الغدير في الكتاب والسنّة والأدب - ج ٣

الشيخ عبد الحسين أحمد الأميني النجفي

الغدير في الكتاب والسنّة والأدب - ج ٣

المؤلف:

الشيخ عبد الحسين أحمد الأميني النجفي


المحقق: مركز الغدير للدّراسات الإسلاميّة
الموضوع : العقائد والكلام
الناشر: مركز الغدير للدراسات الإسلامية
المطبعة: باقري
الطبعة: ١
الصفحات: ٥٧٦

يا بني طاهرٍ كلوه مريئاً

إنَّ لحم النبيِّ غيرُ مريِ

إنَّ وتراً يكون طالبه اللَّ

ه لوترٌ بالفوت غيرُ حريِ

ورثاه جمعٌ من شعراء الشيعة الفطاحل منهم : أبو العبّاس ابن الرومي ، رثاه بقصيدتين إحداهما ذات (١١٠) أبيات توجد في عمدة الطالب (١) (ص ٢٢٠) مطلعها

أمامَكَ فانظر أيّ نهجيكَ تنهجُ

طريقان شتّى مستقيمٌ وأعوجُ

وجيميّةٌ أخرى أوّلها :

حُيِّيتَ ربْعَ الصبا والخُرّدِ الدُعْجِ

الآنساتِ ذواتِ الدَّلِّ والغنْجِ

ومنهم : أبو الحسين عليُّ بن محمد الحِمّاني الأفوه ، رثاه بشعر كثير مرّت جملة منه في هذا الجزء (ص ٦١ ، ٦٢).

هذا صحيح رأي الشيعة في هؤلاء السادة الأئمّة ، ولم تقل الشيعة ولا تقول ولن تقول بارتداد أحدٍ منهم عن الدين ولا بارتداد الحسنيِّين والحسينيِّين القائلين بإمامة زيد بن عليِّ بن الحسين المنعقدة على الرضا من آل محمد ـ سلام الله عليهم.

(كَبُرَتْ كَلِمَةً تَخْرُجُ مِنْ أَفْواهِهِمْ إِنْ يَقُولُونَ إِلاَّ كَذِباً).

ونحن نسائل الرجل عن هؤلاء الذين يدافع عن شرفهم وجلالتهم ، من ذا الذي قتلهم ، واستأصل شأفتهم ، وحبسهم في غيابة الجبِّ وأعماق السجون؟ أهم الشيعة الذين اتّهمهم بالقول برِدّتهم؟ أم قومه الذين يزعم أنّهم يعظِّمونهم؟

هلمَّ معي واقرأ صفحة التاريخ ، فهو نعم المجيب.

أمّا زيد الشهيد ، فعرّفناك قاتله وقاطع رأسه (ص ٧٥).

__________________

(١) لم يرد ذكر لهذه القصيدة في عمدة الطالب ، وتوجد بتمامها في مقاتل الطالبيّين : ص ٥١١ ، ولعلّ ما ورد في المتن سهو من قلمه الشريف قدس‌سره.

٣٨١

وأمّا يحيى بن زيد ، فقتله الوليد بن يزيد بن عبد الملك سنة (١٢٥) ، وقاتله سَلْم بن أحوز الهلالي ، وجهّز إليه الجيش نصر بن سيّار ، ورماه عيسى مولى عيسى ابن سليمان العنزي وسلبه (١).

والحسن بن الحسن المثنّى ، كتب الوليد بن عبد الملك إلى عامله عثمان بن حيّان المرّي : أنظر إلى الحسن بن الحسن فاجلده مائة ضربة ، وقفه للناس يوماً ، ولا أراني إلاّ قاتله ، فلمّا وصله الكتاب ، بعث إليه فجيء به والخصوم بين يديه فعلّمه عليُّ بن الحسين عليه‌السلام بكلمات الفرج ، ففرّج الله عنه وخلّوا سبيله (٢). فخاف الحسن سطوة بني أميّة فأخفى نفسه ، وبقي مختفياً إلى أن دسَّ إليه السمّ سليمان بن عبد الملك وقتله سنة (٩٧) (٣).

وعبد الله المحض ، كان المنصور يسمّيه عبد الله المذلّة ، قتله في حبسه بالهاشميّة سنة (١٤٥) لمّا حبسه مع تسعة عشر من ولد الحسن ثلاث سنين ، وقد غيّرت السياط لون أحدهم وأسالت دمه ، وأصاب سوطٌ إحدى عينيه فسالت ، وكان يستسقي الماء فلا يُسقى ، فردم عليهم الحبس فماتوا (٤). وفي تاريخ اليعقوبي (٥) (٣ / ١٠٦) : أنَّهم وُجدوا مُسمّرين في الحيطان.

ومحمد بن عبد الله النفس الزكيّة ، قتله حميد بن قحطبة سنة (١٤٥) ، وجاء برأسه إلى عيسى بن موسى ، وحمله إلى أبي جعفر المنصور فنصبه بالكوفة ، وطاف به البلاد (٦)

__________________

(١) تاريخ الطبري : ٨ [٧ / ٢٣٠ حوادث سنة ١٢٥ ه‍] ، مروج الذهب : ٢ [٣ / ٢٣٦] ، تاريخ اليعقوبي : ٣ [٢ / ٣٣٢]. (المؤلف)

(٢) تاريخ ابن عساكر : ٤ / ١٦٤ [٤ / ٤٣٣ ، وفي تهذيب تاريخ مدينة دمشق : ٤ / ١٦٧ ترجمة الحسن بن الحسن بن عليّ بن أبي طالب عليه‌السلام]. (المؤلف)

(٣) الزينبيّات. (المؤلف)

(٤) تاريخ الطبري : ٩ / ١٩٦ [٧ / ٥٤٢ حوادث سنة ١٤٤ ه‍] ، تذكرة سبط ابن الجوزي : ص ١٢٦ [ص ٢١٨ ـ ٢٢٠] ، مقاتل الطالبيّين : ص ٧١ ، ٨٤ طبع إيران [ص ١٧١ ، ٢٠٣].(المؤلف)

(٥) تاريخ اليعقوبي : ٢ / ٣٧٠.

(٦) تذكرة سبط ابن الجوزي : ص ١٢٩ [ص ٢٢٤]. (المؤلف)

٣٨٢

وأمّا إبراهيم بن عبد الله ، فندب المنصور عيسى بن موسى من المدينة إلى قتاله ، فقاتل بباخمرى حتى قُتل سنة (١٤٥) ، وجيء برأسه إلى المنصور فوضعه بين يديه ، وأمر به فنُصب في السوق ، ثمَّ قال للربيع : احمله إلى أبيه عبد الله في السجن ، فحمله إليه (١). وقال النسّابة العمري في المجدي (٢) : ثمَّ حمل ابن أبي الكرام الجعفري رأسه إلى مصر.

ويحيى بن عمر ، أمر به المتوكِّل فضُرب دِرَراً ، ثمَّ حبسه في دار الفتح بن خاقان ، فمكث على ذلك ثمَّ أُطلق ، فمضى إلى بغداد ، فلم يزل بها حتى خرج إلى الكوفة في أيّام المستعين ، فدعا إلى الرضا من آل محمد ، فوجّه المستعين رجلاً يقال له : كلكاتكين ، ووجّه محمد بن عبد الله بن طاهر بالحسين بن إسماعيل ، فاقتتلوا حتى قتل سنة (٢٥٠) وحمل رأسه إلى محمد بن عبد الله فوضع بين يديه في تُرس ، ودخل الناس يهنّونه ، ثمَّ أمر بحمل رأسه إلى المستعين من غدٍ (٣).

٤ ـ قال : إنّ الروافض زعموا أنّ أصحَّ كتبهم أربعة : الكافي ، وفقه من لا يحضره الفقيه ، والتهذيب ، والإستبصار. وقالوا : إنّ العمل بما في الكتب الأربعة من الأخبار واجبٌ ، وكذا بما رواه الإماميّ ودوّنه أصحاب الأخبار منهم ، ونصَّ عليه المرتضى ، وأبو جعفر الطوسي ، وفخر الدين الملقّب عندهم بالمحقِّق المحلّي (٤) (ص ٥٥)

الجواب : تعتقد الشيعة أنّ هذه الكتب الأربعة أوثق كتب الحديث ، وأمّا وجوب العمل بما فيها من الأخبار ، أو بكلِّ ما رواه إماميٌّ ودوّنه أصحاب الأخبار

__________________

(١) تاريخ الطبري : ٩ / ٢٦٠ [٧ / ٦٤٦ حوادث سنة ١٤٥ ه‍] ، تاريخ اليعقوبي : ٣ / ١١٢ ـ ١١٤ [٢ / ٣٧٦ ـ ٣٧٩] ، تذكرة السبط : ص ١٣٠ [ص ٢٢٦]. (المؤلف)

(٢) المجدي في الأنساب : ص ٤٢.

(٣) تاريخ الطبري : ١١ / ٨٩ [٩ / ٢٦٦ حوادث سنة ٢٥٠ ه‍] ، تاريخ اليعقوبي : ٣ / ٢٢١ [٢ / ٤٩٧]. (المؤلف)

(٤) فخر الدين لقب شيخنا محمد بن الحسن العلاّمة الحلّي. وأمّا المحقِّق فيلقّب بنجم الدين ، وينسب إلى الحلّة الفيحاء لا المحل. (المؤلف)

٣٨٣

منهم فلم يقل به أحدٌ ، وعَلَم الهدى المرتضى ، وشيخ الطائفة أبو جعفر ، ونجم الدين المحقِّق الحلّي أبرياء ممّا قذفهم به ، وهذه كتبهم بين أيدينا لا يوجد في أيٍّ منها هذا البهتان العظيم ، وأهل البيت أدرى بما فيه.

ويشهد لذلك ردُّ علماء الشيعة لفريق ممّا رُوي من أحاديثهم لطعنٍ في إسناد أو مناقشةٍ في المتن ، ويشهد لذلك تنويعهم الأخبار على أقسامٍ أربعة : الصحيح ، الحسن ، الموثّق ، الضعيف ، منذ عهد العلَمين جمال الدين السيِّد أحمد بن طاووس الحسني وتلميذه آية الله العلاّمة الحلّي.

وليت الرجل يقف على شروح هذه الكتب ، وفي مقدَّمها مرآة العقول شرح الكافي للعلاّمة المجلسي ، ويشاهده كيف يحكم في كلِّ سندٍ بما يؤدّي إليه اجتهاده من أقسام الحديث. أو كان يراجع الجزء الثالث من المستدرك للعَلم الحجّة النوريِّ ، حتى يرشده إلى الحقِّ ، ويعلّمه الصواب ، وينهاه عن التقوّل على أمّة كبيرة ـ الشيعة ـ بلا علمٍ وبصيرةٍ في أمرها.

ثمَّ زيّف الكتب الأربعة المذكورة بما فيها من الآحاد ، واشتمال بعض أسانيدها على رجال قذفهم بأشياء هم بُرآء منها ، وآخرين لا يقدح انحرافهم المذهبيّ في ثقتهم في الرواية ، وأحاديث هؤلاء من النوع الذي تسمِّيه الشيعة بالموثّق ، وهناك أناسٌ يُرمَون بالضعف لكن خصوص رواياتهم تلك مكتنفةٌ بأمارات الصحّة ، وعلى هذا عمل المحدِّثون من أهل السنّة والشيعة في مدوّناتهم الحديثيّة ، فالرجل جاهلٌ بدراية الحديث وفنونه ، أو راقه أن يتجاهل حتى يتحامل بالوقيعة ، ولو راجع مقدِّمة فتح الباري في شرح صحيح البخاري لابن حجر ، وشرحه للقسطلاني ، وشرحه للعيني ، وشرح مسلم للنووي وأمثالها ، لوجد فيها ما يشفي غلّته ، وكفَّ عن نشر الأباطيل مَدّته (١).

__________________

(١) المَدّة : غمس القلم في الدواة مرّة للكتابة. (المؤلف)

٣٨٤

٥ ـ قال : يروي الطوسي عن ابن المعلّم وهو يروي عن ابن مابويه الكذوب صاحب الرقعة المزوّرة ، ويروي عن المرتضى أيضاً. وقد طلبا العلم معاً وقرءا على شيخهما محمد بن النعمان ، وهو أكذب من مسيلمة الكذّاب ، وقد جوّز الكذب لنصرة المذهب (ص ٥٧).

الجواب : إنّ صاحب التوقيع الذي حسبه الرجل رقعةً مزوّرة ، هو عليُّ بن الحسين بن موسى بن بابويه ـ بالبائين الموحّدتين لا المصدّرة بالميم ـ وهو الصدوق الأوّل : توفّي (٣٢٩) قبل مولد الشيخ المفيد ابن المعلّم بسبع أو تسع سنين ، فإنّه ولد سنة (٣٣٦ ، ٣٣٨) فليس من الممكن روايته عنه ، نعم له رواية عن ولده الصدوق ـ أبي جعفر محمد بن عليّ ـ وليس هو صاحب التوقيع.

وليتني علمت من ذا الذي أخبر الآلوسي بأنّ شيخ الأمّة المفيد المدفون في رواق الإمامين الجوادين صاحب القبّة والمقام المكين أكذب من مسيلمة الكذّاب الكافر بالله؟

ما أجرأه على هذه القارصة الموبقة ، وكيف أحفّه (١)؟! وهذا اليافعي يعرِّفه في مرآته (٣ / ٢٨) بقوله : كان عالم الشيعة وإمام الرافضة ، صاحب التصانيف الكثيرة ، شيخهم المعروف بالمفيد وبابن المعلّم أيضاً ، البارع في الكلام والجدل والفقه ، وكان يناظر أهل كلِّ عقيدةٍ مع الجلالة والعظمة في الدولة البويهيّة ، وقال ابن أبي طيّ : كان كثير الصدقات ، عظيم الخشوع ، كثير الصلاة والصوم ، خشن اللباس.

وقول ابن كثير في تاريخه (٢) (١٢ / ١٥) : كان مجلسه يحضره كثيرٌ من العلماء من سائر الطوائف ، ينمُّ عن أنّه شيخ الأمّة الإسلاميّة لا الإماميّة فحسب ، فيجب إكباره على أيِّ معتنق للدين.

__________________

(١) أحفّ الرجل : ذكره بالقبيح. (المؤلف)

(٢) البداية والنهاية : ١٢ / ١٩ حوادث سنة ٤١٣ ه‍.

٣٨٥

أهكذا أدب العلم والدين؟ أفي الشريعة والأخلاق مساغٌ للنَيل من أعراض العلماء والوقيعة فيهم والتحامل عليهم بمثل هذه القارصة؟ أفي ناموس الإسلام ما يُستباح به أن يُحطَّ بمسلم إلى حضيض يكون أخفض من الكافر كلّما شجر الخلاف واحتدم البغضاء؟ فضلاً عن مثل الشيخ المفيد الذي هو من عُمُد الدين وأعلامه ، ومن دعاة الحقِّ وأنصاره ، وهو الذي أسّس مجد العراق العلميّ وأيقظ شعور أهليها ، وما ذا عليه؟ غير أنَّه عرف المعروف الذي أنكره الآلوسي ، وتسنّم ذروة العلم والعمل التي تقاعس عنها المتهجِّم.

وليته أشار إلى المصدر الذي أخذ عنه نسبة تجويز الكذب لنصرة المذهب إلى الشيخ المفيد من كتبه أو كتب غيره ، أو إسناد متصل إليه. أمّا مؤلّفاته فكلّها خاليةٌ عن هذه الشائنة ، ولا نسبها إليه أحد من علمائنا ، وأمّا الإسناد فلا تجد أحداً أسنده إليه متّصلاً كان أو مرسَلاً ، فالنسبة غير صحيحة ، وتعكير الصفو بالنسب المفتعلة ليس من شأن المسلم الأمِّي فضلاً عن مدّعي العلم.

٦ ـ قال تحت عنوان تعبّد الإماميّة بالرقاع الصادرة من المهديِّ المنتظر : نعم ؛ إنّهم أخذوا غالب مذهبهم كما اعترفوا من الرقاع المزوّرة التي لا يشكُّ عاقل في أنَّها افتراء على الله ، والعجب من الروافض أنّهم سمّوا صاحب الرقاع بالصدوق وهو الكذوب ، بل إنّه عن الدين المبين بمعزل.

كان يزعم أنَّه يكتب مسألة في رقعةٍ فيضعها في ثقب شجرة ليلاً ، فيكتب الجواب عنها المهديّ صاحب الزمان بزعمهم ، فهذه الرقاع عند الرافضة من أقوى دلائلهم وأوثق حججهم ، فتبّا ....

واعلم أنّ الرقاع كثيرةٌ منها : رقعة عليِّ بن الحسين بن موسى بن مابويه القمّي ، فإنّه كان يظهر رقعةً بخطِّ الصاحب في جواب سؤاله ، ويزعم أنَّه كاتب أبا القاسم بن أبي الحسين بن روح أحد السفرة على يد عليِّ بن جعفر بن الأسود ، أن

٣٨٦

يوصل له رقعته إلى الصاحب ـ أي المهديِّ ـ وأرسل إليه رقعةً زعم أنَّها جواب صاحب الأمر له.

ومنها : رقاع محمد بن عبد الله بن جعفر بن حسين بن جامع بن مالك الحريري أبو جعفر القمّي ، كاتب صاحب الأمر سأله مسائل في أبواب الشريعة قال : قال لنا أحمد بن الحسين : وقفت على هذه المسائل من أصلها والتوقيعات بين السطور. ذكر تلك الأجوبة محمد بن الحسن الطوسي في كتابه الغَيبة (١) ، وكتاب الاحتجاج (٢).

والتوقيعات خطوط الأئمّة بزعمهم في جواب مسائل الشيعة ، وقد رجّحوا التوقيع على المرويِّ بإسناد صحيح لدى التعارض ، قال ابن مابويه في الفقه ـ بعد ذكر التوقيعات الواردة من الناحية المقدّسة في باب الرجل يوصي إلى الرجلين ـ : هذا التوقيع عندي بخطِّ أبي محمد بن الحسن بن عليّ ، وفي الكافي للكليني رواية بخلاف ذلك التوقيع عن الصادق ، ثمَّ قال : لا أفتي بهذا الحديث بل أفتي بما عندي من خطِّ الحسن بن عليّ.

ومنها : رقاع أبي العبّاس جعفر بن عبد الله بن جعفر الحميري القمّي.

ومنها : رقاع أخيه الحسين ورقاع أخيه أحمد.

وأبو العبّاس هذا قد جمع كتاباً في الأخبار المرويّة عنه وسمّاه قرب الإسناد إلى صاحب الأمر.

ومنها : رقاع عليِّ بن سليمان بن الحسين بن الجهم بن بكير بن أعين أبو الحسن الرازي ، فإنَّه كان يدّعي المكاتبة أيضاً ويظهر الرقاع.

هذه نبذةٌ ممّا بنوا عليه أحكامهم ودانوا به ، وهي نغبة من دأماء (٣) ، وقد تبيّن

__________________

(١) الغَيبة : ص ٣٤٥ ح ٢٩٥.

(٢) الاحتجاج : ٢ / ٥٦٣ ـ ٦٠٣ ح ٣٥٤ ـ ٣٦٠.

(٣) النغبة : الجرعة. الدأماء : البحر. (المؤلف)

٣٨٧

بها حال دعوى الرافضيِّ في تلقّي دينهم عن العترة ... (ص ٥٨ ، ٦١).

الجواب : كان حقّا على الرجل نهي جمال الدين القاسمي عن أن يظهر كتابه إلى غيره ، كما كان على السيِّد محمد رشيد رضا أن يُحرّج على الشيعة بل أهل النصفة من قومه أيضاً أن يقفوا على رسالته ، إذ الأباطيل المبثوثة في طيِّهما تكشف عن السوأة ، وتشوِّه السمعة ، ولا تخفى على أيِّ مثقّفٍ ، ولا يسترها ذيل العصبيّة ، ولا تصلحها فكرة المدافع عنها ، مهما كان القارئ شريف النفس ، حرّا في فكرته وشعوره.

كيف يخفى على الباحث أنَّ الإماميّة لا تتعبّد بالرقاع الصادرة من المهديِّ المنتظر؟ وكلام الرجل ومن لفَّ لفّه كما يأتي عن القصيمي في الصراع بين الإسلام والوثنيّة أوضح ما هناك من السرِّ المستسرِّ في عدم تعبّدهم بها ، وعدم ذكر المحامدة الثلاثة (١) مؤلِّفي الكتب الأربعة التي هي عمدة مراجع الشيعة الإماميّة في تلكم التآليف شيئاً من الرقاع والتوقيعات الصادرة من الناحية المقدّسة ، وهذا يوقظ شعور الباحث إلى أنَّ مشايخ الإماميّة الثلاثة كانوا عارفين بما يؤول إليه أمر الأمّة من البهرجة وإنكار وجود الحجّة ، فكأنَّهم كانوا منهيِّين عن ذكر تلك الآثار الصادرة من الناحية الشريفة في تآليفهم مع أنَّهم هم رواتها وحملتها إلى الأمّة ، وذلك لئلاّ يخرج مذهب العترة عن الجعفرية الصادقة إلى المهدوية ، حتى لا يبقى لرجال العصبيّة العمياء مجال للقول بأنَّ مذهب الإماميّة مأخوذ من الإمام الغائب الذي لا وجود له في مزعمتهم ، وأنَّهم يتعبّدون بالرقاع المزوَّرة في حسبانهم ، وهذا سرٌّ من أسرار الإمامة يؤكِّد الثقة بالكتب الأربعة والاعتماد عليها.

هذا ثقة الإسلام الكليني ، مع أنَّ بيئته بغداد تجمع بينه وبين سفراء الحجّة المنتظر الأربعة ، ويجمعهم عصرٌ واحدٌ ، وقد توفِّي في الغَيبة الصغرى سنة (٣٢٩) ،

__________________

(١) أبو جعفر محمد بن يعقوب الكليني ، أبو جعفر محمد بن عليّ بن بابويه القمي ، أبو جعفر محمد بن الحسن الطوسي. (المؤلف)

٣٨٨

وألّف كتابه خلال عشرين سنة ، تراه لم يذكر قطُّ شيئاً من توقيعات الإمام المنتظر في كتابه الكافي الحافل المشتمل على ستّة عشر ألف حديث ومائة وتسعة وتسعين حديثاً ، مع أنَّ غير واحد من تلك التوقيعات يروى من طرقه ، وهو يذكر في كتابه كثيراً من توقيعات بقيّة الأئمّة من أهل بيت العصمة ـ سلام الله عليهم.

وهذا أبو جعفر بن بابويه الصدوق ، مع روايته عدّةً من تلك الرقاع الكريمة في تأليفه إكمال الدين وعقده لها باباً فيه (١) (ص ٢٦٦) ، لم يذكر شيئاً منها في كتابه الحافل من لا يحضره الفقيه.

نعم ، في موضع واحد منه ـ على ما وقفت ـ يذكر حديثاً في مقام الاعتضاد من دون ذكر وتسمية للإمام عليه‌السلام ، وذلك في (٢) (٢ / ٤١) طبع لكهنو ، قال : الخبر الذي رُوي فيمن أفطر يوماً من شهر رمضان متعمِّداً أنَّ عليه ثلاث كفارات ، فإنّي أُفتي به فيمن أفطر بجماع محرَّم عليه أو بطعام محرَّم عليه ، لوجود ذلك في روايات أبي الحسين الأسدي رضى الله عنه فيما ورد عليه من الشيخ أبي جعفر محمد بن عثمان العمري ـ قدّس الله روحه.

وبعدهما شيخ الطائفة أبو جعفر الطوسي ، فإنّه مع روايته توقيعات الأحكام الصادرة من الناحية المقدّسة إلى محمد بن عبد الله بن جعفر الحميري في كتاب الغَيبة (٣) (ص ١٨٤ ـ ٢١٤ و ٢٤٣ ـ ٢٥٨) ، لم يورد شيئاً منها في كتابيه التهذيب والإستبصار اللذين يُعدّان من الكتب الأربعة عُمُد مصادر الأحكام.

ألا تراهم أجمعوا على رواية توقيع إسحاق بن يعقوب عن الناحية المقدّسة ، ورواه أبو جعفر الصدوق عن أبي جعفر الكليني في الإكمال (٤) (ص ٢٦٦) ، والشيخ أبو

__________________

(١) كمال الدين : ص ٤٨٢.

(٢) من لا يحضره الفقيه : ٢ / ١١٨ ح ١٨٩٢.

(٣) الغَيبة : ص ٣٧٤ ـ ٣٨٤.

(٤) كمال الدين : ص ٤٨٣.

٣٨٩

جعفر الطوسي بإسناده عن الكليني أيضاً في كتاب الغَيبة (١) (ص ١٨٨) ، وفيه أحكام مسائل ثلاث عنونوها في كتبهم الأربعة ، واستدلّوا عليها بغير هذا التوقيع ، وليس فيها منه عينٌ ولا أثرٌ ألا وهي :

١ ـ حرمة الفقّاع

عنونها الكليني في الكافي (٢ / ١٩٧) ، والشيخ في التهذيب (٢ / ٣١٣) ، وفي الاستبصار (٢ / ٢٤٥) ، وتوجد في الفقيه (٣ / ٢١٧ ، ٣٦١) ، ولها عنوان في الوافي جمع الكتب الأربعة في الجزء الحادي عشر (ص ٨٨) ، وتوجد من أدلّة الباب خمسة توقيعات للإمامين : أبي الحسن الرضا وأبي جعفر الثاني. وليس فيها عن التوقيع المهدويِّ ذكر (٢).

٢ ـ تحليل الخمس للشيعة

عنونها الكليني في الكافي (١ / ٤٢٥) ، والشيخ في التهذيب (١ / ٢٥٦ ـ ٢٥٩) والإستبصار في الجزء الثاني (ص ٣٣ ـ ٣٦) ، وذكرها الصدوق في الفقيه في الجزء الثاني (ص ١٤) ، وهي معنونةٌ في الوافي الجزء السادس (ص ٤٥ ـ ٤٨) ، ومن أدلّة الباب مكاتبة الإمامين : أبي الحسن الرضا وأبي جعفر الجواد عليهما‌السلام. وليس فيها ذكر عن توقيع الحجّة (٣).

٣ ـ ثمن المغنِّية

المسألة معنونة في الكافي (١ / ٣٦١) ، وفي التهذيب (٢ / ١٠٧) ، وفي الاستبصار (٢ / ٣٦) ،

__________________

(١) الغَيبة : ص ٢٩٠.

(٢) الكافي : ٦ / ٤٢٢ ، تهذيب الأحكام : ٩ / ١٢٤ ، الاستبصار : ٤ / ٩٤ ، من لا يحضره الفقيه : ٤ / ٤١٩ ح ٥٩١٥ ، الوافي : مج ٢٠ / ج ١١ / ٦٥٩.

(٣) الكافي : ١ / ٥٤٦ ، تهذيب الأحكام : ٤ / ١٣٦ ـ ١٤٣ ، الاستبصار : ٢ / ٥٧ ـ ٦٢ ، من لا يحضره الفقيه : ٢ / ٤٣ ـ ٤٥ ح ١٦٥٤ ـ ١٦٦٣ ، الوافي : مج ١٠ / ج ٦ / ٣٢٩ ـ ٣٤٥.

٣٩٠

وتوجد في الفقيه (٣ / ٥٣) ، وهي معنونة في جمعها الوافي في الجزء العاشر (ص ٣٢). ولا يوجد فيها إيعازٌ إلى توقيع الإمام المنتظر (١).

فكلمة الآلوسي هذه أرشدتنا إلى جانبٍ مهمٍّ ، وعرّفتنا بذلك السرِّ المكتوم ، وأرتنا ما هناك من حكمة صفح المشايخ عن تلكم الأحاديث الصادرة من الإمام المنتظر وهي بين أيديهم وأمام أعينهم. فأنت جدُّ عليم بأنَّه لو كان هناك شيء مذكور منها في تلكم الأصول المدوَّنة ، لكان باب الطعن على المذهب الحقِّ ـ الإماميّة ـ مفتوحاً بمصراعيه ، ولكان تطول عليهم ألسنة المتقوِّلين ، ويكثر عليهم الهوس والهياج ممّن يروقه الوقيعة فيهم والتحامل عليهم.

إذن فهلمَّ معي نسائل الرجل عن همزه ولمزة بمخاريقه ، وتقوّلاته وتحكّماته وتحرّشه بالوقيعة ، نسائله متى أخذت الإماميّة غالب مذهبهم من الرقاع وتعبّدوا بها؟ ومن الذي اعترف منهم بذلك؟ وأنّى هو؟ وفي أيِّ تأليفٍ اعترف؟ أم بأيّ راوٍ ثبت عنده ذلك؟

وأنّى للصدوق رقاعٌ؟ ومتى كتبها؟ وأين رواها؟ ومن ذا الذي نسبها إليه؟ وقد جهل الرجل بأنَّ صاحب الرقعة هو والده الذي ذكره بقوله : منها رقعة عليِّ بن الحسين.

وما المسوِّغ لتكفيره وهو من حملة علم القرآن والسنّة النبويّة ، ومن الهداة إلى الحقِّ ومعالم الدين؟ دع هذه كلّها ولا أقلَّ من أنَّه مسلم يتشهّد بالشهادتين ، ويؤمن بالله ورسوله والكتاب الذي أُنزل إليه واليوم الآخر ، أهكذا قرّر أدب الدين ، أدب العلم ، أدب العفّة ، أدب الكتاب ، أدب السنّة؟ أم تأمره به أحلامه؟ أبهذا السباب المقذع ، والتحرّش بالبذاء والقذف يتأتّى الصالح العام وتسعد الأمّة الإسلامية وتجد ٣ / ٢٨٣ رشدها وهداها؟

__________________

(١) الكافي : ٥ / ١١٩ ، تهذيب الأحكام : ٦ / ٣٥٦ ، الاستبصار : ٣ / ٦١ ، من لا يحضره الفقيه : ٣ / ١٧٢ ح ٣٦٤٩ ، الوافي : مج ١٧ / ج ١٠ / ٢٠٥.

٣٩١

ثمَّ من الذي أخبره عن مزعمة الصدوق بنيل حاجته من ثقب الأشجار؟ والصدوق متى سأل؟ وعمّا ذا سأل؟ حتى يكتب ويضع في ثقب شجرة أو غيرها ليلاً أو نهاراً ويجد جوابه فيها ، ومن الذي روى عنه تلك الأسئلة؟ ومن رأى أجوبتها؟ ومن حكاها؟ ومتى ثبتت عند الرافضة حتى تكون من أقوى دلائلهم وأوثق حججهم؟ نعم : فتبّا ....

وليتني أقف وقومي على تلك الرقاع الكثيرة وقد جمعها العلاّمة المجلسي في المجلّد الثالث عشر من البحار (١) في اثنتي عشرة صحيفة من (ص ٢٣٧ ـ ٢٤٩) والتي ترجع منها إلى الأحكام إنَّما تُعدّ بالآحاد ولا تبلغ حدَّ العشرات ، فهل مستند تعبّد الإماميّة من بدء الفقه إلى غايته هذه الصحائف المعدودة؟ أم يحقُّ أن تكون تلك المعدودة بالآحاد هي مأخذ غالب مذهبهم؟

أنا لا أدري لكن القارئ يدري ، (إِنَّما يَفْتَرِي الْكَذِبَ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِآياتِ الله) (٢).

وليته كان يذكر رقعة عليِّ بن الحسين بن بابويه بنصِّها ، حتى تعرف الأمّة أنَّها رقعة واحدة ليست إلاّ ، وليس فيها ذكر من الأحكام حتى تتعبّد بها الإماميّة ، وإليك لفظها برواية الشيخ في كتاب الغَيبة (٣) :

كتب عليُّ بن الحسين إلى الشيخ أبي القاسم حسين بن روح على يد عليِّ بن جعفر ، أن يسأل مولانا الصاحب أن يرزقه أولاداً فقهاء. فجاء الجواب : «إنّك لا تُرزق من هذه وستملك جاريةً ديلميّةً وترزق منها ولدين فقيهين» (٤).

أترى هذه الرقعة ممّا يؤخذ منه المذهب؟ أو فيها مسّةٌ بالتعبّد؟

__________________

(١) بحار الأنوار : ٥٣ / ١٥٠ ـ ١٩٨.

(٢) النحل : ١٠٥.

(٣) كتاب الغَيبة : ص ٣٠٨ ح ٢٦١.

(٤) وقد وُلد له أبو جعفر محمد وأبو عبد الله الحسين من أمّ ولد. (المؤلف)

٣٩٢

وأمّا رقاع محمد بن عبد الله بن جعفر الحميري التي توجد في كتابي الغَيبة (١) والاحتجاج (٢) ، فليست هي إلاّ رقاعاً أربعاً ، ذكر الشيخ في الغَيبة منها اثنتين في (ص ٢٤٤ ـ ٢٥٠) تحتوي إحداهما تسع مسائل والأخرى خمسة عشر سؤالاً ، وزادهما الطبرسي في الاحتجاج رقعتين ، ولو كان المفتري منصفاً لكان يشعر بأنَّ عدم إدخال الشيخ هذه المسائل في كتابيه التهذيب والإستبصار إنّما هو لدحض هذه الشبهة وقطع هذه المزعمة.

وقد خفي على الرجل أنَّ كتاب الاحتجاج ليس من تآليف الشيخ الطوسي محمد بن الحسن ، وإنّما هو للشيخ أبي منصور أحمد بن عليِّ بن أبي طالب الطبرسي.

وفي قوله : والتوقيعات ... ، جناية كبيرة وتمويه وتدجيل ؛ فإنّه بعد ما ادّعى على الإماميّة ترجيح التوقيع على المرويّ بالإسناد الصحيح لدى التعارض ، استدلَّ عليه بقوله : قال ابن مابويه في الفقه بعد ذكر التوقيعات الواردة من الناحية المقدَّسة في باب الرجل يوصي إلى رجل : هذا التوقيع عندي بخطِّ أبي محمد بن الحسن بن عليّ ، ....

فإنَّك لا تجد في الباب المذكور من الفقيه توقيعاً واحداً ورد من الناحية المقدَّسة فضلاً عن التوقيعات ، وإنَّما ذكر في أوّل الباب توقيعاً واحداً عن الإمام أبي محمد الحسن العسكري ، وقد جعله الرجل أبا محمد بن الحسن ليوافق فريته ، ذاهلاً عن أنَّ كنية الإمام الغائب أبو القاسم لا أبو محمد ، فلا صلة بما هناك لدعوى الرجل أصلاً ، وها نحن نذكر عبارة الفقيه حتى يتبيّن الرشد من الغيِّ.

قال في الجزء الثالث (٣) (ص ٢٧٥) باب الرجلين يوصى إليهما فينفرد كلُّ واحد منهما بنصف التركة :

__________________

(١) كتاب الغَيبة : ص ٣٧٤ ـ ٣٨٤ ح ٣٤٥ ، ٣٤٦.

(٢) الاحتجاج : ٢ / ٥٦٣ ـ ٥٩٠ ح ٣٥٤ ـ ٣٥٧.

(٣) من لا يحضره الفقيه : ٤ / ٢٠٣ ح ٥٤٧١ ، ٥٤٧٢.

٣٩٣

كتب محمد بن الحسن الصفّار رضى الله عنه إلى أبي محمد الحسن بن عليّ عليهما‌السلام : رجلٌ أوصى إلى رجلين أيجوز لأحدهما أن ينفرد بنصف التركة والآخر بالنصف؟ فوقَّع عليه‌السلام : «لا ينبغي لهما أن يخالفا الميِّت ، ويعملان على حسب ما أمرهما إن شاء الله». وهذا التوقيع عندي بخطِّه عليه‌السلام.

وفي كتاب محمد بن يعقوب الكليني رحمه‌الله (١) عن أحمد بن محمد ، عن عليِّ بن الحسن الميثمي ، عن أخويه محمد وأحمد ، عن أبيهما ، عن داود بن أبي يزيد ، عن بريد ابن معاوية ، قال : إنَّ رجلاً مات وأوصى إلى رجلين ، فقال أحدهما لصاحبه : خذ نصف ما ترك وأعطني النصف ممّا ترك. فأبى عليه الآخر ، فسألوا أبا عبد الله عليه‌السلام عن ذلك فقال : «ذاك له».

قال مصنِّف هذا الكتاب رحمه‌الله (٢) : لست أفتي بهذا الحديث ، بل أفتي بما عندي بخطّ الحسن بن عليٍّ عليه‌السلام. انتهى. إقرأ واحكم.

وأمّا رقاع أبي العبّاس والحسين وأحمد وعليّ ؛ فإنّها لم توجد قطُّ في مصادر الشيعة ، ولا يُذكر منها شيء في أصول الأحكام ، ومراجع الفقه الإماميّة ، ولعمري لو كان المفتري يجد فيها شيئاً منها لأعرب عنه بصراحة.

وأبو العبّاس هو كنية عبد الله بن جعفر الحميري وهو صاحب قرب الإسناد لا جعفر بن عبد الله كما حسبه المغفّل ، وإنَّما جعفر ومحمد الذي ذكره قبلُ ـ ولم يعرفه ـ والحسين وأحمد إخوان أربعة أولاد أبي العبّاس المذكور ، ولم يُرَ في كتب الشيعة برمّتها لغير محمد بن عبد الله المذكور أثر من الرقاع المنسوبة إليهم ، ولم يحفظ التاريخ لهم غير كلمة المؤلِّفين في تراجمهم : إنَّ لهم مكاتبة.

هذه حال الرقاع عند الشيعة وبطلان نسبة ابتناء أحكامهم عليها.

وهناك أغلاطٌ للرجل في كلمته هذه تكشف عن جهله المطبق وإليك ما يلي :

__________________

(١) الكافي : ٧ / ٤٧.

(٢) أي الشيخ الصدوق قدس‌سره.

٣٩٤

موسى بن مابويه ـ في غير موضع ـ والصحيح : موسى بن بابويه.

أبا القاسم بن أبي الحسين

 والصحيح :

 أبا القاسم الحسين

مالك الحريري. الفقه

 والصحيح :

 مالك الحميري. الفقيه

أبي العبّاس جعفر بن عبد الله

والصحيح :

أبي العبّاس عبد الله

سليمان بن الحسين

 والصحيح :

سليمان بن الحسن

أبو الحسن الرازي

 والصحيح :

 أبو الحسن الزراري

أبا القاسم بن أبي الحسين

 والصحيح :

 أبا القاسم الحسين

مالك الحريري. الفقه

 والصحيح :

 مالك الحميري. الفقيه

عجباً للرجل حين جاء ينسب وينقد ويردّ ويفنِّد ، وهو لا يعرف شيئاً من عقائد القوم وتعاليم مذهبهم ومصادر أحكامهم وبرهنة عقائدهم ، ولا يعرف الرجال وأسماءهم ، ويجهل الكتب ونسبها ، ولا يفرِّق بين والدٍ ولا ولد ، ولا بين مولود وبين من لم يولد بعدُ ، ولو كان يروقه صيانة ماء وجهه لكفَّ القلم فهو أستر لعورته.

٧ ـ ذكر في (ص ٦٤ ، ٦٥) عدّةً من عقائد الشيعة ، جملةٌ منها مكذوبةٌ عليهم : كشتمهم جمهور أصحاب رسول الله ، وحكمهم بارتدادهم إلاّ العدد اليسير ، وقولهم : بأنَّ الأئمّة يوحى إليهم (١) ، وأنَّ موت الأئمّة باختيارهم ، وأنَّهم اعتقدوا بتحريف القرآن ونقصانه ، وأنّهم يقولون : بأنَّ الحجّة المنتظر إذا ذُكر في مجلس حضر فيقومون له (٢) ، وإنكارهم كثيراً من ضروريّات الدين.

قال الأميني : نعم ؛ الشيعة لا يحكمون بعدالة الصحابة أجمع ، ولا يقولون إلاّ بما جاء فيهم في الكتاب والسنّة ، وسنوقفك على تفصيله في النقد على كتاب الصراع بين الإسلام والوثنيّة. وأمّا بقيّة المذكورات فكلّها تحاملٌ ومكابرةٌ بالإفك ، ثمَّ جاء بكلمة

__________________

(١) يأتي البحث عن هذا وما يليه في الجزء الخامس إن شاء الله تعالى. (المؤلف)

(٢) قيام الشيعة عند ذكر الإمام ليس لحضوره كما زعمه الآلوسي ، وإنّما هو لما جاء عن الإمامين الصادق والرضا عليهما السّلام من قيامهما عند ذكره وهو لم يولد بعد ، وليس هو إلاّ تعظيماً له كالقيام عند ذكر رسول الله المندوب عند أهل السنّة كما في السيرة الحلبية : ١ / ٩٠ [١ / ٨٤]. (المؤلف)

٣٩٥

عوراء وقارصة شوهاء ، ألا وهي قوله في (ص ٦٥ ، ٦٦):

وما تكلّم ـ يعني السيِّد محسن الأمين ـ به في المتعة يكفي لإثبات ضلالهم ، وعندهم متعة أخرى يسمّونها المتعة الدوريّة ويروون في فضلها ما يروون ، وهي أن يتمتّع جماعة بامرأةٍ واحدةٍ ، فتكون لهم من الصبح إلى الضحى في متعة هذا ، ومن الضحى إلى الظهر في متعة هذا ، ومن الظهر إلى العصر في متعة هذا ، ومن العصر إلى المغرب في متعة هذا ، ومن المغرب إلى العشاء في متعة هذا ، ومن العشاء إلى نصف الليل في متعة هذا ، ومن نصف الليل إلى الصبح في متعة هذا. فلا بدع ممّن جوّز مثل هذا النكاح أن يتكلّم بما تكلّم به ويسمّيه الحصون المنيعة ... (١).

نسبة المتعة الدوريّة وقل الفاحشة المبيّنة إلى الشيعة إفكٌ عظيمٌ تقشعرُّ منه الجلود ، وتكفهرُّ منه الوجوه ، وتشمئزُّ منه الأفئدة ؛ وكان الأحرى بالرجل حين أفِك أن يتّخذ له مصدراً من كتب الشيعة ولو سواداً على بياض من أي ساقطٍ منهم ، بل نتنازل معه إلى كتاب من كتب قومه يسند ذلك إلى الشيعة ، أو سماعٍ عن أحدٍ لهج به ، أو وقوف منه على عمل ارتكبه أُناسٌ ولو من أوباش الشيعة وأفنائهم ، لكنَّ المقام قد أعوزه عن كلِّ ذلك لأنّه أوّل صارخ بهذا الإفك الشائن ، ومنه أخذ القصيمي في الصراع بين الإسلام والوثنيّة وغيره.

وليت الشيعة تدري متى كانت هذه التسمية؟ وفي أيِّ عصر وقعت؟ ومن أوّل من سمّاها؟ ولِمَ خَلت عنها كتب الشيعة برمّتها؟ أنا أقول ـ وعند جُهينة الخبر اليقين ـ : هو هذا العصر الذهبيّ ، عصر النور ، عصر الآلوسي ، وهو أوّل من سمّاها بعد أن اخترعها ، والشيعة لم تعلمها بعدُ.

وليت الرجل ذكر شيئاً من تلك الروايات التي زعم أنَّ الشيعة ترويها في فضل المتعة الدوريّة ، وليته دلّنا على من رواها ، وعلى كتابٍ أو صحيفةٍ هي مودعةٌ فيها ،

__________________

(١) يوافيك بسط القول في المتعة في الجزء السادس إن شاء الله تعالى. (المؤلف)

٣٩٦

نعم ... الحقّ معه في عدم ذكر ذلك كلّه ؛ لأنَّ الكذب لا مصدر له إلاّ القلوب الخائنة ، والصدور المملوكة للوسواس الخنّاس.

وأمّا العَلَم الحجّة سيِّدنا المحسن الأمين صاحب الحصون المنيعة الذي يزعم الرجل أنّه يجوِّز مثل هذا النكاح ، ففي أيٍّ من تآليفه جوّز ذلك؟ ولِمَن شافهه به؟ ومتى قاله؟ وأنّى نوّه به؟ وها هو حيٌّ يرزق ـ مدَّ الله في عمره ـ وهل هو إلاّ رجلٌ هَمٌ (١) عَلمٌ من أعلام الشريعة ، وإمامٌ من أئمّة الإصلاح ، لا يتنازل إلى الدنايا ، ولا يقول بالسفاسف ، ولا تُدنَّس ساحة قدسه بهذه القذائف والفواحش.

هذه نبذة يسيرة من الأفائك المودعة في رسالة السنّة والشيعة وهي مع أنّها رسالةٌ صغيرةٌ لا تعدو صفحاتها (١٣٢) ولكن فيها من البوائق ما لعلَّ عدّتها أضعاف عدد الصفحات ، وحسبك من نماذجها ما ذكرناه.

(إِنَّ الَّذِينَ جاؤُ بِالْإِفْكِ عُصْبَةٌ مِنْكُمْ لا تَحْسَبُوهُ شَرًّا لَكُمْ بَلْ هُوَ خَيْرٌ لَكُمْ لِكُلِّ امْرِئٍ)

(مِنْهُمْ مَا اكْتَسَبَ مِنَ الْإِثْمِ وَالَّذِي تَوَلَّى كِبْرَهُ مِنْهُمْ لَهُ عَذابٌ عَظِيمٌ) (٢).

١٠ ـ

الصراع بين الإسلام والوثنيّة

تأليف

عبد الله علي القصيميّ نزيل القاهرة

لعلّ في نفس هذا الاسم دلالة واضحة على نفسيّات مؤلّفه وروحيّاته وما أودعه في الكتاب من الخزايات ؛ فأوّل جنايته على المسلمين عامّة تسميته بالوثنيّة أُمَماً من المسلمين يُعدّ كلّ منها بالملايين ، وفيهم الأئمّة والقادة والعلماء والحكماء والمفسّرون والحفّاظ والأدلاّء على دين الله الخالص ، وفي مقدّمهم أمّة من الصحابة

__________________

(١) أي ذو همّة يطلب معالي الأمور. (المؤلف)

(٢) النور : ١١.

٣٩٧

والتابعين لهم بإحسان.

فهل ترى هذه التسمية تدع بين المسلمين أُلفة؟ وتذر فيهم وئاماً؟ وتبقي بينهم مودّة؟ وهل تجد لو اطّردت أمثالها كلمة جامعة تتفيّأ الأمّة بظلّها الوارف؟ نعم ؛ هي التي تبذر بين الملأ الديني بذور الفرقة ، وتبثّ فيهم روح النفرة ، تتضارب من جرّائها الآراء ، وتتباين الفِكَر ، وربّما انقلب الجدال جِلادا ، كفى الله المسلمين شرّها.

فإلى الدعة والسلام ، وإلى الإخاء والوحدة أيّها المسلمون جميعاً من غير اكتراث لصخب هذا المعكّر للصفو والمقلِق للسلام (إِنَّما يُرِيدُ الشَّيْطانُ أَنْ يُوقِعَ بَيْنَكُمُ الْعَداوَةَ وَالْبَغْضاءَ) (١) (لا تَتَّبِعُوا خُطُواتِ الشَّيْطانِ وَمَنْ يَتَّبِعْ خُطُواتِ الشَّيْطانِ فَإِنَّهُ يَأْمُرُ بِالْفَحْشاءِ وَالْمُنْكَرِ) (٢).

وأمّا ما في الكتاب من السباب المقذع والتهتّك والقذائف والطامّات والأكاذيب والنسب المفتعلة ، فلعلّها تربو على عدد صفحاته البالغة (١٦٠٠) ، وإليك نماذج منها :

١ ـ قال : من الظرائف أنّ شيخاً من الشيعة اسمه بيان كان يزعم أنَّ الله يعنيه بقوله : (هذا بَيانٌ لِلنَّاسِ) (٣) ، وكان آخر منهم يلقّب بالكسف ، فزعم هو وزعم له أنصاره أنَّه المعنيّ بقول الله : (وَإِنْ يَرَوْا كِسْفاً مِنَ السَّماءِ ...) (٤). ١ / ع [من المقدمة و ٥٣٨).

الجواب : إن هي إلاّ أساطير الأوّلين التي اكتتبها قلم ابن قتيبة في تأويل مختلف الحديث (٥) (ص ٨٧) ، وإن هي إلاّ من الفرق المفتعلة التي لم يكن لها وجودٌ وما وجدت بعدُ ، وإنَّما اختلقتها الأوهام الطائشة ، ونسبتها إلى الشيعة ألسِنة حملة العصبيّة العمياء

__________________

(١) المائدة : ٩١.

(٢) النور : ٢١.

(٣) آل عمران : ١٣٨.

(٤) الطور : ٤٤.

(٥) تأويل مختلف الحديث : ص ٨٥.

٣٩٨

نظراء ابن قتيبة والجاحظ والخيّاط ، ممّن شُوِّهت صحائف تآليفهم بالإفك الفاحش ، وعرّفهم التاريخ للمجتمع بالاختلاق والقول المزوّر ، فجاء القصيمي بعد مضيِّ عشرة قرون على تلك التافهات والنسب المكذوبة يجدِّدها ويردُّ بها على الإماميّة اليوم ، ويتّبع الذين (قَدْ ضَلُّوا مِنْ قَبْلُ وَأَضَلُّوا كَثِيراً وَضَلُّوا عَنْ سَواءِ السَّبِيلِ) (١) (فَذَرْهُمْ وَما يَفْتَرُونَ) (٢).

هب أنَّ للرجلين ـ بيان وكسف ـ وجوداً خارجيّا ومعتقداً كما يزعمه القائل ، وأنَّهما من الشيعة ـ وأنّى له بإثبات شيءٍ منها ـ فهل في شريعة الحِجاج ، وناموس النصفة ، وميزان العدل ، نقد أمّة كبيرةٍ بمقالة معتوهين يُشكُّ في وجودهما أوّلاً ، وفي مذهبهما ثانياً ، وفي مقالتهما ثالثاً ...؟

٢ ـ قال : ذكر الأمير الجليل شكيب أرسلان في كتاب حاضر العالم الإسلامي (٣) ، أنَّه التقى بأحد رجال الشيعة المثقّفين البارزين ، فكان هذا الشيعيُّ يمقت العرب أشدَّ المقت ، ويُزري بهم أيّما إزراء ، ويغلو في عليِّ بن أبي طالب وولده غلوّا يأباه الإسلام والعقل ، فعجب الأمير الجليل لأمره ، وسأله : كيف تجمع بين مقت العرب هذا المقت وحبّ عليٍّ وولده هذا الحبّ؟ وهل عليٌّ وولده إلاّ من ذروة العرب وسنامها الأشمّ؟ فانقلب الشيعيُّ ناصبيّا ، واهتاج وأصبح خصماً لعليٍّ وبنيه ، وقال ألفاظاً في الإسلام والعرب مستكرهة (١ / ١٤).

الجواب : هذا النقل الخرافيُّ يسفُّ بأمير البيان إلى حضيض الجهل والضعة ، حيث حكم بثقافة إنسان وبروزه والى أناساً وغَلا في حبِّهم ردحاً من الزمن وهو

__________________

(١) المائدة : ٧٧.

(٢) الأنعام : ١١٢.

(٣) كتاب يفتقر جدّا إلى نظارة التنقيب ، ينمّ عن قصور باع مؤلّفه ، وعدم عرفانه بمعتقدات الشيعة ، وجهله بأخبارهم وعاداتهم ، غير ما لفّقه قومه من أباطيل ومخاريق ، فأخذه حقيقة راهنة وسوّد به صحائف كتابه بل صحائف تاريخه. (المؤلف)

٣٩٩

لا يعرف عنصرهم ، أَوَكان يَحسب أنّهم من الترك أو الديلم؟ وهل تجد في المسلمين جاهلاً لا يعرف أنَّ محمداً وآله ـ صلوات الله عليه وعليهم ـ من ذروة العرب وسنامها الأشمّ؟ وقد منَّ عليه الأمير حيث لم يخبره بأنَّ مشرِّف العترة الرسول الأعظم هو المحتبي على تلك الذروة وذلك السنام لئلاّ يرتدَّ المثقّف إلى المجوسية ، ولا أرى سرعة انقلاب المثقّف البارز إلاّ معجزة للأمير في القرن العشرين ـ لا القرن الرابع عشر.

هذا عند من يصدِّق القصيميَّ ـ المصارع ـ في نقله ، وأمّا المراجع كتاب الأمير ـ حاضر العالم الإسلامي ـ فيجد في الجزء الأوّل (ص ١٦٤) (١) ما نصّه :

كنت أحادث إحدى المرار رجلاً من فضلائهم ـ يعني الشيعة ـ ومن ذوي المناصب العالية في الدولة الفارسية ، فوصلنا في البحث إلى قضية العرب والعجم ، وكان محدِّثي على جانب عظيم من الغلوِّ في التشيّع إلى حدّ أنّي رأيت له كتاباً مطبوعاً مصدّراً بجملة : هو العليُّ الغالب ، فقلت في نفسي : لا شكَّ أنَّ هذا الرجل لشدّة غلوِّه في آل البيت ، ولعلمه أنّهم من العرب ، لا يمكنه أن يكره العرب الذين آل البيت منهم ، لأنّه يستحيل الجمع بين البغض والحبِّ في مكان واحدٍ (ما جَعَلَ اللهُ لِرَجُلٍ مِنْ قَلْبَيْنِ فِي جَوْفِهِ) (٢) ، ولقد أخطأ ظنّي في هذا أيضاً ، فإنّي عندما سُقت الحديث إلى مسألة العربيّة والعجميّة وجدته انقلب عجميّا صرفاً ، ونسي ذلك الغلوّ كلّه في عليّ عليه‌السلام وآله ، بل قال لي هكذا وكان يحدِّثني بالتركيّة : إيران بر حكومت إسلاميّة دكلدر يالكزدين إسلامي اتخاذ ايتمش بر حكومتدر. أي إيران ليست بحكومة إسلاميّة وإنّما هي حكومةٌ اتخذت لنفسها دين الإسلام.

إقرأ وأعجب من تحريف الكلم عن مواضعه ، هكذا يفعل القصيميُّ بكلمات قومه ، فكيف بما خطّته يد من يضادّه في المبدأ.

__________________

(١) حاضر العالم الإسلامي : ١ / ١٦٢.

(٢) الأحزاب : ٤.

٤٠٠