شرح ألفيّة ابن مالك

ابن ناظم

شرح ألفيّة ابن مالك

المؤلف:

ابن ناظم


الموضوع : اللغة والبلاغة
المطبعة: مطبعة القديس جاورجيوس
الطبعة: ٠
الصفحات: ٣٥٥

فعل التعجب ومعموله والصواب ان ذلك جائز وهو المشهور والمنصور وقال ابو سعيد السيرافي قول سيبويه ولا تزيل شيئا عن موضعه انما اراد انك تقدم ما وتوليها الفعل ويكون الاسم المتعجب منه بعد الفعل ولم يتعرض للفصل بين الفعل والمتعجب منه وكثير من اصحابنا يجيز ذلك منهم الجرمي وكثير منهم يأباه منهم الاخفش والمبرد وهذا نصه والذي يدل على الجواز استعمال العرب له نظما ونثرا اما نظما فكقول الشاعر

وقال نبي المسلمين تقدموا

واحبب الينا ان يكون المقدما

وقول الآخر

اقيم بدار الحزم ما دام حزمها

واحر اذا حالت بان اتحوّلا

وقول الآخر

خليليّ ما احرى بذي اللب ان يرى

صبورا ولكن لا سبيل الى الصبر

واما النثر فكقول عمرو بن معدي كرب. ما احسن في الهيجا لقاءها. واكثر في اللزبات عطاءها. واثبت في المكرمات بقاءها. وقول الآخر ما احسن بالرجل أن يحسن وما يجوز في فعل التعجب الفصل بينه وبين ما بكان الزائدة كقول الشاعر يمدح النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم

ما كان اسعد من اجابك آخذا

يهداك مجتنبا هوى وعنادا

(نعم وبئس وما جرى مجراهما)

فعلان غير متصرّفين

نعم وبئس رافعان اسمين

مقارني أل أو مضافين لما

قارنها كنعم عقبى الكرما

ويرفعان مضمرا يفسّره

مميّز كنعم قوما معشره

نعم وبئس فعلان ماضيا اللفظ لا يتصرفان والمقصود بهما انشاء المدح والذم والدليل على فعليهما جواز دخول تاء التأنيث الساكنة عليهما عند جميع العرب وإتصال ضمير الرفع البارز بهما في لغة قوم حكى الكسائي عنهم الزيدان نعما رجلين والزيدون نعموا رجالا وذهب الفراء واكثر الكوفيين الى انهما اسمان واحتجوا بدخول حرف الجرّ عليهما كقول بعضهم وقد بشر ببنت والله ما هي بنعم الولد نصرها بكاء وبرّها سرقة وقول

١٨١

الآخر نعم السير على بئس العير وقول الراجز

صبحك الله بخير باكر

بنعم طير وشباب فاخر

ولا حجة فيما اوردوه لجواز ان يكون دخول حرف الجرّ في بنعم الولد وعلى بئس العير كدخوله على نام في قول القائل

عمرك ما ليلي بنام صاحبه

ولا مخالط الليان جانبه

تقديره ما ليلي بليل نام صاحبه ثم حذف الموصوف واقيمت صفته مقامه فجرى عليها حكمه وهكذا ما نحن بصدده كان اصله ما هي بولد نعم الولد ونعم السير على عير بئس العير ثم حذف الموصوف واقيمت صفته مقامه فدخل عليها حرف الجرّ واما قوله بنعم طير فهو على الحكاية ونقل الكلمة عن الفعلية الى جعلها اسما للفظ كما في نحو قوله صلى‌الله‌عليه‌وسلم. وانهاكم عن قيل وقال. والمعنى صبحك الله بكلمة نعم منسوبة الى الطائر الميمون وفي نعم وبئس اربع لغات نعم وبئس وهو الاصل ونعم وبئس ونعم وبئس ونعم وبئس بالاتباع وهذه اللغات الاربع جائزة في كل ما عينه حرف حلق وهو ثلاثي مفتوح الاول مكسور الثاني نحو شهد وفخذ وقوله رافعان اسمين الى آخر الابيات الثلاثة مبين به ان نعم وبئس يقتضيان فاعلا معرّفا بالالف واللام الجنسية او مضافا الى المعرف بهما او مضمرا مفسرا بنكرة بعده منصوبة على التمييز فالاول كقوله تعالى. (نِعْمَ الْمَوْلى وَنِعْمَ النَّصِيرُ.) والثاني نحو نعم عقبى الكرما ونظيره قوله تعالى. (وَلَنِعْمَ دارُ الْمُتَّقِينَ.) والمضاف الى المضاف الى المعرّف بالالف واللام بمنزلة المضاف الى المعرف بهما وذلك نحو نعم غلام صاحب القوم قال الشاعر

فنعم ابن اخت القوم غير مكذب

زهير حسام مفرد من حمائل

والثالث كقولك نعم قوما معشر زيد ومثله قول الشاعر

لنعم موئلا المولى اذا حذرت

بأساء ذي البغي واستيلاء ذي الإحن

التقدير لنعم الموئل موئلا المولى فاضمر الفاعل وفسر بالتمييز بعده ونحوه قوله تعالى.

(بِئْسَ لِلظَّالِمِينَ بَدَلاً.) وقد يستغنى عن التمييز للعلم بجنس الضمير كقوله صلى‌الله‌عليه‌وسلم. من توضأ يوم الجمعة فيها ونعمت. اي فبالسنة اخذ ونعمت السنة والغالب في نعم وبئس ان لا يخرج فاعلهما عن احد الاقسام المذكورة وإنما قلت الغالب لان الاخفش حكى ان ناسا من العرب يرفعون بنعم وبئس النكرة المفردة نحو نعم خليل زيد والمضافة ايضا نحو نعم جليس قوم عمرو وربما قيل نعم زيد وفي الحديث

١٨٢

الشريف. نعم عبد الله خالد بن الوليد. وقد مرّ حكاية الكسائي نعما رجلين ونعموه رجالا الّا ان هذا وامثاله قليل نادر بالاضافة الى ما تقدم ذكره

وجمع تمييز وفاعل ظهر

فيه خلاف عنهم قد اشتهر

منع سيبويه الجمع بين الفاعل الظاهر والتمييز فلا يجيز نعم الرجل رجلا زيد لان الابهام قد ارتفع بظهور الفاعل فلا حاجة الى التمييز وقد اجازه المبرد تمسكا بمثل قول الشاعر

والتغلبيون بئس الفحل فحلهم

فحلا وامهم زلاء منطيق

وما ذهب اليه المبرد هو الاصح فان التمييز كما يجيء لرفع الابهام كذلك قد يجيء للتوكيد قال الله تعالى. (إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِنْدَ اللهِ اثْنا عَشَرَ شَهْراً.) ومثله قول ابي طالب

ولقد علمت بان دين محمد

من خير اديان البرية دينا

وما مميّز وقيل فاعل

في نحو نعم ما يقول الفاضل

لمعنى انه قد قيل في ما من نحو نعم ما صنعت وقوله تعالى. (بِئْسَمَا اشْتَرَوْا بِهِ أَنْفُسَهُمْ.) يجوز ان تكون نكرة موصوفة في موضع نصب على التمييز وهي مفسرة لفاعل الفعل قبلها وان تكون موصولة في موضع رفع بالفاعلية وان لم تكن اسما معرفا بالالف واللام على حد قوله صلى‌الله‌عليه‌وسلم. نعم عبد الله خالد بن الوليد. وكذلك قيل في ما المفردة كقوله تعالى. (إِنْ تُبْدُوا الصَّدَقاتِ فَنِعِمَّا هِيَ.) فعند اكثر النحويين ان ما في موضع نصب على التمييز للفاعل المستكن وهي نكرة غير موصوفة مثلها في نحو ما احسن زيدا وقولهم اني مما ان افعل كذا وذهب ابن خروف الى انها فاعل وهي اسم تام معرفة وزعم انه مذهب سيبويه قال وتكون ما تامة معرفة بغير صلة نحو دققته دقا نعماّ قال سيبويه اي نعم الدق ونعما هي اي نعم الشيء ابداؤها فحذف المضاف وهو الابداء واقيم ضمير الصدقات مقامه وعندي ان هذا القول من سيبويه لا يدل على ما ذهب اليه ابن خروف لجواز ان يكون سيبويه قصد بيان تأويل الكلام ولم يرد تفسير معنى ما ولا بيان ان موضعها رفع

ويذكر المخصوص بعد مبتدا

أو خبر اسم ليس يبدو أبدا

١٨٣

لما كان نعم وبئس للمدوح العام والذم العام الشائعين في كل خصلة محمودة او مذمومة المستبعد تحققها وهو ان يشيع كون المحمود محمودا في خصال الحمد وكون المذموم مذموما في خلافها سلكوا بهما في الامر العام طريقي الاجمال والتفصيل لقصد مزيد التقرير فجاءوا بعد الفاعل بما يدل على المخصوص بالمدح او الذم فقالوا نعم الرجل زيد ونعم رجلا عمرو ألا ترى انك اذا قلت نعم الرجل معرفا للفاعل بالالف واللام الجنسية او قلت نعم رجلا فاضمرته مفسرا بمميز عام له كيف يتوجه المدح الى المخصوص به اولا على سبيل الاجمال لكونه فردا من الجنس ثم اذا عقّبته بذكر المخصوص كيف يتوجه اليه ثانيا على سبيل التفصيل فيحصل من تقوّي الحكم ومزيد التقرير ما يزيل ذلك الاستبعاد وقد جوّز النحويون في المخصوص بالمدح او الذم ان يكون مبتدأ خبره الجملة قبله وان يكون خبر مبتدأ محذوف واجب الحذف تقديره نعم الرجل هو زيد كأن سامعا سمع نعم الرجل فسأل عن المخصوص بالمدح من هو فقيل له هو زيد

وإن يقدّم مشعر به كفى

كالعلم نعم المقتنى والمقتفى

قد يتقدم على نعم ما يدل على المخصوص بالمدح فيغني ذلك عن ذكره كقولك العلم نعم المقتنى والمقتفى اي المتبع ونحوه قوله تعالى حكاية عن ايوب صلى‌الله‌عليه‌وسلم. (إِنَّا وَجَدْناهُ صابِراً نِعْمَ الْعَبْدُ.) وقول الشاعر

اني اعتمدتك يا يزي

د فنعم معتمد الوسائل

واجعل كبئس ساء واجعل فعلا

من ذي ثلاثة كنعم مسجلا

استعملوا ساء في الذم استعمال بئس في عدم التصرف والاقتصار على كون الفاعل معرفا بالالف واللام او مضافا الى المعرف بهما او مضمرا مفسرا بتمييز بعده والمجيء بعد الفاعل بالمخصوص بالذم فيقال ساء الرجل زيد وساء غلام الرجل عمرو وساء غلاما عبد هند كما قال الله تعالى. (بِئْسَ الشَّرابُ وَساءَتْ مُرْتَفَقاً.) وقال الله تعالى.

(ساءَ ما يَحْكُمُونَ.) فهذا على حدّ قوله تعالى. (بِئْسَمَا اشْتَرَوْا بِهِ أَنْفُسَهُمْ.) قوله واجعل فعلا من ذي ثلاثة كنعم مسجلا اي بلا قيد يقال اسجلت الشيء اذا مكنت من الانتفاع به مطلقا والمراد بهذه العبارة التنبيه على ان العرب تبني من كل فعل ثلاثي فعلا على فعل لقصد المدح او الذم وتجريه في الاستعمال وعدم التصرف مجرى نعم كقولك

١٨٤

علم الرجل زيد وقضو صاحب القوم عمرو ورمو غلاما بكر وقال الله تعالى. (كَبُرَتْ كَلِمَةً تَخْرُجُ مِنْ أَفْواهِهِمْ.) المعنى والله اعلم بئس كلمة تخرج من افواههم قولهم اتخذ الله ولدا

ومثل نعم حبّذا الفاعل ذا

وإن ترد ذمّا فقل لا حبّذا

يقال في المدح حبذا زيد كما يقال نعم الرجل زيد فاذا اريد الذم قيل لا حبذا قال الشاعر

ألا حبذا اهل الملا غير انه

اذا ذكرت ميء فلا حبذا هيا

وقوله الفاعل ذا تعريض بالرد على جماعة من النحويين فانهم يرون ان حبّ في هذا الباب غير مستقلة بالاسناد بل هي مركبة مع ذا مجعولة معها شيئا واحدا ثم من هولاء من يجعل المخصوص بعدها خبرا على ان حبذا مبتدأ ومنهم من يجعله فاعلا على انها فعل وكلا القولين تكلف واخراج اللفظ عن اصله بلا دليل قال ابن خروف بعد ان مثل بحبذا زيد حب فعل وذا فاعل وزيد مبتدأ وخبره حبذا وقال هذا قول سيبويه واخطأ عليه من زعم غير ذلك

وأول ذا المخصوص أيّا كان لا

تعدل بذا فهو يضاهي المثلا

يقول اتبع ذا المخصوص بالمدح او الذم مذكرا كان او مؤنثا مفردا او مثنى او مجموعا ولا تعدل عن لفظ ذا لان باب حبذا جار مجرى المثل والامثال لا تغير فتقول حبذا زيد وحبذا هند وحبذا الزيدان وحبذا الزيدون وحبذا الهندات ولو طابقت بين الفاعل والمخصوص بالمدح قلت حب ذي هند وحب أولاء الزيدون كما تقول نعم المرأة هند ونعم الرجال الزيدون الّا انه لما جرى مجرى المثل لم يغير كما قالوا الصيف ضيعت اللبن وقال ابن كيسان ذا من قولهم حبذا اشارة الى مفرد مضاف الى المخصوص حذف واقيم هو مقامه فتقدير حبذا هند حبذا حسنها وقد يحذف المخصوص في هذا الباب للعلم به كما في باب نعم قال الشاعر

ألا حبذا لو لا الحياء وربما

منحت الهوى ما ليس بالمتقارب

وقد يذكر قبله او بعده تمييز نحو حبذا رجلا زيد وحبذا هند امرأة

وما سوى ذا ارفع بحبّ أو فجر

بالبا ودون ذا انضمام الحا كثر

يعني انه قد يجيء فاعل حب المراد بها المدح غير ذا وذلك على ضربين احدهما

١٨٥

مرفوع كقولك حب زيد رجلا والآخر مجرور بالباء الزائدة نحو حب بزيد رجلا واكثر ما تجيء حب مع غير ذا مضمومة الحاء بالنقل من حركة عينها كقول الشاعر

فقلت اقتلوها عنكم بمزاجها

وحبّ بها مقتولة حين تقتل

وقد لا تضم حاؤها كقول بعض الانصار رضي‌الله‌عنهم

باسم الاله وبه بدينا

ولو عبدنا غيره شقينا

فحبذا ربّا وحبّ دينا

اي حب عبادته دينا وذكّر ضمير العبادة لتأولها بالدين والتعظيم

(افعل التفضيل)

صغ من مصوغ منه للتّعجّب

أفعل للتّفضيل واب اللّذ أبي

يبنى الوصف على افعل للدلالة على التفضيل وذلك مقيس في كل ما يبنى منه فعل التعجب تقول هو افضل من زيد واعلم منه واحسن كما تقول ما افضل زيدا وما اعلمه وما احسنه وقوله وأب اللذ أبي يعني ان ما لا يجوز ان يبنى منه فعل التعجب لا يجوز ان يبنى منه افعل التفضيل فلا يبنى من وصف لا فعل له كغير وسوى ولا من فعل زائد على ثلاثة احرف نحو استخرج ولا معبر عن اسم فاعله بافعل كعور ولا مبني للمفعول كضرب ولا غير متصرف كعسى ونعم وبئس ولا غير متفاوت المعنى كمات وفني فان سمع بناؤه من شيء من ذلك عدّ شاذّا وحفظ ولم يقس عليه كما في التعجب تقول هو اقمن بكذا اي احق به وان لم يكن له فعل كما قلت اقمن به وقالوا هو ألصّ من شظاظ فبنوه من لصّ ولا فعل له وتقول من أختصر الشيء هو اخصر من كذا كما يقال ما اخصره وقالوا هو اعطاهم للدراهم واولاهم للمعروف واكرم لي من زيد اي اشد اكراما وهذا المكان اقفر من غيره وفي المثل افلس من ابن المذلق وفي الحديث الشريف. فهو لما سواها أضيع. وهذا النوع عند سيبويه مقيس لانه من افعل وهو عنده كالثلاثي في جواز بناء فعل التعجب منه وافعل التفضيل وتقول هو اهوج منه وانوك منه وان كان اسم فاعله على افعل كما يقال ما اهوجه وما انوكه وفي المثل هو احمق من هينقة واسود من حلك الغراب واما قولهم ازهى من ديك واشغل من ذات النحيين واعنى بحاجتك فلا تعدّ شاذة وان كانت من فعل ما لم يسم فاعله لانه لا ليس فيها؟؟؟ اذ لم يستعمل لها فعل فاعل

١٨٦

وما به إلى تعجّب وصل

لمانع به إلى التّفضيل صل

يعني ان ما لا يجوز التعجب من لفظه لمانع فيه يتوصل الى الدلالة على التفضيل فيه بمثل ما يتوصل الى التعجب منه فيبنى افعل التفضيل من اشد او ما جرى مجراه ويميز بمصدر ما فيه المانع وذلك نحو قولك هو اكثر استخراجا واقبح عورا وافجع موتا

وأفعل التّفضيل صله أبدا

تقديرا او لفظا بمن إن جرّدا

افعل التفضيل في الكلام على ثلاثة اضرب مضاف ومعرف بالالف واللام ومجرد من الاضافة والالف واللام فان كان مجردا لزم اتصاله بمن التي لابتداء الغاية جارة للمفضل عليه كقولك زيد اكرم من عمرو واحسن من بكر وقد يستغنى بتقدير من عن ذكرها لدليل ويكثر ذلك اذا كان افعل التفضيل خبرا كقوله تعالى. (وَالْآخِرَةُ خَيْرٌ وَأَبْقى.) ويقل ذلك اذا كان صفة او حالا كقول الراجز.

تروّحي اجدر ان تقيلي

غدا بجنبي بارد ظليل

اي تروحي وأني مكانا اجدر ان تقيلي فيه من غيره وان كان افعل التفضيل مضافا نحو زيد افضل القوم او معرفا بالالف واللام نحو زيد الافضل لم يجز اتصاله بمن فاما قوله

ولست بالاكثر منهم حصى

وانما العزة للكاثر

ففيه ثلاثة اوجه احدها ان من فيه ليست لابتداء الغاية بل لبيان الجنس كما هي في نحو انت منهم الفارس الشجاع اي من بينهم الثاني انها متعلقة بمحذوف دل عليه المذكور الثالث ان الالف واللام زائدتان فلم يمنعا من وجود من كما لم يمنعا من الاضافة في قول الشاعر

تولي الضجيع اذا تنبه موهنا

كالأقحوان من الرشاش المستقي

قال ابو علي اراد من رشاش المستقي

وإن لمنكور يضف أو جرّدا

ألزم تذكيرا وأن يوحّدا

وتلو أل طبق وما لمعرفه

أضيف ذو وجهين عن ذي معرفه

هذا إذا نويت معنى من وإن

لم تنو فهو طبق ما به قرن

إذا كان افعل التفضيل مجردا لزمه التذكير والافراد بكل حال كقولك هو افضل

١٨٧

وهي افضل وهما افضل وهم افضل وهنّ افضل واذا كان معرفا بالالف واللام لزمه مطابقة ما هو له في التذكير والتأنيث والافراد والتثنية والجمع وهو المراد بقوله وتلو أل طبق تقول هو الافضل وهي الفضلى وهما الافضلان وهم الافضلون وهنّ الفضليات او الفضل واذا كان مضافا فان اضيف الى نكرة لزمه التذكير والافراد كالمجرد تقول هو افضل رجل وهي افضل امرأة وهما افضل رجلين وهم افضل رجال وهنّ افضل نساء وان اضيف الى معرفة جاز ان يوافق المجرد في لزوم الافراد والتذكير فيقال هي افضل النساء وهما افضل القوم وجاز ان يوافق المعرف بالالف واللام في لزوم المطابقة لما هو له فيقال هي فضلى النساء وهما افضلا القوم وقد اجتمع الوجهان في قوله صلى‌الله‌عليه‌وسلم. ألا اخبركم باحبكم اليّ واقربكم مني مجالس يوم القيامة آحاسنكم اخلاقا الموطؤن اكنافا الذين يألفون ويؤلفون. والى جواز موافقة المضاف المجرد والمعرف بالالف واللام الاشارة بقوله وما لمعرفة اضيف ذو وجهين وقوله هذا اذا نويت معنى من يعني ان جواز الامرين في المضاف مشروط بكون الاضافة فيه بمعنى من وذلك اذا كان افعل مقصودا به التفضيل واما اذا لم يقصد به التفضيل فلا بد فيه من المطابقة لما هو له كقولهم الناقص والاشج اعدلا بني مروان اي عادلاهم وكثيرا ما يستعمل افعل غير مقصود به تفضيل وهو عند المبرد مقيس ومنه قوله تعالى. (رَبُّكُمْ أَعْلَمُ بِما فِي نُفُوسِكُمْ.) وقوله تعالى. (وَهُوَ الَّذِي يَبْدَؤُا الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ وَهُوَ أَهْوَنُ عَلَيْهِ.) اي ربكم عالم بما في نفوسكم وهو هين عليه وقول الشاعر

ان الذي سمك السماء بنى لنا

بيتا دعائمه اعزّ واطول

اراد عزيزة طويلة

وإن تكن بتلو من مستفهما

فلهما كن أبدا مقدّما

كمثل ممّن أنت خير ولدى

إخبار التّقديم نزرا وردا

لأفعل التفضيل مع من شبه بالمضاف والمضاف اليه فحقه أن لا يتقدم عليه الّا لموجب وذلك اذا كان المجرور بمن اسم استفهام فانه لا بد اذ ذاك من تقديمهما على افعل التفضيل ضرورة أنّ الاستفهام له صدر الكلام تقول ممن انت خير ومن كم دراهمك اكثر ومن ايهم انت افضل واذا كان المجرور بمن غير الاستفهام لم يتقدم على افعل التفضيل الّا قليلا كقول الشاعر

١٨٨

فقالت لنا اهلا وسهلا وزودت

جنى النحل او ما زودت منه اطيب

وقول الآخر

ولا عيب فيها غير ان قطوفها

سريع وان لا شيء منهنّ اكسل

ولشبه افعل التفضيل مع من بالمضاف والمضاف اليه لم يفصل منه باجنبي تقول زيد احسن وجها من عمرو وانت احظى عندي من ذاك وقد اجتمع فصلان في قول الراجز

لاكلة من اقط وسمن

ألين مسا في حشايا البطن

من يثر بيات قذاذ خشن

ورفعه الظّاهر نزر ومتى

عاقب فعلا فكثيرا ثبتا

كلن ترى في النّاس من رفيق

أولى به الفضل من الصدّيق

افعل التفضيل من قبل انه في حال تجرده لا يؤنث ولا يثنى ولا يجمع ضعيف الشبه باسم الفاعل وبالصفة المشبهة به فلم يرفع الظاهر عند اكثر العرب الّا اذا ولي نفيا او استفهاما وكان مرفوعه اجنبيا مفضلا على نفسه باعتبارين نحو قولهم ما رأيت رجلا احسن في عينه الكحل منه في عين زيد وقوله صلى‌الله‌عليه‌وسلم. ما من ايام احبّ الى الله فيها الصوم منه في عشر ذي الحجة وقول الشاعر

مررت على وادي السباع ولا ارى

كوادي السباع حين يظلم واديا

اقل به ركب اتوه تإيّة

واخوف الّا ما وقى الله ساريا

تقديره لا ارى واديا اقلّ به ركب اتوه تإية منه كوادي السباع ولكن حذف لتقدم ما دلّ على المفضول يقال تأييت بالمكان اي تلبثت به وتقول ما احد احسن به الجميل من زيد اصله ما احد احسن به الجميل من الجميل بزيد الّا انه اضيف الجميل الى زيد لملابسته له في المعنى فصار في التقدير من جميل زيد ثم حذف المضاف واقيم المضاف اليه مقامه ونظير ذلك قوله كلن ترى في الناس من رفيق اولى به الفضل من الصديق يعني ابا بكر رضي‌الله‌عنه فهذه الصور ونحوها يرفع افعل التفضيل فيها الظاهر باطراد ويمكن ان يعلل ذلك بامرين احدهما ما اشار اليه يقوله ومتى عاقب فعلا فكثير ثبتا يعني انه متى حسن ان يقع موقع افعل التفضيل فعل بمعناه صح رفعه الظاهر كما صح اعمال اسم الفاعل بمعنى المضي في صلة

١٨٩

الالف واللام فقالوا ما رأيت رجلا احسن في عينه الكحل منه في عين زيد لانه في معنى ما رأيت رجلا يحسن في عينه الكحل كحسنه في عين زيد فان قلت فكان ينبغي ان يقضي جواز مثل هذا بجواز رفع افعل التفضيل للسببي المضاف الى ضمير الموصوف نحو ما رأيت رجلا احسن منه ابوه وفي الاثبات نحو رأيت رجلا احسن في عينه الكحل منه في عين زيد لانه يصح في ذلك كله وقوع الفعل موقع افعل التفضيل قلت المعتبر في اطراد رفع افعل التفضيل الظاهر جواز أن يقع موقعه الفعل الذي يبنى منه مفيدا فائدته وما اوردته ليس كذلك ألا ترى انك لو قلت ما رأيت رجلا يحسن ابوه كحسنه فاتيت موضع احسن بمضارع حسن فاتت الدلالة على التفضيل او قلت مما رأيت رجلا يحسنه ابوه فاتيت موضع احسن بمضارع حسنه اذا فاقه في الحسن كنت قد جئت بغير الفعل الذي يبنى منه احسن وفاتت الدلالة على الغريزة المستفادة من افعل التفضيل ولو رمت ان توقع الفعل موقع احسن على غير هذين الوجهين لم تستطع وكذا القول في نحو رأيت رجلا احسن في عينه الكحل منه في عين زيد فانك لو جعلت فيه يحسن مكان احسن فقلت رأيت رجلا يحسن في عينه الكحل كحسنه في عين زيد او يحسن في عينه الكحل كحلا في عين زيد فاتت الدلالة على التفضيل في الاول وعلى الغريزة في الثاني الامر الثاني ان افعل التفضيل متى ورد على الوجه المذكور وجب رفعه الظاهر لئلّا يلزم الفصل بينه وبين من باجنبي فان ما هو له في المعنى لو لم يجعل فاعلا لوجب كونه مبتدأ ولتعذر الفصل به فان قلت واي حاجة الى ذلك ولم لم يجعل مبتدأ مؤخرا عن من فيقال ما رأيت رجلا احسن في عينه منه في عين زيد الكحل او مقدما على احسن فيقال ما رأيت رجلا الكحل احسن في عينه منه في عين زيد قلت لم يؤخر تجنبا عن قبح اجتماع تقديم الضمير على مفسره واعمال الخبر في ضميرين لمسمى واحد وليس هو من افعال القلوب ولم يقدم كراهية ان يقدموا لغير ضرورة ما ليس بأهم فان الامتناع من رفع افعل التفضيل الظاهر ليس لعلة موجبة انما هو لامر استحساني فيجوز التخلف عن مقتضاه اذا زاحمه ما رعايته اولى وهو تقديم ما هو اهمّ وايراده في الذكر اتمّ وذلك صفة ما يستلزم صدق الكلام تخصيصه ألا ترى انك لو قلت ما رأيت رجلا كان صدق الكلام موقوفا على تخصيص رجل بامر يمكن انه لم يحصل لمن رأيته من الرجال لانه ما من راء الا وقد رأى رجلا ما فلما كان موقوف الصدق على المخصص وهو الوصف كان تقديمه مطلوبا فوق كل

١٩٠

مطلوب فقدم واغتفر ما ترتب على التقديم من الخروج عن الاصل فان قلت فلم لم يجز على مقتضى ما ذكرتم ان يرفع افعل التفضيل الظاهر في الاثبات فيقال رأيت رجلا احسن في عينه الكحل منه في عين زيد قلت لان مطلوبية المخصص في الاثبات دون مطلوبيته في النفي لانه في الاثبات يزيد في الفائدة وفي النفي يصون الكلام عن كونه كذبا فلما كان ذلك كذلك كان لهم عن تقديم الصفة ورفعها الظاهر مندوحة بتقديم ما هي له في المعنى وجعله مبتدأ فيقال رأيت رجلا الكحل احسن في عينه منه في عين زيد ولكون المانع من رفع افعل التفضيل الظاهر ليس امرا موجبا اطرد عند بعض العرب اجراؤه مجرى اسم الفاعل فيقولون مررت برجل افضل منه ابوه حكى ذلك سيبويه والى هذه المسئلة الاشارة بقوله ورفعه الظاهر نزر اي رفعه الظاهر غير مقيد بصلاحيته لمعاقبة الفعل قليل في كلام العرب

(النعت)

يتبع في الإعراب الاسماء الأول

نعت وتوكيد وعطف وبدل

فالنّعت تابع متمّ ما سبق

بوسمه أو وسم ما به اعتلق

التابع هو المشارك ما قبله في اعرابه الحاصل والمتجدد فقولي المشارك ما قبله في اعرابه يشمل التابع وغيره وقولي الحاصل والمتجدد يخرج خبر المبتدأ والحال من المنصوب والتوابع خمسة انواع النعت والتوكيد وعطف البيان وعطف النسق والبدل فاما النعت فهو التابع الموضح متبوعه والمخصص له بكونه دالّا على معنى في المتبوع نحو مررت برجل كريم او في متعلق به نحو مررت برجل كريم ابوه فالتابع جنس يعم الانواع الخمسة والموضح والمخصص مخرج لعطف النسق والبدل وقولي بدلالته على معنى في المتبوع او في متعلق به مخرج للتوكيد وعطف البيان وهذا مراده بقوله متم ما سبق بوسمه او وسم ما به اعتلق اي مكمل متبوعه ورافع عنه الشركة واحتمالها ببيان صفة من الصفات التي له او لمتعلق به ولذلك لا يكون الّا مشتقا او مؤوّلا بمشتق لان الجوامد لا دلالة لها بوضعها على معان منسوبة الى غيرها وكثيرا ما يكون الامم غنيا عن الايضاح والتخصيص فينعت لقصد المدح نحو الحمد لله رب العالمين او الذم نحو اعوذ بالله من الشيطان الرجيم او الترحم نحو مررت باخيك المسكين او التوكيد كقولك امس الدابر لا يعود ومنه قوله تعالى. (فَإِذا نُفِخَ فِي الصُّورِ نَفْخَةٌ واحِدَةٌ).

١٩١

وليعط في التّعريف والتّنكير ما

لما تلا كامرر بقوم كرما

النعت لا بدان يتبع المنعوت في اعرابه وتعريفه وتنكيره سواء كان جاريا على ما هو له او على ما هو لشيء من سببه فلا تنعت النكرة بمعرفة لئلّا يلزم مخالفة الغرض المقصود بالنسبة وهو المنعوت فان النعت انما يجيء لتكميل المنعوت فمتى كان معرفة عيّن مسمى المنعوت وزال ما قصد فيه من الابهام والشيوع فلا تنعت النكرة الّا بنكرة مثلها كقولك امرر بقوم كرما ولا تنعت المعرفة بنكرة صونا لها من توهم طرئان التنكير عليها وانما تنعت بالمعرفة كقولك امرر بالقوم الكرما اللهمّ الّا اذا كان التعريف بلام الجنس فانه لقرب مسافته من التنكير يجوز نعتها حينئذ بالنكرة المخصوصة ولذلك تسمع النحويين يقولون في قوله

ولقد امرّ على اللئيم يسبني

فاعفّ ثم اقول ما يعنيني

انّ يسبني صفة لا حال لان المعنى ولقد امرّ على لئيم من اللئام ومثله قوله تعالى. (وَآيَةٌ لَهُمُ اللَّيْلُ نَسْلَخُ مِنْهُ النَّهارَ). وقولهم ما ينبغي للرجل مثلك او خير منك ان يفعل كذا

وهو لدى التّوحيد والتّذكير أو

سواهما كالفعل فاقف ما قفوا

يجري النعت في مطابقة المنعوت وعدمها مجرى الفعل الواقع موقعه فان كان جاريا على ما هو له رفع ضمير المنعوت وطابقه في الافراد والتثنية والجمع والتذكير والتأنيث تقول مررت برجلين حسنين وامرأة حسنة كما تقول برجلين حسنا وامرأة حسنت وان كان جاريا على ما هو لشيء من سببه فان لم يرفع السببي فهو كالجاري على ما هو له في مطابقته المنعوت لانه مثله في رفعه ضمير المنعوت وذلك قولك مررت بامرأة حسنة الوجه وبرجال حسان الوجوه وان رفع السببي كان بحسبه في التذكير والتأنيث كما في الفعل فيقال مررت برجال حسنة وجوههم وبامرأة حسن وجهها كما يقال حسنت وجوههم وحسن وجهها وجاز فيه رافعا لجمع الافراد والتكسير فيقال مررت برجل كريم اباؤه وكرام ابآؤه وجاز فيه ايضا ان يجمع جمع المذكر السالم والمطابقة في التثنية والجمع على لغة اكلوني البراغيث فيقال مررت برجل حسنين غلمانه وكريمين ابواه

وانعت بمشتقّ كصعب وذرب

وشبهه كذا وذي والمنتسب

١٩٢

المشتق ما أخذ من لفظ المصدر للدلالة على معنى منسوب اليه فلو قال وانعت بوصف مثل صعب وذرب كان امثل لان من المشتق اسماء الزمان والمكان والآلة ولا ينعت بشيء منها انما ينعت بما كان صفة وهو ما دلّ على حدث وصاحبه كصعب وذرب وضارب ومضروب وأفضل منك او اسما مضمنا معنى الصفة اما وضعا كاسم الاشارة وذي بمعنى صاحب او بمعنى الذي وكاسماء النسب واما استعمالا كقولهم مررت بقاع عرفج كله اي خشن

ونعتوا بجملة منكّرا

فأعطيت ما أعطيته خبرا

وامنع هنا إيقاع ذات الطّلب

وإن أتت فالقول أضمر تصب

تقع الجملة موقع المفرد نعتا كما تقع موقعه خبرا الّا انه لتأوّلها بالمفرد النكرة لا يكون المنعوت بها الّا نكرة او ما في معناها كالذي في قوله ولقد امرّ على اللئيم يسبني على ما تقدم ذكره ولا بد في الجملة المنعوت بها من ضمير يربطها بالمنعوت ليحصل بها تخصيصه كقولك مررت برجل ابوه كريم وعرفت امرأة يبهر حسنها وقد يحذف الضمير للعلم به كقوله

فما ادري أغيّرهم تناء

وطول العهد ام مال اصابوا

والى هذا الاشارة بقوله فاعطيت ما اعطيته خبرا ولما اوهم هذا الاطلاق جواز النعت بالجملة الطلبية اذ كان يجوز الاخبار بها رفع ذلك الايهام بقوله وامنع هنا ايقاع ذات الطلب فعلم انه لا ينعت بالجملة الّا اذا كانت خبرية لان معناها محصل فيمكن ان تخصص المنعوت ويحصل بها فائدة بخلاف الجملة الطلبية فانها لا تدل على معنى محصل فلا يمكن ان تخصص المنعوت ولا يحصل بها فائدة فلا يصح النعت بها وما اوهم ذلك أوّل كقول الراجز يصف قوما سقوا ضيفهم لبنا مخلوطا بالماء

ما زلت اسعى نحوهم واختبط

حتى اذا كاد الظلام يختلط

جاءوا بمذق هل رأيت الذئب قط

اي مقول فيه عند رؤيته هذا القول لإيراده في خيال الرائي لون الذئب بورقته لكونه سمارا

ونعتوا بمصدر كثيرا

فالتزموا الإفراد والتّذكيرا

ينعت بالمصدر كثيرا على تأويله بالمشتق كقولهم رجل عدل ورضى ويلتزمون فيه

١٩٣

الافراد والتذكير فيقولون امرأة رضى ورجلان رضى ورجال رضى كأنهم قصدوا بذلك التنبيه على ان اصله رجل ذو رضى وامرأة ذات رضى ورجلان ذوا رضى ورجال ذووا رضى فلما حذفوا المضاف تركوا المضاف اليه على ما كان عليه

ونعت غير واحد إذا اختلف

فعاطفا فرّقه لا إذا ائتلف

يجوز نعت غير الواحد بمتفق المعنى ومختلفه فاذا نعت بمتفق المعنى استغني عن تفريق النعت بالتثنية والجمع فيقال رأيت رجلين حسنين ومررت برجال كرماء واذا نعت بمختلف المعنى وجب تفريق النعت وعطف بعض على بعض فيقال رأيت رجلين عالما وجاهلا ومررت برجال شاعر وفقيه وكاتب

ونعت معمولي وحيدي معنى

وعمل أتبع بغير استثنا

اذا نعت معمولا عاملين بما لهما في المعنى فلا يخلو العاملان من ان يتحدا في المعنى والعمل او يختلفا فيهما او في احدهما فان اتحدا فيهما كان النعت تابعا للمنعوت في الرفع والنصب والجرّ وهذا مراده من قوله بغير استثنا فيقال انطلق زيد وذهب عمرو الكريمان وحدّثت بكرا وكلمت بشرا الشريفين وقعدت الى زيد وجلست الى عمرو الكريمين وان اختلف العاملان وجب في النعت القطع فيرفع على اضمار مبتدأ وينصب على اضمار فعل فيقال جاء زيد وذهب عمرو الكريمان على تقديرهما الكريمان وان شئت قلت الكريمين على تقدير اعني الكريمين وكذا القول في نحو انطلق بكر وكلمت بشرا الشريفان والشريفين وكذا تقول نحو مررت بزيد وجاوزت عمرا العالمان والعالمين باضمار مبتدأ او فعل ناصب لان الاتباع في كل هذا متعذر اذ العمل الواحد لا يمكن نسبته الى عاملين من شأن كل منهما ان يستقل بالعمل

وإن نعوت كثرت وقد تلت

مفتقرا لذكرهنّ أتبعت

واقطع أو اتبع إن يكن معيّنا

بدونها أو بعضها اقطع معلنا

وارفع أو انصب إن قطعت مضمرا

مبتدأ أو ناصبا لن يظهرا

قد يكون للاسم نعتان فصاعدا بعطف وغير عطف فالاوّل كقوله تعالى. (سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى الَّذِي خَلَقَ فَسَوَّى وَالَّذِي قَدَّرَ فَهَدى وَالَّذِي أَخْرَجَ الْمَرْعى.) والثاني

١٩٤

كقوله تعالى. (وَلا تُطِعْ كُلَّ حَلَّافٍ مَهِينٍ هَمَّازٍ مَشَّاءٍ بِنَمِيمٍ مَنَّاعٍ لِلْخَيْرِ مُعْتَدٍ أَثِيمٍ عُتُلٍّ بَعْدَ ذلِكَ زَنِيمٍ.) ثم ان المنعوت ان لم يعين المسمى الّا بجميع النعوت وجب فيها الاتباع وان كان متعينا بدونها جاز فيها الاتباع والقطع وان كان متعينا ببعض النعوت جاز القطع فيما عداه والى هذا الاشارة بقوله او بعضها اقطع معلنا اي وان يكن معينا ببعضها اقطع ما سواه تقول مررت بزيد الكريم العاقل اللبيب بالاتباع وان شئت قطعت وذلك على وجهين احدهما ان ترفع على اضمار مبتدأ تقديره هو الكريم العاقل اللبيب والثاني ان تنصب على اضمار فعل لا يجوز اظهاره تقديره اخص الكريم العاقل اللبيب ولك ان تتبع بعضا وتقطع بعضا ولك في القطع ان ترفع بعضا وتنصب بعضا فتقول مررت برجل كريم عاقل لبيبا ولا يجوز في هذا قطع الجميع لان النكرة لا تستغني عن التخصيص فلا بد من اتباع بعض النعوت ثم بعد ذلك يجوز القطع كما قال الشاعر

ويأوي الى نسوة عطل

وشعثا مراضيع مثل السعالي

وما من المنعوت والنّعت عقل

يجوز حذفه وفي النّعت يقل

يعني انه اذا علم النعت او المنعوت جاز حذفه فيكثر حذف المنعوت للعلم به اذا كان النعت صالحا لمباشرة العامل كقوله تعالى. (وَعِنْدَهُمْ قاصِراتُ الطَّرْفِ أَتْرابٌ.)

فان لم يصلح لمباشرة العامل امتنع الحذف غالبا الّا في الضرورة كقوله

مالك عندي غير سهم وحجر

وغير كبداء شديدة الوتر

يرمي بكفي كان من أرمى البشر

وقول الآخر

كأنك من جمال بني اقيش

يقعقع بين رجليه بشن

وقولي غالبا تنبيه على نحو قوله تعالى. (وَلَقَدْ جاءَكَ مِنْ نَبَإِ الْمُرْسَلِينَ.) وهو مطرد في النفي كقولهم ما منهما مات حتى رأيته يفعل كذا وقد يحذف النعت للدلالة عليه بقرينة حالية او مقالية فالاول كقوله تعالى. (تُدَمِّرُ كُلَّ شَيْءٍ بِأَمْرِ رَبِّها). وقول الشاعر وهو العباس بن مرداس

وقد كنت في الحرب ذا تدرء

فلم أعط شيئا ولم أمنع

والثاني كقوله تعالى. (لا يَسْتَوِي الْقاعِدُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ غَيْرُ أُولِي الضَّرَرِ وَالْمُجاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللهِ بِأَمْوالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ فَضَّلَ اللهُ الْمُجاهِدِينَ بِأَمْوالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ عَلَى الْقاعِدِينَ دَرَجَةً

١٩٥

وَكُلًّا وَعَدَ اللهُ الْحُسْنى وَفَضَّلَ اللهُ الْمُجاهِدِينَ عَلَى الْقاعِدِينَ أَجْراً عَظِيماً دَرَجاتٍ مِنْهُ وَمَغْفِرَةً وَرَحْمَةً.) التقدير فضل الله المجاهدين باموالهم وانفسهم على القاعدين من اولي الضرر درجة وفضل الله المجاهدين باموالهم وانفسهم على القاعدين من غير أولي الضرر درجات

(التوكيد)

بالنّفس أو بالعين الاسم أكّدا

مع ضمير طابق المؤكّدا

واجمعهما بأفعل إن تبعا

ما ليس واحدا تكن متّبعا

اعلم ان التوكيد نوعان لفظي ومعنوي فاما اللفظي فسيأتي ذكره واما المعنوي فهو التابع الرافع احتمال تقدير اضافة الى المتبوع او ارادة الخصوص بما ظاهره العموم ويجيء في الغرض الاول بلفظ النفس والعين مضافين الى ضمير المؤكد مطابقا له في الافراد والتذكير وفروعهما تقول جاء زيد نفسه فترفع بذكر النفس احتمال كون الجائي رسول زيد او خبره او نحو ذلك ويصير به الكلام نصا على ما هو الظاهر منه وكذا اذا قلت لقيت زيدا عينه ولفظ النفس والعين في توكيد المؤنث كلفظهما في توكيد المذكر كقولك جاءت هند نفسها وكلمتها عينها اما في توكيد الجمع فيجمعان على افعل كقولك جاء الزيدون انفسهم وكلمت الهندات اعينهنّ وكذا في توكيد المثنى على المختار كقولك جاء الزيدان انفسهما ولقيتهما اعينهما ويجوز فيهما ايضا الافراد والتثنية وكذا كل مثنى في المعنى مضاف الى متضمنه يختار فيه لفظ الجمع على لفظ الافراد ولفظ الافراد على لفظ التثنية فالاول كقوله تعالى. (إِنْ تَتُوبا إِلَى اللهِ فَقَدْ صَغَتْ قُلُوبُكُما.) والثاني كقول الشاعر

حمامة بطن الواديين ترنمي

سقاك من الغر الغوادي مطيرها

والثالث كقول الآخر

ومهمهين قذفين مرتين

ظهراهما مثل ظهور الترسين

قطعته بالسمت لا بالسمتين

ويجيء التوكيد المعنوي في الغرض الثاني بلفظ كل وكلا وكلتا وجميع وعامة على ما يعرب عنه قوله

١٩٦

وكلّا اذكر في الشّمول وكلا

كلتا جميعا بالضّمير موصلا

واستعملوا أيضا ككلّ فاعله

من عمّ في التّوكيد مثل النّافله

يعني ان الذي يذكر في التوكيد المقصود به التنصيص على الشمول ورفع احتمال ان يراد باللفظ العام الخصوص هو الالفاظ المذكورة مضافة الى ضمير المؤكد مطابقا له فاما كل فيؤكد به غير المثنى مما له اجزاء يصح وقوع بعضها موقعه نحو قولك جاء الجيش كله والقبيلة كلها والقوم كلهم والنساء كلهنّ فترفع بذكر المؤكد احتمال كون الجائي بعض المذكورين واما كلا وكلتا فيؤكد بهما المثنى نحو قولك جاء الزيدان كلاهما والهندان كلتاهما واما جميع وعامة فانهما بمنزلة كل معنى واستعمالا تقول جاء الجيش جميعه او عامته والقبيلة جميعها او عامتها والقوم جميعهم او عامتهم والنساء جميعهنّ او عامتهنّ واغفل اكثر النحويين التنبيه على التوكيد بهذين الاسمين ونبه عليهما سيبويه وانشد الشيخ شاهدا على التوكيد بجميع قول امرأة من العرب ترقص ابنها

فداك حيّ خولان

جميعهم وهمدان

وكل آل قحطان

والاكرمون عدنان

وقوله مثل النافلة بعد التنبيه على ان عامة من الفاظ التوكيد بقوله واستعملوا ايضا ككل فاعله من عمّ في التوكيد مثل النافله يعني به ان عدّ عامة من الفاظ التوكيد مثل النافلة اي الزائد على ما ذكره النحويون في هذا الباب فان اكثرهم اغفله وليس هو في حقيقة الامر نافلة على ما ذكروه لان من اجلّهم سيبويه رحمه‌الله تعالى ولم يغفله

وبعد كلّ أكّدوا بأجمعا

جمعاء أجمعين ثمّ جمعا

ودون كلّ قد يجيء أجمع

جمعاء أجمعون ثمّ جمع

يجوز ان يتبع كله باجمع وكلها بجمعاء وكلهم باجمعين وكلهنّ يجمع لزيادة التوكيد وتقريره تقول جاء الجيش كله اجمع والقبيلة كلها جمعاء والزيدون كلهم اجمعون والهندات كلهنّ جمع قال الله تعالى. (فَسَجَدَ الْمَلائِكَةُ كُلُّهُمْ أَجْمَعُونَ.) وقد يغني اجمع وجمعاء واجمعون وجمع عن كله وكلها وكلهم وكلهنّ وهو قليل وقد يتبع اجمع واخواته باكنع وكتعاء واكتعين وكتع وقد يتبع اكتع واخواته بأبصع وبصعاء وابصعين وبصع فيقال جاء الجيش كله اجمع اكتع ابصع والقبيلة كلها جمعاء كتعاء بصعاء والقوم كلهم

١٩٧

اجمعون اكتعون ابصعون والهندات كلهنّ جمع كتع بصع وزاد الكوفيون بعد ابصع واخواته ابتع وبتعاء وابتعين وبتع ولا يجوز ان يتعدى هذا الترتيب وقد شذ قول بعضهم اجمع ابصع واشذ منه قول آخر جمع بتع وربما اكد باكتع واكتعين غير مسبوقين باجمع واجمعين ومنه قول الراجز

يا ليتني كنت صبيا مرضعا

تحملني الذلفاء حولا اكتعا

اذا بكيت قبلتني اربعا

اذا ظللت الدهر ابكي اجمعا

وفي هذا الرجز افراد اكتع عن اجمع وتوكيد النكرة المحدودة والتوكيد باجمع غير مسبوق بكل والفصل بين المؤكّد والمؤكّد ومثله في التنزيل. ولا يحزنّ ويرضين بما آتيتهنّ كلهنّ.

وإن يفد توكيد منكور قبل

وعن نحاة البصرة المنع شمل

مذهب الكوفيين انه يجوز توكيد النكرة المحدودة مثل يوم وليلة وشهر وحول مما يدل على مدة معلومة المقدار ولا يجيزون توكيد النكرة غير المحدودة كحين ووقت وزمان مما يصلح للقليل والكثير لانه لا فائدة في توكيدها ومنع البصريون توكيد النكرة سواء كانت محدودة او غير محدودة وهذا معنى قوله وعن نحاة البصرة المنع شمل اي عمّ لما يفيد توكيده من النكرات ولما لا يفيد وقول الكوفيين أولى بالصواب لصحة السماع بذلك ولأن في توكيد النكرة المحدودة فائدة كالتي في توكيد المعرفة فان من قال صمت شهرا قد يريد جميع الشهر وقد يريد اكثره ففي قوله احتمال فاذا قال صمت شهرا كله ارتفع الاحتمال وصار كلامه نصا على مقصوده فلو لم يسمع من العرب لكان جديرا بان يجوز قياسا فكيف به واستعماله ثابت كقوله (تحملني الذلفاء حولا اكتعا) وقول الآخر

انا اذا خطّافنا تقعقعا

قد صرّت البكرة يوما اجمعا

وقول الآخر

لكنه شاقه ان قيل ذا رجب

يا ليت عدة حول كله رجب

واغن بكلتا في مثنّى وكلا

عن وزن فعلاء ووزن أفعلا

لا يؤكد المثنى فيما سمع من العرب الّا بالنفس او بالعين او بكلا في التذكير وبكلتا في التانيث واجاز الكوفيون في القياس ان يؤكد المثنى في التذكير باجمعين وفي التأنيث

١٩٨

بجمعاوين مع اعترافهم بكونه لم ينقل عن العرب واشار ابن خروف الى ان ذلك لا مانع منه وعندي ان ثمّ ما يمنع منه وهو ان من شرط صحة استعمال المثنى جواز تجريده من علامة التثنية وعطف مثله عليه وعلى هذا لا ينبغي ان يجوز جاء زيد وعمرو اجمعان لانه لا يصح ان تقول جاء اجمع واجمع لان المؤكد باجمع كالمؤكد بكل في كونه لا بد ان يكون ذا اجزاء يصح وقوع بعضها موقعه فلو قلت جاء الجيشان اجمعان لم يأبه القياس

وإن تؤكّد الضّمير المتّصل

بالنّفس والعين فبعد المنفصل

عنيت ذا الرّفع وأكّدوا بما

سواهما والقيد لن يلتزما

اذا اكد ضمير الرفع المتصل بالنفس او بالعين فلا بد من توكيده قبل بضمير منفصل كقولك قوموا انتم انفسكم فلو قلت قوموا انفسكم لم يجز واذا اكد بغير النفس والعين من الفاظ التوكيد المعنوي لم يلزم توكيده بالضمير المنفصل تقول قوموا كلكم ولو قلت قوموا انتم كلكم لكان جيدا حسنا واما ضمير غير الرفع فلا فرق بين توكيده بالنفس او بالعين وبين توكيده بغيرهما في عدم وجوب الفصل بالضمير المنفصل تقول رأيتك نفسك ومررت بك عينك كما تقول رأيتهم كلهم ومررت بهم كلهم وان شئت قلت رأيتك اياك نفسك ومررت بك انت عينك فتؤكد بالمعنوي بعد التوكيد باللفظي

وما من التّوكيد لفظيّ يجي

مكرّرا كقولك ادرجي ادرجي

لما انتهى كلامه في التوكيد المعنوي اخذ في الكلام على التوكيد اللفظي فقال وما من التوكيد لفظي يجي مكررا يعني ان التوكيد اللفظي هو تكرار معنى المؤكد باعادة لفظه او تقويته بمرادفه لقصد التقرير خوفا من النسيان او عدم الاصغاء او الاعتناء واكثر ما يجيء مؤكدا لجملة وقد يؤكد المفرد فالاول كقوله ادرجي ادرجي ومثله قول الشاعر

أيا من لست اقلاه

ولا في البعد انساه

لك الله على ذاك

لك الله لك الله

وكثيرا ما تقترن الجملة المؤكدة بعاطف كقوله تعالى. (وَما أَدْراكَ ما يَوْمُ الدِّينِ ثُمَّ ما أَدْراكَ ما يَوْمُ الدِّينِ.) وقوله تعالى. (أَوْلى لَكَ فَأَوْلى ثُمَّ أَوْلى لَكَ فَأَوْلى.) والثاني ما

١٩٩

يؤكد به اسم او فعل او حرف اما الاسم فكقولك جاء زيد زيد وقوله تعالى. (كَلَّا إِذا دُكَّتِ الْأَرْضُ دَكًّا دَكًّا.) ومنه قولك انت بالخير حقيق قمن واما الفعل فاكثر ما يجيء مؤكده فعلا مع فاعله ظاهرا كان نحو قام زيد قام زيد او مضمرا نحو قام اخواك قاما ونحو قم قم الى زيد وقد يجيء مؤكد الفعل خاليا عن الفاعل وقد اجتمع الامران في قول الشاعر

فأين الى اين الفجاء ببغلتي

اتاك اتاك اللاحقوك احبس احبس

واما الحرف فسيأتي الكلام على توكيده

ولا تعد لفظ ضمير متّصل

إلّا مع اللّفظ الّذي به وصل

لا يجوز ان يؤكد الضمير المتصل باعادته مجردا لان ذلك يخرجه عن حيز الاتصال الى الانفصال بل معمودا بمثل ما اتصل به كقولك عجبت منك منك ومررت بك بك

كذا الحروف غير ما تحصّلا

به جواب كنعم وكبلى

حروف الجواب نعم وبلى وأجل وجير وإي ولا. لصحة الاستغناء بها عن ذكر المجاب به هي كالمستقل بالدلالة على معناه فيجوز ان تؤكد باعادة اللفظ من غير اتصاله بشيء آخر كقولك لمن قال اتفعل كذا نعم نعم او لا لا والاولى توكيده بذكر مرادفه كقولك بدل نعم نعم أجل نعم او اجل جير كما قال الشاعر

وقلن على الفردوس اول مشرب

أجل جير إن كانت ابيحت دعاثره

واما الحرف غير الجوابي فلكونه كالجزء من مصحوبه لا يجوز في الغالب ان يؤكد الّا ومع المؤكّد مثل الذي مع المؤكّد او مرادفه كقولك إنّ زيدا إنّ زيدا فاضل وفي الدار في الدار زيد فان شئت قلت ان زيدا انه فاضل وفي الدار فيها زيد فتعمل الحرف المؤكد بضمير ما اتصل بالمؤكد لانه بمعناه قال الله تعالى. (فَفِي رَحْمَتِ اللهِ هُمْ فِيها خالِدُونَ.) وقد يفرد الحرف غير الجوابي في التوكيد ويسهل ذلك كونه على اكثر من حرف واحد نحو كأنّ في قول الراجز

حتى تراها وكانّ وكأن

أعناقها مشدّدات بقرن

وإذا كان على حرف واحد كانت اعادته مفردا في غاية من الشذوذ والقلة كقول الشاعر

٢٠٠