شرح ألفيّة ابن مالك

ابن ناظم

شرح ألفيّة ابن مالك

المؤلف:

ابن ناظم


الموضوع : اللغة والبلاغة
المطبعة: مطبعة القديس جاورجيوس
الطبعة: ٠
الصفحات: ٣٥٥

فلا ترى بعلا ولا حلائلا

كه ولا كهنّ الّا حاظلا

الّا ان الضمير بعد ربّ يلزم الافراد والتذكير والتفسير بتمييز بعده نحو ربه رجلا عرفته وربه امرأة لقيتها وربه رجلين رأيتهما وانشد احمد بن يحيى

واه رأيت وشيكا صدع اعظمه

وربه عطبا انقذت من عطبه

وتجري رب مع افادتها التقليل مجرى اللام المقوية للتعدية في دخولها على المفعول به وتختص بوجوب تصديرها ونعت مجرورها ومضي معداها وهو ما بعد النعت من فعل مفرغ ظاهر او مقدر مثال الظاهر رب رجل كريم عرفت ومثال المقدر رب رجل لقيته اي عرفت وكذا قولك رب رجل رأيت ورب رجل كريم رأيته واما التاء فللقسم في مقام التعجب ولا يظهر معداها ولا يجرّ بها الا اسم الله الّا ما حكاه الاخفش من قول بعضهم ترب الكعبة والواو كالتاء في لزوم اضمار معداها

بعّض وبيّن وابتدئ في الأمكنه

بمن وقد تأتي لبدء الأزمنه

وزيد في نفي وشبهه فجر

نكرة كما لباغ من مفر

تجىء من للتبعيض نحو قوله تعالى. (وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ آمَنَّا بِاللهِ.) ولبيان الجنس نحو قوله تعالى. (فَاجْتَنِبُوا الرِّجْسَ مِنَ الْأَوْثانِ.) ولابتداء الغاية في المكان نحو قوله تعالى. (مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى.) وقد تجيء لابتداء الغاية في الزمان نحو قوله تعالى. (لَمَسْجِدٌ أُسِّسَ عَلَى التَّقْوى مِنْ أَوَّلِ يَوْمٍ.) وقول الشاعر يصف سيوفا

تخيرن من أزمان يوم حليمة

الى اليوم قد جرّبن كل التجارب

ومذهب البصريين ان من حقيقة في ابتداء الغاية في المكان وان استعملت في ابتداء الغاية في الزمان فمجاز ولذلك تسمعهم يقولون في مثل قوله تعالى. (لَمَسْجِدٌ أُسِّسَ عَلَى التَّقْوى مِنْ أَوَّلِ يَوْمٍ.) تقديره من تأسيس اول يوم وتجئ من للتعليل نحو قوله تعالى. (مِنْ أَجْلِ ذلِكَ كَتَبْنا عَلى بَنِي إِسْرائِيلَ) وقول الشاعر

يغضي حياء ويغضى من مهابته

فما يكلم الّا حين يبتسم

وتجيء زائدة جارة لنكرة بعد نفي نحو ما لباغ من مفر وقوله تعالى. (وَما مِنْ إِلهٍ إِلَّا اللهُ.) او نهي او استفهام نحو قوله تعالى. (هَلْ مِنْ خالِقٍ غَيْرُ اللهِ.) ويروى عن الاخفش جواز زيادتها في الايجاب وانشد الشيخ مستشهدا له قول الشاعر

وكنت أرى كالموت من بين ساعة

فكيف ببين كان موعده الحشر

١٤١

وقول الآخر

يظل به الحرباء يمثل قائما

ويكثر فيه من حنين الاباعر

ولا حجة فيهما لإمكان كون من في البيت الاول لابتداء الغاية والكاف قبلها اسم والمعنى وكنت ارى من بين ساعة حالا مثل الموت على حد قولهم رأيت منك اسدا وفي البيت الثاني لبيان الجنس وهي متعلقة بالاستقرار في موضع نصب على الحال من فاعل يكثر وهو ضمير ما دل عليه العطف على يظل به الحرباء يمثل قائما كأنه قيل ويكثر فيه شيء آخر من حنين الاباعر

للانتها حتّى ولام وإلى

ومن وباء يفهمان بدلا

واللّام للملك وشبهه وفي

تعدية أيضا وتعليل قفي

وزيد والظّرفيّة استبن ببا

وفي وقد يبيّنان السّببا

بالبا استعن وعدّ عوّض ألصق

ومثل مع ومن وعن بها انطق

دلالة حتى والى على انتهاء الغاية كثيرة بخلاف اللام الّا ان الى امكن في ذلك من حتى تقول سرت الى نصف الليل وسار زيد الى الصباح ولا يجرّ بحتى الّا آخر او متصل بآخر كقوله تعالى. (سَلامٌ هِيَ حَتَّى مَطْلَعِ الْفَجْرِ.) واما اللام فمثال مجيئها للانتهاء قوله تعالى. (سُقْناهُ لِبَلَدٍ مَيِّتٍ.) وقوله تعالى. (يَجْرِي لِأَجَلٍ مُسَمًّى.) وقوله ومن وباء يفهمان بدلا مثال دلالة من على البدل قوله تعالى. (وَلَوْ نَشاءُ لَجَعَلْنا مِنْكُمْ مَلائِكَةً.) وقول الراجز

جارية لم تاكل المرققا

ولم تذق من البقول الفستقا

اي بدل البقول ومثال دلالة الباء على البدل قوله صلى‌الله‌عليه‌وسلم. لا يسرّني بها حمر النعم. وقول الشاعر

فليت لي بهم قوما اذا ركبوا

شنوا الاغارة فرسانا وركبانا

قوله واللام للملك الى وزيد بيان لما عدا الانتهاء من معاني اللام فتكون للملك نحو المال لزيد ولشبه الملك نحو الباب للدار والسرج للفرس وللتعدية نحو قوله تعالى.

(فَهَبْ لِي مِنْ لَدُنْكَ وَلِيًّا.) وقلت له افعل وللتعليل نحو جئت لاكرامك ومنه قول الشاعر

١٤٢

وإني لتعروني لذكراك هزة

كما انتفض العصفور بلّله القطر

وتزاد مقوية لعامل ضعف بالتأخير او بكونه فرعا على غيره فالاول نحو قوله تعالى.

(إِنْ كُنْتُمْ لِلرُّءْيا تَعْبُرُونَ.) وقوله تعالى. (هُدىً وَرَحْمَةٌ لِلَّذِينَ هُمْ لِرَبِّهِمْ يَرْهَبُونَ.) والثاني نحو قوله تعالى. (مُصَدِّقاً لِما مَعَهُمْ.) وقوله تعالى. (فَعَّالٌ لِما يُرِيدُ.) وقوله والظرفية استبن ببا الى آخره بيان لمعاني الباء وفي اما الباء فتكون للظرفية نحو قوله تعالى. (وَإِنَّكُمْ لَتَمُرُّونَ عَلَيْهِمْ مُصْبِحِينَ وَبِاللَّيْلِ.) وللسببية نحو قوله تعالى. (فَبِظُلْمٍ مِنَ الَّذِينَ هادُوا حَرَّمْنا عَلَيْهِمْ طَيِّباتٍ أُحِلَّتْ لَهُمْ.) وللاستعانة نحو كتبت بالقلم وذبحت بالسكين وللتعدية نحو قوله تعالى. (وَلَوْ شاءَ اللهُ لَذَهَبَ بِسَمْعِهِمْ وَأَبْصارِهِمْ.) وللالصاق نحو مررت بزيد وللمصاحبة نحو بعتك الدار باثاثها ومنه قوله تعالى. (وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ.) وبمعنى من التي للتبعيض كقول الشاعر

فلثمت فاها آخذا بقرونها

شرب النزيف ببرد ماء الحشرج

ذكر ذلك ابو علي الفارسي في التذكرة وحكي مثل ذلك عن الاصمعي في قول الشاعر شربن بماء البحر ثم ترفعت

وبمعنى عن نحو قوله تعالى. (وَيَوْمَ تَشَقَّقُ السَّماءُ بِالْغَمامِ.) وقوله تعالى. (سَأَلَ سائِلٌ بِعَذابٍ واقِعٍ.) واما في فتكون للظرفية الحقيقية نحو المال في الكيس والمجازية نحو نظرت في العلم وللسببية كقوله عليه الصلاة والسّلام. ان امرأة دخلت النار في هرة.

على للاستعلا ومعنى في وعن

بعن تجاوزا عنى من قد فطن

وقد تجي موضع بعد وعلى

كما على موضع عن قد جعلا

على للاستعلاء حسا نحو ركبت على الفرس او معنى نحو تكبر عليه وقد تكون بمعنى في الظرفية نحو قوله تعالى. (وَاتَّبَعُوا ما تَتْلُوا الشَّياطِينُ عَلى مُلْكِ سُلَيْمانَ.) وقوله تعالى.

(وَدَخَلَ الْمَدِينَةَ عَلى حِينِ غَفْلَةٍ مِنْ أَهْلِها.) وبمعنى عن كقول الشاعر

اذا رضيت عليّ بنوا قشير

لعمر الله اعجبني رضاها

واما عن فللتجاوز نحو اعرض عنه واخذ عنه وقد تكون بمعنى بعد نحو قوله تعالى.

(لَتَرْكَبُنَّ طَبَقاً عَنْ طَبَقٍ.) وقول الاعشى

لئن منيت بنا عن غبّ معركة

لا تلفنا عن دماء القوم ننتفل

وبمعنى على كقول الشاعر

١٤٣

لاه ابن عمك لا افضلت في حسب

عني ولا انت دياني فتخزوني

شبّه بكاف وبها التّعليل قد

يعنى وزائدا لتوكيد ورد

واستعمل اسما وكذا عن وعلى

من أجل ذا عليهما من دخلا

كون الكاف الجارة حرف تشبيه هو المشهور وكونها للتعليل كثير ومنه قوله تعالى.

(وَاذْكُرُوهُ كَما هَداكُمْ.) وحكى سيبويه كما انه لا يعلم فتجاوز الله عنه والتقدير لانه لا يعلم فتجاوز الله عنه وتزاد الكاف كقوله تعالى. (لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ.) وقول رؤبة

لواحق الاقراب فيها كالمقق اي فيها مقق وهو الطول وتخرج عن الحرفية الى الاسمية فتكون فاعلة كقوله

أتنتهون ولن ينهى ذوي شطط

كالطعن يذهب فيه الزيت والفتل

ومبتداء كقول الشاعر

أبدا كالفراء فوق ذراها

حين يطوي المسامع الصرّار

ومجرورة بحرف كقول الآخر

بيض ثلاث كنعاج جم

يضحكن عن كالبرد المنهم

وقول الآخر

بكاللقوة الشغواء جلت فلم اكن

لأولع الّا بالكميّ المقنع

وكذلك عن وعلى يخرجان عن الحرفية الى الاسمية فيجرّان بمن لا غير قال الشاعر

فقلت للركب لما ان علا بهم

من عن يمين الحبيا نظرة قبل

ألمحة من سنا برق رأى بصري

ام وجه عالية اختالت بها الكلل

وقول الآخر

غدت من عليه بعد ما تم ظمؤها

تصل وعن قيض ببيداء مجهل

ومذ ومنذ اسمان حيث رفعا

أو أوليا الفعل كجئت مذ دعا

وإن يجرّا في مضيّ فكمن

هما وفي الحضور معنى في استبن

مذ ومنذ يرفع اسم الزمان بعدهما ويجر فاذا رفع فهما اسمان مبتدآن بمعنى اول المدة ان كان الزمان ماضيا نحو ما رأيته مذ يوم الجمعة وبمعنى جميع المدة ان كان الزمان حاضرا نحو ما رأيته مذ شهرنا واذا جرّ الزمان بعدهما فهما حرفا جرّ بمعنى من مع الماضي

١٤٤

وبمعنى في مع الحاضر كما تقدم وتليهما الافعال فيحكم بظرفيتهما واضافتهما الى الجمل قال سيبويه في باب ما يضاف الى الافعال من الاسماء ومما يضاف الى الفعل قولك ما رأيته مذ كان عندي ومنذ جاءني فصرح باضافة مذ الى كان ومنذ الى جاءني ومثله قول الفرزدق

ما زال مذ عقدت يداه ازاره

فسما فأدرك خمسة الاشبار

يدني كتائب من كتائب تلتقي

في ظل معترك العجاج مثار

وقد يضافان الى جملة اسمية كقول الآخر

وما زلت محمولا عليّ ضغينة

ومضطلع الاضغان مذانا يافع

والحاصل ان مذ ومنذ لا يخرجان عن ان يكونا حرفي جرّ بمعنى من او في او اسمين بمعنى اول المدة او جميعها مرفوعين بالابتداء او منصوبين على الظرفية

وبعد من وعن وباء زيد ما

فلم يعق عن عمل قد علما

وزيد بعد ربّ والكاف فكف

وقد تليهما وجرّ لم يكف

تدخل ما الزائدة على من وعن والباء فلا تكفهنّ عن العمل مثال ذلك قوله تعالى.

(مِمَّا خَطِيئاتِهِمْ أُغْرِقُوا.) وقوله تعالى. (عَمَّا قَلِيلٍ لَيُصْبِحُنَّ نادِمِينَ.) وقوله تعالى. (فَبِما رَحْمَةٍ مِنَ اللهِ لِنْتَ لَهُمْ.) وتدخل ايضا على رب والكاف فتكفهما عن العمل غالبا فيدخلان حينئذ على الجمل قال الله تعالى. (رُبَما يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْ كانُوا مُسْلِمِينَ.) وقال الشاعر

ربما الجامل المؤبل فيهم

وعناجيج بينهنّ المهار

ونحوه في الكاف قول الآخر

أخ ماجد لم يخزني يوم مشهد

كما سيف عمرو لم تخنه مضاربه

وقد تدخل ما على رب والكاف فلا تكفهما قال الشاعر

ماويّ يا ربّتما غارة

شعواء كاللذعة بالميسم

وقول الآخر

وننصر مولانا ونعلم انه

كما الناس مجروم عليه وجارم

وحذفت ربّ فجرّت بعد بل

والفا وبعد الواو شاع ذا العمل

١٤٥

وقد يجرّ بسوى ربّ لدى

حذف وبعضه يرى مطّردا

يجوز حذف رب وابقاء عملها وذلك بعد بل والفاء قليل وبعد الواو كثير ودونهن نادر فمن حذفها بعد بل قول رؤبة

بل بلد ملء الفجاج قتمه

لا يشترى كتانه وجهرمه

ومن حذفها بعد الفاء قول الآخر

فمثلك حبلى قد طرقت ومرضع

فألهيتها عن ذي تمائم مغيل

ومن حذفها بعد الواو قوله

وليل كموج البحر ارخى سدوله

عليّ بانواع الهموم ليبتلي

واما حذفها دون بل والفاء والواو فكما ندر من قول الآخر

رسم دار وقفت في طلله

كدت اقضي الحياة من جلله

وقد يعامل غير رب معاملتها فيحذف ويبقى جره وذلك على ضربين مقصور على السماع ومطرد في القياس فمن الاول حذف على في قول رؤبة وقد قيل له كيف اصبحت خير والحمد لله وحذف الى فيما انشده الجوهري

وكريمة من آل قيس ألفته

حتى تبذخ فارتقى الاعلام

ومن الثاني حذف من بعد كم الاستفهامية مجرورة بحرف نحو بكم درهم اشتريت ثوبك بجر درهم بمن مضمرة هذا مذهب سيبويه والخليل وذهب الزجاج الى ان الجرّ بالاضافة وهو ضعيف لان كم الاستفهامية بمنزلة عدد ينصب مميزه وذلك لا يحرّ مميزه بالاضافة فكذا ما هو بمنزلته ومنه ايضا حذف حرف الجرّ لتقدم ذكره في نحو قولهم في الدار زيد والحجرة عمرو تقديره في الدار زيد وفي الحجرة عمرو لئلا يلزم العطف على عاملين وحكى سيبويه مررت برجل صالح الّا صالحا فطالح والّا صالحا فطالحا وقدره ان لا يكن صالحا فهو طالح وان لا يكن صالحا يكن طالحا وحكى يونس الّا صالح فطالح على تقدير ان لا امرّ بصالح فقد مررت بطالح واجاز امرر بايهم هو افضل ان زيد وان عمرو وجعل سيبويه اضمار هذه الباء بعد ان اسهل من اضمار رب بعد الواو فعلم من ذلك ان اضماره غير قبيح

(الإضافة)

نونا تلي الإعراب أو تنوينا

ممّا تضيف احذف كطور سينا

١٤٦

والثّاني اجرر وانو من أو في إذا

لم يصلح الّا ذاك واللّام خذا

لما سوى ذينك واخصص أوّلا

أو أعطه التّعريف بالّذي تلا

اذا اريد اضافة اسم الى اسم آخر حذف ما في المضاف من تنوين ظاهر كقولك في ثوب هذا ثوب زيد او مقدر كقولك في دراهم هذه دراهمك او نون تلي علامة الاعراب كقولك في ثوبين وبنين اعطيت ثوبيك بنيك ويجر المضاف اليه بالمضاف لتضمنه معنى من التي لبيان الجنس او اللام التي للملك او الاختصاص بطريق الحقيقة او المجاز فان كان المضاف بعض ما اضيف اليه وصالحا لحمله عليه كما في خاتم فضة وثوب خزّ وباب ساج وخمسة دراهم فالاضافة بمعنى من وان لم يكن كذلك كما في غلام زيد ولجام الفرس وبعض القوم ورأس الشاة ويوم الخميس ومكر الليل فالاضافة بمعنى اللام ومن العلماء من ذهب الى ان الاضافة كما تكون بمعنى من واللام تكون بمعنى في ممثلا بقوله تعالى. (لِلَّذِينَ يُؤْلُونَ مِنْ نِسائِهِمْ تَرَبُّصُ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ.) وقوله تعالى. (فَصِيامُ ثَلاثَةِ أَيَّامٍ.) وقوله تعالى. (يا صاحِبَيِ السِّجْنِ.) وقوله تعالى. (بَلْ مَكْرُ اللَّيْلِ وَالنَّهارِ.) ونحو قول حسان رضي‌الله‌عنه

تسائل عن قرم هجان سميذع

لدى البأس مغوار الصباح جسور

واختار الشيخ رحمه‌الله هذا المذهب فلذلك قال والثاني اجرر وانو من او في اذا لم يصلح الّا ذاك واللام خذا لما سوى ذينك يعني ان الاضافة على ثلاثة انواع والضابط فيها ان الاضافة ان تعين تقديرها بمن لكون المضاف اليه اسما للجنس الذي منه المضاف فهى بمعنى من او تقديرها بفي لكون المضاف اليه ظرفا وقع فيه المضاف فهي بمعنى في وان لم يتعين تقديرها باحدهما فهي بمعنى اللام والذي عليه سيبويه واكثر المحققين ان الاضافة لا تعد وأن تكون بمعنى اللام او بمعنى من وموهم الاضافة بمعنى في محمول على انها فيه بمعنى اللام على المجاز ويدل على ذلك امور احدها ان دعوى كون الاضافة بمعنى في يستلزم دعوى كثرة الاشتراك في معناها وهو على خلاف الاصل فيجب اجتنابها الثاني ان كل ما ادعي فيه ان اضافته بمعنى في حقيقة يصح فيه ان يكون بمعنى اللام مجازا فيجب حمله عليه لوجهين احدهما ان المصير الى المجاز خير من المصير الى الاشتراك والثاني ان الاضافة لمجاز الملك والاختصاص ثابتة بالاتفاق كما في قوله

اذا كوكب الخرقاء لاح بسحرة

سهيل اذا عت غزلها في القرائب

١٤٧

وقول الآخر

اذا قال قدني قال بالله حلفة

لتغني عني ذا أنائك اجمعا

والاضافة بمعنى في مختلف فيها والحمل على المتفق عليه اولى من الحمل على المختلف فيه الثالث ان الاضافة في نحو. (بَلْ مَكْرُ اللَّيْلِ.) اما بمعنى اللام على جعل الظرف مفعولا به على سعة الكلام واما بمعنى في على بقاء الظرفية لكن الاتفاق على جواز جعل الظرف مفعولا به على السعة كما في صيد عليه يومان وولد له ستون عاما والاختلاف في جواز جعل الاضافة بمعنى في يرجح الحمل على الاول دون الثاني. واعلم ان الاضافة على ضربين لفظية ومعنوية فان كان المضاف وصفا يعمل فيما اضيف اليه عمل الفعل كما في حسن الوجه وضارب زيد فاضافته لفظية وان كان غير ذلك فاضافته معنوية تورثه تخصيصا ان كان المضاف اليه نكرة كغلام رجل وتعريفا ان كان المضاف اليه معرفة كغلام زيد ما لم يكن المضاف ملازما للابهام كغير ومثل اذا لم يرد بهما كمال المغايرة والمماثلة واما المضاف اضافة لفظية فلا يتخصص بالاضافة ولا يتعرف بل هو معها على ابهامه قبل لان المقصود منها اما مجرد تخفيف اللفظ بحذف التنوين او نون التثنية او الجمع على حدها كما في هو حسن وجه وهما حسنا وجه وهم ضاربوا زيد واما ذهاب قبح في الرفع والنصب على وجه التحقيق كما في الحسن الوجه او التشبيه كما في الضارب الرجل وستسمع في الكلام على اعمال الصفة المشبهة باسم الفاعل ما يوضح لك هذا وقد نبه على ان من الاضافة ما يفيد التخصيص او التعريف بقوله واخصص اولا او أعطه التعريف بالذي تلا بتنكير المفعول على معنى واخصص نوعا من المضاف او اعطه التعريف بحسب ما للمضاف اليه من التنكير او التعريف لا كل مضاف ثم بيّن ما لا يتخصص ولا يتعرف بالاضافة ليبقى ما عداه على حكم الاطلاق الاول وبين اسم كل من النوعين فقال

وإن يشابه المضاف يفعل

وصفا فعن تنكيره لا يعزل

كربّ راجينا عظيم الأمل

مروّع القلب قليل الحيل

وذي الإضافة اسمها لفظيّه

وتلك محضة ومعنويّه

الوصف الذي يشابه الفعل المضارع في العمل هو ما اريد به الحال او الاستقبال من اسم فاعل او اسم مفعول او صفة مشبهة باسم الفاعل كالذي اشتملت عليه امثلة البيت

١٤٨

الثاني والذي يدل على ان اضافة هذا الوصف في تقدير الانفصال وانها لا تفيد فائدة الاضافة المعنوية جواز دخول ربّ عليه كرب راجينا ومثله قول الشاعر

يا رب غابطنا لو كان يطلبكم

لاقى مباعدة منكم وحرمانا

ونعت النكرة به كقوله تعالى. (هَدْياً بالِغَ الْكَعْبَةِ.) ونصبه على الحال كقوله تعالى.

(وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يُجادِلُ فِي اللهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَلا هُدىً وَلا كِتابٍ مُنِيرٍ ثانِيَ عِطْفِهِ.) وانما سميت هذه الاضافة لفظية لان فائدتها ليست عائدة الّا الى اللفظ اما الى تخفيفه واما الى تحسينه وانما سميت الاضافة المخصصة محضة لانها خالصة من شائبة الانفصال ومعنوية لان فائدتها عائدة الى المعنى لانها تنقل المضاف من الابهام الى التخصيص او التعريف كما عرفت

ووصل أل بذا المضاف مغتفر

إن وصلت بالثّان كالجعد الشّعر

أو بالّذي له أضيف الثّاني

كزيد الضّارب رأس الجاني

وكونها في الوصف كاف إن وقع

مثنّى او جمعا سبيله اتّبع

يختص المضاف اضافة لفظية بجواز دخول الالف واللام عليه بشرط كونه اما مضافا الى ما فيه الالف واللام او الى مضاف الى ما فيه الالف واللام كالجعد الشعر والضارب رأس الجاني واما مثنى او مجموعا على حده كقولك الضاربا زيد والمكرموا عمرو والى ذا الاشارة بقوله وكونها في الوصف كاف ان وقع مثنى او جمعا سبيله اتبع اي وكون أل في الوصف المذكور كاف في اغتفاره وقوع الوصف مثنى او جمعا اتبع سبيل المثنى في سلامة لفظ واحده والاعراب بالحرف فكونها مبتدأ وان وقع مبتدأ ثان وكاف خبره والجملة خبر الاول ولو كان الوصف المعرّف بالالف واللام غير مثنى ولا مجموع على حده لم يضف الى ظاهر عار من الالف واللام الّا عند الفراء ولا الى ضمير الّا عند الرماني والمبرد في احد قوليه ولا خلاف في صحة اتصال الضمير بالصفة لكن سيبويه يحكم على موضعه بما يستحقه الظاهر الواقع موقعه والاخفش يحكم عليه بالنصب دخلت الالف واللام على الصفة او لم تدخل فضاربك والضاربك عنده سيان في استحقاق النصب وهما عند الرماني سيان في استحقاق الجرّ والاول عند سيبويه مضاف ومضاف اليه والثاني ناصب ومنصوب

١٤٩

وربّما أكسب ثان أوّلا

تأنيثا ان كان لحذف موهلا

الاشارة بهذا البيت الى انه اذا كان المضاف صالحا للحذف والاستغناء عنه بالمضاف اليه جاز ان يعطى المضاف ما للمضاف اليه من تأنيث او تذكير فمن الاول قول الشاعر

مشين كما اهتزت رماح تسفهت

أعاليها مرّ الرياح النواسم

فأنث فعل المرّ وهو مذكر لتأنيث الرياح وجاز ذلك لان الاسناد الى الرياح مغن عن ذكر المرّ ومثله قول الآخر

أتي الفواحش عندهم معروفة

ولديهم ترك الجميل جمال

ولو قيل في قام غلام هند قامت غلام هند لم يجز لان الغلام غير صالح للحذف والاستغناء بما بعده عنه ومن الثاني قول الآخر

رؤية الفكر ما يؤل له الام

ر معين على اجتناب التواني

اذ لم يقل معينة ويمكن ان يكون مثله قوله تعالى. (إِنَّ رَحْمَتَ اللهِ قَرِيبٌ مِنَ الْمُحْسِنِينَ.)

ولا يضاف اسم لما به اتّحد

معنى وأوّل موهما إذا ورد

لا يضاف الشيء الى نفسه لان المضاف اما مخصص او معرف بالمضاف اليه والشيء لا يتخصص ولا يتعرف بنفسه فلا يضاف مرادف الى مرادفه ولا موصوف الى صفته ولا صفة الى موصوفها وما اوهم شيئا من ذلك أوّل فموهم الاضافة الى المرادف يؤوّل باضافة المسمى الى الاسم فاذا قلت جاء سعيد كرز فكأنك قلت جاء مسمى هذا اللقب وكذا نحو يوم الخميس وذات اليمين وموهم اضافة الموصوف الى الصفة يؤوّل بحذف المضاف اليه واقامة صفته مقامه فاذا قلت حبة الحمقاء وصلاة الاولى ومسجد الجامع فكأنك قلت حبة البقلة الحمقاء وصلاة الساعة الاولى ومسجد اليوم او المكان الجامع وموهم اضافة الصفة الى الموصوف يؤول باضافة الشيء الى جنسه بعد حذف الموصوف واقامة الصفة مقامه فاذا قلت سحق عمامة وجرد قطيفة فكأنك قلت شيء سحق من عمامة وشيء جرد من قطيفة

وبعض الاسماء يضاف أبدا

وبعض ذا قد يأت لفظا مفردا

من الاسماء ما لازم الاضافة وهو نوعان احدهما ما لازم الاضافة لفظا ومعنى نحو قصارى

١٥٠

الشيء وحماداه اي غايته ونحو لدى وعند وسوى والآخر ما لازم الاضافة معنى وقد يفارقها لفظا واليه الاشارة بقوله وبعض ذا قد يأت لفظا مفردا اي وبعض ما لازم الاضافة قد يفرد عنها في اللفظ فتثبت له من جهة المعنى فحسب كما في كل وبعض واي من قوله تعالى. (وَإِنَّ كُلًّا لَمَّا لَيُوَفِّيَنَّهُمْ رَبُّكَ أَعْمالَهُمْ.) وقوله تعالى. (تِلْكَ الرُّسُلُ فَضَّلْنا بَعْضَهُمْ عَلى بَعْضٍ.) وقوله تعالى. (أَيًّا ما تَدْعُوا فَلَهُ الْأَسْماءُ الْحُسْنى.) ثم الاسماء الملازمة للاضافة ثلاثة انواع احدها ما لازم الاضافة الى المضمر والثاني ما يضاف الى الظاهر والمضمر والثالث ما لازم الاضافة الى الجمل اما النوع الاول فكما نبه عليه في قوله

وبعض ما يضاف حتما امتنع

إيلاؤه اسما ظاهرا حيث وقع

كوحد لبّي ودوالي سعدي

وشذّ إيلاء يدي للبّي

اي مما لازم الاضافة الى المضمر وحدك ولبيك بمعنى اقامة على اجابتك بعد اقامة ودواليك بمعنى ادالة لك بعد ادالة وسعديك بمعنى اسعادا لك بعد اسعاد وحنانيك بمعنى تحننا عليك بعد تحنن وهذا اذيك بمعنى اسراعا اليك بعد اسراع ولا يضاف شيء من هذه الاسماء الى ظاهر الّا فيما ندر من قول الشاعر

دعوت لما نابني مسورا

فلبيّ فلبي يدي مسور

انشده سيبويه لان يونس ذهب الى ان لبيك واخواته اسماء مفردة وانه في الاصل لبى على وزن فعلى فقلبت الفه ياء لاضافته الى المضمر تشبيها لها بالف الى وعلى ولدى فاستدل سيبويه بهذا البيت على ان لبيك مثنى اللفظ وليس مفردا لبقاء يائه مضافا الى الظاهر في قوله فلبي فلبي يدي مسور واما النوع الثاني فنحو قصارى وحمادى وعند ولدى واما النوع الثالث فكالذي في قوله

وألزموا إضافة إلى الجمل

حيث وإذ وإن ينوّن يحتمل

إفراد إذ وما كإذ معنى كإذ

أضف جوازا نحو حين جا نبذ

الزمت الاضافة الى الجمل على تأولها بالمصادر اسماء منها حيث وتضاف الى جملة اسمية نحو جلست حيث زيد جالس او فعلية نحو جلست حيث جلست وشذ اضافتها الى المفرد في نحو قول الراجز

ا ما ترى حيث سهيل طالعا

نجما مضيئا كالشهاب لامعا

١٥١

وقول الآخر

ونطعنهم تحت الحبا بعد ضربهم

ببيض المواضي حيث ليّ العمائم

ومنها اذ وتضاف الى جملة اسمية نحو كان ذلك اذ زيد امير او فعلية نحو كان ذلك اذ قام زيد ولا تفارقها الاضافة معنى ولا لفظا ايضا الّا اذا عوّض عن المضاف اليه بالتنوين كما في نحو قوله تعالى. (يَوْمَئِذٍ تُحَدِّثُ أَخْبارَها.) ومنها اذا وسيأتي ذكرها ولا تضاف الّا الى جملة فعلية نحو آتيك اذا طلعت الشمس اي وقت طلوع الشمس فان قلت ما الدليل على ان الجملة بعد اذا في موضع ما قدرت قلت الدليل على ذلك ان الجملة مخصصة لمعنى اذا من غير شبهة والجملة المخصصة بشهادة التأمل اما صفة واما صلة واما في تأويل المضاف اليه وهذه الجملة لا يجوز ان تكون صفة ولا صلة لعدم الرابط لها بالمخصص فتعين الثالث وقد اجازوا في غير اذ واذا من اسماء الزمان غير المحدودة ان تحمل عليهما في الاضافة الى الجمل وذلك نحو حين ووقت ويوم وساعة فما كان من هذه ونحوها ماضيا او منزلا منزلة الماضي فيجوز ان يحمل على اذ في الاضافة الى جملة اسمية او فعلية مثال الماضي قولك حين جاء الامير نبذ ومثله قول الشاعر

ندمت على ما فاتني يوم بنتم

فيا حسرتا أن لا يرين عويلي

ومثال المنزل منزلة الماضي قوله تعالى. (يَوْمَ هُمْ بارِزُونَ.) وما كان منها مستقبلا فيجوز ان يحمل على اذا في الاضافة الى جملة فعلية مستقبلة المعنى لا غير ولو كان اسم الزمان محدودا كشهر ونهار لم يجر هذا المجرى وقد اومأ الى هذا التفصيل بقوله وما كإذ معنى كإذ اضف جوازا اي وما كان مثل اذ في المضي والابهام فاضفه جوازا الى مثل ما تضاف اليه اذ من جملة اسمية او فعلية ويفهم منه ان ما كان مثل اذا في الاستقبال والابهام يجري مجراها في الاضافة الى جملة فعلية مستقبلة المعنى وان ما كان من اسماء الزمان محدودا غير مبهم لا يجوز ان يجري ذلك المجرى لعدم شبهه بما هو الاصل في الاضافة الى الجمل وهو اذ واذا

وابن أو أعرب ما كإذ قد أجريا

واختر بنا متلوّ فعل بنيا

وقبل فعل معرب أو مبتدا

أعرب ومن بنى فلن يفنّدا

وألزموا إذا إضافة إلى

جمل الافعال كهن إذا اعتلى

١٥٢

الاسماء التي تضاف الى الجمل منها ما يضاف اليها لزوما ومنها ما يضاف اليها جوازا فما يضاف الى الجملة لزوما وهو حيث واذ واذا فواجب بناؤه لشبهه بالحرف في لزوم الافتقار الى جملة وما يضاف الى الجملة جوازا كحين ووقت ويوم فالقياس بقاء اعرابه لان عروض شبه الحرف لا اثر له في الغالب والمسموع فيما وليه فعل ماض وجهان بناؤه مفردا على الفتح ومثنى على الالف وبقاء الاعراب والبناء اكثر ويروى قوله

على حين عاتبت المشيب على الصبا

وقلت ألّما أصح والشيب وازع

بالوجهين واما ما وليه فعل مضارع او جملة اسمية فعلى ما يقتضيه القياس من لزوم الاعراب واجاز فيه الكوفيون البناء وحملوا عليه قراءة نافع قوله تعالى. (هذا يَوْمُ يَنْفَعُ الصَّادِقِينَ صِدْقُهُمْ.) بالفتح توفيقا بينها وبين قراءة الرفع ومال الى تجويز مذهبهم ابو علي الفارسي وتبعه شيخنا فلذلك قال بعد ما اشار الى ما عليه البصريون من وجوب الاعراب بقوله وقبل فعل معرب او مبتدا اعرب ثم قال ومن بنى فلن يفندا اي لن يغلط فعرض باختيار مذهب الكوفيين ولما فرغ من حديث البناء للاضافة الى الجمل تمم الكلام على ما لازم الاضافة الى الجمل الفعلية فقال والزموا اذا اضافة الى جمل الافعال فعرف انها تلازم الاضافة الى الجمل الفعلية دون الاسمية واعلم ان اذا اسم زمان مستقبل مضمن معنى الشرط غالبا ولا تفارقه الظرفية ولا يضاف عند سيبويه الّا الى جملة فعلية وقد يليها الاسم مرتفعا بفعل مضمر على شريطة التفسير كقوله تعالى. (إِذَا السَّماءُ انْشَقَّتْ.) واجاز الاخفش في نحو هذا ان يرتفع بالابتداء وفي امتناع مجيء الاسم بعدها مخبرا عنه بمفرد ما يردّ ما اجازه الاخفش فان قلت ما تقول في قول الشاعر

اذا باهلي تحته حنظلية

له ولد منها فذاك المذرع

قلت هو نادر وحمله على اضمار فعل تقديره اذا كان باهلي تحته حنظلية خير من جعله نقضا

لمفهم اثنين معرّف بلا

تفرّق أضيف كلتا وكلا

مما لازم الاضافة لفظا ومعنى كلا وكلتا ولا يضافان الّا الى معرف مثنى لفظا ومعنى كما في قولك جاءني كلا الرجلين وكلتا المرأتين او معنى دون لفظ كما في قولك كلانا فعلنا كذا وفي قول الشاعر

ان للخير وللشر مدى

وكلا ذلك وجه وقبل

ولا يجوز اضافة كلا وكلتا الى مفهم اثنين بتفريق وعطف فلا يقال رأيت كلا زيد

١٥٣

وعمرو وقوله

كلا اخي وخليلي واجدي عضدا

في النائبات والمام الملمات

من نوادر الضرورات

ولا تضف لمفرد معرّف

أيّا وإن كرّرتها فأضف

أو تنو الاجزا واخصصن بالمعرفه

موصولة أيّا وبالعكس الصّفة

وإن تكن شرطا أو استفهاما

فمطلقا كمّل بها الكلاما

مما لازم الاضافة معنى وقد يخلو عنها لفظا ايّ وهي اسم عام لجميع الاوصاف من نحو ضارب وعالم وناطق وطويل ولا تضاف الّا الى اسم ما هي له ولا يخلو اما ان يراد بها تعميم اوصاف بعض الاجناس او تعميم اوصاف بعض ما هو متشخص باحد طرق التعريف فان كان المراد بها تعميم اوصاف بعض الاجناس اضيفت الى منكر وطابقته في المعنى وكانت معه بمنزلة كل لصحة دلالة المنكر على العموم ولذلك جاز فيه ان يكون مفردا او مثنى او مجموعا بحسب ما يراد من العموم فيقال اي رجل جاءك واي رجلين جاآك واي رجال جاءوك على معنى اي واحد من الرجال واي اثنين من الرجال واي جماعة منهم وان كان المراد بأي تعميم اوصاف بعض ما هو متشخص باحد طرق التعريف اضيفت الى معرف وامتنع ان تطابقه في المعنى وكانت معه بمنزلة بعض لعدم صحة دلالة المعرّف على العموم ولذلك وجب كونه اما مثنى او مجموعا نحو اي الرجلين قام واي الرجال جاء واما مكررا مع اي ولا يأتي الّا في الشعر كقوله

ألا تسألون الناس أبي وأيكم

غداة التقينا كان خيرا واكرما

ولا يجوز ان تضاف ايّ الى معرّف مفرد الّا بتأويل وذلك لما بين عموم اي وخصوص المعرف من التضادّ فلم يمكن ان تضاف اليه على وجه التمييز به فلا يقال اي زيد ضربت الّا على حذف مضاف تقديره اي اجزاء زيد ضربت او اعضائه ضربت ولذلك يقال في الجواب يده او رأسه دون زيدا الطويل او القصير واي في اضافتها الى المعرفة او النكرة لزوما او جوازا بحسب معانيها فاذا كانت موصولة لزم ان تضاف الى معرفة نحو امرر بأي القوم هو افضل واذا كانت صفة نعتا لنكرة او حالا لمعرفة لزم ان تضاف الى نكرة نحو مررت برجل اي رجل وجاء زيد اي فارس واذا كانت شرطية او استفهامية جاز ان تضاف الى المعرفة والنكرة نحو اي رجل جاء

١٥٤

وايهم تضرب اضرب

وألزموا إضافة لدن فجر

ونصب غدوة بها عنهم ندر

ومع مع فيها قليل ونقل

فتح وكسر لسكون يتّصل

لدن اسم لاول الغاية زمانا او مكانا ولا يستعمل الا ظرفا او مجرورا بمن وهو الغالب فيه ويلزم الاضافة الى ما يفسره سوى غدوة فله معها حالان الاضافة نحو لقيته لدن غدوة والافراد ونصب غدوة على التمييز نحو لدن غدوة وهو مبني للزوم الظرفية وعدم تصرفه تصرف غيره من الظروف بوقوعه خبرا وحالا ونعتا وصلة واعربه قيس وبلغتهم قرأ ابو بكر عن عاصم قوله تعالى. (لِيُنْذِرَ بَأْساً شَدِيداً مِنْ لَدُنْهُ.) واما مع فاسم لموضع الاجتماع ملازم للظرفية والاضافة وقد تفرد مردودة اللام بمعنى جميع كقول الشاعر

حننت الى ريّا ونفسك باعدت

مزارك من ريّا وشعبا كما معا

وقد تجرّ بمن نحو ما حكاه سيبويه من قولهم ذهبت من معه وقد تبنى على السكون قال سيبويه وقال الشاعر

فريشي منكم وهوايّ معكم

وان كانت زيارتكم لماما

فجعلها كهل حين اضطر وزعم بعض النحويين انها حرف اذ سكنت عينها وليس بصحيح

واضمم بناء غيرا ان عدمت ما

له أضيف ناويا ما عدما

قبل كغير بعد حسب أوّل

ودون والجهات أيضا وعل

وأعربوا نصبا إذا ما نكرا

قبلا وما من بعده قد ذكرا

من الاسماء ما يقطع عن الاضافة لفظا وينوى معنى فيبنى على الضم وذلك غير وقبل وبعد تقول عندي رجل لا غير ولله الامر من قبل ومن بعد فتبنيها على الضم لما قطعتها عن الاضافة ونويت معنى المضاف اليه دون لفظه ولو صرحت بما تضاف اليه اعربت وكذا لو نويت لفظ المضاف اليه كقول الشاعر

ومن قبل نادى كل مولى قرابة

فما عطفت مولى عليه العواطف

هكذا رواه الثقات بالخفض كأنه قال ومن قبل ذلك وقد لا ينوى بقبل وبعد الاضافة فيعربان منكرين وعليه قراءة بعضهم قوله تعالى. (لِلَّهِ الْأَمْرُ مِنْ قَبْلُ وَمِنْ بَعْدُ.) وقول

١٥٥

الشاعر

فساغ ليّ الشراب وكنت قبلا

اكاد اغصّ بالماء الحميم

وقول الآخر

ونحن قتلنا الاسد اسد خفية

فما شربوا بعدا على لذة خمرا

ومثل قبل وبعد في جميع ما ذكر حسب واول ودون واسماء الجهات نحو يمين وشمال ووراء وامام وتحت وفوق وعل فما كان من هذه الاسماء ونحوها مصرّحا باضافته او منويا معه لفظ المضاف اليه او غير منوي الاضافة فهو معرب وما كان منها مقطوعا عن الاضافة لفظا والمضاف اليه منوي معنى فهو مبني على الضم حكى ابو علي ابدا بذا من اول بالضم على البناء وبالفتح على الاعراب ومنع الصرف للوصفية الاصلية ووزن الفعل وبالخفض على نية ثبوت المضاف اليه والسبب في ان بنيت هذه الاسماء اذا نوي معنى ما يضاف اليه دون لفظه واعربت فيما سوى ذلك هو ان لها شبها بالحرف لتوغلها في الابهام فاذا انضم الى ذلك تضمن معنى الاضافة ومخالفة النظائر بتعريفها بمعنى ما هي مقطوعة عنه فيكمل بذلك شبه الحرف فاستحقت البناء وبنيت على الضم لانه اقوى الاحوال تنبيها على عروض سبب البناء واذا لم ينو بالاسماء المذكورة الاضافة او صرّح بما تضاف اليه او نوي معها لفظه حتى صار كالمنطوق به لم يكمل فيها شبه الحرف فبقيت على مقتضى الاصل في الاسماء فأعربت اذ الاصل في الاسماء الاعراب

وما يلي المضاف يأتي خلفا

عنه في الاعراب إذا ما حذفا

وربّما جرّوا الّذي أبقوا كما

قد كان قبل حذف ما تقدّما

لكن بشرط أن يكون ما حذف

مماثلا لما عليه قد عطف

كثيرا ما يحذف المضاف لدلالة قرينة عليه ويقام المضاف اليه مقامه في الاعراب كقوله تعالى. (وَأُشْرِبُوا فِي قُلُوبِهِمُ الْعِجْلَ.) اي حب العجل وقوله تعالى. (وَجاءَ رَبُّكَ.)

اي امر ربك وقد يضاف الى مضاف فيحذف الاول والثاني ويقام الثالث مقام الاول في الاعراب كقوله تعالى. (فَقَبَضْتُ قَبْضَةً مِنْ أَثَرِ الرَّسُولِ.) اي من اثر حافر فرس الرسول وقوله تعالى. (تَدُورُ أَعْيُنُهُمْ كَالَّذِي يُغْشى عَلَيْهِ مِنَ الْمَوْتِ.) اي كدور عين الذي يغشى عليه من الموت وكقول كلحبة اليربوعي

فادرك ارقال العرادة ظلعها

وقد جعلتني من حزيمة اصبعا

١٥٦

اراد قدر مسافة اصبع وقد يحذف المضاف ويبقى المضاف اليه مجرورا بشرط ان يكون المحذوف معطوفا على مثله لفظا ومعنى كقول الشاعر

أكلّ امرئ تحسبين امرءا

ونار توقّد بالليل نارا

ونحوه قراءة ابن جماز قوله تعالى. (تُرِيدُونَ عَرَضَ الدُّنْيا وَاللهُ يُرِيدُ الْآخِرَةَ.) فحذف المضاف لدلالة ما قبله عليه وابقى المضاف اليه مجرورا كأن المضاف منطوق به

ويحذف الثّاني فيبقى الأوّل

كحاله إذا به يتّصل

بشرط عطف وإضافة إلى

مثل الّذي له أضفت الأوّلا

قد يحذف المضاف اليه مقدرا وجوده فيترك المضاف على ما كان عليه قبل الحذف واكثر ما يكون ذلك مع عطف مضاف الى مثل المحذوف كقول بعضهم قطع الله يد ورجل من قالها وكقول الشاعر

الّا علالة او بدا

هة سابح نهد الجزاره

وقد يفعل مثل هذا دون عطف كما تقدم من قول الشاعر

ومن قبل نادى كل مولى قرابة

وكما حكاه الكسائي من قول بعضهم افوق تنام ام اسفل بالنصب على تقدير افوق هذا تنام ام اسفل منه وقراءة بعض القراء قوله تعالى. (فَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ.) اي فلا خوف شيء عليهم

فصل مضاف شبه فعل ما نصب

مفعولا او ظرفا أجز ولم يعب

فصل يمين واضطّرارا وجدا

بأجنبيّ أو بنعث أو ندا

مذهب كثير من النحويين انه لا يجوز الفصل بين المضاف والمضاف اليه بشيء الّا في الشعر وذهب شيخنا الى انه يجوز في السعة الفصل بينهما في ثلاث صور الاول فصل المصدر المضاف الى الفاعل بما تعلق بالمصدر من مفعول به او ظرف كقراءة ابن عامر قوله تعالى. (وَكَذلِكَ زَيَّنَ لِكَثِيرٍ مِنَ الْمُشْرِكِينَ قَتْلَ أَوْلادِهِمْ شُرَكاؤُهُمْ.) وحسن مثل هذا الفصل لان مفعول المصدر غير اجنبي منه فالفصل به كلا فصل ولأنّ الفاعل كالجزء من عامله فلا يضر فصله لان رتبته منبهة عليه ومثل قراءة ابن عامر ما انشده الازهري من قول ابي جندل الطهوي في صفة جراد

١٥٧

يفركن حب السنبل الكنافج

بالقاع فرك القطن المحالج

وما انشده ابو عبيدة

وحلق الماذيّ والقوانس

فداسهم دوس الحصاد الدائس

وقول الطرماح

يطفن بحوزيّ المراتع لم ترع

بواديه من قرع القسيّ الكنائن

وقول الآخر

عتوا اذ أجبناهم الى السلم رأفة

فسقناهم سوق البغاث الاجادل

ومن يلغ اعقاب الامور فانه

جدير بهلك آجل او معاجل

وقول الاخوص

لئن كان النكاح احلّ شيء

فان نكاحها مطر حرام

وهذا ليس بضرورة اذ يمكنه ان يقول فان نكاحها مطر ومثله انشاد الاخفش

فزججتها بمزجة

زج القلوص ابي مزاده

الصورة الثانية فصل اسم الفاعل المضاف الى مفعوله الاول بمفعوله الثاني كقول الشاعر

ما زال يوقن من يؤمّك بالغنى

وسواك مانع فضله المحتاج

ويدل على ان مثل هذا غير مخصوص بالضرورة قراءة بعضهم قوله تعالى. (فَلا تَحْسَبَنَّ اللهَ مُخْلِفَ وَعْدِهِ رُسُلَهُ.) الصورة الثالثة فصل المضاف عما اضيف اليه بالقسم نحو ما حكاه الكسائي من قولهم هذا غلام والله زيد وما حكاه ابو عبيدة من قولهم ان الشاة لتجتر فتسمع صوت والله ربها والى جواز الفصل في الصورتين الاوليين الاشارة بقوله فصل مضاف شبه فعل ما نصب مفعولا او ظرفا اجز اي اجز فصل مضاف شبه فعل عما اضيف اليه بما نصبه المضاف من مفعول به او ظرف فدخل تحت مضاف شبه فعل المصدر المضاف الى الفاعل واسم الفاعل المضاف الى المفعول والى جواز الفصل في الصورة الثالثة الاشارة بقوله ولم يعب فصل يمين والفصل في هذا الباب بغير ما ذكر مخصوص بالضرورة وقد نبه على ذلك بقوله واضطرارا وجدا باجنبي او بنعت او ندا مثال الفصل بالاجنبي من المضاف قول الشاعر

كما خطّ الكتاب بكف يوما

يهوديّ يقارب او يزيل

وقول الآخر

هما اخوا في الحرب من لا أخا له

اذا خاف يوما نبوة فدعاهما

١٥٨

وقول الآخر

تسقي امتياحا ندى المسواك ريقتها

كما تضمن ماء المزنة الرصف

اراد تسقى امتياحا ندى ريقتها المسواك وقول الآخر

أنجب ايام والداه به

اذ نجلاه فنعم ما نجلا

اراد انجب والده به ايام اذ ولداه ومثال الفصل بالنعت قول معاوية

نجوت وقد بل المراديّ سيفه

من ابن ابي شيخ الاباطح طالب

اراد من ابن ابي طالب شيخ الاباطح فوصف المضاف قبل ذكر المضاف اليه ومثال الفصل بالنداء قول الراجز

كأن برذون ابا عصام

زيد حمار دقّ باللجام

اراد كأن برذون زيد يا ابا عصام حمار

(المضاف الى ياء المتكلم)

آخر ما أضيف لليا اكسر إذا

لم يك معتلّا كرام وقذى

أو يك كابنين وزيدين فذي

جميعها اليا بعد فتحها احتذي

وتدغم اليا فيه والواو وإن

ما قبل واو ضمّ فاكسره يهن

وألفا سلّم وفي المقصور عن

هذيل انقلابها ياء حسن

يجب كسر آخر المضاف الى ياء المتكلم الّا ان يكون مقصورا او منقوصا او مثنى او مجموعا على حدّه فيقال في نحو غلام وصاحب غلامي وصاحبي وفي نحو ظبي وصنو وصبي وعدوّ ظبي وصنوي وصبي وعدوي فيكسر ما قبل الياء اتباعا فيتعذر حينئذ ظهور الاعراب ويجب الالتجاء الى التقدير كما في المقصور والمحكي والمتبع في قراءة من قرأ قوله تعالى. (الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ. وَإِذْ قُلْنا لِلْمَلائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ.) وذهب الجرجاني وابن الخشاب الى ان المضاف الى ياء المتكلم مبني وهو ضعيف لانتفاء السبب المقتضي للبناء لا يقال سبب بنائه اضافته الى غير متمكن لانه مردود ببقاء اعراب المضاف الى الكاف والهاء وباعراب المثنى المضاف الى الياء واما المقصور والمنقوص والمثنى والمجموع على حده فاذا اضيف شيء منها الى ياء المتكلم وجب فتح الياء وان يدغم فيها ما وليته الّا الالف فانها لا تدغم ولا يدغم فيها والياء تدغم ولا يغير ما قبلها

١٥٩

من كسرة او فتحة فيقال في نحو قاض ومسلمين ومسلمين هذا قاضي ورأيت مسلمي ومسلمي والواو تبدل ياء ليصح الادغام وتقلب الضمة قبلها كسرة ليخف المثال فيقال في هولاء مسلمون وبنون هولاء مسلميّ وبنيّ والاصل مسلموي وبنوي فادغمت الواوان في اليائين بعد الابدال وجعلت مكان الضمة قبلها كسرة واما الالف فتبقى ساكنة والياء بعدها مفتوحة ولا فرق بين الالف المقصورة وغيرها في لغة غير هذيل فيقال في نحو عصا ومسلمان عصاي ومسلماي وبنوا هذيل يقلبون الالف المقصورة ياء دون الف التثنية فيقولون في نحو فتى وعصا وحبلى فتيّ وعصيّ وحبليّ قال شاعرهم

سبقوا هويّ واعنقوا لهواهم

فتخرموا ولكل جنب مصرع

ويجوز في ياء المتكلم مضافة الى غير الاربعة المستثنيات وجهان الفتح والاسكان والفتح هو الاصل والاسكان تخفيف

(اعمال المصدر)

بفعله المصدر ألحق في العمل

مضافا او مجرّدا أو مع أل

إن كان فعل مع أن أو ما يحل

محلّه ولاسم مصدر عمل

اعلم ان اسم المعنى الصادر عن الفاعل كالضرب او القائم بذاته كالعلم ينقسم الى مصدر واسم المصدر فان كان اوله ميم مزيدة لغير مفاعلة كالمضرب والمحمدة او كان لغير ثلاثي بوزن الثلاثي كالوضوء والغسل فهو اسم المصدر والّا فهو المصدر واذ قد عرفت هذا فاعلم ان المصدر يصح فيه ان يعمل عمل فعله فيرفع الفاعل وينصب المفعول بشرط ان يقصد به قصد فعله من الحدوث والنسبة الى مخبر عنه وعلامة ذلك صحة تقديره بالفعل مع الحرف المصدري فيقدر بان والفعل ان كان ماضيا او مستقبلا وبما والفعل ان كان حالا لان فعل الحال لا يدخل عليه ان ولو لم يصح تقدير المصدر بالفعل مع الحرف المصدري لم يسغ عمله ومن ثم كان نحو قولهم مررت بزيد فاذا له صوت صوت حمار النصب فيه باضمار فعل لا بصوت المذكور لانه لا يصح تقدير ان يصوت مكانه فلو قلت مررت فاذا له ان يصوت لم يحسن لان ان يصوت فيه معنى التجدد والحدوث وانت لا تريد انه جدد الصوت في حال المرور وانما تريد انك مررت فوجدت الصوت بتلك الصفة واذا كان في المصدر شرط العمل فاكثر ما يعمل مضافا كقولك اعجبني ضرب زيد عمرا او منونا كقوله تعالى. (أَوْ إِطْعامٌ

١٦٠