الغدير في الكتاب والسنّة والأدب - ج ٣

الشيخ عبد الحسين أحمد الأميني النجفي

الغدير في الكتاب والسنّة والأدب - ج ٣

المؤلف:

الشيخ عبد الحسين أحمد الأميني النجفي


المحقق: مركز الغدير للدّراسات الإسلاميّة
الموضوع : العقائد والكلام
الناشر: مركز الغدير للدراسات الإسلامية
المطبعة: باقري
الطبعة: ١
الصفحات: ٥٧٦

هذا لفظه عند العامّة ، وأمّا عند مشايخنا فهو : «خُلق الناس من أشجارٍ شتّى وخُلِقتُ أنا وعليُّ بن أبي طالب من شجرة واحدة ، فما قولكم في شجرة أنا أصلُها ، وفاطمةُ فرعها ، وعليٌّ لقاحها ، والحسن والحسين ثمارها ، وشيعتنا أوراقها؟ فمن تعلّق بغصن من أغصانها ساقته إلى الجنّة ، ومن تركها هوى في النار».

وممّن مدحه عليه‌السلام من متأخِّري النصارى عبد المسيح الأنطاكي المصري ، بقصيدته العلويّة المباركة ذات (٥٥٩٥) بيتاً ، ومنها قوله (ص ٥٤٧) فيما نحن فيه :

للمرتضى رتبةٌ بعد الرسولِ لدى

أهلِ اليقين تناهت في تعاليها

ذو العلمِ يعرفُها ذو العدلِ ينصِفُها

ذو الجهل يَسرِفها ذو الكفر يكميها (١)

وإنّ في ذاك إجماعاً بغير خلا

فٍ في المذاهب مع شتّى مناحيها

وإن أقرّ بها الإسلامُ لا عجبٌ

فإنّه منذُ بدءِ الوحي داريها

وإن تنادى جموعُ المسلمين بها

فقد وعت قدرَها من هدي هاديها

بل جاوزتهم إلى الأغيارِ فانصرفتْ

نفوسهم نحوها بالحمدِ تُطريها

وذي فلاسفةُ الجحّادِ مُعجبةٌ

بها وقد أكبرت عجباً تساميها

وردّدتْ بين أهل الأرض مِدحتَها

فيه وقد صدقت وصفاً وتشبيها

كذا النصارى بحبّ المرتضى شُغِفَتْ

ألبابُها وشَدت فيهِ أغانيها

فلستَ تسمعُ منها غير مدحته ال

غرّاءِ ما ذَكَرَتهُ في نواديها

فارجع لقُسّانها بين الكنائس مع

رُهبانِها وهي في الأديار تأويها

تَجدْ محبّتهُ بالاحترامِ أتتْ

نفوسُها وله أبدت تَصبّيها

وانظر إلى الديلمِ الشُجعانِ خائضةَ ال

حروب والتركِ في شتّى مغازيها

تُلفِ استعاذتَها بالمرتضى ولَقَد

زانت بصورته الحسنا مواضيها

__________________

(١) سرف الشيء سَرَفاً : أغفله وأخطأه وجهله. كمى الشيء وتكمّاه : ستره ، وكمى الشهادة يكميها : كتمها وقمعها.

٢١

وآمنت أنّ ترصيعَ السيوف بصو

رةِ الوصيِّ يُنيلُ النصر مُنضيها

وفي الآونة الأخيرة نظم الأستاذ بولس سلامة قاضي أمّة المسيح ببيروت بعد ما قرأ كتابنا هذا ـ الغدير ـ قصيدته العصماء تحت عنوان عيد الغدير في (٣٠٨٥) بيتاً ، وفيها تحليلٌ وتدقيق ، وإعرابٌ عن حقائق ناصعة ، وجريٌ مع التاريخ الصحيح ، طبعت في (٣١٧) صفحة.

٢٢

نعرات الجاهلية الأولى

(إِنَّ الَّذِينَ ارْتَدُّوا عَلى أَدْبارِهِمْ مِنْ بَعْدِ ما تَبَيَّنَ لَهُمُ الْهُدَى)

(الشَّيْطانُ سَوَّلَ لَهُمْ وَأَمْلى لَهُمْ) (١)

ربّما يجد الباحث في بعض تآليف المستشرقين في التاريخ الإسلامي رمزاً من النزاهة في الكتابة والأمانة في النقل ، وخلوّ كلّ محكيٍّ عن أيِّ مصدر ـ هبه غير وثيق ـ من التحريف والتصرُّف فيه ، وتجرّده عن سوء صنيع الكتبة ، وبعده من الاستهتار ، وهذا جمال كلّ تأليف وشأن كلّ مؤلّف مهما كان شريف النفس ، وهو حقُّ كلّ رائد ، والرائد لا يكذب أهله.

غير أنّ في القوم من ألَّف وسخف ، (فَما أَغْنى عَنْهُمْ سَمْعُهُمْ وَلا أَبْصارُهُمْ وَلا أَفْئِدَتُهُمْ مِنْ شَيْءٍ إِذْ كانُوا يَجْحَدُونَ بِآياتِ اللهِ وَحاقَ بِهِمْ ما كانُوا بِهِ يَسْتَهْزِؤُنَ) (٢). فكأنّ الجهل لم يمت بعد وقد مات أبو جهل ، ولهب الضلال لم يخمد بعدُ وقد اتّقد أبو لهب في درك الجحيم ، وكأنّ الدنيا ترجع إلى ورائها القهقرى ، وعاد الإسلام كشمس كادت تكون صلاءً (٣).

__________________

(١) محمد : ٢٥.

(٢) الأحقاف : ٢٦.

(٣) مثل يضرب في قلّة الانتفاع بالشيء [مجمع الأمثال : ٣ / ٥٠ رقم ٣١٢٤]. (المؤلف)

٢٣

جاء من القوم بعد لأي من الدهر من يدعو الناس إلى الجاهليّة الأولى ، وإلى حميّتها البائدة ، ولا بُقيا للحميّة بعد الحرائم (١) ، نهض يبشِّر عن مسيح مركّب من طبيعتين : إلهيّة وبشريّة ، ويحسب نفسه قد أبهر في تأليفه وأتى بأمر جديد ، فأخذ كالمتفلسف يتتعتع ويتلعثم ، ويحرِّف الكلم عن مواضعه ، ويؤوِّل الكتاب الكريم برأيه الضئيل ، ويتحكّم في الحديث بفكرته الخائرة ، ويرى النبيّ الأعظم من المبشِّرين بنصرانيّته الصحيحة التي ليست هي إلاّ الضلال المحض ، وهو مع ذلك مائن (٢) في نقله ، خائنٌ في حكايته ، غاشٌّ في نصحه ، مدلّس في كتابته ، مهاجم قدس صاحب الرسالة ، مجانب عن الحقّ والحقيقة ، كلّ ذلك باسم كتاب : حياة محمد.

ألا وهو الأستاذ إميل درمنغم.

إنَّ الرجل لمّا شاهد أنّ الإسلام علا هتافه اليوم ، ودوّخ أرجاء العالم صيته ، وأطلّت سماؤه على الأرض كلّها شرقاً وغرباً ، وشعّ نوره في كلّ طلل ووهد ، وعمّت أشعّته كلّ طارف وتليد ، وملأ الكون صراخ قومه بالثناء البالغ على الإسلام المقدّس ونبيّه الأقدس ، وكثر إعجابهم بكتابه السماوي ، وقانونه الاجتماعي ، وشرعه السوي ، وحكمه السياسي ، ودستوره الإصلاحي ، ومشعبه الحقّ المشعب.

عزّ عليه كما عزّ على سلفه الغوغاء أن يشاهد هذا السلطان العالمي العظيم ، وهذه السيطرة الباهرة ، وهذه الشرعة العادلة الجبّارة القاهرة للأكاسرة ، والتبابعة ، والقياصرة ، والفراعنة الحاكمة على آراء الأقباط ، والأقسّة ، وآباء الكنائس ، وزعماء البِيَع ومعتقداتهم.

عزّ عليه أن يرى في بيئته الغربيّة بزوغ الإسلام الشرقي ، وتنوّر أفكار المثقّفين من قومه بلمعات القرآن العربي المجيد ، وانتشار معارف الإسلام الخالدة في عواصم

__________________

(١) الحريمة : ما فات من كلّ مطموع فيه [مجمع الأمثال : ٣ / ١٩٢ رقم ٣٦٢٠]. (المؤلف)

(٢) المين : الكذب.

٢٤

أوربا كالسيل الجارف لأصول الضلال ، وأهواء الغرب ، وما هناك من فساد الخلائق ، ومضلاّت البدع.

عزّ عليه أن يسمع بأذنيه من قلب العالم الأوربي بألسنة فلاسفتها نداء : أنّ محمداً قاوم الوثنيّة بعزم واحد طول الحياة ، ولم يتردّد لحظة واحدة بينها وبين عبادة الواحد الأحد (١).

أو أن يسمع عن آخر منهم وهو ينادي : إنّ القرآن هو القانون العام لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه ، فهو صالحٌ لكلِّ مكان وزمان (٢).

أو أن يسمع عن ثالث من قومه ، وقد ملأ الدنيا صوته ، وهو يقول : استقرّت قواعد الإسلام على أساس مكين من الآيات البيِّنات التي أُنزلت تباعاً وكان ختامها : (الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلامَ دِيناً) (٣).

أو أن يسمع بأذنيه القرآن العزيز وهو يُتلى في الإذاعات كلّ يوم بكرةً وعشيّا ، وتقرع آيه مسامع خلق الدنيا دون كتاب قومه وكتاب أيّ ملّة.

ونادى لسانُ الكونِ في الأرض رافعاً

عقيرتَهُ في الخافقين ومنشدا

أَعُبّادَ عيسى إنّ عيسى وحزبَهُ

وموسى جميعاً يخدمونَ محمدا (٤)

فهناك تعصّب الرجل وتشزّر ، وشزر إلى الإسلام وكتابه ونبيّه ، ونظر إليها بصدر عينه (٥) وتشذّر (٦) للدفاع عن نحلته ، والذبِّ عن مبدئه الباطل ؛ فعلا

__________________

(١) كلمة الكونت هنري دي كاستري. (المؤلف)

(٢) كلمة مسيو سنايس. (المؤلف)

(٣) كلمة الدكتور نجيب الأرمنازي. (المؤلف)

(٤) من أبيات للشاعر المفلق أبي الوفاء راجح الحلّي المتوفّى ٦٢٧. (المؤلف)

(٥) مثل مشهور يضرب. (المؤلف)

(٦) تشذّر : تشمّرَ وتهيّأ للحملة.

٢٥

نحيمه (١) بصدرٍ واغرٍ على الحقِّ ، وهو يشوب ولا يروب (٢) وشرع يدعو إلى النصرانيّة باسم الإسلام وحياة محمد (٣) ، ويرى النبيّ محمداً جاء بكتاب عربيّ كما لو كان نصرانيّا ، ذاكراً أنَّه واحد من الأنبياء (ص ١٠٠).

ويرى للنصرانيّة أثراً في محمد ، ويزعم أنّ النصارى قد أيقظت شعور النبيِّ الدينيَّ قبل بعثه (ص ١٠٠) ، ويجد في القرآن أصول النصرانيّة (ص ١٠٦).

ويرى تأييد روح القدس لعيسى ذاتيّا دون موسى ومحمد.

ويعتقد لعيسى من العصمة ما لم تكن لمحمد ، ويراه قد جاء في القرآن (٤).

ويرى النصرانيّة تشمل الإسلام وتضيف إليه بعض الشيء (ص ١١٨).

ويرى المسيح ابن الله الوحيد بمعنىً عرفانيٍّ يلائم الذوق الخرافيّ (ص ١١٠).

ويرى القرآن يدعو إلى النصرانيّة الصحيحة ، وهو القول بألوهيّته وبشريّته ، وكون الطبيعتين في شخص واحد (ص ١٠٧ ، ١١٢).

ويعزو آراءه السخيفة جلّها إلى القرآن المقدّس ، ويرى القرآن لم يُحط بكلّ ما هو حقٌّ في الأمر (ص ١٠٩).

ويرى آخر مصحف اعتُمِدَ عليه صنع الحجّاج بن يوسف الثقفي ، وإمكان تلاوة المصحف الشريف على غير ما هو عليه.

ويرى علماء التوحيد قائلين بأُلوهيّة المسيح (ص ١٠٩).

ويرى الهوّة بين المسلمين والنصارى نتيجة سوء التفاهم.

__________________

(١) النحيم : الزحير والتنحنح ، وهو صوت يخرج من الجوف.

(٢) الشوب : الخلط. والروب : الإصلاح. مثل يضرب [لمن يخلط الصدق بالكذب. مجمع الأمثال : ٣ / ٤٩٥ رقم ٤٥٨٦]. (المؤلف)

(٣) حياة محمد لإميل درمنغم : ص ١٢٤ ـ ١٤٣.

(٤) ليته دلّنا على الآية الدالّة عليه. (المؤلف)

٢٦

ويرى التباعد بين الملّتين من فكرة مفسِّري القرآن وعلماء الإسلام.

ويرى العقل والتاريخ يستغربان عدم صلب المسيح.

ويرى اعتقاد المسلمين بعدم صلب المسيح باطلاً ، والآية الدالّة عليه غامضة (ص ١١١).

ويؤوّل قوله تعالى : (وَما قَتَلُوهُ وَما صَلَبُوهُ وَلكِنْ شُبِّهَ لَهُمْ) (١) بما يلائم تعاليم النصرانيّة (ص ١١٢).

ويعدّ من ضلال جزيرة العرب إنكار ألوهيّة المسيح والقول ببشريّته فحسب (ص ١١٣) ، ويرى النبيّ قد وضع نفسه فوق جميع المعتقدات مادام على غير علم بالنصرانيّة الصحيحة (ص ١١٤).

ويعبّر عن النبيّ الأعظم بالبدوي الحَمِس (٢)! (ص ١١٥).

فهذه جملةٌ من خرافاته الراجعة إلى التبشير والدعوة إلى النصرانيّة ، وبها يقف الباحث على غاية الكاتب وقيمة كتابه ، ويعرف أنّه يحطّ في هواه ، ويحطب في حبله (٣) ، جاهلاً بأنّ حماة الدين ـ دين البدويّ الحَمِس ـ نابهون يحومون حول الحِمى ، ويعرفون حول الصلبان الزمزمة (٤) ويدافعون عن بيضة الإسلام المقدّسة كلّ سَخَبٍ (٥) ، وصخبٍ ، ولغطٍ ، وكذبٍ ، وإفكٍ ، وقول زور ؛ وينزّهون ساحته عن أرجاس الجاهليّة وأنجاسها (إِنَّما يَفْتَرِي الْكَذِبَ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِآياتِ اللهِ وَأُولئِكَ هُمُ الْكاذِبُونَ) (٦)

__________________

(١) النساء : ١٥٧.

(٢) الحمس : الشديد المتعصب.

(٣) مثل سائر يضرب لمن يجيء ويذهب في منفعته. مجمع الأمثال : ٣ / ٤٩٠ رقم ٤٥٧٦.

(٤) مثل يضرب لمن يروم الشيء ولا يظهر مرامه [مجمع الأمثال : ١ / ٣٦٦ رقم ١٠٩١]. (المؤلف)

(٥) السخَب والصخب بمعنى واحد ، وهو الصياح.

(٦) النحل : ١٠٥.

٢٧

ولو أردت الوقوف على الحقيقة في كلّ ما لفّقه الرجل من إفك شائن ، فعليك بكتاب الهدى إلى دين المصطفى ، وكتاب الرحلة المدرسيّة وغيرهما ، من تأليف شيخنا العلم المجاهد الحجّة الشيخ محمد جواد البلاغي النجفي ، وما ألَّفه غيره من أعلام الأمّة.

تسافل الشرق أو انحطاط العرب

لا أحسب أنّ بسطاء الأمّة الإسلاميّة ، فضلاً عن أعلامها ، تخفى عليهم الغايات المتوخّاة في أمثال هذه الكتب المزوّرة ، ولا تأمرهم أحلامهم قطُّ بنشر ما خطّته تلكم الأقلام المستأجرة لزعانفة الجاهليّة ، ولا يحسب أيُّ حامل حساسات الحيا بين جنبيه أنّ في تلكم التآليف فائدة طائلة قصرت عنها يد الشرق التي هي عاصمة علم الدنيا ومرتكز لواء كلّ فضيلة ومحمدة اجتماعيّة.

ولا يهجس في خلد أيّ محنّك أنّ في طيِّ تلكم الكلم مقيلاً من ظلِّ الحقيقة ، أو أنّ أحداً من أولئك الأساتذة المستشرقين قد أتى بفكرة صالحة جديدة في إصلاح المجتمع من شئون اجتماعيّة ، وأخلاقيّة ، وسياسيّة ، وأدبيّة ، وروحيّة لم يأت بها نبيُّ الإسلام في كتابه وسنّته ، حاشا نبيّ الإصلاح المبعوث لتتميم مكارم الأخلاق.

فما حاجة الأمّة العربيّة الآخذة بناصية الشرق إلى ترجمة هذه التآليف الفارغة عن أدب الدين ، وأدب العلم ، وأدب النزاهة ، وأدب العفّة ، وأدب الصدق والأمانة ، وأدب الحقّ والحقيقة؟!

وما هذا الانحطاط والتسافل البالغ في العروبة ، وقد أصبحت ـ والعياذ بالله ـ في مسيس الحاجة إلى هذه الكتب المخزية ، تأليف كلّ خائرٍ بائرٍ ، تأليف من صَفِرت يداه عن كلّ خير ، والضلال سجيّته وقرواه (١)؟!

__________________

(١) القرْو والقَرِيّ : كلّ شيء على طريق واحد ، يقال : رأيت القوم على قروٍ واحد أي على طريقة واحدة.

٢٨

كيف تفتقر الأمّة الإسلاميّة ـ ولا تفتقر ولن تفتقر ـ إلى تلك الكتب ولها كتابها العربيّ المقدّس ، كتابها الاجتماعيّ الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه ، كتابها الذي لا ريب فيه ، هدىً للمتّقين ، كتابها الباحث عن الآداب الاجتماعيّة وشؤون الصالح العام التي قوامها الحكمة ، وأساسها العدل والإحسان ، وجامعها العفّة والقداسة والحنان؟!

وكيف تفتقر وهي حاملة السنّة النبويّة؟! تلك السنّة الطافحة بغرر الحكم الاجتماعيّة ، والأحكام الحقوقيّة ، والجزائيّة ، والمدنيّة ، والدفاعيّة ، وما به انتظام الكون في قمع المظالم ، وصيانة الحقوق ، ودستور المعاش والمعاد ، وحفظ الصحّة ، والمصالح العامّة ، ومباني الترقّي ، ومنقذات البشر من مخالب الجهل والضلال ، ودروس التقدّم في عالم الرشد والصلاح.

تلك السنّة المؤسِّسة للحياة السياسيّة ، وروح الوحدة الاجتماعيّة ، والجوامع الأخلاقيّة ، والفضائل النفسيّة ، والحقوق النوعيّة والشخصيّة التي عليها مدار نظام حياة النوع الإنساني ، وتدبير شئون المجتمع البشريّ في جميع أدوار الدنيا وقرونها المتكثّرة.

وكيف تفتقر؟! وبين يديها برنامج الإصلاح الحيويّ المشتمل لموجبات الأمن ، والدعة ، والسلام ، والوئام ، والنزوع إلى كلّ صالح ، والانحياز عن كلّ ما يفكّك عُرى المدنيّة الصحيحة ، والحضارة الراقية ، والدين المبين ، ألا وهو كتاب نهج البلاغة للإمام أمير المؤمنين تأليف الشريف الرضي ، الذي تراه فلاسفة الدنيا دون كلام الخالق وفوق كلام المخلوق.

يا أمَّهُ اثكليه

هلمّ معي أيّها الشرقيُّ الإسلاميُّ نسائل أستاذ فلسطين محمد عادل زعيتر وهو

٢٩

يدبُّ مع القراد (١) ، وقد أساء القول وأساء العمل عن ترجمة هذا الكتاب ـ حياة محمد ـ الطافح بالضلال.

نسائله عن جنايته الكبيرة على الأمّة العربيّة بقوله في مقدّمة ترجمته : قد تجنّى المستشرقون على الحقائق في سيرة الرسول الأعظم لا ريب ، وقد كان تجنّيهم هذا عاملاً في زهد كتّاب العرب عن نقل ما ألَّفوه إلى العربيّة على ما يحتمل ، ولكنّ عطل اللغة العربيّة من ذلك يُعدُّ نقصاً في حركتنا العلميّة على كلّ حال.

كيف أنّ عطل اللغة العربيّة ممّا جنته يد الجاهليّة ـ وقد تجنّت على الحقائق ـ يُعدّ نقصاً في حركتنا العلميّة التي تدور مع الكتاب والسنّة؟ وهما مدار علم العالم ، وبصيرة كلّ متنوّر ، ومرمى كلّ مثقّف ، وضالّة كلّ حكيم ، ومقصد كلّ فيل سوف شرقيّ أو غربيّ. وهذا نفس المؤلّف يقول في مقدّمة الكتاب : وأهمّ المصادر لتبيان حياة محمد هو القرآن وكتب الحديث والسيرة ، والقرآن أصحّ هذه المصادر وإن كان أوجزها.

ليته كان يتبع كتّاب العرب في زهدهم عن نقل ما ألَّفته يد الضلال إلى العربيّة ، ويتوقّى قلمه عن نشر كَلِم الفساد في المجتمع الإسلاميّ من دون أيّ تعليق عليها ، وأيّ تنبيه للقارئ بفسادها وهو يقول : لا يظنّ القارئ أنَّني أشاطر المؤلّف جميع ما ذهب إليه من الأمور التي أرى الحقيقة غابت عنه في كثير منها.

اثكليه يا أمّه ؛ بأيّ ثمن بخس أو خطير باع شرف أمّته ، وعزّ نِحلته ، وعظمة قومه ، وقداسة كتابه وسنّته؟!

ولأيّ مرمىً بعيد جعل نفسه مع إميل درمنغم في بُردة أخماس (٢)؟! وجاء يعاند الإسلام بنشر تلكم الأباطيل والأضاليل المضادّة مع نحلته ، ويشوّه سمعة مصره

__________________

(١) مثل يضرب للرجل الشرّير [مجمع الأمثال : ٣ / ٤٨٦ رقم ٤٥٥٧]. (المؤلف)

(٢) ضرب من بُرود اليمن. وهو مثل يضرب للرجلين تحابّا وتقاربا وفعلا فعلاً واحداً [مجمع الأمثال : ٣ / ٤٩٣ رقم ٤٥٨١]. (المؤلف)

٣٠

العزيزة ، وجامعها الأزهر ، وأساتذتها النزهاء ، وكتّابها القادرين ، بنشر تلك التافهات المضلّة في مطابعها المأسوف عليها ، وهو يقول في المقدّمة : المؤلّف مع ما ساده من حسن النيّة لم تخلُ سوانحه وآراؤه من زلاّت.

ليتني أدري وقومي : ما حاجتنا إلى حسن نيّة مؤلّه المسيح ـ عيسى بن مريم ـ وجاعله ابن الله الوحيد؟! وما الذي يعرب عن حسن نيّته وكلّ صحيفة من كتابه أهلك من ترّهات البسابس (١)؟! وقلّت صحيفة ليست فيها هنات تنمّ عن سوء طويّته ، وفساد نيّته ، وخبث رأيه.

نعم والذي أراه ـ والمؤمن ينظر بنور الله ـ أنّ المترجم راقه ما في الكتاب من الأكاذيب والمخاريق المعربة عن النزعات والأهواء الأمويّة ، فبذلك غدا الذئب للضبع (٢) ، وجاء وقد أدبر غريره وأقبل هريره (٣) ، ووافق شنٌّ طَبَقة.

نعم راقه سلقه أهل بيت النبيّ الطاهر بسقطات القول ، وكذب الحديث ، وسرد تاريخ مفتعل يمسُّ كرامة النبيّ الأقدس ، وناموس عترته ، ممّا يلائم الروح الأمويّة الخبيثة ، ويمثّل آل الله للملإ بصورة مصغّرة ، ويشوّه سمعتهم بما لا يتحمّله ناموس الطبيعة وشرف الإنسانيّة من شراسة الخلق ، وسيّئ العشرة ، وقبح المداراة. قال :

كانت فاطمة عابسةً ، دون رقيّة جمالاً ، ودون زينب ذكاءً ، ولم تدر فاطمة حينما أخبرها أبوها من وراء الستر أنّ عليّ بن أبي طالب ذكر اسمها ، وكانت فاطمة تعدُّ

__________________

(١) الترّهات : الطرق الصغار. البسابس جمع بسبس : الصحراء الواسعة [مثل يضرب لمن أخذ في غير قصد وسلك في الطريق الذي لا ينتفع به. المستقصى في أمثال العرب : ١ / ٤٤٣ رقم ١٨٧٥]. (المؤلف)

(٢) مثل يضرب لقرينَي السوء. (المؤلف)

(٣) الغرير : الخلق الحسن. الهرير : ما يكره من سوء الخلق [مثل سائر يضرب للشيخ إذا ساء خلقه. مجمع الأمثال : ١ / ٤٧٥ رقم ١٤٢٢]. (المؤلف)

٣١

عليّا دميماً محدوداً ، مع عظيم شجاعته ، وما كان عليٌّ أكثر رغبة فيها من رغبتها فيه مع ذلك (ص ١٩٧).

وكان عليٌّ غير بهيّ الوجه لعينيه الكبيرتين الفاترتين ، وانخفاض قصبة أنفه ، وكبر بطنه وصلعه ، وذلك كلّه إلى أنّ عليّا كان شجاعاً ، تقيّا ، صادقاً ، وفيّا ، مخلصاً ، صالحاً مع توانٍ وتردّد ....

وكان عليٌّ ينهت (١) فيستقي الماء لنخيل أحد اليهود في مقابل حفنة تمر ، فكان إذا ما عاد بها قال لزوجته عابساً : كُلي وأطعمي الأولاد ....

وكان عليٌّ يحرد بعد كلّ منافرة ويذهب لينام في المسجد ، وكان حموه يُربِّته على كتفه ويعظه ، ويوفّق بينه وبين فاطمة إلى حين ، وممّا حدث أن رأى النبيّ ابنته في بيته ذات مرّة وهي تبكي من لكم عليّ لها.

إنّ محمداً مع امتداحه قدم عليّ في الإسلام إرضاءً لابنته كان قليل الالتفات إليه ، وكان صهرا النبيّ الأمويّان ـ عثمان الكريم وأبو العاصي ـ أكثر مداراة للنبيّ من عليّ.

وكان عليٌّ يألم من عدم عمل النبيّ على سعادة ابنته ، ومن عدّ النبيّ له غير قوّام بجليل الأعمال ، فالنبيّ وإن كان يفوّض إليه ضرب الرقاب كان يتجنّب تسليم قيادة إليه (ص ١٩٩).

وأسوأ من ذلك ما كان يقع عند مصاقبة عليٍّ وفاطمة لعدوّاتهما أزواج النبيّ ، وتنازع الفريقين ، فكانت فاطمة تعتب على أبيها متحسّرة لأنّه كان لا ينحاز إلى بناته.

إلى غير ذلك من جنايات تاريخيّة سوّد بها الرجل صحيفة كتابه.

__________________

(١) النهيت والنهات : هو الصوت من الصدر عند المشقّة.

٣٢

ما أساء من أعقب

أنا لا ألوم المؤلّف ـ جدع الله مسامعه ـ وإن جاء بأذني عَناق (١) ، إذ هو من قوم حُنّاق على الإسلام ، وهو مع ذلك جرفٌ منهال وسحابٌ منجال (٢) ، ينمُّ كتابه عن عُجره وبُجره. وإنّما العتب كلّ العتب على المترجم الجاني على الإسلام والشرق والعرب وهو يحسب نفسه منها ، نعم جَدْب السوء يُلجئُ إلى نُجعة سوء (٣) ، والجنس إلى الجنس يميل.

كلّ ما في الكتاب من تلكم الأقوال المختلقة ، والنسب المفتعلة إن هي إلاّ كلم الطائش ، تخالف التاريخ الصحيح ، وتضادّ ما أصفقت عليه الأمّة الإسلاميّة ، وما أخبر به نبيّها الأقدس.

هل تناسب تقوّلاته في فاطمة مع قول أبيها صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «فاطمة حوراء إنسيّة ، كلّما اشتقتُ إلى الجنّة قبّلتها» (٤)؟

أو قوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «ابنتي فاطمة حوراء آدميّة» (٥)؟

أوقوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «فاطمة هي الزهرة» (٦)؟

أو قول أمّ أنس بن مالك : كانت فاطمة كالقمر ليلة البدر أو الشمس كفر غماماً ـ إذا خرج من السحاب ـ بيضاء مشربة حمرة ، لها شعر أسود ، من أشدّ الناس برسول الله صلى الله عليه وسلم شبهاً ، والله كما قال الشاعر :

__________________

(١) أي جاء بالكذب والباطل ، مثل سائر [مجمع الأمثال : ١ / ٢٩٠ رقم ٨٥١]. (المؤلف)

(٢) مثل يضرب ، يراد أنّه لا يطمع في خيره [مجمع الأمثال : ١ / ٣١٦ رقم ٩٤٦]. (المؤلف)

(٣) مثل دائر ، يعني أنّ الأمور كلّها تتشاكل في الجودة والرداءة [مجمع الأمثال : ١ / ٣١٦ رقم ٩٤٧]. (المؤلف)

(٤) تاريخ الخطيب البغدادي : ٥ / ٨٧ [رقم ٢٤٨١]. (المؤلف)

(٥) الصواعق : ص ٩٦ [ص ١٦٠] ، إسعاف الراغبين : ص ١٧٢ نقلاً عن النسائي. (المؤلف)

(٦) نزهة المجالس : ٢ / ٢٢٢. (المؤلف)

٣٣

بيضاءُ تَسحبُ من قيامٍ شعرَها

وتغيبُ فيه وهو جَثلٌ أسحمُ (١)

فكأنّها فيه نهارٌ مشرقٌ

وكأنّه ليلٌ عليها مظلمُ (٢)

ولقبها الزهراء المتسالم عليه يكشف عن جليّة الحال.

وهل يساعد تلك التحكّمات في ذكاء فاطمة وخلقها قول أمّ المؤمنين خديجة : كانت فاطمة تحدّث في بطن أمّها ، ولمّا ولدت وقعت حين وقعت على الأرض ساجدة ، رافعةً إصبعها (٣)؟

أو يلائمها قول عائشة : ما رأيت أحداً أشبه سمتاً ، ودَلاّ ، وهدياً ، وحديثاً ، برسول الله في قيامه وقعوده من فاطمة ، وكانت إذا دخلت على رسول الله قام إليها فقبّلها ورحّب بها ، وأخذ بيدها وأجلسها في مجلسه (٤)؟

وفي لفظ البيهقي في السنن (٧ / ١٠١): ما رأيت أحداً أشبه كلاماً وحديثاً من فاطمة برسول الله صلى الله عليه وسلم. الحديث.

وهل توافق مخاريقه في الإمام عليّ ـ صلوات الله عليه ـ وعدم بهاء وجهه ، وعدُّ فاطمة له دميماً وكونه عابساً ، مع ما جاء في جماله البهيّ : أنّه كان حسن الوجه كأنّه قمر ليلة البدر ، وكأنّ عنقه إبريق فضّة (٥) ، ضحوك السنِ (٦) فإن تبسّم فعن مثل

__________________

(١) جثل الشعر : كثر والتفّ واسودّ ، فهو جثل. سحم فهو أسحم : أسود. (المؤلف)

(٢) مستدرك الحاكم : ٣ / ١٦١ [٣ / ١٧٦ ح ٤٧٥٩]. (المؤلف)

(٣) سيرة الملاّ : [ج ٥ / ق ٢ / ٢١١] ، ذخائر العقبى : ص ٤٥ ، نزهة المجالس : ٢ / ٢٢٧.(المؤلف)

(٤) أخرجه الحافظ ابن حبّان [في صحيحه : ١٥ / ٤٠٣ ح ٦٩٥٣] كما في ذخائر العقبى : ص ٤٠ ، والحافظ الترمذي وحسّنه : [سنن الترمذي : ٥ / ٦٥٧ ح ٣٨٧٢] ، والحافظ العراقي في التقريب كما في شرحه له ولابنه : ١ / ١٥٠ ، وابن عبد ربّه في العقد الفريد : ٢ / ٣ [٣ / ٧] ، وابن طلحة في مطالب السؤول : ص ٧ ، إسعاف الراغبين : ص ١٧١. (المؤلف)

(٥) كتاب صفّين : ص ٢٦٢ [ص ٢٣٣] ، الاستيعاب : ٢ / ٤٦٩ [القسم الثالث / ١١٢٣ رقم ١٨٥٥] ، الرياض النضرة : ٢ / ١٥٥ [٣ / ٩٧] ، نزهة المجالس : ٢ / ٢٠٤. (المؤلف)

(٦) تهذيب الأسماء واللغات للإمام النووي [١ / ٣٤٩ رقم ٤٢٩]. (المؤلف)

٣٤

اللؤلؤ المنظوم (١)؟!

وأين هي من قول أبي الأسود الدؤلي من أبيات له :

إذا استقبلتَ وجه أبي ترابِ

رأيتَ البدر حار الناظرينا (٢)

نعم :

حسدوا الفتى إذ لم ينالوا فضلَهُ

فالناسُ أعداءٌ له وخصومُ

كضرائرِ الحسناءِ قلنَ لوجهها

حسداً وبغضاً إنّه لدميمُ

أوَيخبرك ضميرك الحرّ في عليّ ما سلقه الرجل به من التواني والتردُّد؟ وعليٌّ ذلك المتقحّم في الأهوال ، والضارب في الأوساط والأعراض في المغازي والحروب ، وهو الذي كشف الكرب عن وجه رسول الله في كلّ نازلة وكارثة منذ صدع بالدين الحنيف إلى أن بات على فراشه وفداه بنفسه إلى أن سكن مقرّه الأخير.

أليس عليٌّ هو ذلك المجاهد الوحيد الذي نزل فيه قوله تعالى : (أَجَعَلْتُمْ سِقايَةَ الْحاجِّ وَعِمارَةَ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ كَمَنْ آمَنَ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَجاهَدَ فِي سَبِيلِ اللهِ) (٣) ، وقوله تعالى : (وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْرِي نَفْسَهُ ابْتِغاءَ مَرْضاتِ اللهِ) (٤) (٥) ارجاع دارد؟

فمتى خلا عليٌّ عن مقارعة الرجال والذبِّ عن قدس صاحب الرسالة حتى يصحّ أن يُعزى إليه توانٍ أو تردّد في أمر من الأمور؟ غير أنّ القول الباطل لاحدّ له ولا أمد.

__________________

(١) حلية الأولياء : ١ / ٨٤ [رقم ٤] ، تاريخ ابن عساكر : ٧ / ٣٥ [٨ / ٤٧٣ ، وفي مختصر تاريخ دمشق : ١١ / ١٥٨] ، المحاسن والمساوئ : ١ / ٣٢ [ص ٤٧]. (المؤلف)

(٢) تذكرة السبط : ص ١٠٤ [ص ١٨١]. (المؤلف)

(٣) التوبة : ١٩.

(٤) البقرة : ٢٠٧.

(٥) راجع الجزء الثاني من كتابنا : ص ٤٧ ، ٥٣. (المؤلف)

٣٥

وهل يُتصوّر في أمير المؤمنين تلك العِشرة السيّئة مع حليلته الطاهرة؟ والنبيّ يقول له : «أشبهت خَلْقي وخُلُقي وأنت من شجرتي التي أنا منها» (١).

وكيف يراه النبيُّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أفضل أمّته ، وأعظمهم حلماً ، وأحسنهم خلقاً ، ويقول : «عليٌّ خير أمّتي ، أعلمهم علماً ، وأفضلهم حلماً» (٢)؟

ويقول لفاطمة : «إنّي زوّجتكِ أقدم أمّتي سلماً ، وأكثرهم علماً ، وأعظمهم حلماً» (٣).

ويقول لها : «زوّجتكِ أقدمهم سلماً ، وأحسنهم خُلقاً» (٤).

يقول هذه كلّها وعشرته تلك كانت بمرأىً منه ومسمع ، أفك الدجّالون ، كان علىٌّ عليه‌السلام كما أخبر به النبيُّ الصادق الأمين.

وهل يقبل شعورك ما قذف به الرجل ـ فضّ الله فاه ـ عليّا من لَكم فاطمة بضعة المصطفى؟ وعليٌّ هو ذاك المقتصّ أثر الرسول ، وملء مسامعه قوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لفاطمة : «إنّ الله يغضب لغضبكِ ، ويرضى لرضاكِ» (٥).

__________________

(١) تاريخ بغداد للخطيب : ١١ / ١٧١ [رقم ٥٨٧٠]. (المؤلف)

(٢) الطبري ، الخطيب ، الدولابي [الذرّية الطاهرة : ص ٩٣ رقم ٨٣] كما في كنز العمّال : ٦ / ١٥٣ ، ٣٩٢ ، ٣٩٨ [١١ / ٦٠٥ ح ٣٢٩٢٦ ، ١٣ / ١١٤ ح ٣٦٣٧٠ ، ص ١٣٥ ح ٣٦٤٢٣].(المؤلف)

(٣) مسند أحمد : ٥ / ٢٦ [٥ / ٦٦٢ ح ١٩٧٩٦] ، الرياض النضرة : ٢ / ١٩٤ [٣ / ١٤١] ، ذخائر العقبى : ص ٧٨ ، مجمع الزوائد : ٩ / ١٠١ ، ١١٤ ، وصحّحه ووثّق رجاله. (المؤلف)

(٤) أخرجه أبو الخير الحاكمي كما في الرياض النضرة : ٢ / ١٨٢ [٣ / ١٢٨]. (المؤلف) أبو الخير الحاكمي هو أحمد بن إسماعيل الطالقاني المتوفّى سنة ٥٩٠ ، أخرجه في كتابه الأربعون المنتقى في فضائل عليّ المرتضى ، في الباب ٢٨ ح ٣٥ من طريق الحاكم النيسابوري بإسناده عن أنس وفيه : «قد زوّجتكِ أقدمهم إسلاماً وأعظمهم حلماً وأحسنهم خلقاً وأعلمهم بالله علماً». (الطباطبائي)

(٥) مستدرك الحاكم : ٣ / ١٥٤ [٣ / ١٦٧ ح ٤٧٣٠] وصحّحه ، ذخائر العقبى : ص ٣٩ ، تذكرة

٣٦

وقوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وهو آخذ بيدها : «من عرف هذه فقد عرفها ، ومن لم يعرفها فهي بَضعةٌ منّي ، هي قلبي وروحي التي بين جنبيّ ، فمن آذاها فقد آذاني» (١).

وقوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «فاطمة بَضعةٌ منّي ، يريبني ما رابها ، ويؤذيني ما آذاها» (٢).

وقوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «فاطمة بَضعةٌ منّي ، فمن أغضبها فقد أغضبني» (٣).

وقوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «فاطمة بَضعهٌ منّي ، يقبضني مايقبضها ، ويبسطني ما يبسطها» (٤).

وهل يقصر امتداح النبيّ عليّا بقدم إسلامه ، حتى يتفلسف في سرّه ويكون ذلك إرضاءً لابنته؟ على أنّ امتداحه بذلك لو كان لتلك المزعمة لكان يقتصر صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم على قوله لفاطمة في ذلك ، وكان يتأتّى الغرض به ، فلماذا كان يأخذ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بيد عليّ في

__________________

السبط : ص ١٧٥ [ص ٣١٠] ، مقتل الخوارزمي : ١ / ٥٢ ، كفاية الطالب : ص ٢١٩ [ص ٣٦٤ باب ٩٩] ، شرح المواهب للزرقاني : ٣ / ٢٠٢ ، كنوز الدقائق للمناوي : ص ٣٠ [١ / ٥٧] ، أخبار الدول للقرماني هامش الكامل : ١ / ١٨٥ [١ / ٢٥٧] ، كنز العمّال : ٧ / ١١١ [١٣ / ٦٧٤ ح ٣٧٧٢٥] عن الحاكم وابن النجّار ، تهذيب التهذيب : ١٢ / ٤٤٣ [١٢ / ٤٦٩] ، الإصابة : ٤ / ٣٧٨ [رقم ٨٣٠] ، الصواعق : ص ١٠٥ [ص ١٧٥] ، الإسعاف : ص ١٧١ عن الطبراني ، ينابيع المودّة : ص ١٧٣ [١ / ١٧٠ باب ٥٥]. (المؤلف)

(١) الفصول المهمّة : ص ١٥٠ [ص ١٤٤] ، نزهة المجالس : ٢ / ٢٢٨ ، نور الأبصار : ص ٤٥ [ص ٩٦]. (المؤلف)

(٢) صحاح : البخاري [٥ / ٢٠٠٤ ح ٤٩٣٢] ، ومسلم [٥ / ٥٣ ح ٩٣ كتاب فضائل الصحابة] ، والترمذي [٥ / ٦٥٥ ح ٣٨٦٧] ، ومسند أحمد : ٤ / ٣٢٨ [٥ / ٤٣٠ ح ١٨٤٤٧] ، والخصائص للنسائي : ص ٣٥ [خصائص أمير المؤمنين : ص ١٤٦ ح ١٣٣ ، وفي السنن الكبرى : ٥ / ٩٧ ح ٨٣٧٠ كتاب المناقب] ، الإصابة : ٤ / ٣٧٨ [رقم ٨٣٠]. (المؤلف)

(٣) صحيح البخاري [٣ / ١٣٦١ ح ٣٥١٠] ، خصائص النسائي : ص ٣٥ [خصائص أمير المؤمنين : ص ١٤٧ ح ١٣٥ ، وفي السنن الكبرى : ٥ / ٩٧ ح ٨٣٧١ كتاب المناقب]. (المؤلف)

(٤) مسند أحمد : ٤ / ٣٢٣ ، ٣٣٢ [٥ / ٤٢٣ ح ١٨٤٢٨ ، ص ٤٣٥ ح ١٨٤٥١] ، الصواعق : ص ١١٢ [ص ١٨٨]. (المؤلف)

٣٧

الملأ الصحابيّ تارةً ويقول : «إنّ هذا أوّل من آمن بي ، وهذا أوّل من يصافحني يوم القيامة»؟

ولما ذا كان يخاطب أصحابه أخرى بقوله : «أوّلكم وارداً عليَّ الحوض ، أوّلكم إسلاماً : عليّ بن أبي طالب»؟

وكيف خفي هذا السرّ المختلق على الصحابة الحضور والتابعين لهم بإحسان ، فطفقوا يمدحونه عليه‌السلام بهذه الأثارة ، كما يروى عن سلمان الفارسي ، أنس بن مالك ، زيد ابن أرقم ، عبد الله بن عبّاس ، عبد الله بن حجل ، هاشم بن عتبة ، مالك الأشتر ، عبد الله بن هاشم ، محمد بن أبي بكر ، عمرو بن الحمق ، أبي عمرة عديّ بن حاتم ، أبي رافع ، بُريدة ، جندب بن زهير ، وأمّ الخير بنت الحريش (١)؟

وهل القول بقلّة التفات النبيّ إلى عليّ يساعده القرآن الناطق بأنّه نفس النبيّ الطاهر؟ أو جعل مودّته أجر رسالته؟

أو قوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في حديث الطير المشويّ ، الصحيح المرويّ في الصحاح والمسانيد : «اللهمّ ائتني بأحبّ خلقك إليك ليأكل معي»؟

أو قوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لعائشة : «إنّ عليّا أحبّ الرجال إليّ ، وأكرمهم عليَّ ، فاعرفي له حقّه وأكرمي مثواه» (٢)؟

أو قوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «أحبّ الناس إليّ من الرجال عليٌّ» (٣)؟

أو قوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «عليٌّ خير من أتركه بعدي» (٤)؟

__________________

(١) سيأتي في هذا الجزء نصّ كلماتهم. (المؤلف)

(٢) أخرجه الحافظ الخجندي كما في الرياض : ٢ / ١٦١ [٣ / ١٠٤] ، وذخائر العقبى : ص ٦٢. (المؤلف)

(٣) وفي لفظ : أحبّ أهلي. من حديث أسامة. (المؤلف)

(٤) مواقف الإيجي : ٣ / ٢٧٦ [ص ٤٠٩] ، مجمع الزوائد : ٩ / ١١٣. (المؤلف)

٣٨

أو قوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «خير رجالكم عليُّ بن أبي طالب ، وخير نسائكم فاطمة بنت محمد» (١)؟

أو قوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «عليٌّ خير البشر فمن أبى فقد كفر» (٢)؟

أو قوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «من لم يقل عليٌّ خير الناس فقد كفر» (٣)؟

أو قوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في حديث الراية المتّفق عليه : «لأُعطينّ الراية غداً رجلاً يحبّه الله ورسوله ، ويحبّ الله ورسوله»؟

أو قوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «عليٌّ منّي بمنزلة الرأس (رأسي) من بدني(أو جسدي)» (٤)؟

أو قوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «عليٌّ منّي بمنزلتي من ربّي» (٥)؟

أو قوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «عليٌّ أحبّهم إليّ ، وأحبّهم إلى الله» (٦)؟

أو قوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «أنا منك وأنت منّي. أو : أنت منّي وأنا منك» (٧)؟

أو قوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «عليٌّ منّي وأنا منه ، وهو وليُّ كلّ مؤمن بعدي» (٨)؟

__________________

(١) تاريخ بغداد للخطيب : ٤ / ٣٩٢ [رقم ٢٢٨٠]. (المؤلف)

(٢) تاريخ الخطيب عن جابر [٧ / ٤٢١ رقم ٣٩٨٤] ، كنوز الحقائق هامش الجامع الصغير : ٢ / ١٦ ، كنز العمّال : ٦ / ١٥٩ [١١ / ٦٢٥ ح ٣٣٠٤٥]. (المؤلف)

(٣) تاريخ الخطيب البغدادي : ٣ / ١٩٢ [رقم ١٢٣٤] عن مسعود ، كنز العمّال : ٦ / ١٥٩ [١١ / ٦٢٥ ح ٣٣٠٤٦]. (المؤلف)

(٤) تاريخ الخطيب : ٧ / ١٢ [رقم ٣٤٧٥] ، الرياض النضرة : ٢ / ١٦٢ [٣ / ١٠٥] ، الصواعق : ص ٧٥ [ص ١٢٥] ، الجامع الصغير للسيوطي [٢ / ١٧٧ ح ٥٥٩٦] ، شرح العزيزي : ٢ / ٤١٧ [السراج المنير : ٢ / ٤٥٩] ، فيض القدير : ٤ / ٣٥٧ [ح ٥٥٩٦] ، نور الأبصار : ص ٨٠ [ص ١٦٣] ، مصباح الظلام : ٢ / ٥٦ [٢ / ١٣٥ ح ٤٠٥]. (المؤلف)

(٥) الرياض النضرة : ٢ / ١٦٣ [٣ / ١٠٦] ، السيرة الحلبية : ٣ / ٣٩١ [٣ / ٣٦٢]. (المؤلف)

(٦) تاريخ الخطيب : ١ / ١٦٠ [رقم ١٠]. (المؤلف)

(٧) مسند أحمد : ٥ / ٢٠٤ [٦ / ٢٦٥ ح ٢١٢٧٠] ، خصائص النسائي : ص ٣٦ ، ص ٥١ [خصائص أمير المؤمنين : ص ٨٧ ح ٧٠ ، ص ١٤٩ ح ١٣٨ ، وفي السنن الكبرى : ٥ / ١٢٧ ح ٨٤٥٥]. (المؤلف)

(٨) مسندأحمد : ٥ / ٣٥٦ [٦ / ٤٨٩ ح ٢٢٥٠٣] ، وأخرجه جمع من الحفّاظ بإسناد صحيح يأتي. (المؤلف)

٣٩

أو قوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في حديث البعث بسورة البراءة المجمع على صحّته : «لا يذهب بها إلاّ رجل منّي وأنا منه» (١)؟

أو قوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «لحمك لحمي ، ودمك دمي ، والحقّ معك» (٢)؟

أو قوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «مامن نبيٍّ إلاّ وله نظير في أمّته ، وعليٌّ نظيري» (٣)؟

أو ما صحّحه الحاكم وأخرجه الطبراني عن أمّ سلمة ، قالت : كان رسول الله إذا أُغضب ، لم يجترئ أحدٌ أن يكلّمه غير عليّ (٤)؟

أو قول عائشة : والله ما رأيت أحداً أحبّ إلى رسول الله من عليّ ، ولا في الأرض امرأة كانت أحبّ إليه من امرأته (٥)؟

أو قول بريدة وأُبيّ : أحبُّ الناس إلى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم من النساء فاطمة ، ومن الرجال عليٌ (٦)؟

أو حديث جُميع بن عمير ، قال : دخلت مع عمّتي على عائشة ، فسألت : أيّ

__________________

(١) خصائص النسائي : ص ٨ [خصائص أمير المؤمنين : ص ٤٩ ح ٢٤ ، وفي السنن الكبرى : ٥ / ١١٣ ح ٨٤٠٩] ، راجع : ١ / ٤٨ من كتابنا. (المؤلف)

(٢) المحاسن والمساوئ : ١ / ٣١ [ص ٤٤] ، كفاية الطالب : ص ١٣٥ [ص ٢٦٥ باب ٦٢] ، مناقب الخوارزمي : ص ٧٦ ، ٨٣ ، ٨٧ [ص ١٢٩ ح ١٤٣ ، ص ١٤٢ ح ١٦٣ ، ص ١٤٥ ح ١٧٠] ، فرائد السمطين [١ / ٤٣ باب ٢ ح ٧ ، ص ٣٣٢ باب ٦١ ح ٢٥٧]. (المؤلف)

(٣) الرياض النضرة : ٢ / ١٦٤ [٣ / ١٠٨]. (المؤلف)

(٤) مستدرك الحاكم : ٣ / ١٣٠ [٣ / ١٤١ ح ٤٦٤٧] ، الصواعق : ص ٧٣ [ص ١٢٣] ، تاريخ الخلفاء للسيوطي : ص ١١٦ [ص ١٦١]. (المؤلف)

(٥) مستدرك الحاكم : ٣ / ١٥٤ [٣ / ١٦٧ ح ٤٧٣١] وصحّحه ، العقد الفريد : ٢ / ٢٧٥ [٤ / ١٢٣] ، خصائص النسائي : ص ٢٩ [خصائص أمير المؤمنين : ص ١٢٧ ح ١١١ ، وفي السنن الكبرى : ٥ / ١٣٩ ح ٨٤٩٦] ، الرياض النضرة : ٢ / ١٦١ [٣ / ١٠٤]. (المؤلف)

(٦) خصائص النسائي : ص ٢٩ [خصائص أمير المؤمنين : ص ١٢٨ ح ١١٣ ، وفي السنن الكبرى : ٥ / ١٤٠ ح ٨٤٩٨] ، مستدرك الحاكم : ٣ / ١٥٥ [٣ / ١٦٨ ح ٤٧٣٥ ، وكذا في تلخيصه] صحّحه هو والذهبي ، جامع الترمذي : ٢ / ٢٢٧ [٥ / ٦٥٥ ح ٣٨٦٨]. (المؤلف)

٤٠