نزهة الطرف في علم الصرف

السيّد محمّد تقي الحسيني الجلالي

نزهة الطرف في علم الصرف

المؤلف:

السيّد محمّد تقي الحسيني الجلالي


المحقق: السيّد قاسم الجلالي
الموضوع : اللغة والبلاغة
الناشر: انتشارات سلسال
المطبعة: بهار
الطبعة: ١
ISBN: 964-7759-11-8
الصفحات: ٣٠٢

الكاظم عليه‌السلام) (١) وقال بعد أن ذكر نيفا وخمسين مؤلفا للشهيد ، ما نصه : (ولقد وقفت على كلّ مؤلفاته المخطوطة المحفوظة لديه في مكتبته الخاصة). (٢)

مشاريعه الخيريّة :

كان السيّد الشهيد الجلاليّ قدس سرّه ذا همّة عالية ، ونفس مفعمة بالحيويّة ، والنشاط، وروح كبيرة لم تعرف مللا ولا ضجرا ، فهو إلى جانب انهماكه في الشّؤون العلميّة ، كان مهتمّا اهتماما بالغا بالمشاريع الخيريّة التي من شأنها خدمة الدين الإسلاميّ الحنيف وإعلاء كلمة الله في الأرض.

فكان يسعى جاهدا لإيجاد كلّ ما كان يراه ضروريّا لتعظيم شعائر الله وتهيئة الأرضيّة المناسبة لإيجاد الرّوحيّة العالية في النفوس ، ولم يأل جهدا في قضاء حوائج المؤمنين ، وإسداء المعونة إليهم ، فكان من مشاريعه :

١ ـ تأسيس الحوزة العلميّة في مدينة القاسم عليه‌السلام سنة ١٣٨٥ ه‍ وقد أثمرت هذه الحوزة المباركة وأينعت وكانت موفّقة في أهدافها ، حيث تمكّنت من إعداد جيل يعي مسؤولياته وواجباته الشرعيّة وقد تخرّج منها عدد من الفضلاء والمبلّغين.

٢ ـ تأسيس المدرسة الدينيّة في مدينة القاسم عليه‌السلام وقد تمّ بناؤها عام ١٣٨٥ ه‍.

٣ ـ بناء حسينيّة ضخمة في الصحن الشريف للقاسم عليه‌السلام تقع في الجانب الغربيّ منه.

__________________

(١) ص ١٧٤ ـ ١٧٥ طبع في النجف الأشرف ، سنة ١٣٩٧ مطبعة النعمان.

(٢) المصدر ، ص ١٧٧.

٢١

٤ ـ بناء حسينيّة ومسجد في ناحية الطليعة بمحافظة بابل ، وقد تمّ بنائها سنة ١٣٨٨ ه‍.

٥ ـ بناء حسينيّة لأهالي القاسم عليه‌السلام في كربلاء المقدّسة.

٦ ـ تأسيس مؤسسة قرض الحسنة للتسليف والمساعدة.

٧ ـ تشكيل البعثات الدينيّة المتمثّلة بإرسال مجموعة من المبلّغين والمرشدين إلى المناطق المختلفة.

٨ ـ تشكيل هيئة التأليف والنشر والترجمة في مكتبة الإمام الحكيم فرع مدينة القاسمعليه‌السلام.

٩ ـ بناء مسجد الإبراهيميّة ، سنة ١٩٧٢٤ م.

١٠ ـ تشيد الشباك الثالث لمرقد القاسم بن الامام موسى الكاظم عليهما‌السلامسنة ١٣٨٥ ه‍.

١١ ـ بناء مسجد الحفينات ، سنة ١٩٦٦ م.

وتقع هذه المساجد في نواحي محافظة بابل بالعراق ، في قضاء الهاشميّة. (١)

__________________

(١) انظر : كتاب القاسم بن الإمام موسى بن جعفر عليهم‌السلام للشيخ الساعدي ، ص ٩٠ ـ ٩١ ؛ وكتاب من أيّام الجلالي ، ص ٤٧ ، وسيرة آية الله الشهيد الجلالي بقلم الشيخ حيدر الحلي.

٢٢

جهاده واستشهاده :

لقد تنبّهت أجهزة النظام الفاسد في العراق إلى موقعيّة السيّد الجلالي قدس سرّه العلميّة والإجتماعيّة من خلال نشاطاته المستمرّة ، وتأسيسه للحوزة العلميّة في مدينة القاسمعليه‌السلام ، مضافا إلى ملازمته الوثيقة لمراجع عصره واعتمادهم الكبير عليه.

وبدأت مراقبته بصورة غير علنيّة ، وقد استمرّ الوضع على هذه الحالة حتى اندلاع الحرب الظالمة التي شنّها طاغيّة العراق ضدّ الجمهوريّة الاسلاميّة المباركة ، وفي هذه الفترة الحسّاسة أصبح السيّد الجلالي قدس سرّه يشعر بمسؤوليّة ثقيلة ملقاة على عاتقه وعاتق جميع رجال الدين والعلم من وجوب توعية الامّة وكشف ماهيّة النظام الفاسد.

كان الشهيد الجلالي وبالرغم من الظروف الأمنيّة الصعبة التي أحاطت به مهتمّا بعوائل الشهداء والمعتقلين والمشرّدين ممّا أثار حقد السلطات عليه خصوصا بعد أن عثرت اجهزة النظام الفاسد على إجازة للسيّد الجلالي من قبل الإمام الخمينيّ قدس‌سره الشريف.

كلّ ذلك جعل النظام يشعر بأنّ الشهيد الجلاليّ يكوّن تهديدا مباشرا ، وخطرا كبيرا ، على أهدافه الفاسدة ، وعلى أثرها استدعي إلى مديريّة الأمن ، حيث هدّدوه وتوعّدوه شرّا ، إلّا أنّ ذلك لم يثن عزم الشهيد ؛ بل مضى قدما في أداء رسالته وجهاده الذي أقضّ مضاجعهم.

وهكذا واصل سيّدنا الجلاليّ بكلّ عزم وحزم وقوفه أمام التيّار البغيض الهادف إلى محو الإسلام وإبادة المسلمين ، وقد تلقّى جرّاء ذلك التهديدات التي

٢٣

اشتدّت في الآونة الأخيرة متزامنة مع تكثيف رجال الأمن مضايقاتهم له ، ورصد تحركاته بحيث وضعت داره في النجف الأشرف تحت المراقبة العلنية كما هو الحال بالنسبة إلى محلّ إقامته في مدينة القاسم عليه‌السلام.

وفي صباح يوم خميس في شهر ذي الحجّة عام ١٤٠١ ه‍ وعلى جاري عادته غادر السيّد الشهيد رحمه‌الله النجف الأشرف ـ بصحبة أحد تلامذته ـ متجها نحو مدينة القاسم عليه‌السلام ليشرف عن كثب على الحوزة العلميّة التي أسّسها هناك وعلى الوضع الاجتماعيّ والدينيّ ، وفي أثناء طريقة ـ بين الكوفة والحلّة ـ اعترض أزلام النظام السيارة التي كانت تقلّ الشهيد الجلاليّ ، وتمّت عمليّة اعتقاله ، ومن ثمّ نقل إلى بغداد ، وقد دام اعتقاله رحمه‌الله قرابة التسعة أشهر تعرّض خلالها إلى أبشع أنواع التعذيب الجسدي والرّوحي ، وفي إحدى ليالي الجمعة لبى نداء ربّه الكريم وعرجت روحه الطاهرة إلى جنان الخلد ، حشره الله مع الانبياء والشهداء وحسن أولئك رفيقا ، ونقل جثمانه الطاهر إلى وادي السّلام ، تحت مراقبة أمنية شديدة ، وأودع الثرى في ليلة الرابع من شهر رمضان المبارك سنة ١٤٠٢ ه‍ ، من دون تشييع أو أيّه مراسم اخرى.

وكان لاستشهاده رحمه‌الله أثر الفاجعة البالغ في النفوس وبين أهل العلم وطلابه ومحبّيه خاصّة وقد رثاه الشعراء بمقاطع شعرية لا مجال لسردها.

ورثاه الشاعر الإيروانى بقصيدة منها :

هو صاحب الحسنى نماه (محسن)

طابا نجادا والدا ووليدا

خدم الشريعة فاستضاء بنورها

قد عاش فينا سيّدا ومفيدا

وأراد للإسلام عزّا شامخا

لا أن يكون المسلمون عبيدا

هذا أبو الهادي وهذا هديه

وقضى المهيمن أن يعيش سعيدا

ترك الحياة مؤرّخا : (ومودّعا

رحل التقيّ الى الجنان شهيدا)

٢٤

وممّا قيل في رثائه :

يوم (بشهر الله) غال العدى

ذاك (التقيّ) الحبر والمقتدى

كان منارا للتقى هاديا

وفي الدجى كان لها فرقدا

قضى لأجل الله عمرا وقد

سار بنهج السبط فاستشهدا

وافى الورى يلهج في نعيه

ناع فاشجى المجد والسؤددا

وراح في تاريخه : (لا هجا

فقد التقي اثكل أهل الهدى)

لقد قدّر الله تعالى لهذا العالم المجاهد أن يبقى خالدا بحياته المشرقة التي كانت سلسلة طويلة من العلم والعمل والإرشاد والتضحية ، تلك الحياة الكريمة التي بدأها بالسّعي ، وادامها بالجهاد ، وختمها بالشهادة.

فالسلام عليه يوم ولد ويوم استشهد ويوم يبعث حيّا.

هذا الكتاب :

طبع هذا الكتاب لأوّل مرّة ضمن كتاب (البداءة في علمى النحو والصرف) سنة ١٣٩٦ ه‍ في مطبعة النعمان ، في النجف الأشرف. من منشورات مكتبة الامام الحكيم قدس سرّه العامة.

وطبع للمرة الثانية ضمن كتاب (البداءة في علمي النحو والصرف) أيضا ، سنة ١٣٩٧ ه‍.

ثم طبع مستقلا في مطبعة القضاء ـ في النجف الأشرف ـ سنة ١٣٩٩ ه‍.

واعيدت طباعته سنة ١٤٠٢ ه‍ بالاوفسيت من قبل مؤسسة : (المدرسة المفتوحة) التي يشرف عليها العلامة الحجّة السيد محمّد حسين الجلالي (حفظه الله).

٢٥

وطبعتنا هذه هي الطبعة الخامسة التي تمتاز بضبط النص ، وتشكيله وتخريج الآيات القرآنية الكريمة ، والاحاديث الشريفة ، وتخريج مصادر الاشعار ونسبتها الى قائلها ما أمكن، وصياغة الجداول بطريقة جديدة.

وأشكر أخي العزيز السيد محمد صادق الجلالي وابن عمي العزيز السيد محسن الجلالي على مقابلة الكتاب.

وأسأل الله تعالى أن يوفّقنا لإعلاء كلمته ، ونصرة دينه ، والفوز بمرضاته. فهو حسبنا ونعم الوكيل.

قاسم الحسيني الجلالي

قم المقدّسة ـ حرم اهل البيت عليهم‌السلام

رمضان المبارك عام ١٤١٨ ه

٢٦

بسم الله الرّحمن الرّحيم

الحمد لله ربّ العالمين ، والصلاة والسّلام على سيّدنا محمّد خاتم المرسلين وآله الهداة المهديّين.

وبعد : فيقول العبد الفقير إلى الله العليّ القدير (محمّد تقيّ) نجل العلّامّة السيّد محسن الحسينيّ الجلاليّ طاب ثراه : هذا موجز في علم الصرف ، ألّفته لطلبة العلوم الدينيّة في الحوزة العلميّة بمدينة القاسم عليه‌السلام لا سيّما قرّة عيني ولدي عليّ الهادي وفّقه الله تعالى للعلم والعمل الصالح بمحمّد وآله الطاهرين.

وسمّيته : (نزهة الطرف في علم الصرف) ورتّبته على مقدّمة ، وأبواب ، وخاتمة وعلى الله تعالى التوكل وبه الاعتصام.

وذلك في صبيحة اليوم السّابع من صفر الخير ، سنة سبعة وتسعين وثلاثمائة وألف للهجرة النبويّة الشريفة على مهاجرها وآله آلاف التحيّة والسّلام.

النجف الأشرف

محمّد التقيّ الحسينيّ الجلاليّ

٢٧

المقدّمة

في تعريف علم الصرف ، وواضعه ، واستمداده ، والغرض ـ الفائدة ـ منه ، وموضوعه ، ومسائله ، والميزان الصرفيّ ، ووجه التسمية.

١ ـ تعريفه : (١)

علم الصرف : علم بقواعد تعرف بها أحوال أبنية الكلم ، وما لحروفها من أصالة وزيادة ، وصحّة وإعلال ، وشبه ذلك. (٢)

__________________

(١) واعلم أنّ المتقدّمين من النحاة يطلقون النحو على ما يشمل التصريف ، لذا ذهب سيبويه ـ على ما حكي عنه ـ إلى أنّ التصريف جزء من أجزاء النحو بلا خلاف من أهل الصناعة والتصريف.

وأمّا المتأخرون منهم فقد جعلوا التصريف قسيما للنحو لا قسما منه ، وقد عرّفوا كلّا منهما بتعريف خاص يميّزه عن قسيمه.

(٢) كالحذف ، والإبدال والإمالة ، وما يعرض لآخر الكلم مما ليس بإعراب ولا بناء من الوقف ، والإدغام ، وإلتقاء الساكنين.

ثمّ إنّ الصرف لا يتعلّق إلّا بالأسماء المعربة ، والأفعال المتصرّفة أمّا الحروف والأسماء المبنيّة ، والأفعال الجامدة فلا تعلّق لعلم الصرف بها.

٢٨

٢ ـ واضعه :

واضع علم الصّرف معاذ بن مسلم الهرّاء الكوفيّ (١) رحمه‌الله تعالى. (٢)(٣)

٣ ـ استمداده :

يستمدّ علم الصرف اسسه وقواعده من كلام الله تعالى ، وكلام رسوله صلى‌الله‌عليه‌وآله ، وكلام العرب شعرا ونثرا.

٤ ـ الغرض والفائدة منه :

صون اللسان عن الخطأ في المقال العربيّ ، ومراعاة قواعد لغة العرب في الكتابة. (٤)

__________________

(١) هو معاذ بن مسلم الهرّاء : الأنصاريّ النحويّ الكوفيّ ، من أصحاب الصادقين عليهما‌السلام ، توفّي سنة ١٩٠ ، وقيل : ١٨٧ ، والهرّاء بفتح الهاء كفرّاء لقّب به لأنّه كان يبيع الثياب الهرويّة فنسب بها.

(الكنى والألقاب ، ج ٣ ، ص ٢٤٩ ـ ٢٥٠ ، تنقيح المقال ٣ : ٣٢١ ، معجم رجال الحديث ، ج ١٩ / ١٢٤٥٤.

(٢) وأوّل من دوّن الصرف هو أبو عثمان المازني ، حيث كان مندرجا في علم النحو ـ وقد شرحه أبو الفتح عثمان بن جني المتوفّى سنة ٣٩٢ ه‍ (انظر : كشف الظنون ١ : ٢٤٩ ، مادة «كافية»).

(٣) راجع كتاب مؤلّفو الشيعة في صدر الإسلام : للإمام شرف الدين في ترجمة (معاذ) (رحمهما‌الله تعالى) (منه قدس سرّه).

(٤) وإلى ذلك أشار أبو القاسم الزجّاجي [المتوفى ٣٣٧ ه‍] حيث قال : الفائدة فيه الوصول

٢٩

٥ ـ موضوعه :

موضوع علم الصّرف : الكلمات العربيّة من حيث احوال أبنيتها ، وما لحروفها من أصالة وزيادة ، وصحّة وإعلال ، وغير ذلك. «ويستثنى من ذلك الحروف ، والأسماء المبنيّة (١) ، والأفعال الجامدة». (٢)(٣)

٦ ـ مسائله :

ومسائل علم الصرف : هي قضاياه التي تذكر فيه ، صريحا أو ضمنا. (٤)

__________________

إلى التكلّم بكلام العرب على الحقيقة صوابا غير مبدّل ولا مغيّر ، وتقويم كتاب الله عزوجل ، الذي هو أصل الدين والدنيا والمعتمد ، ومعرفة أخبار النبيّ صلّى الله عليه [وآله] وسلّم ، وإقامة معانيها على الحقيقة ، لأنّه لا تفهم معانيها على صحّة إلّا بتوفيتها حقوقها من الإعراب ...(الإيضاح في علل النحو لأبي القاسم الزجّاجي ص ٥).

(١) وقد شرح المصنّف رحمه‌الله المبنيّات في كتابه (البداءة في علمي النحو والصرف) ص ٩٦ الطبعة الثانية ، كما شرحها بالتفصيل في كتابه (جواهر الأدب في المبنيّ والمعرب) فراجع ثمّة.

(٢) جاء في الهامش ما نصّه : (نذكر الفعل الجامد في الفصل (٣٢) للمناسبة مع الأفعال ، كما أنّ نوني التأكيد الآتيتين في الباب (٣٣) يذكران في كتب الصّرف مع أنّهما خارجتان من الموضوع ، ووجه ذكرهما المناسبة المذكورة) منه قدس سرّه.

(٣) فلا تعلّق لعلم الصّرف بالحروف ، ولا بالأسماء المبنيّة ، والأفعال الجامدة ، بل الصرف مختصّ بالأسماء المعربة، والافعال المتصرفة ، ثمّ إنه ليس بين الأسماء المتمكّنة ، والأفعال المتصرّفة ما يتركّب من أقل من ثلاثة أحرف ، إلّا إن كان بعض أحرفه قد حذف ، نحو : يد ، وقل ، والأصل : يدي ، و: قول.

(٤) مثلا : المضارع يبنى على السكون إذا اتصلت به نون النسوة في صيغتين والمضارع يبنى على الفتح إذا اتصلت بآخره اتصالا مباشرا نون التوكيد الخفيفة أو الثقيلة ، وأمثال ذلك.

٣٠

٧ ـ الميزان الصّرفيّ :

اعتبر علماء التصريف أنّ اصول الكلمة ثلاثة أحرف ، نظرا لكون أكثر كلمات اللّغة العربيّة متكوّنة من ثلاثة حروف ، وقد قابلوها عند الوزن بـ «الفاء» و «العين» و «اللام» ويسمّون الحرف الأوّل : (فاء الكلمة) والحرف الثاني : (عين الكلمة) والحرف الثالث : (لام الكلمة).

فإذا كان أصل وضع الكلمة متكوّنا من أربعة أحرف زدت في الميزان لاما (١) ، فوزن (دحرج) : فعلل.

وإذا كان متكوّنا من خمسة أحرف زدت في الميزان لامين ، فوزن (جحمرش): فعللل.

٨ ـ وجه التسمية :

الصّرف لغة : هو التغيير من مكان إلى آخر ، أو حال إلى حال. (٢)

وفي الاصطلاح : تحويل اللفظ إلى صيغ مختلفة لمعان مقصودة لا تحصل إلّا بذلك ، كتحويل لفظ (الدرس) : إلى الصيغ المذكورة في الجدول الآتي (٣) وبما أنّ هذا العلم متكفل بذلك ، سمّي : (علم الصّرف).

__________________

(١) وقيل : إنّما خصّت اللام بالتكرير لأنّها أقرب.

(٢) قال الخليل الفراهيدي : (وتصريف الرّياح : تصرّفها من وجه إلى وجه ، ومن حال إلى حال) كتاب العين ـ مادة «صرف».

وقال ابن منظور : (والصّرف : أن تصرف إنسانا عن وجه يريده إلى مصرف غير ذلك ...) لسان العرب ـ مادة ـ (صرف).

(٣) وسيذكر قدس سرّه ذلك في الجدول الرابع.

٣١

الباب الأوّل

في الكلمة

١ ـ تقسيم الكلمة

الكلمات العربيّة على ثلاثة أقسام : اسم ، وفعل ، وحرف. واستدلّ على ذلك بالعقل ، والنقل ، والاستقراء.

الدليل العقليّ :

الكلمة إمّا أن تدلّ بنفسها على معنى مقترن بأحد الأزمنة الثلاثة ـ الماضي ، والحال، والاستقبال ـ.

وإمّا أن تدلّ بنفسها على معنى غير مقترن بأحد الأزمنة الثلاثة.

وإمّا أن لا تدلّ بنفسها على معنى إلّا بواسطة.

والأوّل : هو الفعل ، مثل : ضرب ، فإنّه يدلّ بنفسه على ضرب مقترن بزمان الماضي. (١)

__________________

(١) وقد حدّ أبو القاسم الزجاجي [المتوفى سنة ٣٣٧ ه‍] الفعل بقوله : الفعل على أوضاع

٣٢

والثّاني : هو الاسم ، مثل : (زيد) فإنّه يدلّ ـ بنفسه ـ على معنى غير مقترن بزمان. (١)

والثّالث : هو الحرف كـ (اللام) فإنّه لا يدلّ ـ بنفسه ـ على المعنى إلّا بضمّ اسم ، أو فعل ، مثل : (الدار لزيد) و (ليدرس). (٢)

الدليل النقليّ :

نقل عن أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب عليه‌السلام قال : (الكلام كلّه ثلاثة أشياء:

اسم ، وفعل ، وحرف). (٣)

__________________

ـ النحويين : ما دلّ على حدث ، وزمان ماض [أو حال] أو مستقبل ، ثمّ تعرّض إلى بعض آراء أهل هذه الصناعة في ذلك ، (الإيضاح في علل النحو ، ص ٥٢).

(١) وقد حدّ الزجاجيّ الاسم بقوله : الاسم في كلام العرب ما كان فاعلا أو مفعولا أو واقعا في حيّز الفاعل والمفعول به.

ثمّ ذهب إلى ان هذا الحدّ داخل في مقاييس النحو وأوضاعه ، وليس يخرج عنه اسم البتة ، ولا يدخل فيه ما ليس باسم.

ثمّ ذكر آراء النحويين في حدّ الاسم. (الايضاح في علل النحو ، ص ٤٨ ـ ٥٢).

(٢) لقد أكثر أهل العربية في حدّ الحرف ، وما ذكره المصنف قدس سرّه قريب ممّا ذكره الزجاجي بأنّه : ما دلّ على معنى في غيره (الإيضاح ، ص ٥٤) وقال سيبويه : إنّه الذي يفيد معنى ليس في اسم ولا فعل ، نحو قولنا : «زيد منطلق» ثمّ نقول : «هل زيد منطلق» فأفدنا بـ «هل» ما لم يكن في «زيد» ولا «منطلق» (الصاحبي ، ص ٥٣).

(٣) قال أبو القاسم الزجاجي (المتوفى ٣٣٧) في كتابه الإيضاح ، ص ٤٢ : روي لنا أنّ أوّل من قال ذلك أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب صلوات الله عليه ، أعني قولهم : «الكلام اسم وفعل وحرف».

وقد ذكر في موضع آخر من كتابه (ص ٨٩) : إن أوّل من كتب ذلك في كتاب الكلام هو

٣٣

الدليل الاستقرائيّ :

كلّما تفحّص وتتبّع أهل الفنّ لم يعثروا على أكثر من الثلاث.

٢ ـ أصول الكلمة

الكلمات العربيّة على ستة اصول ، لأنّ أصل الكلمة إمّا متكوّن من ثلاثة أحرف وهو (الثلاثيّ) وإمّا من أربعة أحرف وهو (الرّباعيّ) وإمّا من خمسة أحرف وهو (الخماسيّ) وكلّ من (الثّلاثيّ) و (الرّباعيّ) و (الخماسيّ) إمّا بدون حرف زائد على اصوله وهو (المجرّد). وإمّا مع حرف زائد على اصوله وهو (المزيد فيه).

فائدة : إنّ الأصل (الثلاثيّ) و (الرّباعيّ) مشترك بين الاسم والفعل.

والأصل (الخماسيّ) مختص بالاسم.

__________________

ـ ـ أبو الأسود الدؤلي فسئل عن ذلك فقال : أخذته من أمير المؤمنين علي بن أبي طالب صلوات الله عليه. انتهى

قال العلامة المجلسيّ (في بحار الأنوار ٤١ : ١٤٢): (ومن العلوم [التي اخذت عن أمير المؤمنين عليه‌السلام] علم النحو والعربيّة ، وقد علم الناس كافة أنّه هو الذي ابتدعه وأنشأه وأملى على أبي الاسود الدؤلي جوامعه واصوله ، من جملتها : الكلمة ثلاثة أشياء : اسم ، وفعل وحرف ...). انتهى.

وسبب ذلك ما روي عن أبي الأسود الدؤلي رحمه‌الله أنّه لمّا سمع كلام المولّدين من أبناء العرب أنكر ما يأتون به من اللحن بأبناء العجم والحاضرة. ومن ذلك ما رواه العلامة المجلسي في البحار ٤٠ : ١٦٢ : من أن أبا الاسود كان يمشي خلف جنازة ، فقال له رجل : من المتوفّي ، فقال ـ أبو الاسود ـ : الله. ثمّ أخبر عليا بذلك فأسّس. انتهى

أقول : إنّ السائل أراد معرفة الميت وكان عليه أن يقول : (من المتوفّى) بصيغة المفعول ، لكنه أخطأ وقال: (من المتوفّي) بصيغة الفاعل.

٣٤

الجدول الأوّل

في أقسام الكلمة

٣٥

الباب الثّاني

في تقاسيم الفعل

التقسيم الأوّل (١)

الفعل على ثلاثة أقسام : ماض ، ومضارع ، وأمر.

فإنّ الفعل ـ كما عرفت في الباب الأوّل ـ كلمة تدلّ بنفسها على معناها مع الاقتران بزمان.

وذلك الزمان :

إمّا قد انقضى ، فهو : الفعل الماضي ، كقوله تعالى : (أَخَذَ رَبُّكَ.)(٢)

أو سيأتي ، فهو : الفعل المستقبل ويقال له : المضارع ، كقوله تعالى : (وَيَأْخُذُ الصَّدَقاتِ.)(٣)

أو الحال فهو : فعل الأمر ، كقوله تعالى : (خُذِ الْعَفْوَ.)(٤)

__________________

(١) وهذا التقسيم راجع إلى زمان الفعل.

(٢) الأعراف : ١٧٢.

(٣) التوبة : ١٠٤.

(٤) الأعراف : ١٩٩.

٣٦

التقسيم الثاني (١)

الفعل على نوعين : ثلاثيّ ، ورباعيّ ، وكلّ واحد منهما إمّا مجرّد وإمّا مزيد فيه.

فالفعل على أربعة أقسام :

١ ـ ثلاثيّ مجرّد ، مثل : قتل ، وله ستّة أبواب.

٢ ـ ثلاثيّ مزيد فيه ، مثل : قاتل ، وله عشرة أبواب.

٣ ـ رباعيّ مجرّد ، مثل : دحرج ، وله باب واحد.

٤ ـ رباعيّ مزيد فيه ، مثل : تدحرج ، وله ثلاثة أبواب.

__________________

(١) ان هذا التقسيم راجع إلى صورة الفعل.

٣٧

الجدول الثاني

في تقاسيم الفعل

٣٨

التقسيم الثّالث

الصحيح وغيره :

الفعل على أقسام : المعتلّ ، المهموز ، المضاعف ، الصحيح. (١)

والاعتبار هنا بالفعل الثلاثّيّ المجرّد على ما سيأتي في الباب الثامن.

المعتلّ : (٢)

المعتلّ : ما كان فيه حرف من (الواو ، أو الياء ، أو الألف المنقلبة عن الواو أو الياء) وتسمّى هذه الحروف الثلاثة بـ «حروف العلّة».

فإن كان حروف العلّة في أوّله ، سمّي : معتلّ الفاء ، ويقال له : المثال (٣)، مثل: وعد.

__________________

(١) واعلم أنّ تقسيم الفعل بهذا النحو انّما هو في اصطلاح الصرفيّين وأمّا في اصطلاح النحويين فالفعل ينقسم إلى صحيح ومعتلّ ، والصحيح إلى سالم ، ومضاعف ، ومهموز ، والمعتلّ الى معتل الفاء واللام والعين ، واللفيف المفروق ، واللفيف المفروق.

(٢) وهو اسم فاعل من اعتلّ ، أي : مرض ، وسميّت هذه الحروف الثلاثة بحروف العلّة لأنّ من شأنها أن يقلب بعضها الى بعض ، وحقيقة العلّة تغيير الشيء عن حاله ، ومن هنا ذهب بعضهم إلى أنّ الهمزة من حروف العلّة لوقوع الانقلاب والتغيير فيها كقلب الهمزة الثانية ألفا في : (آمن) وكقلب الهمزة واوا في : (يومن) على وجه.

لكن ذلك على خلاف ما عليه الجمهور إذ لا يجري فيها ما يجري في الواو والياء والألف في كثير من الأبواب وبذلك خرج المهموز عن حدّ المعتلّ.

(٣) وانّما سمّي مثالا لمماثلته للصحيح في خلوّ ماضيه من الإعلال.

٣٩

وإن كان حرف العلّة في وسطه ، سمّي : معتلّ العين ويقال له : الأجوف (١)، مثل:قال.

وإن كان حرف العلّة في آخره ، سمّي : معتلّ اللام ، ويقال له : الناقص (٢)، مثل:رمى.

وإن كان حرف العلّة في أوّله وآخره ، سمّي : اللفيف المفروق (٣) ، مثل : وقى.

وإن كان حرف العلّة في وسطه وآخره ، سمّي : اللفيف المقرون (٤) ، مثل : طوى.

__________________

(١) سمّي أجوفا تشبيها بالشيء الذي أخذ ما في داخله فبقي أجوف ، وذلك لأنّه تذهب عينه كثيرا ، نحو قلت ، وبعت ، ولم يقل ، ولم يبع ، ويسمّى الأجوف : (ذا الثلاثة) ـ أيضا ـ وذلك اعتبارا بأوّل ألفاظ الماضي ، لأنّ الغالب عند الصرفيين إذا صرّفوا الماضي أو المضارع أن يبتدئوا بحكاية النفس نحو : ضربت وبعت لأنّ نفس المتكلّم أقرب الأشياء إليه ، والحكاية عن النفس من الأجوف على ثلاثة أحرف ، نحو : قلت ، وبعت.

(٢) وإنّما سمي منقوصا أو ناقصا لنقصان حرفه الأخير في الجزم والوقف نحو : اغز وارم ، واخش ، ولا تغز ، ولا ترم ولا تخش.

ويسمّى الناقص : (ذا الأربعة) أيضا وذلك لأنّه ، وإن كان فيه حرف العلّة ـ لا يصير في أوّل ألفاظ الماضي على ثلاثة كما صار في الأجوف عليها. فتسميته ، بذي الأربعة باعتبار الفعل لا باعتبار الاسم.

(٣) وسمّي بذلك لالتفاف حرفي العلّة في الكلمة لكنّهما مفترقان مكانا بأن صار أحدهما في أولها والثاني في آخرها.

(٤) وسمّي بذلك لالتفاف حرفي العلّة واقترانهما في الكلمة.

٤٠