الغدير في الكتاب والسنّة والأدب - ج ٣

الشيخ عبد الحسين أحمد الأميني النجفي

الغدير في الكتاب والسنّة والأدب - ج ٣

المؤلف:

الشيخ عبد الحسين أحمد الأميني النجفي


المحقق: مركز الغدير للدّراسات الإسلاميّة
الموضوع : العقائد والكلام
الناشر: مركز الغدير للدراسات الإسلامية
المطبعة: باقري
الطبعة: ١
الصفحات: ٥٧٦

الضحى إلى الظهر ، ثمّ يتمتّع بها آخر من الظهر إلى العصر ، ثمّ آخر إلى المغرب ، ثمّ آخر إلى العشاء ، ثمّ آخر إلى نصف الليل ، ثمّ آخر إلى الصبح ، وهم يعدّون هذا النوع ديناً لله يُثابون عليه ، وهو من شرِّ أنواع المحرّمات (١ / ١١٩).

الجواب : إنّ المتعة عند الشيعة هي التي جاء بها نبيُّ الإسلام ، وجعل لها حدوداً مقرّرة ، وثبتت في عصر النبيّ الأعظم وبعده إلى تحريم الخليفة عمر بن الخطاب ، وبعده عند من لم يرَ للرأي المحدَث في الشرع تجاه القرآن الكريم وما جاء به نبيُّ الإسلام قيمةً ولا كرامةً ، وقد أصفقت فِرَق الإسلام على أصول المتعة وحدودها المفصَّلة في كتبها ، ولم يختلف قطُّ اثنان فيها ، ألا وهي :

١ ـ الأجرة.

٢ ـ الأجل.

٣ ـ العقد المشتمل للإيجاب والقبول.

٤ ـ الافتراق بانقضاء المدّة أو البذل.

٥ ـ العدّة : أمةً وحرّة ، حائلاً وحاملاً.

٦ ـ عدم الميراث.

وهذه الحدود هي التي نصَّ عليها أهل السنّة والشيعة.

راجع من تآليف الفريق الأوّل : صحيح مسلم ، سنن الدارمي ، سنن البيهقي ، تفسير الطبري ، أحكام القرآن للجصّاص ، تفسير البغوي ، تفسير ابن كثير ، تفسير الفخر الرازي ، تفسير الخازن ، تفسير السيوطي ، كنز العمّال (١).

ومن تآليف الفريق الثاني (٢) : من لا يحضره الفقيه (٣ / ١٤٩) ، المقنع للصدوق

__________________

(١) يأتي تفصيل كلماتهم في هذا الجزء بعيد هذا. (المؤلف)

(٢) من لا يحضره الفقيه : ٣ / ٤٥٨ ـ ٤٦٧ ح ٤٥٨٣ ـ ٤٦١٦ ، المقنع : ص ١٥٢ ، الهداية : ص ٣٢٥

٤٢١

كسابقه ، الهداية له أيضاً ، الكافي (٢ / ٤٤) ، الانتصار للشريف علم الهدى المرتضى ، المراسم لأبي يعلى سلاّر الديلمي ، النهاية للشيخ الطوسي ، المبسوط للشيخ أيضاً ، التهذيب له أيضاً (٢ / ١٨٩) ، الاستبصار له (٢ / ٢٩) ، الغنية للسيّد أبي المكارم ، الوسيلة لعماد الدين أبي جعفر ، نكت النهاية للمحقِّق الحلّي ، تحرير العلاّمة الحلّي (٢ / ٢٧) ، شرح اللمعة (٢ / ٨٢) ، المسالك ج ١ ، الحدائق (٦ / ١٥٢) ، الجواهر (٥ / ١٦٥).

والمتعة المعاطاة بين الأمّة الشيعيّة ليست إلاّ ما ذكرناه ، وليس إلاّ نوعاً واحداً ، والشيعة لم ترَ في المتعة رأياً غير هذا ، ولم تسمع أذن الدنيا أنواعاً للمتعة تقول بها فرقة من فرق الشيعة ، ولم تكن لأيِّ شيعيٍّ سابقة تعارف بانقسامها على الصغرى والكبرى ، وليس لأيِّ فقيه من فقهاء الشيعة ولا لعوامّهم من أوّل يومها إلى هذا العصر ، عصر الكذب والاختلاق ، عصر الفرية والقذف ـ عصر القصيميّ ـ إلمامٌ بهذا الفقه الجديد المحدَث ، فقه القرن العشرين لا القرون الهجريّة.

وأمّا القصيميُّ ـ ومن يشاكله في جهله المطبق ـ فلا أدري ممّن سمع ما تخيّله من الأنواع؟ وفي أيّ كتابٍ من كتب الشيعة وجده؟ وإلى فتوى أيِّ عالم من علمائها يستند؟ وعن أيِّ إمام من أئمّتها يروي؟ وفي أيِّ بلدة من بلادها أو قرية من قراها أو بادية من بواديها وجد هذه المعاطاة المكذوبة عليها؟ ايم الله كلُّ ذلك لم يكن. لكنَّ الشياطين يوحون إلى أوليائهم زخرف القول غروراً.

١٤ ـ قال : إنَّ أغبى الأغبياء وأجمد الجامدين من يأتون بشاة مسكينة وينتفون شعرها ويعذِّبونها أفانين العذاب ، موحياً إليهم ضلالهم وجرمهم أنَّها السيّدة عائشة زوج النبيّ الكريم وأحبُّ أزواجه إليه.

__________________

باب ١٤٢ ، الكافي : ٥ / ٤٤٨ ، الانتصار : ص ١٠٩ ، المراسم : ص ١٥٥ ، النهاية : ص ٤٨٩ ، المبسوط : ٤ / ٢٤٦ ، تهذيب الأحكام : ٧ / ٢٤٩ ، الاستبصار : ٣ / ١٤١ ، الغنية : ١٨ / ٢٨٢ ، الوسيلة : ص ٣٠٩ ، النهاية ونكتها : ٢ / ٣٧٢ ، تحرير الأحكام : ٢ / ٢٦ ، شرح اللمعة الدمشقية : ٥ / ٢٤٥ ، مسالك الأفهام : ١ / ٤٠٠ ، الحدائق الناضرة : ٢٤ / ١١٣ ، جواهر الكلام : ٣٠ / ١٣٩.

٤٢٢

ومن يأتون بكبشين وينتفون أشعارهما ويعذِّبونهما ألوان العذاب ، مشيرين بهما إلى الخليفتين أبي بكر وعمر ، وهذا ما تأتيه الشيعة الغالية.

وإنَّ أغبى الأغبياء وأجمد الجامدين هم الذين غيّبوا إمامهم في السرداب ، وغيّبوا معه قرآنهم ومصحفهم ، ومن يذهبون كلَّ ليلة بخيولهم وحميرهم إلى ذلك السرداب الذي غيّبوا فيه إمامهم ينتظرونه وينادونه ليخرج إليهم ، ولا يزال عندهم ذلك منذ أكثر من ألف عام.

وإنَّ أغبى الأغبياء وأجمد الجامدين هم الذين يزعمون أنَّ القرآن محرّف مزيد فيه ومنقوص منه (١ / ٣٧٤).

الجواب : يكاد القلم أن يرتج عليه القول في دحض هذه المفتريات ، لأنّها دعاوى شهوديّة بأشياء لم تظلّ عليها الخضراء ولا أقلّتها الغبراء ؛ فإنّ الشيعة منذ تكوّنت في العهد النبويّ يوم كان صاحب الرسالة يلهج بذكر شيعة عليّ عليه‌السلام ، والصحابة تسمّي جمعاً منهم بشيعة عليّ إلى يومها هذا ، لم تسمع بحديث الشاة والكبشين ، ولا أبصرت عيناها ما يُفعل بهاتيك البهائم البريئة من الظلم والقساوة ، ولا مدّت إليها تلك الأيادي العادية ، غير أنَّهم شاهدوا القصيميّ متّبعاً لابن تيميّة يدنِّس برودهم النزيهة من ذلك الدَرَن.

وليت الرجل يعرِّفنا بأحدٍ شاهد شيعيّا يفعل ذلك ، أو بحاضرة من حواضر الشيعة اطّردت فيها هذه العادة ، أو بصقع وقعت فيه مرّة واحدة ولو في العالم كلّه.

وليتني أدري وقومي هل أفتى شيعيّ بجواز هذا العمل الشنيع؟ أو استحسن ذلك الفعل التافه؟ أو نوّه به ولو قصِّيص في مقاله؟ نعم يوجد هذا الإفك الشائن في كتاب القصيميّ وشيخه ابن تيميّة المشحون بأمثاله.

وفرية السرداب أشنع وإن سبقه إليها غيره من مؤلِّفي أهل السنّة ، لكنّه زاد في

٤٢٣

الطنبور نغمات بضمِّ الحمير إلى الخيول ، وادِّعائه اطِّراد العادة في كلِّ ليلة واتِّصالها منذ أكثر من ألف عام ، والشيعة لا ترى أنَّ غيبة الإمام في السرداب ، ولا هم غيّبوه فيه ولا أنَّه يظهر منه ، وإنَّما اعتقادهم المدعوم بأحاديثهم أنَّه يظهر بمكّة المعظّمة تجاه البيت ، ولم يقل أحدٌ في السرداب إنَّه مغيب ذلك النور ، وإنّما هو سرداب دار الأئمّة بسامرّاء ، وإنَّ من المطّرد إيجاد السراديب في الدور وقايةً من قائظ الحرّ ، وإنَّما اكتسب هذا السرداب بخصوصه الشرف الباذخ لانتسابه إلى أئمّة الدين ، وأنَّه كان مبوّأً لثلاثة منهم كبقيّة مساكن هذه الدار المباركة ، وهذا هو الشأن في بيوت الأئمّة عليهم‌السلام ومشرِّفهم النبيُّ الأعظم في أيّ حاضرة كانت ، فقد أذن الله أن تُرفع ويذكر فيها اسمه.

وليت هؤلاء المتقوّلين في أمر السرداب اتّفقوا على رأي واحد في الأكذوبة ، حتى لا تلوح عليها لوائح الافتعال فتفضحهم ، فلا يقول ابن بطّوطة (١) في رحلته (٢) (٢ / ١٩٨) : إنَّ هذا السرداب المنوّه به في الحلّة ، ولا يقول القرماني في أخبار الدول (٣) : إنّه في بغداد. ولا يقول الآخرون : إنّه بسامرّاء ، ويأتي القصيميّ من بعدهم فلا يدري أين هو ، فيطلق لفظ السرداب ليستر سوأته.

وإنّي كنت أتمنّى للقصيميّ أن يحدِّد هذه العادة بأقصر من ـ أكثر من ألف عام ـ حتى لا يشمل العصر الحاضر والأعوام المتّصلة به ، لأنَّ انتفاءها فيه وفيها بمشهدٍ ومرأىً ومسمع من جميع المسلمين ، وكان خيراً له لو عزاها إلى بعض القرون الوسطى حتى يجوِّز السامع وجودها في الجملة ، لكنَّ المائن غير متحفِّظ على هذه الجهات.

وأمّا تحريف القرآن فقد مرّ حقُّ القول فيه (ص ٨٥) وغيرها.

هذه نبذٌ من طامّات القصيميّ وله مئاتٌ من أمثالها ، ومن راجع كتابه عرف

__________________

(١) وهكذا ابن خلدون في مقدمة تاريخه : ١ / ٣٥٩ [١ / ٢٤٩] ، وابن خلّكان في تاريخه : ص ٥٨١ [٤ / ١٧٦ رقم ٥٦٢]. (المؤلف)

(٢) رحلة ابن بطّوطة : ص ٢٢٠.

(٣) أخبار الدول : ١ / ٣٥٣.

٤٢٤

موقفه من الصدق ، ومبوّأه من الأمانة ، ومقيله من العلم ، ومحلّه من الدين ، ومستواه من الأدب.

(الَّذِينَ يُجادِلُونَ فِي آياتِ اللهِ بِغَيْرِ سُلْطانٍ أَتاهُمْ كَبُرَ مَقْتاً عِنْدَ اللهِ وَعِنْدَ الَّذِينَ آمَنُوا كَذلِكَ يَطْبَعُ اللهُ عَلى كُلِّ قَلْبِ مُتَكَبِّرٍ جَبَّارٍ) (١)

١١ ، ١٢ ، ١٣ ـ

فجر الإسلام. ضحى الإسلام. ظهر الإسلام

هذه الكتب ألَّفها الأستاذ أحمد أمين المصريّ لغاية هو أدرى بها ، ونحن أيضاً لا يفوتنا عرفانها ، وهذه الأسماء الفخمة لا تغرُّ الباحث النابه مهما وقف على ما في طيّها من التافهات والمخازي ، فهي كاسمه ـ الأمين ـ لا تطابق المسمّى ، وايم الله إنَّه لو كان أميناً لكان يتحفّظ على ناموس العلم والدين والكتاب والسنّة ، وكفَّ القلم عن تسويد تلك الصحائف السوداء ، ولم يكن يشوّه سمعة الإسلام المقدّس قبل سمعة مصره العزيزة بلسانه اللسّابة (٢) السلاّقة ، وكان لم يتّبع الهوى فيضلَّ عن السبيل ، ولم يطمس الحقائق ولم يظهرها للناس بغير صورها الحقيقية المبهجة ، ولم يحرِّف الكلم عن مواضعها ، ولم يقذف أمّةً كبيرةً بنسب مفتعلة ، ولم يتقوّل عليهم بما يدنِّس ذيل قدسهم.

كما أنّ تآليفه هذه لو كانت إسلامية ـ كما توهمها أسماؤها ـ لما كانت مشحونةً بالضلال والإفك وقول الزور ، ولما بعدت عن أدب الإسلام ، عن أدب العلم ، عن أدب العفّة ، عن أدب الإخاء الذي جاء به القرآن ، فالإسلام الذي جاء به أمين القرن العشرين ـ لا القرن الرابع عشر ـ ، يضادُّ نداء القرآن البليغ ، نداء الإسلام الذي صدع به أمين وحي الله في القرن الأوّل الهجريّ ، فإن كان الإسلام هذا كتابه وهذا أمينه

__________________

(١) غافر : ٣٥.

(٢) صيغة مبالغة من : لسب يلسب ، بمعنى لدغ.

٤٢٥

فعلى الإسلام السلام ، وإن كان الجامع المصريّ الأزهر هذا علمه وهذا عالمه فعليه العفا.

وقد نوّه غير واحدٍ من محقّقي الإمامية (١) ، بما فيها من البهرجة والباطل في تآليفهم القيّمة ، وفي ـ تحت راية الحقّ ـ (٢) غنىً وكفاية لمريد الحقّ ، وإلى الله المشتكى.

(بَلْ كَذَّبُوا بِالْحَقِّ لَمَّا جاءَهُمْ فَهُمْ فِي أَمْرٍ مَرِيجٍ) (٣)

١٤ ـ

جولة في ربوع الشرق الأدنى

تأليف

محمد ثابت المصري

مدرّس أوّل العلوم الاجتماعية بمدرسة القبّة الثانوية

الناموس المطّرد في السيّاح أنَّ أكثر ما يتحرّى مشاهدته في البلاد والأصقاع يكون ملائماً لما انطبعت عليه نفسيّته ، ولذلك تراهم مختلفين في النزعات ، فصاحب رحلة يكاد أن لا يذكر فيها سوى ما تلقّاه من العلماء والأدباء ، وآخر تجد فيه نزوعاً إلى الساسة ونظريّاتهم ، وثالث يبغي وصف البقاع من ناحية المعيشة ، والاقتصاد ، والهواء الطلق ، والماء العذب النمير ، وفواكه ممّا يشتهون ، وعارف يذكر بدائع الصنع وإتقان حكمة الباري سبحانه من مشهوداته ، وهناك ماجن لا يروقه إلاّ الشهوات والمخازي ؛ فيصف المواخير ، ويلمُّ بحانات الخمور ، ويحدِّث عن المومسات ، وأفّاك أثيمٌ يَمينُ في أكثر ما يحدِّث ، ويدنِّس بفاحش القول ساحة قدس من لم يحسن قِراه ،

__________________

(١) كالحجج الفطاحل السيّد شرف الدين ، والسيّد الأمين ، وشيخنا كاشف الغطاء. (المؤلف)

(٢) تأليف العلاّمة الشيخ عبد الله السبيتي. (المؤلف)

(٣) سورة ق : ٥.

٤٢٦

وإنَّ صاحب هذه الرحلة ـ الجولة ـ من القسمين الأخيرين ، وكان الحريّ بنا أن نشطب على اسمه وعلى رحلته بقلم عريض ، لكنّا نُلمس القارئ ما ادّعيناه فيه بطفيفٍ ممّا شوّه به سمعة الرحلة والتاريخ.

١ ـ قال : يقول العلماء هناك ـ في النجف ـ : إن المدافن فيها عشرة آلاف لا تزيد ولا تنقص ؛ لأنَّ سيّدنا عليّا يرسل ما زاد من الجثث بعيداً فلا يعرف أحد مقرّها (ص ١٠٥).

كم من جثثٍ كانت تحملها السيّارات وافدة من كلِّ فجٍّ ، وبعد الغسل يطاف بها حول الحرم ، وبعد الصلاة عليها تُدفن ، وتظلُّ كذلك حتى يتراءى لسيّدنا عليّ أن يكشف عن مكنونها ، فتختفي ويُدفن في مكانها غيرها (ص ١٠٦).

الجواب : لقد فتّشنا علب العطّارين ، وأوعية أهل الحرف ، وجوالق المكارين ، ومدوّنات القصص الروائية ، فلم تعطنا خُبراً بشيءٍ من هذه المفتريات ، ولا دلّنا أصحابنا إلى شيء من ذلك ، وإنّما قدّمناها وإيّاهم بالتفتيش والسؤال بعد اليأس عن العلماء وكتبهم ، فإنّهم يجلّون ـ كما أنّ كتبهم تجلُّ ـ عن الإشادة بالمخازي والأكاذيب ، وليت السائح ذكر عالماً من أولئك العلماء الذين شافهوه بذلك الخيال ، أو ذكر طرقهم إلى آرائهم ، أو ذكر الليلة التي أوحاه إليه شيطانه فيها ، لكنّه لم يفعل كلّ ذلك تحفّظاً على ناموس شيطانه ؛ فقال ولم يخجل :

من أين تخجلُ أَوجهٌ أمويّةٌ

سَكَبَتْ بلذّاتِ الفجورِ حياءها

٢ ـ قال : هي ـ النجف ـ مقرُّ أوّل خليفةٍ للنبيِّ صلى الله عليه وسلم ، وفي زعم بعضهم ـ يعني الشيعة ـ هي مقرّ من كان أحقُّ بالرسالة من النبيّ نفسه (ص ١٠٤).

الجواب : ليس في الشيعة قديماً وحديثاً من يزعم أنّ أمير المؤمنين أحقُّ بالرسالة من النبيّ ، وإنِّما هو إفكٌ مفترىً اختلقه أضداد الشيعة تشويهاً لسمعتها ،

٤٢٧

ولذلك لا تجد في أيّ من كتبهم ، ولا يُؤثر عن أيّ منهم إيعاز إلى هذه الشائنة فضلاً عن التصريح.

٣ ـ قال : قُتل عليٌّ بيد ابن ملجم ... بايع الناس الحسن بن عليّ ، وكان معاوية قد بويع في الشام فزحف لقتال الحسن ، وتأهّب الحسن للقتال في العراق ، ولكن ثار عليه جنوده وانفضّوا من حوله ، فهادن معاوية وتنازل عن الخلافة وفرّ وقُتل! ثمّ بايع الجميع معاوية إلاّ الخوارج والشيعة ـ شيعة آل البيت أو آل عليّ ـ وقد اجتمعوا حول الحسين بن عليّ في مكّة ، فقتله جنودُ معاوية في كربلاء هو وأفراد أسرته وأتباعه جميعاً إلاّ ابنٌ واحدٌ [كذا] للحسين أمكنه الهرب!!! (ص ١١٠).

الجواب : هذا معرفة الرجل بالتاريخ الإسلامي وهو أستاذ العلوم الاجتماعيّة في مدرسة القبّة الثانويّة بالقاهرة ، ولا أحسب أنّ المقام يستدعي ترسّلاً في تصحيح أغلاطه التاريخية ، وإنَّما أثبتناه في هذا المقام لإيقاف القارئ على مقدار علمه ، ولكنّني أتمنّى أنّ سائلاً يسائله عن الموجب للكتابة فيما لا يعلم ، أهو بترجيح من طبيب؟ أم تحبيذ من مهندس؟ أم إشارة من سياسيّ؟ أم أنّ الرعونة حدته إلى ذلك؟ وهو يحسب أنّه يحسن صنعاً ، ونحن لا نقابله هنا إلاّ بالسلام كما قال سبحانه تعالى : (وَإِذا خاطَبَهُمُ الْجاهِلُونَ قالُوا سَلاماً) (١).

وما أشبه أساطير رحّالة مصر هذا في كتابه بأساطير الرحّالة الفرنسية المنشورة في مجلّة الأحرار البيروتية (٢٧ تشرين الثاني سنة ١٩٣٠ م) ملخّصها : أنّ على أساس ذبح عليّ وأولاده في كربلاء ـ قرب بغداد ـ قامت الشيعة في الإسلام ، ذلك لأنّ أقرباء عليّ وحلفاءه وتلاميذه وعلماء الشيعة وفلاسفتها لم يطيقوا خلافة عمر الذي بسببه أريق دم عليّ وأولاده ، فافترقوا عن السنّة واجتازوا جزيرة العرب إلى العجم ، تسير في طليعتهم أرملة عليّ فاطمة!!!

__________________

(١) الفرقان : ٦٣.

٤٢٨

اقرأ واضحك.

هكذا فليكن رحّالة مصر وفرنسا ، و (لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ) (١).

٤ ـ قال : من فرق الشيعة من يقول : بأنَّ الصحابة كلّهم كفروا بعد موت النبيّ إذ جحدوا إمامة عليّ ، وإنَّ عليّا نفسه كفر لتنازله لأبي بكر ، لكنَّه عاد له إيمانه لمّا تولّى الإمامة ، وهذه فرقة الإماميّة.

ومن الشيعة قسم أوجب النبوّة بعد النبيّ ، فقالوا : بأنَّ الشَبه بين محمد وعليّ كان قريباً لدرجة أنَّ جبرئيل أخطأ ، وتلك فئة الغالية أو الغلاة. ومنهم من قال بأنَّ جبريل تعمّد ذلك فهو إذن ملعون كافر (ص ١١٠).

الجواب : الإماميّة لا تقول في الصحابة إلاّ بما قدّمناه في هذا الجزء (ص ٢٩٦ ، ٢٩٧) عن صحيح البخاري وغيره ، وهي لا تزال توالي أمير المؤمنين عليّا ـ صلوات الله عليه ـ وتقول بعصمته ، وتحقّق الإيمان بولائه منذ بدء خلقته إلى أن لفظ نفسه الأخير ، وإلى أن يرث الله الأرض ومن عليها ، وإلى أمدٍ لا منتهى له ، وتقول بإمامته منذ قبض الله نبيّه الأمين إليه ، سواء سُلّم إليه الأمر أو ابتزَّ منه. وتقول أيضاً بشمول آية التطهير له منذ نزلت إلى آخر الأبد ، ولا يتزحزح الشيعيُّ عن هذه العقائد آناً ما في أدوار الخلافة العلويّة سواءٌ تصدّى لها أو مُنع عنها ، وقد اتّفق على ذلك علماء الشيعة ومؤلّفاتها ، وتطامنت عليه الأفئدة ، وانحنت عليه الأضالع ، وأخبتت إليه القلوب ، فإن كانت هناك نسبة غير هذا إليهم فعزو مختلق من جاهلٍ بعقائدهم ، أو متحرٍّ بالوقيعة فيهم ، ولِدةُ هذا نسبة خطأ جبرئيل إلى بعضهم أو تعمّده إلى بعض آخر وما إليها من المخازي.

٥ ـ قد استرعى نظري في النجف كثير من الأطفال الذين يُلبسون آذانهم

__________________

(١) النساء : ١١.

٤٢٩

حلقات خاصّة ، وهي علامة أنَّهم من ذريّة زواج المتعة المنتشر بين الشيعة جميعاً وبخاصّة في بلاد فارس ، ففي موسم الحجّ (١) إذا ما حلّ زائر فندقاً لاقاه وسيط يعرض عليه أمر المتعة مقابل أجر معيّن ، فإن قبل أحضر له الرجل جمعاً من الفتيات لينتقي منهنّ ، وعندئذٍ يقصد معها إلى عالم لقراءة صيغة عقد الزواج وتحديد مدّته ، وهي تختلف بين ساعاتٍ وشهورٍ وسنواتٍ ، وللفتاة أن تتزوّج مرّات في الليلة الواحدة ، والعادة أن يدفع الزوج نحو خمسة عشر قرشاً للساعة ، وخمسة وسبعين قرشاً لليوم ، ونحو أربع جنيهات للشهر ، ولا عيب على الجميع في ذلك العمل لأنّه مشروع ، ولا يلحق الذرّية أيّ عار مطلقاً ، وعند انتهاء مدّة الزواج يفترق الزوجان ، ولا تنتظر المرأة أن تعتدّ بل تتزوّج بعد ذلك بيومٍ واحد ، فإن ظهر حملٌ فللوالد أن يدّعي الطفل له ويأخذه من أمِّه إذا بلغ السابعة. إلخ (ص ١١١ ، ١١٢).

الجواب : ليتني كنت أشافه الرجل فأسائله عن أنّه هل تفرّد هو بالهبوط إلى النجف الأشرف في أجيالها المتطاولة؟ أو شاركه في ذلك غيره من سوّاح وزوّار وسابلة؟

نعم ؛ هذه النجف الأعلى ، مهبط القداسة ، ومرقد سيّد الوصيّين أمير المؤمنين ـ صلوات الله عليه ـ ، تأتيها في كلِّ سنة آلاف مؤلَّفة من أقطار الدنيا للتزوّد من زورة ذلك المشهد المقدّس ، فيمكثون فيها أيّاماً وليالي وأسابيع وأشهراً ، وفيهم البحّاثة والمنقِّبون ، فلِمَ لم يحدِّث أحدهم عن أولئك الأطفال الكثيرين في مخيّلة هذا الزاعم؟ وعن الحلقات الخاصّة في آذانهم ، وعن هاتيك الفنادق المختلقة (٢) ، وعن ذلك الوسيط الموهوم ، وهاتيك الفتيات المعروضة على الوافد ، وعن تلك العادة المفتراة الشائنة والأسعار المختلقة ، وعن تواصل المتع من دون تخلّل عدّة ، وجلُّ أولئك الوافدين يتحرَّون غرائب ما في النجف من العادات والأطوار شأن كلِّ باحث يرد حاضرة من

__________________

(١) يعني أيّام زيارة أمير المؤمنين عليه‌السلام المخصوصة به. (المؤلف)

(٢) لم يكن يوم ورود الرجل النجف الأشرف أيّ فندق فيها ، وإنّما أسّست الفنادق بعد يومه. (المؤلف)

٤٣٠

الحواضر المهمّة ، ولِمَ لم يشهد هذه الأحوال أحد من أهل النجف الذين وُلدوا فيها ، وفيها ينشأون ، وفيها يموتون ، وهي وفنادقها وأطفالها وزوّارها بمرأى منهم ومسمع؟ ولعلَّ الرائد الكذّاب يحسب أنَّ مشهوداته هذه لا تُدرك بعين البصر وإنَّما أدركها بعين البصيرة ، فهلمَّ واضحك.

٦ ـ قال : فهم ـ يعني الإيرانيِّين ـ يبغضون أهل العراق ويطمحون إلى تملّك بلادهم يوماً ، وهم جميعاً يمقتون العرب المقت كلّه ويتبرَّؤون منهم ، ويقولون بأنَّ العرب رغم أنّهم أدخلوا الإسلام في بلادهم واحتلّوها طويلاً ، فإنّ فارس حافظت على شخصيّتها ولغتها ، وهم ينظرون إلى العرب نظرة احتقارٍ ، ويفاخرون بأنّهم من أصل آريّ لا ساميّ (ص ١٣٦).

الجواب : لا أحسب ـ وايمن الله ـ إلاّ أنّ هذا الرجل يريد تفريق كلمة المسلمين وتفخيذ أمّةٍ عن أمّةٍ بأباطيله ، والواقف على ما بين العراقيّين والإيرانيّين من الجوار وحقوقه المتبادلة بين الأمّتين ، واختلاف كلٍّ منهما إلى بلاد الأخرى ، ونزول الإيرانيّ ضيفاً عند العراقيّ وعكسه كالنازل في أهله ، وما يجري هنالك من الحفاوة والتبجيل ، وما جمع بينهما من الوحدة الدينيّة والجامعة المذهبيّة ، إلى غيرهما من أواصر الأُلفة والوداد ، ونظر الإيرانيّ إلى كلّ عراقيّ يرد بلاده من المشاهد المقدَّسة نظر تقديس وإكبار ، فلا يستقبله إلاّ بالمصافحة والمعانقة والتقبيل ، وما يقدِّسه كلُّ مسلم ـ وفيهم الإيرانيّون ـ من لغة الضاد بما أنَّها لغة كتابهم العزيز ، جِدُّ (١) عليمٍ بأنَّ الرجل أكذب ناهضٍ لشقِّ عصا المسلمين ، ولعمري لم تسمع أُذني ولا أذن أحدٍ غيري تلك المفاخرة التافهة من أيّ إيرانيّ عاقل.

٧ ـ قال : السيّارات الكبيرة تمرُّ تباعاً بين طهران وخراسان ذهاباً ورجعةً في كثرةٍ هائلةٍ ، كلّها تحمل جماهير الحجّاج ، ويقولون بأنَّ هذا الخطّ على وعورته أكثر

__________________

(١) خبر لقوله السابق : والواقف على.

٤٣١

البلاد حركةً في نقل المسافرين ، لأنَّ مشهد خير لديهم من مكّة المكرّمة ، تغنيهم عن بيت الله الحرام في زعمهم! (ص ١٥٢).

وقال (ص ١٦٢) : والذي شجّع الفرس على اتِّخاذ مشهد كعبةً مقدّسةً الشاه عبّاس أكبر الصفويّين ، هناك صرف قومه عن زيارة مكّة المكرّمة لكراهتهم للعرب. ولكي يوفّر على قومه ما كانوا ينفقون من أموال طائلة في بلاد يكرهونها ، وكثيرٌ من الحجّاج كانوا من السراة ، فاتَّخذ مشهد كعبةً وجّه إليها الشعب ، ولكي يزيدها قدسيّة حجَّ إليها بنفسه ماشياً على قدميه مسافة تفوق (١٢٠٠) كيلو متر فتحوّل إليها الناس جميعاً ، ويندر من يزور الحجاز اليوم ، وهم يحترمون كلمة (مشهدي) عن كلمة (حجّي) لأنّ من زار مشهد لا شكَّ أكثر قدسيّةً واحتراماً ممّن زار مكّة.

الجواب : اللهمَّ ما أجرأ هذا ـ الكَذْبان ـ على المفتريات التي لم تطرق سمع أحد من الشيعة ، ولا وقع عليها نظر أيٍّ منهم ولو في أسطورة كاذبةٍ حتى وجدها في كتاب هذا المائن ، وليس في الشيعة أحد يعتقد في خراسان غير أنّه مرقد خليفة من خلفاء رسول الله ، ومثوى إمام من أئمّتهم ، ولذلك عاد مهبطاً للفيوض الإلهيّة ، وأمّا القول بإغنائه عن البيت الحرام وإنّ زيارته مسقطة للحجِّ فبهتان عظيم ، والشاه الصفويّ ـ المغفور له ـ لم يتِّخذه كعبةً ، ولا قصد زيارته ماشياً إلاّ للتزلّف إلى المولى سبحانه بزيارة وليّ من أوليائه والتوسّل إليه بخليفةٍ من خلفائه ، ولم يصرف قومه عن الحجِّ لذلك ، ولم يأتِ برأيٍ جديد يُضادّ رأي الشيعة من أوّل يومهم ، والشيعة إنّما تقصد زيارته بداعي الولاء للعترة الطاهرة الذي هو أجر الرسالة ، ورغبة في المثوبات الجزيلة المأثورة عن أئمّتهم عليهم‌السلام.

ولم يكن الشاه ولا شعبه الإيرانيّون بالذين يشحّون على الأموال دون الفرائض التي من أعظمها الحجُّ إلى الكعبة المعظّمة ، ولا يرون لهذه الفريضة أيَّ بدل من زيارة أو عبادة ، وهذه الحقب والأعوام تشهد لآلاف مؤلّفة من الإيرانيّين الذين كانوا يحجّون البيت في كلِّ عام.

٤٣٢

نعم ؛ في السنين الأخيرة قلَّ عددهم لما هنالك من عدم الطمأنينة على الأحكام والدماء ، فالشيعيُّ يرى أنَّ أغلب الحجّاج غير متمكِّنين من أداء المناسك كما ينبغي ، وغير آمنين على دمائهم بأدنى فريةٍ يفتريها عدوٌّ من أعداء الله ، ويشهد عليها آخرون أمثاله ، فيحكم على إراقة دمه قاضٍ بالجور.

وإن ننسَ لا ننسى ما جرى في سنة (١٣٦٢ ه‍) من إزهاق حاجّ مسلمٍ إيرانيّ يُسمّى أبا طالب بين الصفا والمروة ببهتان عظيم ، وهو يتشهّد الشهادتين ، وقد حجَّ البيت واعتمر وأتى بالفرائض كلّها ، فقُتل مظلوماً ، ولا مانع ولا وازع ولا زاجر ولا مدافع ، ودع عنك ما يلاقي الشيعة بأسرها ـ عراقيِّين وإيرانيِّين ـ من هتكٍ وهوان ، والخطاب بمثل قول الحجازيِّ إيّاهم : يا كافر ، يا مشرك ، وأمثالهما من الكلم القارصة ، وتحرّي الحجج التافهة لهذه المخازي كلِّها ولإراقة دمائهم ، فمن هنا خارت العزائم وقلّت الرغبات ، ومنعت الحكومة الإيرانيّة شعبها عن السفر إلى الحجاز كلاءةً لأمّتها مستندةً على حكم دينيٍ لعدم التمكّن من أداء الفريضة غالباً ، لا لما أفرغه السائح المتحذلق في بوتقة إفكه ممّا سطره من اتِّخاذ مشهد كعبةً ، ومن الكراهة المحتدمة بين الإيرانيّين والعرب ، ذينك الفريقين المتآخيين على الدين والمذهب ، إلى جوامع كثيرة يعرفها من جاس خلال ديارهما بقلب طاهر متجرِّداً عن النعرات الطائفيّة ، غير متحيِّز إلى فئة ـ لا كسائحنا الثابت على غيِّه ـ وقد قدّمنا ما بين العرب والعجم المسلمين من التحابب والموادّة.

٨ ـ قال : في نيسابور قبّةٌ أنيقة عُني بإقامتها ونقشها العناية كلّها ، فدخلتها وإذا هي مدفن محمد المحروق من سلالة الحسين ، وقد أسموه بالمحروق لأنّه نزل ضيفاً على أحد سراة القرية ، ولمّا أن خيّم الليل اعتدى على بنت مضيّفه ، فأحرقه الناس في مكانه هذا ، ورغم جرمه هذا شيّد قبره وقدّسه الناس لأنَّه من سلالة طاهرةٍ (ص ١٥٥).

الجواب : لا ينقطع الرجل يريد الوقيعة على أهل البيت الطاهر ، فيختلق لهم

٤٣٣

قصصاً لا يوجد لها مصدر ولو من أضعف المصادر ، ويلفِّق لهم تاريخاً من عند نفسه لا يعلمه إلاّ شيطانه ، فإنّ ذلك المدفن قد يُنسب إلى محمد بن محمد بن زيد بن عليّ الإمام زين العابدين عليه‌السلام. ترجمه أبو الفرج في مقاتل الطالبيّين (١) وقال : بايعه أبو السرايا بالكوفة بعد موت محمد بن إبراهيم بن إسماعيل طباطبا واستولى على العراقين وفرّق فيهما عمّاله من بني هاشم ، إلى أن جهّز الحسن بن سهل ذو الرياستين له جيشاً مع هرثمة بن أعين ، فأُسر وحُمل إلى خراسان إلى المأمون فحبسه أربعين يوماً في دار جعل له فيها فرشاً وخادماً فكان فيها على سبيل الاعتقال ، [ثمّ] دسّ إليه شربة سمٍّ ، فجعل يختلف كبده وحشوته حتى مات.

لكنَّ الرجل لم يستسهل أن يمرَّ على هذا العلويِّ المظلوم ولا يخزه بشيء من وخزاته ، فجاء يقذفه بعد قرون من شهادته بهذه الشائنة والبهتان العظيم ، (وَسَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَيَّ مُنْقَلَبٍ يَنْقَلِبُونَ) (٢).

٩ ـ قال : إنَّ الحسين تزوّج شهربانو بنت آخر الملوك الساسانيِّين ، وبذلك ورث الحسين العظمة الإلهيّة التي ورثها من قِبَل الساسانيِّين (ص ٢٠٨).

الجواب : حسين العظمة ورث ما ورثه من جدّه النبيّ الأعظم ، وإن كان فارس خيرة العجم ، والعائلة المالكة أشرف عائلات فارس ، وقد ازدادت شرفاً ومنزلةً بمصاهرة بيت الرسالة ، فإنَّ شرف النبوّة تندكُّ عنده الفضائل كلّها.

وليت شعري ما الصلة بين مصاهرة الفرس والعظمة الإلهيّة ومؤسِّسها نبيُّ العظمة وقد ورثها منه آله العظماء؟ وملوك الفرس إن تمكّنوا بشيء من المنزلة والمكانة ، فعن قهر وتغلّب من دون دخل لها في النفسيّات الراقية والمنازل الإلهيّة والعظمة الروحيّة القدسيّة.

__________________

(١) مقاتل الطالبيّين : ص ٤٤٦.

(٢) الشعراء : ٢٢٧.

٤٣٤

نعم ؛ هذا شأن كلِّ جاهلٍ ، فإنّه لمّا لم يعرف قدره ، ويتعدّى طوره ، هكذا يكثر لغبه ، ويطول لسانه ، ويُبتلى بفضول الكلام ، وهو يخبط خبط عشواء.

هنا نختم البحث عن عورات الرجل غير أنَّها لا تنتهي ، وإنّا نضنُّ بالورق واليراع بعد الوقت الثمين عن إتلافها بذكر سقطاته التي تندى منها جبهة الإنسانيّة. راجع من كتابه (ص ١٢٥ ، ١٣٠ ، ١٣٢ ، ١٣٤ ، ١٤١ ، ١٤٢ ، ١٥٠ ، ١٥٦ ، ١٥٧ ، ١٦٠ ، ١٦٢ ، ١٦٣ ، ١٦٦ ، ١٨٣ ، ٢٠٦ ، ٢١٠).

والرجل قد تعلّم في بلاد فارس ألفاظاً من لغتهم ، فجاء يذكرها في كتابه مع ترجمة بعضها بالعربيّة إثباتاً لثقافته ، غير أنَّ كلَّ ما تعلّمه كآرائه ومعتقداته غلط بعد غلط ، وإليك نماذج منها مع ذكر صحيحها :

الصواب

الصواب

مدر : أُم

 مادر

 جرم : دافي

 گرم

باد : رديء

 بَد

 بسيتون

 بي ستون

فاردا : غداً

 فردا

الأنجور

 انگور

دوك

 دوغ

 الداشت

 دشت

جوهرشاه

 گوهرشاد

 الجوشت

 گوشت

ناخير

 نه خير

 الملاه

 ملاّ

الروغان

 روغن

 صبركون

 صبركن

المولاه

 ملاّ

 صموار

 سماور

ياخ

 يخ

 البازار

 بازار

آلى قاپو

 عالى قاپو

شربت باشا : شربت الأطفال

 شربت بچه

دِر : باب

 دَر

 بردِن : يحمل

 بردَن(بفتح الدال مصدر)

كرافان سراي ـ في عدّة مواضع ـ كاروان سراي

٤٣٥

 الصواب

الصواب

زنده رود

 زاينده رود

 أنزبلي

 انزلي

شارود

 شاهرود

 سابزوار

 سبزوار

هيرات

 هرات

 بوشهر

 ابوشهر

الفولجة

 الفلوجة

 تشهل ستون

 چهل ستون

تشهل منار : أي ذات العماد الصواب : چهل منار : أربعون منارة

شهل ستون

چهل ستون

راحات

راحت

حظرة عبد العظيم ـ في غير موضع ـ الصواب حضرت عبد العظيم

انظر إلى ثقافته العربيّة!

وهذه الجمل تعطينا صورةً من تضلّعه بالعربيّة بإكثاره لإدخال اللام في الألفاظ الفارسيّة.

(ما كَتَبْناها عَلَيْهِمْ إِلاَّ ابْتِغاءَ رِضْوانِ اللهِ) (١)

١٥ ـ

عقيدة الشيعة

تأليف

المستشرق دوايتم. رونلدسن

قد يحسب الباحث رمزاً من النزاهة في هذا الكتاب ، وخلاءً من القذف والسباب المقذع ، غير أنَّه مهما أمعن النظر فيه يراه معرباً عن جهل مؤلِّفه المطبق ، وقصر باعه في آراء الشيعة ومعتقداتهم ، وعدم عرفانه برجالهم وتراجمهم وتآليفهم ، ويجده مع ذلك : ذلك الأفّاك الأثيم ، ذلك الهمّاز المائن ، يخبط خبط عشواء ، أو كحاطب ليل لا يدري ما يجمع في حزمته ، فجاء يكتب عن أمّة عظيمة كهذه ويبحث عن

__________________

(١) الحديد : ٢٧.

٤٣٦

عقائدهم ، ويستند فيها كثيراً إلى كتب قومه المشحونة بالطامّات والآراء الساقطة والمخازي التافهة ، والمشوَّهة بأساطيرهم المائنة ، أو إلى تآليف أهل السنّة المؤلّفة بيد أناس دجّالين محدثين ، الذين كتبوا بأقلامهم المسمومة ما شاءت لهم أهواؤهم وأغراضهم الاستعمارية ، فكشف عن سوآته بمثل قوله في (ص ٢٥):

يذكر Hughes في كتابه قاموس الإسلام (ص ١٢٨) قضيّةً طريفةً عن عيد الغدير ، قال : وللشيعة عيد في الثامن عشر من ذي الحجّة يصنعون به ثلاثة تماثيل من العجين يملؤون بطونها بالعسل ، وهي تمثِّل أبا بكر وعمر وعثمان ، ثمَّ يطعنونها بالمُدى فيسيل العسل تمثيلاً لدم الخلفاء الغاصبين! ويُسمّى هذا العيد بعيد الغدير.

وبمثل قوله في (ص ١٥٨) : يذكر برتن Burton أنَّ الفرس تمكّنوا في بعض الأحيان أن ينجِّسوا المكان الكائن قرب قبرَي أبي بكر وعمر بقذف النجاسة الملفوفة بقطعة من الشال ، يدلُّ ظاهرها على أنّها هديّة من الشبّاك.

وبمثل قوله في (ص ١٦١) : أمّا الشيعة الاثنا عشرية فيؤكّدون أنَّ الإمام جعفر الصادق نصَّ على إمامة ابنه الأكبر إسماعيل بعده ، غير أنَّ إسماعيل كان سكّيراً ، فنقلت الإمامة إلى موسى ، وهو الوليد الرابع من بين سبعة أولاد ، وكان الخلاف الناجم عن ذلك سبباً في حدوث انقسام كبير بين الشيعة كما أشار إلى ذلك ابن خلدون (١).

وبمثل قوله في (ص ١٢٨) : ادّعى عبد الله بن عليّ بن عبد الله بن الحسين (٢) الإمامة ، ويُروى أن وفداً مؤلَّفاً من اثنين وسبعين رجلاً جاء إلى المدينة من خراسان ، ومعهم أموال يحملونها إلى الإمام وهم لا يعرفونه ، فذهبوا إلى عبد الله أوّلاً ، فأخرج

__________________

(١) مقدّمة ابن خلدون : ١ / ٢٥١.

(٢) ليته دلّنا على مدّعي الإمامة هذا من ولد الحسين من هو؟ ومتى ولد؟ وأين ولد؟ وأين عاش؟ وأين مات؟ وأين دفن؟ ومتى كان دعواه؟ لم يكن ممّن عاصر الإمام الباقر من ولد جدّه الحسين غير أخيه عبد الله بن عليّ بن الحسين ، وكان فقيهاً فاضلاً مخبتاً إلى إمامة أخيه الباقر ، فالقضية بهذا الاسم سالبة بانتفاء الموضوع ، وفيها ما ينافي أصول الشيعة ، وقد خفي على الواضع. (المؤلف)

٤٣٧

لهم درع النبيِّ صلى الله عليه وسلم وخاتمه وعصاه وعمامته ، فلمّا خرجوا من عنده على أن يرجعوا غداً لقيهم رجل من أتباع محمد الباقر فخاطبهم بأسمائهم ، ودعاهم إلى دار سيّده ، فلمّا حضروا كلّهم طلب الإمام محمد الباقر من ابنه جعفر أن يأتيه بخاتمه ، فأخذه بيده وحرّكه قليلاً وتكلّم بكلمات فإذا بدرع الرسول وعمامته وعصاه تسقط من الخاتم ، فلبس الدرع ووضع العمامة على رأسه وأخذ العصا بيده ، فاندهش الناس ، فلمّا رأوها نزع العمامة والدرع وحرّك شفتيه فعادت كلّها إلى الخاتم ، ثمّ التفت إلى زوّاره وأخبرهم أنّه لا إمام إلاّ وعنده مال قارون ، فاعترفوا بحقِّه في الإمامة ودفعوا له الأموال.

وقال في تعليقه : أنظر دائرة المعارف الإسلاميّة (١) ـ مادّة قارون.

الجواب : سبحانك اللهمّ ما كنّا نحسب أنّ رجلاً يسعه أن يكتب عن أمّة كبيرة ويأخذ معتقداتها عمّن يُضادُّها في المبدأ ، ويتقوّل عليها بمثل هذه الترّهات من دون أيِّ مصدر ، وينسب إليها مثل هذه المخازي من دون أيّ مبرّر ، فما عساني أن أكتب عن مؤلِّف حائر بائر ساح بلاد الشيعة ، وجاس خلال ديارهم ، وحضر في حواضرهم ، وعاش بينهم ـ كما يقول في مقدِّمة كتابه ـ ستّ عشرة سنة ، ولم يرَ منهم في طيلة هذه المدّة أثراً ممّا تقوّل عليهم ، ولم يسمع منه رِكزاً (٢) ، ولم يقرأه في تآليف أيّ شيعيّ ولو لم يكن فيهم وسيطاً (٣) ، ولم يجده في طامور قصّاص ، فجاء يفصم عرى الأخوّة الإسلاميّة ، ويفرّق صفوف أهل القرآن ، بما لفّقته يد الإفك والزور من شاكلته ، ويبهت أرقى الأمم بما هم بعداء منه ، ويعزو إليهم بما يكذّبه أدب الشيعة وتحرّمه مبادئهم الصحيحة ، ويقذفهم بما وضعته يد الإحن والشحناء من أمثال هذه الأفائك الشائنة ، فكأنَّ في أذنيه وقراً ولم تسمع ذكراً ممّا ألّفه أعلام الشيعة قديماً وحديثاً في أصول عقائدهم ، وكأنّ في بصره غشاوة لم يرَ شيئاً من تلك التآليف التي ملأت

__________________

(١) هذا الكتاب فيه من البهرجة والباطل شيء هائل ، يحتاج جداً إلى نظارة التنقيب. (المؤلف)

(٢) الركز : الصوت الخفي.

(٣) وسيط القوم : أرفعهم مقاماً وأشرفهم نسباً. ومن هنا يقال : الحكمة الوسطى. (المؤلف)

٤٣٨

مكتبات الدنيا. نعم : (وَالَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ فِي آذانِهِمْ وَقْرٌ وَهُوَ عَلَيْهِمْ عَمًى) (١). فأتعس الله حظَّ مؤلِّف هذا شأنه ، وجدع أنفه ، ويريه وبال أمره في الدنيا قبل عذاب الآخرة.

والخطب الفظيع أنّ هذا الكيذبان ـ وليد عالم التمدّن ـ مهما ينقل عن تأليف شيعيّ ، تجده تارةً يمين في نقله كقوله في ترجمة الكليني (ص ٢٨٤) : يقال إنّ قبره فُتح فوجد في ثيابه وعلى هيئته لم يتغيّر وإلى جانبه طفلٌ كان قد دفن معه فبُني على قبره مصلّى. ويذكر في التعليق أنّه كذلك (ص ٢٠٧) فهرست الطوسي (رقم ٧٠٩) ، ولم يوجد في فهرست الطوسي من هذه القيلة أثر.

وتارةً تراه يحرِّف الكلم عن مواضعها ويشوِّه صورتها ، كما فعل فيما ذكره من زيارة مولانا أمير المؤمنين (ص ٨٠) ناقلاً عن الكافي للكليني (٢)(٣) / ٣٢١) فإنَّه أدخل فيها من عند نفسه ألفاظاً لم توجد قطُّ فيها ، لا فيه ولا في غيره من كتب الشيعة.

أضف إلى هذه فظيعة جهله برجال الشيعة وتاريخهم ، قال في ترجمة الصحابيّ الشيعيّ العظيم سلمان الفارسيّ : يزور كثير من الشيعة قبره عند عودتهم من كربلاء وهو في قرية اسبندور من المدائن ، ويقول بعضهم (٤) : إنّه دُفن في جوار أصفهان.

وقال (ص ٢٦٨) : والمقداد الذي تُوفّي في مصر ودفن بالمدينة ، وحذيفة بن اليمان الذي قُتل مع أبيه وأخيه في غزوة أحد ودُفن في المدينة. وقال (ص ٢٦٨) : إنّ الكليني مات في بغداد ودفن بالكوفة (٥) ، وأكثر النقل عن تبصرة العوام للسيّد المرتضى الرازي أحد أعلام القرن السابع ، ونسبه في ذلك كلِّه إلى السيّد الشريف علم الهدى المرتضى مؤرِّخاً وفاته (٤٣٦).

__________________

(١) فصّلت : ٤٤.

(٢) الكافي : ٤ / ٥٧٠.

(٣) والصحيح : ج ١. (المؤلف)

(٤) ليته دلّنا على ذلك البعض. (المؤلف)

(٥) خفي عليه أنه باب الكوفة ، وهو من محلاّت بغداد. (المؤلف)

٤٣٩

ولعلّنا نبسط القول حول ما في طيّه من أباطيل ومخاريق بتأليف مفرد ونبرهن فساد ما هنالك في (ص ٢٠ ، ٢١ ، ٢٤ ، ٣٤ ، ٣٦ ، ٤٣ ، ٤٧ ، ٥٩ ، ٦٠ ، ٦٣ ، ٧٢ ، ٧٧ ، ٨٠ ، ٨٣ ، ٩١ ، ٩٢ ، ١٠٠ ، ١٠١ ، ١١٠ ، ١١١ ، ١١٤ ، ١١٥ ، ١٢٢ ، ١٢٦ ، ١٢٨ ، ١٥١ ، ١٥٨ ، ١٦١ ، ١٧٠ ، ١٧٤ ، ١٨٥ ، ١٩٢ ، ٢٠٨ ، ٢١١ ، ٢٣٥ ، ٢٥٣ ، ٢٦٨ ، ٢٨٠ ، ٢٨٢ ، ٢٨٤ ، ٢٩٥ ، ٢٩٦ ، ٣٠٤ ، ٣٢٠ ، ٣٢٩) وغيرها.

ولا يفوت المترجم عرفاننا بأنّ يده الأمينة على ودائع العلم لعبت بهذا الكتاب وأنّه زاد شوهاً في شوهه ، وبذل كلّه في تحريفه ، وأخنى عليه ورمّجه (١) ، وقلب له ظهر المجن ، وأدخل فيه ما حبّذته نفسيّته الضئيلة ، فتعساً لمترجم راقه ما في الكتاب من التحامل على الشيعة والوقيعة فيهم ، فجاء يحمل أثقال أوزار الغرب وينشرها في الملأ ، ولم يهمّه التحفّظ على ناموس الإسلام ، وعصمة الشرق ، وكيان العرب ودينهم.

(وَلَيَحْمِلُنَّ أَثْقالَهُمْ وَأَثْقالاً مَعَ أَثْقالِهِمْ وَلَيُسْئَلُنَّ يَوْمَ الْقِيامَةِ عَمَّا كانُوا يَفْتَرُونَ) (٢)

١٦ ـ

الوشيعة في نقد عقائد الشيعة

تأليف

موسى جار الله

كنت أودُّ أن لا أُحدث لهذا الكتاب ذكراً ، وأن لا يسمع أحد منه رِكزاً ؛ فإنَّه في الفضائح أكثر منه في عداد المؤلَّفات ، لكنّ طبع الكتاب وانتشاره حداني إلى أن أُوقف المجتمع على مقدار الرجل ، وعلى أنموذج ممّا سوّد به صحائفه ، وكلّ صحيفةٍ منه عار على الأمّة وعلى قومه أشدّ شناراً.

لست أدري ما أكتب عن كتاب رجل نبذ كتاب الله وسنّة نبيِّه وراءه ظهريّا ،

__________________

(١) الترميج : إفساد السطور بعد تسويتها وكتابتها.

(٢) العنكبوت : ١٣.

٤٤٠