الغدير في الكتاب والسنّة والأدب - ج ٣

الشيخ عبد الحسين أحمد الأميني النجفي

الغدير في الكتاب والسنّة والأدب - ج ٣

المؤلف:

الشيخ عبد الحسين أحمد الأميني النجفي


المحقق: مركز الغدير للدّراسات الإسلاميّة
الموضوع : العقائد والكلام
الناشر: مركز الغدير للدراسات الإسلامية
المطبعة: باقري
الطبعة: ١
الصفحات: ٥٧٦

وذكر له أبو نصر المقدسي في الظرائف واللطائف (١) (ص ١٢٣) قوله في صديق له ولدت له بنت فسخطها :

قالوا له ما ذا رزقتَ

فأصاخ ثَمّة قال بنتا

وأجلُّ من وَلَدَ النسا

ءُ أبو البناتِ فَلِمْ جَزعتا

إنّ الذين تَوَدُّ من

بين الخلائقِ ما استطعتا

نالوا بفضل البنتِ ما

كَبَتوا به الأعداءَ كَبتا

وذكر له المقدسي أيضاً قوله :

إنّ صدرَ النهارِ أنضرُ شَطر

يه كما نضرةُ الفتى في فتائه

ويوجد له في مجموعة المعاني (٢) (ص ٥٩):

كان يُبكيني الغِناءُ سروراً

فأراني أبكي لهُ اليومَ حُزنا

قد مضى ما مضى فليس يُرجّى

وبقي ما بقي فما فيه مَغنى

وله في (ص ٨٢):

لا تكتسي النورَ الرياضُ إذا

لم يَرْوِهنّ مخايلُ المطرِ (٣)

والغيثُ لا يُجدي إذا ذرفتْ

آماقُ مدمعِه على حَجَرِ

وكذاك لو نيلَ الغنى بيدٍ

لم تجتذب بسواعدِ القدرِ

وله في أنوار الربيع (٤) (ص ٤٥٦) قوله :

يا شادناً أُفرِغَ من فضّه

في خدّه تفّاحةٌ غَضّه

__________________

(١) الظرائف واللطائف : ص ٩٢ باب ٨٥ ، ص ١٠٦ باب ٩٧.

(٢) مجموعة المعاني : ١ / ٢٦٩ رقم ٤٢٢ ، ص ٣٨٢ رقم ٦٠٧.

(٣) مخايل : جمع مخيلة ، وهي السحابة التي يُخال فيها المطر.

(٤) أنوار الربيع : ٤ / ٩٢ ، ١٤٦ ، ٢٦٢.

١٠١

كأنما القُبلةُ في خدّهِ

للحُسنِ من رقّته عضّه

يهتزُّ أعلاه إذا ما مشى

وكلّه في يمنه قبضه

ارحم فتىً لمّا تملّكتَهُ

أقرّ بالرقّ فلم تَرضَه

وله في الأنوار (ص ٤٨٠) قوله :

بأبي فمٌ شهد الضميرُ لهُ

قبل المذاقِ بأنّه عَذْبُ

كشهادتي للهِ خالصةً

قبلَ العيان بأنّه الربُ

والعينُ لا تُغني بنظرتِها

حتى يكونَ دليلَها القلبُ

وله في (ص ٤٨١) قوله :

كأنّ همومَ الناسِ في الأرض كلّها

عليَّ وقلبي بينهم قلبُ واحدِ

ولي شاهدا عدلٍ سُهادٌ وعَبرةٌ

وكم مدّعٍ للحقّ من غير شاهدِ

وله في (ص ٥٢٨) قوله :

وجهٌ هو البدر إلاّ أنّ بينهما

فضلاً تحيّر عن حافاته النورُ

في وجهِ ذاكَ أخاليطٌ مُسوّدةٌ

وفي مضاحِكِ هذا الدرُّ منثورُ

وذكر له في نشوة السكران (ص ٧٩) قوله :

عَريتُ عن الشبابِ وكنتُ غضّا

كما يعرى عن الورقِ القضيبُ

ونُحتُ على الشبابِ بدمعِ عيني

فما نفعَ البكاءُ ولا النحيبُ

ألا ليتَ الشبابَ يعود يوماً

فأخبرَهُ بما فعلَ المشيبُ (١)

ولادته ووفاته :

لم نقف على تاريخ ولادة المترجَم سيّدنا الحِمّاني ، غير أنّ المستفاد من وفاته

__________________

(١) توجد هذه الأبيات بتغيير يسير في ديوان أبي العتاهية : ص ٢٣. (المؤلف)

١٠٢

سنة (٣٠١) ، ووفاة والده سنة ستّ بعد المائتين في خلافة المعتمد (١) ، كما في مروج الذهب (٢) (٢ / ٤١٣) : هو أنّ السيّد كان من المعمَّرين ، أدرك القرن الثالث من أوّله إلى آخره.

وأمّا وفاته فقد اختلف في تاريخها. قال النسّابة العمري في المجدي (٣) ما ملخّصه : ذكر شيخنا أبو الحسن بن [أبي] جعفر أنّ الحِمّ اني مات سنة (٢٧٠) بعد مخرجهِ من المحبس ، وقال ابن حبيب صاحب التاريخ في اللوامع : إنّه مات سنة (٣٠١) ، وهذا هو الصحيح. انتهى.

وقال ابن الأثير في الكامل (٤) (٧ / ٩٠) : إنّه توفّي سنة (٢٦٠) والله أعلم.

ونحن نرى الصحيح ما صحّحه النسّابة صاحب المجدي ، لمكان أبياته المذكورة في بني طاهر بن مصعب بعد ما حكم عليهم الدهر ، وانقرضت حكومتهم بعد موت آخر رئيسهم عبيد الله بن عبد الله بن طاهر المتوفّى في الثاني عشر من شوّال سنة (٣٠٠) ، فشعره فيهم يقتضي بقاءه إلى هذا التاريخ (٣٠١).

ولسيّدنا المترجَم ذريّة كريمة وأحفاد علماء أئمّة أعلام ، فيهم من هو في الطليعة من الشعراء والأدباء والخطباء ، وإليه ينتهي نسب الأسرة الشهيرة القزوينيّة العريقة في العلم والفضل والأدب ، النازلين في مدن العراق ، كما أن له آباءً أعلاماً نالوا سنام المجد وذروة الشرف ، فمن أولئك جدُّه الأعلى زيد الشهيد ، ويهمّنا الآن بيان مجمل اعتقاد الشيعة فيه لإماطة الستر عمّا هناك من الجنايات المخبّأة والنسب المختلقة.

__________________

(١) كانت خلافة المعتمد بين عامي ٢٥٦ و ٢٧٩ ه‍. وأمّا كلمة (ست) المذكورة في المتن فهي منقولة عن إحدى النسخ الخطّية لمروج الذهب ، وهي تصحيف لكلمة (ستّين) السنة التي ذكرها المسعودي تاريخاً لوفاة الشاعر نفسه لا والده.

(٢) مروج الذهب : ٤ / ١٥٣.

(٣) المجدي في أنساب الطالبيّين : ص ١٨٥ ، وفيه كما أثبتناه بين المعقوفتين.

(٤) الكامل في التاريخ : ٤ / ٤٥٣ حوادث سنة ٢٦٠ ه‍.

١٠٣
١٠٤

زيد الشهيد

والشيعة الإماميّة الاثنا عشريّة

هو أحد أُباة الضيم ، ومن مقدّمي علماء أهل البيت ، قد اكتنفته الفضائل من شتّى جوانبه ، علم متدفّق ، وورع موصوف ، وبسالة معلومة ، وشدّة في البأس ، وشَمم يخضعُ له كلُّ جامح ، وإباء يكسح عنه أيَّ ضيم ، كلُّ ذلك موصولٌ بشرف نبويّ ، ومجد علويّ ، وسؤدد فاطميّ ، وروح حسينيّ.

والشيعة على بكرة أبيها لا تقول فيه إلاّ بالقداسة ، وترى من واجبها تبرير كلّ عمل له من جهاد ناجع ، ونهضة كريمة ، ودعوة إلى الرضا من آل محمد ، تشهد لذلك كلّه أحاديث أسندوها إلى النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وأئمّتهم عليهم‌السلام ، ونصوص علمائهم ، ومدائح شعرائهم وتأبينهم له ، وإفراد مؤلّفيهم أخباره بالتدوين.

أمّا الأحاديث فمنها قول رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم للحسين السبط : «يخرج من صلبك رجلٌ يقال له زيد ، يتخطّى هو وأصحابه رقاب الناس ، يدخلون الجنّة بغير حساب» (١)

وقوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فيه : «إنّه يخرج ويُقتل بالكوفة ، ويُصلب بالكناسة ، يُخرج من

__________________

(١) عيون أخبار الرضا لشيخنا الصدوق في الباب ٢٥ [١ / ٢٢٦ ح ٢] ، وكفاية الأثر [ص ٣٠٤]. (المؤلف)

١٠٥

قبره نبشاً ، وتُفتح لروحه أبواب السماء ، وتبتهج به أهل السموات والأرض» (٢).

وقول أمير المؤمنين عليه‌السلام وقد وقف على موضع صلبه بالكوفة ، فبكى وبكى أصحابه ، فقالوا له : ما الذي أبكاك؟ قال : «إنّ رجلاً من ولدي يُصلب في هذا الموضع ، من رضي أن ينظر إلى عورته كبّه الله على وجهه في النار» (٣).

وقول الإمام الباقر محمد بن عليّ عليهما‌السلام : «اللهمّ اشدد أزري بزيد».

وكان إذا نظر إليه يتمثّل :

لعمرك ما إن أبو مالكٍ

بواهٍ ولا بضعيفٍ قواهُ

ولا بالألدّ له وازعٌ

يُعادي أخاهُ إذا ما نهاهُ

ولكنّه هيّنٌ ليّنٌ

كعاليةِ الرمحِ عَردٌ نَساهُ

إذا سُدْتَهُ سُدْتَ مطواعةً

ومهما وكلتَ إليه كفاهُ

أبو مالك قاصرٌ فقرَهُ

على نفسِهِ ومشيعٌ غناهُ (٤)

ودخل عليه زيد فلمّا رآه تلا : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ شُهَداءَ لِلَّهِ) (٥) ثمّ قال : «أنت والله يا زيد من أهل ذلك» (٦).

وقول الصادق عليه‌السلام : «إنّه كان مؤمناً ، وكان عارفاً ، وكان عالماً ، وكان صدوقاً ، أما إنّه لو ظفر لَوفى ، أما إنّه لو ملك لعرف كيف يضعها» (٧).

وقوله الآخر لمّا سمع قتله : «إنّا لله وإنّا إليه راجعون ، عند الله أحتسب عمّي إنّه

__________________

(٢) عيون أخبار الرضا لشيخنا الصدوق [١ / ٢٢٧ ح ٤]. (المؤلف)

(٣) كتاب الملاحم لسيّدنا ابن طاووس في الباب ٣١ [ص ٨٤]. (المؤلف)

(٤) الأغاني : ٢٠ / ١٢٧ [٢٤ / ٩٥]. (المؤلف)

(٥) النساء : ١٣٥.

(٦) الروض النضير : ١ / ٥٥ (المؤلف).

(٧) رجال الكشّي : ص ١٨٤ [٢ / ٥٧٠ رقم ٥٠٥]. (المؤلف)

١٠٦

كان نعم العمّ ، إنّ عمّي كان رجلاً لدنيانا وآخرتنا ، مضى والله عمّي شهيداً كشهداء استشهدوا مع رسول الله وعليٍّ والحسين ، مضى والله شهيداً» (٨).

وقوله الآخر : «إنّ زيداً كان عالماً ، وكان صدوقاً ، ولم يدْعُكم إلى نفسه وإنّما دعاكم إلى الرضا من آل محمد ، ولو ظفر لَوفى بما دعاكم إليه ، وإنّما خرج إلى سلطان مجتمع لينقضه» (٩).

وقوله الآخر في حديث : «أمّا الباكي على زيد فمعه في الجنّة ، وأمّا الشامت فشريكٌ في دمه».

وقول الرضا ـ سلام الله عليه ـ : «إنّه كان من علماء آل محمد ، غضب لله ، فجاهد أعداءه حتى قُتل» (١٠).

والأحاديث في ذلك كثيرةٌ ، وإنّما اقتصرنا على المذكور تحرّياً للإيجاز.

وأمّا نصوص العلماء (١١) ، فدونك كلمة الشيخ المفيد في إرشاده ، والخزّاز القمّي في كفاية الأثر ، والنسّابة العمري في المجدي ، وابن داود في رجاله ، والشهيد الأوّل في قواعده ، والشيخ محمد ابن الشيخ صاحب المعالم في شرح الاستبصار ، والأسترابادي في رجاله ، وابن أبي جامع في رجاله ، والعلاّمة المجلسي في مرآة العقول ، وميرزا عبد الله الأصبهاني في رياض العلماء ، والشيخ عبد النبيّ الكاظمي في تكملة الرجال ،

__________________

(٨) عيون أخبار الرضا [١ / ٢٢٨ ح ٦]. (المؤلف)

(٩) الكافي [روضة الكافي : ٨ / ٢٦٤ ح ٣٨١]. (المؤلف)

(١٠) عيون الأخبار لشيخنا الصدوق [١ / ٢٢٥ ح ١]. (المؤلف)

(١١) الإرشاد : ٢ / ١٧١ ـ ١٧٥ ، كفاية الأثر : ص ٣٠١ ، المجدي : ص ١٥٦ ، رجال ابن داود : ص ١٠٠ رقم ٦٦٣ ، القواعد والفوائد : ٢ / ٢٠٧ ، رجال الاسترابادي : ص ١٥٤ ، مرآة العقول : ١٤ / ١٦٢ ، رياض العلماء : ٢ / ٣١٨ ، تكملة الرجال : ١ / ٤٢١ ، خاتمة الوسائل : ٢٠ / ٢٠٢ رقم ٥١١ ، منتهى المقال (رجال أبي علي) : ص ٢٠٦ ، خاتمة المستدرك : ص ٥٩٩ الفائدة الخامسة ، تنقيح المقال : ١ / ٤٦٧ رقم ٤٤٤٢.

١٠٧

والشيخ الحرّ العاملي في خاتمة الوسائل ، والسيّد محمد جدّ آية الله بحر العلوم في رسالته ، والشيخ أبي عليّ في رجاله ، وشيخنا النوري في خاتمة المستدرك ، وشيخنا المامقاني في تنقيح المقال. إلى كثيرين من أمثالهم ، فقد اتّفقوا جميعاً على معنىً واحد هو تنزيه ساحة زيد عن أيّ عابٍ وشية ، وإنّ دعوته كانت إلهيّة ، وجهاده في سبيل الله.

ويعرب عن رأي الشيعة جمعاء قول شيخهم بهاء الملّة والدين العاملي في رسالة إثبات وجود الإمام المنتظر : إنّا معشر الإماميّة لا نقول في زيد بن عليّ إلاّ خيراً ، والروايات عن أئمّتنا في هذا المعنى كثيرةٌ.

وقال العلاّمة الكاظميّ في التكملة (١) : اتّفق علماء الإسلام على جلالة زيد وورعه وفضله.

وأمّا شعراء الشيعة فللكميت من هاشميّاته قصيدةٌ يرثي بها زيد بن عليّ وابنه الحسين ، ويمدح بني هاشم مطلعها :

ألا هل عمٍ في رأيهِ متأمّلُ

وهل مدبرٌ بعد الإساءةِ مقبلُ

وله قوله في زيد :

يَعزّ على أحمدَ بالذي

أصاب ابنَهُ أمسِ من يوسفِ (٢)

خبيثٌ من العصبةِ الأخبثينَ

وإن قلتُ زانين لم أقذفِ

وقال سديف بن ميمون في قصيدة له :

لا تُقيلنَّ عبدَ شمسٍ عثارا

واقطعوا كلَّ نخلةٍ وغِراسِ

واذكروا مصرعَ الحسين وزيدٍ

وقتيلاً بجانب المهراسِ (٣)

__________________

(١) تكملة الرجال : ١ / ٤٢١.

(٢) يوسف بن عمر الثقفي عامل هشام على العراق ، وهو قاتل زيد. (المؤلف)

(٣) ماء بجبل أحد ، والقتيل بجنبه حمزة بن عبد المطّلب ـ سلام الله عليهما. (المؤلف)

١٠٨

وقال أبو محمد العبديّ الكوفيّ المترجم في كتابنا (٢ / ٣٢٦ ـ ٣٢٩):

حَسِبتْ أميّةُ أن سترضى هاشمٌ

عنها ويذهبُ زيدُها وحسينُها

كلاّ وربِّ محمدٍ وإلهِهِ

حتى تُباحَ سهولُها وحزونُها

وتَذِلَّ ذُلَّ حليلةٍ لحليلها

بالمشرفيّ وتُستردَّ ديونُها

وقال السيّد الحميري المترجم (٢ / ٢١٣ ـ ٢٨٩) كما في تاريخ الطبري (١) (٨ / ٢٧٨):

بتُّ ليلي مُسَهّدا

ساهرَ الطرف مقصدا

ولقد قلتُ قولةً

وأطلت التبلّدا

لعنَ الله حوشَباً

وخراشاً ومزيدا

ويزيداً فإنّه

كان أعتى وأعندا

ألف ألف وألف أل

 ـ فٍ من اللعن سرمدا

إنّهم حاربوا الإلهَ

وآذوا محمدا

شَركوا في دم المط

 ـ هّرِ زيدٍ تعنّدا

ثمّ عالوه فوق جذ

عٍ صريعاً مجرّدا

يا خراش بن حوشبٍ (٢)

أنت أشقى الورى غدا

ورثاه الفضل بن عبد الرحمن بن ربيعة بن الحارث بن عبد المطّلب المتوفّى (١٢٩) بقصيدة أوّلها :

ألا يا عين لا ترقي وَجُودي

بدمعك ليس ذا حينَ الجمودِ

غداة ابنُ النبيّ أبو حسينٍ

صليبٌ بالكُناسةِ فوق عودِ

__________________

(١) تاريخ الأمم والملوك : ٧ / ١٩٠ حوادث سنة ١٢٢ ه‍.

(٢) يقال : إنّ خراش بن حوشب هو الذي أخرج جسد زيد الشهيد من مدفنه الشريف. (المؤلف)

١٠٩

وأبو ثميلة صالح بن ذبيان الراوي عن زيد بقصيدة مستهلّها :

أأبا الحسين أَعار فقدُكَ لوعةً

من يَلقَ ما لاقيتَ منها يكمَدِ

والوزير الصاحب بن عبّاد (١) ، بمقطوعةٍ أوّلها :

بدا من الشيبِ في رأسي تفاريقُ

وحانَ للهوِ تمحيقٌ وتطليقُ

هذا فلا لهوَ من همٍّ يعوّقني

بيومِ زيدٍ وبعضُ الهمّ تعويقُ

وقال أبو الحسن بن حمّاد في أبيات له تأتي :

ودليلُ ذلك قولُ جعفر عندما

عُزّي بزيدٍ قال كالمستعبرِ

لو كان عمّي ظافراً لَوفى بما

قد كان عاهدَ غيرَ أن لم يظفَرِ

وللشيخ صالح الكوّاز (٢) في قصيدة يرثي بها الإمام السبط قوله :

وزيد وقد كان الإباءُ سجيّةً

لآبائِهِ الغرِّ الكرامِ الأطايبِ

كأنّ عليه أُلقي الشَّبحُ الذي

تشكّلَ فيهِ شِبهُ عيسى لصالبِ

وقال الشيخ يعقوب النجفي المتوفّى (١٣٢٩):

يبكي الإمامُ لزيدٍ حين يذكُرهُ

وإنّ زيداً بسهمٍ واحدٍ ضُرِبا

فكيف حالُ عليّ بن الحسينِ وقد

رأى ابنَهُ لنبالِ القومِ قد نُصِبا

وللشيخ ميرزا محمد عليّ الأوردبادي قصيدة في مدحه ورثائه ، أوّلها :

أبت علياؤه إلاّ الكرامه

فلم تُقبر له نفسٌ مضامه

(٢٥) بيتاً

وللسيّد مهدي الأعرجي قصيدةٌ في رثائه ، مطلعها :

__________________

(١) ديوان الصاحب بن عبّاد : ص ٢٤٥.

(٢) ديوان الشيخ صالح الكوّاز الحلي : ص ٢٣.

١١٠

خليليّ عوجا بي على ذلكَ الربعِ

لأسقيه إن شحّ الحيا هاطلَ الدمعِ

(١٩) بيتاً

ورثاهُ السيّد عليّ النقي النقوي اللكهنوي بقصيدة استهلّها :

أبى اللهُ للأشرافِ من آل هاشمِ

سوى أن يموتوا في ظلال الصوارمِ

(٢٢) بيتاً

وللشيخ جعفر النقدي قصيدةٌ في رثائه ، أوّلها :

يا منزلٌ بالبلى غُيّبن أرسمُهُ

يبكيه شجواً على بُعدٍ متيّمُهُ

(٣١) بيتاً

وأفرد غير واحد من أعلام الإماميّة تأليفاً في زيد وفضله ومآثره ، فمنهم :

١ ـ إبراهيم بن سعيد بن هلال الثقفي : المتوفّى (٢٨٣) ، له كتاب أخبار زيد.

٢ ـ محمد بن زكريّا مولى بني غلاّب : المتوفّى (٢٩٨) ، له كتاب أخبار زيد.

٣ ـ الحافظ أحمد بن عقدة : المتوفّى (٣٣٣) ، له كتاب من روى أخبار زيد ومسنده.

٤ ـ عبد العزيز بن يحيى الجلودي : المتوفّى (٣٦٨) ، له كتاب أخبار زيد.

٥ ـ محمد بن عبد الله الشيباني : المتوفّى (٣٧٢) ، له كتاب فضائل زيد.

٦ ـ الشيخ الصدوق أبو جعفر القمّي : المتوفّى (٣٨١) ، له كتاب في أخباره.

٧ ـ ميرزا محمد الاسترابادي ، صاحب الرجال الكبير.

٨ ـ السيد عبد الرزاق المقرّم (١) أحد أعلام العصر المنقدين المكثرين من التأليف في المذهب ، على تضلّعه في العلم ، وقدمه في الشرف ، واحتوائه للمآثر الجليلة ، ومن مهمات تآليفه وأوفرها فائدة : كتاب الإمام السبط المجتبى ، وكتاب حياة

__________________

(١) ولد ١٣١٦ ه‍ ، وتوفّي ١٣٩١ ه‍.

١١١

الإمام السبط الشهيد ومقتله ، وكتاب السيّدة سكينة ، ورسالة في عليّ بن الحسين الأكبر ، وكتاب زيد الشهيد ، وكتاب في تنزيه المختار بن أبي عبيد الثقفي طبع مع كتاب زيد ، وكتاب أبي الفضل العبّاس ابن أمير المؤمنين. إلى غيرها من كتابات ورسائل قد جمع فيها وأوعى ، وأتى بما خلت عنه زبر الأوّلين ، فحيّاه الله ووفّقه للخير كلّه.

القول الفصل

هذا زيد ومقامه وقداسته عند الشيعة جمعاء ، فلست أدري أين يكون إذاً مقيل قول ابن تيميّة من مستوى الحقيقة : إنّ الرافضة رفضوا زيد بن عليّ بن الحسين ومن والاه ، وشهدوا عليه بالكفر والفسق؟! (١)

وتبعه على هذه الهفوة السيّد محمود الآلوسي في رسالته المطبوعة في كتاب السنّة والشيعة (ص ٥٢) وقال : الرافضة مثلهم كمثل اليهود ، الرافضة يبغضون كثيراً من أولاد فاطمة ـ رضي الله عنها ـ بل يسبّونهم كزيد بن عليّ ، وقد كان في العلم والزهد على جانب عظيم. وأخذ عنه القصيمي هذه الأكذوبة ، وذكرها في كتابه الصراع بين الإسلام والوثنيّة.

ذكر هؤلاء عزوهم المختلق هذا إلى الشيعة في عداد مساوئهم ، فشنّوا عليهم الغارات. ألا من يسائلهم عن أنّ الشيعة متى لهجت بهذه؟ ومن ذا الذي حكاها؟ وعلى أيّ كتاب تستند مزعمتهم؟ ومَن ذا الذي شافههم بها حيث خلت عنها الكتب؟ نعم ، لم يقصدوا إلاّ إسقاط محلّ الشيعة بهذه السفاسف ، فكشفوا عن سوأة إفكهم.

وإذا كان الكاتب عن أيّ أمّة لا يعرف شيئاً من معالمهم وأحوالهم ، أو يعرفها ثمّ

__________________

(١) منهاج السنّة : ٢ / ١٢٦. (المؤلف)

١١٢

يقلبها ظهراً لبطن ، يكون مثل هؤلاء الكتبة مورداً للمثَل : حَنّ قِدحٌ ليس منها (١).

وكأنّ هؤلاء المدافعين عن ساحة قدس زيد يحسبون القرّاء جهلاء بالتاريخ الإسلامي ، وأنّهم لا يعرفون شيئاً منه ، وتخفى عليهم حقيقة هذا القول المزوّر.

ألا من مُسائل هؤلاء عن أنّ زيداً ، إن كان عندهم وعند قومهم في جانب عظيم من العلم والزهد ، فبأيّ كتاب أم بأيّة سنّة حاربه أسلافهم ، وقاتلوه ، وقتلوه ، وصلبوه ، وأحرقوه ، وداروا برأسه في البلاد؟!

أليس منهم ومن قومهم أمير مناوئيه وقاتله يوسف بن عمر؟

أوَليس منهم صاحب شرطته العبّاس بن سعد؟

أوَليس منهم قاطع رأسه الشريف ابن الحكم بن الصلت؟

أوَليس منهم مبشّر يوسف بن عمر بقتله الحجّاج بن القاسم؟

أوَليس منهم خراش بن حوشب الذي أخرج جسده من قبره؟

أوَليس من خلفائهم الآمر بإحراقه الوليد أو هشام بن عبد الملك؟

أوَليس منهم حامل رأسه إلى هشام زهرة بن سليم؟

أوَليس من خلفائهم هشام بن عبد الملك ، وقد بعث رأس زيد إلى مدينة الرسول ، فنصب عند قبر النبيّ يوماً وليلة؟

أوَليس هشام بن عبد الملك ، كتب إلى خالد القسري يقسم عليه أن يقطع لسان الكميت شاعر أهل البيت ويده ، بقصيدة رثى بها زيد بن عليّ وابنه ، ومدح بني هاشم؟

__________________

(١) مثل يُضرَب للرجل يفتخر بقبيلةٍ ليس هو منها ، أو يتمدّح بما لا يوجد فيه. مجمع الأمثال : ١ / ٣٤١ رقم ١٠١٨.

١١٣

أوَليس عامل خليفتهم بالمدينة محمد بن إبراهيم المخزومي كان يعقد حفلات بها سبعة أيّام ، ويخرج إليها ويحضر الخطباء فيها ، فيلعنون هناك عليّا والحسنين وزيداً وأشياعهم؟

أوَليس من شعراء قومهم الحكيم الأعور؟ وهو القائل :

صَلَبنا لكم زيداً على جذعِ نخلةٍ

ولم نَرَ مهديّا على الجِذعِ يُصلَبُ

وقِستُم بعثمانٍ عليّا سفاهةً

وعثمانُ خيرٌ من عليٍّ وأطيبُ!!

أوَليس سَلَمةُ بن الحرّ بن الحكم شاعرهم هو القائل في قتل زيد؟ :

وأهلكنا جَحاجحَ من قريشٍ

فأمسى ذكرُهم كحديثِ أمسِ

وكنّا أُسّ ملكِهمُ قديماً

وما ملكٌ يقومُ بغيرِ أُسِ

ضمنّا منهمُ نكلاً وحزناً

ولكن لا محالةَ من تأسِ

أوَليس منهم من يقول بحيال رأس زيد وهو مصلوبٌ بالمدينة؟ :

ألا يا ناقض الميثا

قِ أبشر بالّذي ساكا

نقضتَ العهدَ والميثا

قَ قِدماً كان قُدماكا

لقد أخلف إبليسُ ال

ذي قد كان منّاكا

هذه حقيقة الحال ، فاقضِ ما أنت قاضٍ.

(أَفَمِنْ هذَا الْحَدِيثِ تَعْجَبُونَ* وَتَضْحَكُونَ وَلا تَبْكُونَ* وَأَنْتُمْ سامِدُونَ) (١)

__________________

(١) النجم : ٥٩ ـ ٦١.

١١٤

نقدٌ وإصلاح

حول الكتب والتآليف المزوّرة

وإذ لم تكن هذه الفرية الشائنة على الشيعة ـ حول زيد الشهيد ـ مجرّدة عن أمثالها الكثيرة في كتب القوم قديماً وحديثاً ـ وهي بذرة كلّ شرّ وفساد ، تُحيي في النفوس نعرات الطائفيّة ، وتفرّق جمع الإسلام ، وتُشتّت شمل الأمّة ، وتُضادّ الصالح العام.

يهمّنا أن نذكر جملةً منها عن عدّة من الكتب ، ليقف القارئ على ما لهم من هوسٍ وهياج في تخذيل عواطف المجتمع عن الشيعة ، وليعرف محلّهم من الصدق والأمانة ، وليتّخذ به المتكلّم دروساً عالية في معرفة الآراء والمعتقدات ، ويظهر للمفسّر ما حرّفته يد التأويل من آي الكتاب العزيز عن مواضعها ، وللفقيه ما لعبت به أيدي الهوى من أحكام الله ، وللمحدِّث ما ضيّعته الأهواء المضِلّة من السنّة النبويّة ، وللأخلاقيّ مصارع الهوى ومساقط الاستهتار ، وبذلك كلّه يتّخذ المؤلّف دستوراً صحيحاً ، وخطّةً راقيةً ، وأسلوباً صالحاً ، وأدباً بارعاً في التأليف.

(وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْواءَهُمْ مِنْ بَعْدِ ما جاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ إِنَّكَ إِذاً لَمِنَ الظَّالِمِينَ) (١)

__________________

(١) البقرة : ١٤٥.

١١٥

١ ـ

العقد الفريد (١)

قد يحسب القارئ لأوّل وهلة أنَّه كتاب أدب لا كتاب مذهب ، فيرى فيه نوعاً من النزاهة ، غير أنَّه متى أنهى سيره إلى مناسبات المذهب تجد مؤلّفه ذلك المهوس المهملج ، ذلك الأفّاك الأثيم ، قال (٢) (١ / ٢٦٩):

١ ـ الرافضة يهود هذه الأمّة ، يبغضون الإسلام كما يبغض اليهود النصرانيّة!

الجواب : كيف يرتضي القارئ هذه الكلمة القارصة؟ وبين يديه القرآن المجيد وفيه قوله تعالى : (إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ أُولئِكَ هُمْ خَيْرُ الْبَرِيَّةِ) (٣).

وقد ثبت فيها عن النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قوله لعليّ : «هم أنت وشيعتك» (٤). وكيف يرتضيها وهو يقرأ في الحديث قول الرسول الأمين صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لعليّ عليه‌السلام : «أنت وشيعتك في الجنّة»؟ تاريخ بغداد (١٢ / ٢٨٩).

وقوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «إذا كان يوم القيامة دُعي الناس بأسمائهم وأسماء أمّهاتهم إلاّ هذا ـ يعني عليّا ـ وشيعته. فإنّهم يُدعَون بأسمائهم وأسماء آبائهم لصحّة ولادتهم» (٥).

وقوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لعليّ : «يا عليّ إنّ الله قد غفر لك ، ولذريّتك ، ولولدك ، ولأهلك ، وشيعتك ، ولمحبّي شيعتك» (٦).

وقوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «إنّك ستقدم على الله أنت وشيعتك راضين مرضيّين» (٧).

__________________

(١) تأليف شهاب الدين بن عبد ربّه المالكي : المتوفّى ٣٢٨. (المؤلف)

(٢) العقد الفريد : ٢ / ١٠٤.

(٣) البيّنة : ٧.

(٤) راجع الجزء الثاني من كتابنا : ص ٥٧. (المؤلف)

(٥) مروج الذهب : ٢ / ٥١ [٣ / ٧]. (المؤلف)

(٦) الصواعق : ص ٩٦ ، ١٣٩ ، ١٤٠ [ص ١٦١ ، ٢٣٢ ، ٢٣٥]. (المؤلف)

(٧) نهاية ابن الأثير : ٣ / ٢٧٦ [٤ / ١٠٦]. (المؤلف)

١١٦

وقوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «أنت أوّل داخل الجنّة من أمّتي ، وأنّ شيعتك على منابر من نور ، مسرورون مبيضّة وجوههم حولي ، أشفع لهم فيكونون غداً في الجنّة جيراني» (١).

وقوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «أنا الشجرة ، وفاطمة فرعها ، وعليٌّ لقاحها ، والحسن والحسين ثمرتها ، وشيعتنا ورقها ، وأصل الشجرة في جنّة عدن وسائر ذلك في سائر الجنّة» (٢).

وقوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «يا عليُّ إنّ أوّل أربعة يدخلون الجنّة : أنا وأنت والحسن والحسين ، وذرارينا خلف ظهورنا ، وأزواجنا خلف ذرارينا ، وشيعتنا عن أيماننا وعن شمائلنا» (٣).

وفي لفظ : «أما ترضى أنّك معي في الجنّة ، والحسن والحسين وذريّتنا خلف ظهورنا؟» (٤).

وقوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «إنّ هذا ـ يعني عليّا ـ وشيعته هم الفائزون يوم القيامة» (٥)

وقوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في خطبة له : «أيّها الناس من أبغضنا ـ أهل البيت ـ حشره الله يوم القيامة يهوديّا» فقال جابر بن عبد الله : يا رسول الله وإن صام وصلّى؟! قال : «وإن صام وصلّى ، وزعم أنَّه مسلم ، احتجر بذلك من سفك دمه وأن يؤدّي الجزية عن يد وهم صاغرون. مُثّل لي أمّتي في الطين فمرّ بي أصحاب الرايات ، فاستغفرت لعليّ وشيعته». أخرجه الهيثمي في مجمع الزوائد (٩ / ١٧٢).

__________________

(١) مجمع الزوائد : ٩ / ١٣١ ، كفاية الطالب : ص ١٣٥ [ص ٢٦٥ باب ٦٢]. (المؤلف)

(٢) راجع من هذا الجزء : ص ٨. (المؤلف)

(٣) أخرجه الطبراني [في المعجم الكبير : ١ / ٣١٩ ح ٩٥٠] عن أبي رافع ، وابن عساكر عن عليّ عليه‌السلام في تاريخه : ٤ / ٣١٨ [٥ / ٤٣ ، وفي ترجمة الإمام الحسين عليه‌السلام : رقم ١٦٥] ، ويوجد في الصواعق : ص ٩٦ [ص ١٦١] ، ومجمع الزوائد : ٩ / ١٣١ ، وكنوز الحقائق هامش الجامع الصغير : ٢ / ١٦. (المؤلف)

(٤) أخرجه أبو سعد في شرف النبوّة كما في الرياض النضرة : ٢ / ٢٠٩ [٣ / ١٦٠]. (المؤلف)

(٥) راجع من كتابنا : ٢ / ٥٧ ، ٥٨ وتذكرة السبط : ص ٣١ [ص ٥٤]. (المؤلف)

١١٧

وقوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «شفاعتي لأمّتي ، من أحبّ أهل بيتي ، وهم شيعتي». تاريخ الخطيب (٢ / ١٤٦).

٢ ـ قال : محنة الرافضة محنة اليهود ، قالت اليهود : لا يكون الملك إلاّ في آل داود. وقالت الرافضة : لا يكون الملك إلاّ في آل عليّ بن أبي طالب.

الجواب : إن كانت في قول الرافضة تبعةٌ فهي على مخلّف آل عليّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بقوله الصحيح الثابت المتواتر المتسالم عليه ، المرويّ عن بضع وعشرين صحابيّا ، كما في الصواعق (١)) (ص ١٣٦): «إنّي تاركٌ ـ أو مخلّفٌ ـ فيكم الثقلين ـ أو الخليفتين ـ ما إنْ تمسّكتم به لن تضلّوا بعدي ، كتاب الله وعترتي أهل بيتي ، وإنّهما لن يفترقا حتى يردا عليَّ الحوض».

فقد خطب به الصادع بالحقِّ على رءوس الأشهاد ، في ملأ من الصحابة تبلغ عدّتهم مائة ألف أو يزيدون ، وأنبأ في ذلك المحتشد الحافل عن خلافة آل بيته الطاهر ، وعليٌّ سيّدهم وأبوهم.

وهذا الإمام الزرقاني المالكي يحكي في شرح المواهب (٧ / ٨) عن العلاّمة السمهودي أنَّه قال : هذا الخبر يُفهم وجود من يكون أهلاً للتمسّك به من عترته في كلّ زمن إلى قيام الساعة ، حتى يتوجّه الحثُّ المذكور على التمسّك به ، كما أن الكتاب كذلك ، فلذا كانوا أماناً لأهل الأرض ، فإذا ذهبوا ذهب أهل الأرض. انتهى.

فأيُّ رجل يسعه أن يسمع قوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في لفظ من حديث الثقلين : «إنّي قد تركت فيكم ما إن أخذتم به لن تضلّوا بعدي : الثقلين» (٢).

أو يقرأ قوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في لفظه الآخر : «أيّها الناس إنّي تاركٌ فيكم أمرين لن

__________________

(١) الصواعق المحرقة : ص ٢٢٨.

(٢) أخرجه الترمذي [في سننه : ٥ / ٦٢١ ح ٣٧٨٦] ، وأحمد [في مسنده : ٣ / ٤٦٣ ح ١١١٦٧] ، وجمع كثير من الحفّاظ والأئمّة. (المؤلف)

١١٨

تضلّوا إن اتّبعتموهما ، وهما : كتاب الله وأهل بيتي عترتي».

أو يقرع سمعه قوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في لفظه الثالث : «فسألت ذلك لهما ـ الثقلين ـ ربّي ، فلا تقدموهما فتهلكوا ، ولا تقصروا عنهما فتهلكوا ، ولا تعلّموهما فهم أعلم منكم». (١)

أو يقف على قوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في لفظه الرابع : «وناصرهما لي ناصرٌ ، وخاذلهما لي خاذلٌ ، ووليّهما لي وليٌّ ، وعدوّهما لي عدوٌّ» (٢).

ثمّ لا يتّبع آل عليّ ولا يتّخذهم إلى الله سبل السلام ، أو يقتدي بغيرهم ويضلّ عن سبيل الله ـ حاش لله ـ (إِنَّا هَدَيْناهُ السَّبِيلَ إِمَّا شاكِراً وَإِمَّا كَفُوراً) (٣).

وما ذنب الشيعة بعد قول نبيّهم صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «من سرّه أن يحيا حياتي ، ويموت مماتي ، ويسكن جنّة عدن غرسها ربّي ، فليوالِ عليّا من بعدي ، وليوالِ وليّه ، وليقتدِ بأهل بيتي من بعدي ، فإنّهم عترتي خُلقوا من طينتي ، ورُزقوا فهمي وعلمي ، فويلٌ للمكذّبين بفضلهم من أمّتي ، القاطعين فيهم صلتي ، لا أنالهم الله شفاعتي» (٤).

ونحن نقول : آمين ، ورحم الله من قال : آمينا.

وما ذا على الشيعة في قولهم بعد قوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «في كلّ خلوفٍ من أمّتي عدولٌ من أهل بيتي ينفون من هذا الدين تحريف الغالين ، وانتحال المبطلين ، وتأويل

__________________

(١) أخرجه الحافظ الطبراني في المعجم الكبير ، وعنه السيوطي في الدرّ المنثور : ٢ / ٦٠ ، والسخاوي في استجلاب ارتقاء الغرف : ق ٢١ / ب ، والسمهودي في جواهر العقدين : ق ٨٤ / ب ، وابن حجر في الصواعق : ص ٨٩. (الطباطبائي)

(٢) راجع في هذه الألفاظ الجزء الأول من كتابنا : ص ٣١ ـ ٣٨. (المؤلف)

(٣) الإنسان : ٣.

(٤) أخرجه أبو نعيم في الحلية : ١ / ٨٦ [رقم ٤] ، والطبراني [في المعجم الكبير : ٥ / ١٩٤ ح ٥٠٦٧] والرافعي كما في ترتيب جمع الجوا : ٦ / ٢١٧ [كنز العمّال : ١٢ / ١٠٣ ح ٣٤١٩٨]. (المؤلف)

١١٩

الجاهلين ، ألا إنّ أئمّتكم وفدكم إلى الله عزّ وجلّ ، فانظروا من توفدون» (١).

وقوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «إنّما مثلي ومثل أهل بيتي كسفينة نوح ، من ركبها نجا ، ومن تخلّف عنها غرق» (٢). (٣)

__________________

(١) أخرجه الملاّ [في وسيلة المتعبدين : ج ٥ / ق ٢ / ٢٠٠] ، كما في ذخائر العقبى : ص ١٧ ، الصواعق : ص ١٤١ [ص ٢٣٦]. (المؤلف)

(٢) أخرجه الخطيب البغدادي في تاريخه : ١٢ / ٩١ [رقم ٦٥٠٧] ، والحاكم في المستدرك : ٣ / ١٥١ [٣ / ١٦٣ ح ٤٧٢٠] وصحّحه. (المؤلف)

(٣) وممّن أخرج حديث السفينة هذا ابن قتيبة في عيون الأخبار : ١ / ٢١١ ، والبزّار في مسنده (كشف الأستار : ٢٦١٣ و ٢٦١٤ و ٢٦١٥) ، والفسوي في المعرفة والتاريخ : ٢ / ٤٢ ، والفاكهي في أخبار مكّة : ٣ / ١٣٤ برقم ١٩٠٤. وأخرجه الحافظ أبو يعلى ، وعنه البوصيري في إتحاف السادة وأخرجه الطبري وعنه السيوطي في جمع الجوامع ، والمتّقي في كنز العمّال : ١٢ / ٩٤ ، ٩٨ ح ٣٤١٤٤ ، ٣٤١٦٩ ، ٣٤١٧٠ ، وأخرجه الدولابي في الكنى والأسماء : ٢ / ٧٦. وأخرجه الطبراني في معاجمه الثلاثة في المعجم الصغير : ١ / ١٣٩ وفي الأوسط : ح ٣٥٠٢ وفي الكبير : ٣ / ٣٧ ح ٢٦٣٦ و ٢٦٣٧ و ٢٦٣٨ وفي ١٢ / ٣٤ ح ١٢٣٨٨. وأخرجه الدارقطني في العلل : ٦ / ٢٣٦ سؤال ١٠٩٨ ، والحاكم في المستدرك : ٢ / ٣٤٣ ، والمقدسي في البدء والتاريخ : ٣ / ٢٢ ، وابن عبد البرّ في الإنباه على قبائل الرواه : ص ٦٧ ، والخركوشي في شرف المصطفى مخطوطة الظاهرية : ١٨٨٧ / ق ١٧٢ / ب ، عن ابن عباس. وأخرجه ابن المغازلي في كتاب مناقب أمير المؤمنين عليه‌السلام بالأرقام : ١٧٣ ـ ١٧٧ ، والقاضي القضاعي في الشهاب ومسند الشهاب : ٢ / ٢٧٣ ، والديلمي في الفردوس : ٤ / ٤٢٣ ، وابنه في مسند الفردوس مخطوطة لاله لى : رقم ٦٤٨ / ق ٢٢٨ / ب ، بثلاثة طرق عن عبد الله بن الزبير وأبي ذر ، قال : وفي الباب أبو سعيد ، وقال أيضاً : وفي الباب عن ابن عباس. وأخرجه القاضي أبو بكر محمد بن عبد الله الأنصاري في مشيخته مخطوطة فيض الله : رقم ٥٣٣ / ق ٣ عن أبي محمد الجوهري عن القطيعي بإسناده عن أبي ذر. وأخرجه الخوارزمي في مقتل الحسين عليه‌السلام : ١ / ١٠٤ والملاّ في سيرته وسيلة المتعبدين : ج ٢ / ق ٢ / ص ٢٣٤ وج ٥ / ق ٢ / ص ١٩٩ ، وابن الأبار في المعجم : ص ٨٧ ، وابن الأثير في النهاية : ٢ / ٢٩٨ باب (زخ). وسبط ابن الجوزي في تذكرة خواص الأمّة : ص ٣٢٣ ، والمحب الطبري في ذخائر العقبى :

١٢٠