نزهة الطرف في علم الصرف

السيّد محمّد تقي الحسيني الجلالي

نزهة الطرف في علم الصرف

المؤلف:

السيّد محمّد تقي الحسيني الجلالي


المحقق: السيّد قاسم الجلالي
الموضوع : اللغة والبلاغة
الناشر: انتشارات سلسال
المطبعة: بهار
الطبعة: ١
ISBN: 964-7759-11-8
الصفحات: ٣٠٢

الباب السادس والعشرون

في أفعال القلوب (١) ـ وتسمّى : (أفعال الشكّ واليقين) ـ وأفعال الصيرورة. (٢)

والظاهر أنّهم أرادوا من (الشكّ) : (الظنّ) وإلّا فلا شيء منها بمعنى الشكّ ؛ لأنّ الشكّ معناه تساوي الطرفين.

والظنّ : غلبة أحد الطرفين.

كما أنّ اليقين : العلم بأحد الطرفين.

عملها : تدخل على المبتدأ والخبر ، وتنصبهما على المفعوليّة.

فالمبتدأ مفعول أوّل لها ، والخبر مفعول ثان.

__________________

(١) وإنّما سمّيت أفعال القلوب لأنّها لا تحتاج في صدورها إلى الجوارح والأعضاء الظاهرة ؛ بل إنّ معانيها قائمة بالقلب وصادرة منه.

(٢) يأتي الكلام حول أفعال الصيرورة في ص.

٢٠١

أحكام أفعال القلوب

١ ـ لزوم ذكر المفعولين معا ، فلا يجوز حذف أحدهما ، أو كليهما ، إلّا بقرينة لفظيّة، كقوله تعالى : (أَيْنَ شُرَكائِيَ الَّذِينَ كُنْتُمْ تَزْعُمُونَ)(١) ، أي : تزعمونهم شركائي.

وبهذا يمتاز عن الأفعال الاخر الّتي تتعدّى إلى مفعولين ، مثل : أعطى ، فإنّه يجوز حذف أحد معموليها أو كليهما ، كما يجوز إبقاؤهما ـ كالأمثلة التالية :

(أعطيت زيدا درهما) و (أعطيت زيدا) و (أعطيت درهما) و (فلان يعطي ويكسو).

٢ ـ جواز كون فاعلها ومفعولها ضميرين لشيء واحد ، نحو : (علمتني منطلقا) ولا يجوز ذلك في سائر الأفعال ، فلا يقال : أدّبتني ؛ بل يقال : (ادّبت نفسي).

٣ ـ جواز الإلغاء ، وهو إبطال عملها لفظا ومعنى ، وذلك إذا وقعت بين مفعوليها أو تأخّرت عنهما ، نحو : (المحبّ علمت مصطبر) ، (هما سيّدانا يزعمان).

٤ ـ التعليق ، وهو إبطال عملها لفظا فقط ، وذلك إذا وقعت قبل الاستفهام ، أو النفي ، أو لام الابتداء ، أو لام القسم وهذه أمثلتها :

مثال الاستفهام : كقوله تعالى : (وَإِنْ أَدْرِي أَقَرِيبٌ أَمْ بَعِيدٌ ما تُوعَدُونَ.)(٢)

__________________

(١) القصص : ٦٢.

(٢) الانبياء : ١٠٩.

٢٠٢

مثال النفي : كقوله تعالى : (لَقَدْ عَلِمْتَ ما هؤُلاءِ يَنْطِقُونَ.)(١)

مثال لام الابتداء : كقوله تعالى : (وَلَقَدْ عَلِمُوا لَمَنِ اشْتَراهُ ما لَهُ فِي الْآخِرَةِ مِنْ خَلاقٍ.)(٢)

مثال لام القسم : كقول الشاعر :

ولقد علمت لتأتينّ منيّتي

إنّ المنايا لا تطيش سهامها (٣)

٥ ـ لو عطف على معمول الفعل المعلّق ، جاز عمله في المعطوف نحو : (علمت لزيد منطلق وبكرا قاعدا).

٦ ـ الإلغاء والتعليق ، لا يجريان في (هبّ) و (تعلّم) و (أفعال الصيرورة الآتية).

٧ ـ لهذه الأفعال نوعان من المعاني :

الأوّل : بمعنى الظنّ ، أو اليقين والعلم والاعتقاد ، فهي ـ حينئذ ـ أفعال القلوب.

الثاني : بغير ذلك المعنى فهي ـ حينئذ ـ ليست من أفعال القلوب ؛ بل تأخذ مفعولا واحدا ، أولا تتعدّى إلى مفعول ؛ لكونه بذلك المعنى فعلا لازما.

٨ ـ أفعال الصيرورة ، كأفعال القلوب في التعدّي إلى مفعولين.

٩ ـ الإلغاء (إبطال العمل لفظا ومعنى) جائز ، والتعليق (إبطال العمل لفظا) واجب. (٤)

__________________

(١) الانبياء : ٦٥.

(٢) البقرة : ١٠٢.

(٣) هذا البيت للبيد.

(٤) أي : إنّ الإلغاء إذا جاز يجوز معه الإعمال أيضا ، بخلاف التعليق فإنه إذا توفرّت شروطه وجب ولا يجوز حينئذ الإعمال.

٢٠٣

أفعال القلوب وأمثلتها ومعانيها الاخر

١ ـ «علم» ، لليقين (١) كقوله تعالى : (فَاعْلَمْ أَنَّهُ لا إِلهَ إِلَّا اللهُ.)(٢)

والمعنى الآخر (عرف) كقوله تعالى : (وَاللهُ أَخْرَجَكُمْ مِنْ بُطُونِ أُمَّهاتِكُمْ لا تَعْلَمُونَ شَيْئاً.)(٣)

وبمعنى : (صار أعلم) ـ أي : مشقوق الشفة ـ وفي حديث سهيل بن عمرو :

(أنّه كان أعلم الشّفة). (٤)(٥)

٢ ـ «رأى» ، لليقين ، كقول الشاعر :

رأيت الله أكبر كلّ شيء

[محاولة وأكثرهم جنودا](٦)

وللظّن ، كقوله تعالى : (إِنَّهُمْ يَرَوْنَهُ بَعِيداً.)(٧)

والمعنى الآخر : (أبصر) ، كقوله تعالى : (فَانْظُرْ ما ذا تَرى.)(٨)

وبمعنى : (أصاب الرئة) نحو : (ضرب زيد سميرا فرآه).

وبمعنى : الرأي ، نحو : (رأي الإسلام حرمة الخمر).

__________________

(١) ورد في الهامش (وقيل : يأتي للظن ـ أيضا ـ ومثّل له بقوله تعالى : (فَإِنْ عَلِمْتُمُوهُنَّ مُؤْمِناتٍ) منه رحمه‌الله.

(٢) محمد : ١٩.

(٣) النحل : ٦٨.

(٤) لسان العرب ، ج ٩ ، ص ٣٧٢.

(٥) والعلم هو الشق في الشفة العليا ، وان كان في السفلى فهو أفلج.

(٦) هذا البيت لخداش بن زهير وهو من شواهد بن عقيل ١ : ٤١٧.

(٧) المعارج : ٦.

(٨) الاعراف : ١٤٣.

٢٠٤

٣ ـ «وجد» لليقين ، كقوله تعالى : (إِنَّا وَجَدْناهُ صابِراً.)(١)

والمعنى الآخر : (أصاب) ، كقوله تعالى : (فَمَنْ لَمْ يَجِدْ)(٢)

وبمعنى (غضب) ، كقوله عليه‌السلام في الدعاء : (أسألك فلا تجد عليّ) أي : ـ لا تغضب. (٣)

وبمعنى : (حزن) ـ أيضا ـ نحو : (وجد زيد على فراق أبيه).

٤ ـ «ظنّ» ، لليقين ، كقوله تعالى : (وَظَنُّوا أَنْ لا مَلْجَأَ مِنَ اللهِ إِلَّا إِلَيْهِ.)(٤) وللظنّ ، كقوله تعالى : (إِنَّهُ ظَنَّ أَنْ لَنْ يَحُورَ.)(٥)

والمعنى الآخر : اتّهم ، نحو : (ظنّ القاضي زيدا) أي : اتّهمه ، ومنه قوله تعالى:(وَما هُوَ عَلَى الْغَيْبِ بِضَنِينٍ)(٦) في قراءة. (٧)

٥ ـ «حسب» للاعتقاد ، كقوله تعالى : (وَيَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ عَلى شَيْءٍ.)(٨) وللعلم، كقول الشاعر :

__________________

(١) ص : ٤٤.

(٢) البقرة : ١٩٦ ، النساء : ٩٢.

(٣) انظر مجمع البحرين ٣ : ١٥٥ ، ومنه ما ورد في الحديث : (ان فاطمة ماتت وهي واجدة على الشيخين) البحار ٢٨ : ٣٢٢.

(٤) التوبة : ١١٨.

(٥) الانشقاق : ١٤.

(٦) التكوير : ٢٤.

(٧) قرأ أهل البصرة غير سهل وابن كثير والكسائي بظنين بالظاء. والباقون بضنين بالضاد ، بمعنى :البخل.

(٨) المجادلة : ١٨.

٢٠٥

حسبت التقى والجود خير تجارة

[رباحا إذا ما المرؤ أصبح ثاقلا](١)

والمعنى الآخر : صار ذا حسب ، أي : ذا شقرة ـ لون حمرة وبياض ـ (٢)

ومن الحساب ، نحو : (حسب الدراهم) أي : أحصاها عددا.

٦ ـ «خال» ، للظنّ (من : خال يخال) كقول الشاعر :

حسبت التقى والجود خير تجارة

[رباحا إذا ما المرؤ أصبح ثاقلا](١)

[ضعيف النكاية أعداءه]

يخال الفرار يراخي الأجل (٣)

ولليقين ، كقول الشاعر :

دعاني الغواني عمّهنّ ، وخلتني

لي اسم ؛ فلا ادعى به وهو أوّل (٤)

والمعنى الآخر (من : خال يخول) (٥) : يتعهّد.

وبمعنى : يتكبّر. (٦)

__________________

(١) وهذا البيت للبيد بن ربيعة العامري ، وهو من شواهد بن عقيل ١ : ٤٢٢.

(٢) والأحسب : الذي ابيضّت جلدته من داء ، ففسدت شعرته فصار أحمر وأبيض. يكون ذلك في الناس والإبل. قال الأزهري عن الليث : وهو الأبرص. وفي الصحاح : الأحسب من الناس : الذي في شعر رأسه شقرة. انظر : صحاح اللغة ـ ولسان العرب مادة (حسب).

(٣) هذا البيت لم يسمّ قائله ، وهو من شواهد سيبويه (١ / ٩٩) والاشموني (رقم : ٦٧٨) وابن عقيل (٢ / ٩٥). انظر : جامع الشواهد ، ج ٢ ، ص ٧٣.

(٤) وهذا البيت لنمر بن تولب العكلي. وهو من شواهد ابن عقيل ١ : ٤٢١.

(٥) كما في الحديث : (كان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يتخوّلنا بالموعظة) أي : يتعهّد ويتفقدنا بالموعظة ، هذا بناء على القراءة بالخاء المعجمة ، وذهب بعضهم إلى أن الصواب : بالحاء المهملة : (يتحولنا).

انظر : مجمع البحرين ٥ : ٣٦٦ ، النهاية ٢ : ٨٨ ، لسان العرب مادة (خول).

(٦) وفي حديث طلحة قال لعمر : (لا نخول عليك) أي : لا نتكبر عليك (النهاية ٢ : ٨٩).

٢٠٦

٧ ـ «زعم» ، للظنّ (١) ، كقول الشاعر :

فإن تزعميني كنت أجهل فيكم.

[فإنّي شريت الحلم بعدك بالجهل](٢)

والمعنى الآخر : (كفل) ، كقوله تعالى : (وَأَنَا بِهِ زَعِيمٌ.)(٣) وفي الحديث : (ذمّتي به رهين وأنا به زعيم). (٤)

وبمعنى : (سمن) وبمعنى : هزل ـ أيضا ـ. (٥)

٨ ـ «حجا» ، لليقين كقول الشاعر :

قد كنت أحجو أبا عمرو أخا ثقة

[حتّى ألمّت بنا يوما ملمّات](٦)

والمعنى الآخر : غلب في المحاجاة. (٧)

وبمعنى : قصد. نحو (حجوت روضة الإمام الرّضا عليه‌السلام) أي : قصدتها.

__________________

(١) (قيل : معنى زعم الدعوى والاعتقاد فتكون للظنّ تارة ولليقين أخرى) منه رحمه‌الله.

(٢) هذا البيت لأبي ذؤيب الهذلي.

المعنى : لئن كان يترجّح لديك أني كنت موصوفا بالطيش أيام كنت أقيم بينكم ، فإنه قد تغيّر عندي كلّ وصف من هذه الأوصاف وتغيّرت إلى خلق كريم.

(٣) يوسف : ٧٢.

(٤) النهاية ٢ : ٣٠٣.

(٥) قال ابن الناظم : (زعم : بمعنى كفل ، أو سمن ، أو هزل). شرح ألفية ابن مالك ، لابن الناظم : ص ٧٤.

وفي لسان العرب : (الزّعوم : [من الغنم] القليلة الشحم وهي الكثيرة الشحم) لسان العرب : مادة (زعم).

(٦) هذا البيت قيل : لتميم بن أبي بن مقبل. وقيل : لابي شنبل الأعرابي ، وقيل : لأعرابي يقال له : القنان.

المعنى : كنت أظنّ أنّ أبا عمرو صديقا حميما يعينني في النوائب ، وقد بان لي خلاف ما كنت أظن عند ما نزلت بي نازلة فأعرض عنّي.

(٧) المحاجاة بمعنى : اللغز ، نحو : (حاجيته فحجوته) أي : غلبته في اللغز.

٢٠٧

وبمعنى : أقام ، نحو : (حجا طالب العلم في النجف الأشرف) أي : أقام فيها ، وهي بهذا المعنى تكون فعلا لازما.

وبمعنى : بخل ، نحو : (حجوت بكتابي) أي : بخلت به ، وهي بهذا المعنى تكون فعلا لازما ـ أيضا ـ.

وبمعنى : ردّ ، نحو : (حجوت الطالب عن الكسل) أي : رددته ومنعته عنه.

وبمعنى : كتم ، نحو : (حجوت السرّ) أي : كتمته.

وبمعنى : قاد ، نحو : (حجا الراعي قطيعه) أي : قاده وساقه.

٩ ـ «درى» (١) للعلم ، كقول الشاعر :

دريت الوفيّ العهد ياعرو فاغتبط

[فإنّ اغتباطا بالوفاء حميد](٢)

وبمعنى : خدع ، نحو : (دريت الغزال) أي : احتلت له حتّى أصيده.

وبمعنى : مشّط ، نحو : (درى رأسه بالمدرى) أي : مشّطه.

١٠ ـ «جعل» ، للاعتقاد ، كقوله تعالى : (وَجَعَلُوا الْمَلائِكَةَ الَّذِينَ هُمْ عِبادُ الرَّحْمنِ إِناثاً.)(٣)

__________________

(١) والعرب ربّما حذفوا «الياء» نحو قولهم : (لا أدر) في موضع قولهم : (لا أدري) ويكتفون بالكسر منها ، كما في قوله تعالى : ((وَاللَّيْلِ إِذا يَسْرِ)) والأصل : يسري.

(٢) هذا البيت لم ينسب إلى قائل ، وهو من شواهد بن عقيل (شرح بن عقيل ١ : ٤١٩) ومن شواهد ابن هشام في قطر الندى رقم (٦٨) وفي أو ضحه رقم (١٧١) ومن شواهد شذور الذهب رقم (١٨١).

المعنى : يا عروة إن الناس عرفوك وفيّا في عهدك ، فعليك أن تغتبط بهذا ، ولا لوم عليك في الاغتباط به بل الاغتباط به أمر حميد. انظر : جامع الشواهد ٢ : ٣.

(٣) الزخرف : ١٩.

٢٠٨

والمعنى الآخر : خلق ، كقوله تعالى : (إِنِّي جاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً.)(١)

١١ ـ «عدّ» ، للظنّ ، كقول الشاعر :

فلا تعدد المولى شريكك في الغنى

ولكنّما المولى شريكك في العدم (٢)

والمعنى الآخر : العدّ والحساب. كقوله تعالى : (وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَتَ اللهِ)(٣).

١٢ ـ «ألفى» ، لليقين ، كقوله تعالى : (إِنَّهُمْ أَلْفَوْا آباءَهُمْ ضالِّينَ.)(٤)

والمعنى الآخر : وجد. كقوله تعالى : (وَأَلْفَيا سَيِّدَها لَدَى الْبابِ.)(٥)

وكقول الشاعر :

ألفاه محجوب الجمال كأنّه

[بدر بمنحطم الوشيج ملثّم](٦)

١٣ ـ «هب» ، للظنّ ـ ملازم لصيغة الأمر ـ كقول الشاعر :

فقلت أجرني أبا مالك

وإلّا فهبني امرأ هالكا (٧)

__________________

(١) البقرة : ٣٠.

(٢) هذا البيت لنعمان بن بشير الأنصاري ، الخزرجي. وهو من شواهد ابن عقيل ، ج ١ ، ص ٤٢٥ / ١٢٤.

المعنى : لا تظنّ أنّ من يشاركك المودّة ، أيّام غناك صديق لك ، وأنّما صديقك من يشاركك المودّة أيّام فقرك. انظر: جامع الشواهد : ج ٢ ، ص ٣٠١.

(٣) إبراهيم : ٣٤.

(٤) الصافات : ٦٩.

(٥) يوسف : ٢٥.

(٦) هذا البيت للسيّد جعفر الحلي ، من قصيدة يرثي بها العبّاس بن علي عليهما‌السلام. (انظر : رياض المدح والرثاء ، للبحراني ، ص ١٧٣ ، ط منشورات الكاظمي).

(٧) وهذا البيت لابن همّام السلولي ، وهو من شواهد ابن عقيل ١ : ٤٢٧ / ١٢٦. المعنى : فقلت : احمني يا

٢٠٩

والمعنى الآخر : طلب الهبة ، كقوله تعالى : (رَبِّ هَبْ لِي مِنْ لَدُنْكَ ذُرِّيَّةً طَيِّبَةً.)(١)

١٤ ـ «تعلّم» بمعنى : اعلم ـ ملازم لصيغة الأمر ـ كقول الشاعر :

تعلّم شفاء النفس قهر عدوّها

[فبالغ بلطف في التحيّل والمكر](٢)

__________________

ـ أبا مالك وإلّا فظنّ أني رجل هالك. (انظر : جامع الشواهد : ح ٢ ، ص ١٨٣).

(١) آل عمران ، ٣٨.

(٢) هذا البيت لزياد بن سيار بن عمرو بن جابر. وهو من شواهد ابن عقيل ١ : ٤٢٠ / ١٢٠.

المعنى : اعلم أنّ شفاء نفس المرء في قهر أعدائها فعليك بالتحيّل والمكر في ذلك.

(انظر : جامع الشواهد ، ج ١ ، ص ٣٥٤).

٢١٠

أفعال الصيرورة أو (التحويل)

وهي الّتي بمعنى : (صيّر) وبحكم أفعال القلوب في التعدّي إلى مفعولين.

وتأتي بمعنى آخر (غير معنى صيّر).

وبذلك المعنى لا تكون بحكم أفعال القلوب في التعدّي إلى مفعولين ونذكر تلك الأفعال بمعنى الصيرورة وبه تكون الأفعال بحكم أفعال القلوب في التعدي إلى مفعولين ثمّ نذكر المعنى الآخر الذي ليس بحكم أفعال القلوب.

١٥ ـ «صيّر» كقوله عليه‌السلام : (صيّر الله النار على الخليل عليه‌السلام بردا). (١)

والمعنى الآخر : من «النقل» نحو : (صيّرت الطفل إلى المدرسة).

١٦ ـ «جعل» بمعنى صيّر ، كقوله تعالى : (فَجَعَلْناهُ هَباءً مَنْثُوراً.)(٢)

١٧ ـ «وهب» بمعنى صيّر ، نحو : (وهبت الدقيق عجينا).

والمعنى الاخر ، من الهبة والعطيّة. كقوله تعالى : (فَوَهَبَ لِي رَبِّي حُكْماً.)(٣)

١٨ ـ «ردّ» بمعنى صيّر ، كقوله تعالى : (لَوْ يَرُدُّونَكُمْ مِنْ بَعْدِ إِيمانِكُمْ كُفَّاراً.)(٤)

والمعنى الآخر من الإرجاع ، كقوله عليه‌السلام : (من ردّ ريقه تعظيما لحقّ المسجد جعل الله ريقه صحّة). (٥)

__________________

(١) بحار الأنوار ١٦ : ٤٠٦.

(٢) الفرقان : ٢٣.

(٣) الشعراء : ٢١.

(٤) البقرة : ١٠٩.

(٥) الوسائل ٥ : ٢٢٢.

٢١١

١٩ ـ «ترك» بمعنى صيّر كقولهم : (تركته أخا القوم) أي : صيّرته.

والمعنى الآخر ، رفع اليد ، كقول الشاعر :

وأترك حبّها من غير بغض

[وذاك لكثرة الشركاء فيه](١)

٢٠ ـ «اتّخذ» بمعنى : صيّر ، كقوله تعالى : (وَاتَّخَذَ اللهُ إِبْراهِيمَ خَلِيلاً.)(٢) والمعنى الآخر من الأخذ ، كقوله عليه‌السلام : (من اتّخذ ثوبا فلينظّفه). (٣)

٢١ ـ «تخذ» ، بمعنى صيّر ، كقول الشاعر :

تخذت غراز إثرهم دليلا

[وفرّوا في الحجاز ليعجزوني](٤)

__________________

(١) ذكر في حياة الحيوان : ١ / ٦ ، ولم ينسبه الى قائله وتكملته :

إذا وقع الذباب على طعام

رفعت يدي ونفسي تشتهيه

وتجتنب الأسود ورود ماء

إذا كان الكلاب ولغن فيه

 (٢) النساء : ١٢٥.

(٣) الوسائل ٥ : ١٤.

(٤) هذا البيت لجندب بن مرّة الهدلي.

٢١٢

الباب السابع والعشرون

في باب أعلم وأرى وملحقاتهما

(أعلم) و (أرى) وما بحكمهما (١) : يتعدّيان إلى ثلاثة مفاعيل ، وذلك لأنّ الفعل اللّازم إذا دخل باب الإفعال يتعدّى إلى مفعول واحد.

والفعل المتعدّي إلى واحد ، إذا دخل باب الإفعال يتعدّى إلى مفعولين ، والفعل المتعدّي إلى مفعولين ، إذا دخل باب الإفعال يتعدّى إلى ثلاثة مفاعيل.

وبما أنّ (علم) و (رأى) من أفعال القلوب ـ ويتعدّيان إلى مفعولين ـ إذا صارا بباب الإفعال يتعدّيان إلى ثلاثة مفاعيل.

مثاله : (أعلم محمّد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عليّا عليه‌السلام عمّارا مؤمنا).

قال تبارك وتعالى : (إِذْ يُرِيكَهُمُ اللهُ فِي مَنامِكَ قَلِيلاً وَلَوْ أَراكَهُمْ كَثِيراً لَفَشِلْتُمْ.)(٢)

ويجري فيها الإلغاء والتعليق وغيرهما ممّا تقدّم من أحكام أفعال القلوب. (٣)

__________________

(١) أي : ملحقات الباب التالية في الصفحة.

(٢) الأنفال : ٤٣.

(٣) تقدّمت في الصفحة.

٢١٣

ملحقات الباب (١)

١ ـ نبّأ ـ ألحقه سيبويه ـ ومثاله قول الشاعر :

نبّئت زرعة ـ والسّفاهة كاسمها ـ

يهدي إليّ غرائب الأشعار (٢)

٢ ـ أنبأ ، ألحقه أبو عليّ [الفارسيّ] قال الشاعر :

نبّئت زرعة ـ والسّفاهة كاسمها ـ

يهدي إليّ غرائب الأشعار (٢)

٣ ـ خبّر ـ ألحقه السيرافيّ ـ كقول الشاعر :

وخبّرت سوداء الغميم مريضة

فأقبلت من أهلي بمصر أعودها (٤)

٤ ـ أخبر ـ ألحقه السيرافيّ ـ ومثّل له بقول الشاعر :

وما عليك إذا أخبرتني دنفا

وغاب بعلك يوما أن تعوديني (٥)

٥ ـ حدّث ـ ألحقه السيرافيّ ـ واستشهد له بقول الشاعر :

أو منعتم ما تسألون فمن

حدّثتموه له علينا العلاء (٦)

__________________

(١) هذه الافعال معدودة من الملحقات لانها بحكم باب أعلم وأرى في العمل وهو التعدي الى ثلاثة مفاعيل لكنها ليست من أفعال القلوب ، منه رحمه‌الله.

(٢) هذا البيت للنابغة الذبياني ، وهو من شواهد ابن عقيل ١ : ٤٥٦ / ١٣٧. انظر : جامع الشواهد ٣ : ٥٤.

(٣) هذا البيت للأعشى ميمون بن قيس ، وهو من شواهد ابن عقيل ، ج ١ ، ص ٤٥٩ / ١٤٠.

(٤) هذا البيت للعوام بن عقبة بن كعب بن زهير. انظر : جامع الشواهد : ٣ : ١٣٩.

(٥) هذا البيت لرجل من بني كلاب. انظر جامع الشواهد ٣ : ٢٥٠. وشرح ابن عقيل ١ : ٤٥٧.

(٦) هذا البيت للحارث بن خالد اليشكري. انظر : جامع الشواهد ، ج ١ ، ص ٢٧٨.

٢١٤

تمارين :

١ ـ فسّر : اليقين ، الظنّ ، الشكّ.

٢ ـ مثّل لفعل قلبيّ له معنى غير قلبيّ يأخذ به مفعولا واحدا.

٣ ـ مثّل لفعل قلبيّ له معنى غير قلبيّ لا يأخذ مفعولا بذلك المعنى.

٤ ـ أعرب قوله تعالى : (إِنَّهُمْ يَرَوْنَهُ بَعِيداً.)

٥ ـ عدّد خمسة من أفعال القلوب.

٦ ـ عدّد خمسة من ملحقات أفعال القلوب.

٧ ـ عدّد خمسة من أفعال القلوب بمعنى غير قلبيّ.

٨ ـ أعرب قوله : (وأنبئت قيسا ولم أبله).

٩ ـ عدّد ثلاثة من أفعال القلوب بمعنى اليقين مع المثال.

١٠ ـ عدّد ثلاثة من أفعال القلوب بمعنى الظنّ مع المثال.

٢١٥
٢١٦

الباب الثامن والعشرون

في أفعال المقاربة

وهي :

(كاد ، كرب ، أوشك ، عسى ، حرى ، اخلولق ، جعل ، طفق ، أخذ ، علق ، أنشأ).

حكمها :

تدخل على المبتدأ والخبر ، وترفع المبتدأ اسما لها ، والخبر خبرا لها في موضع النصب ولا بدّ أن يكون الخبر فعلا مضارعا مع (أن) أو بدونها.

معانيها :

دنوّ الخبر إلى الاسم مقاربة ، أو رجاء ، أو أخذا وشروعا وإنشاء.

ملحوظة :

سمّيت كلّها بأفعال المقاربة من باب تسمية الكلّ باسم البعض ، وإلّا فما فيه معنى المقاربة هو بعضها.

وهي على ثلاثة أقسام :

٢١٧

القسم الأوّل : ما فيه معنى المقاربة

وهي : (كاد ، كرب ، أوشك).

كاد ، كقوله تعالى : (وَما كادُوا يَفْعَلُونَ.)(١)

كرب ، نحو قول الشاعر :

كرب القلب من جواه يذوب

[حين قال الوشاة هند غضوب](٢)

أوشك ، نحو قول الشاعر :

ولو سئل الناس التّراب لأوشكوا

إذا قيل : هاتوا أن يملّوا ويمنعوا (٣)

القسم الثاني : ما فيه معنى الرّجاء

وهي : (عسى ، حرى ، اخلولق).

عسى ، كقوله تعالى : (عَسى رَبُّكُمْ أَنْ يَرْحَمَكُمْ)(٤)

__________________

(١) البقرة : ٧١.

(٢) قيل هذا البيت لرجل من طيئ ، وقال الأخفش : إنه للكلحبه اليربوعي أحد فرسان بني تميم وشعرائهم المجيدين.

المعنى : قرب القلب أن يذوب لما حلّ به من الحزن ، وذلك عند ما قال الوشاة ـ وهم الساعون بالإفساد بين المتحابيّن ـ إنّ هندا غاضبة عليّ.

(٣) هذا البيت أنشده ثعلب في أماليه (ص ٤٣٣) عن ابن الأعرابي ، ولم ينسبه إلى أحد.

المعنى : لو سئل الناس أن يعطوا أقلّ الاشياء قيمة ـ وهو التراب ـ لما أجابوا ، بل يمنعون السائل ويملّونه. انظر : جامع الشواهد ٣ : ٢٢٨.

(٤) الاسراء : ٨.

٢١٨

حرى ، نحو : (حرى محمّد أن يظهر).

اخلولق ، نحو : (اخلولق القمر أن يبرز).

القسم الثالث : ما فيه معنى الشروع

وهي : (جعل ، أخذ ، طفق ، علق ، أنشأ).

جعل ، نحو : (جعل الخيّاط يخيط).

أخذ ، نحو : (أخذ السيل يدنو).

طفق ، كقوله تعالى : (وَطَفِقا يَخْصِفانِ عَلَيْهِما مِنْ وَرَقِ الْجَنَّةِ.)(١)

علق ، نحو : (علق المدرّس يقرأ).

أنشأ ، نحو : (أنشأ السائق يحدو).

فائدتان :

الفائدة الأولى : (عسى ، اخلولق ، أوشك).

تستعمل ناقصة كما تقدّم ، أي : إنّها تحتاج إلى الخبر.

وتستعمل تامّة كالأمثلة التالية :

كقوله تعالى : (وَعَسى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئاً)(٢) ، ونحو : (اخلولق أن يأتي محمّد) ونحو : (أوشك أن يقرأ القارئ) فإنّ الجمل التي تأتي بعدها تؤوّل بالمصدر وتكون فاعلها ، مستغنية عن الخبر.

__________________

(١) الاعراف : ٢٢.

(٢) البقرة : ١١٦.

٢١٩

الفائدة الثانية : خبر هذه الأفعال على أربعة أقسام :

الأوّل : ما يجب فيه دخول (أن) وهي : (حرى) و (اخلولق).

الثاني : ما لا يجوز فيه دخول (أن) وهو كلّ ما يدلّ على الشروع.

وذلك لكون (أن) للاستقبال ، والفعل للشروع ، وبين المعنيين منافاة.

الثالث : ما يستعمل مع (أن) كثيرا ، وهي : (عسى) و (أوشك) ، وبدونها قليلا.

الرابع : ما يستعمل بدون (أن) كثيرا ، وهي (كاد) و (كرب) ، ومعها قليلا.

٢٢٠