الغدير في الكتاب والسنّة والأدب - ج ٣

الشيخ عبد الحسين أحمد الأميني النجفي

الغدير في الكتاب والسنّة والأدب - ج ٣

المؤلف:

الشيخ عبد الحسين أحمد الأميني النجفي


المحقق: مركز الغدير للدّراسات الإسلاميّة
الموضوع : العقائد والكلام
الناشر: مركز الغدير للدراسات الإسلامية
المطبعة: باقري
الطبعة: ١
الصفحات: ٥٧٦

وُلد المترجم سنة (٢١٢) وتوفّي في نيّف وعشرين وثلاثمائة ، وأنشد سنة (٣١٠) وله (٩٨) عاماً من عمره قوله :

دنياً مغبّةُ من أثرى بها عدمُ

ولذّةٌ تنقضي من بعدِها ندمُ

وفي المنونِ لأهل اللُّبّ معتَبرٌ

وفي تزوّدهم منها التقى غنمُ

والمرءُ يسعى لفضلِ الرزق مجتهداً

وماله غيرُ ما قد خطّه القلمُ

كم خاشعٍ في عيون الناس منظرُهُ

واللهُ يعلمُ منه غيرَ ما علموا

وقال بعد أن أتت عليه مائة سنة :

حنى الدهرُ من بعد استقامته ظهري

وأفضى إلى ضحضاحِ (١) غايتِهِ عمري

ودبَّ البلى في كلّ عضو ومفصلٍ

ومن ذا الذي يبقى سليماً على الدهرِ

ومن شعره ما ذكره النويري في نهاية الأرب في فنون الأدب ، في الجزء العاشر (ص ١٢٢) من قوله في وصف البقر :

يا حبّذا مخضُها ورائبُها

وحبّذا في الرجالِ صاحبُها

عجولةٌ (٢) سمحةٌ مباركةٌ

ميمونةٌ طُفّحٌ محالبُها

تُقبِلُ للحلْبِ كلّما دُعيَتْ

ورامها للحِلابِ حالبُها

فتيّةٌ سنّها مهذّبةٌ

معنَّفٌ في النديِّ عائبُها

كأنّها لعبةٌ مزيَّنةٌ

يطيرُ عُجباً بها ملاعبُها

كأنّ ألبانَها جنى عسلٍ

يلذّها في الإناءِ شاربُها

عروس باقورةٍ (٣) إذا برزت

من بين أحبالها ترائبُها كأنّها

هضبةٌ إذا انتسبت

أو بكرةٌ قد أناف غاربُها

__________________

(١) يقال : ماء ضحضاح أي قريب القعر ، يريد أنّ عمره شارف على نهايته.

(٢) أنثى العجول وهو : ولد البقرة. (المؤلف)

(٣) الباقورة والباقور : جماعة البقر. (المؤلف)

٤٨١

تزهي برَوْقين (١) كاللجين إذا

مسّهما بالبنان طالبُها

لو أنّها مُهرةٌ لما عدمت

من أن يضمَّ السرور راكبها

توجد ترجمة شاعرنا (٢) في فهرست النجاشي (ص ٦٤) ، رجال شيخ الطائفة ، معالم العلماء (ص ١٩) ، معجم الأدباء (٢ / ٣) ، إيضاح الاشتباه للعلاّمة ، بغية الوعاة (ص ١٤٦) ، جامع الأقوال ، توضيح الاشتباه للساروي ، جامع الرواة ، جامع المقال للطريحي ، هداية المحدّثين المعروف بتمييز المشتركات ، منتهى المقال ، رجال الشيخ عبد اللطيف بن أبي جامع ، الشيعة وفنون الإسلام (ص ٩١) وفيه تاريخ وفاته المذكور ، تنقيح المقال (١ / ٦٨) ، أعيان الشيعة الجزء التاسع (ص ٦٧) ، التعاليق على نهاية الأرب (١٠ / ١٢٢). (٣)

__________________

(١) الرَّوْقان : مثنّى روْق ، وهو القَرْن.

(٢) رجال النجاشي : ص ٨٨ رقم ٢١٤ ، رجال الطوسي : ص ٤٤٧ رقم ٥٦ ، معالم العلماء : ص ١٤٨ ، معجم الأدباء : ٤ / ٧٢ ، إيضاح الاشتباه : ص ١٠٤ رقم ٦٩ ، بغية الوعاة : ١ / ٣٣٦ رقم ٦٤٠ ، توضيح الاشتباه للساروي : ص ٣٦ رقم ١٢٧ ، جامع الرواة : ١ / ٥٤ ، جامع المقال : ص ٥٤ و ٩٦ ، هداية المحدّثين : ص ١٥ ، منتهى المقال : ص ٩٩ ، الشيعة وفنون الإسلام : ص ١٠٩ ، أعيان الشيعة : ٣ / ٢٢.

(٣) وتوجد ترجمته أيضاً في رجال ابن داود : ص ٤٠ رقم ١٠٣ ، الوافي بالوفيات للصفدي : ٧ / ٢٥٣ ، نضد الإيضاح : ص ٣٢ ، روضات الجنات ١ / ٢١١ ، خاتمة المستدرك : ص ٥٤٩ ، هدية العارفين : ١ / ٥٧ ، نوابغ الرواة : ص ٣٦ ، الجامع في الرجال للزنجاني : ١ / ١٣١ ، معجم المؤلفين : ١ / ٣١٤ ، مستدركات علم الرجال : ١ / ٣٦٦ ، تهذيب المقال : ٣ / ٤١١ رقم ٢١٢ ، المعجم الموحّد : ١ / ٨٩ ، تاريخ التراث العربي لسزكين ـ مجلد الشعر ـ : ص ٦٣٣ (وفي الترجمة العربية : ٤ / ٢٤٤) ، الكنى والألقاب : ١ / ٢١٢ (ابن الأسود). (الطباطبائي)

٤٨٢

١٧ ـ

المفجَّع

المتوفّى (٣٢٧)

أيّها اللاّئمي لحبّي عليّا

قُمْ ذميماً إلى الجحيم خَزِيّا

أبخيرِ الأنامِ عرّضت لا زل

تَ مَذُوداً عن الهدى مَزْويّا

أشبه الأنبياءَ كهلاً وزَوْلاً (١)

وفطيماً وراضعاً وغذِيّا

كان في علمِهِ كآدمَ إذ عُل

لمَ شرحَ الأسماءِ والمكنيّا

وكنوحٍ نجا من الهُلْك من سُ

يِّرَ في الفُلْكِ إذ علا الجوديّا

* * *

وعليٌّ لمّا دعاهُ أخوهُ

سبقَ الحاضرين والبدويّا

وله من أبيه ذي الأيدي اسما

عيلَ شَبْهٌ ما كان عنّي خفيّا

إنّه عاونَ الخليلَ على الكع

بةِ إذ شادَ ركْنَها المبنيّا

ولقد عاون الوصيُّ حبيبَ الله

إذ يغسلانِ منها الصُّفيّا (٢)

رام حَمْلَ النبيِّ كي يَقْلَعَ الأصن

امَ عن سطحها المثولَ الجُثيّا

فحناهُ ثقلُ النبوّةِ حتى

كاد ينآد (٣) تحته مثنيّا

__________________

(١) الزَّوْل : الغلام الظريف. (المؤلف)

(٢) الصُّفيّا : جمع صفاة ، وهي الحجر الصلد الضخم ، يريد بذلك الأصنام.

(٣) انآد : انحنى وناء.

٤٨٣

فارتقى منكبَ النبيِّ عليٌ

صنوُهُ ما أجلّ ذاكَ رُقيّا

فأماطَا لأوثانَ عن ظاهرِ الكع

بة ينفي الأرجاسَ عنها نَفِيّا

ولو أنَّ الوصيَّ حاول مسَ النج

مِ بالكفِّ لم يجدْهُ قَصيّا

أفهل تعرفون غيرَ عليٍ

وابنِهِ (١) استرحلَ النبيَّ مَطيّا

لم يكن أمرُه بدوحاتِ خمٍ

مشكلاً عن سبيله ملويّا

إنّ عهدَ النبيّ في ثَقَلَيهِ

حُجّةٌ كنتُ عن سواها غنيّا

نَصَبَ المرتضى لهمْ في مقامٍ

لم يكنْ خاملاً هناكَ دَنِيّا

عَلَماً قائماً كما صدعَ البد

رُ تماماً دُجُنَّة أو دُجيّا

قال هذا مولىً لمن كنت مولا

هُ جَهاراً يقولها جهوريّا

والِ يا ربِّ من يواليه وانصر

هُ وعادِ الذي يعادي الوصيّا

إنّ هذا الدُعا لمنْ يتعدّى

راعياً في الأنامِ أم مرعيّا

لا يُبالي أماتَ موتَ يهودٍ

منْ قلاهُ أو مات نصرانيّا

من رأى وجهَهُ كمن عَبَدَ اللهَ

مُديمَ القنوتِ رهبانيّا

كان سُؤْلَ النبيِّ لمّا تمنّى

حين أهدوه طائراً مشويّا

إذ دعا اللهَ أن يسوقَ أحبَ

الخلق طُرّا إليه سوقاً وحيّا

فإذا بالوصيّ قد قرع البا

بَ يريدُ السلامَ ربّانيّا

فثناه عن الدخول مراراً

أَنَسٌ حين لم يكن خزرجيّا

وذخيراً لقومه وأبى الرح

 ـ منُ إلاّ إمامَنا الطالبيّا

ورمى بالبياضِ من صدَّ عنهُ

وحبا الفضل سيِّداً أريحيّا

القصيدة (١٦٠) بيتاً

__________________

(١) هو الإمام الحسن المجتبى عليه‌السلام حين اعتلى ظهر النبيّ وهو ساجد ، فأبطأ صلّي الله عليه واله وسلّم في سجوده وأمهله حتى انصرف.

٤٨٤

ما يتبع الشعر

هذه القصيدة من غرر الشعر ونفيسه توجد مقطّعةً في الكتب ، ونحن عثرنا عليها مشروحةً بذكر الأحاديث المتضمِّنة لمفاد كلِّ فضيلةٍ لأمير المؤمنين عليه‌السلام ، نظمها في بيت أو بيتين أو أكثر ، يبلغ عدد أبياتها (١٦٠) بيتاً ، غير أنّ فيها أبياتاً من الدخيل تنافي مذهب المفجَّع ومعتقده ألصقها بالقصيدة بعض أضداده ، وأدخل شرحها الملائم لمعنى الأبيات في الشرح ، كما يذكرها في سيِّد البطحاء أبي طالب عليه‌السلام والد مولانا أمير المؤمنين عليه‌السلام ، وفي أبي إبراهيم الخليل ممّا لا يقول به أحد من الأصحاب ، فكيف بالمفجَّع الذي هو من رجالات الشيعة وعلمائها وشعرائها المتبصّرين؟ وأظنُّ أنَّ هذا الشرح أيضاً له ، وأحسب أنّ كلمة شيخ الطائفة الطوسي في الفهرست (١) ، والمرزباني في المؤتلف والمختلف ، والحموي في معجم الأدباء ، عند تعداد كتبه ، وكتاب قصيدته في أهل البيت توعز إلى ذلك الشرح.

وهذه القصيدة تُسمّى ب ـ الأشباه ـ قال الحموي في معجم الأدباء (١٧ / ١٩١) في أوّل ترجمة المترجم : إنَّ له قصيدةً يسمّيها بالأشباه يمدح فيها عليّا. ثمّ قال في (ص ٢٠٠) : له قصيدته ذات الأشباه ، وسُمّيت بذات الأشباه لقصده فيما ذكره من

الخبر الذي رواه عبد الرزاق ، عن معمر ، عن الزهري ، عن سعيد بن المسيّب ، عن أبي هريرة ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو في محفل من أصحابه : «إن تنظروا إلى آدم في علمه ، ونوح في همِّه ، وإبراهيم في خُلقه ، وموسى في مناجاته ، وعيسى في سنّته (٢) ، ومحمد في هديه وحلمه ، فانظروا إلى هذا المُقبل». فتطاول الناس فإذا هو عليُّ بن أبي طالب عليه‌السلام فأورد المفجّع ذلك في قصيدته ، وفيها مناقب كثيرة أوّلها ... ثمّ ذكر منها (١٨) بيتاً.

__________________

(١) الفهرست : ص ١٥٠ رقم ٦٣٩.

(٢) في الأصل : في سنّه. (المؤلف)

٤٨٥

حديث الأشباه

هذا الحديث الذي رواه الحموي في معجمه نقلاً عن تاريخ ابن بشران قد أصفق على روايته الفريقان ، غير أنّ له ألفاظاً مختلفة وإليك نصوصها :

١ ـ أخرج إمام الحنابلة أحمد عن عبد الرزاق بإسناده المذكور بلفظ : «من أراد أن ينظر إلى آدم في علمه ، وإلى نوح في فهمه ، وإلى إبراهيم في خُلقه ، وإلى موسى في مناجاته ، وإلى عيسى في سنّته ، وإلى محمد في تمامه وكماله ، فلينظر إلى هذا الرجل المقبل». فتطاول الناس فإذا هم بعليِّ بن أبي طالب كأنّما ينقلعُ من صَبَب ، وينحطُّ من جبل.

٢ ـ أخرج أبو بكر أحمد بن الحسين البيهقيّ : المتوفّى (٤٥٨) في فضائل الصحابة بلفظ : «من أراد أن ينظر إلى آدم في علمه ، وإلى نوح في تقواه ، وإلى إبراهيم في حلمه وإلى موسى في هيبته ، وإلى عيسى في عبادته ، فلينظر إلى عليِّ بن أبي طالب».

٣ ـ أخرج الحافظ أحمد بن محمد العاصميّ في كتابه زين الفتى في شرح سورة هل أتى بإسناده ، من طريق الحافظ عبيد الله بن موسى العبسي عن أبي الحمراء قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «من أراد أن ينظر إلى آدم في علمه ، وإلى نوح في فهمه ، وإلى إبراهيم في حلمه ، وإلى موسى في بطشه ، فلينظر إلى عليِّ بن أبي طالب».

وبإسناد آخر من طريق الحافظ العبسي أيضاً ، وزاد : «وإلى يحيى بن زكريّا في زهده».

وأخرج بإسناد ثالث بلفظ أقصر من المذكور. ثمّ قال :

أمّا آدم عليه‌السلام فإنّه وقعت المشابهة بين المرتضى وبينه بعشرة أشياء : أوّلها : بالخلق والطينة ، والثاني : بالمكث والمدّة ، والثالث : بالصاحبة والزوجة ، والرابع : بالتزويج والخلعة ، والخامس : بالعلم والحكمة ، والسادس : بالذهن والفطنة ، والسابع :

٤٨٦

بالأمر والخلافة ، والثامن : بالأعداء والمخالفة ، والتاسع : بالوفاء والوصيّة ، والعاشر : بالأولاد والعترة. ثمّ بسط القول في وجه هذه كلّها ، فقال :

ووقعت المشابهة بين المرتضى وبين نوح بثمانية أشياء : أوّلها : بالفهم ، والثاني : بالدعوة ، والثالث : بالإجابة ، والرابع : بالسفينة ، والخامس : بالبركة ، والسادس : بالسلام ، والسابع : بالشكر ، والثامن : بالإهلاك. ثمّ بيّن وجه الشبه في هذه كلّها إلى أن قال :

ووقعت المشابهة بين المرتضى وبين إبراهيم الخليل بثمانية أشياء : أوّلها : بالوفاء ، والثاني : بالوقاية ، والثالث : بمناظرته أباه وقومه ، والرابع : بإهلاك الأصنام بيمينه ، والخامس : ببشارة الله إيّاه بالولدين اللّذين هما من أصول أنساب الأنبياء عليهم‌السلام ، والسادس : باختلاف أحوال ذرّيته من بين محسن وظالم ، والسابع : بابتلاء الله تعالى إيّاه بالنفس والولد والمال ، والثامن : بتسمية الله إيّاه خليلاً حتى لم يؤثر شيئاً عليه. ثمّ فصّل وجه الشبه فيها إلى أن قال : ووقعت المشابهة بين المرتضى وبين يوسف الصدّيق بثمانية أشياء : أوّلها : بالعلم والحكمة في صغره ، والثاني : بحسد الأخوة له ، والثالث : بنكثهم العهود فيه ، والرابع : بالجمع له بين العلم والملك في كبره ، والخامس : بالوقوف على تأويل الأحاديث ، والسادس : بالكرم والتجاوز عن إخوته ، والسابع : بالعفو عنهم وقت القدرة عليهم ، والثامن : بتحويل الديار. ثمّ قال بعد بيان وجه الشبه فيها :

ووقعت المشابهة بين المرتضى وبين موسى الكليم عليه‌السلام بثمانية أشياء : أوّلها : الصلابة والشدّة ، والثاني : بالمحاجّة والدعوة ، والثالث : بالعصا والقوّة ، والرابع : بشرح الصدر والفسحة ، والخامس : بالأخوّة والقربة ، والسادس : بالودّ والمحبّة ، والسابع : بالأذى والمحنة ، والثامن : بميراث الملك والإمرة. وبيّن وجه التشبيه فيها ، ثمّ قال :

ووقعت المشابهة بين المرتضى وبين داود بثمانية أشياء : أوّلها : بالعلم والحكمة ،

٤٨٧

والثاني : بالتقوى على إخوانه في صغر سنّه ، والثالث : بالمبارزة لقتل جالوت ، والرابع : بالقدر معه من طالوت إلى أن أورثه الله ملكه ، والخامس : بإلانة الحديد له ، والسادس : بتسبيح الجوامد معه ، والسابع : بالولد الصالح ، والثامن : بفصل الخطاب. وقال بعد بيان المشابهة فيها :

ووقعت المشابهة بين المرتضى وبين سليمان بثمانية أشياء : أوّلها : بالفتنة والابتلاء في نفسه ، والثاني : بتسليط الجسد على كرسيّه ، والثالث : بتلقين الله إيّاه في صغره بما استحقّ به الخلافة ، والرابع : بردّ الشمس لأجله بعد المغيب ، والخامس : بتسخير الهواء والريح له ، والسادس : بتسخير الجنّ له ، والسابع : بعلمه منطق الطير والجوامد وكلامه إيّاه ، والثامن : بالمغفرة ورفع الحساب عنه. ثمّ بيّن وجه التشبيه فقال :

ووقعت المشابهة بين المرتضى عليه‌السلام وبين أيّوب بثمانية أشياء : أحدها : بالبلايا في بدنه ، والثاني : بالبلايا في ولده ، والثالث : بالبلايا في ماله ، والرابع : بالصبر على الشدائد ، والخامس : بخروج الجميع عليه ، والسادس : بشماتة الأعداء ، والسابع : بالدعاء لله تعالى فيما بين ذلك وترك التواني فيها ، والثامن : بالوفاء للنذر والاجتناب عن الحنث. وقال بعد بيان وجه المشابهة فيها :

ووقعت المشابهة بين المرتضى وبين يحيى بن زكريّا بثمانية أشياء : أوّلها : بالحفظ والعصمة ، والثاني : بالكتاب والحكمة ، والثالث : بالتسليم والتحيّة ، والرابع : ببرّ الوالدين ، والخامس : بالقتل والشهادة لأجل امرأة مفسدة ، والسادس : بشدّة الغضب والنقمة من الله تعالى على قتله ، والسابع : بالخوف والمراقبة ، والثامن : بفقد السميِّ والنظر له في التسمية. ثمّ قال بعد بسط الكلام حول التشبيه فيها :

ووقعت المشابهة بين المرتضى وبين عيسى بثمانية أشياء : أوّلها : بالإذعان لله الكبير المتعال ، والثاني : بعلمه بالكتاب طفلاً ولم يبلغ مبلغ الرجال ، والثالث : بعلمه بالكتابة والخطابة ، والرابع : بهلاك الفريقين فيه من أهل الضلال ، والخامس : بالزهد

٤٨٨

في الدنيا ، والسادس : بالكرم والإفضال ، والسابع : بالإخبار عن الكوائن في الاستقبال ، والثامن : بالكفاءة. ثمّ بيّن وجه الشبه فيها.

وهذا الكتاب من أنفس كتب العامّة ، فيه آيات العلم وبيِّنات العبقريّة ، وقد شُغل القوم عن نشر مثل هذه النفائس بالتافهات المزخرفة.

٤ ـ أخرج أخطب الخطباء الخوارزميّ المالكيّ : المتوفّى (٥٦٨) بإسناده في المناقب (١) (ص ٤٩) من طريق البيهقي ، عن أبي الحمراء بلفظ : «من أراد أن ينظر إلى آدم في علمه ، وإلى نوح في فهمه ، وإلى يحيى بن زكريّا في زهده ، وإلى موسى بن عمران في بطشه ، فلينظر إلى عليّ بن أبي طالب».

وأخرج في (ص ٣٩) بإسناده من طريق ابن مردويه ، عن الحارث الأعور صاحب راية عليِّ بن أبي طالب ، قال :

بلغنا أنّ النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كان في جمع من أصحابه فقال : «أُريكم آدم في علمه ، ونوحاً في فهمه ، وإبراهيم في حكمته».

فلم يكن بأسرع من أن طلع عليٌّ عليه‌السلام ، فقال أبو بكر : يا رسول الله أَقِستَ رجلاً بثلاثة من الرسل؟! بخٍ بخٍ لهذا الرجل ، من هو يا رسول الله؟

قال النبيُّ : «أوَلا تعرفه يا أبا بكر؟» قال : الله ورسوله أعلم.

قال : «هو أبو الحسن عليُّ بن أبي طالب».

فقال أبو بكر : بخٍ بخٍ لك يا أبا الحسن ، وأين مثلك يا أبا الحسن؟

وروى في (ص ٢٤٥) بإسناده بلفظ : «من أراد أن ينظر إلى آدم في علمه ، وإلى موسى في شدّته ، وإلى عيسى في زهده ، فلينظر إلى هذا المقبل ، فأقبل علي». وذكره.

٥ ـ أبو سالم كمال الدين محمد بن طلحة الشافعيّ : المتوفّى (٦٥٢) رواه في

__________________

(١) المناقب : ص ٨٣ ح ٧٠ ، ص ٨٨ ح ٧٩ ، ص ٣١٠ ح ٣٠٩.

٤٨٩

مطالب السؤول (١) ، نقلاً عن كتاب فضائل الصحابة للبيهقي بلفظ : «من أراد أن ينظر إلى آدم في علمه ، وإلى نوح في تقواه ، وإلى إبراهيم في حلمه ، وإلى موسى في هيبته ، وإلى عيسى في عبادته ، فلينظر إلى عليِّ بن أبي طالب». ثمّ قال :

فقد أثبت النبيُّ صلى الله عليه وسلم لعليّ بهذا الحديث علماً يشبه علم آدم ، وتقوى تشبه تقوى نوح ، وحلماً يشبه حلم إبراهيم ، وهيبةً تشبه هيبة موسى ، وعبادة تشبه عبادة عيسى ، وفي هذا تصريح لعليّ بعلمه وتقواه وحلمه وهيبته وعبادته ، وتعلو هذه الصفات إلى أوج العلى حيث شبّهها بهؤلاء الأنبياء المرسلين ، من الصفات المذكورة والمناقب المعدودة.

٦ ـ عزُّ الدين بن أبي الحديد : المتوفّى (٦٥٥) ، قال في شرح نهج البلاغة (٢) (٢ / ٢٣٦) : روى المحدِّثون عنه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أنّه قال : «من أراد أن ينظر إلى نوح في عزّته ، وموسى في علمه ، وعيسى في ورعه ، فلينظر إلى عليِّ بن أبي طالب».

ورواه (٣) في (٢ / ٤٤٩) من طريق أحمد والبيهقي ، نقلاً عن مسند الأوّل وصحيح الثاني بلفظ : «من أراد أن ينظر إلى نوح في عزمه ، وإلى آدم في علمه ، وإلى إبراهيم في حلمه ، وإلى موسى في فطنته ، وإلى عيسى في زهده ، فلينظر إلى عليِّ بن أبي طالب».

٧ ـ الحافظ أبو عبد الله الكنجيّ الشافعيّ : المتوفّى (٦٥٨) ، أخرجه في كفاية الطالب (٤) (ص ٤٥) بإسناده عن ابن عبّاس ، قال : بينما رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم جالسٌ في جماعة من أصحابه ، إذ أقبل عليٌّ عليه‌السلام فلمّا بصر به رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال : «من أراد منكم أن ينظر إلى آدم في علمه ، وإلى نوح في حكمته ، وإلى إبراهيم في حلمه ، فلينظر إلى عليّ بن أبي طالب» ، ثم قال :

__________________

(١) مطالب السؤول : ص ٢٢.

(٢) شرح نهج البلاغة : ٧ / ٢٢٠ خطبة ١٠٨.

(٣) شرح نهج البلاغة : ٩ / ١٦٨ خطبة ١٥٤.

(٤) كفاية الطالب : ص ١٢٢ باب ٢٣.

٤٩٠

قلت : تشبيهه لعليّ بآدم في علمه ؛ لأنّ الله علّم آدم صفة كلّ شيء كما قال : (وَعَلَّمَ آدَمَ الْأَسْماءَ كُلَّها) (١)) فما من شيء ولا حادثة إلاّ وعند عليّ فيها علم ،

وله في استنباط معناها فهم.

وشبّهه بنوح في حكمته ، وفي رواية : في حكمه وكأنّه أصحُّ ؛ لأنّ عليّا كان شديداً على الكافرين ، رءوفاً بالمؤمنين ، كما وصفه الله تعالى في القرآن بقوله : (وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَماءُ بَيْنَهُمْ).

وأخبر الله عن شدّة نوح على الكافرين بقوله : (رَبِّ لا تَذَرْ عَلَى الْأَرْضِ مِنَ الْكافِرِينَ دَيَّاراً) (٢).

وشبّهه في الحلم بإبراهيم خليل الرحمن ، كما وصفه بقوله : (إِنَّ إِبْراهِيمَ لَأَوَّاهٌ حَلِيمٌ) (٣) فكان متخلّقاً بأخلاق الأنبياء ، متّصفاً بصفات الأصفياء.

٨ ـ الحافظ أبو العبّاس محبُّ الدين الطبريّ : المتوفّى (٦٩٤) ، رواه في الرياض النضرة (٤) (٢ / ٢١٨) بلفظ : «من أراد أن ينظر إلى آدم في علمه ، وإلى نوح في فهمه ، وإلى إبراهيم في حلمه ، وإلى يحيى بن زكريّا في زهده ، وإلى موسى بن عمران في بطشه ، فلينظر إلى عليّ بن أبي طالب». قال : أخرجه القزويني الحاكمي.

وأخرج عن ابن عبّاس بلفظ : «من أراد أن ينظر إلى إبراهيم في حلمه ، وإلى نوح في حكمه ، وإلى يوسف في جماله ، فلينظر إلى عليّ بن أبي طالب». فقال : أخرجه الملاّ في سيرته (٥).

__________________

(١) البقرة : ٣١.

(٢) نوح : ٢٦.

(٣) التوبة : ١١٤.

(٤) الرياض النضرة : ٣ / ١٧٢.

(٥) وسيلة المتعبّدين : ٥ / ق ٢ / ١٦٨.

٤٩١

٩ ـ شيخ الإسلام الحمّوئيّ : المتوفّى (٧٢٢) ، أخرجه في فرائد السمطين (١) بعدّة أسانيد من طرق الحاكم النيسابوري وأبي بكر البيهقي بلفظ محبّ الدين الطبري المذكور ، وما يقرب منه.

١٠ ـ القاضي عضد الدين الإيجيّ الشافعي : المتوفّى (٧٥٦) ، رواه في المواقف (٢) (٣ / ٢٧٦) بلفظ : «من أراد أن ينظر إلى آدم في علمه ، وإلى نوح في تقواه ، وإلى إبراهيم في حلمه ، وإلى موسى في هيبته ، وإلى عيسى في عبادته ، فلينظر إلى عليّ ابن أبي طالب».

١١ ـ التفتازاني الشافعيّ : المتوفّى (٧٩٢) ، في شرح المقاصد (٣) (٢ / ٢٩٩) بلفظ القاضي الإيجي المذكور.

١٢ ـ ابن الصبّاغ المالكيّ : المتوفّى (٨٥٥) ، روى في الفصول المهمّة (٤) (ص ٢١) نقلاً عن فضائل الصحابة للبيهقي ، باللفظ المذكور.

١٣ ـ السيّد محمود الآلوسيّ : المتوفّى (١٢٧٠) ، رواه في شرح عينيّة عبد الباقي العمري (ص ٢٧) بلفظ البيهقي.

١٤ ـ الصفوريّ ، قال في نزهة المجالس (٥) (٢ / ٢٤٠) قال النبيُّ صلى الله عليه وسلم : «من أراد أن ينظر إلى آدم في علمه ، وإلى نوح في فهمه ، وإلى إبراهيم في حلمه ، وإلى موسى في زهده ، وإلى محمد في بهائه ، فلينظر إلى عليِّ بن أبي طالب». ذكره ابن الجوزي. وفي حديث آخر ذكره الرازي في تفسيره (٦) : «من أراد أن يرى آدم في علمه ، ونوحاً في

__________________

(١) فرائد السمطين : ١ / ١٧٠ ح ١٣١ باب ٣٥.

(٢) المواقف : ص ٤١٠.

(٣) شرح المقاصد : ٥ / ٢٩٦.

(٤) الفصول المهمّة : ص ١٢٠.

(٥) نزهة المجالس : ٢ / ٢٠٧.

(٦) التفسير الكبير : ٨ / ٨١.

٤٩٢

طاعته ، وإبراهيم في خلّته ، وموسى في هيبته ، وعيسى في صفوته ، فلينظر إلى عليّ بن أبي طالب».

١٥ ـ السيّد أحمد القادين خاني ، في هداية المرتاب (ص ١٤٦) بلفظ البيهقي.

الشاعر

أبو عبد الله محمد بن أحمد بن عبد الله (٣)) الكاتب النحويّ البصريّ الملقّب بالمفجّع ، أوحديٌّ من رجالات العلم والحديث ، وواسطة العقد بين أئمّة اللغة والأدب ، وبيت القصيد في صاغة القريض ، ومن المعدودين من أصحابنا الإماميّة ، مدحوه بحسن العقيدة ، وسلامة المذهب ، وسداد الرأي ، وكان كلُّ جنوحه إلى أئمّة أهل البيت عليهم‌السلام ، وقد أكثر في شعره من الثناء عليهم ، والتفجّع لما انتابهم من المصائب والفوادح ، فلم يزل على ذلك حتى لقّبه مناوئوه المتنابزون بالألقاب بالمفجّع ، وإليه يوعز بقوله :

إن يكن قيل لي المفجَّع نبزاً

فَلَعمْري أنا المفجَّعُ هَمّا

ثمّ صار لقباً له حتى عند أوليائه لذلك السبب المذكور ، كما قاله النجاشي والعلاّمة ، ولبيت قاله كما في معجم الشعراء للمرزباني (٤) (ص ٤٦٤) ، وكأنّه يريد البيت المذكور.

ثمّ إنّ المصرّح به في معجمَي الشعراء والأدباء للمرزباني والحموي (٥) ، والوافي بالوفيات للصفدي (٦) : أنّ المترجَم من المكثرين من الشعر ، وذكر ابن النديم (٧) أنّ

__________________

(٣) عبيد الله في معجم الأدباء. (المؤلف)

(٤) معجم الشعراء : ص ٤٣٠.

(٥) معجم الأدباء : ١٧ / ٢٠٢.

(٦) الوافي بالوفيات : ١ / ١٣٠ رقم ٤٣.

(٧) فهرست النديم : ص ١٩٣.

٤٩٣

شعره في مائة ورقة ، ويؤكّده ما قاله النجاشي (١) والعلاّمة (٢) من أنّ له شعراً كثيراً في أهل البيت عليهم‌السلام ، وهو الذي يعطيه وصفهم له من أنّه كان كاتباً شاعراً ، بصيراً بالغريب كما في مروج الذهب (٣) ، ومن أنّه من وجوه أهل اللغة والأدب ، وقال أبو محمد بن بشران (٤) :

كان شاعر البصرة وأديبها ، وكان يجلس في الجامع بالبصرة فيكتب عنه ويقرأ عليه الشعر واللغة والمصنّفات ، وشعره مشهور ، وكان أبو عبد الله الأكفاني راويته ، وكتب لي بخطّه من مليح شعره شيئاً كثيراً ، وشعره كثير حسن ، وله في جماعة من كبار أهل الأهواز مدائح كثيرة وأهاجٍ ، وله قصيدة في أبي عبد الله بن درستويه يرثيه فيها وهو حيٌّ ، يقول فيها ويلقّبه بدهن الآجر :

مات دُهْنُ الاجرّ فاخضرّت الأر

ضُ وكادت جبالُها لا تزولُ

ويصف أشياء كثيرة فيها ، وكان يكثر عند والدي ويطيل المقام عنده ، وكنت أراه عنده وأنا صبيٌّ بالأهواز ، وله إليه مراسلات ، وله فيه مِدَح كثيرة كنت جمعتها فضاعت أيّام دخول ابن أبي ليلى الأهواز ونهب روزناماتها (٥) ، وكان منها قصيدةٌ بخطِّه عندي يقول فيها :

لو قيل للجود من مولاك قال نعم

عبدُ المجيدِ المغيرةُ بنُ بشْران

وأذكر له من قصيدة أخرى :

يا من أطال يدي إذ هاضني (٦) زمني

وصرت في المصر مجفوّا ومطّرحا

__________________

(١) رجال النجاشي : ص ٣٧٤ رقم ١٠٢١.

(٢) رجال العلاّمة : ص ١٦٠ رقم ١٤٦.

(٣) مروج الذهب : ٤ / ٣٤٢.

(٤) حكاه الحموي في معجم الأدباء عن تاريخه ، ونحن نذكره ملخّصاً. (المؤلف)

(٥) جمع (روزنامه) فارسية ، يعني : الجريدة اليومية. (المؤلف)

(٦) هاضني : كسرني.

٤٩٤

أنقذْتَني من أناسٍ عند دينهمُ

قتلُ الأديب إذا ما علمه اتّضحا

لقي المفجّع ثعلباً وأخذ عنه وعن غيره ، وكان بينه وبين ابن دريد مهاجاة كما في فهرست ابن النديم (١) ، والوافي بالوفيات للصفدي (٢) ، ويقوّي القول ما في مروج الذهب من أنّه صاحب الباهليّ المصريّ الذي كان يناقض ابن دريد ، غير أنَّ الثعالبي ذكر في اليتيمة (٣) أنّه صاحب ابن دريد ، وقام مقامه في التأليف والإملاء ، ولعلّهما كانا في وقتين من أمد تعاصرهما.

يروي عنه أبو عبد الله الحسين بن خالويه ، وأبو القاسم الحسن بن بشير بن يحيى ، وأبو بكر الدوري. وكان ينادم ويعاشر أبا القاسم نصر بن أحمد البصري الخبز أرزي الشاعر المجيد المتوفّى (٣٢٧) ، وأبا الحسين محمد بن محمد المعروف بابن لنكك البصريّ النحويّ ، وأبا عبد الله الأكفائي الشاعر البصري.

آثاره القيّمة

١ ـ كتاب المنقذ من الإيمان. قال الصفدي في الوافي بالوفيات (ص ١٣٠) : يشبه كتاب الملاحن لابن دريد وهو أجود منه. ينقل عنه السيوطي في شرح المغني (٤) فوائد أدبيّة.

٢ ـ كتاب قصيدته في أهل البيت عليهم‌السلام.

٣ ـ كتاب الترجمان في معاني الشعر. يحتوي على ثلاثة عشر حدّا وهي : حدّ الإعراب ، حدّ المديح ، حدّ البخل ، حدّ الحلم والرأي ، حدّ الهجاء ، حدّ اللغز ، حدّ المال ، حدّ الاغتراب ، حدّالمطايا ، حدّ الخطوب ، حدّ النبات ، حدّ الحيوان ، حدّ

__________________

(١) فهرست النديم : ص ٩١.

(٢) الوافي بالوفيات : ١ / ١٢٩.

(٣) يتيمة الدهر : ٢ / ٤٢٤.

(٤) شرح شواهد المغني : ٢ / ٦٣٣ رقم ٣٩٤.

٤٩٥

الغزل. قال النجاشي : لم يعمل مثله في معناه.

٤ ـ كتاب الإعراب.

٥ ـ كتاب أشعار الجواري لم يتمّ.

٦ ـ كتاب عرائس المجالس.

٧ ـ كتاب غريب شعر زيد الخيل الطائيّ.

٨ ـ كتاب أشعار أبي بكر الخوارزميّ.

٩ ـ كتاب سعادة العرب.

ذكر المرزباني للمفجّع في مدح أبي الحسن محمد بن عبد الوهاب الزينبيّ الهاشميّ من قصيدة قوله :

للزينبيِّ على جلالةِ قدرِهِ

خُلُقٌ كطَعمِ الماءِ غيرُ مُزنَّدِ (١)

وشهامةٌ تُقصي الليوثَ إذا سطا

وندىً يغرّقُ كلَّ بحرٍ مُزْبدِ

يحتلُّ بيتاً في ذؤابةِ هاشمٍ

طالتْ دعائمُهُ محلَّ الفرقدِ

حرٌّ يروح المستميحُ ويغتدي

بمواهبٍ منهُ تروحُ وتغتدي

فإذا تحيّفَ مالَهُ إعطاؤه

في يومه نَهَكَ البقيَّةَ في غدِ (٢)

بضياءِ سنّته المكارمُ تهتدي

وبجود راحتِهِ السحائبُ تقتدي

مقدارُ ما بيني وما بينَ الغنى

مقدارُ ما بيني وبين المربدِ (٣)

وفي معجم الأدباء (٤) نقلاً عن تاريخ أبي محمد عبد الله بن بشران أنّه قال : دخل المفجّع يوماً إلى القاضي أبي القاسم عليّ بن محمد التنوخي فوجده يقرأ معاني الشعر على العبيسي ، فأنشد :

__________________

(١) أي غير بخيل ولا ضيّق الحال. (المؤلف)

(٢) تحيّف : تنقص. ونهك : أفنى. (المؤلف)

(٣) المربد : فضاء وراء البيوت يرتفق به. (المؤلف)

(٤) معجم الأدباء : ١٧ / ١٩٨ ـ ٢٠٠.

٤٩٦

قد قَدِم العُجْبُ على الرويسِ

وشارفَ الوهدُ أبا قُبَيْسِ (١)

وطاول البَقْلُ فروعَ الميسِ

وهبّت العنزُ لقرْعِ التيْسِ (٢)

وادّعت الرومُ أباً في قيسِ

واختلط الناسُ اختلاطَ الحَيْسِ (٣)

إذْ قرأ القاضي حليفُ الكَيْسِ

معانيَ الشعرِ على العبيسي

وألقى ذلك إلى التنوخي وانصرف.

قال : ومدح أبا القاسم التنوخي فرأى منه جفاءً ، فكتب إليه :

لو أعرضَ الناسُ كلُّهمْ وأَبَوا

لم يَنْقصوا رزقي الذي قُسما

كان ودادٌ فزالَ وانصرَما

وكان عهدٌ فبانَ وانهدما

وقد صَحبنا في عصرنا أمماً

وقد فَقَدْنا من قبلهمْ أمما

فما هلكنا هزلاً ولا ساختِ ال

أرضُ ولم تَقْطُرِ السماءُ دما

في اللهِ من كُلِّ هالكٍ خلفٌ

لا يرهبُ الدهرَ من به اعتصما

حرٌّ ظننّا به الجميلَ فما

حقّقَ ظنّا ولا رعى الذِّمَما

فكان ما ذا ما كلُّ معتمدٍ

عليه يرعى الوفاءَ والكرما

غلطْتُ والناسُ يَغْلَطُون وهلْ

تعرفُ خلْقاً من غَلْطَةٍ سَلِما

من ذا إذا أُعطي السدادَ فلمْ

يُعرَفْ بذنبٍ ولم يَزِلْ قَدَما

شلّت يدي لِمْ جلستُ عن تفهٍ

أكتبُ شجوي وأمتطي القلما

يا ليتني قبلها خَرِسْتُ فَلَمْ

أُعْمِلْ لِساناً ولا فتحتُ فما

يا زلّةً ما أُقِلْتُ عثرتَها

أَبقَتْ على القلبِ والحشا ألما

من راعهُ بالهوانِ صاحبُهُ

فعادَ فيهِ فنفسَهُ ظَلَما

__________________

(١) الرويس : تصغير روس ، وهو السيء. يقال : رجل روس أي : رجل سوء. والتصغير للتحقير. الوهد : المنخفض من الأرض. (المؤلف)

(٢) الميس : نوع من الكرم. وهبّت : نشطت وأسرعت. (المؤلف)

(٣) الحيس : تمر يُخلط بسَمن وأَقْط فيعجن وربّما جعل فيه سويق فيمتزج. (المؤلف)

٤٩٧

وله قوله :

لنا صديقٌ مليحُ الوجدِ مقتبلٌ

وليس في ودِّه نفعٌ ولا بركه

شبّهتهُ بنهار الصيفِ يوسعُنا

طولاً ويمنعُ منّا النوم والحركه

وللمفجّع كما في شرح ابن أبي الحديد (١) قوله :

إنْ كنتُ خنتكُمُ المودّةَ غادراً

أو حِلتُ عن سُنن المحبِّ الوامقِ

فمسحتُ في قبح ابن طلحةَ إنّه

ما دلّ قطُّ على كمالِ الخالقِ

وله في معجم الأدباء (٢) ما قاله حين دامت الأمطار وقطعت عن الحركة :

يا خالقَ الخلقِ أجمعينا

وواهبَ المالِ والبنينا

ورافعَ السبعِ فوقَ سبعٍ

لم يَستعنْ فيهما مُعينا

ومن إذا قال كن لشيءٍ

لم تقعِ النونُ أو يكونا

لا تَسقنا العامَ صَوْبَ غيثٍ

أكثرَ من ذا فقد روينا

وله وقد سأل بعض أصدقائه أيضاً رقعةً وشعراً له يهنّئه في مهرجان إلى بعض فقصّر حتى مضى المهرجان ، قوله :

إنّ الكتابَ وإن تضمّن طيُّهُ

كُنْهَ البلاغةِ كالفصيحِ الأخرسِ

فإذا أعانتْهُ عنايةُ حاملٍ

فجوابُهُ يأتي بنُجْحٍ مُنفسِ

وإذا الرسولُ وَنى وقصّر عامداً

كان الكتابُ صحيفةَ المتلمّسِ (٣)

قد فاتَ يومُ المهرجانِ فذكرُهُ

في الشعرِ أبردُ من سخاءِ المفلسِ

__________________

(١) شرح نهج البلاغة : ٢٠ / ٢٠٨ حكمة ٤٧٥.

(٢) معجم الأدباء : ١٧ / ١٩٧.

(٣) مثل يُضرب للكتاب الذي يحمل الضرر. والمتلمّس شاعر جاهلي واسمه جرير بن عبد العزّى ، بعثه عمرو بن هند بكتاب مختوم الى عامله على البحرين يأمره فيه بقتله ، فتوجّس المتلمّس ممّا في الكتاب وفضّه ، فلمّا علم ما فيه ألقاه في الماء وعاد أدراجه.

٤٩٨

فسئل عن سخاء المفلس ، فقال : يَعدُ في إفلاسه بما لا يفي به عند إمكانه.

ومن مُلَحه قوله لإنسان أهدى إليه طبقاً فيه قصب السكر والأترنج والنارنج :

إنّ شيطانَكَ في الظر

فِ لشيطانٌ مَريدُ

فلهذا أنتَ فيه

تبتدي ثمّ تُعيدُ

قد أتتْنا تحفةٌ من

 ـ كَ على الحسْنِ تزيدُ

طبقٌ فيه قدودٌ

ونهودٌ وخدودُ (١)

وذكر له الوطواط في غرر الخصائص (٢) (ص ٢٧٠) قوله يستنجز به :

أيّها السيّدُ عش في غبطةٍ

ما تغنّى طائرُ الأيْكِ الغَرِدْ

ليَ وعدٌ منك لا تنكرُهُ

فاقضِهِ أنجزَ حرٌّ ما وعدْ

أنتَ أحييتَ بمبذولِ الندى

سُنَنَ الجودِ وقد كان همدْ

فإذا صالَ زمانٌ أوسطا

فعلى مثلِكَ مثلي يعتمدْ

ذكر له النويري في نهاية الأرب (٣) (ص ٧٧):

ظبيٌ إذا عَقْربَ أصداغَهُ

رأيتَ ما لا يحسنُ العقربُ

تفّاحُ خدّيه له نضرةٌ

كأنّه من دمعتي يشربُ

ولد المفجّع بالبصرة وتوفّي بها سنة (٣٢٧) كما في معجم الأدباء ، نقلاً عن تاريخ معاصره أبي محمد عبد الله بن بشران ، قال : كانت وفاته قبل وفاة والدي بأيّام يسيرة ، ومات والدي في يوم السبت لعشر خلون من شعبان سنة سبع وعشرين وثلاثمائة.

__________________

(١) النهود جمع النهد : الثدي ، وأراد بها الأترنج لاستدارته. وخدود : جمع خدّ ، أراد بها النارنج. (المؤلف)

(٢) غرر الخصائص : ص ٢٧٣.

(٣) نهاية الأرب : ٢ / ٩٢.

٤٩٩

وقال المرزباني : إنّه مات في سنة قبل الثلاثين وثلاثمائة. وأرّخه الصفدي في الوافي بالوفيات بسنة عشرين وثلاثمائة ، وكذلك القاضي في المجالس ، والسيوطي في البغية ، وتبعهم آخرون. والمختار ما حكاه الحموي عن تاريخ أبي محمد بن بشران.

تجد ترجمة المفجّع (١) في : فهرست ابن النديم (ص ١٢٣) ، فهرست الشيخ (ص ١٥٠) ، معجم الشعراء للمرزباني (ص ٤٦٤) ، يتيمة الدهر (٢ / ٣٣٤) ، فهرست النجاشي (ص ٢٦٤) ، مروج الذهب (٢ / ٥١٩) ، معجم الأدباء (١٧ / ١٩٠ ـ ٢٠٥) ، الوافي بالوفيات للصفدي (١ / ١٢٩) ، خلاصة الأقوال للعلاّمة ، بغية الوعاة (ص ١٣) ، مجالس المؤمنين (ص ٢٣٤) ، جامع الرواة للأردبيلي ، منهج المقال (ص ٢٨٠) ، روضات الجنّات (ص ٥٥٤) ، الكنى والألقاب (٣ / ١٦٣) ، الأعلام للزركلي (٣ / ٨٤٥) ، آثار العجم (ص ٣٧٧).

__________________

(١) فهرست النديم : ص ٩١ ، معجم الشعراء : ص ٤٢٩ ، يتيمة الدهر : ٢ / ٤٢٤ ، رجال النجاشي : ص ٣٧٤ رقم ١٠٢١ ، مروج الذهب : ٤ / ٣٤٢ ، رجال العلاّمة : ص ١٦٠ رقم ١٤٦ ، بغية الوعاة : ١ / ٣١ رقم ٥١ ، مجالس المؤمنين : ١ / ٥٦٢ ، جامع الرواة : ٢ / ٦١ ، روضات الجنّات : ٦ / ١٢٣ رقم ٥٧٠ ، الكنى والألقاب : ٣ / ١٩٧ ، الأعلام : ٥ / ٣٠٨.

٥٠٠