الغدير في الكتاب والسنّة والأدب - ج ٣

الشيخ عبد الحسين أحمد الأميني النجفي

الغدير في الكتاب والسنّة والأدب - ج ٣

المؤلف:

الشيخ عبد الحسين أحمد الأميني النجفي


المحقق: مركز الغدير للدّراسات الإسلاميّة
الموضوع : العقائد والكلام
الناشر: مركز الغدير للدراسات الإسلامية
المطبعة: باقري
الطبعة: ١
الصفحات: ٥٧٦

مجاراته إحدى دواعيه إلى الهجاء ، ومات دعبل وابن الرومي في الخامسة والعشرين ، ولا نعلم أنّهما تعارفا أو كان بينهما لقاء.

وأمّا البحتري وأبو عثمان الناجم فالثابت أنّ ابن الرومي كان على معرفة وصحبة معهما ، عرف البحتري في بيت الناجم ، وكان هذا صديقاً له بقي على صداقته إلى يوم موته.

قال الأميني : لابن الرومي قصيدة في البحتري وأدبه وشعره ، توجد منها أبيات في ثمار القلوب للثعالبي (١) (ص ٢٠٠ و ٣٤٢).

وأمّا عليّ بن الجهم المتوفّى (٢٤٩) فقد كان بينه وبين ابن الرومي برزخ واسع من اختلاف المذهب في الدين والشعر ، فابن الرومي متشيّع ، وابن الجهم ناصب يذمُّ عليّا وآله ، ولا يلتقي الشيعي والناصب كما يقول ابن الرومي. وكان ابن الجهم شديد النقمة على المعتزلة وعلى أهل العدل والتوحيد منهم خاصّة ، يهجوهم ويدسُّ لهم ، ويقول في زعيمهم أحمد بن أبي دؤاد :

ما هذه البدعُ التي سمّيتَها

بالجهل منك العدلَ والتوحيدا (٢)

وابن الرومي كما مرّ بك من هذه الجماعة ، فمذهبه في الدين ينفّره من ابن الجهم ولا يرغّبه في مجاراته ولو تشابها فيما عدا ذلك من المزاج والنزعة. لقد يهون هذا الفارق ويسهل على ابن الرومي الإغضاء عنه ، وهو ناشئٌ يتلمّس القدوة ، ويخطو في سبيل الشهرة ، ولكنّك تقرأ شعر ابن الجهم في فخره ومزاحه فيخيّل إليك أنَّك تقرأ كلام جنديٍّ يتنفّج أو يعربد لخلوّه من كلِّ عاطفة غير عواطف الجند الذين يقضون أوقاتهم بين الفخر والضجيج واللهو والسكر ، وليس بين هذه الطبيعة وطبيعة ابن الرومي مسرب للقدوة أو للمقاربة في الميل والإحساس.

__________________

(١) ثمار القلوب : ص ٢٥٠ رقم ٣٤١ ، ص ٤٣١ رقم ٦٩٠.

(٢) ديوان عليّ بن الجهم : ص ١٢٥.

٨١

وأمّا ابن المعتز فقد ولد في سنة سبع وأربعين ومائتين ، فلمّا أيفع وبلغ السنّ التي يقول فيها الشعر كان ابن الرومي قد جاوز الأربعين أو ضرب في حدود الخمسين ، ولمّا بلغ واشتهر له كلام يروى في مجالس الأدباء كان ابن الرومي قد أوفى على الستّين وفرغ من التعلّم والاقتباس ، ولو انعكس الأمر وكان ابن المعتزّ هو السابق في الميلاد لما أخذ منه ابن الرومي شيئاً ، أو لكان أفسد سليقته بالأخذ عنه ، لأنّ ابن المعتزّ إنّما امتاز بين شعراء بغداد في عصره بمزاياه الثلاث ، وهي البديع والتوشيح والتشبيه بالتحف والنفائس. وابن الرومي لم يُرزق نصيباً معدوداً من هذه المزايا ، ولم يكن قطُّ من أصحاب البديع وأصحاب التوشيح أو أصحاب التشبيهات التي تدور على الزخرف ، وتستفيد نفاستها من نفاسة المشبّهات.

تاريخ وفاته :

قال ابن خلّكان (١) : توفّي يوم الأربعاء لليلتين بقيتا من جمادى الأولى سنة ثلاث وثمانين. وقيل ست وسبعين ومائتين ، ودفن في مقبرة باب البستان.

والذين جاءوا بعد ابن خلّكان تابعوه في هذا الشكّ ، ولا مسوّغ لهذا الشكّ لأمور (٢).

الأوّل : قوله :

طربتُ ولم تطرب على حين مطربِ

وكيف التصابي بابن ستّينَ أشيبِ

فبملاحظة تاريخ ولادته المتسالم عليه بين أرباب المعاجم يوافق ستّين مع سنة (٢٨١) ، فهو لم يمت في سنة (٢٧٦) على التحقيق. ولا يُظنّ أنّ الستّين هنا تقريبيّة لضرورة الشعر ، فإنّه ذكر الخمس والخمسين في موضع آخر ، حيث قال :

__________________

(١) وفيات الأعيان : ٣ / ٣٦١ رقم ٤٦٣.

(٢) نحن نذكر ملخّصها. (المؤلف)

٨٢

كَبرتَ وفي خمس وخمسين مكبرُ

وشِبتَ فألحاظُ المها عنك نُفّر (١)

الثاني : ما في مروج الذهب (٢) (٢ / ٤٨٨) للمسعودي : من أنّ قطر الندى بنت خمارويه وصلت إلى مدينة السلام مع ابن الجصّاص في ذي الحجّة سنة إحدى وثمانين ، ففي ذلك يقول ابن الرومي :

يا سيّدَ العربِ الذي زُفّتْ له

باليُمنِ والبركاتِ سيّدةُ العجم

قال الأميني : قال الطبري في تاريخه (٣) (١١ / ٣٤٥) : كان دخولهم بغداد يوم الأحد لليلتين خلتا من المحرّم سنة (٢٨٢).

الثالث : مقطوعاته التي نظمها الشاعر في العرس الذي احتفل به الخليفة سنة اثنتين وثمانين.

قال الأميني : وممّا ينفي الشكّ عن عدم وقوع وفاة المترجم سنة (٢٧٠) قصيدته التي يمدح بها المعتضد بالله أبا العبّاس أحمد في أيّام خلافته ، وقد بويع له في شهر رجب بعد عمّه المعتمد سنة (٢٧٩) قال فيها :

هنيئاً بني العبّاس إنّ إمامَكمْ

إمامُ الهدى والبأسِ والجودِ أحمدُ

كما بأبي العبّاس أنشئ ملككمْ

كذا بأبي العبّاس أيضاً يُجدّدُ

قال العقّاد : وأمّا التاريخان الآخران ، أي سنتا ثلاث وأربع وثمانين فعندنا تاريخ اليوم والشهر من أولاهما وليس عندنا مثل ذلك من الثانية ، وهذا ممّا يرجّح وفاته في سنة ثلاث وثمانين دون أربع وثمانين.

قال الأميني : لم نعرف وجه الترجيح بذكر تاريخ اليوم والشهر لمجرّده ، مع قطع

__________________

(١) ذكر الخمس والخمسين في هذا البيت لا ينافي تقريبية الستّين في سابقه. (المؤلف)

(٢) مروج الذهب : ٤ / ٢٨٩.

(٣) تاريخ الأمم والملوك : ١٠ / ٣٩ حوادث سنة ٢٨٢ ه‍.

٨٣

النظر عمّا ذكره بعدُ من مضاهاة التاريخ بقوله :

ويقوّي هذا الترجيح أنّ مضاهاة التواريخ تُثبت لنا أنّ جمادى الأخرى من سنة ثلاث وثمانين بدأت يوم جمعة ، فيكون يوم الأربعاء قد جاء لليلتين بقيتا من جمادى الأولى في تلك السنة كما جاء في تاريخ الوفاة.

وقد ضاهينا هذا اليوم على التاريخ الافرنجي فوجدناه يوافق الرابع عشر من شهر يونيو ، أي يوافق إبّان الصيف في العراق ، وابن الرومي مات في الصيف كما يؤخذ من قول الناجم : أنَّه دخل عليه في مرضه الذي مات فيه وبين يديه ماءٌ مثلوجٌ ، فيجوز لنا على هذا أن نجزم بأنّ أصحّ التواريخ هو التاريخ الأوّل ، وهو يوم الأربعاء لليلتين بقيتا من جمادى الأولى سنة ثلاث وثمانين.

شهادته :

الأقوال بعد ذلك مجمعة على موت ابن الرومي بالسمّ ، وأنّ الذي سمّه هو القاسم بن عبيد الله أو أبوه. قال ابن خلّكان في وفيات الأعيان (١) (١ / ٣٨٦) : إنّ الوزير أبا الحسين القاسم بن عبيد الله بن سليمان بن وهب وزير الإمام المعتضد كان يخاف من هجوه وفلتات لسانه بالفحش ، فدسّ عليه ابن فراس فأطعمه خشكنانجة (٢) مسمومة وهو في مجلسه ، فلمّا أكلها أحسَّ بالسمّ ، فقام فقال له الوزير : إلى أين تذهب؟ فقال : إلى الموضع الذي بعثتني إليه. فقال له : سلّم على والدي. فقال له : ما طريقي على النار.

وقال الشريف المرتضى في أماليه (٢ / ١٠١) : إنّه قد اتّصل بعبيد الله بن سليمان بن وهب أمر عليّ بن العبّاس الرومي وكثرة مجالسته لأبي الحسين القاسم ، فقال لأبي

__________________

(١) وفيات الأعيان : ٣ / ٣٦١ رقم ٤٦٣.

(٢) الخشكنانجة : نوع من الخبز المحلّى بالسكّر.

٨٤

الحسين : قد أحببت أن أرى ابن روميّك هذا. فدخل يوماً عبيد الله إلى أبي الحسين وابن الرومي عنده ، فاستنشده من شعره فأنشده وخاطبه ، فرآه مضطرب العقل جاهلاً. فقال لأبي الحسين بينه وبينه : إنّ لسان هذا أطول من عقله ، ومن هذه صورته لا تؤمن عقاربه عند أوّل عتب ، ولا يفكّر في عاقبته ، فأخرجه عنك. فقال : أخاف حينئذٍ أن يعلن ما يكتمه في دولتنا ، ويذيعه في تمكّننا. فقال : يا بنيّ إنّي لم أُرد بإخراجك له طرده. فاستعمل فيه بيت أبي حيّة النميري :

فقلن لها سرّا فَديناكِ لا يَرُحْ

سليماً وإلاّ تقتليه فأَلممي

فحدّث القاسمُ ابنَ فراس بما جرى وكان أعدى الناس لابن الرومي وقد هجاه بأهاجٍ قبيحة ، فقال له : الوزير أعزّه الله أشار بأن يغتال حتى يستراح منه ، وأنا أكفيك ذلك. فسمّه في الخشكنانج فمات. قال الباقطاني : والناس يقولون : ما قتله ابن فراس وإنّما قتله عبيد الله.

ثمّ ضعّف (١) الرواية الأولى بأنّ عبيد الله بن سليمان مات سنة (٢٨٨) بعد وفاة ابن الرومي فلا معنى لقول القاسم له : سلّم على والدي ، ووالده بقيد الحياة.

واستشكل في الرواية الثانية : بأنّ عبيد الله كانت له سوابق معرفة مع ابن الرومي ، فلا يتمُّ ما فيها من طلبه رؤيته.

وأنت ترى أنّ التضعيف الثاني ليس في محلّه ، إذ الرؤية المطلوبة لعبيد الله كما يظهر من نفس الرواية رؤية اختبار لا مجرّد رؤية حتى تنافي التعارف والاجتماع قبلها ، فيحتمل عندئذٍ أنّ عبيد الله هو القائل : سلّم على والدي لا ابنه ، والله العالم.

__________________

(١) أي العقّاد في كتابه المذكور.

٨٥
٨٦

١٤ ـ

الحِمّاني الأفوه (١)

المتوفّى (٣٠١)

ابن الذي رُدّت عليه الشم

سُ في يوم الحجابِ

وابنُ القسيمِ النارَ في

يومِ المواقفِ والحسابِ

مولاهمُ يومَ الغديرِ

برغمِ مرتابٍ وآبي (٢)

وله :

قالوا أبو بكرٍ له فضلُهُ

قلنا لهم هنّأهُ اللهُ

نسيتمُ خطبةَ خمٍّ وهل

يُشبَّهُ العبدُ بمولاهُ

إنّ عليّا كان مولىً لمنْ

كان رسولُ اللهِ مولاهُ (٣)

الشاعر

أبو الحسين عليّ بن محمد بن جعفر بن محمد بن محمد بن زيد بن عليّ بن الحسين بن عليّ بن أبي طالب عليهم‌السلام الكوفي الحمّاني المعروف بالأَفوه.

__________________

(١) تبعاً للمؤرخين ذكرناه في هذا القرن. (المؤلف) وحكى في المجدي ص ١٨٥ وفاته سنة ٢٧٠.(الطباطبائي)

(٢) امتدح بها بعض أهل البيت الطاهر ، ذكرها ابن شهرآشوب في المناقب : ١ / ٤٦٢ [٢ / ٣٥٧ ـ ٣٥٨]. (المؤلف)

(٣) ذكرها البياضي في صراطه المستقيم [٢ / ٧٢]. (المؤلف)

٨٧

وفي لباب الأنساب (١) : يُلقّب هو ووالده محمد بالحمّال ، ويقال لأولاده بنو الحمّال.

حِمّان ـ بكسر المهملة وتشديد الميم ـ محلّة بالكوفة ، والنسبة إلى حِمّان قبيلة من تميم ، وهم بنو حِمّان بن عبد العزيز بن كعب بن سعد بن زيد مناة بن تميم. واسم حمّان : عبد العزّى. وقد سكن هذه المحلّة من نسب إليها وإن لم يكن منها (٢) ، فما في بعض المعاجم ضبطه بالمعجمة تصحيفٌ.

المترجَم له في الرعيل الأوّل من فقهاء العترة ومدرّسيهم في عاصمة التشيّع بالعراق في القرون الأولى ـ الكوفة ـ وفي السنام الأعلى من خطباء بني هاشم وشعرائهم المفْلقين ، وقد سار بذكره وبشعره الركبان ، وعرفه القريب والبعيد بحسن الصياغة وجودة السرد ، أضف إلى ذلك علمه الغزير ، ومجده الأثيل ، وسؤدده الباهر ، ونسبه العلويّ الميمون ، وحسبه الوضّاح ، إلى فضائل جمّة تسنّمت به إلى ذروة الخطر المنيع.

سأل المتوكّل ابن الجهم : من أشعر الناس؟ فذكر شعراء الجاهليّة والإسلام ، ثمّ إنّه سأل أبا الحسن الإمام عليّ بن محمد الهادي فقال : «الحِمّاني ، حيث يقول :

لقد فاخرتْنا من قريشٍ عصابةٌ

بمطّ خُدودٍ وامتدادِ أصابعِ

فلمّا تنازعنا المقالَ قضى لنا

عليهم بما يهوى نداءُ الصوامعِ

ترانا سكوتاً والشهيدُ بفضلِنا

عليهم جهيرُ الصوتِ في كلِّ جامعِ

فإنّ رسول الله أحمدَ جدُّنا

ونحن بنوهُ كالنجومِ الطوالعِ»

__________________

(١) الذي في لباب الأنساب ١ / ٢٤٨ ـ الطبعة الأولى سنة ١٤١٠ ـ : (الحِمّاني) هو محمد وابنه عليّ الشاعر ... له أولاد ، يقال لهم بنو الحِمّاني ، أكثر أولاده بالكوفة ، ولعليّ ديوان شعر. (الطباطبائي)

(٢) معجم البلدان : ٣/٣٣٥ (٢/٣٠٠) اللباب ١/٣١٦ (١/٢٤٨) (المولف)

٨٨

قال : وما نداء الصوامع يا أبا الحسن؟ قال : «أشهد أن لا إله إلاّ الله ، وأشهد أنّ محمداً رسول الله ، جدّي أم جدّك؟» فضحك المتوكّل ، ثمّ قال : هو جدُّك لا ندفعك عنه.

هذا الحديث ذكره الجاحظ في المحاسن والأضداد (١) (ص ١٠٤) ، والبيهقي في المحاسن والمساوئ (٢) (١ / ٧٤) غير أنّ فيها : الرضي مكان أبي الحسن ، وأحسبه تصحيف المرتضى ، وهو لقب الإمام الهادي ـ سلام الله عليه.

ورواه شيخ الطائفة في أماليه (٣) (ص ١٨٠) ، وبهاء الدين في تاريخ طبرستان (٤) (ص ٢٢٤) ، وابن شهرآشوب في المناقب (٥) (٥ / ١١٨) طبعة الهند.

وأثنى عليه المسعودي في مروج الذهب (٦) (٢ / ٣٢٢) في كلام يأتي له ، وقال : كان عليّ بن محمد الحِمّاني مفتيهم بالكوفة ، وشاعرهم ومدرّسهم ولسانهم ، ولم يكن أحدٌ بالكوفة من آل عليّ بن أبي طالب يتقدّمه في ذلك الوقت.

وذكره النسّابة العمري في المجدي (٧) وأطراه بما ملخّصه : كان مشهوراً بالشعر ، رثى يحيى بن عمر ، وكان أشعر ولد أبيه يكنّى أبا الحسين. وقال في ترجمة الشريف الرضي : هو أشعر قريش إلى وقتنا ، وحسبك أن يكون قريش في أوّلها الحارث بن هشام ، والعبلي ، وعمر بن أبي ربيعة ، وفي آخرها بالنسبة إلى زمانه محمد بن صالح الموسوي ، وعليّ بن محمد الحِمّاني.

__________________

(١) المحاسن والأضداد : ص ٩٠.

(٢) المحاسن والمساوئ : ص ٩٩.

(٣) أمالي الطوسي : ص ٢٨٧ ح ٥٥٧.

(٤) تاريخ طبرستان : ص ٢٢٥.

(٥) مناقب آل أبي طالب : ٤ / ٤٣٧ ـ ٤٣٨.

(٦) مروج الذهب : ٤ / ١٦٣.

(٧) المجدي : ص ١٨٥ ، ١٢٦.

٨٩

وذكره الرفاعي في صحاح الأخبار (ص ٤٠) وقال : كان شهماً ، شجاعاً ، شاعراً ، مفلقاً ، وخطيباً مصقعاً. وأثنى عليه بالعلم وجودة الشعر سهل بن عبد الله البخاري النسّابة في سرّ السلسلة (١) ، وصاحب بحر الأنساب المشجّر ، والبيهقي في لباب الأنساب (٢) ، وابن المهنّا في عمدة الطالب (٣) (ص ٢٦٩) ، وذكر الأخير أنّ له ديوان شعر مشهوراً.

وقال الحموي في معجم الأدباء (٤) (٥ / ٢٨٥) في ترجمة محمد بن أحمد الحسني العلوي ـ بعد ما أثنى عليه ـ بأنَّه شاعر مفلق ، وعالم محقّق ، شائع الشعر ، نبيه الذكر ، ليس في ولد الحسن من يشبهه ، بل يقاربه عليّ بن محمد الأفوه.

وحكى صاحب نسمة السحر (٥) عن الحموي أنَّه قال : كان المترجم في العلويّة من الشهرة والأدب والطبع كعبد الله بن المعتز في العبّاسيّة ، وكان يقول : أنا شاعرٌ ، وأبي شاعرٌ ، وجدّي شاعرٌ إلى أبي طالب.

كان سيّدنا الحِمّاني في جانب عظيم من الإباء ، والحماسة ، وقوّة القلب ، ورباطة الجأش ، وصراحة اللهجة ، والجرأة على مناوئيه ، كلّ ذلك وراثة من سلفه الطاهر وبيته الرفيع. قال المسعودي : لمّا دخل الحسن بن إسماعيل الكوفة وهو صاحب الجيش الذي لقي يحيى بن عمر الشهيد سنة (٢٥٠) ، قعد عن سلامه ولم يمضِ إليه ، ولم يتخلّف عن سلامه أحدٌ من آل عليّ بن أبي طالب الهاشميّين ، وكان عليّ بن محمد الحِمّاني مفتيهم بالكوفة ـ إلى أن قال ـ : فتفقّده الحسن بن إسماعيل ، وسأل عنه ، وبعث بجماعة فأحضروه ، فأنكر الحسن تخلّفه ، فأجابه عليّ بن محمد بجواب مستقتلٍ آيسٍ

__________________

(١) سرّ السلسلة : ص ٦٧.

(٢) لباب الأنساب : ١ / ٢٤٨.

(٣) عمدة الطالب : ص ٣٠٠.

(٤) معجم الأدباء : ١٧ / ١٤٣.

(٥) نسمة السحر : مج ٨ / ج ٢ / ٣٨٥.

٩٠

من الحياة. فقال : أردتُ أن آتيك مهنّئاً بالفتح ، وداعياً بالظفر.

وأنشد شعراً لا يقوم على مثله من يرغب في الحياة :

قتلتَ أعزَّ من رَكِبَ المطايا

وجئتكَ أَستلينُكَ في الكلامِ

وعزَّ عليَّ أن ألقاك إلاّ

وفيما بيننا حدُّ الحُسامِ

ولكنَّ الجناحَ إذا أُهيضتْ

قوادمُه يرفُّ على الأكامِ

فقال له الحسن بن إسماعيل : أنت موتورٌ فلست أنكر ما كان منك. وخلع عليه وحمله إلى منزله (١).

حبسه أبو أحمد الموفّق بالله المتوفّى (٢٧٨) مرّتين مرّة لكفالته بعض أهله ، ومرّة لسعاية عليه من أنَّه يريد الخروج على الخليفة ، فكتب إليه من الحبس :

قد كان جدُّك عبدُ الله خيرَ أبٍ

لابنَي عليٍّ حسينِ الخيرِ والحسنِ

فالكفّ يوهنُ منها كلَّ أنملةٍ

ما كان من أختها الأخرى من الوهنِ

فلمّا وصل إليه الشعر كفل وخلّى سبيله ، فلقيه أبو عليّ وقال له : قد عدت إلى وطنك الذي تلذّه ، وإخوانك الذين تحبّهم.

فقال : يا أبا علي ذهب الأتراب والشباب والأصحاب ، وأنشد :

هبني بقيتُ على الأيّام والأبدِ

ونلتُ ما شئتُ من مالٍ ومن وَلَدِ

من لي برؤية من قد كنت آلَفُهُ

وبالشباب الذي ولّى ولم يَعُدِ

لا فارقَ الحزنُ قلبي بعد فرقتِهمْ

حتى يفرّقَ بين الروحِ والجسدِ (٢)

__________________

(١) مروج الذهب : ٢ / ٣٢٢ ، وفي طبعة : ص ٤١١ [٤ / ١٦٣]. (المؤلف)

(٢) مروج الذهب : ٢ / ٣٢٣ ، وفي طبعة : ص ٤١٤ [٤ / ١٦٤] ، أنوار الربيع : ص ٤٨١ [٤ / ١٤٧]. (المؤلف)

٩١

ومن نماذج شعره قوله :

بين الوصيِّ وبين المصطفى نسبٌ

تختال فيه المعالي والمحاميدُ

كانا كشمس نهارٍ في البروج كما

أدارها ثمّ إحكام وتجويدُ

كَسَيرها انتقلا من طاهرٍ علَمٍ

إلى مطهّرةٍ آباؤها صيدُ

تفرّقا عند عبد الله واقترنا

بعد النبوّة توفيقٌ وتسديدُ

وذرّ ذو العرش ذرّا طابَ بينهما

فانبثّ نورٌ له في الأرض تخليدُ

نورٌ تفرّع عند البعثِ فانشعبتْ

منهُ شعوبٌ لها في الدين تمهيدُ

هم فتيةٌ كسيوفِ الهندِ طال بهم

على المطاولِ آباءٌ مناجيدُ

قومٌ لماءِ المعالي في وجوهِهمُ

عند التكرّمِ تصويبٌ وتصعيدُ

يدعونَ أحمدَ إن عُدّ الفخارُ أباً

والعودُ يُنسَبُ في أفنائه العودُ

والمنعمونَ إذا ما لم تكن نِعَمٌ

والذائدون إذا قلَّ المذاويدُ

أوفَوا من المجدِ والعلياءِ في قُلَلٍ

شُمٍّ قواعدُهنّ الفضلُ والجودُ

ما سوّد الناسَ إلاّ من تمكّن في

أحشائِهِ لهمُ ودٌّ وتسويدُ

سُبطُ الأكفِّ إذا شيمت مخايلُهمْ

أُسدُ اللقاءِ إذا صيدَ الصناديدُ

يزهو المطافُ إذا طافوا بكعبتِهِ

وتشرئبّ (١) لهم منها القواعيدُ

في كلّ يومٍ لهم بأسٌ يُعاشُ به

وللمكارم من أفعالهمْ عيدُ

محسّدون ومن يعقدْ بحبِّهمُ

حبلَ المودّة يضحى وهو محسودُ (٢)

لا يُنكرُ الدهرُ إن ألوى بحقّهمُ

فالدهر مُذ كان مذمومٌ ومحمودُ (٣)

__________________

(١) اشرأب للشيء وإليه : مدّ عنقه لينظره ، والاسم منه الشُّرأْبيبة ، كالطمأنينة. (المؤلف)

(٢) في نهاية الأَرب [٣ / ١٨٨] : () مُحسّدونَ ومن يعلق بحبلهم () من البريّةِ يُصبحْ وهو محمودُ. () (المؤلف)

(٣) الفصول المختارة : ١ / ١٩ ، مناقب ابن شهرآشوب : ٥ / ٢١ [٤ / ٢٣٦] ، نهاية الأرب : ٣ / ١٨٤ [٣ / ١٨٨] ، مجالس المؤمنين : ص ٤٦٨ [٢ / ٥٦٨] نقلاً عن الشريف المرتضى. (المؤلف)

٩٢

ولعلّ قوله : محسّدون. إشارة إلى قوله تعالى : (أَمْ يَحْسُدُونَ النَّاسَ عَلى ما آتاهُمُ اللهُ مِنْ فَضْلِهِ) (١) وقد ورد فيها أنّهم الأئمّة من آل محمد.

قال ابن أبي الحديد في شرح النهج (٢) (٢ / ٢٣٦): إنّها نزلت في عليّ عليه‌السلام وما خصّ به من العلم.

وأخرج ابن حجر في الصواعق (٣) (ص ٩١) عن الباقر عليه‌السلام أنّه قال في هذه الآية : «نحن الناس والله».

حَسَدوا الفتى إذ لم ينالوا سعيَهُ

فالناسُ أعداءٌ له وخصومُ

كضرائرِ الحسناءِ قُلنَ لوجهِها

حسداً وبغضاً إنّه لدميمُ

وأخرج الفقيه ابن المغازلي في المناقب (٤) ، عن ابن عبّاس : إنّ الآية نزلت في النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وعليّ رضى الله عنه.

وقال الصبّان في إسعاف الراغبين هامش نور الأبصار (ص ١٠٩) : أخرج بعضهم عن الباقر في قوله تعالى (أَمْ يَحْسُدُونَ النَّاسَ عَلى ما آتاهُمُ اللهُ مِنْ فَضْلِهِ) أنَّه قال : «أهل البيت هم الناس».

وذكر أبو الفرج في المقاتل (٥) (ص ٤٢٠) للحِمّاني قوله يرثي به يحيى الشهيد :

فإن يكُ يحيى أدركَ الحتفَ يومهُ

فما ماتَ حتى ماتَ وهو كريمُ

وما مات حتى قال طلاّبُ نفسِه

سقى اللهُ يحيى إنّه لصميمُ

فتىً آنستْ بالبأسِ والروعِ نفسه

وليس كما لاقاه وهو سؤومُ

إلى آخر الأبيات.

__________________

(١) النساء : ٥٤.

(٢) شرح نهج البلاغة : ٧ / ٢٢٠ خطبة ١٠٨.

(٣) الصواعق المحرقة : ص ١٥٢.

(٤) أنظر : مناقب أمير المؤمنين ٧ لابن المغازلي : ص ٢٦٧ ح ٣١٤ بإسناده عن الباقر ٧ قال : «نحن الناس». (الطباطبائي)

(٥) مقاتل الطالبيّين : ص ٥٢٠ رقم ٦٤.

٩٣

وذكر له المسعودي (١) وأبو الفرج في رثاء يحيى أيضاً قوله :

تضوّعَ مِسكاً جانبُ النهر إذ ثوى

وما كان إلاّ شِلوُهُ يتضوّعُ

مصارع أقوامٍ كرامٍ أعزّةٍ

أُبيح ليحيى الخيرِ في القومِ مصرعُ

وذكر المسعودي في مروج الذهب قوله في يحيى بن عمر أيضاً :

يا بقايا السلَفِ الصا

لحِ والبحرِ الربيحِ

نحن للأيّامِ من بين

قتيلٍ وجريحِ

خابَ وجه الأرض كمْ

غَيّبَ من وجهٍ صبيحِ

آهِ من يومِك ما أو

راه (٢) للقلب القريحِ

وفي المروج للمسعودي (٣) ، وربيع الأبرار للزمخشري (٤) ، قوله :

إنّي وقوميَ من أَحساب قومِكمُ

كمسجد الخيفِ من بُحبوحة الخيفِ

ما علّق السيف منّا بابن عاشرةٍ

إلاّ وهمّته أمضى من السيفِ

وله في رثاء يحيى قوله كما في مروج الذهب :

لعمري لئن سُرّت قُريشٌ بِهُلكِهِ

لما كانَ وقّافاً غداةَ التوقّفِ

فإن ماتَ تلقاءَ الرماحِ فإنّه

لَمن معشرٍ يشنونَ (٥) موت التترُّفِ

فلا تَشمتُوا فالقومُ من يبق منهمُ

على سننٍ منهم مقام المخلفِ

لهم معكم إمّا جدعتم أنوفَكمْ

مقاماتُ ما بين الصفا والمعَرّفِ (٦)

__________________

(١) مروج الذهب : ٤ / ١٦٢.

(٢) أورى القلب : أخرج ناره ، وفي مروج الذهب : ما أوداه.

(٣) مروج الذهب : ٤ / ١٦٣.

(٤) ربيع الأبرار : ٣ / ٤١٦.

(٥) يشنون : يكرهون.

(٦) الصفا والمعرّف : جبلان بمكّة.

٩٤

تراثٌ لهم من آدمٍ ومحمدٍ

إلى الثقَلَينِ من وصايا ومصحفِ

وله في يحيى بن عمر أيضاً قوله :

قد كان حين علا الشباب به

يَققَ السوالفِ (١) حالكَ الشعرِ

وكأنّه قمرٌ تمنطقَ في

أُفْقِ السماءِ بدارةِ البدرِ

يا ابن الذي جُعِلتْ فضائلُهُ

فَلَكَ العلا وقلائدَ السوَرِ

من أسرةٍ جُعِلتْ مخايلُهمْ

للعالمين مخايلَ النظرِ

تتهيّبُ الأقدارُ قدرَهمُ

فكأنّهم قدرٌ على قدَرِ

والموتُ لا تُشوي (٢) رَميّتُهُ

فَلَكَ العُلا ومواضعَ الغررِ

وله في رثاء أخيه لأمّه إسماعيل العلويّ شعرٌ كثيرٌ ، ومنه قوله :

هذا ابن أمّي عديل الروح في جسدي

شقَّ الزمانُ به قلبي إلى كبدي

فاليوم لم يبقَ شيءٌ أستريحُ به

إلاّ تفتُّتُ أعضائي من الكَمَدِ

أو مقلةٌ بحياءِ الهمّ باكيةٌ

أو بيتُ مرثيّةٍ تبقى على الأبدِ

تُرى أناجيك فيها بالدموعِ وقد

نامَ الخليُّ ولم أهجع ولم أكَدِ

من لي بمثلك يا نورَ الحياة ويا

يُمنى يَدَيَّ التي شُلّتْ من العضُدِ

من لي بمثلكَ أدعوهُ لحادثةٍ

تُشكى إليه ولا أشكو إلى أحَدِ

قد ذُقتُ أنواعَ ثُكْلٍ كُنْتَ أبلغَها

على القلوبِ وأجناها على كبدي

قل للردى لا تُغادر بعدهُ أحداً

وللمنيّةِ من أحببتِ فاعتمدي

إنّ الزمانَ تَقَضّى بعدَ فُرقَتِه

والعيشَ آذنَ بالتفريقِ والنكدِ

وقال في نسب عليّ بن الجهم السامي أحد الشعراء المنحرفين عن عليّ أمير المؤمنين عليه‌السلام ، وكان ممّن يظهر عداءه ، وقد طعن على نسبه من طعن ، وقال أناس : من

__________________

(١) يقق السوالف : أبيضها.

(٢) أشوى السهم : أخطأ رميّتَه ولم يصب مقتلاً.

٩٥

عقب سامة بن لؤي بن غالب :

وسامةُ منّا فأمّا بنوهُ

فأمرهمُ عندنا مظلمُ

أناسٌ أتَونا بأنسابهم

خرافةُ مضطجعٍ يحلُمُ

وقلتُ لهم مثلَ قولِ النبيّ

وكلُّ أقاويله محكمُ

إذا ما سُئلتَ ولم تدرِ ما

تقولُ فقل ربُّنا أعلمُ

وقال فيه أيضاً :

لو اكتنفتَ النضرَ أو معدّا

أو اتّخذتَ البيتَ كفّا مهدا

وزمزماً شريعةً ووِردا

والأخشَبَينِ (١) مَحضراً ومبدا

ما ازددتَ إلاّ في قريش بُعدا

أو كنت إلاّ مصقليّا وغدا (٢)

وذكر له الثعالبي في ثمار القلوب (٣) (ص ٢٢٣) قوله :

ويومٍ قد ظللتُ قريرَ عينٍ

بهِ في مثل نعمةِ ذو رعينِ (٤)

تُفكِّهُني أحاديثُ الندامى

وتطربُني مثقّفةُ اليدينِ

فلو لا خوفُ ما تجني الليالي

قبضتُ على الفتوّة باليدينِ

وذكر له قوله في بني طاهر لمّا مرّ على دورهم وقد سلبها الدهر البهجة ، ونزل بها من غدره رجّة :

مررتُ بدورِ بني طاهرٍ

بدورِ السرور ودور الفرحْ

فشبّهتُ سرعةَ أيّامِهمْ

بسرعةِ قوسٍ يُسمّى قُزَحْ

__________________

(١) الأَخشبان : جبلان بمكّة. معجم البلدان : ١ / ١٢٢.

(٢) معجم الشعراء : ص ٢٨٦ [ص ١٤٠] ، مروج الذهب : ٢ / ٣٨٦ [٤ / ١٢٣]. (المؤلف)

(٣) ثمار القلوب : ص ٢٧٩ رقم ٤٢٥.

(٤) من أذواء اليمن ، يضرب به المثل في النعمة. (المؤلف)

٩٦

تألّقَ معترضاً في السماءِ

قليلاً وما دامَ حتى مصحْ (١)

وذكر البيهقي في المحاسن والمساوئ (٢) (١ / ٧٥) قوله :

عَصَيتُ الهوى وهجرتُ النساء

وكنت دواءً فأصبحتُ داءَ

وماأنسَ لا أنسَ حتى المماتِ

نزيبَ (٣) الظباءِ تُجيبُ الظباءَ

دعيني وصبري على النائباتِ

فبالصبرِ نلتُ الثرى والثواءَ

وإن يكُ دهري لوى رأسَهُ

فقد لقيَ الدهرُ منّي التواءَ

ونحن إذا كان شُرب المدام

شَرِبنا على الصافنات الدماءَ

بلغنا السماءَ بأنسابِنا

ولولا السماءُ لجزنا السماءَ

فحسبُكَ من سؤددٍ أنَّنا

بحُسنِ البلاءِ كَشفْنا البلاءَ

يطيبُ الثناءُ لآبائنا

وذكرُ عليٍّ يَزينُ الثناءَ

إذا ذُكِرَ الناسُ كنّا مُلوكاً

وكانوا عبيداً وكانوا إماءَ

هجانيَ قومٌ ولم أهجُهُمْ

أبى اللهُ لي أن أقولَ الهجاءَ

وذكر له النسّابة العمري في المجدي (٤) قوله :

هبني حننتُ إلى الشبابِ

فطمستُ شَيْبي باختضابي

ونفقتُ عند الغانياتِ

بحيلتي وجهلت ما بي

من لي بما وقف المشيبُ

عليه من ذُلِّ الخِضابِ

ولقد تأمّلتُ الحياةَ

بُعيدَ فقدانِ التصابي

فإذا المصيبةُ بالحياةِ

هي المصيبةُ بالشبابِ

__________________

(١) توجد في أنوار الربيع : ص ٢٥٠ [٢ / ٣٣٣] ، ونسمة السحر [مج ٨ / ج ٢ / ٣٨٦] نقلاً عن الثعالبي. (المؤلف)

(٢) المحاسن والمساوئ : ص ٩٩.

(٣) نزيب الظباء : أي صوتها. (المؤلف)

(٤) المجدي في أنساب الطالبيّين : ص ١٨٥.

٩٧

ومن شعره ما ذكره الزمخشري في ربيع الأبرار (١) في الباب (٣٤) وهو :

لَعمرُكَ لَلْمشيبُ عليَّ ممّا

فقدْتُ من الشبابِ أشدُّ فوتا

تملّيتُ (٢) الشبابَ فصارَ شيباً

وأبلَيتُ المشيبَ فصار موتا

وذكر له الحموي في معجم البلدان (٣) (٧ / ٢٦٦) قوله :

فيا أسفي على النجفِ المعرّى

وأوديةٍ منوَّرةِ الأقاحي

وما بسطَ الخورنقُ من رياضٍ

مفجّرةٍ بأفنيةٍ فساحِ

ووا أسفاً على القنّاص تغدو

خرائطُها على مجرى الوشاحِ

ولعلّ من هذه القصيدة ما ذكره ابن شهرآشوب (٤) له :

وإذ بيتي على رغم المُلاحي

هو البيتُ المقابلُ للضراحِ

ووالديَ المُشارُ به إذا ما

دعا الداعي بحيَّ على الفلاحِ

ومن شعره في عمدة الطالب (٥) (ص ٢٦٩) قوله :

لنا من هاشمٍ هَضَباتُ عِزٍّ

مطنّبةٌ بأبراجِ السماءِ

تطوف بنا الملائكُ كلَّ يومٍ

ونُكفَلُ في حُجورِ الأنبياءِ

ويهتزُّ المقامُ لنا ارتياحاً

ويلقانا صَفاهُ بالصفاءِ

وذكر له ابن شهرآشوب في المناقب (٦) (٤ / ٣٩) طبعة الهند قوله :

__________________

(١) ربيع الأبرار : ٢ / ٤٤٢.

(٢) من الملاوة : أي البرهة من الدهر ، يقال : عشت مع الشباب ملاوة. (المؤلف)

(٣) معجم البلدان : ٥ / ٢٧١.

(٤) مناقب آل أبي طالب : ٣ / ٢٧٢.

(٥) عمدة الطالب : ص ٣٠١.

(٦) مناقب آل أبي طالب : ٣ / ٤٤٤ ، ٤٤٥.

٩٨

يا ابن من بيته من الدين والإس

 ـ لام بين المقام والمنبرينِ

لك خير البيتينِ من مسجدَي جدّ

ك والمَنشأين والمسكنينِ

والمساعي من لدن جدّك اسما

عيل حتى أُدرِجْتَ في الريطتينِ

يوم نيطت بك التمائمُ ذاتُ ال

ريشِ من جبرئيلَ في المنكبينِ

ومنها :

أنتما سيّدا شباب الجنا

ن يوم الفوزين والروعتينِ

يا عديل القرآن من بين ذا الخل

 ـ ق ويا واحداً من الثقلينِ

أنتما والقرآن في الأرض مذ أ

زلٍ مثلُ السماء والفرقدينِ

فهما من خلافةِ الله في الأر

ضِ بحقّ مقامِ مستخلفينِ

قاله الصادقُ الحديثِ ولن

يفترقا دون حوضهِ واردينِ

أشار إلى ما صحّ عند أئمّة فرق الإسلام من قول النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في خطبة له : «إنّي تاركٌ ـ أو مخلّفٌ ـ فيكم الثقلين ـ أو الخليفتين ـ كتاب الله وعترتي أهل بيتي ، وإنّهما لن يفترقا حتى يردا عليّ الحوض».

وله في حديث الثقلين كما في المناقب (١) (٥ / ١٨) قوله :

يا آل حاميمَ الذين بحبّهم

حُكمُ الكتاب منزّلٌ تنزيلا

كان المديحُ حُلى الملوكِ وكنتُمُ

حُللَ المدائح غُرّةً وحجولا

بيتٌ إذا عدّ المآثرَ أهلُه

عدّوا النبيَّ وثانياً جبريلا

قومٌ إذا اعتدلوا الحمائل أصبحوا

متقسّمين خليفةً ورسولا

نشأوا بآيات الكتاب فما انثنوا

حتى صدرنَ كهولةً وكهولا

ثقلانِ لن يتفرّقا أو يُطفيا

بالحوضِ من ظمأ الصدور غليلا

__________________

(١) مناقب آل أبي طالب : ٤ / ٢٢٦ ، ٣ / ٢٧ ، ٢ / ٢١٥ ، ٢٤٧.

٩٩

وخليفتان على الأنامِ بقولهِ

الحقّ أصدقُ من تكلّم قيلا

فأتوا أكفّ الآيسين فأصبحوا

ما يعدلون سوى الكتاب عديلا

وله قوله :

وأنزله منه على رَغمةِ العدى

كهارونَ من موسى على قِدم الدهرِ

فمن كانَ في أصحاب موسى وقومِهِ

كهارونَ لا زلتم على ظلل الكفرِ

وآخاهمُ مثلاً لمثلٍ فأصبحتْ

أخوّتُهُ كالشمسِ ضُمّت إلى البدرِ

فآخى عليّا دونكمْ وأصارَهُ

لكم عَلَماً بين الهداية والكفرِ

وأنزله منه النبيُّ كنفسهِ

رواية أبرارٍ تأدّت إلى البشرِ

فَمن نفسُهُ منكم كنفسِ محمدٍ

ألا بأبي نفسَ المطهّر والطهرِ (١)

كلّ هذه الأبيات مأخوذةٌ من الأحاديث النبويّة الصحيحة من حديث الثقَلَين وحديث المنزلة وحديث المؤاخاة الآتية في محلّها ، وأشار بالبيتين الأخيرين إلى ما أخرجه الحافظ النسائي في خصائصه (٢) (ص ١٩) بإسناده عن أبي ذر ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «لَيَنتَهيَنّ بنو وليعة أو لأبعثنَّ عليهم رجلاً كنفسي يُنفِذ فيهم أمري ...».

وله في المناقب (٣) ، قوله في العترة الطاهرة :

همُ صفوةُ اللهِ التي ليس مثلها

وما مثلهم في العالمين بديلُ

خيارُ خيارِ الناسِ من لا يحبّهم

فليس له إلاّ الجحيمُ مَقيلُ

__________________

(١) هذان البيتان الأخيران ذكرهما له البياضي في الصراط المستقيم [١ / ٢٥٢ باب ٨ ، وفي أوّلهما : البرّ ، بدلاً من البشر]. (المؤلف)

(٢) خصائص أمير المؤمنين : ص ٨٩ ح ٧٢ ، وفي السنن الكبرى : ٥ / ١٢٧ ح ٨٤٥٧ ، وأخرجه أحمد في فضائل الصحابة ح ٩٦٦ وفي كتاب مناقب عليّ ح ٩٠ بسند صحيح رجاله ثقات.

(٣) مناقب آل أبي طالب : ٤ / ٣٠١.

١٠٠