شرح ألفيّة ابن مالك

ابن ناظم

شرح ألفيّة ابن مالك

المؤلف:

ابن ناظم


الموضوع : اللغة والبلاغة
المطبعة: مطبعة القديس جاورجيوس
الطبعة: ٠
الصفحات: ٣٥٥

لا بد من حذفه ان استغني عنه كما في نحو ضربت وضربني زيد وان لم يستغن عنه بان كان احد المفعولين في باب ظن فان لم يمنع من اضماره مانع جيء به مؤخّرا ليؤمن حذف ما لا يجوز حذفه وتقديم ضمير منصوب على مفسر لا تقدم له بوجه مثاله مفعولا اولا ظننت منطلقة وظنتني منطلقا هند اياها فاياها مفعول اول لظننت ولا يجوز تقديمه عند الجميع ولا حذفه عند البصريين اما عند الكوفيين فيجوز حذفه لانه مدلول عليه بفاعل الفعل الثاني ومثاله مفعولا ثانيا ظنني وظننت زيدا عالما اياه فاياه مفعول ثان لظنني وهو كالمفعول الاول في امتناع تقديمه وحذفه وقد يتوهم من قول الشيخ رحمه‌الله. بل حذفه الزم ان يكن غير خبر واخرنه ان يكن هو الخبر. انّ ضمير المتنازع فيه اذا كان مفعولا في باب ظنّ يجب حذفه ان كان المفعول الاول وتأخيره ان كان المفعول الثاني وليس الامر كذلك بل لا فرق بين المفعولين في امتناع الحذف ولزوم التأخير ولو قال بدله. واحذفه ان لم يك مفعول حسب وان يكن ذاك فأخره نصب. لخلص من ذلك التوهم وان منع من اضمار المفعول في باب ظن مانع تعين الاظهار وذلك اذا كان خبرا عما يخالف المفسر بافراد او تذكير او بغيرهما كقولك على اعمال الثاني ظناني عالما وظننت الزيدين عالمين فان الزيدين وعالمين مفعولا ظننت وعالما ثاني مفعولي ظناني وجيء به مظهرا لانه لو اضمر فاما ان يجعل مطابقا للمفسر وهو ثاني مفعولي ظننت واما ان يجعل مطابقا لما اخبر به عنه وهو الياء من ظناني وكلاهما عند البصريين غير جائز اما الاول فلأن فيه اخبارا بمثنى عن مفرد واما الثاني فلأنّ فيه اعادة ضمير مفرد على مثنى واجاز فيه الكوفيون الاضمار مراعى به جانب المخبر عنه فيقولون ظناني وظننت الزيدين عالمين اياه واجازوا ايضا ظناني وظننت الزيدين عالمين بالحذف وتقول على اعمال الاول ظننت وظنتني منطلقا هندا منطلقة فهندا منطلقة مفعولا ظننت ومنطلقا ثاني مفعولي ظنتني وجيء به مظهرا لانه لو اضمر فاما ان يذكر فيخالف مفسره واما ان يؤنث فيخالف المخبر به عنه وكل ذلك ممتنع عند البصريين ومثل هذا المثال قوله اظن ويظناني اخا زيدا وعمرا اخوين في الرخا فاعرفه

(المفعول المطلق)

ألمصدر اسم ما سوى الزّمان من

مدلولي الفعل كأمن من أمن

١٠١

بمثله أو فعل او وصف نصب

وكونه أصلا لهذين انتخب

المفعولات خمسة اضرب مفعول به وقد تقدم ذكره ومفعول مطلق ومفعول له ومفعول فيه ومفعول معه وهذا اول الكلام على هذه الاربعة فالمفعول المطلق ما ليس خبرا من مصدر مفيد توكيد عامله او بيان نوعه او عدده فما ليس خبرا مخرج لنحو المصدر المبين للنوع في قولك ضربك ضرب أليم ومن مصدر مخرج لنحو الحال المؤكدة من قوله تعالى. (وَلَّى مُدْبِراً.) ومفيد توكيد عامله او بيان نوعه او عدده مخرج لنحو المصدر المؤكد في قولك امرك سير سير شديد وللمسوق مع عامله لغير المعاني الثلاثة نحو عرفت قيامك ومدخل لانواع المفعول المطلق ما كان منها منصوبا لانه فضلة نحو ضربت ضربا او ضربا شديدا او ضربتين او مرفوعا لانه نائب عن الفاعل نحو غضب غضب شديد والمراد بالمصدر اسم المعنى المنسوب الى الفاعل او النائب عنه كالامن والضرب والنخوة فانها اسماء المعاني المنسوبة في قولك أمن زيد وضرب عمرو ونخيت علينا وهذا المعنى هو المقصود بقوله ما سوى الزمان من مدلولي الفعل فان الفعل وضع للدلالة على الحدث والزمان فقط فما سوى الزمان المعبر عنه بالحدث هو اسم المعنى المنسوب الى الفاعل او النائب عنه فاسمه هو المصدر قوله بمثله او فعل او وصف نصب بيان لان المصدر ينتصب مفعولا مطلقا اذا عمل فيه مصدر مثله نحو (سيرك السير الحثيث متعب) او فعل من لفظه نحو قمت قياما وقعدت قعودا او صفة كذلك نحو زيد قائم قياما او قاعد قعودا فان قلت لم سمّي هذا النوع مفعولا مطلقا قلت لان حمل المفعول عليه لا يحوج الى صلة لانه مفعول الفاعل حقيقة بخلاف سائر المفعولات فانها ليست بمفعول الفاعل وتسمية كل منها مفعولا انما هو باعتبار الصاق الفعل به او وقوعه فيه او لاجله او معه فلذلك احتاجت في حمل المفعول عليها الى التقييد بحرف الجرّ ولما خصت هذه بالتقييد خص ذلك بالاطلاق قوله وكونه اصلا لهذين انتخب بيان لان المصدر اصل للفعل وللوصف في الاشتقاق وذهب الكوفيون الى ان الفعل اصل للمصدر وهو باطل لان الفرع لا بد فيه من معنى الاصل وزيادة ولا شك ان الفعل يدل على المصدر والزمان ففيه معنى المصدر وزيادة فهو فرع والمصدر اصل لانه دال على بعض ما يدل عليه الفعل وبنفس ما يثبت به فرعية الفعل يثبت فرعية الصفات من اسماء الفاعلين واسماء المفعولين وغيرهما فان ضاربا مثلا يتصمن المصدر وزيادة الدلالة على ذات الفاعل للضرب ومضروبا يتضمن

١٠٢

المصدر وزيادة الدلالة على ذات الموقع به الضرب فهما مشتقان من الضرب وكذا سائر الصفات

توكيدا او نوعا يبين أو عدد

كسرت سيرتين سير ذي رشد

الحامل على ذكر المفعول المطلق مع عامله اما افادة التوكيد نحو قمت قياما واما بيان النوع نحو سرت سير ذي رشد وقعدت قعودا طويلا واما بيان العدد نحو سرت سيرة وسيرتين وضربت ضربة وضربتين وضربات لا يخرج المفعول المطلق عن ان يكون لشيء من هذه المعاني الثلاثة

وقد ينوب عنه ما عليه دل

كجدّ كلّ الجدّ وافرح الجذل

يقام مقام المفعول المطلق ما دل على معناه من صفته او ضميره او مشار به اليه او مرادف له او ملاق له في الاشتقاق او دال على نوع منه أو عدد او كل او بعض او آلة فالاول نحو سرت احسن السير وضربته ضرب الامير اللص وأدبته اي تأديب واشتمل الصماء التقدير سرت سيرا احسن السير وضربته ضربا مثل ضرب الامير اللص وادبته تأديبا اي تأديب واشتمل الشملة الصماء والثاني نحو عبد الله اظنه جالسا اي اظنّ ظني ومنه قوله تعالى. (لا أُعَذِّبُهُ أَحَداً مِنَ الْعالَمِينَ.) والثالث نحو ضربته ذلك الضرب والرابع نحو افرح الجذل ومنه قول الراجز

يعجبه السخون والبرود

والتمر حبا ما له مزيد

والخامس كقوله تعالى. (وَاللهُ أَنْبَتَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ نَباتاً.) وقوله تعالى. (وَتَبَتَّلْ إِلَيْهِ تَبْتِيلاً.)

والسادس نحو قعد القرفصاء ورجع القهقرى والسابع نحو ضربته عشر ضربات والثامن نحو جد كل الجد وضربته كل الضرب والتاسع نحو ضربته بعض الضرب والعاشر نحو ضربته سوطا اصله ضربته ضربا بسوط ثم توسع في الكلام فحذف المصدر واقيمت الآلة مقامه واعطيت ما له من اعراب وافراد او تثنية او جمع تقول ضربته سوطين واسواطا والاصل ضربتين بسوط وضربات بسوط وعلى هذا يجري جميع ما اقيم مقام المصدر وانتصب انتصابه

وما لتوكيد فوحّد أبدا

وثنّ واجمع غيره وأفردا

ما جيء به من المصادر لمجرد التوكيد فهو بمنزلة تكرير الفعل والفعل لا يثنى ولا يجمع

١٠٣

فكذلك ما هو بمنزلته واما ما جيء به لبيان النوع والعدد فصالح للافراد والتثنية والجمع بحسب ما يراد من البيان

وحذف عامل المؤكّد امتنع

وفي سواه لدليل متّسع

يجوز حذف عامل المصدر اذا دل عليه دليل كما يجوز حذف عامل المفعول به وغيره ولا فرق في ذلك بين ان يكون المصدر مؤكدا او مبينا والذي ذكره الشيخ رحمه‌الله في هذا الكتاب وفي غيره ان المصدر المؤكد لا يجوز حذف عامله قال في شرح الكافية لان المصدر المؤكد يقصد به تقوية عامله وتقرير معناه وحذفه مناف لذلك فلم يجز فان اراد ان المصدر المؤكد يقصد به تقوية عامله وتقرير معناه دائما فلا شك ان حذفه مناف لذلك القصد ولكنه ممنوع ولا دليل عليه وان اراد ان المصدر المؤكد قد يقصد به التقوية والتقرير وقد يقصد به مجرد التقرير فمسلم ولكن لا نسلم ان الحذف مناف لذلك القصد لانه اذا جاز ان يقرر معنى العامل المذكور بتوكيده بالمصدر فلأن يجوز ان يقرر معنى العامل المحذوف لدلالة قرينة عليه احق واولى ولو لم يكن معنا ما يدفع هذا القياس لكان في دفعه بالسماع كفاية فانهم يحذفون عامل المؤكد حذفا جائزا اذا كان خبرا عن اسم عين في غير تكرير ولا حصر نحو انت سيرا وميرا وحذفا واجبا في مواضع يأتي ذكرها نحو سقيا ورعيا وحمدا وشكرا لا كفرا فمنع مثل هذا اما السهو عن وروده واما للبناء على ان المسوغ لحذف العامل منه نية التخصيص وهو دعوى على خلاف الاصل ولا يقتضيها فحوى الكلام ولم يخالف احد في جواز حذف عامل المصدر المبين للنوع او العدد فلذلك قال وفي سواه لدليل متسع ومن امثلته قولك لمن قال ما ضربت زيدا بلى ضربتين ولمن قال ما تجدّ في الامر بلى جدا كثيرا ولمن قال اي سير سرت سيرا سريعا ولمن تأهب للحج حجا مبرورا ولمن قدم من سفر قدوما مباركا ثم ان حذف عامل المصدر على ضربين جائز وواجب فالجائز كما في الامثلة المذكورة والواجب اذا كان المصدر بدلا من اللفظ بالفعل كما قال

والحذف حتم مع آت بدلا

من فعله كندلا اللّذ كاندلا

وما لتفصيل كإمّا منّا

عامله يحذف حيث عنّا

١٠٤

كذا مكرّر وذو حصر ورد

نائب فعل لاسم عين استند

المصدر الآتي بدلا من اللفظ بفعله نوعان الاول ما له فعل فيجوز وقوعه موقع المصدر ولا يجوز ان يجمع بينهما وهذا النوع على ضربين طلب وخبر اما الطلب فما يرد دعاء او امرا او نهيا او استفهاما لقصد التوبيخ اما الدعاء فكقولهم سقيا ورعيا وجدعا وبعدا واما الامر والنهي فكقولهم قياما لا قعودا اي قم لا تقعد ومنه قوله تعالى. (فَضَرْبَ الرِّقابِ.) اي فاضربوا الرقاب ومنه قول الشاعر

يمرّون بالدهنا خفافا عيابهم

ويخرجن من دارين بجر الحقائب

على حين الهى الناس جلّ امورهم

فندلا زريق المال ندل الثعالب

واليه اشار بقوله كندلا اللذ كاندلا يقال ندل الشيء اذا اختطفه واما الاستفهام لقصد التوبيخ فكقولك للمتواني اتوانيا وقد جدّ قرناؤك ومثله قول الشاعر

أعبدا حلّ في شعبي غريبا

ألؤما لا أبا لك واغترابا

اي اتلؤم وتغترب واما الخبر فما دلّ على عامله قرينة وكثر استعماله او جاء مفصلا لعاقبة ما تقدمه او نائبا عن خبر اسم عين بتكرير او حصر او مؤكد جملة او مسوقا للتشبيه بعد جملة مشتملة عليه اما ما كثر استعماله فكقولهم عند تذكر نعمة اللهمّ حمدا وشكرا لا كفرا وعند تذكر شدة صبرا لا جزعا وعند ظهور ما يعجب منه عجبا وعند خطاب مرضي عنه افعل ذلك وكرامة ومسرة وعند خطاب مغضوب عليه لا افعل ذلك ولا كيدا ولا هما ولأفعلنّ ذلك ورغما وهوانا واما المفصل لعاقبة ما تقدمه فكقوله تعالى. (فَشُدُّوا الْوَثاقَ فَإِمَّا مَنًّا بَعْدُ وَإِمَّا فِداءً.) اي فاما تمنون واما تفدون واما النائب عن خبر اسم عين بتكرير او حصر فكقولهم انت سيرا سيرا وانما انت سيرا فلو لم يكن مكررا ولا محصورا كان حذف الفعل جائزا لا واجبا واما المؤكد جملة فعلى قسمين كما قال

ومنه ما يدعونه مؤكّدا

لنفسه أو غيره فالمبتدا

نحو له عليّ ألف عرفا

والثّان كابني أنت حقا صرفا

المؤكد نفسه هو الآتي بعد جملة هي نص في معناه نحو له عليّ الف عرفا اي اعترافا ويسمى موكدا نفسه لانه بمنزلة اعادة ما قبله فكأنّ الذي قبله نفسه والمؤكد غيره وهو الآتي بعد جملة صائرة به نصا نحو انت ابني حقا ويسمى مؤكد غيره لانه يجعل ما قبله نصا

١٠٥

بعد ان كان محتملا فهو مؤثر والمؤكد به متأثر والمؤثر والمتأثر غيران واما المسوق للتشبيه بعد جملة مشتملة عليه فكما اشار اليه بقوله

كذاك ذو التّشبيه بعد جمله

كلي بكا بكاء ذات عضله

تقول مررت برجل فاذا له صوت صوت حمار تنصب صوت حمار بفعل مضمر لا يجوز اظهاره تقديره يصوت صوت حمار ولا يجوز ان تنصبه بصوت المبتدأ لانه غير مقصود به الحدوث ومن شرط اعمال المصدر ان يكون مقصودا به قصد فعله من افادة معنى الحدوث والتجدد ومثل ذلك له صراخ صراخ الثكلى وله بكاء بكاء ذات عضلة النوع الثاني من المصدر الآتي بدلا من اللفظ بفعله ما لا فعل له اصلا كبله اذا استعمل مضافا نحو بله الاكف فانه حينئذ منصوب نصب ضرب الرقاب والعامل فيه فعل من معناه وهو اترك لان بله الشيء بمعنى ترك الشيء فنصب بفعل من معناه لما لم يكن له فعل من لفظه على حد النصب في نحو قعدت جلوسا وشنئته بغضا واحببته مقة ويجوز ان ينصب ما بعد بله فيكون اسم فعل بمعنى اترك ومثل بله المضاف ويحه وويسه وويبه وويله وهو قليل فلذلك لم يتعرض في هذا المختصر لذكره

(المفعول له)

ينصب مفعولا له المصدر إن

أبان تعليلا كجد شكرا ودن

وهو بما يعمل فيه متّحد

وفتا وفاعلا وإن شرط فقد

فاجرره بالحرف وليس يمتنع

مع الشّروط كلزهد ذا قنع

ينصب المفعول له وهو المصدر المذكور علة لحدث شاركه في الزمان والفاعل نحو جئت رغبة فيك فرغبة مفعول له لانه مصدر معلل به المجيء وزمانهما وفاعلهما واحد ومثله جد شكرا ودن شكرا وما ذكر علة ولم يستوف الشروط فلا بد من جرّه بلام التعليل او ما يقوم مقامها وذلك ما كان غير مصدر نحو جئت للعشب وللماء او مصدرا مخالفا للمعلل في الزمان نحو تأهبت امس للسفر اليوم او في الفاعل نحو جئت لأمرك اياي واحسنت اليك لاحسانك اليّ والذي يقوم مقام اللام هو من وفي كقوله تعالى. (كُلَّما أَرادُوا أَنْ يَخْرُجُوا مِنْها مِنْ غَمٍّ.) وكقوله صلى‌الله‌عليه‌وسلم. دخلت امرأة النار في هرّة ربطتها فلم تطعمها ولم تدعها تاكل من خشاش الارض حتى ماتت.

١٠٦

ولا يمتنع ان يجرّ بالحرف المستوفي لشروط النصب بل هو في جواز ذلك فيه على ثلاث مراتب راجح النصب وراجح الجرّ ومستو فيه الامران وقد اشار اليها بقوله

وقلّ أن يصحبها المجرّد

والعكس في مصحوب أل وأنشدوا

لا أقعد الجبن عن الهيجاء

ولو توالت زمر الأعداء

المفعول له اما مجرد من الالف واللام والاضافة واما معرف بالالف واللام واما مضاف فمبين ان المجرد الاكثر فيه النصب نحو ضربته تأديبا ويجوز ان يجرّ فيقال ضربته لتأديب وبيّن ايضا ان المعرف بالالف واللام الاكثر فيه الجرّ نحو جئتك للطمع في برّك وقد ينصب فيقال جئتك الطمع في برك وذكر شاهده وسكت عن المضاف فلم يعزه الى راجح النصب ولا الى راجح الجرّ فعلم انه يستوي فيه الأمران نحو فعلته مخافة الشرّ ولمخافة الشرّ

(المفعول فيه ويسمى ظرفا)

ألظّرف وقت أو مكان ضمّنا

في باطّراد كهنا امكث أزمنا

فانصبه بالواقع فيه مظهرا

كان وإلّا فانوه مقدّرا

الظرف هو كل اسم زمان او مكان مضمن معنى في لكونه مذكورا لواقع فيه من فعل او شبهه كقولك امكث هنا ازمنا فهنا وازمنا ظرفان لان هنا اسم مكان وازمنا اسم زمان وهما مضمنان معنى في لانهما مذكوران لواقع فيهما وهو المكث وقوله باطراد احترز به من نحو البيت والدار في قولهم دخلت البيت وسكنت الدار مما انتصب بالواقع فيه وهو اسم مكان مختص فانه ينتصب نصب المفعول به على السعة في الكلام لا نصب الظرف لان الظرف غير المشتق من اسم الحدث يتعدى اليه كل فعل والبيت والدار لا يتعدى اليهما كل فعل فلا يقال نمت البيت ولا قرأت الدار كما يقال نمت أمامك وقرأت عند زيد فعلم ان النصب في دخلت البيت وسكنت الدار على التوسع واجراء الفعل اللازم مجرى المتعدي واذا كان ذلك كذلك فلا حاجة الى الاحتراز عنه بقيد الاطراد لانه يخرج بقولنا متضمن معنى في لان المنصوب على سعة الكلام منصوب بوقوع الفعل عليه لا بوقوعه فيه فليس متضمنا معنى في فيحتاج الى اخراجه من حد الظرف بقيد الاطراد قوله فانصبه بالواقع فيه مظهرا البيت معناه ان الذي يستحقه

١٠٧

الظرف من الاعراب هو النصب وان الناصب له هو الواقع فيه من فعل او شبهه اما ظاهرا نحو جلست امام زيد وصمت يوم الجمعة وزيد جالس امامك وصائم يوم الجمعة واما مضمر جوازا كقولك لمن قال كم سرت فرسخين ولمن قال ما غبت عن زيد بلى يومين ووجوبا فيما وقع خبرا او صفة او حالا او صلة نحو زيد عندك ومررت بطائر فوق غصن ورأيت الهلال بين السحاب وعرفت الذي معك وفي غير ذلك ايضا كقولهم حينئذ والآن اي كان ذلك حينئذ واسمع الآن به

وكلّ وقت قابل ذاك وما

يقبله المكان إلّا مبهما

نحو الجهات والمقادير وما

صيغ من الفعل كمرمى من رمى

وشرط كون ذا مقيسا أن يقع

ظرفا لما في أصله معه اجتمع

اسماء الزمان كلها صالحة للظرفية لا فرق في ذلك بين المبهم منها نحو حين ومدة وبين المختص نحو يوم الخميس وساعة كذا تقول انتظرته حينا من الدهر وغبت عنه مدة ولقيته يوم الخميس وأتيته ساعة الجمعة واما اسماء المكان فالصالح منها للظرفية نوعان الاول اسم المكان المبهم وهو ما افتقر الى غيره في بيان صورة مسماه كاسماء الجهات نحو امام ووراء ويمين وشمال وفوق وتحت وشبهها في الشياع كجانب وناحية ومكان وكأسماء المقادير نحو ميل وفرسخ وبريد والثاني ما اشتق من اسم الحدث الذي اشتق منه العامل كمذهب ومرمى من قولك ذهبت مذهب زيد ورميت مرمى عمر وفلو كان مشتقا من غير ما اشتق منه العامل كما في نحو ذهبت في مرمى عمرو ورميت في مذهب زيد لم يجز في القياس ان يجعل ظرفا وان استعمل شيء منه ظرفا عدّ شاذا كقولهم هو مني مقعد القابلة وعمرو مزجر الكلب وعبد الله مناط الثريا فلو اعمل في المقعد قعد وفي المزجز زجر وفي المناط ناط لم يكن في ذلك شذوذ ولا مخالفة للقياس واما غير المشتق من اسم الحدث من اسماء المكان المختصة نحو الدار والمسجد والطريق والوادي والجبل فلا يصلح للظرفية اصلا فان قلت لم استأثرت اسماء الزمان بصلاحية المبهم منها والمختص للظرفية عن اسماء المكان قلت لان اصل العوامل الفعل ودلالته على الزمان اقوى من دلالته على المكان لانه يدل على الزمان بصيغته وبالالتزام ويدل على المكان بالالتزام فقط فلما كانت دلالة الفعل على الزمان قوية تعدى الى المبهم من

١٠٨

اسمائه والمختص ولما كانت دلالة الفعل على المكان ضعيفة لم يتعدّ الى كل اسمائه بل تعدى الى المبهم منها لان في الفعل دلالة عليه بالجملة والى المختص الذي اشتق من اسم ما اشتق منه العامل لقوة الدلالة عليه حينئذ

وما يرى ظرفا وغير ظرف

فذاك ذو تصرّف في العرف

وغير ذي التّصرّف الّذي لزم

ظرفيّة أو شبهها من الكلم

الظرف على ضربين متصرف وغير متصرف فالمتصرف ما يفارق الظرفية ويستعمل مخبرا عنه ومضافا اليه ومفعولا به ونحو ذلك كقولك اليوم مبارك وسرت نصف يوم وذكرت يوم جئتني وغير المتصرف ما لازم الظرفية او شبهها فمنه ما لا ينفك عن الظرفية اصلا كقط وعوض ومنه ما لا يخرج عن الظرفية الّا بدخول حرف الجرّ عليه نحو قبل وبعد ولدن وعند حال دخول من عليهنّ فيحكم عليه بانه غير متصرف لانه لم يخرج عن الظرفية الّا الى حال شبيهة بها لان الجار والمجرور والظرف سيان في التعليق بالاستقرار والوقوع خبرا وحالا ونعتا وصلة ثم الظرف المتصرف منه منصرف نحو يوم وشهر وحول ومنه غير منصرف نحو غدوة وبكرة مقصودا بهما تعريف الجنس او العهد والظرف غير المتصرف ايضا منه منصرف نحو ضحى وبكرة وسحير وليل ونهار وعشاء وعتمة ومساء غير مقصود بها التعريف ومنه غير منصرف نحو سحر المعرفة

وقد ينوب عن مكان مصدر

وذاك في ظرف الزّمان يكثر

ينوب المصدر عن الظرف من الزمان والمكان بان يكون الظرف مضافا الى المصدر فيحذف المضاف ويقوم المضاف اليه مقامه واكثر ما يفعل ذلك بظرف الزمان بشرط افهام تعيين وقت او مقدار نحو كان ذلك خفوق النجم وصلوة العصر وانتظرته نحر جزورين وسير عليه ترويحتين وقد يعامل هذه المعاملة ظرف المكان كقولهم جلست قرب زيد ورأيته وسط القوم اي مكان قرب زيد ومكان وسط القوم يقال وسط المكان والجماعة وسطا اذا صار في وسطهم وقد يجعل المصدر ظرفا دون تقدير مضاف كقولهم زيد هيئتك والجارية جلوتها اي زيد في هيئتك والجارية في جلوتها ومنه ذكاة الجنين ذكاة امه في رواية النصب تقديره ذكاة الجنين في ذكاة امه وهو الموافق لرواية الرفع المشهورة وقد يقام اسم عين مضاف اليه مصدر مضاف اليه

١٠٩

الزمان مقامه كقولهم لا افعل ذلك معزى الفزر ولا اكلم زيدا القارظين ولا آتيك هبيرة بن سعد التقدير لا افعل ذلك مدة فرقة معزى الفزر ولا اكلم زيدا مدة غيبة القارظين ولا آتيك مدة غيبة هبيرة بن سعد

(المفعول معه)

ينصب تالي الواو مفعولا معه

في نحو سيري والطّريق مسرعه

بما من الفعل وشبهه سبق

ذا النّصب لا بالواو في القول الأحق

ينصب المفعول معه وهو الاسم المذكور بعد واو بمعنى مع أي دالة على المصاحبة بلا تشريك في الحكم فاحترزت بقولي المذكور بعد واو من نحو خرجت مع زيد وبقولي بمعنى مع مما بعد واو غيرها كواو العطف وواو الحال فواو العطف كما في نحو اشترك زيد وعمرو وكل رجل وضيعته فالواو في هذين المثالين وان دلت على المصاحبة فهي واو العطف لانها شركت بين زيد وعمرو في الفاعلية وبين كل رجل وضيعته في التجرد للاسناد فما بعدها ليس مفعولا معه واما واو الحال فكما في نحو جاء زيد والشمس طالعة وسرت والنيل في زيادة فما بعد هذه الواو ايضا ليس مفعولا معه لانها واو الحال وهي في الاصل الواو التي يعطف بها جملة على جملة لجهة جامعة بينهما لا الواو التي بمعنى مع وقد شمل هذا التعريف لما كان من المفعول معه غير مشارك لما قبله في حكمه نحو سيري والطريق مسرعه ولما كان منه مشاركا لما قبله في حكمه ولكنه اعرض عن الدلالة على المشاركة وقصد الى مجرد الدلالة على المصاحبة نحو جئت وزيدا ثم ناصب المفعول معه ما تقدم عليه من فعل ظاهر او مقدر او من اسم يشبه الفعل مثال الفعل الظاهر استوى الماء والخشبة وجاء البرد والطيالسة ومثال الفعل المقدر كيف انت وقصعة من ثريد تقديره كيف تكون وقصعة ومثال الاسم المشبه للفعل حسبك وزيدا درهم اي كافيك وزيدا درهم ومثله قول الشاعر

فقدني واياهم فان الق بعضهم

يكونوا كتعجيل السنام المسرهد

وقول الآخر انشده ابو علي

لا تحبسنّك اثوابي فقد جمعت

هذا ردائي مطويا وسربالا

فجعل سربالا مفعولا معه وعامله مطويا واجاز ان يكون عامله هذا ولا خلاف في امتناع تقديم المفعول معه على عامله ولذلك قيد بالسبق في قوله بما من الفعل وشبهه

١١٠

سبق اما تقديم المفعول معه على مصحوبه فالجمهور على منعه واجازه ابو الفتح في الخصائص واستدل بقول الشاعر

جمعت وفحشا غيبة ونميمة

ثلاث خصال لست عنها بمرعوي

وبقول الآخر

أكنيه حين اناديه لا كرمه

ولا القبه والسؤة اللقبا

على رواية من نصب السؤة واللقب اراد ولا القبه اللقب والسؤة اي مع السؤة لان من اللقب ما يكون بغير سؤة كتلقيب الصدّيق رضي‌الله‌عنه عتيقا لعتافة وجهه فلهذا قال الشاعر ولا القبه اللقب مع السؤة اي ان لقبته لقبته بغير سؤة قال الشيخ رحمه‌الله ولا حجة لابن جني في البيتين لإمكان جعل الواو فيهما عاطفة قدمت هي ومعطوفها وذلك في البيت الاول ظاهر واما في الثاني فعلى ان يكون اصله ولا القبه اللقب وأسؤه السؤة ثم حذف ناصب السؤة كما حذف ناصب العيون من قوله (وزججن الحواجب والعيونا) ثم قدم العاطف ومعمول الفعل المحذوف وقوله لا بالواو في القول الاحق ردّ لما ذهب اليه عبد القاهر رحمه‌الله في جمله من ان الناصب للمفعول معه هو الواو واحتجوا عليه بانفصال الضمير بعدها نحو جلست واياك فلو كانت عاملة لوجب اتصال الضمير بها فقيل جلست وك كما يتصل بغيرها من الحروف العاملة نحو انك ولك فلما لم يقع الضمير بعد الواو الّا منفصلا علم انها غير عاملة وان النصب بعدها بما قبلها من الفعل او شبهه كما تقدم والله اعلم بالصواب

وبعد ما استفهام او كيف نصب

بفعل كون مضمر بعض العرب

من كلامهم كيف انت وقصعة من ثريد وما انت وزيد برفع ما بعد الواو على انها عاطفة على ما قبلها وبعضهم ينصب فيقول كيف انت وقصعة من ثريد وما انت وزيدا فيجعل الواو بمعنى مع وما قبلها مرفوع بفعل مضمر هو الناصب لما بعدها تقديره كيف تكون وقصعة وما تكون او ما تلابس وزيدا فلما حذف الفعل انفصل الضمير المستكن فيه فقيل كيف انت وقصعة وما انت وزيدا ومثله قول الشاعر

فما انت والسير في متلف

يبرّح بالذكر الضابط

ونظير اضمار ناصب المفعول معه بعد كيف وما اضماره بعد ازمان في قول الشاعر

ازمان قومي والجماعة كالذي

لزم الرحالة ان تميل مميلا

١١١

فنصب الجماعة مفعولا معه بكان مضمرة التقدير ازمان كان قومي والجماعة كذا قدره سيبويه

والعطف إن يمكن بلا ضعف أحق

والنّصب مختار لدى ضعف النّسق

والنّصب إن لم يجز العطف يجب

أو اعتقد إضمار عامل تصب

الاسم الواقع بعد واو مسبوقة بفعل او شبهه ضربان ضرب يصح كونه مفعولا معه وضرب لا يصح فيه ذلك اما الضرب الاول فما صح كونه فضلة وكون الواو معه للمصاحبة وهو على ثلاثة اقسام قسم يختار عطفه على نصبه مفعولا معه وقسم يختار نصبه مفعولا معه على عطفه وقسم يجب نصبه مفعولا معه اما ما يختار عطفه فما امكن فيه العطف بلا ضعف لا من جهة اللفظ ولا من جهة المعنى كقولك كنت انا وريد كالأخوين فالوجه رفع زيد بالعطف على الضمير المتصل لان العطف ممكن وخال عن الضعف من جهة اللفظ للفصل بين الضمير المتصل وبين المعطوف بالتوكيد ومن جهة المعنى ايضا لانه ليس في الجمع بين زيد والضمير في الاخبار عنهما بالجار والمجرور تكلف ويجوز نصبه نحو كنت انا وزيدا كالاخوين على الاعراض عن التشريك في الحكم والقصد الى مجرد المصاحبة واما ما يختار نصبه مفعولا معه فما كان في عطفه على ما قبله ضعف اما من جهة اللفظ نحو ذهبت وزيدا فرفع زيد بالعطف على فاعل ذهبت ضعيف لان العطف على ضمير الرفع المتصل لا يحسن ولا يقوى الّا مع الفصل ولا فصل هنا فالوجه النصب لان فيه سلامة من ارتكاب وجه ضعيف عنه مندوحة واما من جهة المعنى كقولهم لو تركت الناقة وفصيلها لرضعها فان العطف فيه ممكن على تقدير لو تركت الناقة ترأم فصيلها وتركت فصيلها لرضاعها لرضعها وهذا تكلف وتكثير عبارة فهو ضعيف والوجه النصب على معنى لو تركت الناقة مع فصيلها ومن ذلك قول الشاعر

اذا اعجبتك الدهر حال من أمرىء

فدعه وواكل امره واللياليا

فنصب الليالي باعتبار المعية راجح على نصبها باعتبار العطف لانه محوج الى تكلف واما ما يجب نصبه مفعولا معه فما لا يمكن عطفه على ما قبله من جهة اللفظ او من جهة المعنى فالاول كقولهم مالك وزيدا بنصب زيد على المفعول معه بما في لك من معنى الاستقرار ولا يجوز جره بالعطف على الكاف لانه لا يعطف على الضمير المجرور

١١٢

بدون اعادة الجار لما سنبينه في موضعه ان شاء الله تعالى ومثل ما لك وزيدا ما شأنك وعمرا بنصب عمرو على المفعول معه لما في المضاف من معنى الفعل ولا يجوز جره بالعطف على الكاف كما مرّ ولكن قد يجوز رفعه على المجاز وحذف المضاف واقامة المضاف اليه مقامه على معنى ما شأنك وشأن زيد والثاني كقولهم سرت والنيل وجلست والحائط مما لا يصح مشاركة ما بعد الواو منه لما قبلها في حكمه واما الضرب الثاني وهو ما لا يصح كونه مفعولا معه مما بعد الواو المذكورة فعلى قسمين قسم يشارك ما قبله في حكمه فيعطف عليه ولا يجوز نصبه باعتبار المعية اما لانه لا يصح كونه فضلة كما في نحو اشترك زيد وعمرو واما لانه لا مصاحبة كما في نحو جاء زيد وعمرو بعده وقسم لا يشارك ما قبله في حكمه ولا الواو معه للمصاحبة اما لانها مفقودة واما لان الاعلام بها غير مفيد فينصب بفعل مضمر يدل عليه سياق الكلام مثال الاول قول الشاعر

علفتها تبنا وماء باردا

حتى شتت همالة عيناها

فماء منصوب بفعل مضمر يدل عليه سياق الكلام تقديره وسقيتها ماء باردا ولا يجوز نصبه بالعطف لعدم المشاركة ولا باعتبار المعية لعدم المصاحبة ومثال الثاني قول الآخر

اذا ما الغانيات برزن يوما

وزحججن الحواجب والعيونا

وبالعيون نصب بفعل مضمر تقديره وزين العيون ولا يجوز نصبه بالعطف لعدم المشاركة ولا باعتبار المعية لعدم الفائدة في الاعلام بمصاحبة العهون للحواجب

(الاستثناء)

ما استثنت الّا مع تمام ينتصب

وبعد نفي او كنفي انتخب

إتباع ما اتّصل وانصب ما انقطع

وعن تميم فيه إبدال وقع

وغير نصب سابق في النّفي قد

يأتي ولكن نصبه اختر إن ورد

الاستثناء نوعان متصل ومنقطع فالاستثناء المتصل اخراج مذكور بالّا او ما في معناها من حكم شامل له ملفوظ به او مقدر فالاخراج جنس يشمل نوعي الاستثناء ويخرج الوصف بالّا كقوله عزوجل. (لَوْ كانَ فِيهِما آلِهَةٌ إِلَّا اللهُ لَفَسَدَتا.) وقلت اخراج

١١٣

مذكور ولم اقل اخراج اسم لأعمّ استثناء المفرد نحو قام القوم الّا زيدا واستثناء الجملة لتأوّلها بالمشتق نحو ما مررت باحد الّا زيد خير منه وقلت بالّا او ما في معناها ليخرج التخصيص بالوصف ونحوه ويدخل الاستثناء بغير وسوى وحاشا وخلا وعدا وليس ولا يكون وقلت من حكم شامل له ليخرج الاستثناء المنقطع وقلت ملفوظ به او مقدر ليتناول الحدّ الاستثناء التام والمفرغ فالاستثناء التام هو ان يكون المخرج منه مذكورا نحو قام القوم الّا زيدا وما رأيت احدا الّا عمرا والاستثناء المفرغ هو ان يكون المخرج منه مقدرا في قوة المنطوق به نحو ما قام الّا زيد التقدير ما قام احد الّا زيد واما الاستثناء المنقطع فهو الاخراج بالّا او غير او بيد لما دخل في حكم دلالة المفهوم فالاخراج جنس وقولي بالّا او غير او بيد مدخل لنحو ما فيها انسان الّا وتدا وما عندي احد غير فرس ولنحو قوله صلى‌الله‌عليه‌وسلم. انا افصح من نطق بالضاد بيد اني من قريش واسترضعت في بني سعد. ومخرج للاستدراك بلكن نحو قوله تعالى.

(ما كانَ مُحَمَّدٌ أَبا أَحَدٍ مِنْ رِجالِكُمْ وَلكِنْ رَسُولَ اللهِ.) فانه اخراج لما دخل في حكم دلالة المفهوم ولا يسمى في اصطلاح النحويين استثناء بل يختص باسم الاستدراك وقولي لما دخل تعميم لاستثناء المفرد والجملة كما سيأتي ان شاء الله وقولي في حكم دلالة المفهوم مخرج للاستثناء المتصل فانه اخراج لما دخل في حكم دلالة المنطوق والاستثناء المنقطع اكثر ما يأتي مستثناه مفردا وقد يأتي جملة فمن امثلة المستثنى المنقطع الآتي مفردا قوله عزوجل. (وَلا تَنْكِحُوا ما نَكَحَ آباؤُكُمْ مِنَ النِّساءِ إِلَّا ما قَدْ سَلَفَ.) فما قد سلف مستثنى منقطع مخرج مما افهمه ولا تنكحوا ما نكح آباؤكم من المؤاخذة على نكاح ما نكح الآباء كأنه قيل ولا تنكحوا ما نكح اباؤكم من النساء فالناكح ما نكح ابوه مؤاخذ بفعله الّا ما قد سلف ومنها قوله تعالى. (ما لَهُمْ بِهِ مِنْ عِلْمٍ إِلَّا اتِّباعَ الظَّنِّ.) فاتباع الظن مستثنى منقطع مخرج مما افهمه ما لهم به من علم من نفي الأعمّ من العلم والظن فان الظن يستحضر بذكر العلم لكثرة قيامه مقامه وكأنه قيل ما يأخذون بشيء الّا اتباع الظن ومنها قوله تعالى. (لا عاصِمَ الْيَوْمَ مِنْ أَمْرِ اللهِ إِلَّا مَنْ رَحِمَ.) على ارادة لا من يعصم من امر الله الّا من رحمه‌الله وهو اظهر الوجوه فمن رحم مستثنى منقطع مخرج مما افهمه لا عاصم من نفي المعصوم كأنه قيل لا عاصم اليوم من امر الله لاحد الّا من رحم الله او لا معصوم عاصم من امر الله الّا من رحم الله ومنها قوله تعالى. (إِنَّ عِبادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطانٌ إِلَّا مَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْغاوِينَ.) فان العباد الذين اضافهم الله سبحانه

١١٤

وتعالى اليه هم المخلصون الذين لا سلطان للشيطان عليهم فمن اتبعك غير مخرج منهم فليس بمستثنى متصل وانما هو مستثنى منقطع مخرج مما افهمه الكلام والمعنى والله اعلم ان عبادي ليس لك عليهم سلطان ولا على غيرهم الّا من اتبعك من الغاوين ومنها قوله تعالى. (لا يَذُوقُونَ فِيهَا الْمَوْتَ إِلَّا الْمَوْتَةَ الْأُولى.) فالموتة الاولى مستثنى منقطع مخرج مما افهمه لا يذوقون فيها الموت من نفي تصوره للمبالغة في نفي وقوعه كأنه قيل لا يذوقون فيها الموت ولا يخطر لهم ببال الّا الموتة الاولى ومنها قولهم له عليّ الف الّا الفين وان لفلان مالا الّا انه شقي وما زاد الّا ما نقص وما نفع الّا ما ضرّ وما في الارض اخبث منه الّا اياه وجاء الصالحون الّا الطالحين فالاستثناء في هذه الامثلة كلها على نحو ما تقدم فالاول على معنى له عليّ الف لا غير الّا الفين والثاني على معنى عدم فلان البؤس الّا انه شقي والثالث على معنى ما عرض له عارض الّا النقص والرابع على معنى ما افاد شيئا الّا الضرّ والخامس على معنى ما يليق خبثه باحد الّا اياه والسادس على معنى جاء الصالحون وغيرهم الّا الطالحين كأن السامع توهم مجيء غير الصالحين ولم يعبأ بهم المتكلم فأتى بالاستثناء رفعا لذلك التوهم ومن امثلة المستثنى المنقطع الآتي جملة قولهم لافعلنّ كذا وكذا الّا حلّ ذلك ان افعل كذا وكذا قال السيرافي الّا بمعنى لكن لان ما بعدها مخالف لما قبلها وذلك ان قوله والله لأفعلن كذا وكذا عقد يمين عقده على نفسه وحله ابطاله ونقضه كأنه قال عليّ فعل كذا معقودا لكن ابطال هذا العقد فعل كذا قال الشيخ رحمه‌الله وتقدير الاخراج في هذا ان يجعل قوله لأفعلنّ كذا بمنزلة لا ارى لهذا العقد مبطلا الّا فعل كذا وجعل ابن خروف من هذا القبيل قوله تعالى. (لَسْتَ عَلَيْهِمْ بِمُصَيْطِرٍ إِلَّا مَنْ تَوَلَّى وَكَفَرَ فَيُعَذِّبُهُ اللهُ الْعَذابَ الْأَكْبَرَ.) على ان تكون من مبتدأ ويعذبه الخبر ودخلت الفاء لتضمن المبتدأ معنى الجزاء وجعل الفراء من هذا قراءة من قرأ. فشربوا منه الا قليل منهم. على تقدير الّا قليل منهم لم يشرب ويمكن ان يكون من هذا قراءة ابن كثير وابي عمرو. (إِلَّا امْرَأَتَكَ إِنَّهُ مُصِيبُها ما أَصابَهُمْ.) وبهذا التوجيه يكون الاستثناء في النصب والرفع من نحو قوله تعالى. (فَأَسْرِ بِأَهْلِكَ.) وهو اولى من ان يستثنى المنصوب من اهلك والمرفوع من احد واذ قد عرفت هذا فاعلم ان الاسم المستثنى بالّا في غير تفريغ يصح نصبه على الاستثناء سواء كان متصلا او منقطعا والى هذا اشار بقوله. ما استثنت الّا مع تمام ينتصب.

والناصب لهذا المستثنى هو الّا لا ما قبلها بتعديتها ولا به مستقلا ولا بأستثني مضمرا

١١٥

خلافا لزاعمي ذلك ويدل على ان الناصب هو الّا انها حرف مختص بالاسماء غير منزل منها منزلة الجزء وما كان كذلك فهو عامل فيجب في الّا ان تكون عاملة ما لم تتوسط بين عامل مفرغ ومعمول فتلغى وجوبا ان كان التفريغ محققا نحو ما قام الّا زيد وجوازا ان كان مقدرا نحو ما قام احد الّا زيد فانه في تقدير ما قام الّا زيد لان احد مبدل منه والمبدل منه في حكم المطروح فان قيل لا نسلم ان الّا مختصة بالاسماء لان دخولها على الفعل ثابت كقولهم نشدتك الله الّا فعلت وما تأتيني الّا قلت خيرا وما تكلم زيد الا ضحك سلمنا انها مختصة لكن ما ذكرتموه معارض بان الّا لو كانت عاملة لاتّصل بها الضمير ولعملت الجرّ قياسا على نظائرها فالجواب ان الّا انما تدخل على الفعل اذا كان في تأويل الاسم فمعنى نشدتك الله الّا فعلت ما اسألك الّا فعلك ومعنى ما تأتيني الّا قلت خيرا وما تكلم زيد الّا ضحك ما تأتيني الّا قائلا خيرا وما تكلم زيد الّا ضاحكا ودخول الّا على الفعل المؤل بالاسم لا يقدح في اختصاصها بالاسماء كما لم يقدح في اختصاص الاضافة بالاسماء الاضافة الى الافعال لتأولها بالمصدر في نحو يوم قام زيد قوله ولو كانت الّا عاملة لاتّصل بها الضمير ولعملت الجر قلنا القياس في كل عامل اذا دخل على الضمير ان يتصل به ولكن منع من اتصال الضمير بالّا أن الانفصال ملتزم في التفريغ المحقق والمقدر فالتزم مع عدم التفريغ ليجري الباب على سنن واحد واما قولكم لو كانت الّا عاملة لعملت الجرّ فممنوع لان عمل الجرّ انما هو للحروف التي تضيف معاني الافعال الى الاسماء وتنسبها اليها والّا ليست كذلك فانها لا تنسب الى الاسم الذي بعدها شيئا بل تخرجه من النسبة فقط فلما خالفت الحروف الجارة لم تعمل عملها وعملت النصب وذهب السيرافي الى ان الناصب هو ما قبل الّا من فعل او غيره بتعدية الّا ويبطل هذا المذهب صحة تكرير الاستثناء نحو قبضت عشرة الّا اربعة الّا اثنين اذ لا فعل في المثال المذكور الّا قبضت فاذا جعل متعديا بالّا لزم تعديته الى الاربعة بمعنى الحط والى الاثنين بمعنى الجبر وذلك حكم بما لا نظير له اعني استعمال فعل واحد معدى بحرف واحد لمعنيين متضادين وذهب ابن خروف الى ان الناصب ما قبل الّا على سبيل الاستقلال ويبطله انه حكم بما لا نظير له فان المنصوب على الاستثناء بعد الّا لا مقتضى له غيرها لانها لو حذفت لم يكن لذكره معنى فلو لم تكن عاملة فيه ولا موصلة عمل ما قبلها اليه مع اقتضائها اياه لزم عدم النظير فوجب اجتنابه وذهب الزجاج الى ان الناصب

١١٦

استثني مضمرا وهو مردود بمخالفة النظائر اذ لا يجمع بين فعل وحرف يدل على معناه لا بإظهار ولا باضمار ولو جاز ذلك لنصب ما ولي ليت وكأنّ بأتمنى واشبه وفي الاجماع على امتناع ذلك دلالة على فساد اضمار استثني واذا بطلت هذه المذاهب تعين القول بان الناصب للمستثنى هو الّا لا غير واعلم ان المنصوب بالّا على اربعة اضرب فمنه ما يتعين نصبه ومنه ما يختار نصبه ويجوز اتباعه للمستثنى منه ومنه ما يختار نصبه متصلا ويجوز رفعه على التفريغ ومنه ما يختار اتباعه ويجوز نصبه على الاستثناء فان كان الاستثناء متصلا وتأخر المستثنى عن المستثنى منه وتقدم على الّا نفي لفظا او معنى او ما يشبه النفي وهو النهي والاستفهام للانكار اختير الاتباع مثال تقدم النفي لفظا ما قام احد الا زيد وما مررت باحد الا زيد ومثال تقدم النفي معنى كقول الشاعر

وبالصريمة منهم منزل خلق

عاف تغير الّا النؤي والوتد

وقول الآخر

لدم ضائع تغيّب عنه

اقربوه الّا الصبا والدبور

فانّ تغير بمعنى لم يبق على حاله وتغيب بمعنى لم يحضر ومثال تقدم شبه النفي قولك لا يقم احد الّا عمرو وهل اتى الفتيان الّا عامر ونحوه قوله تعالى. (وَمَنْ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَّا اللهُ. وَمَنْ يَقْنَطُ مِنْ رَحْمَةِ رَبِّهِ إِلَّا الضَّالُّونَ.) المعنى ما يغفر الذنوب الّا الله وما يقنط من رحمة ربه الا الضالون فالمختار فيما بعد الّا من هذه الامثلة ونحوها اتباعه لما قبلها لوجود الشروط المذكورة ونصبه على الاستثناء عربي جيد والدليل على ذلك قراءة ابن عامر قوله تعالى. ما فعلوه الا قليلا منهم. وان سيبويه روى عن يونس وعيسى جميعا ان بعض العرب الموثوق بعربيتهم يقول ما مررت باحد الّا زيدا وما اتاني احد الا زيدا والاتباع في هذا النوع على الابدال عند البصريين وعلى العطف عند الكوفيين قال ابو العباس ثعلب كيف تكون بدلا وهو موجب ومتبوعه منفي واجاب السيرافي بان قال هو بدل منه في عمل العامل فيه وتخالفهما بالنفي والايجاب لا يمنع البدلية لان مذهب البدل فيه ان يجعل الاول كأنه لم يذكر والثاني في موضعه وقد يتخالف الموصوف والصفة نفيا واثباتا نحو مررت برجل لا كريم ولا لبيب وان كان الاستثناء منقطعا وجب نصب ما بعد الّا عند جميع العرب الّا بني تميم فانهم قد يتبعون في غير الايجاب المنقطع المؤخر عن المستثنى منه بشرط صحة الاستغناء عنه

١١٧

بالمستثنى فيقولون ما فيها انسان الا وتد ويقرؤن قوله تعالى. (ما لَهُمْ بِهِ مِنْ عِلْمٍ إِلَّا اتِّباعَ الظَّنِّ.) لانه يصح الاستغناء بالمستثنى عن المستثنى منه كأن يقال ما فيها الّا وتد وما لهم الا اتباع الظن ومن ذلك

وبلدة ليس بها انيس

الّا اليعافير والّا العيس

وقول الآخر

عشية لا تغني الرماح مكانها

ولا النبل الّا المشرفي المصمم

وقول الفرزدق

وبنت كريم قد نكحنا ولم يكن

لنا خاطب الّا السنان وعامله

فلو لم يصح الاستغناء بالمستثنى عن المستثنى منه كما في نحو قوله تعالى. (لا عاصِمَ الْيَوْمَ مِنْ أَمْرِ اللهِ إِلَّا مَنْ رَحِمَ.) على ما تقدم تعين نصبه عند الجميع وان كان الاستثناء متصلا بعد نفي او شبهه والمستثنى متقدم على المستثنى منه كما في نحو ما جاء الّا زيدا احد وكقول الشاعر

وما لي الّا آل احمد شيعة

وما لي الا مذهب الحق مذهب

امتنع جعل المستثنى بدلا لان التابع لا يتقدم على المتبوع وكان الوجه فيه نصبه على الاستثناء وقد يرفع على تفريغ العامل له ثم الابدال منه قال سيبويه حدثني يونس ان قوما يوثق بعربيتهم يقولون ما لي الا ابوك ناصر فيجعلون ناصرا بدلا ونظيره قولك ما مررت بمثلك احد ومثل ما حكى يونس قول حسان رضي‌الله‌عنه

لانهم يرجون منه شفاعة

اذا لم يكن الا النبيون شافع

وان كان الاستثناء متصلا بعد ايجاب تعين نصب المستثنى سواء تأخر عن المستثنى منه او تقدم عليه وذلك نحو قام القوم الا زيدا وقام الا زيدا القوم وقد وضح من هذا التفصيل ان المستثنى بالّا في غير تفريغ على اربعة اضرب كما ذكرنا وقد بينها في الابيات المذكورة وبين ما يختار نصبه على اتباعه بقوله وانصب ما انقطع وعن تميم فيه ابدال وقع وبين ما يختار نصبه على رفعه للتفريغ بقوله وغير نصب سابق في النفي قد يأتي ولكن نصبه اختر ان ورد وبين ما يختار اتباعه على نصبه بقوله وبعد نفي او كنفي انتخب اتباع ما اتصل مع ما يدل عليه قوله وغير نصب سابق في النفي قد يأتي من اشتراط تقدم المستثنى منه على المستثنى وبقي ما سوى ما ذكر على ما يقتضيه ظاهر قوله ما استثنت الّا مع تمام ينتصب من تعين النصب ولما فرغ من بيان حكم الاستثناء

١١٨

التام اخذ في بيان حكم الاستثناء المفرغ فقال

وإن يفرّغ سابق إلّا لما

بعد يكن كما لو الّا عدما

يعني وان يفرغ العامل السابق على الّا من ذكر المستثنى منه للعمل فيما بعدها بطل عملها فيه واعرب بما يقتضيه ذلك العامل والامر كما قال فانه يجوز في الاستثناء بالّا بعد النفي او شبهه ان يحذف المستثنى منه ويقام المستثنى مقامه فيعرب بما كان يعرب به دون الّا لانه قد صار خلفا عن المستثنى منه فاعطي اعرابه تقول ما جاءني الّا زيد وما رأيت الّا زيدا وما مررت الّا بزيد فترفع زيدا بعد الّا في الفاعلية وتنصبه بالمفعولية وتجره بتعدية مررت اليه بالباء كما لو لم تكن الّا موجودة

وألغ إلّا ذات توكيد كلا

تمرر بهم إلّا الفتى إلّا العلا

تكرر الّا بعد المستثنى بها لتوكيد ولغير توكيد اما تكررها للتوكيد فمع البدل والمعطوف بالواو مثالها مع البدل ما مررت الا بأخيك الا زيد تريد ما مررت الا باخيك زيد ونحوه لا تمرر بهم الا الفتى الا العلا المعنى لا تمرر بهم الا الفتى العلا ومثالها مع المعطوف بالواو ما قام الا زيد والا عمرو ونحوه قول الشاعر

هل الدهر الا ليلة ونهارها

والا طلوع الشمس ثم غيارها

وقد جمع المثالين قول الآخر

ما لك من شيخك الّا عمله

الّا رسيمه والّا رمله

فالا المكررة في هذه الامثلة زائدة موكدة للتي قبلها لان دخولها في الكلام كخروجها فلا تعمل فيما تدخل عليه شيئا بل يبقى على ما كان عليه قبل دخولها من تبعيته في الاعراب لما قبله واما تكرير الّا لغير توكيد فاذا قصد بها استثناء بعد استثناء وذلك على ضربين احدهما ان يكون فيه المستثنى بالمكررة مباينا لما قبله والآخر يكون فيه المستثنى بها بعضا لما قبله اما الضرب الاول فهو المراد بقوله

وإن تكرّر لا لتوكيد فمع

تفريغ التّأثير بالعامل دع

في واحد ممّا بالّا استثنى

وليس عن نصب سواه مغني

ودون تفريغ مع التّقدّم

نصب الجميع احكم به والتزم

١١٩

وانصب لتأخير وجئ بواحد

منها كما لو كان دون زائد

كلم يفوا الّا امروء الّا علي

وحكمها في القصد حكم الأوّل

يعني اذا كررت الا لغير توكيد والمستثنى بها مباين للمستثنى الاول فاما ان يكون ما قبلها من العوامل مفرغا واما ان يكون مشغولا فان كان مفرغا شغل باحد المستثنيين او المستثنيات ونصب ما سواه نحو ما قام الا زيد الا عمرا الا بكرا والاقرب الى المفرغ اولى بعمله مما سواه وان كان العامل مشغولا بالمستثنى منه فللمستثنيين او المستثنيات النصب ان تأخر المستثنى منه نحو ما قام الا زيدا الا عمرا الا بكرا القوم وان لم يتأخر فلأحد المستثنيين او المستثنيات من الاتباع والنصب ما له لو لم يستثن غيره ولما سواه النصب كقولك ما جاء احد الا زيد الا عمرا الا بكرا ومثله قولك لم يفوا الا امروء الا عليا وما بعد الاول من هذه المستثنيات مساو له في الدخول ان كان الاستثناء من غير موجب وفي الخروج ان كان الاستثناء من موجب والى هذا اشار بقوله وحكمها في القصد حكم الاول فان قلت اذا كانت هذه المستثنيات حكمها واحد فلم لم يعطف بعضها على بعض قلت لانه اريد بالمستثنى الثاني اخراجه من جملة ما بقي بعد المستثنى الاول وبالمستثنى الثالث اخراجه من جملة ما بقي بعد المستثنى الثاني وليس المراد اخراجها دفعة واحدة والّا وجب العطف واما الضرب الثاني فلم يتعرض لذكره لان حكمه في الاعراب حكم الذي قبله وانا اذكره لأبين معناه فاقول اذا كررت الّا مستثنى بها بعض لما قبلها فالمراد اخراج كل مستثنى من متلوّه ولك في معرفة المتحصل بعد ما يخرج بالاستثناء طريقان احدهما ان تجعل كل وتر كالاول والثالث حطا من المستثنى منه وكل شفع كالثاني والرابع جبرا له ثم ما يحصل فهو الباقي مثاله له عليّ عشرة الا ستة الا اربعة الا اثنين الا واحدا فالباقي بعد الاستثناء بالعمل المذكور سبعة لأنا اخرجنا من العشرة ستة لانها اول المستثنيات وادخلنا اربعة لانها ثانية المستثنيات فصار الباقي ثمانية ثم اخرجنا اثنين لانها ثالثة المستثنيات فصار الباقي ستة ثم ادخلنا واحدا لانه رابع المستثنيات فصار الباقي سبعة الطريق الثاني ان تحط الآخر مما يليه ثم باقيه مما يليه وكذا الى الاول فما يحصل فهو الباقي ولتعتبر ذلك في المثال المذكور فتحط واحدا من اثنين يبقى واحد تحطه من اربعة يبقى ثلاثة تحطها من ستة يبقى ثلاثة تحطها من عشرة يبقى سبعة وهو الجواب

١٢٠