليس للفعل وهو الجرّ كالباء من قولك مررت بزيد وسنوضح هذا في موضع آخر ان شاء الله تعالى وانواع الاعراب اربعة رفع ونصب وجرّ وجزم فالرفع والنصب يشترك فيهما الاسم والفعل والجرّ يختص بالاسماء والجزم يختص بالافعال وانواع الاعراب في الاسم ثلاثة رفع ونصب وجرّ لا رابع لها لان المعاني التي حيّ بها في الاسم لبيانها بالاعراب ثلاثة اجناس معنى هو عمدة في الكلام لا يستغنى عنه كالفاعلية وله الرفع ومعنى هو فضلة يتم الكلام بدونه كالمفعولية وله النصب ومعنى هو بين العمدة والفضلة وهو المضاف اليه نحو غلام زيد وله الجرّ واما الفعل المضارع فمحمول في الاعراب على الاسم فكان له ثلاثة انواع من الاعراب كما للاسم فاعرب بالرفع والنصب اذا لم يمنع منهما مانع ولم يعرب بالجرّ لانه لا يكون الّا للاضافة والافعال لا تقبلها لان الاضافة اخبار في المعنى والفعل لا يصح ان يخبر عنه اصلا فلما لم يعرب بالجرّ عوض عنه بالجزم فالرفع بضمة نحو زيد يقوم والنصب بفتحة نحو لن اهاب زيدا والجرّ بكسرة نحو مررت بزيد والجزم بسكون نحو لم يقم زيد وقد يكون الاعراب بغير ما ذكر على طريق النيابة كما قال

فارفع بضمّ وانصبن فتحا وجر

كسرا كذكر الله عبده يسرّ

واجزم بتسكين وغير ما ذكر

ينوب نحو جا أخو بني نمر

مثل للرفع والنصب والجرّ بقوله كذكر الله عبده يسر ومثل لما يعرب بغير ما ذكر على طريق النيابة بقوله اخو بني نمر فاخو مرفوع وعلامة رفعه الواو نيابة عن الضمة وبني مجرور وعلامة جره الياء نيابة عن الكسرة ثم اخذ في بيان مواضع النيابة فقال

وارفع بواو وانصبنّ بالألف

واجرر بياء ما من الأسما أصف

من ذاك ذو إن صحبة أبانا

والفم حيث الميم منه بانا

١٠

أب أخ حم كذاك وهن

والنّقص في هذا الأخير أحسن

وفي أب وتالييه يندر

وقصرها من نقصهنّ أشهر

وشرط ذا الإعراب أن يضفن لا

لليا كجا أخو أبيك ذا اعتلا

في الاسماء المتمكنة ستة اسماء يكون رفعها بالواو ونصبها بالالف وجرها بالياء بشرط الاضافة الى غير ياء المتكلم وهي ذو بمعنى صاحب والفم بغير الميم والاب والاخ والحم والهن فان قلت لم اعتبر كون ذو بمعنى صاحب والفم بغير الميم قلت احترازا من ذو بمعنى الذي فان الاعرف فيه البناء كقوله (فحسبي من ذو عندهم ما كفانها) واعلاما بان الفم ما دامت ميمه باقية يعرب بالحركات وإنه لا يعرب بالحروف الّا اذا زالت ميمه نحو هذا فوك ورأيت فاك ونظرت الى فيك فان قلت لم كان شرطا في اعراب هذه الاسماء بالحروف اضافتها الى غير ياء المتكلم قلت لان ما كان منها غير مضاف فهو معرب بالحركات نحو أب واخ وحم وما كان منها مضافا الى ياء المتكلم قدر اعرابه كغيره مما يضاف الى الياء نحو هذا أبي ورأيت أبي ومررت بأبي وما كان منها مضافا الى غير ياء المتكلم اعرب بالواو رفعا وبالالف نصبا وبالياء جرّا كما في قوله جا اخو ابيك ذا اعتلا والسبب في ان جرت هذه الاسماء هذا المجرى هو ان اواخرها حال الاضافة معتلة فاعربوها بحركات مقدرة واتبعوا تلك الحركات حركة ما قبل الآخر فأدى ذلك الى كونه واوا في الرفع والفا في النصب وياء في الجرّ بيان ذلك ان ذو اصله ذوي بدليل قولهم في التثنية ذويان فحذفت الياء وبقيت الواو حرف الاعراب ثم الزم الاضافة الى اسم الجنس والاتباع تقول في الرفع هذا ذو مال اصله ذو مال بواو مضمومة للرفع وذال مضمومة للاتباع ثم استثقلت الضمة على الواو المضموم ما قبلها فسكنت كما في نحو يغزو فصار ذو مال وتقول في النصب رأيت ذا مال اصله ذو مال بواو مفتوحة للنصب وذال مفتوحة للاتباع فتحركت الواو وانفتح ما قبلها فقلبت الواو الفا فصار ذا مال وتقول في الجرّ مررت بذي مال اصله بذو مال بواو مكسورة للجرّ وذال مكسورة للاتباع ثم استثقلت الكسرة على الواو المكسور ما قبلها كما تستثقل على الياء المكسور ما قبلها فحذفت وقلبت الواو ياء لسكونها وإنكسار ما قبلها فصار بذي مال واما فم فاصله فوه بدليل قولهم في الجمع افواه وفي التصغير فويه فحذفت منه الهاء ثم إذا لم يضف يعوض عن واوه ميم لانها من مخرجها وإقوى منها على الحركة فيقال

١١

هذا فم ورأيت فما ونظرت الى فم وإذا اضيف جاز فيه التعويض وتركه وهو الاكثر وإذا لم يعوض يلزم الاتباع فيقال هذا فوك ورأيت فاك ونظرت الى فيك والاصل فوك وفوك وفوك ففعل به ما فعل بذو واما اب واخ وحم فاصلها ابو واخو وحمو لقولهم في التثنية ابوان واخوان وحموان ولكنهم حذفوا في الافراد والاضافة الى ياء المتكلم او اخرها وردوا المحذوف في الاضافة الى غير ياء المتكلم كما ردوه في التثنية واتبعوا حركة العين بحركة اللام فصارت بواو في الرفع والف في النصب وياء في الجرّ على ما تقدم ونظير هذه الاسماء في الاتباع فيها لحركة الاعراب امرؤ وابنم تقول هذا امرؤ وابنم ورأيت امرءا وابنما ومررت بامرئ وابنم وابا من وهو الكناية عن اسم الجنس فاصله هنو بدليل قولهم في هنة هنية وهنوات وله استعمالان احدهما انه يجري مجرى اب واخ كقولهم هذا هنوك ورأيت هناك ومررت بهنيك والاستعمال الآخر وهو الافصح والاشهر ان يكون مستلزم النقص جاريا مجرى يد ودم في الاضافة وغيرها كقوله صلى‌الله‌عليه‌وسلم (من تعزى بعزاء الجاهلية فأعضّوه بهن ابيه ولا تكنوا) والى هذا اشار بقوله والنقص في هذا الاخير احسن وقوله وفي اب وتالبيه يندر يعني انه قد ندر في بعض اللغات التزام نقص اب واخ وحم كقولك جاءني ابك واخك وحمك قال الشاعر

بأبه اقتدى عدي في الكرم

ومن يشابه أبه فما ظلم

وقوله وقصرها من نقصهنّ اشهر يعني ان في اب واخ وحم لغة ثالثة اشهر من لغة النقص وهي القصر نحو جاءني الابا والاخا والحما قال الشاعر

ان اباها وابا اباها

قد بلغا في المجد غايتاها

وفي المثل مكره اخاك لا بطل

بالألف ارفع المثنّى وكلا

إذا بمضمر مضافا وصلا

كلتا كذاك اثنان واثنتان

كابنين وابنتين يجريان

وتخلف اليا في جميعها الألف

جرّا ونصبا بعد فتح قد ألف

المثنى هو الاسم الدال على اثنين بزيادة في اخره صالحا للتجريد وعطف مثله عليه نحو زيدان وعمران فانه يصح فيهما التجريد والعطف نحو زيد وزيد وعمرو وعمرو فان دل الاسم على التثنية بغير الزيادة نحو شفع وزكا فهو اسم للتثنية وكذا اذا كان

١٢

بالزيادة ولم يصلح للتجريد والعطف نحو اثنان فانه لا يصح مكانه اثن واثن وإذ قد عرفت هذا فنقول اعراب المثنى يكون بزيادة الف في الرفع وياء مفتوح ما قبلها في الجرّ والنصب يليهما نون مكسورة تسقط للاضافة وحمل على المثنى من اسماء التثنية كلمات منها كلا وكلتا بشرط اضافتهما الى مضمر كما ينبيء عنه قوله وكلا اذا بمضمر مضافا وصلا كلتا كذاك اي كلتا مثل كلا في انها لا تعرب بالحروف الا اذا وصلت مضافة بمضمر تقول جاءني كلاهما وكلتاهما ورأيت كليهما وكلتيهما ومررت بكليهما وكلتيهما بالالف رفعا وبالياء نصبا وجرّا لاضافتهما الى المضمر فلو اضيفا الى الظاهر لم تقلب الفهما ياء وكانا اسمين مقصورين يقدر فيهما الاعراب نحو جاءني كلا الرجلين ورايت كلا الرجلين ومررت بكلا الرجلين ومنها اثنان واثنتان مطلقا اي سواء كانا مجردين او مضافين وهذا ما اراد بقوله اثنان واثنتان كابنين وابنتين يجريان يعني ان هذين الاسمين ليسا في الحاقهما بالمثنى مثل كلا وكلتا في اشتراط الاضافة الى المضمر بل هما كالمثنى من غير فرق فان قيل لم كان اعراب المثنى بألف في الرفع وبياء مفتوح ما قبلها في النصب والجرّ ولم وليهما نون مكسورة ولم حذفت للاضافة قلت اما اعراب المثنى بالحروف فلّان التثنية لما كانت كثيرة الدوران في الكلام ناسب ان تستتبع امرين خفة العلامة الدالة عليها وترك الاخلال بظهور الاعراب احترازا عن تكثير اللبس فجعلت علامة التثنية ألفا لانها اخف الزوائد ومدلول بها على التثنية مع الفعل اسما في نحو افعلا وحرفا في نحو فعلا اخواك وجعل الاعراب بالانقلاب لان التثنية مطلوب فيها ظهور الاعراب والالف لا يمكن عليها ظهور الحركة فلجىء الى الاعراب بقرار الالف على صورتها في حالة الرفع فاذا دخل عليها عامل الجرّ قلبوا الالف ياء لمكان المناسبة وابقوا الفتحة قبلها اشعارا بكونها الفا في الاصل وحملوا النصب على الجرّ لان قلب الالف في النصب الى غير الياء غير مناسب فلم يبق الّا حمل النصب على الرفع او الجرّ فكان حمله على الجرّ اولى لانه مثله في الورود فضلة في الكلام تقول في الرفع جاءني الزيدان فالالف علامة التثنية من حيث هي زيادة في الآخر لدلالتها على التثنية وعلامة الرفع ايضا من حيث هي على صورتها في اول الوضع وتقول في الجرّ مررت بالزيد بن فالياء علامة التثنية من حيث هي زيادة في الآخر لمعنى التثنية وعلامة الجرّ ايضا من حيث هي منقلبة عن الف وتقول في النصب رأيت الزيدين والقول فيه كالقول في الجرّ واما النون فانما لحقت المثنى عوضا عما فاته من الاعراب بالحركات ومن دخول التنوين

١٣

عليه وكسرت على الاصل في التقاء الساكنين واما حذف النون في الاضافة دون غيرها فللتنبيه على التعويض فحذفت في الاضافة نظرا الى التعويض بها عن التنوين ولم تحذف مع الالف واللام وإن كان التنوين يحذف معهما نظرا الى التعويض بها عن الحركة ايضا فان قيل لم كان لكلا وكلتا حالان في الاعراب الاجراء مجرى المثنى والاعراب بالحركات المقدرة ولم خص اجراؤهما مجرى المثنى بحال الاضافة الى المضمر قلت كلا وكلتا اسمان ملازمان للاضافة ولفظهما مفرد ومعناهما مثنى ولذلك اجيز في ضميريهما اعتبار المعنى فيثنى واعتبار اللفظ فيفرد وقد اجتمع الاعتبار ان في قوله

كلاهما حين جد الجري بينهما

قد اقلعا وكلا انفيهما رابي

الّا ان اعتبار اللفظ اكثر وبه جاء التنزيل قال الله عزوجل (كِلْتَا الْجَنَّتَيْنِ آتَتْ أُكُلَها) ولم يقل آتنا فلما كان لكلا وكلتا حظ من الافراد وحظ من التثنية اجريا في اعرابهما مجرى المفرد تارة ومجرى المثنى اخرى وخص اجراؤهما مجرى المثنى بحال الاضافة الى المضمر لان الاعراب بالحروف فرع عن الاعراب بالحركات والاضافة الى المضمر فرع عن الاضافة الى الظاهر لان الظاهر اصل المضمر فجعل الفرع مع الفرع والاصل مع الاصل تحصيلا لكمال المناسبة

وارفع بواو وبيا اجرر وانصب

سالم جمع عامر ومذنب

وشبه ذين وبه عشرونا

وبابه ألحق والأهلونا

أولوا وعالمون علّيّونا

وأرضون شذّ والسّنونا

وبابه ومثل حين قد يرد

ذا الباب وهو عند قوم يطّرد

القول في هذه الابيات يستدعي تقديم مقدمة وهي ان الاسم الدال على اكثر من اثنين على ثلاثة اضرب جمع واسم جمع واسم جنس وذلك لان الدال على اكثر من اثنين بشهادة التأمل اما ان يكون موضوعا للآحاد المجتمعة دالّا عليها دلالة تكرار الواحد بالعطف وإما ان يكون موضوعا لمجموع الآحاد دالّا عليها دلالة المفرد على جملة اجزاء مسماه وإما ان يكون موضوعا للحقيقة ملغى فيه اعتبار الفردية والجمعية الّا ان الواحد ينتفي بنفيه فالموضوع للآحاد المجتمعة هو الجمع سواء كان له واحد من لفظه مستعمل كرجال وأسود او لم يكن كابابيل والموضوع لمجموع الآحاد هو اسم الجمع سواء كان له واحد

١٤

من لفظه كركب وصحب او لم يكن كقوم ورهط والموضوع للحقيقة بالمعنى المذكور هو اسم الجنس وهو غالب فيما يفرق بينه وبين واحده بالتاء كتمرة وتمر وعكسه جبأة وكمأة ومما يعرف به الجمع كونه على وزن لم تبن عليه الآحاد كابابيل وغلبة التانيث عليه ولذلك حكم على نحو تخم انه جمع تخمة مع ان نظيره رطبة ورطب محكوم عليه انه اسم جنس لان تخما غلب عليها التانيث يقال هذه تخم ولا يقال هذا تخم فعلم انه في معنى جماعة وليس مسلوكا به سبيل رطب ونحوه ومما يعرف به اسم الجمع كونه على وزن الآحاد وليس له واحد من لفظه كقوم ورهط وكونه مساويا للواحد في تذكيره والنسبة اليه ولذلك حكم على نحو غزيّ انه اسم لجمع غاز وان كان نحو كليب جمع لكلب لان غزيا مذكر وكليبا مؤنث وحكم ايضا على نحو ركاب انه اسم لجمع ركوب لانهم نسبوا اليه فقالوا زيت ركابي والجموع لا ينسب اليها الّا اذا غلبت كانصاري وإذ قد عرفت هذا فنقول الجمع ينقسم الى جمع تصحيح وهو ما سلم فيه لفظ الواحد وإلى جمع تكسير وهو ما تغير فيه لفظ الواحد تحقيقا او تقديرا ثم جمع التصحيح ويسمى السالم ينقسم الى مذكر ومؤنث فالمؤنث هو ما زيد في آخره الف وتاء كمسلمات وإما جمع المذكر السالم فيلحق آخره واو مضموم ما قبلها رفعا وياء مكسور ما قبلها جرّا ونصبا يليهما نون مفتوحة نحو جاء المسلمون ومررت بالمسلمين ورأيت المسلمين والسبب في ان اعراب هذا الجمع بهذا الاعراب هو انه كالمثنى في كثرة دوره في الكلام فاجري مجرى المثنى في خفة العلامة وترك الاخلال بظهور الاعراب فجعلت علامة الجمع المذكر السالم في الرفع واوا لانها من امهات الزوائد ومدلول بها على الجمعية مع الفعل اسما في نحو قولهم فعلوا وحرفا نحو اكلوني البراغيث وضموا ما قبل الواو اتباعا وجعلوا الاعراب فيه بالانقلاب لامتناع ظهور الحركات على الواو المضموم ما قبلها فلجىء الى الاعراب بقرار الواو في الرفع على صورتها في اول الوضع فاذا دخل عامل الجرّ قلبوا الواو ياء لمكان المناسبة وكسروا ما قبل الياء كما ضموا ما قبل الواو لئلّا يلتبس الجمع بالمثنى في بعض الصور في حالة الاضافة وحملوا النصب على الجرّ كما في التثنية ولانك لو قلبت الواو الفا في النصب لأفضى ذلك الى الالتباس بالمثنى المرفوع ولحقت النون عوضا عن الحركة والتنوين ولذلك تحذف للاضافة وفتحوها تخفيفا ولما اخذ في بيان ما يعرب بالواو رفعا وبالياء جرّا ونصبا قال وارفع بواو وبيا اجرر وانصب سالم جمع عامر ومذنب فاضاف الجمع الى مثال ما يطرد فيه

١٥

وذلك ان جمع المذكر السالم مطرد في كل اسم خال من تاء التأنيث لمذكر عاقل علما كعامر وسعيد او صفة تقبل تاء التانيث باطراد ان قصد معناه او في معنى ما يقبلها كضارب ومذنب والاحسن والافضل فيقال عامرون وسعيدون وضاربون ومذنبون والاحسنون والافضلون وكذلك ما اشبهها قوله وبه عشرونا وبابه الخ معناه انه قد الحق بجمع المذكر السالم المطرد اسماء جموع وجموع تكسير وجموع تصحيح لم تستوف الشروط فمن اسماء الجموع عشرون وبابه وهو ثلاثون الى تسعين ومنه عليون مما ليس له واحد من لفظه وكعالمين مما واحده اعم في الدلالة منه ومن جموع التكسير ارضون وسنون وبابه وهو كلّ ثلاثي في الاصل قد حذفت لامه وعوض عنها هاء التأنيث كاره واربن وظبة وظبين وقلة وقلين فهذه كلها جموع تكسير لتغير لفظ الواحد فيها ولكنها اجريت مجرى جمع الصحيح في الاعراب تعويضا عن المحذوف ومن جموع التصحيح التي لم تستوف الشروط اهلون مما سلم فيه بناء واحده فانه جمع اهل وهو لا علم ولا صفة فتصحيحه شاذ كما شذ تصحيح الوابل في قول الهذلي

تلاعب الريح بالعصرين قنسطله

والوابلون وتهتان التجاويد

فانه لما لا يعقل فحقه ان لا يصحح ولكنه ورد فوجب قبوله وكما شذ تصحيح مرقة في قول بعضهم اطعمنا مرقة من مرقين اي امراقا من لحوم شتى وكثر هذا الاستعمال في باب سنين وهو كل مؤنث بالتاء محذوف اللام غير ثابت التكسير فيجي بسلامة ما اوله مكسور كاره واربن ومائه ومأتين؟؟؟ بتغير ما اوله مفتوح كسنة وسنين وبوجهين ما اوله مضموم كقلة وقلين وقل هذا الاستعمال فيما ثبت تكسيره كظبة وظبين وفيما يحذف منه غير اللام كارة واربن ورقة ورقين (قوله ومثل حين قد يرد ذا الباب) يعني ان باب سنين قد يستعمل مثل حين فيجعل اعرابه بالحركات على النون منونة ولا تسقطها الاضافة نحو هذه سنين ورأيت سنينا ومررت بسنين قال الشاعر

دعاني من نجد فان سنينه

لعبن بنا شيبا وشيبتنا مردا

وفي الحديث على بعض الروايات اللهم اجعلها عليهم سنينا كسنين يوسف قوله وهو عند قوم يطرد يعني ان اجراء سنين وبابه مجرى حين مطرد عند قوم من النحويين منهم الفراء وقد استعمله غيرهم على وجه الشذوذ كما في الحديث المذكور

ونون مجموع وما به التحق

فافتح وقلّ من بكسره نطق

١٦

ونون ما ثنّى والملحق به

بعكس ذاك استعملوه فانتبه

قد تقدم الكلام على نوني التثنية والجمع على حدة ولم يبق فيه الّا ما نبه عليه من ان نون الجمع حقها الفتح وقد تكسر وان نون التثنية حقها الكسر وقد تفتح فاما كسر نون الجمع فانه يجيء للضرورة كقول جرير

عرين من عرينة ليس منا

برئت الى عرينة من عرين

عرفنا جعفرا وبني ابيه

وانكرنا زعانف آخرين

وكقول الآخر

أكل الدهر حل وارتحال

اما يبقي عليّ ولا يقيني

وما ذا يبتغي الشعراء مني

وقد جاوزت حدّ الاربعين

واما فتح نون التثنية فلغة قوم من العرب حكى ذلك الفراء وانشد

على احوذيين استقلت عشية

فما هي الّا لمحة وتغيب

بفتح نون التثنية

وما بتا وألف قد جمعا

يكسر في الجرّ وفي النّصب معا

كذا أولات والّذي اسما قد جعل

كأذرعات فيه ذا أيضا قبل

الذي يجمع بالالف والتاء هو جمع المؤنث السالم وله اعراب على حدة وذلك لان رفعه بالضمة ونصبه وجره بالكسرة نحو هولاء مسلمات ورأيت مسلمات ومررت بمسلمات اجروه في النصب مجراه في الجرّ كما فعلوا ذلك في جمع المذكر السالم وحمل على جمع المؤنث السالم في اعرابه اولات وما سمي به كعرفات واذرعات فاما اولات فهو اسم جمع لا واحد له من لفظه وهو بمعنى ذوات ولكنهم اجروه مجرى الجمع نحو هولاء اولات فضل ورأيت اولات فضل ومررت باولات فضل واما ما سمي به فالاكثر فيه اجراؤه مجرى الجمع نحو هذه اذرعات ورايت اذرعات ومررت باذرعات ومنهم من يجعله كأرطاة غير منصرف علما فيقول هذه اذرعات ورأيت اذرعات ومررت باذرعات فاذا وقف عليه قلبت التاء ماء ومنهم من يحذف التنوين ويعربه بالضمة في الرفع وبالكسرة في الجرّ والنصب

وجرّ بالفتحة ما لا ينصرف

ما لم يضف أو يك بعد أل ردف

١٧

الاسم المعرب على ضربين منصرف وغير منصرف فالمنصرف ما لم يشابه الفعل كزيد وعمرو وغير المنصرف ما يشابه الفعل كاحمد ومروان فالمنصرف ينون ويجرّ بالكسرة في كل حال نحو هذا زيد ورأيت زيدا ومررت بزيد وغير المنصرف لا ينون ويجرّ بالفتحة ما لم يضف او يدخله الالف واللام نحو هذا احمد ورأيت احمد ومررت باحمد وذلك ان الاسم اذا شابه الفعل ثقل فلم يدخله التنوين لانه علامة الاخف عليهم والامكن عندهم ومنع الجرّ بالكسرة تبعا لمنع التنوين لتآخيهما في اختصاصهما بالاسماء وتعاقبهما على معنى واحد في باب راقود خلا وراقود خل فلما لم يجرّوه بالكسرة عوضوه عنها بالفتحة فاذا اضيف ما لا ينصرف او دخله الالف واللام فأمن فيه التنوين جرّ بالكسرة نحو مررت باحمدكم وبالحمراء

واجعل لنحو يفعلان النّونا

رفعا وتدعين وتسألونا

وحذفها للجزم والنّصب سمه

كلم تكوني لترومي مظلمه

المراد بنحو يفعلان وتدعين وتسألون كل فعل مضارع اتصل به الف الاثنين او واو الجمع او ياء المخاطبة فان المضارع اذا اتصل به احد هذه الثلاثة كانت علامة رفعة نونا مكسورة بعد الالف مفتوحة بعد الواو والياء وعلامة جزمه ونصبه حذف تلك النون تقول في الرفع يفعلان ويفعلون وتفعلين فاذا دخل الجازم قلت لم يفعلا ولم يفعلوا ولم تفعلي بحذف النون للجزم كما ثبت للرفع والنصب كالجزم نحو لن يفعلا ولن يفعلوا ولن تفعلي حملوا النصب على الجزم هنا كما حملوا النصب على الجرّ في التثنية والجمع لان الجزم في الفعل نظير الجرّ في الاسم قوله كلم تكوني لترومي مظلمه مثال لحذف نون الرفع في الجزم والنصب فتكوني مجزوم بلم وكان اصله تكونين فلما دخل الجازم حذفت النون وترومي منصوب بان مضمرة تقديرها لأن ترومي واصله ترومين فلما دخل الناصب حذفت النون كما حذفت في الجزم

وسمّ معتلّا من الأسماء ما

كالمصطفى والمرتقي مكارما

فالأوّل الإعراب فيه قدرا

جميعه وهو الّذي قد قصرا

والثّان منقوص ونصبه ظهر

ورفعه ينوى كذا أيضا يجرّ

اعلم ان الاسم المعرب على ضربين صحيح ومعتل والمعتل على ضربين مقصور ومنقوص

١٨

فالمقصور هو الاسم المعرب الذي آخره الف لازمة نحو الفتى والعصى والمصطفى وقيدت الالف بكونها لازمة احترازا من نحو الزيدان في الرفع ومن نحو اخاك واباك في النصب والمنقوص هو الاسم المعرب الذي آخره ياء لازمة تلي كسرة كالقاضي والداعي والمرتقي واحترزت باللزوم من نحو الزيدين واخيك وبقولي تلي كسرة مما آخره ياء ساكن ما قبلها نحو نحي وظبي فانه معدود من باب الصحيح وقد ظهر من هذا ان الاسم المعرب ينقسم الى صحيح ومقصور ومنقوص ولكل منها حكم فالصحيح يظهر فيه الاعراب كله ولا يقدر فيه شيء منه اي من الاعراب والمقصور يقدر فيه الاعراب كله لتعذر الحركة على الالف تقول جاءني الفتى ورأيت الفتى ومررت بالفتى فالفتى اولا مرفوع بضمة مقدرة على الالف وثانيا منصوب بفتحة مقدرة على الالف وثالثا مجرور بكسرة مقدرة على الالف والمنقوص يقدر فيه الرفع والجرّ لثقل الضمة والكسرة على الياء المكسور ما قبلها ويظهر فيه النصب بالفتحة لخفتها تقول جاءنى القاضي ورأيت القاضي ومررت بالقاضي فالقاضي اولا مرفوع وعلامة رفعه ضمة مقدرة على الياء وثانيا منصوب وعلامة نصبه فتحة الياء وثالثا مجرور وعلامة جره كسرة مقدرة على الياء وعلى هذا يجري جميع المقصور والمنقوص في الكلام

وأيّ فعل آخر منه ألف

أو واو أو ياء فمعتلّا عرف

فالألف انو فيه غير الجزم

وأبد نصب ما كيدعو يرمي

والرّفع فيهما انو واحذف جازما

ثلاثهنّ تقض حكما لازما

الفعل المضارع كالاسم في كونه ينقسم الى صحيح ومعتل وهو ما آخره الف كيخشى او ياء كيرمي او واو كيدعو فاما الصحيح فيظهر فيه الاعراب واما المعتل فان كان بالالف لم يظهر فيه الرفع والنصب لتعذر الحركة على الالف ويظهر فيه الجزم بحذف الالف تقول فى الرفع هو يخشى فعلامة الرفع فيه ضمة مقدرة على الالف وفي النصب لن يخشى فعلامة النصب فيه فتحة مقدرة على الالف وفي الجزم لم يخش فعلامة الجزم حذف الالف اقاموا حذف الالف مقام السكون في الجزم كما اقاموا ثبوتها ساكنة مقام الحركة وإن كان معتلا بالياء او الواو لم يظهر فيه الرفع لثقل الضمة على الياء المكسور ما قبلها وعلى الواو المضموم ما قبلها ويظهر النصب بالفتحة لخفتها والجزم بالحذف كما فيما آخره الف تقول هو يرمي ويدعو فعلامة الرفع ضمة مقدرة على الياء وعلى الواو ولن يرمي ولن

١٩

يدعو فعلامة النصب فتحة الياء وفتحة الواو ولم يرم ولم يدع فعلامة الجزم حذف الياء وحذف الواو والحاصل ان الفعل المعتل يقدر رفعه ويظهر جزمه بالحذف واما النصب فيقدر في الالف ويظهر في الياء والواو والله اعلم

(النكرة والمعرفة)

نكرة قابل أل مؤثّرا

أو واقع موقع ما قد ذكرا

وغيره معرفة كهم وذي

وهند وابني والغلام والّذي

الاسم على ضربين معرفة ونكرة وهي الاصل لاندراج كل معرفة تحت نكرة من غير عكس والمعرفة منحصرة بالاستقراء في سبعة اقسام ستة نبه عليها وهي المضمر نحو هم وانت والعلم نحو زيد وهند واسم الاشارة نحو ذا وذي والموصول نحو الذي والتي والمعرف بالالف واللام نحو الغلام والفرس والمعرف بالاضافة نحو ابني وغلام زيد وواحد اهمله المصنف وهو المعرف بالنداء نحو يا رجل فهذه السبعة هي المعارف وما عداها من الاسماء فنكرة وقد ضبط النكرة بقوله نكرة قابل أل مؤثرا البيت يعني ان النكرة ما تقبل التعريف بالالف واللام او تكون بمعنى ما يقبله فالاول كرجل وفرس فانه يدخل عليهما الالف واللام للتعريف نحو الرجل والفرس والثاني ذو بمعنى صاحب فانه نكرة وان لم يقبل التعريف بالالف واللام فهو في معنى ما يقبله وهو صاحب واحترز بقوله مؤثرا من العلم الداخل عليه الالف واللام للمح الصفة كقولهم في حارث وعباس الحارث والعباس ولما فرغ من الكلام على المعرفة اجمالا اخذ في الكلام عليها تفصيلا فقال

فما لذي غيبة او حضور

كأنت وهو سمّ بالضّمير

المضمر ما دل على نفس المتكلم او المخاطب او الغائب كانا وانت وهو وقد ادرج قسمي المتكلم والمخاطب تحت ذي الحضور لان المتكلم حاضر للمخاطب والمخاطب حاضر للمتكلم لكن فيه ايهام ادخال اسم الاشارة في المضمر لان الحاضر ثلاثة متكلم ومخاطب ولا متكلم ولا مخاطب وهو المشار اليه على ان هذا الايهام يرفعه افراد اسم الاشارة بالذكر

وذو اتّصال منه ما لا يبتدا

ولا يلي إلّا اختيارا أبدا

٢٠