بحوث في الملل والنّحل - ج ٦

الشيخ جعفر السبحاني

بحوث في الملل والنّحل - ج ٦

المؤلف:

الشيخ جعفر السبحاني


الموضوع : الفرق والمذاهب
الناشر: مؤسسة النشر الإسلامي
الطبعة: ٢
الصفحات: ٧٠٤

العروض (١) وقد توإلى التأليف بعده إلى عصرنا هذا ، ومن أراد التفصيل فليرجع إلى المعاجم حول مصنّفات الشيعة.

ومن أبرز ما اُلّف في العروض أخيراً أثران :

أحدهما : للسيد الشريف هبة الدين الشهرستاني ١٣٠١ ـ ١٣٨٦ أسماه : رواشح الفيوض في علم العروض وقد طبع في طهران ١٣٢٤.

ثانيهما : منظومة رصينة قيّمة قلّما رأى الدهر مثلها للشيخ مصطفى التبريزي ( ١٢٩٨ ـ ١٣٣٨ ) شرحها العلاّمة أبو المجد الشيخ محمّد رضا الاصفهاني ( ١٢٨٦ ـ ١٣٦٢ ) وأسماها « اداء المفروض في شرح ارجوزة العروض » وإليك مستهلّها :

الحمد للّه على اسباغ ما

أولى لنا من فضله وأنعما

وخصّنا منه بواف وافر

من بحر جوده المديد الزاخر

صلّى على نبيّنا المختار

ما عاقب الليل على النهار

وآله معادن الرسالة

بهم يداوي علل الجهالة

خذها ودع عنك رموز الزامرة

كعادة تجلى عليك بارزة

تجمع كل ظاهر وخاف

في علمي العروض والقوافي (٢)

ولنكتف بهذا المقدار والمقصود عرض موجز من مشاطرتهم غيرهم في تتبّع العلوم وتطويرها.

____________

١ ـ كشف الظنون ١ / ١٣٢.

٢ ـ نحتفط منها بنسخة بخط السيد الامام الخميني قدس‌سره وفرغ من نسخها عام ١٣٤٦.

٥٤١

٥ ـ قدماء الشيعة وطرائف الشعر :

لا نريد من الشعر في المقام ، الألفاظ المسبوكة ، والكلمات المنضَّدة على أحد الأوزان الشعرية. وانّما نريد منه ما يحتوي على المضامين العالية ، في الحياة ويبث روح الجهاد في الإنسان أو الذي يشتمل على حجاج في الدين أو تبليغ للحق. وعلى مثل هذا الشعر بنيت الحضارة الإنسانية وهو مقياس ثقافة الاُمّة ورقيّها وله خلود عبر القرون لا تطمسه الدهور والأيّام.

فلو نرى في الذكر الحكيم ، تنديداً بالشعراء لقوله عزّوجلّ : ( والشُّعَراءُ يَتَّبِعُهُمُ الغاوون ) (١) فانّما يريد بها الشعراء المأجورين الذين يتغافرون بالأباطيل فيجعلون من الشعر تجارة ، ويصنعون من الظالم مظلوماً ، ومن المظلوم ظالماً ولأجل ذلك قال سبحانه : ( ألَمْ تَرَ أنَّهُمْ فِى كُلِّ وادٍ يَهيمُونَ * وأنَّهُمْ يَقُولُونَ ما لا يَفْعَلُونَ ) (٢).

فإذا كان المراد من الشعراء هذه الطائفة المثلى ، الذين لا يقصدون بشعرهم وأدبهم وطرائفهم إلاّ ترويج الحق ودعمه ونشره في الملاء ، فنرى في الشيعة طبقة راقية منهم في القرون الاُولى وكان أئمة أهل البيت يقدّرون جهودهم ويرحبّون بهم بكل حفاوة كما نطق به التاريخ في حقّ الفرزدق وميميته وهاشميات الكميت ، وعينية الحميري وتائية دعبل ، لقد حظوا جميعاً بتقدير واحترام الأئمة وصار عملهم في هذا المجال اسوة الشيعة.

وإليك أسماء قليل من شعراء الشيعة مع ذكر ابيات من شعرهم الخالد.

__________________

١ ـ الشعراء / ٢٢٤.

٢ ـ الشعراء / ٢٢٥ ـ ٢٢٦.

٥٤٢

١ ـ قيس بن سعد بن عبادة :

وهو سيد الخزرج ، الصحابي الجليل ، كان زعيماً مطاعاً ، كريماً ممدوحاً ، وكان من شيعة علي عليه‌السلام بعثه علي أميراً على مصر سنة ٣٦ وهو وأبوه وأهل بيته من الذين لم يبايعوا ابابكر وقالوا لا نبايع إلاّ عليّاً (١).

ومن أشعاره التي أنشدها بين يدي أميرالمؤمنين عليه‌السلام :

قلتُ لمّا بغى العدو علينا

حسبنا ربّنا ونعم الوكيل

حسبنا الذي فتح البصر

ة بالأمس والحديث الطويل

يوم قال النبي من كنت مولا

ه فهذا مولاه خطب جليل

انّما قاله النبي على الاُمّة

حتم ما فيه قال وقيل (٢)

٢ ـ الكميت ( ٦٠ ـ ١٢٦ ) :

وهو الكميت بن زيد شاعر مقدم ، عالم بلغات العرب ، خبير بأيّامها من شعراء مضر. وكان معروفاً بالتشيّع لبني هاشم مشهوراً بذلك وقد حظى بتقدير الأئمة لا صحاره بالحق ، ولجهاده في سبيله ، وهاشمياته المقدّرة بـ ٥٧٨ بيتاً أخلد ذكراه في التاريخ وهي مشتملة على ميمية وبائية ورائية وغيرها.

وإليك أبياتاً من عينيته :

ويوم الدوح دوح غدير خم

أبان له الولاية لو اُطيعا

ولكن الرجال تبايعوها

فلم أر مثلها خطراً مبيعا

__________________

١ ـ الطبري : التاريخ ٣ / ٤٦٢.

٢ ـ المفيد : الفصول المختارة ٨٧ ، الكراجكي : كنز الفوائد ٢٣٤ ، سبط ابن الجوزي : تذكرة الخواص ٢٠.

٥٤٣

إلى أن قال :

أضاعوا أمر قائدهم فضلّوا

وأقومهم لدى الحدثان ريعا

تناسوا حقّه وبغوا عليه

بلا ترة وكان لهم قريعا

فقل لبني اُميّة حيث حلّوا

وإن خفت المهنَّد والقطيعا

ولقد طبع ديوان الكميت غير مرة وشرحه الاُستاذ محمّد شاكر الخياط والاُستاذ الرافعي (١).

٣ ـ السيد الحميري ( ت ١٧٣ ) :

أبو هاشم إسماعيل بن محمّد الملقّب بالسيد ، الشاعر المعروف ، ومن المكثرين المجيدين ، ومن الثلاثة الذين عدّوا أكثر الناس شعراً في الجاهلية والإسلام وهم « السيّد » و« بشار » و« أبو العتاهية » وكان متفانياً في حبّ العترة الطاهرة فلم يكن يرى لمناوئيهم حرمة وقدراً وكان يشدّد النكير عليهم في كل موقف ويهجوهم بألسنة حداد في كل حول طول.

ومن قصائده المعروفة ، عينيته وقد شرحها عدة من الأدباء ومستهلّها :

لاُم عمرو باللوى مربَع

طامسة أعلامها بلقع

تروع عنها الطير وحشيَّة

والوحشُ من خيفته تفزعُ (٢)

٤ ـ دعبل الخزاعي ( ت ٢٤٦ ) :

أبو علي دعبل بن علي الخزاعي وهو من بيت علم وفضل وأدب ، يرجع نسبه

__________________

١ ـ إقرأ حياة الكميت في الغدير ٢ / ١٨٠ ـ ٢١٢.

٢ ـ إقرأ ترجمة السيد في الغدير ٢ / ٢١٣ ـ ٢٨٩.

٥٤٤

إلى بديل بن ورقاء الخزاعي الذي دعا في حقّه النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم.

قال النجاشي : أبو علي الشاعر المشهور في أصحابنا ، صنّف كتاب طبقات الشعراء ومن أراد التوغّل في حياته وسيرته ، فليقرأ النواحي الأربعة من حياته :

١ ـ تهالكه في ولائه لأهل البيت عليهم‌السلام.

٢ ـ نبوغه في الشعر والأدب والتاريخ وتآليفه.

٣ ـ روايته للحديث والرواة عنه ومن يروي عنهم.

٤ ـ سيرته مع الخلفاء ثم ملحه ونوادره وثم ولادته ووفاته (١).

وإليك نزراً من تائيته المعروفة :

تجاوبن بالأرنان والزفراتِ

نوائح عجم اللفظ والنطقات

إلى أن يقول :

هم نقضوا عهد الكتاب و

فرضه ومحكمه بالزور والشبهات

ولم تك إلاّ محنة قد كشفتهم

بدعوى ضلال من هن وهنات

تراث بلا قربى وملك بلا هوى

وحكم بلا شورى بغير هدات

٥ ـ أبو فراس ( ٣٢٠ ـ ٣٥٧ ) :

أبو فراس الحرث ابن أبي العلاء قال الثعالبي : كان فرد دهره ، وشمس عصره ، أدباً وفضلا وكرماً ونبلا ومجداً وبلاغة وبراعة وفروسية وشجاعة وشعره مشهور سائر بين الحسن والجودة ، والسهولة والجزالة ، والعذوبة والفخامة ، والحلاوة والمتانة (٢).

__________________

١ ـ لاحظ حياته في الغدير ٢ / ٣٦٩ ـ ٣٦٨.

٢ ـ يتيمة الدهر ٢٧٠.

٥٤٥

وتبعه في اطرائه والثناء عليه ابن عساكر.

ومن قصائده المعروفة الميمية. التي مستهلّها.

الحق مهتضم والدين مخترم

وفيء آل رسول اللّه مقتسم

والناس عندك لا ناس فيحفظهم

سوم الرعاة ولا شاء ولا نعم

إلى أن قال :

ياللرجال أما للّه منتصر

من الطغاة أما للّه منتقم

بنو علي رعايا في ديارهم

والأمر تملكه النسوان والخدم

إلى أن قال :

ابلغ لديك بني العباس مالكة

لا يدَّعوا ملكها ملاّكها العجم

أيّ المفاخر أمست في منازلكم

وغيركم آمر فيها ومحتكم

أنّى يزيدكم في مفخر علم

وفي الخلاف عليكم يخفق العلم

يا باعة الخمر كُفّوا عن مفاخركم

لمعشرٍ بَيْعهم يوم الهياج دم (١)

ويطيب لي في المقام أن اُشير إلى أسماء بعض من أنجبتهم مدرسة أهل البيت في حلبة الشعر والأدب في القرن الرابع والخامس من اناس معدودين في القمّة فعلى القارئ الكريم أن يطالع عن حياتهم ويقرأ دواوينهم.

١ ـ ابن الحجاج البغدادي المتوفّى ٣٢١ صاحب القصيدة المعروفة :

يا صاحب القبّة البيضاء على النجف

من زار قبرك واستشفى لديك شفي

٢ ـ الشريف الرضي ٣٥٧ ـ ٤٠٦ الغني عن كل تعريف وبيان.

٣ ـ الشريف المرتضى ٣٥٥ ـ ٤٣٦ وهو كأخيه أشهر من أن يعرّف.

٤ ـ مهيار الديلمي المتوفّى ٤٤٨ الذي هو في الرعيل الأوّل من شعراء القرن

__________________

١ ـ الغدير ٣ / ٣٩٩ ـ ٤٠١.

٥٤٦

الرابع وله غديريات كثيرة منها :

هل بعد مفترق الأظغان مجتمع

أم هل زمان بهم قد فات يرتجع

هذا عرض موجز لبعض الشعراء البارزين من الشيعة وفيه كفاية لمن أراد الاجمال وأمّا من أراد التوسّع فليرجع إلى الكتب التالية :

١ ـ الأدب في ظلّ التشيّع للشيخ عبداللّه نعمة.

٢ ـ تأسيس الشيعة : للسيّد حسن الصدر. الفصل السادس.

٣ ـ الغدير للعلاّمة الأميني بأجزائه الأحد عشر.

٦ ـ قدماء الشيعة وعلم التفسير :

إنّ القرآن هوالمصدر الرئيسي للمسلمين في مجالي العقيدة والشريعة ، وهو المعجزة الخالدة للنبي الأكرم ، وقد قام المسلمون بأروع الخدمات لهذا الكتاب الإلهي على وجه لا تجد له مثيلا بين أصحاب الشرائع السابقة ، حتّى أسّسوا لفهم كتابهم علوماً قد بقي في ظلّها القرآن مفهوماً للأجيال ، كما قاموا بتفسيره وتبيين مقاصده بصور شتى ، لا يسع المقام لذكرها. فأدّوا واجبهم تجاه كتاب اللّه العزيز ـ شكر اللّه مساعيهم ـ من غير فرق بين الشيعة والسنّة.

إنّ مدرسة الشيعة منذ أن ارتحل النبيّ الأكرم إلى يومنا هذا ، أنتجت تفاسيراً على أصعدة مختلفة ، وخدمت الذكر الحكيم بصور شتّى ، فأتى بوجه موجز ، لما اُلّف في القرون الإسلامية الاُولى.

إنّ أئمّة أهل البيت ـ بعد الرسول الأكرم ـ هم المفسّرون للقرآن الكريم حيث فسّروا القرآن ، بالعلوم التي نحلهم الرسول بأقوالهم وأفعالهم وتقريراتهم التي لا تشذّ عن قول الرسول وفعله وحجته ، ومن الظلم الفادح أن نذكر الصحابة والتابعين في عداد المفسّرين ولا نعترف بحقوق أئمّة أهل البيت إلاّ شيئاً لا يذكر.

٥٤٧

هذا هو الدكتور محمّد حسين الذهبي ، جعل عليّاً ـ وهو الوصي وباب علم النبي ـ في الطبقة الثالثة من حيث نقل الرواية عنه ، وجعل تلميذه ابن عباس في الدرجة الاُولى (١) ولم يذكر عن بقية الأئمّة شيئاً مع ما نقل عنهم في مجال التفسير من الروايات الوافرة.

ارتحل النبيّ الأكرم وعكف المسلمون على دراسة القرآن وأوّل ما فوجئوا به ، هو قصور باع لفيف منهم عن فهم بعض ألفاظ القران. والقرآن وإن نزل بلغة الحجاز ، لكن يوجد فيه ألفاظ غير رائجة فيها وربّما كانت رائجة بين القبائل الاُخرى ، وهذا النوع من الألفاظ ما سمّوه « غريب القرآن » وقد سأل ابن الأزرق ـ رأس الخوارج ـ ابن عباس عن شيء كثير من غريب القرآن وأجاب عنه مستشهداً بشعر العرب الأقحاح وقد جمعها السيوطي في اتقانه (٢).

وبما أنّ تفسير غريب القرآن كان الخطوة الاُولى لتفسيره ، ألّف أصحابنا في أبان التدوين كتباً في ذلك المضمار ، نذكر قليلا من كثير.

١ ـ غريب القرآن : لأبان بن تغلب بن رباح البكري ( ت ١٤١ ) (٣).

٢ ـ غريب القرآن : لمحمّد بن السائب الكلبي من أصحاب الامام الصادق عليه‌السلام (٤).

٣ ـ غريب القرآن : لأبي روق ، عطية بن الحارث الهمداني الكوفي التابعي ، قال ابن عقدة : كان ممّن يقول بولاية أهل البيت (٥).

__________________

١ ـ الذهبي : التفسير والمفسّرون ١ / ٨٩ ـ ٩٠.

٢ ـ السيوطي : الاتقان ٤ / ٥٥ ـ ٨٨.

٣ ـ النجاشي : الرجال ١ / ٧٣ برقم ٦.

٤ ـ النجاشي : الرجال ١ / ٧٨ برقم ٦.

٥ ـ ابن النديم : الفهرست ٥٧ ، النجاشي : الرجال ١ / ٧٨.

٥٤٨

٤ ـ غريب القرآن : لعبد الرحمان بن محمّد الأزدي الكوفي ، جمع فيه ما ورد في الكتب الثلاثة المتقدّمة (١).

٥ ـ غريب القرآن : للشيخ ابن جعفر أحمد بن محمّد الطبري الآملي الوزير الشيعي المتوفّى عام ٣١٣ (٢).

وقد توالى التأليف حول غريب القرآن في القرون الماضية ، فبلغ العشرات أخيرها ـ لا آخرها ـ ما ألّفه السيد محمّد مهدي الخرسان في جزأين (٣).

مجازات القرآن :

إذا كان الهدف من هذه الكتب بيان معاني مفرداته وألفاظه ، هناك لون آخر من التفسير يهدف لبيان مقاصده ومعانيه إذا كانت الآية مشتملة على المجاز والكناية والاستعارة. ونأتي بنماذج قليلة ممّا اُلّف في ذلك المجال بيد أعلام الشيعة :

١ ـ مجاز القرآن : لشيخ النحاة الفراء يحيى بن زياد الكوفي المتوفّى عام ٢٠٧ ، وقد طبع أخيراً في جزأين (٤).

٢ ـ مجاز القرآن : لمحمّد بن جعفر أبو الفتح الهمداني. قال النجاشي : له كتاب « ذكر المجاز من القرآن » (٥).

٣ ـ مجازات القرآن : للشريف الرضي المسمّى بتلخيص البيان في مجازات القرآن ، وهو أحسن ما اُلّف في هذا الباب وهو مطبوع.

__________________

١ ـ النجاشي : الرجال ١ / ٧٨.

٢ ـ ابن النديم : الفهرست ٥٨.

٣ ـ الطهراني آغا بزرگ : الذريعة ١٦ / ٥٠ برقم ٢٠٨.

٤ ـ الطهراني آغا بزرگ : الذريعة ١٩ / ٣٥١ برقم ١٥٦٧.

٥ ـ النجاشي : الرجال ٢ / ٣١٩ برقم ١٠٥٤

٥٤٩

التفسير بصور متنوّعة :

وهناك لون آخر من التفسير ، يندفع المفسّر إلى توضيح قسم من الآيات تجمعها صلة خاصة كالمحكم والمتشابه والناسخ والمنسوخ ، وآيات الاحكام ، وقصص الأنبياء ، وأمثال القرآن ، وأقسامه ، والآيات الواردة في مغازي النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم والنازلة في حق العترة الطاهرة عليهم‌السلام إلى غيرها من الموضوعات التي لا تعم جميع آيات القرآن ، بل تختص بموضوع واحد.

فقد خدمت الشيعة كتاب اللّه العزيز بهذه الأنواع من التفاسير ، ومن أراد أن يقف عليها فعليه أن يرجع إلى المعاجم ، وأخص بالذكر : الذريعة إلى تصانيف الشيعة.

الشيعة والتفسير الموضوعي

إنّ نزول القرآن نجوماً وتوزّع الآيات الراجعة إلى موضوع واحد ، في سور متعدّدة ، يطلب لنفسه نمطاً آخر ، غير النمط المعروف بالتفسير الترتيبي ، فإنّ النمط الثاني ، يتّجه إلى تفسير القرآن سورة بعد سورة ، وآية بعد آية ، وأمّا النمط الأوّل فيحاول فيه المفسّر إيراد الآيات الواردة في موضوع خاص ، في مجال البحث ، وتفسير الجميع جملة واحدة وفي محل واحد.

فيستمدّ المفسّر من المعاجم المؤلّفة حول القرآن ، ومن غيرها في الوقوف على الآيات الواردة ، مثلاً في خلق السماء والأرض ، أو الإنسان أو أفعاله وحياته الاُخروية ، فيفسّر المجموع مرة واحدة ، ويرفع ابهام آية ، بآية اُخرى ، ويخرج بنتيجة واحدة وهذا النوع من التفسير وإن لم يهتم به القدماء واكتفوا منه بتفسير بعض الموضوعات كآيات الاحكام ، والناسخ والمنسوخ ، إلاّ أنّ المتأخّرين منهم ، بذلوا جهدهم في طريقه ، ولعلّ العلاّمة المجلسي ( ١٠٣٧ ـ ١١١٠ ) أوّل من فتح

٥٥٠

هذا الباب على مصراعيه في موسوعته « بحارالأنوار » ، حيث يورد في أوّل كل باب الآيات الواردة حوله ثمّ يفسّرها اجمالا ، وبعد الفراغ منها ، ينتقل إلى الأحاديث التي لها صلة بالباب.

وقد قام كاتب هذه السطور بتفسير الآيات النازلة حول العقائد والمعارف وخرج منه حتّى الآن سبعة أجزاء وانتشر باسم « مفاهيم القرآن » ولقي اقبالاً واسعا ، أساله سبحانه أن يوفّقني لا تمامه.

الشيعة والتفسير الترتيبي :

قد تعرّفت على أنّ المنهج الراسخ بين القدماء وأكثر المتأخّرين هو التفسير الترتيبي ، وقد قام فضلاء الشيعة من صحابة الامام علي والتابعين له إلى العصر الحاضر ، بهذا النمط من التفسير إمّا بتفسير جميع سوره ، أو بعضها والغالب على التفاسير المعروفة في القرون الثلاثة الاُولى ، هو التفسير بالأثر ، ولكن انقلب النمط إلى التفسير العلمي والتحليلي من أواخر القرن الرابع. فأوّل من ألف من الشيعة على هذا المنهاج هو الشريف الرضي ( ٣٥٧ ـ ٤٠٦ ) مؤلّف كتاب « حقائق التأويل » في عشرين جزءاً (١) ثمّ جاء بعده أخوه الشريف المرتضى فسلك مسلكه في أماليه المعروفة بالدرر والغرر. ثمّ توالى التأليف على هذا المنهاج من عصر الشيخ الأكبر الطوسي ( ٣٨٥ ـ ٤٦٠ ) مؤلّف « التبيان في تفسير القرآن » في عشرة أجزاء كبار ، إلى عصر هذا.

فقد قامت الشيعة في كل قرن بتأليف عشرات التفاسير وفق أساليب متنوّعة ،

__________________

١ ـ وللأسف لم توجد منه نسخة كاملة في عصرنا الحاضر إلاّ الجزء الخامس وهو يكشف عن عظمة هذا السفر ويدل على جلالة المؤلّف.

٥٥١

ولغات متعدّدة. لا يحصيها إلاّ المتوغّل في المعاجم ورفوف المكتبات.

ولقد فهرسنا على وجه موجز أسماء مشاهير المفسّرين من الشيعة وأعلامهم في ١٤ قرناً ، وفصلنا كل قرن عن القرن الآخر واكتفينا بالمعروفين ، لأنّ ذكر غيرهم عسير ومحوج إلى تأليف حافل. فبلغ عددهم ١٢٢ مفسّرا. ومن أراد الالمام بذلك فعليه الرجوع إلى المقدمة التي قدّمناها لتفسير التبيان للشيخ الطوسي ولأجل ذلك نطوي الكلام في المقام.

٧ ـ قدماء الشيعة وعلم الحديث :

إنّ السنّة هو المصدر الثاني للثقافة الإسلامية بجميع مجالاتها ولم يكن شيء أوجب بعد كتابة القرآن وتدوينه وصيانته من نقص وزيادة ، من كتابة حديث الرسول وتدوينه وصيانته من الدس والدجل وقد أمر به الرسول غير مرة ، روى الامام أحمد عن عمر بن شعيب عن أبيه عن جدّه انّه قال للنبي : يا رسول اللّه أكتب كل ما أسمع منك؟ قال : نعم. قلت : في الرضا والسخط؟ قال صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : نعم فانّه لا ينبغي لي أن أقول في ذلك إلاّ حقّا (١).

إنّ اللّه سبحانه أمر بكتابة الدَّين حفظاً له ، واحتياطاً عليه واشفاقاً من دخول الريب فيه فالعلم الذي حفظه أصعب من حفظ الدَّين أحرى بأن يكتب ويحفظ من دخول الريب والشك فيه (٢).

فإذا كان النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لا ينطق عن الهوى وانّما ينطق عن

__________________

١ ـ مسند أحمد ٢ / ٢٠٧.

٢ ـ الخطيب البغدادي : تقييد العلم ٧٠.

٥٥٢

الوحي الذي يوحى إليه (١) فيجب حفظ كلمه وأفعاله وتقريره. حتّى تصدر الاُمة عنها ويستغني المسلم عن المقاييس الظنّية والاستنباطات الذوقية.

وبالرغم من وضوح الأمر وانّه كان من واجب ووظيفة المسلمين الاهتمام بدراسة سنّة النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وتدوينها. حالت الخلافة دون ذلك فأصبحت كتابة السنّة جريمة لا تغتفر حتّى انّ الخليفة الثاني قال لأبي ذرّ وعبداللّه بن مسعود وأبي الدرداء : « ما هذا الحديث الذي تفشون عن محمّد؟ » (٢).

ولقد أضحى عمل الخليفة سنّة فاتّبعه عثمان ومشى على خطاه معاوية ، فأصبح ترك كتابة الحديث سنّة إسلامية وعُدّت الكتابة شيئاً منكراً مخالفاً لها.

إنّ الرزيّة الكبرى هي المنع عن التحدّث بحديث رسول اللّه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وكتابته وتدوينه ، وفسح المجال في نفس الوقت للرهبان والأحبار للتحدّث بما عندهم من صحيح وباطل ، ولقد أذن عمر لتميم الداري النصراني الذي استسلم في عام ٩ من الهجرة أن يقص (٣).

ولمّا تسنّم عمر بن عبدالعزيز منصب الخلافة ، أدرك ضرورة تدوين الحديث فكتب إلى أبي بكر بن حزم في المدينة ، أن يقوم بتدوين الحديث قائلا : إنّ العلم لا يهلك حتّى يكون سرّا (٤).

ومع ذلك فلم يقدر ابن حزم على القيام بما أمر به الخليفة. لأنّ رواسب الحظر

__________________

١ ـ اقتباس عن قوله سبحانه : ( ما ضَلَّ صاحبُكُم وما غوى * وما ينطقُ عن الهوى * إنْ هو إلاّ وحيٌ يُوحى ) ـ النجم / ٢ ـ ٤.

٢ ـ كنز العمال ١٠ / ٢٩٣ برقم ٢٩٤٧٩. وفيه : ما هذه الأحاديث التي قد أفشيتم عن رسول اللّه الآفاق؟

٣ ـ كنز العمال ١٠ / ٢٨١.

٤ ـ صحيح البخاري ١ / ٢٧.

٥٥٣

السابق المؤكد من قبل الخلفاء ، حالت دون اُمنيته إلى أن زالت دولة الاُمويين وجاءت دولة العباسيين. فقام المسلمون بتدوين الحديث في عصر أبي جعفر المنصور سنة ١٤٣. وأنت تعلم انّ الخسارة التي لحقت بالتراث الاسلامي من منع تدوين السنّة لا تجبر بتدوينه بعد مضي قرن ونيّف ، وبعد موت الصحابة وكثير من التابعين الذين رأوا النور وسمعوا منه الحديث. ولم يحدثوا ما سمعوه إلاّ سرّاً ومن ظهر القلب إلى مثله.

أضف إلى ذلك أنّ الأحبار والرهبان والمأجورين للبلاط الأموي نشروا كل كذب وافتراء بين المسلمين.

اهتمام الشيعة بتدوين الحديث :

قام الامام أميرالمؤمنين علي عليه‌السلام بتأليف عدة كتب في زمان النبي ، فقد أملى رسول اللّه كثيراً من الأحكام عليه وكتبها الامام واشتهر بكتاب علي وقد روى عنه البخاري في صحيحه في باب « كتابة الحديث » (١) وباب « أثم من تبرّأ من مواليه » (٢) وقد تبعه ثلّة من الصحابة الذين كانوا شيعة الامام وإليك أسماء من اهتمّ بتدوين الآثار وما له صلة بالدين وإن لم يكن حديث الرسول.

١ ـ قام أبو رافع صحابي الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بتدوين كتاب السنن والأحكام والقضايا (٣).

٢ ـ قام الصحابي الكبير سلمان الفارسي المتوفى سنة ٣٤ بتأليف كتاب حديث

__________________

١ ـ صحيح البخاري ١ / ٢٧ كتاب العلم.

٢ ـ صحيح البخاري ٨ كتاب الفرائض الباب ٢٠ ص ١٥٤.

٣ ـ النجاشي : الرجال ٦٤ برقم ١.

٥٥٤

الجاثليق الرومي الذي بعثه ملك الروم بعد وفاة الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال الشيخ الطوسي : روى سلمان حديث الجاثليق الذي بعثه ملك الروم بعد النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم (١).

٣ ـ وألّف الصحابي الورع أبو ذر الغفاري المتوفّى سنة ٣٢ كتاب الخطبة يشرح فيها الاُمور بعد رسول اللّه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم (٢).

هذا ما يرجع إلى الصحابة من الشيعة وأمّا الشيعة من غير الصحابة أعني التابعين وتابعي التابعين منهم ، فقد قام لفيف منهم بتدوين السنّة إلى عصر الغيبة الكبرى ، قد تكفّل بذكرهم وتآليفهم معاجم الرجال قديماً وحديثاً وإليك عرضاً موجزاً من محدّثي الشيعة وموّلّفيهم في القرن الأوّل وبداية الثاني.

الطبقة الاُولى :

١ ـ الأصبغ بن نباتة المجاشعي ، كان من خاصة أميرالمؤمنين عليه‌السلام روى عنه عليه‌السلام عهد الأشتر ، ووصيته إلى ابنه محمّد (٣).

٢ ـ عبيداللّه بن أبي رافع ، المدني ، مولى النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، كان كاتب أميرالمؤمنين عليه‌السلام ، له كتاب قضايا أميرالمؤمنين عليه‌السلام وتسمية من شهد مع أميرالمؤمنين الجمل وصفين والنهروان (٤).

٣ ـ ربيعة بن سميع ، له كتاب في زكاة النعم عن أميرالمؤمنين عليه‌السلام (٥).

__________________

١ ـ الطوسي : الفهرست ٨.

٢ ـ الطوسي : الفهرست ٥٤.

٣ ـ النجاشي : الرجال ١ / ٧٠ برقم ٤.

٤ ـ الطوسي : الفهرست ١٠٧.

٥ ـ النجاشي : الرجال ١ / ٦٧ برقم ٢.

٥٥٥

٤ ـ سليم بن قيس الهلالي : أبو صادق ، له كتاب وهو مطبوع باسم كتاب سليم بن قيس.

٥ ـ علي بن أبي رافع ، قال النجاشي : ولابن أبي رافع كتاب آخر ، وهو علي بن أبي رافع ، تابعي من خيار الشيعة ، كانت له صحبة من أميرالمؤمنين عليه‌السلام ، وكان كاتباً له ، حفظ كثيراً ، وجمع كتاباً في فنون من الفقه : الوضوء ، والصلاة ، وسائر الأبواب (١).

٦ ـ عبيداللّه بن الحر الجعفي ، الفارس ، الفاتك ، الشاعر ، له نسخة يرويها عن أميرالمؤمنين عليه‌السلام (٢).

٧ ـ زيد بن وهب الجهني ، له كتاب خطب أميرالمؤمنين عليه‌السلام على المنابر في الجمع والأعياد وغيرها (٣).

الطبقة الثانية :

١ ـ الامام السجاد زين العابدين عليه‌السلام ، له الصحيفة الكاملة ، المشتهرة بزبور آل محمّد عليهم‌السلام.

٢ ـ جابر بن يزيد بن الحارث الجعفي ، أبو عبداللّه ، المتوفّى سنة ١٢٨ ، له كتب (٤).

٣ ـ زياد بن المنذر ، الضعيف ، كان مستقيماً ثم انحرف ، له أصل ،

__________________

١ ـ النجاشي : الرجال ١ / ٦٥ برقم ١.

٢ ـ النجاشي : الرجال ١ / ٧١ برقم ٥.

٣ ـ الطوسي : الفهرست ٧٢.

٤ ـ النجاشي : الرجال ١ / ٣١٣ برقم ٣٣٠.

٥٥٦

وله كتاب التفسير (١).

٤ ـ لوط بن يحيى بن سعيد ، شيخ أصحاب الأخبار بالكوفة ، له كتب كثيرة ، أورده الشيخ في رجاله (٢) في أصحاب الحسن والصادق عليهما‌السلام.

٥ ـ جارود بن منذر الثقة ، أورده الشيخ في أصحاب الحسن والباقر والصادق عليهم‌السلام ، له كتب (٣).

الطبقة الثالثة :

وهم من أصحاب السجاد والباقر عليهما‌السلام :

١ ـ برد الاسكاف ، من أصحاب السجاد والصادقين عليهم‌السلام ، له كتاب (٤).

٢ ـ ثابت بن دينار ، أبو حمزة الثمالي الأزدي ، الثقة ، المتوفّى سنة ١٥٠ روى عنهم عليهم‌السلام ، له كتاب ، وله النوادر والزهد ، وله تفسير القرآن (٥).

٣ ـ ثابت بن هرمز ، الفارسي ، أبو المقدم العجلي ، مولاهم الكوفي ، روى نسخة عن علي بن الحسين عليهما‌السلام (٦).

٤ ـ بسام بن عبداللّه ، الصيرفي ، مولى بني أسد ، أبو عبداللّه ، روى عن

__________________

١ ـ الطوسي : الفهرست ٧٢.

٢ ـ الطوسي : الرجال ٢٧٩ من أصحاب الصادق عليه‌السلام ولاحظ تعليقة المحقق.

٣ ـ الطوسي : الرجال ١١٢ في أصحاب الباقر عليه‌السلام.

٤ ـ النجاشي : الرجال ١ / ٢٨٤ برقم ٢٨٩.

٥ ـ النجاشي : الرجال ١ / ٢٨٩ برقم ٢٩٤.

٦ ـ النجاشي : الرجال ١ / ٢٩٢ برقم ٢٩٦.

٥٥٧

أبي جعفر وأبي عبداللّه عليهما‌السلام ، له كتاب (١).

٥ ـ محمّد بن قيس البجلي ، له كتاب قضايا أميرالمؤمنين عليه‌السلام (٢).

٦ ـ حجر بن زائدة الحضرمي ، روى عن الباقر والصادق عليهما‌السلام ، له كتاب (٣).

٧ ـ زكريا بن عبداللّه الفياض ، له كتاب (٤).

٨ ـ ثوير بن أبي فاختة « أبو جهم الكوفي » ، واسم أبي فاختة : سعيد بن علاقة (٥).

٩ ـ الحسين بن ثور بن أبي فاختة سعيد بن حمران ، له كتاب نوادر (٦).

١٠ ـ عبدالمؤمن بن القاسم بن قيس ، الأنصاري ، المتوفّى سنة ١٤٧ ، عدّه الشيخ في رجاله من أصحاب السجّاد والصادقين عليهم‌السلام ، له كتاب (٧).

ولقد خصّص أبو عمرو الكشّي باباً للمحدّثين المتقدّمين من الشيعة وجعله في صدر رجاله ، وتبعه النجاشي في رجاله فخصّ الطبقة الاُولى بباب ثمّ أورد أسماء الرواة على حسب الأحرف الهجائية.

ولقد أجاد الشيخ الطوسي في التعرّف على طبقات الشيعة بعد رسول اللّه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إلى عصره فذكر الأئمّة الاثني عشر ، وذكر أصحاب كل إمام

__________________

١ ـ النجاشي : الرجال ١ / ٢٨٢ برقم ٢٨٦.

٢ ـ الطوسي : الفهرست ١٣١.

٣ ـ النجاشي : الرجال ١ / ٣٤٧ برقم ٣٨٢.

٤ ـ النجاشي : الرجال ١ / ٣٩١ برقم ٤٥٢.

٥ ـ النجاشي : الرجال ١ / ٢٩٥ برقم ٣٠١.

٦ ـ النجاشي : الرجال ١ / ١٦٦ برقم ١٢٤.

٧ ـ النجاشي : الرجال ٢ / ١٦٨ برقم ٦٥٣.

٥٥٨

وفق الترتيب الزمني ، ثمّ ذكر باباً آخر باسم من لم يرهم ولكن روى عنهم بالواسطة.

وأحسن كتاب اُلّف في هذا المجال هو ما ألّفه اُستاذنا الجليل السيد النحرير المحقق البروجردي الذي أخرج رجال الشيعة في ٣٤ طبقة ، من عصر الصحابة إلى زمانه ( ١٢٩٢ ـ ١٣٨٠ ) فهذا الكتاب يكشف عن سبق الشيعة في نظم الحديث وتدوينة ، وأنّهم لم يقيموا لمنع الخلفاء وزناً ولا قيمة. وبذلك حفظوا نصوص النبي الأكرم وأهل بيته وقدّموها إلى المجتمع الاسلامي ، فعلى جميع علماء المسلمين أن يتمسّكوا بهذا الحبل الذي هو أحد الثقلين.

هذا عرض موجز لمحدّثي الشيعة إلى عصر السجاد والباقر عليهما‌السلام وأمّا الطبقات الاُخرى فيأتي الكلام في فصل قدماء الشيعة والفقه لأنّهم تجاوزوا عن التحديث إلى درجة الاجتهاد.

٨ ـ قدماء الشيعة والفقه الاسلامي :

إنّ الفقه الشيعي هو الشجرة الطيّبة ، الراسخة الجذور ، المتّصلة الاُسس بالنبوّة ، امتازت بالسعة والشمولية ، والعمق ، والدقّة ، والقدرة على مسايرة العصور المختلفة ، والمستجدّات من دون أن تتخطّى عن الحدود المرسومة في الكتاب والسنّة.

إنّ الفقه الامامي يعتمد في الدرجة الاُولى على القرآن الكريم ثمّ على السنّة المحمدية المنقولة عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عن طريق العترة الطاهرة عليهم‌السلام أو الثقات من أصحابه والتابعين لهم باحسان.

وكما يعتمد الفقه الشيعي على الكتاب والسنّة كذلك يتّخذ من العقل مصدراً في المجال الذي له الحق في ابداء الرأي. كأبواب الملازمات العقلية أو قبح التكليف بلا بيان أو لزوم البراءة اليقينية عند الاشتغال اليقيني.

٥٥٩

ولا يكتفي بذلك بل يستفيد من الاجماع في الاستنباط ولكن الاجماع المفيد هو الكاشف عن وجود النص في المسألة أو موافقة الامام المعصوم مع المجمعين في عصر الحضور.

إنّ الشيعة الامامية قدّمت في ظلّ هذه الاُسس الأربعة فقهاً يتناسب مع المستجدّات ، جامعاً لما تحتاج إليه الاُمّة ولم يقفل باب الاجتهاد ، منذ رحلة النبي إلى يومنا هذا. بل فتح بابه طيلة القرون فأنتج عبر العصور فقهاءً عظاماً ، وموسوعات كبارا. لم يشهد التاريخ لها ولهم مثيلاً وإليك عرضاً موجزاً لمشاهير فقهائهم والايعاز إلى بعض كتبهم في القرون الأولى.

فقهاء الشيعة في القرنين الأوّلين :

تخرّجت من مدرسة أهل البيت وعلى أيدي أئمة الهدى عدة من الفقهاء العظام لا يستهان بهم فبلغوا الذروة في الاجتهاد كزرارة بن أعين ، ومحمّد بن مسلم الطائفي ، وبريد بن معاوية ، والفضيل بن يسار ، وكلّهم من أفاضل خريجي مدرسة أبي جعفر الباقر وولده الصادق عليهما‌السلام. فأجمعت العصابة على تصديق هؤلاء وانقادت لهم في الفقه والفقاهة.

ويليهم في الفضل لفيف آخر ، هم أحداث خريجي مدرسة أبي عبداللّه الصادق نظراء جميل بن دراج ، وعبداللّه بن مسكان ، وعبداللّه بن بكير ، وحماد بن عثمان ، وحماد بن عيسى ، وأبان بن عثمان.

وهناك ثلة اُخرى يعدّون من تلاميذ مدرسة الامام موسى الكاظم وابنه أبي الحسن الرضا عليهما‌السلام نظراء يونس بن عبدالرحمان ، ومحمّد بن أبي عمير ، وعبداللّه بن المغيرة ، والحسن بن محبوب ، والحسين بن علي بن فضال ، وفضالة

٥٦٠