الغدير في الكتاب والسنّة والأدب - ج ٣

الشيخ عبد الحسين أحمد الأميني النجفي

الغدير في الكتاب والسنّة والأدب - ج ٣

المؤلف:

الشيخ عبد الحسين أحمد الأميني النجفي


المحقق: مركز الغدير للدّراسات الإسلاميّة
الموضوع : العقائد والكلام
الناشر: مركز الغدير للدراسات الإسلامية
المطبعة: باقري
الطبعة: ١
الصفحات: ٥٧٦

فجاء يحكم وينقد ، ويتحكّم ويفنِّد ، وينبر وينبز ، ويعبث بكتاب الله ويفسِّره برأيه الضئيل ؛ وعقليّته السقيمة كيف شاء وأراد ، فكأنّ القرآن قد نزل اليوم ولم يسبقه إلى معرفته أحد ، ولم يأت في آيه قولٌ ، ولم يُدوَّن في تفسيره كتابٌ ، ولم يرد في بيانه حديث ، وكأنَّ الرجل قد أتى بشرعٍ جديد ، ورأي حديث ، ودين مخترَع ، ومذهب مبتدع ، لا يساعده أيُّ مبدأ من مبادئ الإسلام ، ولا شيء من الكتاب أو السنّة.

ما قيمة مغفَّل وكتابه وهو يرى الأمّة شريكة لنبيّها في كلّ ما كان له ، وفي كلِّ فضيلة وكمال تستوجبها الرسالة ، وشريكة لنبيّها في أخصّ خصائص النبوّة ، ويرى رسالة الأمّة متّصلة تمام الاتصال برسالة نبيّها ، ويحسب سورة القدر سورة رسالة الأمة متصلة بسورة رسالة النبيِّ من غير فصل ، ويستدلُّ على رسالة الأمّة بقوله تعالى : (لَقَدْ جاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ) (١). وبقوله : (مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَماءُ بَيْنَهُمْ) (٢).

والكلام معه في هذه الأساطير كلّها يستدعي فراغاً أوسع من هذا ، ولعلّه يُتاح لنا في المستقبل الكشّاف إن شاء الله تعالى ، وقد أغرق نزعاً في تفنيد أباطيله العلاّمة المبرور الشيخ مهدي الحجّار النجفي نزيل المعقل (٣).

ولو لم يكن للرجل في طيّ كتابه إلا أساطيره الراجعة إلى الأمّة لكفاه جهلاً وسوأة ، وإليك نماذج منها ، قال :

١ ـ الأمّة معصومة عصمة نبيّها ، معصومة في تحمّلها وحفظها ، وفي تبليغها وأدائها ، حفظت كلَّ ما بلّغه النبيُّ مثل حفظ النبيِّ ، وبلّغت كلَّ ما بلّغه النبيُّ مثل تبليغ النبيِّ ، حفظت كلّيات الدين وجزئيّات الدين أصلاً وفرعاً ، وبلّغت كلّيات الدين وجزئيّات الدين أصلاً وفرعاً.

__________________

(١) التوبة : ١٢٨.

(٢) الفتح : ٢٩.

(٣) أحد شعراء الغدير في القرن الرابع عشر ، يأتي هناك شعره وترجمته. (المؤلف)

٤٤١

لم يضع من أصول الدين ومن فروع الدين شيء :

١ ـ حفظه الله.

٢ ـ حفظه نبيّه محمد.

٣ ـ حفظته الأمّة كافّة عن كافّة ، عصراً بعد عصر ، ولا يمكن أن يوجد شيء من الدين غفلت عنه أو نسيته الأمّة.

فالأمّة بالقرآن والسنّة أعلم من جميع الأئمّة ، وأقرب من اهتداء الأئمّة ، وعلم الأمّة بالقرآن وسنن النبيّ اليوم أكثر وأكمل من علم عليّ ومن علوم كلِّ أولاد عليّ.

ومن عظيم فضل الله على نبيّة ، ثمّ من عموم وعميم فضل الله على الأمّة أن جعل في الأمّة من أبناء الأمّة كثيراً هم أعلم بكثير من الأئمّة ومن صحابة النبيّ ـ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وصحبه وسلّم ـ لز.

وكلُّ حادثة إذا وقعت فالأمّة لا تخلو من حكم حقٍّ وصواب وجواب يريه الله الواحدَ من الأمّة التي ورثت نبيّها وصارت رشيدة ببركة الرسالة ، وختمها أرشد إلى الهداية وإلى الحق من كلّ إمام ، والأمّة مثل نبيّها معصومة ببركة الرسالة وكتابها ، ومعصومة بعقلها العاصم.

الأمّة بلغت وصارت رشيدةً لا تحتاج إلى الإمام ، رشدها وعقلها يغنيها عن كلّ إمام. لح.

أنا لا أنكر على الشيعة عقيدتها أنّ الأئمّة معصومة ، وإنّما أنكر عليها عقيدتها أنّ أمّة محمد لم تزل قاصرة ولن تزال قاصرة ، تحتاج إلى وصاية إمام معصوم إلى يوم القيامة ، والأمّة أقرب إلى العصمة والاهتداء من كلّ إمام معصوم ، وأهدى إلى الصواب والحقّ من كلّ إمام معصوم ، لأنّ عصمة الإمام دعوى ، أمّا عصمة الأمّة فبداهة وضرورة بشهادة القرآن. لط.

ليس يمكن في العالم نازلة حادثة ليس لها جواب عند الأمّة ، وعقلنا لا يتصوّر

٤٤٢

احتياج الأمّة إلى إمام معصوم ، وقد بلغت رشدها ، ولها عقلها العاصم ، وعندها كتابها المعصوم ، وقد حازت بالعصوبة كلّ مواريث نبيّها ، وفازت بكلّ ما كان للنبيّ بالنبوّة.

الأمّة بعقلها وكمالها ورشدها بعد ختم النبوّة أكرم وأعزّ وأرفع من أن تكون تحت وصاية وصيّ تبقى قاصرة إلى الأبد. ما.

الجواب : هذه سلسلة أوهام وحلقة خرافات تبعد عن ساحة أيّ متعلّم متفقّه فضلاً عمّن يرى نفسه فقيهاً ، فكأنّ الرجل يتكلّم في الطيف في عالم الأضغاث والأحلام.

ألا من يسائله عن أنَّ الأمّة إذا كانت معصومةً حافظة لكلّيات الدين وجزئيّاته أصلاً وفرعاً ، ومبلّغةً جميع ذلك كافّة عن كافّة وعصراً بعد عصر ، ولم يوجد هناك شيء منسيّ أو مغفول عنه ، فما معنى أعلميّتها من جميع الأئمّة؟ وأقربيّة اهتدائها من اهتدائهم؟ أيراهم خارجين عن الأمّة غير حافظين ولا مهتدين ، في جانب عن الدين الذي حفظته الأمّة ، لا تشملهم عصمتها ولا حفظها ولا اهتداؤها ولا تبليغها؟

وعلى ما يهمّ الرجل يجب أن لا يوجد في الأمّة جاهلٌ ، ولا يقع بينها خلافٌ في أمر دينيّ أو حكم شرعيّ ، وهؤلاء جهلاء الأمّة الذين سدّوا كلَّ فراغ بين المشرق والمغرب ، وتشهد عليهم أعمالهم وأقوالهم بأنّهم جاهلون ـ وفي مقدّمهم هو نفسه ـ وما شجر بين الأمّة من الخلاف منذ عهد الصحابة وإلى يومنا الحاضر ممّا لا يكاد يخفى على عاقل ، وهل يُتصوَّر الخلاف إلاّ بجهل أحد الفريقين بالحقيقة الناصعة؟ لأنَّها وحدانية لا تقبل التجزئة ، أيرى من الدين الذي حفظته الأمّة وبلّغته جهل عليّ وأولاده من بينهم بالقرآن والسنن؟ أم يراهم أنَّهم ليسوا من الأمّة؟ فيقول : إنّ علم الأمّة بالقرآن وسنن النبيّ اليوم أكثر وأكمل من علم عليّ ومن علوم كلّ أولاد عليّ.

٤٤٣

ومتى أحاط هو بعلم عليّ وأولاده عليهم‌السلام وبعلم الأمّة جمعاء؟ حتى يسعه هذا التحكّم الباتّ والفتوى المجرّدة؟

والعجب أنّه يرى أنّ الأمّة إذا وقعت حادثة يُري الله لواحد منها الحكم وصواب الجواب ، وأنّها ورثت نبيّها ، ورشدت ببركة الرسالة ، وبها وبكتابها ماثلت نبيّها في العصمة ، وأنّها معصومة بعقلها العاصم ، فما بال الأئمّة ـ عليّ وأولاد عليّ ـ لا يكونون من أولئك الآحاد الذين يُريهم الله الحق والصواب؟ وما بالهم قصروا عن الوراثة المزعومة؟ وليس لهم شركة في علم الأمّة؟ ولم تشملهم بركة الرسالة وكتابها؟ ولا يماثلون النبيّ في العصمة؟ ولا يوجد عندهم عقل عاصم؟ وأعجب من هذه كلّها هتافُ الله بعصمتهم في كتابه العزيز : (أَلا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ) (١) (أَمْ عَلى قُلُوبٍ أَقْفالُها) (٢).

ولعلّي يسعني أن أقول بأنّ النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كان أبصر وأعرف بأمّته من صاحب هذه الفتاوى المجرّدة ، وأعلم بمقادير علومهم وبصائرهم ، فهو بعد ذلك كلّه خلّف لهداية أمّته من بعده الثقلين : كتاب الله وعترته ـ ويريد الأئمّة منهم ـ وقال : «ما إن تمسّكتم بهما لن تضلّوا بعدي ، وإنّهما لن يفترقا حتى يردا عليَّ الحوض» ، فحصْرُ الهداية بالتمسّك بهما واقتصاص آثارهما إلى غاية الأمد يفيدنا أنّ عندهما من العلوم والمعارف ما تقصر عنها الأمّة ، وأنّه ليس في حيّز الإمكان أن تبلغ الأمّة ، وهي غير معصومة من الخطأ ولم تكشف لها حجب الغيب ، مبلغاً يستغنى به عمّن يرشدها في مواقف الحيرة.

فأئمّة العترة أعدال الكتاب في العلم والهداية بهذا النصّ الأغرّ ، وهم مفسّروه والواقفون على مغازيه ورموزه ، ولو كانت الأمّة أو أنّ فيها من يضاهيهم في العلم والبصيرة

__________________

(١) الملك : ١٤.

(٢) محمد : ٢٤.

٤٤٤

ـ فضلاً عن أن يكون أعلم بكثير منهم ـ لكان هذا النصّ الصريح مجازفة في القول.

لا سيّما وأنّ الهتاف به كان له مشاهد ومواقف منها مشهد يوم الغدير ، وقد ألقاه صاحب الرسالة على مائة ألف أو يزيدون ، وهو أكبر مجتمع للمسلمين على العهد النبويّ ، هنالك نعى نفسه وهو يرى أمّته ـ وحقّا ما يرى ـ قاصرةً ـ ولن تزال قاصرةً ـ عن درك مغازي الشريعة ، فيجبره ذلك بتعيين الخليفة من بعده.

وهذا الحديث من الثابت المتواتر الذي لا يعترض صدوره أيّ ريب ، وللعلاّمة السمهودي كلام حول هذا الحديث أسلفناه (ص ٨٠).

وكان يرى صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم مسيس حاجة أمّته إلى الخليفة من يوم بدء دعوته ، يوم أمر بإنذار عشيرته كما مرَّ حديثه (٢ / ٢٧٨) (١) ، وممّا يماثل هذا النصّ حديث سفينة نوح ، حيث شبّه فيه نفسه وأهل بيته ـ ويريد الأئمّة منهم ـ بسفينة نوح التي من ركبها نجا ومن تخلّف عنها غرق ، فحصر النجاة باتّباعهم المستعار له ركوب السفينة ، ولولا أنّ لهم علوماً وافيةً بإرشاد الأمّة ، وأنّها لا تهتدي إليها إلاّ بالأخذ منهم ، لما استقام هذا التشبيه ولا اتّسق ذلك الكلام.

ومثله حديث تشبيهه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أهل بيته بالنجوم ، فأهل بيته أعلامٌ وصوىً (٢) للهداية يُهتدى بهم في ظلمات الغيّ والخلاف ، كما أنّ النجوم يُهتدى بها في غياهب الليل البهيم ، ولولا أنّهم أركان العلم والهداية لما يتمّ التمثيل.

ولو كان علم الأمّة اليوم بالقرآن والسنن أكثر وأكمل من علم عليّ ومن علوم كلّ أولاد عليّ ـ كما زعمه المسكين ـ فكيف خفي ذلك على رسول الله ، فقال وكأنّه لم يعرف أمّته : «أعلم أمّتي من بعدي عليّ بن أبي طالب»؟

وكيف اتّخذه وعاء علمه وبابه الذي يُؤتى منه؟

__________________

(١) في الطبعة الثانية. وصفحة ٢٥١ من الأولى. (المؤلف)

(٢) الصوى : جمع صوّة ، وهي العلامة يُستدلُّ بها على الطريق.

٤٤٥

وكيف رآه باب علمه ومبيِّن أمّته بما أرسل به من بعده؟

وكيف أخبر أمّته بأنّه خازن علمه وعيبته؟

وكيف خصّه بين أمّته بالوصيّة والوراثة لعلمه؟

وكيف صحّ عن أمير المؤمنين قوله : «والله إنّي لأخوه ووليّه وابن عمّه ووارث علمه ، فمن أحقُّ به منّي»؟

وكيف حكم الحافظ النيسابوري بإجماع الأمّة على أنّ عليّا ورث العلم من النبيّ دون الناس؟

وعلى هذه كلّها فلازم كون الأمّة أعلم من عليّ كونها أعلم من رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لأنّه ورث علمه كلّه.

ثمَّ ، كيف كان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يرى أنّ الله جعل الحكمة في أهل بيته وفي الأمّة من هو أعلم منهم؟ وقد صحّ عنه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قوله : «أنا دار الحكمة وعليٌّ بابها»؟

وكيف يأمر أمّته بالاقتداء بأهل بيته من بعده ، ويعرّفهم بأنّهم «خُلقوا من طينتي ، ورُزقوا فهمي وعلمي»؟

وكيف يراهم أئمّة أمّته ويقول : «في كلِّ خلوف من أمّتي عدول من أهل بيتي ، ينفون من هذا الدين تحريف الغالين ، وانتحال المبطلين ، وتأويل الجاهلين ، ألا إنّ أئمّتكم وفدكم إلى الله فانظروا بمن توفدون» (١)؟

والأمّة إن كانت غير قاصرة لا تحتاج إلى وصاية إمام معصوم إلى يوم القيامة كما زعمه المغفَّل ، ولا يتصوّر عقله احتياجها إلى إمام معصوم ؛ فلما ذا أخّرت الأمّة تجهيز نبيّها صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ودفنه ثلاثة أيّام؟ وهذه كتب القوم تنصُّ على أنّ ذلك إنّما كان لاشتغالهم بالواجب الأهمّ ، ألا وهو أمر الخلافة وتعيين الخليفة.

__________________

(١) راجع في هذه الأحاديث المذكورة : ص ٨٠ ، ٨١ ، ٩٥ ـ ١٠١ ، ١٢٣ من هذا الجزء. (المؤلف)

٤٤٦

قال ابن حجر في الصواعق (١) (ص ٥) : اعلم أنّ الصحابة ـ رضوان الله عليهم ـ أجمعوا على أنّ نصب الإمام بعد انقراض زمن النبوّة واجب ، بل جعلوه أهمّ الواجبات حيث اشتغلوا به عن دفن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، واختلافهم في التعيين لا يقدح في الإجماع المذكور.

والباحث يجد نظير هذه الكلمة في غضون الكتب كثيراً ، فكيف يتصوّر عندئذٍ عقل الرجل مسيس حاجة الأمّة يوم ذاك إلى إمام غير معصوم ، وهي لا تحتاج إلى إمام معصوم قطُّ إلى يوم القيامة؟

٢ ـ بسط القول في المتعة وملخّصه : أنّها من بقايا الأنكحة الجاهليّة ، ولم تكن حكماً شرعيّا ، ولم تكن مباحةً في شرع الإسلام ، ونسخها لم يكن نسخ حكم شرعيٍّ وإنّما كان نسخ أمر جاهليٍّ ، ووقع الإجماع على تحريمها ، ولم ينزل فيها قرآن ، ولا يوجد في غير كتب الشيعة قول لأحد أنّ : (فَمَا اسْتَمْتَعْتُمْ بِهِ مِنْهُنَّ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَ) نزل فيها ، ولا يقول به إلاّ جاهل يدّعي ولا يعي ، وكتب الشيعة ترفع القول به إلى الباقر والصادق ، وأحسن الاحتمالين أنّ السند موضوع ، وإلاّ فالباقر والصادق جاهلٌ (ص ٣٢ ـ ١٦٦).

الجواب : هذه سلسلة جنايات على الإسلام وكتابه وحكمه ، وتكذيب على ما جاء به نبيّه وأقرَّ به السلف من الصحابة والتابعين والعلماء من فرق المسلمين بأسرهم. وقد فصّلنا القول فيها في رسالة تحت نواحٍ خمس ، نأخذ منها فهرستها ألا وهو :

١ ـ المتعة في القرآن :

(فَمَا اسْتَمْتَعْتُمْ بِهِ مِنْهُنَّ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ فَرِيضَةً وَلا جُناحَ عَلَيْكُمْ فِيما تَراضَيْتُمْ بِهِ مِنْ بَعْدِ الْفَرِيضَةِ إِنَّ اللهَ كانَ عَلِيماً حَكِيماً) (٢).

__________________

(١) الصواعق المحرقة : ص ٧.

(٢) النساء : ٢٤.

٤٤٧

ذُكر نزولها في المتعة في أوثق مصادر التفسير ، منها (١) :

١ ـ صحيح البخاري.

٢ ـ صحيح مسلم.

٣ ـ مسند أحمد (٤ / ٤٣٦) ، بإسنادهم عن عمران بن حصين. وتجده في تفسير الرازي (٣ / ٢٠٠ ، ٢٠٢) ، وتفسير أبي حيّان (٣ / ٢١٨).

٤ ـ تفسير الطبري (٥ / ٩) عن ابن عبّاس ، وأُبيِّ بن كعب ، والحكم ، وسعيد بن جبير ، ومجاهد ، وقتادة ، وشعبة ، وأبي ثابت.

٥ ـ أحكام القرآن للجصّاص (٢ / ١٧٨) حكاه عن عدّة.

٦ ـ سنن البيهقي (٧ / ٢٠٥) رواه عن ابن عبّاس.

٧ ـ تفسير البغوي (١ / ٤٢٣) عن جمع ، وحكى عن عامّة أهل العلم أنّها منسوخة.

٨ ـ تفسير الزمخشري (١ / ٣٦٠).

٩ ـ أحكام القرآن للقاضي (١ / ١٦٢) رواه عن جمع.

١٠ ـ تفسير القرطبي (٥ / ١٣٠) قال : قال الجمهور : إنّها في المتعة.

١١ ـ تفسير الرازي (٣ / ٢٠٠) ذكر عن الصحيحين حديث عمران : أنّها في المتعة.

١٢ ـ شرح صحيح مسلم للنووي (٩ / ١٨١) عن ابن مسعود.

١٣ ـ تفسير الخازن (١ / ٣٥٧) عن قوم ، وقال : ذهب الجمهور أنّها منسوخة.

١٤ ـ تفسير البيضاوي (١ / ٢٦٩) يروم إثبات نسخها بالسنّة.

١٥ ـ تفسير أبي حيّان (٣ / ٢١٨) عن جمع من الصحابة والتابعين.

١٦ ـ تفسير ابن كثير (١ / ٤٧٤) عن جمع من الصحابة والتابعين.

__________________

(١) صحيح البخاري : ٤ / ١٦٤٢ ح ٤٢٤٦ ، صحيح مسلم : ٣ / ٧١ ح ١٧٢ كتاب الحج ، مسند أحمد : ٥ / ٦٠٣ ح ١٩٤٠٦ ، التفسير الكبير : ١٠ / ٤٩ ، ٥٠ ، جامع البيان : مج ٤ / ج ٥ / ١٢ ، أحكام القرآن : ٢ / ١٤٦ ـ ١٤٧ ، تفسير البغوي : ١ / ٤١٣ ، تفسير الكشّاف : ١ / ٤٩٨ ، الجامع لأحكام القرآن : ٥ / ٨٦ ، شرح صحيح مسلم : ٩ / ١٧٩ ، تفسير الخازن : ١ / ٣٤٣ ، تفسير البيضاوي : ١ / ٢٠٩ ، الدرّ المنثور : ٢ / ٤٨٤ ، تفسير أبي السعود : ٢ / ١٦٥.

٤٤٨

١٧ ـ تفسير السيوطي (٢ / ١٤٠) رواه عن جمع من الصحابة والتابعين بطريق الطبراني ، وعبد الرزاق ، والبيهقي ، وابن جرير ، وعبد بن حميد ، وأبي داود ، وابن الأنباري.

١٨ ـ تفسير أبي السعود (٣ / ٢٥١).

قال الأميني : أليست ـ أيّها الباحث ـ هذه الكتب مراجع علم القرآن عند أهل السنّة؟ أم ليسوا هؤلاء أعلامهم وأئمّتهم في التفسير؟ فأين مقيل قول الرجل : لم ينزل فيها قرآن ولا يوجد في غير كتب الشيعة؟ وهل يسع الرجل أن يقول في هؤلاء الصحابة والتابعين والأئمّة بما قاله في الباقر والصادق عليهما‌السلام ويسلقهم بذلك اللسان البذيء؟

٢ ـ حدود المتعة في الإسلام :

أسلفنا في (ص ٣٠٦) أنّ للمتعة حدوداً جاء بها الإسلام ، ولم يكن قطُّ نكاح في الجاهليّة معروفاً بتلك الحدود ، ولم يرَ أحد من السلف والخلف حتى اليوم أنّ المتعة من أنكحة الجاهليّة ، ولا يمكن القول بذلك مع تلك الحدود ، ولا قيمة لفتوى الرجل عندئذٍ ، وهي مفصّلةٌ في كتب كثيرة منها (١) :

١ ـ سنن الدارمي (٢ / ١٤٠).

٢ ـ صحيح مسلم (ج ١) في باب المتعة.

٣ ـ تفسير الطبري (٥ / ٩) ذكر من حدودها : النكاح ، الأجل ، الفراق بعد انقضاء الأجل ، الاستبراء ، عدم الميراث.

٤ ـ أحكام القرآن للجصّاص (٢ / ١٧٨) ذكر من حدودها : العقد ، الأجرة ، الأجل ، العدّة ، عدم الميراث.

__________________

(١) صحيح مسلم : ٣ / ١٩٤ ح ١٩ كتاب النكاح ، أحكام القرآن : ٢ / ١٤٦ ـ ١٤٨ ، الجامع لأحكام القرآن : ٥ / ٨٧ ، شرح صحيح مسلم : ٩ / ١٨١ ، جامع الأحاديث للسيوطي : ٦ / ٤٢٢ ح ١٩٦٨٥.

٤٤٩

٥ ـ سنن البيهقي (٧ / ٢٠٠) أخرج أحاديث فيها بعض الحدود.

٦ ـ تفسير البغوي (١ / ٤٢٣) ذكر عدّة من الحدود.

٧ ـ تفسير القرطبي (٥ / ١٣٢) ذكر عدّة من الحدود.

٨ ـ تفسير الرازي (٣ / ٢٠٠) ذكر عدّة من الحدود.

٩ ـ شرح صحيح مسلم للنووي (٩ / ١٨١) ادّعى اتِّفاق العلماء على الحدود.

١٠ ـ تفسير الخازن (١ / ٢٥٧) ذكر الحدود الستّ.

١١ ـ تفسير ابن كثير (١ / ٤٧٤) ذكر الحدود الستّ.

١٢ ـ تفسير السيوطي (٢ / ١٤٠) ذكر من حدودها خمسةً.

١٣ ـ الجامع الكبير للسيوطي (٨ / ٢٩٥) ذكر من حدودها خمسةً.

وفي غير واحد من كتب المذاهب الأربعة في الفقه.

٣ ـ أوّل من نهى عن المتعة :

وقفنا على خمسة وعشرين حديثاً في الصحاح والمسانيد تدرّسنا بأنّ المتعة كانت مباحةً في شرع الإسلام ، وكان الناس تعمل بها في عصر النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وأبي بكر وردحاً من خلافة عمر ، فنهى عنها عمر في آخر أيّامه ، وعُرِف بأنّه أوّل من نهى عنها ، فعلى الباحث أن يراجع (١) :

صحيح البخاري باب التمتّع ، صحيح مسلم (١ / ٣٩٥ ، ٣٩٦) ، مسند أحمد (٤ / ٤٣٦ و ٣ / ٣٥٦) ، الموطّأ لمالك (٢ / ٣٠) ، سنن البيهقي (٧ / ٢٠٦) ، تفسير الطبري (٥ / ٩) ، أحكام القرآن للجصّاص (٢ / ١٧٨) ، النهاية لابن الأثير (٢ / ٢٤٩) ،

__________________

(١) صحيح البخاري : ٢ / ٥٦٩ ح ١٤٩٦ ، صحيح مسلم : ٣ / ١٩٣ ـ ١٩٤ ح ١٥ ـ ١٧ كتاب النكاح ، مسند أحمد : ٥ / ٦٠٣ ح ١٩٤٠٦ و ٤ / ٣٢٥ ح ١٤٤٢٠ ، الموطّأ : ٢ / ٥٤٢ ح ٤٢ ، جامع البيان : مج ٤ / ج ٥ / ١٣ ، أحكام القرآن : ٢ / ١٥٢ ، النهاية : ٢ / ٤٨٨ ، الفائق في غريب الحديث : ٢ / ٢٥٥ ، وفيات الأعيان : ٦ / ١٥٠ رقم ٧٩٣ ، المحاضرات : مج ٢ / ج ١ / ٢١٤ ، فتح الباري : ٩ / ١٧٢ ـ ١٧٤ ، الدرّ المنثور : ٢ / ٤٨٦ ، ٤٨٧ ، تاريخ الخلفاء : ص ١٢٨ ، شرح التجريد : ص ٤٨٤.

٤٥٠

الغريبين للهروي ، الفائق للزمخشري (١ / ٣٣١) ، تفسير القرطبي (٥ / ١٣٠) ، تاريخ ابن خلّكان (١ / ٣٥٩) ، المحاضرات للراغب (٢ / ٩٤) ، تفسير الرازي (٣ / ٢٠١ ، ٢٠٢) ، فتح الباري لابن حجر (٩ / ١٤١) ، تفسير السيوطي (٢ / ١٤٠) ، الجامع الكبير للسيوطي (٨ / ٢٩٣) ، تاريخ الخلفاء له (ص ٩٣) ، شرح التجريد للقوشجي في مبحث الإمامة.

٤ ـ الصحابة والتابعون :

ذهب جمع من الصحابة والتابعين إلى إباحة المتعة وعدم نسخها مع وقوفهم على نهي عمر عنها ، ولهم ولرأيهم شأن في الأمّة ، وفيهم من يجب عليها اتّباعه :

١ ـ أمير المؤمنين عليّ عليه‌السلام

 ١١ ـ الزبير بن العوّام القرشي

٢ ـ ابن عبّاس حبر الأمّة

 ١٢ ـ الحكم

٣ ـ عمران بن الحصين الخزاعي

 ١٣ ـ خالد بن المهاجر المخزومي

٤ ـ جابر بن عبد الله الأنصاري

 ١٤ ـ عمرو بن حريث القرشي

٥ ـ عبد الله بن مسعود الهذلي

 ١٥ ـ أُبيّ بن كعب الأنصاري

٦ ـ عبد الله بن عمر العدوي

 ١٦ ـ ربيعة بن أميّة الثقفي

٧ ـ معاوية بن أبي سفيان

 ١٧ ـ سعيد بن جبير

٨ ـ أبو سعيد الخدري الأنصاري

 ١٨ ـ طاووس اليماني

٩ ـ سلمة بن أميّة الجمحي

 ١٩ ـ عطاء أبو محمد اليماني

١٠ ـ معبد بن أميّة الجمحي

 ٢٠ ـ السدّي

قال ابن حزم (١) ـ بعد عدِّ جمع من الصحابة القائلين بالمتعة ـ : ومن التابعين : طاووس ، وسعيد بن جبير ، وعطاء ، وسائر فقهاء مكّة.

قال أبو عمر : أصحاب ابن عبّاس من أهل مكّة واليمن ، كلّهم يرون المتعة حلالاً.

__________________

(١) المحلّى : ٩ / ٥٢٠ ح ١٨٥٤.

٤٥١

قال القرطبي في تفسيره (١) (٥ / ١٣٢) : أهل مكّة كانوا يستمتعونها كثيراً.

قال الرازي في تفسيره (٢) (٣ / ٢٠٠) في آية المتعة : اختلفوا في أنَّها هل نُسخت أم لا؟ فذهب السواد الأعظم من الأمّة إلى أنّها صارت منسوخة ، وقال السواد منهم : إنّها بقيت مباحةً كما كانت.

قال أبو حيّان (٣) بعد نقل حديث إباحة المتعة : وعلى هذا جماعة من أهل البيت والتابعين.

قال الأميني : فأين دعوى إجماع الأمّة على حرمة المتعة ونسخ آيتها؟ وأين عزو القول بإباحتها إلى الباقر والصادق عليهما‌السلام فحسب؟ وهناك ناحية خامسة فيها بيان أقوال أهل السنّة في المتعة ونسخها وهي (٢٢) قولاً ، يعرب هذا التضارب في الآراء عن فوائد جمّة ، نحيل الوقوف عليها إلى دراية الباحث (٤).

ونحن لا يسعنا بسط المقال في طامّات هذا الكتاب ، إذ كلُّ صحيفة منه أهلك من ترّهات البسابس ، تعرب عن أنّ مؤلِّفه بعيد عن أدب الإسلام ، بعيد عن فقه القرآن والحديث ، قصير الباع عن كلّ علم ، قصير الخطى عن كلّ ملكة فاضلة ، بذيّ اللسان لسّابة ، وهو يعدُّ نفسه مع ذلك في كتابه من فقهاء الإسلام ، فإن كان الإسلام هذا فقهه وهذا فقيهه ، وهذا علمه وهذا عالمه ، وهذا كتابه وهذا كاتبه ، فإنّا لله وإنّا إليه راجعون.

هذه غاية البحث عن الكتب المزوّرة.

__________________

(١) الجامع لأحكام القرآن : ٥ / ٨٨.

(٢) التفسير الكبير : ١٠ / ٤٩.

(٣) البحر المحيط : ٣ / ٢١٨.

(٤) ولنا القول الفصل في البحث عن المتعة في الجزء السادس من كتابنا هذا. (المؤلف)

٤٥٢

الآن حصحص الحقّ

الآن حقّ علينا أن نميط الستر عن خبيئة أسرارنا ، ونعرب عن غايتنا المتوخّاة من هذا البحث الضافي حول الكتب. الآن آن لنا أن ننوِّه بأنّ ضالّتنا المنشودة هي إيقاظ شعور الأمّة الإسلامية إلى جانب مهمّ فيه الصالح العام والوئام والسلام والوحدة الاجتماعية ، وحفظ ثغور الإسلام عن تهجّم سيل الفساد الجارف.

(يا قَوْمِ إِنْ كانَ كَبُرَ عَلَيْكُمْ مَقامِي وَتَذْكِيرِي بِآياتِ اللهِ فَعَلَى اللهِ تَوَكَّلْتُ) (١) أنشدُكم بالله أيّها المسلمون : هل دعاية أقوى من هذه الكتب إلى تفريق صفوف المسلمين ، وتمزيق شملهم ، وفساد نظام المجتمع ، وذهاب ريح الوحدة العربية ، وفصم عرى الأخوّة الإسلاميّة ، وإثارة الأحقاد الخامدة ، وحشّ نيران الضغائن في نفوس الشعب الإسلاميّ ، ونفخ جمرة البغضاء والعداء المحتدم بين فرق المسلمين؟

(يا قَوْمِ اتَّبِعُونِ أَهْدِكُمْ سَبِيلَ الرَّشادِ) (٢) ..

هذه الكتب يضادُّ صراخها نداء القرآن البليغ ..

هذه النعرات المشمرجة (٣) تشيع الفحشاء والمنكر في الملأ الدينيِّ ..

هذه الكلم الطائشة معاول هدّامة لأسِّ مكارم الأخلاق التي بعث لتتميمها نبيُّ الإسلام صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ..

هذه الألسنة السلاّقة اللسّابة البذّاءة ، مدرِّسات الأمّة بفاحش القول ، وسوء الأدب ، وقبح العشرة ، وضدّ المداراة ، وبالشراسة والقحّة والشياص (٤).

__________________

(١) يونس : ٧١.

(٢) غافر : ٣٨.

(٣) الشمراج : المخلط من الكلام بالكذب. والشمرج : الباطل. (المؤلف)

(٤) الشياص : الأذى.

٤٥٣

هذه التعاليم الفاسدة فيها دَحْس (١) لنظام المجتمع ، ودَحل بين الفرق الإسلامية ، وهتك لناموس الشرع المقدّس وعبث بسياسة البلاد ، وصدع لتوحيد العباد.

هذه الأقلام المسمومة تمنع الأمّة عن سعادتها ورقيِّها ، وتولد العراقيل في مسيرها ومسربها ، وتمحو ما خطّته يد الإصلاح في صحائف القلوب ، وتحيي في النفوس ما عقمته داعية الدين.

(يا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جاءَتْكُمْ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَشِفاءٌ لِما فِي الصُّدُورِ) (٢) إنّ الآراء الدينية الإسلامية اجتماعية يشترك فيها كلُّ معتنق للإسلام ، إذ لا تمثَّل في الملأ إلاّ باسم الدين الاجتماعيِّ ، فيَهُمُّ كلَّ إسلاميّ يحمل بين جنبيه عاطفةً دينيّةً أن يدافع عن شرف نِحلته ، وكيان ملّته ، مهما وجد هناك زلّةً في رأي ، أو خطأً في فكرةٍ ، ولا يسعه أن يفرِّق بين باءةٍ وأخرى ، أو يخصَّ نفسه بحكومة دون غيرها (إِنْ هِيَ إِلاَّ أَسْماءٌ سَمَّيْتُمُوها أَنْتُمْ وَآباؤُكُمْ) (٣) بل الأرض كلّها بيئة المسلم الصادق ، والإسلام حكومته وهو يعيش تحت راية الحق ، وتوحيد الكلمة ضالّته ، وصدق الإخاء شعاره ، أينما كان وحيثما كان.

هذا شأن الأفراد ، فكيف بالحكومات العزيزة الإسلامية؟ التي هي شُعَبُ تلك الحكومة العالمية الكبرى ، ومفرداتُ ذلك الجمع الصحيح ، ومقطَّعات حروف تلك الكلمة الواحدة ، كلمة الصدق والعدل ، كلمة الإخلاص والتوحيد ، كلمة العزّ والشرف ، كلمة الرقيّ والتقدّم.

فأنّى يسوغ لحكومة مصر العزيزة أن ترخّص لنشر هذه الكتب في بلادها ،

__________________

(١) دحسَ بين القوم : أفسد بينهم.

(٢) يونس : ٥٧.

(٣) النجم : ٢٣.

٤٥٤

وتشوّه سمعتها في أرجاء الدنيا؟ وهي ثغر الإسلام المستحكم من أوّل يومه ، وهي مدرسة الشرق المؤسّسة تحت راية الحقّ بيد رجال العلم والدين.

أليس عاراً على مصر بعد ما مضت عليها قرون متطاولة بحسن السمعة أن تُعرف في العالم بأناسٍ دجّالين ، وكتّابٍ مستأجرين ، وأقلام مسمومة ، وأن يُقال : إنّ فقيهها موسى جار الله ، وعالمها القصيميّ ، ومصلحها أحمد أمين ، وعضو مؤتمرها محمد رشيد رضا ، ودكتورها طه حسين ، ومؤرِّخها الخضري ، وأستاذ علوم اجتماعها محمد ثابت ، وشاعرها عبد الظاهر أبو السمح؟

أليس عاراً على مصر أن يتملّج (١) ويتلمّظ بشرفها الدخلاء من ابن نجد ودمشق ، فيؤلّف أحدهم كتاباً في الردّ على الإماميّة ويسمّيه ـ الصراع بين الإسلام والوثنيّة ـ ويأتي آخر يقرِّظه بشعره لا بشعوره ، ويعرّف الشيعة الإماميّة بقوله :

ويحملُ قلبهمْ بغضاً شنيعاً

لخيرِ الخلقِ ليس له دفاعُ

يقولون الأمينُ حبا بوحيٍ

وخانَ وما لَهمْ عن ذا ارتداعُ

فهل في الأرض كفرٌ بعد هذا

وحرثهُمُ لمن يهوى متاعُ

فما للقوم دينٌ أو حياءٌ

بحسبهمُ من الخزي (الصراعُ) (٢)

(أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا أَنْ تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللهِ) (٣) أيحسب امرؤٌ مصريٌّ أنّ إشاعة هذه الكتب ، وبثَّ هذه المخاريق والنسب المفتعلة ، ونشر هذه التآليف التافهة حياة للأمّة المصرية ، وإيقاظ لشعور شعبها المثقّف ، وإبقاء لكيان تلك الحكومة العربية العزيزة ، وتقدّم ورقيّ في حركاتها العلمية ، والأدبية ، والأخلاقية ، والدينية ، والاجتماعية؟

__________________

(١) ملج الصبي الثدي إذا رضعه.

(٢) الأبيات من قصيدة للشيخ عبد الظاهر أبي السمح إمام المسجد الحرام وخطيبه ، يثني فيها على القصيميّ ويقرّظ كتابه المذكور.

(٣) الحديد : ١٦.

٤٥٥

أسفاً على أقلام مصر النزيهة ، وأعلامها المحنّكين ، ومؤلِّفيها المصلحين ، وكتّابها الصادقين ، وعباقرتها البارعين ، وأساتذتها المثقّفين ، ورجالها الأمناء على ودائع العلم والدين.

أسفاً على مصر وعلمها المتدفّق ، وأدبها الجمّ ، وروحها الصحيحة ، ورأيها الناضج ، وعقلها السليم ، وحياتها الدينية ، وإسلامها القديم ، وولائها الخالص ، وتعاليمها القيّمة ، ودروسها العالية ، وخلائقها الكريمة ، وملكاتها الفاضلة.

أسفاً على مصر وعلى تلكم الفضائل وهي راحت ضحيّة تلك الكتب المزخرفة ، ضحيّة تلك الأقلام المستأجرة ، ضحيّة تلك النزعات الفاسدة ، ضحيّة تلك الصحائف السوداء ، ضحيّة تلك النعرات الحمقاء ، ضحيّة تلك المطابع المأسوف عليها ، ضحيّة أفكار أولئك المحدثين المتسرِّعين (الَّذِينَ طَغَوْا فِي الْبِلادِ* فَأَكْثَرُوا فِيهَا الْفَسادَ) (١) (وَإِذا قِيلَ لَهُمْ لا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ قالُوا إِنَّما نَحْنُ مُصْلِحُونَ* أَلا إِنَّهُمْ هُمُ الْمُفْسِدُونَ وَلكِنْ لا يَشْعُرُونَ) (٢).

أليست هذه الكتب بين يدي أعلام مصر ومشايخها المثقّفين؟ أم لم يوجد هناك من يحمل عاطفة دينيّة ، وشعوراً حيّا ، وفكرة صالحة يدافع عن ناموس مصره المحبوبة قبل ناموس الشرق كلّه؟

والعجب كلُّ العجب أنّ علاّمة مصر (٣) ، يُري للمجتمع أنّه الناقد البصير ، فيقرِّظ كتاباً (٤) قيّماً لعربيٍّ صميم ، عراقيٍّ يُعدُّ من أعلام العصر ومن عظماء العالم ، ويناقش دون ما في طيّه من الأغلاط المطبعيّة ممّا لا يترتّب به على الأمّة ولا على فردٍ

__________________

(١) الفجر : ١١ ، ١٢.

(٢) البقرة : ١١ ، ١٢.

(٣) الأستاذ أحمد زكي. (المؤلف)

(٤) أصل الشيعة وأصولها : لشيخنا العلاّمة الشيخ محمد حسين آل كاشف الغطاء. (المؤلف)

٤٥٦

منها أيّ ضرر وخسارة ، بمثل قوله : كلّما ، صوابه : كلّ ما. شرع ، صوابه : شرح. شيخنا ، صوابه : شيخا.

مرحباً بهذا الحرص والاستكناه في الإصلاح والتغاضي عن تلكم الكوارث ، مرحباً بكلاءة ناموس لغة العرب والصفح عن دينه وصالح ملّته ، مرحباً بهذه العاطفة المصلِحة لتآليف مشايخ الشيعة ، والتحامل عليهم بذلك السباب المقذع ، مرحباً مرحباً مرحباً!

لِمَ لم يرُق أمثال هذا النابه النيقد أن يأخذ بميزان القسط ، وقانون العدل ، وناموس النَّصفة ، وشرعة الحقّ ، وواجب الخدمة للمجتمع ، ويلفت مؤلّف مصره العزيزة إلى تلكم الهفوات المخزية في تلكم التآليف التي هي سلسلة بلاء ، وحلقات شقاء تنتهي إلى هلاك الأمّة ودمارها ، وتجرُّ عليها كلّ سوأة ، وتُسفّها إلى حضيض التعاسة؟

وإن تعجب فعجبٌ نشر هذه الكتب في العراق وهي تمسُّ بكرامة ناموسها بعد ناموس الإسلام المقدّس ورجالها بعدُ أحياء ، وشعبها بعدُ نابغ ، وشعورها بعدُ حيٌّ ، ودينها بعدُ مستقرّ ، وغيرة العرب بعدُ هي هي ، وشهامة الشبيبة بعدُ لم تهرم ، وجَلادة الشيوخ بعدُ لم تضعف ، وأزمّة حكومتها بعدُ بيد آل هاشم.

يعزُّ على أمّ العراق أن تسمع أذنها واعية أنّ في فنادق النجف وسيطاً يعرض جمعاً من فتياتها إلى الوافد لينتقي منهنّ ، وفتاتها تتزوّج مرّات في الليلة الواحدة (١)!

كيف تسمع أذن العراق نداء أنّ النجفيّين هم الدجّالون والضالّون المضلّون ، قد تزيّوا بزيّ المسلمين وشاركوهم في كثير من الشعائر؟ ـ إلى آخر ما لا يصلح ذكره ـ وقبل هذه كلّها تلك الصرخة التي تمسُّ بكرامة رجالات البيت الهاشمي (٢).

__________________

(١) راجع الجولة في ربوع الشرق الأدنى : ص ١١٢. (المؤلف)

(٢) راجع السنّة والشيعة : ص ٤٨. (المؤلف)

٤٥٧

أيحسب عراقيٌّ حاسّ أنّ في طيِّ هذه الكتب صلاحاً لمجتمع العراق؟ أو حياةً لروح أبنائها؟ أو درس أخلاق لأمّتها ، أو رقيّا وتقدّماً لشعبها؟ أو ثقافةً لرجالها؟ أو علماً لطلاّبها؟ أو أدباً لكتّابها؟ أو ديناً لمسلميها؟ أو مادّة لمثريها؟ أو لها دخلٌ في سياسة حكومتها الإسلامية المحبوبة؟

فواجب المسلم الصادق في دعواه ، الحافظ لشرفه وعزّ نِحلته ، رفض أمثال هذه الكتب المبهرجة ، ولفظها بلسان الحقيقة ، والكفُّ عن اقتنائها وقراءتها ، وتجنّب الاعتقاد والتصديق بما فيها ، والبعد عن الأخذ والبخوع بما بين دفوفه ، والإخبات إلى ما فيها قبل أن يعرضها إلى نظارة التنقيب ، وصيارفة النقد والإصلاح ، أو النظر إليها بعين التنقيب وإردافها بالردِّ والمناقشة فيها إن كان من أهلها. (وَلَوْ أَنَّهُمْ فَعَلُوا ما يُوعَظُونَ بِهِ لَكانَ خَيْراً لَهُمْ وَأَشَدَّ تَثْبِيتاً) (١).

وواجب رجال الدعاية والنشر في الحكومات الإسلاميّة عرض كلِّ تأليفٍ مذهبيٍّ حول أيِّ فرقة من فرق الإسلام إلى أصولها ومبادئها الصحيحة المؤلّفة بيد رجالها ومشايخها ، والمنع عمّا يضادُّها ويخالفها ، إذ هم عيون الأمّة على ودائع العلم والدين ، وحفظة ناموس الإسلام ، وحرسة عُرى العروبة ، إن عقلوا صالحهم ، وعليهم قطع جذوم الفساد قبل أن يؤجّج المفسد نار الشحناء في الملأ ثمّ يعتذر بعدم الاطّلاع وقلّة المصادر عنده ، كما فعل أحمد أمين بعد نشر كتابه فجر الإسلام في ملأ من قومه ، والإنسان على نفسه بصيرةٌ ولو ألقى معاذيره ، ولا عذر لأيّ أحد في القعود عن واجبه الدينيّ الاجتماعيّ. (وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَأُولئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ) (٢).

ونحن نرحّب بكتاب كلّ مذهب وتأليف كلّ ملّة أُلّف بيد الصدق والأمانة ، بيد

__________________

(١) النساء : ٦٦.

(٢) آل عمران : ١٠٤.

٤٥٨

الثقة والرزانة ، بيد التحقيق والتنقيب ، بيد العدل والإنصاف ، بيد الحبّ والإخاء ، بيد أدب العلم والدين ، (لِيَهْلِكَ مَنْ هَلَكَ عَنْ بَيِّنَةٍ وَيَحْيى مَنْ حَيَّ عَنْ بَيِّنَةٍ) (١).

(ذلِكَ يُوعَظُ بِهِ مَنْ كانَ مِنْكُمْ يُؤْمِنُ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ذلِكُمْ أَزْكى لَكُمْ وَأَطْهَرُ) (٢)

__________________

(١) الأنفال : ٤٢.

(٢) البقرة : ٢٣٢.

٤٥٩
٤٦٠