الغدير في الكتاب والسنّة والأدب - ج ٣

الشيخ عبد الحسين أحمد الأميني النجفي

الغدير في الكتاب والسنّة والأدب - ج ٣

المؤلف:

الشيخ عبد الحسين أحمد الأميني النجفي


المحقق: مركز الغدير للدّراسات الإسلاميّة
الموضوع : العقائد والكلام
الناشر: مركز الغدير للدراسات الإسلامية
المطبعة: باقري
الطبعة: ١
الصفحات: ٥٧٦

عنه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم (١) فأيُّ أحد يُوازيه أو يُضاهيه أو يقرب منه في شيء من العلم؟ وهذا الحديث ممّا لا شكَّ في صدوره عن مصدر النبوّة ، وقد أفرده بتدوين طرقه غير واحد في مؤلَّفات مستقلّة.

وبعده صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عائشة ، فإنَّها قالت : عليٌّ أعلم الناس بالسنّة (٢).

وعمر بقوله : عليٌّ أقضانا (٣).

وقوله : أقضانا عليٌ (٤).

__________________

وأقدم منه واشمل ما ألّفه البطل العملاق الحجّة المجاهد السيد حامد حسين اللكهنوي المتوفّى سنة ١٣٠٦ ، فقد خصّص مجلّدين ضخمين من موسوعته القيّمة عبقات الأنوار بهذا الحديث ، مجلّداً في جمع طرقه ومصادره ومجلداً في تصحيحه ودلالته وتفنيد الشكوك والشبه. والأجود من ذلك كلّه تعريب العبقات وتلخيصه لزميلنا العلاّمة المحقّق السيّد علي الميلاني دام موفّقاً ، فقد أربى على من تقدّمه ، وحصل على مصادر وطرق لم تكن في متناول أيدي السابقين وقد شغلت دراسته الشاملة لهذا الحديث ثلاثة أجزاء من موسوعته الخالدة نفحات الأزهار في تلخيص وتعريب عبقات الأنوار المطبوع مؤخّراً في قم ، وهي الجزء العاشر والحادي عشر والثاني عشر منه. (الطباطبائي)

(١) أخرجه كثير من الحفّاظ بعدّة طرق ، وصحّحه الطبري ، وابن معين [في معرفة الرجال : ١ / ٧٩ رقم ٢٣١] ، والحاكم [في المستدرك على الصحيحين : ٣ / ١٣٧ ح ٤٦٣٧] ، والخطيب [في تاريخ بغداد : ١١ / ٤٨ رقم ٥٧٢٨] ، والسيوطي [في تاريخ الخلفاء : ص ١٥٩] وغيرهم. (المؤلف)

(٢) الاستيعاب : ٣ / ٤٠ هامش الإصابة [الاستيعاب : القسم الثالث / ١١٠٤ رقم ١٨٥٥] ، الرياض النضرة : ٢ / ١٩٣ [٣ / ١٤١] ، مناقب الخوارزمي : ص ٥٤ [ص ٩١ ح ٨٤] ، الصواعق : ص ٧٦ [ص ١٢٧] ، تاريخ الخلفاء : ص ١١٥ [ص ١٦٠]. (المؤلف)

(٣) حلية الأولياء : ١ / ٦٥ [رقم ٤] ، طبقات ابن سعد : ص ٤٥٩ ، ٤٦٠ ، ٤٦١ [٢ / ٣٣٩ ، ٣٤٠] الاستيعاب : ٤ / ٣٨ ، ٣٩ هامش الإصابة [الاستيعاب : القسم الثالث / ١١٠٢ رقم ١٨٥٥] ، تاريخ ابن كثير : ٧ / ٣٥٩ [٧ / ٣٩٧ حوادث سنة ٤٠ ه‍] وقال : ثبت عن عمر ، أسنى المطالب للجزري : ص ١٤ [ص ٧٢] ، تاريخ الخلفاء للسيوطي : ص ١١٥ [ص ١٦٠]. (المؤلف)

(٤) طبقات ابن سعد : ص ٨٦٠ [٢ / ٣٣٩] ، الاستيعاب : ٣ / ٤١ [القسم الثالث / ١١٠٤ رقم ١٨٥٥] ، تاريخ ابن عساكر : ٢ / ٣٢٥ [١٢ / ٣٣٠] ، مطالب السؤول : ص ٣٠ ، الرياض النضرة : ٢ / ١٩٨ ، ٢٤٤ [٣ / ١٤٧ ، ٢٠٤]. (المؤلف)

١٤١

ولعمر كلماتٌ مشهورةٌ تعرب عن غاية احتياجه في العلم إلى أمير المؤمنين ، منها قوله غير مرّة : لو لا عليٌّ لهلك عمر (١).

وقوله : اللهمَّ لا تبقني لمعضلة ليس لها ابن أبي طالب (٢).

وقوله : لا أبقاني الله بأرض لستَ فيها أبا الحسن (٣).

وقوله : لا أبقاني الله بعدك يا عليُ (٤).

وقوله : أعوذ بالله من معضلة ولا أبو حسن لها (٥).

وقوله : أعوذ بالله أن أعيش في قوم لستَ فيهم يا أبا الحسن (٦).

وقوله : أعوذ بالله أن أعيش في قومٍ ليس فيهم أبو الحسن (٧).

وقوله : اللهمّ لا تنزل بي شديدة إلاّ وأبو الحسن إلى جنبي (٨).

__________________

(١) أخرجه أحمد والعقيلي وابن السمّان ، ويوجد في الاستيعاب : ٣ / ٣٩ [القسم الثالث / ١١٠٣ رقم ١٨٥٥] ، الرياض : ٢ / ١٩٤ [٣ / ١٤٢] ، تفسير النيسابوري في سورة الأحقاف [مج ١١ / ج ٢٦ / ١٠] ، مناقب الخوارزمي : ص ٤٨ [ص ٨٠ ح ٦٥] ، شرح الجامع الصغير للشيخ محمد الحفني : ص ٤١٧ هامش السراج المنير [٢ / ٤٥٩] ، تذكرة السبط : ص ٨٧ [ص ١٤٧] ، مطالب السؤول : ص ١٣ ، فيض القدير : ٤ / ٣٥٧. (المؤلف)

(٢) تذكرة السبط : ص ٨٧ [ص ١٤٨] ، مناقب الخوارزمي : ص ٥٨ [ص ٩٧ ح ٩٨] ، مقتل الخوارزمي : ١ / ٤٥. (المؤلف)

(٣) إرشاد الساري : ٣ / ١٩٥ [٤ / ١٣٦]. (المؤلف)

(٤) الرياض النضرة : ٢ / ١٩٧ [٤ / ١٤٦] ، مناقب الخوارزمي : ص ٦٠ [ص ١٠١ ح ١٠٤] تذكرة السبط : ص ٨٨ [ص ١٤٨] ، فيض القدير : ٤ / ٣٥٧. (المؤلف)

(٥) تاريخ ابن كثير : ٧ / ٣٥٩ [٧ / ٣٩٧ حوادث سنة ٤٠ ه‍] ، الفتوحات الإسلامية : ٢ / ٣٠٦. (المؤلف)

(٦) الرياض النضرة : ٢ / ١٩٧ [٣ / ١٤٦] ، منتخب كنز العمّال هامش مسند أحمد : ٢ / ٣٥٢ [منتخب كنز العمّال : ٢ / ٤٠٠]. (المؤلف)

(٧) فيض القدير : ٤ / ٣٥٧ ، قال : أخرج الدارقطني عن أبي سعيد : أنّ عمر كان يسأل عليّا عن شيءٍ فأجابه. فقال عمر : أعوذ بالله ... إلخ. (المؤلف)

(٨) أخرجه ابن البختري كما في الرياض : ٢ / ١٩٤ [٣ / ١٤٢]. (المؤلف)

١٤٢

وقوله : لا بقيت لمعضلة ليس لها أبو الحسن.

ترجمة عليّ بن أبي طالب (ص ٧٩).

وقوله : لا أبقاني الله إلى أن أدرك قوماً ليس فيهم أبو الحسن (١).

حاشية شرح العزيزي (٢ / ٤١٧) ، مصباح الظلام (٢ / ٥٦).

وقال سعيد بن المسيّب : كان عمر يتعوّذ بالله من معضلة ليس لها أبو الحسن (٢).

وقال معاوية : كان عمر إذا أشكل عليه شيءٌ أخذه منه (٣).

ولمّا بلغ معاوية قتل الإمام قال : لقد ذهب الفقه والعلم بموت ابن أبي طالب! أخرجه أبو الحجّاج البلوي في كتابه ألف باء (١ / ٢٢٢).

ثمّ الإمام السبط الحسن الزكيّ ، فإنَّه قال في خطبة له : «لقد فارقكم رجلٌ بالأمس لم يسبقه الأوّلون ، ولا يدركه الآخرون بعلم» (٤).

وقال ابن عبّاس حبر الأمّة : والله لقد أُعطي عليُّ بن أبي طالب تسعةَ أعشار

__________________

(١) حاشية السراج المنير للشيخ محمد الحفني : ٢ / ٤٥٨ ، مصباح الظلام وبهجة الأنام للجرداني : ٢ / ١٣٦.

(٢) أخرجه أحمد في المناقب [ص ١٥٥ ح ٢٢٢] ، ويوجد في الاستيعاب هامش الإصابة : ٣ / ٣٩ [الاستيعاب : القسم الثالث / ١١٠٢ رقم ١٨٥٥] ، صفة الصفوة : ١ / ١٢١ [١ / ٣١٤] ، الرياض النضرة : ٢ / ١٩٤ [٣ / ١٤٢] ، تذكرة السبط : ص ٨٥ [ص ١٤٤] ، طبقات الشافعية للشيرازي : ص ١٠ [طبقات الفقهاء : ص ٤٢] ، الإصابة : ٢ / ٥٠٩ [رقم ٥٦٨٨] ، الصواعق : ص ٧٦ [ص ١٢٧] ، فيض القدير : ٤ / ٣٥٧ ، ألف باء : ١ / ٢٢٢. (المؤلف)

(٣) مناقب أحمد [ص ١٥٥ ح ٢٢٢] ، الرياض النضرة : ٢ / ١٩٥ [٣ / ١٤٣]. (المؤلف)

(٤) أخرجه أحمد [في مسنده : ١ / ٣٢٨ ح ١٧٢١] كما في تاريخ ابن كثير : ٧ / ٣٣٢ [٧ / ٣٦٨ حوادث سنة ٤٠ ه‍] ، وأبو نعيم في الحلية : ١ / ٦٥ [رقم ٤] ، وابن أبي شيبة [في المصنّف : ١٢ / ٦٨ ح ١٢١٤٣] كما في ترتيب جمع الجوامع : ٦ / ٤١٢ [كنز العمّال : ١٣ / ١٩٢ ح ٣٦٧٤] ، وأبو الفرج ابن الجوزي في صفة الصفوة : ١ / ١٢١ [١ / ٣١٣]. (المؤلف)

١٤٣

العلم ، وايم الله لقد شارككم في العشر العاشر (١).

وقال : ما علمي وعلم أصحاب محمد في علم عليٍّ رضى الله عنه إلاّ كقطرة في سبعة أبحر (٢)).

وقال : العلم ستّة أسداس ، لعليٍّ من ذلك خمسة أسداس وللناس سدسٌ ، ولقد شاركنا في السدس حتى لَهو أعلم به منّا (٣).

وقال ابن مسعود : قسّمت الحكمة عشرة أجزاء ، فأُعطي عليٌّ تسعة أجزاء والناس جزءاً واحداً ، وعليٌّ أعلمهم بالواحد منها (٤).

وقال : أعلم أهل المدينة بالفرائض عليّ بن أبي طالب (٥).

وقال : كنّا نتحدّث أنَّ أقضى أهل المدينة عليٌ (٦).

وقال : أفرض أهل المدينة وأقضاها عليٌ (٧).

وقال : إنَّ القرآن أُنزل على سبعة أحرف ، ما منها حرفٌ إلاّ وله ظهرٌ وبطنٌ ،

__________________

(١) الاستيعاب : ٣ / ٤٠ [القسم الثالث / ١١٠٤ رقم ١٨٥٥] ، الرياض : ٢ / ١٩٤ [٣ / ١٤١] ، مطالب السؤول : ص ٣٠. (المؤلف)

(٢) راجع الجزء الثاني من كتابنا : ص ٤٤ ، ٤٥. (المؤلف)

(٣) مناقب الخوارزمي : ص ٥٥ [ص ٩٢ ح ٨٨ ، ٨٩] ، فرائد السمطين في الباب ال ٦٨ بطريقين [١ / ٣٦٩ ح ٢٩٨]. (المؤلف)

(٤) كنز العمّال : ٥ / ١٥٦ ، ٤٠١ [١١ / ٦١٥ ح ٣٢٩٨٢ ، ١٣ / ١٤٦ ح ٣٦٤٦١] نقلاً عن غير واحد من الحفّاظ. (المؤلف)

(٥) الاستيعاب : ٣ / ٤١ [القسم الثالث / ١١٠٥ رقم ١٨٥٥] ، الرياض : ٢ / ١٩٤ [٣ / ١٤١]. (المؤلف)

(٦) مستدرك الحاكم : ٣ / ١٣٥ [٣ / ١٤٥ ح ٤٦٥٦] وصحّحه ، الاستيعاب : ٣ / ٤١ [القسم الثالث / ١١٠٥ رقم ١٨٥٥] ، أسنى المطالب للجزري : ص ١٤ [ص ١٢٧] ، تمييز الطيِّب من الخبيث لابن الديبع : ص ٢٥ [ص ٣٤ ح ١٨٤] ، الصواعق : ص ٧٦ [ص ١٢٧]. (المؤلف)

(٧) مستدرك الحاكم [٣ / ١٤٥ ح ٤٦٥٦] ، الرياض : ٢ / ١٩٨ [٣ / ١٤١] ، الصواعق : ص ٧٦ [ص ١٢٧] ، تاريخ الخلفاء للسيوطي : ص ١١٥ [ص ١٦٠]. (المؤلف)

١٤٤

وإنَّ عليّ بن أبي طالب عنده منه الظاهر والباطن. مفتاح السعادة ((١) ١ / ٤٠٠).

وقال هشام بن عتيبة في عليّ عليه‌السلام : هو أوّل من صلّى مع رسول الله ، وأفقهه في دين الله ، وأَولاه برسول الله (٢).

وسُئل عطاء : أكان في أصحاب محمد أحد أعلم من عليّ؟ قال : لا والله ما أعلمه (٣).

وقال عديّ بن حاتم في خطبة له : والله لئن كان إلى العلم بالكتاب والسنّة ، إنَّه ـ يعني عليّا ـ لأعلم الناس بهما ، ولئن كان إلى الإسلام ، إنَّه لأخو نبيِّ الله والرأس في الإسلام ، ولئن كان إلى الزهد والعبادة ، إنَّه لأظهر الناس زهداً وأنهكهم عبادةً ، ولئن كان إلى العقول والنحائز (٤) ، إنَّه لأشدُّ الناس عقلاً ، وأكرمهم نحيزةً (٥).

وقال عبد الله بن حجل في خطبة له : أنت أعلمنا بربِّنا ، وأقربنا بنبيِّنا ، وخيرنا في ديننا (٦).

وقال أبو سعيد الخدري : أقضاهم عليّ. وأخرج عبد الرزاق (٧) عن قتادة مثله. فتح الباري (٨) (٨ / ١٣٦).

وقد امتدح جمعٌ من الصحابة أمير المؤمنين عليه‌السلام في شعرهم بالأعلميّة ، كحسّان

__________________

(١) مفتاح السعادة : ٢ / ٥٦.

(٢) كتاب صفّين لنصر بن مزاحم : ص ٤٠٣ [ص ٣٥٥]. (المؤلف)

(٣) الاستيعاب : ٣ / ٤٠ [القسم الثالث / ١١٠٤ رقم ١٨٥٥] ، الرياض النضرة : ٢ / ١٩٤ [٣ / ١٤١] ، ألف باء : ١ / ٢٢٢ ، الفتوحات الإسلامية : ٢ / ٣٣٧. (المؤلف)

(٤) النحائز ـ جمع النحيزة ـ : الطبيعة. (المؤلف)

(٥) جمهرة خطب العرب : ١ / ٢٠٢ [١ / ٣٧٩ رقم ٢٦٧]. (المؤلف)

(٦) جمهرة الخطب : ١ / ٢٠٣ [١ / ٣٨٠ رقم ٢٦٨]. (المؤلف)

(٧) المصنّف : ١١ / ٢٢٥ ح ٢٠٣٨٧.

(٨) فتح الباري : ٨ / ١٦٧.

١٤٥

ابن ثابت ، وفضل بن عبّاس ، وتبعهم في ذلك أمّة كبيرة من شعراء القرون الأولى ، لا نطيل بذكرهم المقام.

والأمّة بعد أولئك كلّهم مجمعةٌ على تفضيل أمير المؤمنين عليه‌السلام على غيره بالعلم ، إذ هو الذي ورث علم النبيِّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وقد ثبت عنه بعدّة طرق قوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : إنَّه وصيّه ووارثه. وفيه قال عليٌّ : «وما أرث منك يا نبيَّ الله؟ قال : ما ورّث الأنبياء من قبلي. قال : وما ورّث الأنبياء من قبلك؟ قال : كتاب الله وسنّة نبيِّهم».

قال الحاكم في المستدرك (١) (٣ / ١٢٦) في ذيل حديث وراثته النبيَّ دون عمِّه العبّاس ما نصّه : لا خلاف بين أهل العلم أنَّ ابن العمّ لا يرث مع العمِّ ، فقد ظهر بهذا الإجماع أنَّ عليّا ورث العلم من النبيِّ دونهم.

وبهذه الوراثة الثابتة صحَ عن عليّ عليه‌السلام قوله : «والله إنّي لأخوه ، ووليّه ، وابن عمِّه ، ووارث علمه ، فمن أحقُّ به منّي؟» (٢).

وهذه الوراثة هي المتسالم عليها بين الصحابة ، وقد وردت في كلام كثير منهم. وكتب محمد بن أبي بكر إلى معاوية فيما كتب : يا لك الويل ، تعدل نفسك بعليّ ، وهو وارث رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ووصيّه (٣)!

فلينظر الرجل الآن إلى من يوجّه قوارصه وقذائفه؟ وما حكم من يقول ذلك ، ومن المفضّلين النبيُّ الأعظم صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم؟ وأمّا حكم من يقع في الصحابة ، وفيمن يقع في الإمام السبط الحسن ، وعائشة ، وعمر بن الخطاب ، وحبر الأمّة ابن عبّاس ونظرائهم ، فالمرجع فيه زملاء الرجل وعلماء مذهبه.

__________________

(١) المستدرك على الصحيحين : ٣ / ١٣٦ ح ٤٦٣٤.

(٢) خصائص النسائي : ص ١٨ [ص ٨٣ ح ٦٥ ، وفي السنن الكبرى : ٥ / ١٢٥ ح ٨٤٥٠] ، مستدرك الحاكم : ٣ / ١٢٦ [٣ / ١٣٦ ح ٤٦٣٥ ، وكذا في تلخيصه] صحّحه هو والذهبي. (المؤلف)

(٣) كتاب صفّين لنصر بن مزاحم : ص ١٣٣ [ص ١١٩] ، مروج الذهب : ٢ / ٥٩ [٣ / ٢١]. (المؤلف)

١٤٦

٣ ـ قال : من قول الإماميّة كلّها قديماً وحديثاً : إنَّ القرآن مبدَّلٌ ، زيد فيه ما ليس منه ، ونقص منه كثيرٌ ، وبُدّل منه كثيرٌ ، حاشا عليّ بن الحسن (١) بن موسى بن محمد ، وكان إماميّا يظاهر بالاعتزال مع ذلك ، فإنَّه كان ينكر هذا القول ويكفِّر من قاله.

الجواب : ليت هذا المجترئ أشار إلى مصدر فريته من كتاب للشيعة موثوق به ، أو حكاية عن عالم من علمائهم تقيم له الجامعة وزناً ، أو طالبٍ من روّاد علومهم ولو لم يعرفه أكثرهم ، بل نتنازل معه إلى قول جاهل من جهّالهم ، أو قرويّ من بسطائهم ، أو ثرثار كمثل هذا الرجل يرمي القول على عواهنه.

لكن القارئ إذا فحص ونقّب لا يجد في طليعة الإماميّة إلاّ نُفاة هذه الفرية ، كالشيخ الصدوق في عقائده (٢) ، والشيخ المفيد (٣) ، وعلم الهدى الشريف المرتضى (٤) الذي اعترف له الرجل بنفسه بذلك ، وليس بمتفرّد عن قومه في رأيه كما حسبه المغفَّل ، وشيخ الطائفة الطوسي في التبيان (٥) ، وأمين الإسلام الطبرسي في مجمع البيان (٦) وغيرهم.

فهؤلاء أعلام الإماميّة وحملة علومهم ، الكالئون لنواميسهم وعقائدهم قديماً وحديثاً ، يوقفونك على مَين الرجل فيما يقول ، وهذه فرق الشيعة وفي مقدَّمهم الإماميّة مجمعة على أنَّ ما بين الدفّتين هو ذلك الكتاب الذي لا ريب فيه ، وهو المحكوم بأحكامه ليس إلاّ.

__________________

(١) كذا في الفصَل [٤ / ١٨٢] والمحكي عنه في كتب العامّة ، والصحيح : عليّ بن الحسين ، وهو الشريف علم الهدى المرتضى. (المؤلف)

(٢) الاعتقادات في دين الإماميّة : ص ٥٩ باب ٣٣.

(٣) أوائل المقالات : ص ٩٣ ـ ٩٥.

(٤) أمالي السيد المرتضى : ٢ / ٨٤.

(٥) التبيان في تفسير القرآن : ١ / ٣ المقدّمة.

(٦) مجمع البيان : ٦ / ٥٠٨.

١٤٧

وإن دارت بين شدقي أحد من الشيعة كلمة التحريف فهو يريد التأويل بالباطل بتحريف الكلم عن مواضعه ، لا الزيادة والنقيصة ، ولا تبديل حرف بحرف ، كما يقول التحريف بهذا المعنى هو وقومه ، ويرمون به الشيعة. كما مرَّ (ص ٨٠).

٤ ـ قال : من الإماميّة من يجيز نكاح تسع نسوة ، ومنهم من حرّم الكُرُنْب لأنَّه نبت على دم الحسين ، ولم يكن قبل ذلك. (٤ / ١٨٢).

الجواب : كنت أودّ أن لا يكتب هذا الرجل عزوه المختلق في النكاح قبل مراجعة فقه الإماميّة ، حتى يعلم أنَّهم جمعاء ـ من غير استثناء أحد ـ لا يبيحون نكاح أكثر من أربع ، فإنّ النكاح بالتسع من مختصّات النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وليس فيه أيّ خلاف بينهم وبين العامّة.

ولولا أنَّ هذه نسبة مائنة إلى بعض الإماميّة لدلَّ القارئ عليه ونوّه باسمه أو بكتابه ، لكنه لم يعرفه ولا قرأ كتابه ولا سمعت أذناه ذكره ، غير أنّ حقده المحتدم أبى إلاّ أن يفتري على بعضهم ، حيث لم تسعه الفرية على الجميع.

كما كنت أودّ أن لا يُملي عن الكُرُنب حديثاً يفتري به قبل استطراقه بلاد الشيعة ، حتى يجدهم كيف يزرعون الكُرُنب ويستمرءون أكله مزيجاً بمطبوخ الأرز ومقليّ القمح ـ البُرغُل ـ يفعل ذلك علماؤهم والعامّة منهم ، وأعاليهم وساقتهم ، وما سمعت أذنا أحد منهم كلمة حظر عن أحد منهم ، ولا نقل عن محدّث ، أو مؤرخ ، أو لغويّ ، أو قصّاص ، أو خضروي ، بأنَّه نبت على دم الحسين عليه‌السلام ولم يكن قبل ذلك.

لكن الرجل ليس بمنتأىً عن الكذب ، وإن طرق البلاد وشاهد ذلك كلّه بعينه ، لأنّه أراد في خصوص المقام تشويه سمعة القوم بكذب لا يشاركه فيه أحدٌ من قومه.

٥ ـ قال : وجدنا عليّا رضى الله عنه تأخّر عن البيعة ستّة أشهر ، فما أكرهه أبو بكر على البيعة حتى بايع طائعاً مراجعاً غير مكره (ص ٩٦). وقال (ص ٩٧) : وأظرف من هذا كلّه بقاء عليّ ممسكاً عن بيعة أبي بكر رضى الله عنه ستّة أشهر ، فما سُئِلها ولا أُجبر عليها

١٤٨

ولا كُلّفها ، وهو متصرّفٌ بينهم في أموره ، فلو لا أنَّه رأى الحقَّ فيها واستدرك أمره ، فبايع طالباً حظَّ نفسه في دينه راجعاً إلى الحقّ لما بايع.

دعا الأنصار إلى بيعة سعد بن عبادة ، ودعا المهاجرون الى بيعة أبي بكر ، وقعد عليّ رضى الله عنه في بيته لا إلى هؤلاء ولا إلى هؤلاء ، ليس معه أحد غير الزبير بن العوام ، ثمَّ استبان الحقّ للزبير رضى الله عنه فبايع سريعاً ، وبقي عليّ وحده لا يرقب عليه.

الجواب : أنا لا أحوم حول هذا الموضوع ، ولا أولّي وجهي شطر هذه الأكاذيب الصريحة ، ولا أقابل هذا التدجيل والتمويه على الحقيقة والجناية على الإسلام وتاريخه ، لكنّي أقول : إقرأ هذا ثمّ انظر إلى ما ذكره الأستاذ الفذّ عبد الفتّاح عبد المقصود في كتابه ـ الإمام عليّ بن أبي طالب (١) (ص ٢٢٥) ـ فإنَّه زبدة المخض ، قال :

واجتمعت جموعهم آونة في الخفاء وأخرى على ملأ يدعون إلى ابن أبي طالب ، لأنَّهم رأوه أولى الناس بأن يلي أمور الناس ، ثمَّ تألّبوا حول داره يهتفون باسمه ويدعونه أن يخرج إليهم ليردّوا عليه تراثه المسلوب ، ... فإذا المسلمون أمام هذا الحدث مخالف أو نصير ، وإذا بالمدينة حزبان ، وإذا بالوحدة المرجوّة شقّان أوشكا على انفصال ، ثمَّ لا يعرف غير الله ما سوف تؤول إليه بعد هذا الحال ، ... فهلاّ كان عليّ كابن عبادة حريّا في نظر ابن الخطّاب بالقتل حتى لا تكون فتنة ولا يكون انقسام؟

كان هذا أولى بعنف عمر إلى جانب غيرته على وحدة الإسلام ، وبه تحدّث الناس ولهجت الألسن كاشفة عن خلجات خواطر جرت فيها الظنون مجرى اليقين ، فما كان لرجل أن يجزم أو يعلم سريرة ابن الخطّاب ، ولكنَّهم جميعاً ساروا وراء الخيال ، ولهم سند ممّا عرف عن الرجل دائماً من عنف ومن دفعات ، ولعلَّ فيهم من

__________________

(١) المجموعة الكاملة للإمام عليّ بن أبي طالب عليه‌السلام : مج ١ / ج ١ / ١٨٩ ـ ١٩١.

١٤٩

سبق بذهنه الحوادث على متن الاستقراء ، فرأى بعين الخيال قبل رأي العيون ثبات عليّ أمام وعيد عمر لو تقدّم هذا منه يطلب رضاءه وإقراره لأبي بكر بحقّه في الخلافة ، ولعلّه تمادى قليلاً في تصوّر نتائج هذا الموقف وتخيّل عقباه ، فعاد بن تيجة لازمة لا معدى عنها ، هي خروج عمر عن الجادّة ، وأخذه هذا المخالف العنيد بالعنف والشدّة!

وكذلك سبقت الشائعات خطوات ابن الخطّاب ذلك النهار ، وهو يسير في جمع من صحبه ومعاونيه إلى دار فاطمة ، وفي باله أن يحمل ابن عمّ رسول الله ـ إن طوعاً وإن كرهاً ـ على إقرار ما أباه حتى الآن. وتحدّث أناس بأنَّ السيف سيكون وحده متن الطاعة! ... وتحدّث آخرون بأنَّ السيف سوف يلقى السيف! ... ثمَّ تحدّث غير هؤلاء وهؤلاء بأنّ النار هي الوسيلة المثلى إلى حفظ الوحدة وإلى الرضا والإقرار! ... وهل على ألسنة الناس عقال يمنعها أن تروي قصّة حطب أمر به ابن الخطّاب فأحاط بدار فاطمة ، وفيها عليٌّ وصحبه ، ليكون عدة الإقناع أو عدة الإيقاع؟

على أنَّ هذه الأحاديث جميعها ومعها الخطط المدبَّرة أو المرتجلة كانت كمثل الزبد ، أسرع إلى ذهاب ومعها دفعة ابن الخطّاب ... أقبل الرجل محنقاً مندلع الثورة على دار عليّ ، وقد ظاهره معاونوه ومن جاء بهم فاقتحموها أو أوشكوا على اقتحام ، فإذا وجهٌ كوجه رسول الله يبدو بالباب حائلاً من حزن ، على قسماته خطوط آلام ، وفي عينيه لمعات دمع ، وفوق جبينه عبسة غضب فائر وحنق ثائر ...

وتوقّف عمر من خشية وراحت دفعته شعاعاً ، وتوقّف خلفه أمام الباب صحبه الذين جاء بهم ، إذ رأوا حيالهم صورة الرسول تطالعهم من خلال وجه حبيبته الزهراء ، وغضّوا الأبصار من خزيٍ أو من استحياء ، ثمَّ ولّت عنهم عزمات القلوب وهم يشهدون فاطمة تتحرّك كالخيال وئيداً وئيداً بخطوات المحزونة الثكلى ، فتقترب من ناحية قبر أبيها ... وشخصت منهم الأنظار وأرهفت الأسماع إليها ، وهي ترفع

١٥٠

صوتها الرقيق الحزين النبرات ، تهتف بمحمد الثاوي بقربها ، تناديه باكية مريرة البكاء :

يا أبت رسول الله! ... يا أبت رسول الله! ...

فكأنَّما زلزلت الأرض تحت هذا الجمع الباغي من رهبة النداء ...

وراحت الزهراء ، وهي تستقبل المثوى الطاهر ، تستنجد بهذا الغائب الحاضر :

يا أبت رسول الله! ... ما ذا لقينا بعدك من ابن الخطّاب وابن أبي قحافة؟

فما تركت كلماتها إلاّ قلوباً صدعها الحزن ، وعيوناً جرت دمعاً ، ورجالاً ودّوا لو استطاعوا أن يشقّوا مواطئ أقدامهم ليذهبوا في طوايا الثرى مغيَّبين. انتهى.

قال الأميني : راجع (١) الإمامة والسياسة (١ / ١٣) ، تاريخ الطبري (٣ / ١٩٨) ، العقد الفريد (٢ / ٢٥٧) ، تاريخ أبي الفداء (١ / ١٦٥) ، تاريخ ابن شحنة في حوادث سنة (١١) ، شرح ابن أبي الحديد (٢ / ١٩).

٦ ـ قال : الرافضة تجيز إمامة المرأة والحمل في بطن أمّه (ص ١١٠).

الجواب : هل ترى هذا الرجل عند كتابته هذه الكلمة ، وكذلك عند بقيّة فتاواه المجرَّدة عن أيِّ مصدر ، وقف على شيء من كتب الشيعة في الكلام والعقائد وخصوص مبحث الإمامة ، ووجد هذا الاختلاق مثبتاً في شيء منها؟ بل يمكننا أن نتنازل معه إلى سواد على بياضٍ خطّته يمين أيِّ شيعيّ جاهلٍ فضلاً عن علمائهم جاء فيه هذا البهتان العظيم.

لقد عرف الشيعة بأنَّ الإماميّة منهم يحصرون الإمامة في اثني عشر رجلاً

__________________

(١) الإمامة والسياسة : ١ / ١٩ ، تاريخ الأمم والملوك : ٣ / ٢٠٢ حوادث سنة ١١ ه‍ ، العقد الفريد : ٤ / ٨٦ ، ٨٧ ، تاريخ ابن شحنة : ١ / ١٨٩ ، شرح نهج البلاغة : ٦ / ٤٦ خطبة ٦٦.

١٥١

ليست فيهم امرأة ، ويفنّدون كلّ خارج عن هذا العدد ، وأمّا الفرق الأخرى منها من الزيديّة ، والإسماعيليّة ، وحتى المنقرضة من فرقها كالكيسانيّة وأشباههم فينهون الإمامة إلى أناس معيَّنين كلّهم من الرجال ، غير ما اختلقه الشهرستاني في الملل والنحل من الاختلاف الواقع في أمر فاطمة بنت الإمام الهادي ، وستقف على تفنيده وأنَّه عليه‌السلام لم يخلّف بنتاً اسمها فاطمة ، ولو كانت الشيعة تجوّز الإمامة لامرأة لما عَدَتْ بها عن الصدّيقة الطاهرة فاطمة ـ وهي هي ـ ولكنّها لا تقول لها فيها.

لم يلتفت الرجل إلى شيء من هذه ، لكنّه حسب عند تأليف هذا الكتاب أنّ الأجيال الآتية لا تلدُ منقّبين يناقشونه الحساب ، يميّزون بين الحقائق والأوهام ، ويوقظون الأمّة للفصل بين الصحيح والسقيم ، فطفق يأفك ويمين (١) غير مكترث بما سوف يلاقيه من سوء الحساب.

وليت شعري بما ذا يجيب الرجل إذا سئل عن أنَّ الشيعة متى جوّزت إمامة الحمل في بطن أمِّه؟

وأيّ أحد من أيّ فرقة منهم ذهب إلى إمامة حمل لم يولد بعد؟

وأيّ حمل قالوا بإمامته؟

ومتى كان ذلك؟

ومن ذا الذي نقله عنه؟

وممّن سمعه؟

نعم ؛ إنَّ الشياطين ليوحون إلى أوليائهم.

٧ ـ قال : إنَّ محبّة النبيّ عليه‌السلام لمن أحبّ ليس فضلاً ، لأنَّه قد أحبَّ عمّه وهو كافر (ص ١٢٣).

وقال في (ص ١٢٤) : وإن كان رسول الله صلى الله عليه وسلم أحبَّ أبا طالب فقد حرّم الله تعالى

__________________

(١) من المَيْن وهو الكذب.

١٥٢

عليه بعد ذلك ونهاه عن محبّته ، وافترض عليه عداوته.

الجواب : النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وإن أكّد على صلة الأرحام ، لكنَّه كان يرى الكفر حاجزاً عنها وإن تأكّدت معه وشائج الرحم ، ولذلك قلى أبا لهب وهتف بالبراءة منه بسورة مستقلّة ، ولم يرفع قيد الأسار عن عمِّه العبّاس وابن عمّه عقيل إلاّ بعد تظاهرهما بالإسلام ، وأجرى عليهما حكم الفدية مع ذلك ، وفرّق بين ابنته زينب وزوجها أبي العاص طيلة مقامه على الكفر حتى أسلم وسلم.

فلم يكن محبّة النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لمن يحبّه إلاّ لثباته في الإيمان ورسوخ كلمة الحقّ وتمكّنه من فؤاده ، فهو إذا أحبَّ أحداً كان ذلك آية تضلّعه في الدين وتحلّيه باليقين ، وهذه قضيّة قياسها معها ، وهي مرتكزة في القلوب جمعاء ، حتى أنّ ابن حزم نفسه احتجّ بأفضليّة عائشة على جميع الأمّة بعد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بحديث باطل رواه ، من أنَّه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال لها : أنتِ أحبّ الناس إليَّ.

وأمّا أبو طالب فقد اعترف الرجل بمحبّة النبيّ له أوّلاً ، ونحن نصدّقه على ذلك ونراه فضلاً له وأيَّ فضل.

وأمّا دعواه تحريم المحبّة بعد ذلك ، ونهي الله عنها ، وأمره بعداوته ، فغير مقرونة بشاهد ، وهل يسعه دعوى الفرق بين يومي النبيّ معه قبل التحريم وبعده؟

وهل يمكنه تعيين اليوم الذي قلاه فيه أو السنة التي هجره فيها وافترضت عليه عداوته؟

التاريخ خلو من ذلك كلّه ، بل يُعلمنا الحديث والسيرة أنَّه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لم يفارقه حتى قضى أبو طالب نحبه ، فطفق يؤبّنه وقال لعليّ : «اذهب فاغسله وكفّنه وواره ، غفر الله له ورحمه» (١) ، ورثاه عليّ بقوله :

__________________

(١) طبقات ابن سعد : ١ / ١٠٥ [١ / ١٢٤]. (المؤلف)

١٥٣

أبا طالبٍ عِصمةَ المستجير

وغيثَ الُمحول ونورَ الظُّلَمْ

لقد هدَّ فقدُك أهلَ الحفاظِ

فصلّى عليكَ وليُّ النعمْ

ولقّاك ربّك رضوانَهُ

فقد كنت للطهْرِ من خير عمْ (١)

فمن أراد الوقوف على الحقيقة في ترجمة شيخ الأبطح أبي طالب فعليه بكتاب العلاّمة البرزنجيّ الشافعيّ وتلخيصه الموسوم بأسنى المطالب لمفتي الشافعيّة السيّد أحمد زيني دحلان (٢).

٨ ـ قال : لسنا من كذب الرافضة في تأويلهم (وَيُطْعِمُونَ الطَّعامَ عَلى حُبِّهِ مِسْكِيناً وَيَتِيماً وَأَسِيراً) (٣) وأنَّ المراد بذلك عليٌّ رضى الله عنه بل هذا لا يصحُّ ، بل الآية على عمومها وظاهرها لكلِّ من فعل ذلك (٤ / ١٤٦).

الجواب : إن الواقف على هذه الأضحوكة يعرف موقع الرجل من التدجيل ، لحسبانه أنَّ في مجرَّد عزو هذا التأويل إلى الرافضة فحسب ، وقذفهم بالكذب ، وإتباع ذلك بعدم الصحّة حطّا في كرامة الحديث الوارد في الآية الشريفة ، وهو يعلم أنَّ أمّة كبيرة من أئمّة التفسير والحديث يروون ذلك ، ويثبتونه مسنداً في مدوّناتهم. وإن كان لا يدري فتلك مصيبةٌ.

وهذا الحافظ أبو محمد العاصمي أفرد ذلك كتاباً في مجلّدين أسماه زين الفتى في تفسير سورة هل أتى ، وهو كتابٌ ضخمٌ فخمٌ ممتعٌ ، ينمّ عن فضل مؤلّفه وسعة إحاطته بالحديث ، وتعالي مقدرته في الكلام والتنقيب ، مع أنَّ في غضونه سقطات تلائم مذهبه وخطّة قومه.

__________________

(١) تذكرة السبط : ص ٦ [ص ٩]. (المؤلف)

(٢) سيوافيك البحث عن إيمان أبي طالب عليه‌السلام مفصّلاً في الجزء السابع والثامن من كتابنا هذا. (المؤلف)

(٣) الإنسان : ٨.

١٥٤

أو يزعم المغفَّل أنَّ أولئك أيضاً من الرافضة؟ أو يحسبهم جهلاء بشرائط صحّة الحديث؟ أم أنّه لا يعتدُّ بكلّ ما وافق الرافضة وإن كان مخرجاً بأصحّ الأسانيد؟ وكيف ما كان فقد رواه :

١ ـ أبو جعفر الإسكافي : المتوفّى (٢٤٠). قال في رسالته (١) التي ردَّ بها على الجاحظ : لسنا كالإماميّة الذين يحملهم الهوى على جحد الأمور المعلومة ، ولكنّنا ننكر تفضيل أحد من الصحابة على عليّ بن أبي طالب ، ولسنا ننكر غير ذلك ـ إلى أن قال ـ : وأمّا إنفاقه فقد كان على حسب حاله وفقره ، وهو الذي أطعم الطعام على حبّه مسكيناً ويتيماً وأسيراً ، وأنزلت فيه وفي زوجته وابنيه سورة كاملة من القرآن.

٢ ـ الحكيم أبو عبد الله محمد بن عليّ الترمذي : كان حيّا في سنة (٢٨٥). ذكره في نوادر الأصول (٢) (ص ٦٤).

٣ ـ الحافظ محمد بن جرير الطبري ، أبو جعفر : المتوفّى (٣١٠). ذكره في سبب نزول ـ هل أتى ـ كما في الكفاية (٣).

٤ ـ شهاب الدين بن عبد ربّه المالكيّ : المتوفّى (٣٢٨). ذكر في العقد الفريد (٤) (٣ / ٤٢ ـ ٤٧) حديث احتجاج المأمون الخليفة العبّاسي على أربعين فقيهاً،وفيه :

قال : يا إسحاق ، هل تقرأ القرآن؟ قلت : نعم.

قال : اقرأ عليَّ : (هَلْ أَتى عَلَى الْإِنْسانِ حِينٌ مِنَ الدَّهْرِ لَمْ يَكُنْ شَيْئاً مَذْكُوراً) فقرأت منها حتى بلغت : (يَشْرَبُونَ مِنْ كَأْسٍ كانَ مِزاجُها كافُوراً) إلى قوله :

__________________

(١) نقض العثمانية : ص ٣١٨.

(٢) نوادر الأصول : ١ / ١٥٤ الأصل ٤٤.

(٣) كفاية الطالب : ص ٣٤٥ باب ٩٧.

(٤) العقد الفريد : ٥ / ٥٩.

١٥٥

(وَيُطْعِمُونَ الطَّعامَ عَلى حُبِّهِ مِسْكِيناً وَيَتِيماً وَأَسِيراً) (١). قال : على رسلك ، في من أنزلت هذه الآيات؟ قلت : في عليّ. قال : فهل بلغك أنّ عليّا حين أطعم المسكين واليتيم والأسير قال : إنَّما نطعمكم لوجه الله؟ وهل سمعت الله وصف في كتابه أحداً بمثل ما وصف به عليّا؟ قلت : لا. قال : صدقت لأنّ الله ـ جلَّ ثناؤه ـ عرف سيرته.

يا إسحاق ألست تشهد أنَّ العشرة في الجنّة؟ قلت : بلى يا أمير المؤمنين. قال : أرأيت لو أنَّ رجلاً قال : والله ما أدري هذا الحديث صحيح أم لا ، ولا أدري إن كان رسول الله قاله أم لم يقله ، أكان عندك كافراً؟ قلت : أعوذ بالله. قال : أرأيت لو أنَّه قال : ما أدري هذه السورة من كتاب الله أم لا ، كان كافراً؟ قلت : نعم. قال : يا إسحاق أرى بينهما فرقاً.

٥ ـ الحاكم أبو عبد الله النيسابوري : المتوفّى (٤٠٥). ذكره في مناقب فاطمة ـ سلام الله عليها ـ كما في الكفاية (٢).

٦ ـ الحافظ ابن مردويه أبو بكر الأصبهاني : المتوفّى (٤١٦). أخرجه في تفسيره ، حكاه عنه جمع ، وقال الآلوسي في روح المعاني (٣) بعد نقله عنه : والخبر مشهور.

٧ ـ أبو إسحاق الثعلبي : المتوفّى (٤٢٧ ، ٤٣٧) : في تفسيره الكشف والبيان (٤).

٨ ـ أبو الحسن الواحدي النيسابوري : المتوفّى (٤٦٨). في تفسيره البسيط ، وأسباب النزول (٥) (ص ٣٣١).

__________________

(١) الإنسان : ١ و ٥ و ٨.

(٢) كفاية الطالب : ص ٣٤٨.

(٣) روح المعاني : ٢٩ / ١٥٧.

(٤) الكشف والبيان : الورقة ٢١٩ ، ٢٦٦ سورة الإنسان.

(٥) أسباب النزول : ص ٢٩٦.

١٥٦

٩ ـ الحافظ أبو عبد الله محمد بن فتوح الأزدي الأندلسي ، الشهير بالحميدي : المتوفّى (٤٨٨). ذكره في فوائده.

١٠ ـ أبو القاسم الزمخشري : المتوفّى (٥٣٨). في الكشّاف (١) (٢ / ٥١١)

١١ ـ أخطب الخطباء الخوارزمي : المتوفّى (٥٦٨). في المناقب (٢) (ص ١٨٠).

١٢ ـ الحافظ أبو موسى المديني : المتوفّى (٥٨١). في الذيل ، كما في الإصابة (٣).

١٣ ـ أبو عبد الله فخر الدين الرازي : المتوفّى (٦٠٦). في تفسيره (٤) (٨ / ٢٧٦).

١٤ ـ أبو عمرو عثمان بن عبد الرحمن المعروف بابن الصلاح الشهرزوري الشرخاني : المتوفّى (٦٤٣) كما يأتي عنه في الكفاية (٥).

١٥ ـ أبو سالم محمد بن طلحة الشافعيّ : المتوفّى (٦٥٢). ذكره في مطالب السؤول (ص ٣١) وقال : رواه الإمام أبو الحسن عليّ بن أحمد الواحدي وغيره من أئمّة التفسير. ثمّ قال : فكفى بهذه عبادةً ، وبإطعام هذا الطعام مع شدّة حاجتهم إليه منقبةً ، ولولا ذلك لما عظمت هذه القصّة شأناً وعلت مكاناً ، ولما أنزل الله تعالى فيها على رسول الله قرآناً. وله في (ص ٨) قوله :

همُ العروةُ الوثقى لمعتصمٍ بها

مناقبهُمْ جاءت بوحيٍ وإنزالِ

مناقبُ في الشورى وسورةِ هل أتى

وفي سورةِ الأحزابِ يعرفُها التالي

وهم أهلُ بيتِ المصطفى فودادُهمْ

على الناسِ مفروضٌ بحكمٍ وإسجالِ

__________________

(١) تفسير الكشّاف : ٤ / ٦٧٠.

(٢) المناقب : ص ٢٦٧ ـ ٢٨٠ ح ٢٥٠ ـ ٢٥٢.

(٣) الإصابة : ٤ / ٣٨٧ رقم ٨٧٥.

(٤) التفسير الكبير : ٣٠ / ٢٤٤.

(٥) كفاية الطالب : ص ٣٤٨.

١٥٧

١٦ ـ أبو المظفّر سبط ابن الجوزي الحنفيّ : المتوفّى (٦٥٤). رواه في تذكرته (١) من طريق البغوي والثعلبي ، وردَّ على جدِّه ابن الجوزي في إخراجه في الموضوعات ، وقال بعد تنزيه سنده عن الضعف : والعجب من قول جدّي وإنكاره ، وقد قال في كتاب المنتخب : يا علماء الشرع أعلمتم لِمَ آثر عليٌّ وفاطمة وتركا الطفلين ـ الحسنين ـ عليهما أثر الجوع؟ أتراهما خفي عنهما سرُّ ذلك (٢))؟ ما ذاك إلاّ لأنَّهما علما قوّة صبر الطفلين ، وأنَّهما غصنان من شجرة الظلّ عند ربّي ، وبعض من جملة فاطمة بضعةٌ منّي ، وفرخ البطّ سابح (٣).

١٧ ـ عزّ الدين عبد الحميد الشهير بابن أبي الحديد المعتزليّ : المتوفّى (٦٥٥). في شرح نهج البلاغة (٤) (٣ / ٢٥٧).

١٨ ـ الحافظ أبو عبد الله الكنجي الشافعيّ : المتوفى (٦٥٨) في الكفاية (٥) (ص ٢٠١) وقال بعد ذكر الحديث : هكذا رواه الحافظ أبو عبد الله الحميدي في فوائده ، ورواه الحاكم أبو عبد الله في مناقب فاطمة ، ورواه ابن جرير الطبري أطول من هذا في سبب نزول هل أتى.

وقد سمعت الحافظ العلاّمة أبا عمرو عثمان بن عبد الرحمن المعروف بابن الصلاح في درس التفسير في سورة هل أتى ، وذكر الحديث وقال فيه : إنَّ السؤّال كانوا ملائكة من عند ربّ العالمين ، وكان ذلك امتحاناً من الله عزّ وجلّ لأهل بيت رسول الله صلى الله عليه وسلم.

وسمعت بمكّة ـ حرسها الله تعالى ـ من شيخ الحرم بشير التبريزي ، في درس

__________________

(١) تذكرة الخواص : ص ٣١٣ ـ ٣١٦.

(٢) في المصدر : أتراهما خفي عنهما سرّ : ابدأ بمن تعول؟

(٣) في النسخة تصحيف. (المؤلف)

(٤) شرح نهج البلاغة : ١٣ / ٢٧٦ خطبة ٢٣٨.

(٥) كفاية الطالب : ص ٣٤٨ باب ٩٧.

١٥٨

التفسير : أنَّ السائل الأوّل كان جبرئيل ، والثاني ميكائيل ، والثالث كان إسرافيل عليهم‌السلام.

١٩ ـ القاضي ناصر الدين البيضاوي : المتوفّى (٦٨٥). في تفسيره (١) (٢ / ٥٧١).

٢٠ ـ الحافظ محبّ الدين الطبري : المتوفّى (٦٩٤). في الرياض النضرة (٢) (٢ / ٢٠٧ ، ٢٢٧) وقال : وهذا قول الحسن وقتادة.

٢١ ـ الحافظ أبو محمد بن أبي جمرة الأزدي الأندلسي : المتوفّى (٦٩٩). في بهجة النفوس (٤ / ٢٢٥).

٢٢ ـ حافظ الدين النسفي : المتوفّى (٧٠١ ، ٧١٠). في تفسيره (٣) هامش تفسير الخازن (٤ / ٤٥٨) ، رواه في سبب نزول الآية ، ولم يرو غيره.

٢٣ ـ شيخ الإسلام أبو إسحاق الحمّوئي : المتوفّى (٧٢٢) في فرائد السمطين (٤)

٢٤ ـ نظام الدين القمّي النيسابوري : في تفسيره (٥) ، هامش الطبري (٢٩ / ١١٢) وقال : ذكر الواحدي في البسيط ، والزمخشري في الكشّاف ، وكذا الإماميّة أطبقوا على أنَّ السورة نزلت في أهل بيت النبيّ صلى الله عليه وسلم ولا سيّما في هذه الآي ـ ثمَّ ذكر حديث الإطعام فقال : ـ ويروى أنَّ السائل في الليالي : جبرئيل ، أراد بذلك ابتلاءهم بإذن الله سبحانه.

٢٥ ـ علاء الدين عليّ بن محمد الخازن البغدادي : المتوفّى (٧٤١). في تفسيره (٦) (٤ / ٣٥٨) ذكر أوّلاً نزولها في عليّ عليه‌السلام وأخرج حديثه ، ثمَّ قال : وقيل : الآية

__________________

(١) تفسير البيضاوي : ٢ / ٥٥٢.

(٢) الرياض النضرة : ٣ / ١٨٣.

(٣) تفسير النسفي : ٣ / ٣١٨.

(٤) فرائد السمطين : ٢ / ٥٣ ح ٣٨٣ باب ٢١.

(٥) غرائب القرآن : مج ١٢ / ج ٢٩ / ١١٢.

(٦) تفسير الخازن : ٤ / ٣٣٩.

١٥٩

عامّة في كلّ من أطعم ، موعزاً إلى ضعف بقيل ، مع أنَّ القول بالعموم لا ينافي نزولها في أمير المؤمنين عليه‌السلام كما لا يخفى لانحصار المصداق به.

٢٦ ـ القاضي عضد الإيجي : المتوفّى (٧٥٦). في المواقف (١) (٣ / ٢٧٨).

٢٧ ـ الحافظ ابن حجر : المتوفّى (٨٥٢). في الإصابة (٤ / ٣٨٧) من طريق أبي موسى في الذيل ، والثعلبي في تفسير سورة ـ هل أتى ـ عن مجاهد ، عن ابن عبّاس.

٢٨ ـ الحافظ جلال الدين السيوطي : المتوفّى (٩١١). في الدرّ المنثور (٢) (٦ / ٢٩٩) من طريق ابن مردويه.

٢٩ ـ أبو السعود العمادي محمد بن محمد الحنفي : المتوفّى (٩٨٢). في تفسيره (٣) هامش تفسير الرازي (٨ / ٣١٨).

٣٠ ـ الشيخ إسماعيل البروسوي : المتوفّى (١١٣٧). في تفسيره روح البيان (١٠ / ٢٦٨ ـ ٢٦٩).

٣١ ـ الشوكاني : المتوفّى (١١٧٣). في تفسيره فتح القدير (٤) (٥ / ٣٣٨)

٣٢ ـ الأستاذ محمد سليمان محفوظ : في أعجب ما رأيت (١ / ١٠) وقال : رواه أهل التفسير.

٣٣ ـ السيّد الشبلنجي : في نور الأبصار (٥) (ص ١٢ ـ ١٤).

٣٤ ـ السيّد محمود القراغولي البغداديّ الحنفيّ : في جوهرة الكلام (ص ٥٦)

__________________

(١) المواقف : ص ٤١١.

(٢) الدرّ المنثور : ٨ / ٣٧١.

(٣) تفسير أبي السعود : ٩ / ٧٣.

(٤) فتح القدير : ٥ / ٣٤٩.

(٥) نور الأبصار : ص ٢٢٧ ـ ٢٢٩.

١٦٠