السيّد محمّد تقي الحسيني الجلالي
المحقق: السيّد قاسم الجلالي
الموضوع : اللغة والبلاغة
الناشر: انتشارات سلسال
المطبعة: بهار
الطبعة: ١
ISBN: 964-7759-11-8
الصفحات: ٣٠٢
الباب التاسع والعشرون
في أفعال المدح والذم
وهي : أفعال جامدة وضعت لإنشاء المدح والذّم ، وهي خمسة :
(نعم ، حبّذا ، بئس ، ساء ، لا حبّذا)
والأوّلان لإنشاء المدح ، والباقي لإنشاء الذّم.
أمّا مثل : (مدح) و (ذمّ) فلم يوضعا للإنشاء ؛ بل هما للإخبار.
فائدة :
يقع بعد أفعال المدح والذّم اسمان مرفوعان ، أوّلهما : الفاعل ، والثاني :
المخصوص بالمدح ، نحو : (نعم الرّجل علىّ) أو بالذّم ، نحو : (بئس القرين الشيطان).
الفاعل :
يستعمل على أحد الوجوه التالية :
١ ـ معرّفا باللّام كقوله تعالى : (نِعْمَ الْمَوْلى وَنِعْمَ النَّصِيرُ.)(١)
٢ ـ مضافا إلى المعرّف باللّام ، كقوله تعالى : (وَلَنِعْمَ دارُ الْمُتَّقِينَ.)(٢)
٣ ـ مضافا إلى المضاف إلى المعرّف باللّام ، نحو : (نعم ابن أخت القوم).
٤ ـ ضميرا مستترا مميّزا بنكرة منصوبة ، كقول الشاعر :
لنعم موئلا المولى إذا حدرت |
|
بأساء ذي البغي واستيلاء ذي الإحن (٣) |
٥ ـ كقوله تعالى : (فَنِعِمَّا هِيَ)(٤) ، وكقوله تعالى (بِئْسَمَا اشْتَرَوْا بِهِ أَنْفُسَهُمْ.)(٥)
و (ما) بمعنى شيء ، قيل : إنّه فاعل ، وقيل : إنّه تمييز للفاعل المستتر. (٦)
__________________
(١) الأنفال : ٤٠.
(٢) النحل : ٣٠.
(٣) لم يعلم لهذا البيت قائل. انظر : جامع الشواهد : المعنى : أنّ الشاعر يمدح المولى بأنه ملجأ ومرجع عند البأساء والضراء.
(٤) البقرة : ٢٧١.
(٥) البقرة : ٩٠.
(٦) واختلف في «ما» هذه ، في أنها نكرة تمييزا أو موصولة أو معرفة تامة ، منه رحمهالله.
المخصوص :
هو الاسم المرفوع بعد الفاعل ، ويسمّى : المخصوص بالمدح كما في (نعم ، حبّذا) وبالذّم كما في (بئس ، ساء ، لا حبّذا).
الأمثلة :
نعم : كما في الحديث : (نعم المال الصالح للرجل الصالح). (١)
حبّذا : نحو : (حبّذا الرّبيع) وكقول الشاعر :
يا حبّذا دوحة في الخلد نابتة |
|
[ما مثلها نبتة في الخلد من شجر] |
بئس : كقوله تعالى : (بِئْسَ الِاسْمُ الْفُسُوقُ.)(٢)
ساء : كقوله تعالى : (فَساءَ صَباحُ الْمُنْذَرِينَ.)(٣)
لا حبّذا : كقول الشاعر :
لا حبّذا فلك دارت دوائره |
|
[على الكرام فلم تبقي ولم تذر](٤) |
ملحوظات في المخصوص :
١ ـ إعراب المخصوص :
المخصوص إمّا مبتدأ مؤخّر وجملة (نعم وفاعله) خبر مقدّم ، أو أنّ
المخصوص خبر لمبتدأ محذوف ، فتقدير (نعم الرّجل خزعل) : هو خزعل.
__________________
(١) نهاية ابن الأثير ٥ : ٨٤.
(٢) الحجرات : ١١.
(٣) الصافات : ١٧٧.
(٤) هذا البيت للشيخ كاظم الأزري ، في قصيدة يرثي بها الإمام الحسين عليهالسلام. انظر : رياض المدح والرثاء ، ص ١٨٥.
٢ ـ لا بدّ من تطابق المخصوص مع الفاعل من حيث الإفراد والتثنية والجمع ، ومن حيث التذكير والتأنيث.
الأمثلة :
(نعم الرّجل زيد) ، (نعم الرّجلان الزيدان) ، (نعم الرجال الزيدون) ، (بئست المرأة هند) ، (بئست المرأتان الهندان) ، (بئست النساء الهندات).
٣ ـ قد يحذف المخصوص إذا علم بالقرينة ، مثل قوله تعالى : (نِعْمَ الْعَبْدُ إِنَّهُ أَوَّابٌ.)(١) والتقدير : نعم العبد أيّوب ، والقرينة : قصّة أيّوب.
فوائد :
الأولى ـ «نعم» و «بئس» فيهما أربع لغات :
١ ـ (نعم ، بئس). (٢)
٢ ـ (نعم ، بئس). (٣)
٣ ـ (نعم ، بئس).
٤ ـ (نعم ، بئس).
الثانية : «نعم» و «بئس» و «ساء» تلحقها «تاء» التأنيث جوازا إذا كان فاعلها اسما ظاهرا مؤنّثا ، نحو : (نعم أو نعمت المجتهدة زهراء) و (بئس أو بئست المرأة هند) و (ساء أو ساءت المرأة هند).
أو إذا كان المخصوص مؤنّثا ، نحو : (نعم أو نعمت المطلوب الحكمة).
__________________
(١) ص : ٣٠.
(٢) قيل : ان هذه اللغة هي الأفصح.
(٣) قال ابن الناظم : هذه اللغة هي الأصل ، انظر : شرح الألفية لابن الناظم ، ص ١٨٢.
الثالثة : «حبّذا» و «لا حبّذا» مركّب من «حبّ» فعل ماض ، و «ذا» الإشاريّة ، وهي فاعله.
فإذا سبقتها «لا» النافية تتحوّل من المدح إلى الذّم.
ولا تتغيّر هذه الصيغة سواء كان المخصوص مثنّى ، أو جمعا ، أو مؤنّثا ، وذلك لجريانها مجرى الأمثال التي لا تتغيّر.
الأمثلة :
(حبّذا أو لا حبّذا الطالب أو الطالبة) و (حبّذا أو لا حبّذا الطالبان أو الطالبتان) و (حبّذا أو لا حبّذا الطلّاب أو الطالبات).
وإعراب مخصوصهما كإعراب مخصوص نعم.
الباب المكمّل للثلاثين
في الاشتغال
مورده :
كلّ اسم بعده عامل من فعل ، أو شبهه ، يشتغل العامل عنه بضميره أو متعلّقه بحيث لو سلّط العامل على ذلك الاسم لعمل فيه.
المثال :
(زيدا اضربه) ، فقد انسغل (اضرب) عن (زيد) وعمل في ضميره.
حكم الاسم المتقدّم :
للاسم المتقدّم خمسة وجوه ، وهي :
١ ـ وجوب النصب :
إذا وقع بعد ما يختصّ بالفعل ، مثل : (إن ـ الشرطيّة) نحو : (إن زيدا لقيته أكرمه).
ونصب هذا الاسم بعامل مقدّر من جنس العامل الظاهر ، والتقدير في المثال المذكور: (إن لقيت زيدا لقيته أكرمه).
٢ ـ وجوب الرّفع :
إذا وقع بعد ما يختصّ بالاسم ، كـ «إذا» الفجائيّة نحو : (خرجت فإذا زيد لقيته).
وكذا الحكم لو فصل بين الاسم المتقدّم والفعل ، بما له الصدر ، كـ «هل» ـ الاستفهاميّة ـ نحو : (زيد هل رأيته؟) لأنّ الفعل لا يعمل فيما قبل ما له الصدر ، فـ (زيد) مبتدأ.
٣ ـ رجحان النصب :
إذا وقع الاسم بعد ما يغلب وقوع الفعل بعده ، كـ «همزة» الاستفهام ، نحو قوله تعالى : (أَبَشَراً مِنَّا واحِداً نَتَّبِعُهُ.)(١)
فإنّ وقوع الفعل بعد همزة الاستفهام كثير.
وكذا الحكم لو حصل التناسب بين الجملتين بنصب الاسم ، نحو : (قام زيد وعمرا أكرمته) وبنصب «عمرو» تصبح الجملتان فعليّتين.
وكذا الحكم لو كان الفعل طلبيّا ، نحو : (زيدا اضربه).
٤ ـ تساوي الرفع والنصب :
لو وقع الاسم بعد حرف عاطف ، قبله جملة هي خبر المبتدأ.
نحو : (زيد قام وعمرا أكرمته) ، ونحو (زيد قام وعمرو أكرمته) وبنصب «عمرو» تكون من عطف الجملة الفعليّة على الفعليّة ، وبرفع «عمرو» تكون من عطف الجملة الاسميّة على الاسميّة.
__________________
(١) القمر : ٢٤.
٥ ـ رجحان الرفع :
وذلك في غير الموارد الأربعة المتقدّمة ، نحو : (زيد ضربته) والوجه فيه : أنّ الأصل عدم التقدير.
فعلى الرفع «زيد» مبتدأ ، والجملة خبره ، وعلى النصب «زيدا» مفعول لفعل مقدّر.
تمارين :
١ ـ ما حكم الاسم المنشغل عنه العامل؟
٢ ـ مثّل لمورد وجوب رفع الاسم المتقدّم؟
٣ ـ مثّل لمورد وجوب نصب الاسم المتقدّم؟
٤ ـ أعرب قوله تعالى : (أَبَشَراً مِنَّا واحِداً نَتَّبِعُهُ؟)
٥ ـ أعرب : (زيد قام وعمرا أكرمته).
الباب الحادي والثلاثون
في التنازع
تعريفه :
التنازع : توجّه عاملين مستقلّين إلى معمول واحد متأخّر عنهما فيطلب كلّ واحد منهما ذلك المعمول ليعمل فيه.
المثال :
كقوله تعالى : (آتُونِي أُفْرِغْ عَلَيْهِ قِطْراً)(١) فتنازع «آتوا» و «أفرغ» على «قطرا» فإنّ «آتوا» يطلبه مفعولا ثانيا (٢) و «أفرغ» يطلبه مفعولا أوّلا.
ونحو : (ساعدني وساعدت عبّاس).
فتنازع «ساعدني» و «ساعدت» على «عبّاسا» فإنّ «ساعدني» يطلبه فاعلا، و «ساعدت» يطلبه مفعولا.
__________________
(١) الكهف : ٩٦.
(٢) ومفعول «آتوا» الأوّل هو «الياء» في قوله تعالى : (آتُونِي.)
حكم التنازع : جواز الوجهين ، أي إعمال الفعل الأوّل ، دون الثاني وبالعكس.
فإن أعملت الأوّل فلسبقه ، وإن أعملت الثاني فلقربه ، وفي المثال المذكور يجوز إعمال«ساعدني» بأن يجعل «عبّاس» فاعلا ، ولا بدّ من تقدير مفعول لـ «ساعدت».
ويجوز إعمال «ساعدت» بأنّ يجعل «عبّاسا» مفعولا ، ولا بدّ من تقدير فاعل لـ «ساعدني» ، والتقدير : ساعدني عبّاس وساعدت عبّاسا.
و «عبّاس» ـ الأوّل ـ فاعل ساعدني ، و «عبّاسا» ـ الثاني ـ مفعول ساعدت.
تنبيه :
لا يقع التنازع إلّا بين فعلين متصرّفين نحو : (وقف وتكلّم المدرّس) (١) و (درست ودرّست الصرف) (٢).
أو اسمين مشتقّين ، نحو : (المؤمن مساعد وناصر الفقير). (٣)
أو فعل متصرّف واسم يشبهه ، كقوله تعالى : (هاؤُمُ اقْرَؤُا كِتابِيَهْ.)(٤)(٥)
__________________
(١) المدرّس ، إمّا فاعل لـ «وقف» وفاعل «تكلّم» ضمير مستتر جوازا تقديره (هو) وإما فاعل لـ «تكلّم» وفاعل «وقف» ضمير مستتر جوازا تقديره (هو).
(٢) الصرف ، إما مفعول به لفعل «درست» ومفعول «درّست» محذوف ، أو بالعكس.
(٣) الفقير ، مفعول إما لاسم الفاعل «ناصر» وإما لاسم الفاعل «مساعد».
(٤) الحاقة : ١٩.
(٥) هاؤم : «هاء» اسم فعل أمر بمعنى «خذ» والميم للجمع ، و «اقرؤوا» فعل أمر. و «كتابيه» مفعول لـ «ها» ، أو لـ «اقرؤوا».
ولا يقع التنازع بين حرفين ، ولا بين حرف وغيره ، ولا بين جامدين ، ولا بين جامد وغيره.
نعم ، يقع التنازع بين فعلي التعجّب وإن كانا جامدين غير متصرّفين ، نحو:(ما أنفع وأفضل العلم الصالح) و (أجمل وأنفع بالعلم).
الباب الثاني والثلاثون
في الفعل الجامد (١)
الفعل ـ أيضا ـ على ثلاثة أنواع : المتصرّف ، الجامد ، وشبه الجامد.
النوع الأوّل : الفعل المتصرّف :
وهو ما يتحوّل إلى جميع صيغ الماضي ، والمضارع ، والأمر ، وغيرها ، والمعلوم والمجهول، وتقدّمت الأمثلة الكثيرة لها.
النوع الثاني : الفعل الجامد :
وهو ما بقي على صيغة واحدة.
ومن أمثلة الفعل الجامد :
١ ـ نعم ، من أفعال المدح.
٢ ـ عسى ، من أفعال المقاربة.
__________________
(١) ذكر هذا الباب خارج عن موضوع علم الصرف ـ كما عرفت في المقدّمة ـ إلّا أنّ مناسبة ذكر الافعال ، وتعميم الفائدة اقتضيا ذكره كما أن الأمر كذلك في نوني التأكيد الآتيتين. منه رحمهالله.
٣ ـ كرب ، من أفعال المقاربة.
٤ ـ أوشك ، من أفعال المقاربة.
٥ ـ ليس ، من الأفعال الناقصة.
٦ ـ هب ، من أفعال القلوب ، بمعنى : الظّنّ.
٧ ـ تعلّم ، من أفعال القلوب ، بمعنى : إعلم.
٨ ـ ما أفعله ، وأفعل به ، صيغتا التعجّب.
ملحوظة :
قيل : بورود صيغ أخرى لبعض ما مثّلناه.
نحو : (نعمت) ومنه : (من توضّأ للجمعة فبها ونعمت). (١)
ونحو : (يوشك) ومنه : (فمن يرتع حولها يوشك أن يدخلها). (٢)
وغير ذلك ، فما ثبت فيه ذلك فهو من النوع الثالث.
__________________
(١) النهاية لابن الاثير : ٥ ، ٨٣ ، ولم يرد هذا النص من طرقنا.
(٢) الوسائل : ٢٧ ، ١٦١ و ١٧٥.
النوع الثالث : شبه الجامد :
وهو فعل لم يتصرّف إلى جميع الصيغ لكنّه تصرّف إلى بعضها ، كالأمثلة التالية :
١ ـ يدع ، لم يرد منه الفعل الماضي ، فقالوا : (أماتوا ماضي يدع).
٢ ـ زال ـ الفعل الناقص ـ لم يستعمل منه الأمر ولا المصدر.
٣ ـ برح ـ الفعل الناقص ـ لم يستعمل منه الأمر ولا المصدر.
٤ ـ فتئ ـ الفعل الناقص ـ لم يستعمل منه الأمر ولا المصدر.
الباب الثالث والثلاثون
في نوني التأكيد ـ الثقيلة والخفيفة ـ
تعريفهما : هما حرفان لا محلّ لهما من الإعراب ، يدخلان على المضارع والأمر، فيبنيانهما على الفتح.
ومثالهما معا في قوله تعالى : (لَيُسْجَنَنَّ وَلَيَكُوناً مِنَ الصَّاغِرِينَ.)(١)
وضعتا لتأكيد فعل الأمر ، والمضارع الذي بمعنى الاستقبال ـ دون الفعل الماضي ، والمضارع الذي بمعنى الحال ـ أمّا فعل الأمر فيجوز تأكيده بهما مطلقا.
وامّا الفعل المضارع ففي الموارد التالية :
١ ـ بعد (إن ـ الشرطيّة) المدغمة في (ما ـ الزائدة ـ) المؤكدة كقوله تعالى : (فَإِمَّا تَثْقَفَنَّهُمْ.)(٢)
__________________
(١) يوسف : ٣٢ كذا في الرسم القرآني : (وليكونا) والتنوين هنا نون التأكيد الخفيفة وترسم في غير المصحف : وليكونن.
(٢) الانفال : ٥٧.
وقلّ دخولها في مضارع وقع بعد (ما) بدون (أن) ، نحو : (ما أرينّك هنا).
وكذا قلّ دخولها بعد (لم) وبعد غير (إمّا) من أدوات الشرط ، وغيره.
٢ ـ بعد الطلب ، وفيما يلي موارده :
أ ـ الأمر ، مثل : (ليدرس) فيقال : (ليدرسنّ ، ليدرسن).
ب ـ النهي ، مثل : (لا تدرس) فيقال : (لا تدرسنّ ، لا تدرسن).
ج ـ الاستفهام ، مثل : (هل تفعلنّ الخير) ، (هل تفعلن الخير يا زيد).
د ـ التمنّي ، مثل : (ليتك تصبحنّ ، مرشدا) ، (ليتك تصبحن مرشدا).
ه ـ الترجّي ، مثل : (لعلّك تفيدنّ الأمّة) ، (لعلّك تفيدن الأمّة).
و ـ العرض ، مثل : (ألا تقبلنّ عليّ) (ألا تقبلن عليّ).
ز ـ التحضيض ، مثل : (هلّا تعودنّ صديقك) (هلّا تعودن).
٣ ـ كونه منفيّا بـ «لا» كقوله تعالى : (وَاتَّقُوا فِتْنَةً لا تُصِيبَنَّ.)(١)
٤ ـ إذا كان مستقبلا مثبتا جوابا لقسم غير مفصول عن لام القسم ، كقوله تعالى : (وَتَاللهِ لَأَكِيدَنَّ أَصْنامَكُمْ.)(٢)
__________________
(١) الانفال : ٢٥.
(٢) الانبياء : ٥٧.