الغدير في الكتاب والسنّة والأدب - ج ٣

الشيخ عبد الحسين أحمد الأميني النجفي

الغدير في الكتاب والسنّة والأدب - ج ٣

المؤلف:

الشيخ عبد الحسين أحمد الأميني النجفي


المحقق: مركز الغدير للدّراسات الإسلاميّة
الموضوع : العقائد والكلام
الناشر: مركز الغدير للدراسات الإسلامية
المطبعة: باقري
الطبعة: ١
الصفحات: ٥٧٦

فأهل بيتٍ مثلُهم في الأمّة كمثل النبيّ الطاهر ، كيف لا تقول الشيعة بالخلافة فيهم؟ وكيف يُرى موقفهم في حبّهم موقف اليهود؟ وإلى من تُوَجّه هذه القارصة؟ وهل ابن عبد ربّه عزب عنه قوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «النجوم أمان لأهل الأرض من الغرق ، وأهل بيتي أمانٌ لأمّتي من الاختلاف ، فإذا خالفها قبيلةٌ اختلفوا فصاروا حزب إبليس» (١).

اللهم لا ، بل طُبع على قلبه وهو ألدّ الخصام.

فأهل بيت هم للأمّة نجوم الهداية ، ونجوم الأمن من الضلال والخلاف ، كيف لا يُقتدى بهم؟ وما عذر من عدل عنهم؟ وإلامَ مصير من لا يهتدي بهم؟ وما قيمة تلك الحياة ، وتلك الروح ، وتلك النزعة ، وتلك النشأة؟

وإنّ خيرة الله لم تقع على هذه الأسرة الكريمة إلاّ بعد كلّ جدارة للولاية المطلقة ، وحذق في تدبير الشؤون في كلّ وقت لو انتهت إليهم قيادة البشر ، وثنيت لهم الوسادة ، غير أنّ مناوئيهم زحزحوها عن ساحتهم حسداً أو نزولاً على حكم النهمة والشرَه ، إنّما هي الخلافة الإلهيّة لا الملك كما حسبه المغفّل ، وقد نصّ بها الشعبي ، كما

__________________

ص ٢٠ ، والهيثمي في مجمع الزوائد : ٩ / ١٦٨. وأورده البوصيري في إتحاف السادة المهرة مخطوطة المؤلف في طوبقير ٦٤٦ : ج ٣ / ق ١٥٩ / أقال : رواه أبو يعلى والبزّار. وأورده ابن حجر العسقلاني في المطالب العالية : ٤٠٠٣ و ٤٠٠٤ وفي المسندة : ق ١٥٥ / ب بسندين ، وفي زوائد البزّار : ٢ / ٢٤٥. وأورده السيوطي في الدرّ المنثور : ٣ / ٣٣٤ وفي جمع الجوامع : ١ / ٧٣٨ وفي الخصائص الكبرى : ١ / ٧٣٨ وفي الجامع الصغير. وأورده ابن حجر في الصواعق : ص ٢٣٤. ومن أراد البسط حول هذا الحديث ومصادره وأسانيده ورواته وألفاظه ودلالته ، فعليه بالجزء الرابع من الموسوعة القيّمة نفحات الأزهار لزميلنا المحقّق السيّد علي الميلاني حفظه اللَه ورعاه ، فهذا الجزء خاص بدراسة هذا الحديث. (الطباطبائي)

(١) أخرجه الحاكم في المستدرك : ٣ / ١٤٩ [٣ / ١٦٢ ح ٤٧١٥] وصحّحه. (المؤلف)

١٢١

ذكره ابن تيميّة في منهاجه (١ / ٧) وقال : محنة الرافضة محنة اليهود. قالت اليهود : لا يصلح الملك إلاّ في آل داود ، وقالت الرافضة : لا تصلح الإمامة إلاّ في ولد عليٍّ.

٣ ـ قال : اليهود يؤخّرون صلاة المغرب حتى تشتبك النجوم ، وكذلك الرافضة.

الجواب : يجب أوّلاً أن يحفى السؤال (١) عن خبر هذه المسألة اليهود ، هل هم يعرفون شيئاً منها ، ومن بقيّة المسائل المعزوّة إليهم؟

وليت شعري هل كتب الرجل هذه الكلمة بعد مراجعته لفقه الشيعة وأحاديث أئمّتهم ، وفيها قول الصادق عليه‌السلام : «من ترك صلاة المغرب عامداً إلى اشتباك النجوم ، فأنا منه بريء».

وقيل له عليه‌السلام : إنّ أهل العراق يؤخّرون المغرب حتى تشتبك النجوم ، فقال : «هذا من عمل عدوّ الله أبي الخطّاب».

وقال عليه‌السلام : «من أخَّر المغرب حتى تشتبك النجوم ـ من غير علّة ـ فأنا إلى الله منه بريءٌ».

وقال عليه‌السلام : «وقت المغرب حين تجب الشمس إلى أن تشتبك النجوم».

وقال عليه‌السلام : «وقت المغرب من حين تغيب الشمس إلى أن تشتبك النجوم».

وقال عليه‌السلام وقد سُئل عن وقت المغرب : «فإذا تغيّرت الحمرة في الأفق وذهبت الصُفرة ، وقبل أن تشتبك النجوم».

وقال له عليه‌السلام ذريحٌ : إنّ أناساً من أصحاب أبي الخطّاب يمسون بالمغرب حتى تشتبك النجوم. قال : «أبرأ إلى الله ممّن فعل ذلك متعمّداً».

وقال عليه‌السلام : «ملعونٌ ملعونٌ من أخّر المغرب طلباً لفضلها» (٢).

__________________

(١) أحفاه السؤال : ألحّ عليه السؤال والطلب.

(٢) راجع من لا يحضره الفقيه [١ / ٢٢٠ ح ٦٦١] ، وتهذيب شيخ الطائفة [٢ / ٣٣ ح ١٠٠ ، ١٠٢] واستبصاره [١ / ٢٦٣ ح ٩٤٨ ، ص ٢٦٨ ح ٩٧٠] وغَيبتهِ [ص ٢٧١ ح ٢٣٦]. (المؤلف)

١٢٢

فلما ذا يكذب الرجل في نقله؟ أو أنَّه كتب قبل أن يراجع ، رجماً بالغيب ، فحيّا الله الأمانة والتنقيب!

ولعلّه قرع سمعه عن بعض الفرق الضالّة ، وهم الخطّابيّة ـ أصحاب أبي الخطّاب ـ إلزاماً بذلك ، لكن أين هم من الشيعة؟ والشيعة على بكرة أبيها تكفّر هؤلاء وتضلّلهم ، وأحاديث أئمّتهم كسحت معرّة (١) عيث هؤلاء ، فمن الإفك الشائن عزو هاتيك الشبه إلى الشيعة ، وهم وأئمّتهم عنها برآء.

٤ ـ قال : اليهود لا ترى الطلاق الثلاث شيئاً ، وكذا الرافضة.

الجواب : الشيعة لا ترى ملتحداً عن البخوع للقرآن الكريم ، وفي أعلى هتافه : (الطَّلاقُ مَرَّتانِ فَإِمْساكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسانٍ) إلى قوله تعالى : (فَإِنْ طَلَّقَها فَلا تَحِلُّ لَهُ مِنْ بَعْدُ حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجاً غَيْرَهُ) (٢) إلخ.

ومن جليّة الحقائق أنّ تحقّق المرّتين أو الثلاث يستدعي تكرّر وقوع الطلاق ، كما يستدعي تخلّل الرجعة بينهما أو النكاح ، فلا يقال للمطلّقة مرّتين بكلمة واحدة أو في مجلس واحد إنّها طُلّقت مراراً ، كما إذا كان زيد أعطى درهمين لعمرو بعطاء واحد ، لا يقال إنّه أعطى درهمين مرّتين ، وهذا معنىً يعرفه كلّ عربيّ صميم.

ثمّ إنّ سياق الآية وإن كان خبريّا ، غير أنَّه متضمّنٌ معنى الإنشاء الأمريّ ، كقوله تعالى : (وَالْوالِداتُ يُرْضِعْنَ أَوْلادَهُنَّ حَوْلَيْنِ كامِلَيْنِ) وقوله تعالى : (وَالْمُطَلَّقاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ ثَلاثَةَ قُرُوءٍ) (٣) وقوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «الصلاة مثنى مثنى ، والتشهّد في كلّ ركعتين ، وتسكّن وخشوع» ولو كان إخباراً لما تخلّف عنه خارجه ، ونحن نرى أنّ في الناس من يطلّق طلقة واحدة ، والقرآن لا يتسرّب إليه شيءٌ من الكذب.

__________________

(١) المعرّة : الإثم.

(٢) البقرة : ٢٢٩ ، ٢٣٠.

(٣) البقرة : ٢٣٣ ، ٢٢٨.

١٢٣

فعدم الاعتداد بطلاق الثلاث على نحو الجمع عند الشيعة مأخوذٌ من القرآن الكريم ، ولهذه الجملة مزيد توضيح في أحكام القرآن لأبي بكر الجصّاص الحنفي (١) (١ / ٤٤٧) ، وهذه الفتوى هي المنقولة عن كثير من أئمّة أهل السنّة والجماعة ، بل المخالف الوحيد في المسألة هو الشافعيّ ، وقد بسط القول في الردّ عليه أبو بكر الجصّاص في أحكام القرآن (٢) (٤ / ٤٤٩).

وقال الإمام العراقيّ في طرح التثريب (٧ / ٩٣) : وممّن ذهب إلى أنّ جمع الطلقات الثلاث بدعةٌ : مالك ، والأوزاعي ، وأبو حنيفة ، والليث ، وبه قال داود وأكثر أهل الظاهر.

وقال أبو بكر الجصّاص في أحكام القرآن (٣) (٤ / ٤٥٩) : كان الحجّاج بن أرطاة يقول : الطلاق الثلاث ليس بشيء. ومحمد بن إسحاق كان يقول : الطلاق الثلاث تُردُّ إلى الواحدة.

هذا ما نعرفه من الشيعة ، فإن كان هذا شبهاً بينهم وبين اليهود فهم وأولئك الأئمّة في ذلك شرعٌ سواء ، لكنَّ الأندلسي يحترم جانب أصحابه ، فشبّه الشيعة باليهود ، فهو إمّا جاهلٌ بفقه قومه ـ فضلاً عن فقه الشيعة ـ ولم يعرف شيئا ممّا عندهم في المسألة ، أو يعلم ويتعمّد الكذب ، أو يريد معنىً غير ما ذكر ، ونحن لا نعرفه ولا نعرف قائلاً به من الشيعة.

وما تقرأ أو تسمع في المسألة غير ما يقوله الشيعة ، فهو من البدع الحادثة بعد النبيّ الأعظم ، لم يأت به الكتاب والسنّة ، بل أحدثته أهواءٌ مضلّةٌ ، وحبّذته أناسٌ ، وجاؤوا به من عند أنفسهم ، وأمضاه عليهم عمر بن الخطاب ، وهذا صريح ما أخرجه

__________________

(١) أحكام القرآن : ١ / ٣٧٨.

(٢) أحكام القرآن : ١ / ٣٨٠.

(٣) أحكام القرآن : ١ / ٣٨٨.

١٢٤

مسلم في صحيحه (١) (١ / ٥٧٤) ، وأبو داود في سننه (٢) (١ / ٣٤٤) ، وأحمد في مسنده (٣) (١ / ٣١٤) عن ابن عبّاس قال : كان الطلاق على عهد رسول الله وأبي بكر وسنتين من خلافة عمر طلاق الثلاث واحدة ، فقال عمر بن الخطاب : إنّ الناس قد استعجلوا في أمر قد كانت لهم فيه أناةٌ ، فلو أمضيناه علي هم! فأمضاه عليهم.

وأخرج مسلم (٤) وأبو داود (٥) ، بإسناده عن ابن طاووس عن أبيه : أنّ أبا الصهباء قال لابن عبّاس : أتعلم إنّما كانت الثلاث تجعل واحدةً على عهد النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وأبي بكر وثلاثاً من إمارة عمر؟ فقال ابن عبّاس : نعم.

وأخرج مسلم (٦) بإسناد آخر : أنّ أبا الصهباء قال لابن عبّاس : هات من هناتك ، ألم يكن طلاق الثلاث على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبي بكر واحدة؟ فقال : قد كان ذلك ، فلمّا كان عهد عمر تتابع الناس في الطلاق ، فأجازه عليهم.

وللشرّاح في المقام كلمات متضاربة ، وآراء واهية ، وتوجيهات باردة بعيدة عن العلم والعربيّة ، وعدّه القسطلاني (٧) من الأحاديث المشكلة ـ ولعمري مشكلة جدّا لا يسعنا بسط الكلام في ذلك كلّه.

٥ ـ قال : اليهود لا ترى على النساء عدّة ، وكذلك الرافضة!

الجواب : الشيعة ترى على النساء من العدّة ما حكم به الكتاب والسنّة. فالمطلّقاتُ يتربّصنَ بأنفسهنّ ثلاثة قروء إن كنّ ذوات الأقراء ، وتعتدُّ ذوات الشهور

__________________

(١) صحيح مسلم : ٣ / ٢٧٦ ح ١٥ كتاب الطلاق.

(٢) سنن أبي داود : ٢ / ٢٦١ ح ٢١٩٩.

(٣) مسند أحمد : ١ / ٥١٧ ح ٢٨٧٠.

(٤) صحيح مسلم : ٣ / ٢٧٧ ح ١٦ كتاب الطلاق.

(٥) سنن أبي داود : ٢ / ٢٦١ ح ٢٢٠٠.

(٦) صحيح مسلم : ٣ / ٢٧٧ ح ١٧ كتاب الطلاق.

(٧) إرشاد الساري : ١٢ / ١٦ ـ ١٨.

١٢٥

ثلاثة أشهر. (وَأُولاتُ الْأَحْمالِ أَجَلُهُنَّ أَنْ يَضَعْنَ حَمْلَهُنَ) (١).

واللاّتي توفّي عنهنّ أزواجهن يتربّصن بأنفسهنّ أربعة أشهر وعشراً إذا كانت حائلاً ، والحامل تعتدُّ بأبعد الأجلين من العدّة والوضع جمعاً بين عموم الآيتين.

والإماء تعتدُّ قرءين من طلاق إن كنّ ذوات الأقراء ، وإلاّ فشهراً ونصفاً.

وتعتدُّ من الوفاة شهرين وخمسة أيّام إن كانت حائلاً ، والحامل عدّتها أبعد الأجلين.

وأمّ الولد لمولاها عدّتها أربعة أشهر وعشراً.

والمتمتّع بها إذا انقضى أجلها بعد الدخول أو أعرض عنها الزوج ، فعدّتها حيضتان في ذوات الأقراء ، وخمسة وأربعون يوماً في غيرهنّ.

وتعتدُّ من الوفاة بأربعة أشهر وعشرة أيّام إن كانت حائلاً أو لم يدخل بها ، وبأبعد الأجلين إن كانت حاملاً ، ولو كانت أمة فعدّتها ـ حائلاً ـ شهران وخمسة أيّام.

هذا ما عند الشيعة من العدّة ، وهذه كتب القوم الفقهيّة والتفسيريّة ـ قديمة وحديثة ـ طافحة بما ذكرناه ، فهل وجد عزوه المختلق في شيء منها؟ اللهم لا. بل إنّه لا يكترث بالمباهتة وهي شأنه في كثير من الموارد.

٦ ـ قال : اليهود تستحلُّ دم كلّ مسلم ، وكذلك الرافضة!

الجواب : هل يعرف الرجل مصدر هذه النسبة من كتب الشيعة وعلمائهم وأعلامهم ، بل من ساقتهم وذوي المراتب الواطئة منهم؟ والشيعة هم الذين يتلون الكتاب العزيز في آناء الليل وأطراف النهار ، مخبتين بأنّ ما بين دفّتيه وحيٌ منزلٌ من الله إلى سيّد رسله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وفيه آيات التحذير عن قتل المؤمن ، والإيعاز بالخلود في

__________________

(١) الطلاق : ٤.

١٢٦

جهنّم من جرّائه ، وفيه آية القصاص. والسنّة النبويّة وأحاديث أئمّتهم مشحونةٌ بالنهي عنه والعقوبات عليه والأحكام المرتّبة عليه من قصاص وديات ، ومن المطّرد في فقههم عقد كتابين فيهما. فبذلك كلّه تعلم أنّ هذه النسبة لا مصدر لها إلاّ الخيال المتوهّم الصادر عن العداء المحتدم والعصبيّة الحمقاء.

٧ ـ قال : اليهود حرّفوا التوراة ، وكذلك الرافضة حرّفت القرآن!

الجواب : إنّ مصدر الشيعة في التفسير والتأويل ، وفي كلّ حكم أو تعليم ليس إلاّ أحاديث معتبرة صادرة عن رجالات بيت الوحي بعد مشرِّفهم الأعظم صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وأهل البيت أدرى بما فيه ، وليس ما يُروى عنهم من الشئون مستعصياً على العقل والمنطق ولا الأصول المسلّمة في الدين ، وليس بمأخوذ من مثل قتادة ، والضحّاك ، والسدّي ، وأمثالهم ، المفسّرين بالرأي ، البعيدين عن مستقى العلم النبويّ.

فإذا أردت تحريف الكلم عن مواضعه والنظر إليه ، فإليك بكتب القوم وتفاسيرهم تجد هناك التعليلات الباردة ، والتحكّمات الفارغة ، والعلل التافهة ، والآراء السخيفة ، وإنكار المسلّمات ، وحسبك ما يأتي من نماذجها نقلاً عن كتاب منهاج السنّة لا بن تيميّة وغيره. إذن فألق الشبه بين اليهود وأيّ فرقة شئت.

٨ ـ قال : اليهود تبغض جبرئيل وتقول : هو عدوُّنا من الملائكة ، وكذلك الرافضة تقول : غلط جبرئيل في الوحي إلى محمد بترك عليّ بن أبي طالب!

الجواب : لعلّ الرجل يحسب في أحلامه الطائشة أنَّه يحدّث عن أمّة بائدة قد أكل عليها الدهر وشرب ، فلم يبق لها من يدافع عن شرفها ، وما كان يحسب أنّ المستقبل الكشّاف سوف يُقيّض من يُسائله قائلاً : كيف يعادي جبرئيل من يتلو في كتابه المقدّس قوله تعالى : (مَنْ كانَ عَدُوًّا لِلَّهِ وَمَلائِكَتِهِ وَرُسُلِهِ وَجِبْرِيلَ وَمِيكالَ فَإِنَّ اللهَ عَدُوٌّ لِلْكافِرِينَ) (١)؟!

__________________

(١) البقرة : ٩٨.

١٢٧

ومتى خالج شيعيّا الشكُّ في نبوّة محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم؟ أو هجس في خلد أيّ منهم نبوّة أمير المؤمنين عليّ عليه‌السلام؟ حتى يحكم بغلط جبريل وهو يقرأ آناء الليل وأطراف النهار قوله تعالى : (وَما مُحَمَّدٌ إِلاَّ رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ) (١).

وقوله تعالى : (ما كانَ مُحَمَّدٌ أَبا أَحَدٍ مِنْ رِجالِكُمْ وَلكِنْ رَسُولَ اللهِ وَخاتَمَ النَّبِيِّينَ) (٢).

وقوله تعالى : (وَآمَنُوا بِما نُزِّلَ عَلى مُحَمَّدٍ وَهُوَ الْحَقُّ مِنْ رَبِّهِمْ) (٣).

وقوله تعالى : (مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللهِ) (٤).

وقوله تعالى : (وَمُبَشِّراً بِرَسُولٍ يَأْتِي مِنْ بَعْدِي اسْمُهُ أَحْمَدُ) (٥).

وكيف يرى شيعيٌّ أنّ جبريل قد غلط في الوحي؟ وهو يتشهّد بالرسالة في كلّ فريضة ونافلة ، وفي الأذان والإقامة ، وفي دعوات كثيرة مأثورة عن أئمّتهم ـ صلوات الله عليهم ـ وتشهد بذلك كلّه مؤلّفاتهم في الفقه ، والحديث ، والكلام ، والعقائد ، والملل والنحل.

وهل من الممكن أن تزعم الشيعة ـ على هذه الفرية ـ أنّ الله سبحانه أمضى ذلك الغلط لمجرّد اشتباه جبريل وهو يريد أن يبعث أمير المؤمنين؟! وهل يقول بهذا معتوهٌ دهش ، أو بربريٌّ عزبت عنه العلوم والمعارف كلّها فضلاً عن الشيعة ، وهم هم؟! (فَما لِهؤُلاءِ الْقَوْمِ لا يَكادُونَ يَفْقَهُونَ حَدِيثاً) (٦).

والعجب كلّ العجب أنَّه يكتب كاتب مصر اليوم وعالمها ، ردّا على الشيعة

__________________

(١) آل عمران : ١٤٤.

(٢) الأحزاب : ٤٠.

(٣) محمد : ٢.

(٤) الفتح : ٢٩.

(٥) الصف : ٦.

(٦) النساء : ٧٨.

١٢٨

ويسلقهم بهذا التافه الخرافيّ.

(فَلا يَصُدَّنَّكَ عَنْها مَنْ لا يُؤْمِنُ بِها وَاتَّبَعَ هَواهُ فَتَرْدى) (١).

٩ ـ قال : اليهود لا تأكل لحم الجزور ، وكذلك الرافضة.

الجواب : إقرأ واضحك ، أو اقرأ وابكِ.

وإذا تحرّيت الوقاحة والصلف فإلى صاحب هذه الكلمة ، فإن كنت لا تعلم كيف يكذب المائن ، ويبهت الخائن ، فالأندلسيُّ يوقفك عليه في كتابه.

ليت شعري ما ذنب الجزور المخرج حكمه ممّا يؤكل لحمه من الحيوانات؟ أو ما كرامته على الشيعة حتى أربوا به عن الذبح؟!

أنا لا أعلم شيئاً من ذلك ، ولعلّ عند مفتعل الرواية فلسفة راقية تؤول إلى تلك الفرية الشائنة.

والحكم الفاصل في هذه المعضلة مجازر القصّابين وسواطيرهم وحوانيتهم في بلاد الشيعة من أقطار العالم.

أُضحوكة

١٠ ـ قال : قال أبو عثمان عمرو بن بحر الجاحظ : أخبرني رجلٌ من رؤساء التجّار قال : كان معنا في السفينة شيخٌ شرس الأخلاق ، طويل الإطراق ، وكان إذا ذُكر له الشيعة غضب واربدَّ وجهه ، وزوى من حاجبيه ، فقلت له يوماً : يرحمك الله ما الذي تكرهه من الشيعة؟ فإنّي رأيتك إذا ذُكروا غضبتَ وقبضتَ. قال : ما أكره منهم إلاّ هذه الشين في أوّل اسمهم ، فإنّي لم أجدها قطُّ إلاّ في كلّ شرٍّ ، وشؤمٍ ، وشيطانٍ ، وشغبٍ ، وشقاءٍ ، وشفارٍ ، وشررٍ ، وشَيْنٍ ، وشَوكٍ ، وشكوى ، وشهرةٍ ، وشتمٍ ، وشُحٍّ. قال أبو عثمان : فما ثبت للشيعيّ بعدها قائمة.

__________________

(١) طه : ١٦.

١٢٩

عجباً من سفاهة الشيخ ـ شرس الأخلاق ـ وضؤولة رأيه ، حيث لم يجد في الشيعة ما يزري بهم ، لكنّ عداءه المحتدم حداه إلى أن يتّخذ لهم عيباً منحوتاً من السفاسف ، فطفق يؤاخذهم بالاسم لمحض اطّراد حرف من حروفه في أشياء من أسماء الشرّ ، ولو اطّرد هذا لتسرّب إلى كثير من الأسماء المقدّسة ، وإلى كتاب الله العزيز وفيه قوله تعالى : (وَإِنَّ مِنْ شِيعَتِهِ لَإِبْراهِيمَ) (١). وآيٌ أخرى جاءت فيها لفظة الشيعة.

وأسخف من الشيخ أبو عثمان الذي يحسب أنَّه لم تثبت للشيعة بعد تلك الكلمة التافهة قائمة ، فكأنّ صاعقة أصابتهم ، أو أنّها خسفَت الأرض من تحت أرجلهم ، أو دكدكت عليهم الجبال فأهلكتهم ، أو أنّ برهاناً قاطعاً دحض حجّتهم ففضحهم ، ولم يعقل أنّ الشيخ كشف بقوله عن سوأته ، وأقام حجّةً على شراسة أخلاقه ، فاقتدى به أبو عثمان بعقليّته الضئيلة.

ولم يبعد عنهما ابن عبد ربّه حيث أورده في كتابه مرتضياً له ، ولِمَ لم يَرُق الشيخ الشرس أن يحبّ من الشيعة هذه الشين الموجودة في الشريعة ، والشمس ، والشروق ، والشعاع ، والشهد ، والشفاعة ، والشرف ، والشباب ، والشكر ، والشهامة ، والشأن ، والشجاعة ، والشفق؟ وقد جاءت غير واحدة من تلكم الألفاظ كلفظة الشيعة في القرآن.

وكيف تجد الشيخ في أكذوبته بأنّه لم يجد الشين إلاّ في تلك الألفاظ دون هذه؟ ولعلّه كان أعور فلا يبصر ما يحاذي عينه العوراء.

أوَليس في وسع الشيعي أن يقول على وتيرة الشيخ : إنّي ما أكره من السنِّي إلاّ هذه السين في أوّل اسمه التي أجدها في السام ، والسأم ، والسعر ، والسقر ، والسبي ، والسقم ، والسمّ ، والسموم ، والسوأة ، والسهم ، والسهو ، والسرطان ، والسرقة ، والسفه ، والسفل ، والسخب ، والسخط ، والسخف ، والسقط ، والسلّ ، والسليطة ، والسماجة.

لكنّ الشيعة عقلاء حكماء لا يعتمدون على التافهات ، ولا يخدشون العواطف

__________________

(١) الصافّات : ٨٣.

١٣٠

بالسفاسف ، ولا يشوّهون سمعة أيّ مبدأ بمثل هذه الخرافات.

هذه نبذة من مخاريق ابن عبد ربّه ، وكم لها من نظير ، ولو ذهبنا إلى استيعاب ما هناك لجاء كتاباً حافلاً ، وهناك له سقطات تاريخيّة كقوله في زيد الشهيد : إنّه خرج بخراسان!! فقتل وصُلب (١) ، نخرج بنقدها عن موضوع البحث ولا يهمّنا الإيعاز إليها.

وذكر ابن تيميّة في منهاج السنّة (٢) هذه النسب والإضافات المفتعلة ، وراقه أن يُري للمجتمع أنَّه أقدر في تنسيق الأكاذيب من سلفه ، وأنَّه أبعد منه عن أدب الصدق والأمانة فزاد عليها :

اليهود لا يخلصون السلام على المؤمنين ، إنّما يقولون : السام عليكم ـ السام : الموت ـ وكذلك الرافضة.

اليهود لا يرون المسح على الخفّين ، وكذلك الرافضة.

اليهود يستحلّون أموال الناس كلّهم ، وكذلك الرافضة.

اليهود تسجد على قرونها في الصلاة ، وكذلك الرافضة.

اليهود لا تسجد حتى تخفق برءوسها مراراً تشبيهاً بالركوع ، وكذلك الرافضة.

اليهود يرون غشّ الناس ، وكذلك الرافضة.

وأمثال هذه من الخرافات والسفاسف ، وحسبك في تكذيب هذه التقوّلات المعزوّة إلى الشيعة شعورك الحرُّ ، وحيطتك بفقههم ، وكتبهم ، وعقائدهم ، وأعمالهم ، وما عُرف منهم قديماً وحديثاً. فإلى الله المشتكى.

(وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْواءَهُمْ بَعْدَ الَّذِي جاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ ما لَكَ مِنَ اللهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلا نَصِيرٍ) (٣)

__________________

(١) العقد الفريد : ٢ / ١٤٦ ، ٣٥٥ ، ٣ / ٤١ [٣ / ٢١٧ ، ٤ / ٢٣٤ ، ٥ / ٥٥]. (المؤلف)

(٢) منهاج السنّة : ١ / ٧ ـ ٨.

(٣) البقرة : ١٢٠.

١٣١

ـ ٢ ـ

الانتصار (١)

إنك غير مائن لو سمّيته بمصدر الأكاذيب ، ولو عُزي إليه على عدد صفحاته (١٧٣) أكذوبة لما كذب القائل. ولو جُست خلال صحائفه لأوقفك الفحص على العجب العجاب من كذب شائن ، وتحكّم بارد ، وتهكّم ممضّ ، ونِسَب مفتعلة ، وإنّا نرجئ إيقافك عليها إلى ظفرك بالكتاب نفسه ، فإنّه مطبوع بمصر منشور ، ولا نسوّد جبهات صحائف كتابنا بنقل هاتيك الأساطير كلّها ، وإنّما نذكر لك نماذج منها لتعرف مقدار توغّله في القذائف ، وتهالكه دون الطامّات ، وتغلغل الحقد في ضميره الدافع له إلى تشويه سمعة أمَّة كبيرة ، كريمة ، نزيهة عن كلّ ما تقوّله عليها. قال :

١ ـ الرافضة تعتقد أنّ ربّها ذو هيئة وصورة ، يتحرّك ، ويسكن ، ويزول ، وينتقل ، وأنّه كان غير عالم فعلِم ـ إلى أن قال ـ : هذا توحيد الرافضة بأسرها ، إلاّ نفراً منهم يسيراً صحبوا المعتزلة واعتقدوا التوحيد ، فنفتهم الرافضة عنهم وتبرّأت منهم ، فأمّا جملتهم ومشايخهم مثل : هشام بن سالم ، وشيطان الطاق ، وعليّ بن ميثم ، وهشام بن الحكم ، وعليّ بن منصور ، والسكّاك ، فقولهم ما حكيت عنهم (ص ٥) (٢).

٢ ـ الرافضة تقول وهي معتقدةٌ : إنّ ربّها جسمٌ ذو هيئة وصورة ، يتحرّك ، ويسكن ، ويزول ، وينتقل ، وإنّه كان غير عالم ثمّ علم (ص ٧) (٣).

٣ ـ فهل على وجه الأرض رافضيٌّ إلاّ وهو يقول : إنّ الله صورةٌ ، ويروي في ذلك الروايات ، ويحتجّ فيه بالأحاديث عن أئمّتهم؟ إلاّ من صحب المعتزلة منهم قديماً فقال بالتوحيد ، فنفته الرافضة عنها ولم تقرّ به (ص ١٤٤) (٤).

__________________

(١) تأليف أبي الحسين عبد الرحيم الخيّاط المعتزلي. (المؤلف)

(٢) الانتصار : ص ٣٦.

(٣) الانتصار : ص ٤١.

(٤) الانتصار : ص ٢١٤.

١٣٢

٤ ـ يرون الرافضة أن يطأ المرأة الواحدة في اليوم الواحد مائة رجل من غير استبراء ، ولا قضاء عدّة ، وهذا خلاف ما عليه أمّة محمد (ص ٨٩) (١).

ستتضح جليّة الحال في هذه كلّها ، وأنّ الشيعة بريئةٌ منها من أوّل يومها.

(وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْواءَهُمْ مِنْ بَعْدِ ما جاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ إِنَّكَ إِذاً لَمِنَ الظَّالِمِينَ) (٢)

٣ ـ

الفرق بين الفِرَق

تأليف

أبي منصور عبد القاهر بن طاهر البغداديّ

المتوفّى (٤٢٩) في (٣٥٥) صفحة

لم يترك هذا المؤلّف في قوس إفكه منزعاً لم يرمِ به الشيعة ، إنّما قحمه في هذه المهلكة حسبانه في (ص ٣٠٩) (٣) أنَّه لم يكن في الروافض قطُّ إمامٌ في الفقه ، ولا إمامٌ في رواية الحديث ، ولا إمامٌ في اللغة والنحو ، ولا موثوقٌ به في نقل المغازي والسيَر والتواريخ ، ولا إمامٌ في التأويل والتفسير ، وإنّما كان أئمّة هذه العلوم على الخصوص والعموم أهل السنّة والجماعة.

وحمد الله على ذلك ، وكأنّ هذه المزعمة عنه كانت عامّة حتى للأجيال القادمة نظراً إلى الغيب من وراء ستر رقيق ، وبذلك أمِن أن يكون من بعده من يكشف عورته ، ويطعن في أمانته في العزو ، أو أنّ كتب الشيعة وعلماءها المضادّة لهاتيك النسب تكذّبه بأنفسها.

وإن تعجب فعجبٌ أنَّه كان نصب عيني الرجل في بيئته ـ بغداد ـ رجالات من

__________________

(١) الانتصار : ص ١٤٢.

(٢) البقرة : ١٤٥.

(٣) الفرق بين الفِرق : ص ٢٤٧ باب ٥.

١٣٣

الشيعة لا يُطعن في إمامتهم في كلّ ما ذكره من العناوين ، وكانت بيدهم أزمّة الزعامة ، كشيخ الأمّة ومعلّمها محمد بن محمد بن النعمان المفيد ، وعلم الهدى سيّدنا المرتضى ، والشريف الرضي ، وأبي الحسين النجاشي ، والشيخ أبي الفتح الكراجكي ، والشريف أبي يعلى ، وسلاّر الديلمي ، ونظرائهم ؛ فهو إمّا أنَّه لم يحسّ بهم لخلل في حسّه المشترك ، أو أنَّه مندفعٌ إلى الإنكار بدافع الحَنَق ، وأيّا ما كان فنحن لا نبالي بما هو فيه ، وكلّ قصدنا تنبيه القارئ إلى خطّة الرجل ، حتى لا يغترّ بما له من صخب وتركاض.

ولعلّك تعرف شيئاً ممّا حوته صفحات هذا الكتاب المزوّر من الكذب ، والزور ، والبهت ، والتدجيل ، والتمويه ، عندما تقف على كلماتنا حول ما يضاهيه من الكتب المزوّرة.

(وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْواءَهُمْ بَعْدَ ما جاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ ما لَكَ مِنَ اللهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلا واقٍ) (١)

٤ ـ

الفِصَل في الملل والنحل (٢)

يجب على من يكتب في الملل والنحل قبل كلّ شيء الالتزام بالصدق والأمانة أكثر ممّن يؤلّف في التاريخ والأدب ، حتى يأمن بوائق هذا الفنّ من قذف الأمم من غير استناد إلى ركن وثيق ، وتشويه سمعة الأبرياء بمجرّد الوهم أو الخيال ، فلا يخطّ إلاّ وهو متثبّت في النقل ، معتمد على أوثق المصادر ، حتى يكون ذلك مُعذِّراً له عند المولى سبحانه ، فلا يؤاخذ بالبَهت على الناس والوقيعة فيهم.

غير أنّ ابن حزم لم يلتزم بهذا الواجب ، بل التزم بضدّه في كلّ ما يكتب ،

__________________

(١) الرعد : ٣٧.

(٢) تأليف ابن حزم الظاهري الأندلسي : المتوفّى ٤٥٦. راجع : ١ / ٣٢٣. (المؤلف)

١٣٤

فطفق ينسّق الأقاويل ، ويروقه تكثير المذاهب ، وقذف من يخالفه في المبدأ. فإليك نماذج من تحكّماته ، قال :

١ ـ إنّ الروافض ليسوا من المسلمين ، إنّما هي فِرَقٌ حدث أوّلها بعد موت النبيّ صلى الله عليه وسلم بخمس وعشرين سنة ، وكان مبدؤها إجابةً ممّن خذله الله لدعوة من كاد الإسلام ، وهي طائفةٌ تجري مجرى اليهود والنصارى في الكذب والكفر (١).

الجواب : لعمر الحقّ إنّ هذه جملٌ قارصة تندى منها جبهة الإنسانيّة ، ولو كان الظاهريُّ يحملها لوجب أن يتصبّب عرقاً ولكن ...

وليت شعري! كيف يمكن سلب الإسلام عن قوم يستقبلون القبلة في فرائضهم ، ويلهجون بالشهادتين فيها ، ويحملون القرآن ويعملون به ، ويتّبعون سنّة النبيّ الأقدس؟ وملء الدنيا كتبهم في العقائد والأحكام ، فهي شهيدةٌ لهم على ما قلناه بعد أعمال هم الخارجيّة.

وكيف يسع الرجل هذا الحكم الباتّ ، وآلافٌ من الشيعة هم مشايخ أعلام السنّة ورواة الحديث في صحاحهم الستّة وغيرها من المسانيد ، وهي مراجع قومه في معتقداتهم وأحكامهم وآرائهم؟ نظراء :

أبان بن تغلب الكوفي

 إبراهيم بن يزيد الكوفي

أبو عبد الله الجدلي

أحمد بن المفضّل الحفري

 إسماعيل بن أبان الكوفي

 إسماعيل بن خليفة الكوفي

إسماعيل بن زكريّا الكوفي

 إسماعيل بن عبد الرحمن

 إسماعيل بن موسى الكوفي

تليد بن سليمان الكوفي

ثابت أبو حمزة الثمالي

 ثُوير بن أبي فاختة الكوفي

جابر بن يزيد الجعفي

 جريربن عبد الحميد الكوفي

 جعفر بن زياد الكوفي

جعفر بن سليمان البصري

 جُميع بن عُمير الكوفي

الحارث بن حصيرة الكوفي

الحارث بن عبد الله الهمداني

 حبيب بن أبي ثابت الكوفي

 الحسن بن حيّ الهمداني

__________________

(١) الفصَل : ٢ / ٧٨.

١٣٥

حكم بن عُتيبة الكوفي

 حمّاد بن عيسى الجهني

 خالد بن مخلد القطواني

أبوالجَحّاف[داود]بن أبي عوف

 زبيد بن الحارث الكوفي

 زيد بن الحباب الكوفي

سالم بن أبي الجعد الكوفي

 سالم بن أبي حفصة الكوفي

 سعد بن طريف الكوفي

سعيد بن خثيم الهلالي

 سلمة بن الفضل الأبرش

 سلمة بن كهيل الحضرمي

سليمان بن صرد الكوفي

 سليمان بن طرخان البصري

 سليمان بن قرم الكوفي

سليمان بن مهران الكوفي

 شعبة بن الحجّاج البصري

 صعصعة بن صوحان العبدي

طاووس بن كيسان الهمداني

 ظالم بن عمرو الدؤلي

 أبو الطفيل عامر المكّي

عبّاد بن يعقوب الكوفي

 عبد الله بن داود الكوفي

 عبد الله بن شداد الكوفي

عبد الله بن عمر الكوفي

 عبد الله بن لهيعة الحضرمي

 عبد الله بن ميمون القدّاح

عبد الرحمن بن صالح الأزدي

 عبد الرزاق بن همام الحميري

 عبد الملك بن أعين

عبيد الله بن موسى الكوفي

 عثمان بن عُمير الكوفي

 عديّ بن ثابت الكوفي

عطيّة بن سعد الكوفي

 العلاء بن صالح الكوفي

 علقمة بن قيس النخعي

عليّ بن بزيمة

 عليّ بن الجعد الجوهري

 عليّ بن زيد البصري

عليّ بن صالح

 عليّ بن غراب الكوفي

 عليّ بن قادم الكوفي

عليّ بن المنذر الطرايقي

 عليّ بن هاشم الكوفي

 عمّار بن معاوية الكوفي

عمّار بن زُريق الكوفي

 عمرو بن عبد الله السبيعي

 عوف بن أبي جميلة البصري

فضل بن دكين الكوفي

 فضيل بن مرزوق الكوفي

 فطر بن خليفة الكوفي

مالك بن إسماعيل الكوفي

 محمد بن حازم الكوفي

 محمد بن عبيد الله المدني

محمد بن فضيل الكوفي

 محمد بن مسلم الطائفي

 محمد بن موسى المدني

محمد بن عمّار الكوفي

 معروف بن خربوذ الكرخي

 منصور بن المعتمر الكوفي

نوح بن قيس الحدّاني

 هارون بن سعد الكوفي

 هاشم بن البريد الكوفي

هُبيرة بن يريم الحميري

 هشام بن زياد البصري

 هشام بن عمّار الدمشقي

وكيع بن الجرّاح الكوفي

 يحيى بن الجزّار الكوفي

 يزيد بن أبي زياد الكوفي (١)

__________________

(١) راجع في ترجمة هؤلاء وتفصيل حديثهم ، المراجعات لسيّدنا المجاهد حجّة الإسلام شرف الدين : ص ٤١ ـ ١٠٥ [ص ٧٠ ـ ١٢٦]. (المؤلف)

١٣٦

أضف إليهم رجال الشيعة من الصحابة الأكرمين ، والتابعين الأوّلين ، وأعلام البيت العلويّ الطاهر من الذين يُحتجُّ بهم وبحديثهم ، وأنهى أئمّة أهل السنّة إليهم الإسناد في الصحاح والسنن والمسانيد ، وهم مصرّحون بثقتهم وعدالتهم.

فلو كانت الشيعة ـ كما زعمه ابن حزم ـ خارجين عن الإسلام ، فما قيمة تلك الصحاح ، وتلك المسانيد ، وتلك السنن؟ وما قيمة مؤلّفيها أولئك المشايخ ، وأولئك الأئمّة ، وأولئك الحفّاظ؟ وما قيمة تلكم المعتقدات والآراء المأخوذة ممّن ليسوا من المسلمين؟ اللهمّ غفرانك وإليك المصير ، وأنت القاضي بالحق.

نعم ؛ ذنبهم الوحيد الذي لا يُغفر عند ابن حزم أنّهم يُوالون عليّا أمير المؤمنين عليه‌السلام وأولاده الأئمّة الأمناء ـ صلوات الله عليهم ـ اقتداءً بالكتاب والسنّة ، ومن جرّاء ذلك يستبيح صاحب الفصَل من أعراضهم ما لا يُستباح من مسلم ، والله هو الحكم الفاصل.

وأمّا ما حسبه من أنّ مبدأ التشيّع كان إجابةً ممّن خذله الله لدعوة من كاد الإسلام ، وهو يريد عبد الله بن سبأ الذي قتله أمير المؤمنين عليه‌السلام إحراقاً بالنار على مقالته الإلحاديّة ، وتبعته شيعته على لعنه والبراءة منه.

فمتى كان هذا الرجس من الحزب العلويّ حتى تأخذ الشيعة منه مبدأها القويم؟ وهل تجد شيعيّا في غضون أجيالها وأدوارها ينتمي إلى هذا المخذول ويمتُّ إليه؟ لكنّ الرجل أبى إلاّ أن يقذفهم بكلّ مائنة شائنة ، ولو استشفّ الحقيقة لعلم بحقّ اليقين أنّ ملقي هذه البذرة ـ التشيّع ـ هو مشرّع الإسلام صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يوم كان يُسمّي من يوالي عليّا عليه‌السلام بشيعته ، ويضيفهم إليه ويطريهم ، ويدعو أمَّته إلى موالاته واتّباعه. راجع (ص ٧٨).

ولتفاهة هذه الكلمة لا نسهب الإفاضة في ردّه ، ونقتصر على كلمة ذهبيّة للأستاذ محمد كرد علي في خطط الشام (٦ / ٢٥١) قال : أمّا ما ذهب إليه بعض الكتّاب

١٣٧

من أنّ مذهب التشيّع من بدعة عبد الله بن سبأ المعروف بابن السوداء ، فهو وهمٌ وقلّة علم بتحقيق مذهبهم ، ومن علم منزلة هذا الرجل عند الشيعة وبراءتهم منه ومن أقواله وأعماله ، وكلام علمائهم في الطعن فيه بلا خلاف بينهم في ذلك ، علم مبلغ هذا القول من الصواب. انتهى.

٢ ـ قال : كذب من قال : بأنّ عليّا كان أكثر الصحابة علماً (٤ / ١٣٦) ، ثمّ بسط القول في تقرير أعلميّة أبي بكر وتقدّمه على عليّ في العلم ببيانات تافهة ، إلى أن قال : علم كلُّ ذي حظّ من العلم أنّ الذي كان عند أبي بكر من العلم أضعاف ما كان عند عليّ منه.

وقال في تقدّم عمر على عليّ في العلم : علم كلُّ ذي حسّ علماً ضروريّا أنّ الذي كان عند عمر من العلم أضعاف ما كان عند عليّ من العلم! ـ إلى أن قال ـ : فبطل قول هذه الوقّاح الجهّال ، فإن عاندنا معاند في هذا الباب جاهل أو قليل الحياء لاح كذبه وجهله ، فإنّا غير مهتمّين على حطّ أحد من الصحابة عن مرتبته.

الجواب : أنا لست أدري أأضحك من هذا الرجل جاهلاً؟ أم أبكي عليه مغفّلاً ، أم أسخر منه معتوهاً؟ فإنّ ممّا لا يدور في أيّ خلد الشكّ في أنّ أمير المؤمنين عليّا عليه‌السلام كان يربو بعلمه على جميع الصحابة ، وكانوا يرج عون إليه في القضايا والمشكلات ، ولا يرجع إلى أحد منهم في شيء ، وإنّ أوّل من اعترف له بالأعلميّة نبيّ الإسلام صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بقوله لفاطمة :

«أما ترضين أنّي زوّجتك أوّل المسلمين إسلاماً ، وأعلمهم علماً» (١).

وقوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : لها : «زوّجتك خير أمّتي ، أعلمهم علماً ، وأفضلهم حلماً ، وأوّلهم سِلماً» (٢).

__________________

(١) مستدرك الحاكم : [٣ / ١٤٠ ح ٤٦٤٥] ، كنز العمّال : ٦ / ١٣ [١١ / ٦٠٥ ح ٣٢٩٢٥]. (المؤلف)

(٢) أخرجه الخطيب في المتّفق ، السيوطي في جمع الجوامع كما في ترتيبه : ٦ / ٣٩٨ [كنز العمّال : ١١ / ٦٠٥ ح ٣٢٩٢٦]. (المؤلف)

١٣٨

وقوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : لها : «إنّه لأوّل أصحابي إسلاماً ـ أو أقدم أمّتي سلماً ـ ، وأكثرهم علماً ، وأعظمهم حلماً» (١).

وقوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «أعلم أمّتي من بعدي عليُّ بن أبي طالب» (٢).

وقوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «عليٌّ وعاء علمي ووصيّي وبابي الذي أوتى منه» (٣).

وقوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «عليٌّ باب علمي ومبيّن لأمّتي ما أُرسلتُ به من بعدي» (٤).

وقوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «عليٌّ خازن علمي» (٥).

وقوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «عليٌّ عيبة علمي» (٦).

وقوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «أقضى أمّتي عليّ» (٧).

__________________

(١) مسند أحمد : ٥ / ٢٦ [٥ / ٦٦٢ ح ١٩٧٩٦] ، الاستيعاب : ٣ / ٣٦ [القسم الثالث / ١٠٩٩ رقم ١٨٥٥] ، الرياض النضرة : ٢ / ١٩٤ [٣ / ١٤١] ، مجمع الزوائد : ٩ / ١٠١ و ١١٤ بطريقين ، صحّح أحدهما ووثّق رجال الآخر ، المرقاة في شرح المشكاة : ٥ / ٥٦٩ [١٠ / ٤٧٠ ح ٦٠٩٦] ، كنز العمّال : ٦ / ١٥٣ [١١ / ٦٠٥ ح ٣٢٩٢٤] ، السيرة الحلبية : ١ / ٢٨٥ [١ / ٢٦٨] ، سيرة زيني دحلان : ١ / ١٨٨ [١ / ٩١] هامش الحلبية. (المؤلف)

(٢) أخرجه الديلمي عن سلمان ، وذكره الخوارزمي في المناقب : ص ٤٩ [ص ٨٢ ح ٦٧] ، ومقتل الحسين : ١ / ٤٣ ، المتّقي في كنز العمّال : ٦ / ١٥٣ [١١ / ٦١٤ ح ٣٢٩٧٧]. (المؤلف)

(٣) شمس الأخبار : ص ٣٩ [١ / ١٠٦ باب ٧] ، كفاية الكنجي : ص ٧٠ ، ٩٣ [ص ١٦٨ باب ٣٧]. (المؤلف)

(٤) أخرجه الديلمي [في الفردوس بمأثور الخطاب : ٣ / ٦٥ ح ٤١٨١] عن أبي ذرّ كما في كنز العمّال : ٦ / ١٥٦ [١١ / ٦١٤ ح ٣٢٩٨١] ، كشف الخفاء : ١ / ٢٠٤ [ح ٦١٨]. (المؤلف)

(٥) شرح النهج لابن أبي الحديد : ٢ / ٤٤٨ [٩ / ١٦٥ خطبة ١٥٤]. (المؤلف)

(٦) شرح النهج لابن أبي الحديد : ٢ / ٤٤٨ ، الجامع الصغير للسيوطي [٢ / ١٧٧ ح ٥٥٩٣] وجمع الجوامع له كما في ترتيبه : ٦ / ١٥٣ [كنز العمّال : ١١ / ٦٠٣ ح ٣٢٩١١ وفيه : عتبة بدل عيبة] ، شرح العزيزي : ٢ / ٤١٧ [٢ / ٤٥٨] ، حاشية شرح العزيزي للحفني : ٢ / ٤١٧ [٢ / ٤٥٨] ، مصباح الظلام : ٢ / ٥٦ [٢ / ١٣٦ ح ٤٠٥]. (المؤلف)

(٧) مصابيح البغوي : ٢ / ٢٧٧ [٤ / ١٨٠ ح ٤٧٨٧] ، الرياض النضرة : ٢ / ١٩٨ [٣ / ١٤٧] ، مناقب الخوارزمي : ص ٥٠ [ص ٨١ ح ٦٦] ، فتح الباري : ٨ / ١٣٦ [٨ / ١٦٧] ، بغية الوعاة : ص ٤٤٧ [٢ / ٤٠٦ رقم ٢١]. (المؤلف)

١٣٩

وقوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «أقضاكم عليّ» (١).

وقوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «يا عليُّ أخصِمُكَ بالنبوّة ولا نبوّة بعدي ، وتَخصِم بسبعٍ ـ إلى أن عدّ منها ـ وأعلمهم بالقضيّة» وفي لفظ : «وأبصرهم بالقضيّة» (٢).

وقوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «قُسّمت الحكمة عشرة أجزاء ، فأُعطي عليٌّ تسعة أجزاء ، والناس جزءاً واحداً» (٣).

وكيف كان صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يقول لمّا يقضي عليٌّ في حياته : «الحمد للهِ الذي جعل الحكمة فينا أهل البيت» (٤).

وإذا كان عليٌّ باب مدينة علم رسول الله وحكمته (٥) ارجاع دارد بالنصوص المتواترة

__________________

(١) الاستيعاب : ٣ / ٣٨ هامش الإصابة [الاستيعاب : القسم الثالث / ١١٠٢ رقم ١٨٥٥] ، مواقف القاضي الإيجي : ٣ / ٢٧٦ [ص ٤١١] ، شرح ابن أبي الحديد : ٢ / ٢٣٥ [٧ / ٢١٩ خطبة ١٠٨] ، مطالب السؤول : ص ٢٣ ، تمييز الطيّب من الخبيث : ص ٢٥ [ص ٣٤ ح ١٨٤] ، كفاية الشنقيطي : ص ٤٦. (المؤلف)

(٢) حلية الأولياء : ١ / ٦٦ [رقم ٤] ، الرياض النضرة : ٢ / ١٩٨ [٣ / ١٤٧] عن الحاكمي ، مطالب السؤول : ص ٣٤ ، تاريخ ابن عساكر [١٢ / ١٣٩ ، وفي مختصر تاريخ دمشق : ١٧ / ٣١٥] ، كفاية الكنجي : ص ١٣٩ [ص ٢٢٦ باب ٥٩] ، كنز العمّال : ٦ / ١٥٣ [١١ / ٦١٧ ح ٣٢٩٩٤]. (المؤلف)

(٣) حلية الأولياء : ١ / ٦٥ [رقم ٤]، أسنى المطالب للحافظ الجزري : ص ١٤ [ص ٧١]. (المؤلف)

(٤) أخرجه أحمد في المناقب [ص ١٦٨ ح ٢٣٥] ، محبّ الدين الطبري في الرياض : ٢ / ١٩٤ [٣ / ١٤٩]. (المؤلف)

(٥) ويأتي هذا الحديث : «أنا مدينة العلم وعليّ بابها» ومصادره والكلام عليه مشبعاً في الجزء السادس ، فراجع. وقد ألّف فيه السيوطي جزءاً مفرداً (دليل مخطوطات السيوطي وأماكن وجودها ص ٥٢ رقم ١٣٨). وألّف فيه العلاّمة المحدّث أحمد بن محمد بن الصديق أبو الفيض الغماري المغربي المتوفّى سنة ١٣٨٠ كتاباً سمّاه فتح الملك العلي بصحة حديث أنا مدينة العلم وبابها علي ، ولقد أجاد وأفاد وصحّح الحديث بما لا مزيد عليه وطبع في مصر والعراق.

١٤٠