بحوث في الملل والنّحل - ج ٦

الشيخ جعفر السبحاني

بحوث في الملل والنّحل - ج ٦

المؤلف:

الشيخ جعفر السبحاني


الموضوع : الفرق والمذاهب
الناشر: مؤسسة النشر الإسلامي
الطبعة: ٢
الصفحات: ٧٠٤

٨ ـ إنّ حبّه إيمان ، وبغضه نفاق.

٩ ـ إنّ النبي باهل النصارى به وبزوجته وأولاده دون سائر الأصحاب.

١٠ ـ بلّغ سورة براءة عن النبي.

١١ ـ إنّ النبي خصّه يوم الغدير بالولاية.

١٢ ـ انّه القائل : « سلوني قبل أن تفقدوني ».

١٣ ـ إنّ النبي خصّه بتغسيله وتجهيزه والصلاة عليه.

١٤ ـ إنّ الناس جميعاً من أرباب الأديان وغيرهم ينظرون إليه كأعظم رجل عرفه التاريخ (١).

__________________

١ ـ وقد استخرج هذه الخصائص الكاتب القدير محمّد جواد مغنية في كتابه : الشيعة والتشيّع ٢٣٤.

٤٤١
٤٤٢

الامام الثاني

أبو محمد الحسن بن علي عليه‌السلام

هو ثاني أئمّة أهل البيت الطاهر وأوّل السبطين وسيّد شباب أهل الجنّة ، ريحانة رسول اللّه ، وأحد الخمسة من أصحاب الكساء اُمّه فاطمة بنت رسول اللّه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم سيّدة نساء العالمين.

ولد في المدينة ليلة النصف من شهر رمضان سنة ثلاث أو اثنتين من الهجرة وهو أوّل أولاد علي وفاطمة عليهما‌السلام.

نسب كان عليه من شمس الضحى

نور ومن فلق الصباح عمودا

وروي عن أنس بن مالك قال : لم يكن أحد أشبه برسول اللّه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم من الحسن بن علي عليهما‌السلام. (١)

__________________

١ ـ الفصول المهمة لابن الصباغ المالكي ( ت ٨٥٥ ) : ١٥١ ـ ١٥٢ ، وأعيان الشيعة ١ / ٥٦٢.

٤٤٣

فلمّا ولد الحسن قالت فاطمة لعلي : سمِّه فقال : ما كنت لأسبق باسمه رسول اللّه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فجاء النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فاُخرج إليه فقال : اللّهمّ إنّي اُعيذه بك وولده من الشيطان الرجيم. وأذّن في اُذنه اليمنى وأقام في اليسرى.

أشهر ألقابه : التقي والزكي والسبط.

أمّا علمه فيكفي انّه كان يجلس في مسجد رسول اللّه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ويجتمع الناس حوله فيتكلّم ما يشفي غليل السائل ويقطع حجج المجادلين. من ذلك ما رواه الامام أبوالحسن علي بن أحمد الواحدي في تفسير الوسيط : أنّ رجلا دخل إلى مسجد المدينة فوجد شخصاً يحدِّث عن رسول اللّه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم والناس حوله مجتمعون فجاء إليه الرجل قال : أخبرني عن شاهد ومشهود فقال : نعم ، أمّا الشاهد فيوم الجمعة والمشهود فيوم عرفة. فتجاوزه إلى آخر غيره يحدّث في المسجد ، فسأله عن شاهد ومشهود قال : أمّا الشاهد فيوم الجمعة وأمّا المشهود يوم النحر. قال : فتجاوزها إلى ثالث ، غلام كأن وجهه الدينار وهو يحدِّث في المسجد فسأله عن شاهد ومشهود فقال : نعم أمّا الشاهد فرسول اللّه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وأمّا المشهود فيوم القيامة أما سمعته عزّوجلّ يقول : ( يا أيُّها النَّبِىُّ إنّا أرْسَلْناكَ شاهِداً وَمُبَشِّراً وَنَذِيراً ) (١) وقال تعالى : ( ذلِكَ يَومٌ مَجمُوعٌ لَهُ النّاسُ وذلكَ يَومٌ مَشْهُودٌ ) (٢). فسأل عن الأوّل فقالوا ابن عباس ، وسأل عن الثاني فقالوا ابن عمر ، وسال عن الثالث فقالوا الحسن بن علي بن أبي طالب عليهما‌السلام (٣).

وأمّا زهده فيكفي في ذلك ما نقله الحافظ أبو نعيم في حليته بسنده أنّه قال

__________________

١ ـ الأحزاب / ٤٥.

٢ ـ هود / ١٠٣.

٣ ـ الفصول المهمة : ١٥٥.

٤٤٤

عليه‌السلام : إنّي لأستحي من ربّي أن ألقاه ولم أمش إلى بيته فمشى عشرين مرّة من المدينة إلى مكّة على قدميه. وروي عن الحافظ أبي نعيم في حليته أيضاً أنّه عليه‌السلام خرج من ماله مرّتين ، وقاسم اللّه تعالى ثلاث مرّات ماله وتصدّق به. وكان عليه‌السلام من أزهد الناس في الدنيا ولذّاتها ، عارفاً بغرورها وآفاتها ، وكثيراً ما كان عليه‌السلام يتمثّل بهذا البيت شعرا :

يا أهل لذّات دنيا لا بقاء لها

إنّ اغتراراً بظلّ زائل حَمَقُ (١)

وأمّا حلمه فقد روى ابن خلكان عن ابن عائشة انّ رجلاً من أهل الشام قال : دخلت المدينة ـ على ساكنها أفضل الصلاة والسلام ـ فرأيت رجلاً راكباً على بغلة لم أر أحسن وجهاً ولا سمتاً ولا ثوباً ولا دابة منه ، فمال قلبي إليه فسألت عنه فقيل : هذا الحسن بن علي بن أبي طالب ، فامتلأ قلبي له بغضاً وحسدت علياً أن يكون له ابن مثله فصرت إليه وقلت له : أأنت ابن علي بن أبي طالب؟ قال : أنا ابنه. قلت : فعل بك وبأبيك ـ اسبهما ، فلمّا انقضى كلامي ـ قال لي : أحسبك غريباً؟ قلت : أجل ، قال : مل بنا فإن احتجت إلى منزل أنزلناك أو إلى مال آتيناك أو إلى حاجة عاوناك قال : فانصرفت عنه وما على الأرض أحب إلىّ منه ، وما فكرت فيما صنع وصنعت إلاّ شكرته وخزيت نفسي (٢).

وأمّا إمامته. فيكفي في ذلك ما صرّح به النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : هذان ابناي إمامان قاما أو قعدا ...

روت الشيعة بطرقهم عن سليم بن قيس الهلالي قال : شهدت أميرالمؤمنين عليه‌السلام حين أوصى إلى ابنه الحسن عليه‌السلام وأشهد على وصيته الحسين

__________________

١ ـ الفصول المهمة : لابن الصباغ المالكي ١٥٦.

٢ ـ وفيات الأعيان : ابن خلكان ٢ / ٦٨.

٤٤٥

عليه‌السلام ومحمّداً وجميع ولده ورؤساء شيعته وأهل بيته؟ ثمّ دفع إليه الكتاب والسلاح وقال له : يا بني إنّه أمرني رسول اللّه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أن اُوصي إليك ، وأدفع إليك كتبي وسلاحي كما أوصى إليّ ودفع إلى كتبه وسلاحه ، وأمرني أن آمرك إذا حضرت الموت أن تدفعها إلى أخيك الحسين ، ثمّ أقبل على ابنه الحسين عليه‌السلام فقال : وأمرك رسول اللّه أن تدفعها إلى ابنك هذا ثمّ أخذ بيد علي بن الحسين وقال : وأمرك رسول اللّه أن تدفعها إلى ابنك محمّد بن علي فاقرئه من رسول اللّه ومنّي السلام (١).

روى أبو الفرج الاصفهاني انّه خطب الحسن بن علي بعد وفاة أميرالمؤمنين علي عليه‌السلام وقال : قد قبض في هذه الليلة رجل لم يسبقه الأوّلون بعمل ، ولا يدركه الآخرون بعمل ، ولقد كان يجاهد مع رسول اللّه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فيقيه بنفسه ، ولقد كان يوجّهه برايته فيكتنفه جبرئيل عن يمينه وميكائيل عن يساره فلا يرجع حتّى يفتح اللّه عليه ، ولقد توفّي هذه الليلة التي عرج فيها بعيسى بن مريم ولقد توفّي فيها يوشع بن نون وصي موسى وما خلف صفراء ولا بيضاء إلاّ سبعمائة درهم بقيت من عطائه أراد أن يبتاع بها خادماً لأهله.

ثمّ خنقته العبرة فبكى وبكى الناس معه.

ثم قال : أيّها الناس من عرفني ، فقد عرفني ومن لم يعرفني فأنا الحسن ابن محمّد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أنا ابن البشير ، أنا ابن النذير ، أنا ابن الداعي إلى اللّه عزّوجلّ بإذنه ، وأنا ابن السراج المنير وأنا من أهل البيت الذين أذهب اللّه عنهم

__________________

١ ـ إعلام الورى بأعلام الهدى للشيخ الطبرسي ٢٠٧ ـ ٢٠٨ ومن أراد الوقوف على نصوص إمامته فعليه أن يرجع إلى الكافي ١ / ٢٩٧ واثبات الهداة ٢ / ٥٤٣ ـ ٥٦٨ فقد نقل : خمسة نصوص في المقام.

٤٤٦

الرجس وطهّرهم تطهيراً ، والذين افترض اللّه مودتهم في كتابه إذ يقول : ( ومَنْ يَقْتَرِفْ حَسَنَةً نَزِدْ لَهُ فِيها حُسْناً ) (١) فاقتراف الحسنة مودّتنا أهل البيت.

قال أبو مخنف عن رجاله :

ثمّ قام ابن عباس بين يديه فدعا الناس إلى بيعته فاستجابوا له وقالوا : ما أحبّه إلينا وأحقّه بالخلافة فبايعوه (٢).

وقال المفيد : كانت بيعته يوم الجمعة ٢١ من شهر رمضان سنة ٤٠ (٣).

ونقل عن أبي الفرج انّه نزل عن المنبر فرتّب العمّال وأمّر الاُمراء ونظر في الاُمور ، وأنفذ عبداللّه بن العباس إلى البصرة وأوّل شيء أحدثه انّه زاد في المقاتلة مائة مائة. وقدكان علي أبوه فعل ذلك يوم الجمل وهو فعله يوم الاستخلاف فتبعه الخلفاء بعد ذلك (٤).

قال المفيد : فلمّا بلغ معاوية وفاة أميرالمؤمنين وبيعة الناس ابنه الحسن ، دسَّ رجلاً من حمير إلى الكوفة ورجلاً من بني القين إلى البصرة ليكتبا إليه بالأخبار ويفسدا على الحسن الاُمور ، فعرف ذلك الحسن فأمر باستخراج الحميري من عند لحام في الكوفة فاُخرج واُمر بضرب عنقه. وكتب إلى البصرة باستخراج القيني من بني سليم فاُخرج وضربت عنقه (٥).

__________________

١ ـ الشورى / ٢٣.

٢ ـ مقاتل الطالبيين ٥٢.

٣ ـ الإرشاد للمفيد ١٨٨.

٤ ـ في رحاب أئمّة أهل البيت للأمين العاملي ١٥ وما نقله عن أبي الفرج ليس موجوداً في النسخة المطبوعة المحققة على يد السيد أحمد صفر ولعلّه سقط من نسخته.

٥ ـ مقاتل الطالبيين : ٥٢ ، الارشاد : للمفيد ١٨٨ ـ ١٨٩.

٤٤٧

ثمّ إنّه استمرّت المراسلات (١) بين الحسن ومعاوية وانجرّت إلى حوادث مريرة إلى أن أدّت إلى الصلح واضطرّ إلى التنازل عن الخلافة لصالح معاوية. فعقدا صلحاً وإليك صورته.

بسم اللّه الرحمن الرحيم

هذا ما صالح عليه الحسن بن علي بن أبي طالب معاوية بن أبي سفيان صالحه على أن يسلّم إليه ولاية المسلمين على أن يعمل فيهم بكتاب اللّه وسنّة رسول اللّه ، وليس لمعاوية أن يعهد إلى أحد من بعده عهداً على أنّ الناس آمنون حيث كانوا من أرض اللّه تعالى في شامهم ويمنهم وعراقهم وحجازهم.

وعلى أنّ أصحاب علي وشيعته آمنون على أنفسهم وأموالهم ونسائهم وأولادهم حيث كانوا وعلى معاوية بذلك عهد اللّه وميثاقه ، وعلى أن لا يبغي للحسن بن علي ولا لأخيه الحسين غايلة ولا لأحد من أهل بيت رسول اللّه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، غائلة سوء سرّاً وجهراً ولا يخيف أحداً في اُفق من الآفاق شهد عليه بذلك فلان وفلان وكفى باللّه شهيدا (٢).

ولمّا تمّ الصلح صعد معاوية المنبر وقال في خطبته : إنّي واللّه ما قاتلتكم لتصلّوا ولا لتصوموا ولا لتحجّوا ولا لتزكّوا إنّكم لتفعلون ذلك ، ولكنّي قاتلتكم لأتأمّر عليكم وقد أعطاني اللّه ذلك وأنتم كارهون. ألا وانّي كنت منّيت الحسن وأعطيته أشياء وجميعها تحت قدميّ هاتين لا أفي به (٣).

__________________

١ ـ ومن أراد الوقوف عليها فليرجع إلى مقاتل الطالبيين ٥٣ إلى ٧٢ وبالامعان فيها وما أظهر أصحابه من التخاذل ، يتضح سرّ صلح الامام وتنازله عن الخلافة فلم يطاع إلاّ أنّه أتمّ الحجة عليهم ومن أراد التفصيل فليرجع إلى صلح الحسن للشيخ راضي آل ياسين.

٢ ـ الفصول المهمة لابن الصباغ المالكي ١٦٣.

٣ ـ المفيد : الارشاد ١٩١ طبع النجف.

٤٤٨

شهادته : انصرف الحسن ـ رضي اللّه عنه ـ إلى المدينة فأقام بها ، وأراد معاوية أخذ البيعة لابنه يزيد فلم يكن شيء أثقل من أمر الحسن بن علي فدسّ إليه السم فمات منه.

أرسل معاوية إلى إبنة الأشعث : إنّي مزوّجك بيزيد ابني على أن تسمّي الحسن ابن علي وبعث إليها بمائة ألف درهم فقبلت وسمّت الحسن فسوغها المال ولم يزوّجها منه (١).

فلمّا دنى موته أوصى لأخيه الحسين عليه‌السلام وقال : إذا قضيت نحبي غسّلني وكفنّي واحملني على سريري إلى قبر جدّي رسول اللّه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ثمّ ردّني إلى قبر جدّتي فاطمة بنت أسد فادفنّي هناك باللّه اُقسم عليك أن لا تهرق في أمري محجمة دم.

فلمّا حملوه إلى روضة رسول اللّه لم يشك مروان ومن معه من بني اُميّة انّهم سيدفنونه عند جدّه رسول اللّه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فتجمّعوا له ولبسوا السلاح ولحقتهم عائشة على بغل وهي تقول : مالي ولكم تريدون أن تُدخلوا بيتي من لا اُحب وجعل مروان يقول : يا ربّ هيجاء هي خير من دعةٍ ، أيدفن عثمان في اقصى المدينة ويدفن الحسن مع النبيّ وكادت الفتنة تقع بين بني هاشم وبين اُمية. ولأجل وصيّة الحسن مضوا به إلى البقيع ودفنوه عند جدته فاطمة بنت أسد (٢).

توفّي الحسن وله من العمر ٤٧ وكانت سنة وفاته سنة ٥٠ من الهجرة النبوية.

والعجب انّ مروان بن الحكم حمل سريره إلى البقيع فقال له الحسين : أتحمل سريره أما واللّه لقد كنت تجرّعه الغيظ فقال مروان : إنّي كنت أفعل ذلك بمن يوازن

__________________

١ ـ مقاتل الطالبيين ٧٣.

٢ ـ كشف الغمة ١ / ٢٠٩ ومقاتل الطالبيين ٧٤ ـ ٧٥.

٤٤٩

حلمه الجبال (١).

هذه لمحة عن حياة الحسن المشحونة بالحوادث المريرة. وتركنا الكثير ممّا يرجع إلى جوانب حياته خصوصاً ما نقل عنه من الخطب والرسائل والكلم القصار ومن أراد التفصيل فليرجع إلى تحف العقول (٢) فقد ذكر قسماً كبيراً من كلماته.

ولمّا بلغ معاوية موت الحسن عليه‌السلام سجد وسجد من حوله وكبّر وكبّروا معه ، ذكره الزمخشري في ربيع الأبرار وابن عبد البر في الاستيعاب وغيرهما.

فقال بعض الشعراء :

أصبح اليوم ابن هند شامتا

ظاهر النخوة إذ مات الحسن

يا ابن هند إن تذق كأس الردى

تكُ في الدهر كشيء لم يكن

لست بالباقي فلا تشمت به

كل حي للمنايا مرتهن (٣)

__________________

١ ـ مقاتل الطالبيين ٤٦.

٢ ـ الحرّاني ، حسن بن شعبة تحف العقول ٢٢٥ ـ ٢٣٦.

٣ ـ في رحاب أئمّة أهل البيت ٤٣.

٤٥٠

الإمام الثالث :

الحسين بن علي بن أبي طالب عليهما‌السلام

سيّد الشهداء

هو ثالث أئمّة أهل البيت الطاهر ، وثاني السبطين ، وأحد سيدي شباب أهل الجنّة ، وريحانتي المصطفى صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وأحد الخمسة أصحاب الكساء ، وسيد الشهداء ، واُمّه فاطمة بنت رسول اللّه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم.

ولد في المدينة المنوّرة في الثالث من شعبان سنة ٣ أو ٤ من الهجرة ولمّا ولد جيئ به إلى رسول اللّه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فاستبشر به ، وأذّن في اُذنه اليمنى واقام في اليسرى ، فلمّا كان اليوم السابع سمّاه حسينا. وعقَّ عنه بكبش وأمر أن يحلق رأسه ويتصدّق بوزن شعره فضّة. كما فعلت بأخيه الحسن فامتثلت اُمّه ما أمرها به.

٤٥١

ولقد استشهد يوم الجمعة لعشر خلون من المحرم سنة ٦١ من الهجرة وقيل يوم السبت. أدرك من حياة النبيّ الأكرم ٥ أو ٦ سنوات وعاش مع أبيه ٣٦ سنة. ومع أخيه ٤٦ سنة.

إنّ حياة الامام الحسين من ولادته إلى شهادته حافلة بالحوادث ، والاشارة فضلا عن الاحاطة إلى كل ما يرجع إليه يحتاج إلى تأليف مفرد ، فقد أغنانا في ذلك ما كتبه المؤلّفون حول النصوص الواردة من جدّه وأبيه في حقّه ، وحول علمه ومناظراته ، حول خطبه وكتبه وقصار كلمه ، حول فصاحته وبلاغته ، حول مكارم أخلاقه وكرمه وجوده ، وزهده وعبادته ، ورأفته بالفقراء والمساكين ، حول أصحابه والرواة عنه ، والجيل الذي تربّى على يديه. كل ذلك ألّف حوله رسائل ومؤلّفات وموسوعات.

غير أنّ للحسين عليه‌السلام وراء ذلك ، خصيصة اُخرى ، وهي كفاحه وجهاده الرسالي والسياسي الذي عُرِفَ به ، وصار شعاراً له بل مدرسة سياسية دينية ، واُسوة وقدوة مدى أجيال وقرون ، ولم يزل منهجه يُؤثر في ضمير الاُمة ووعيها ويحرّك العقول المتفتّحة ، والقلوب المستنيرة إلى التحرّك والثورة ومواجهة طواغيت الزمان بالعنف والشدّة.

وها نحن نقدم إليك نموذجاً من غرر كلماته في ذلك المجال حتّى تقف على كفاحه وجهاده أمام التيارات الالحادية والانهيار الخلقي.

إباؤه للضيم ومعاندة الجور :

لمّا توفّي أخوه الحسن في العام الخمسين من الهجرة أوصى إليه بالإمامة فاجتمعت الشيعة حوله ، يرجعون إليه في حلّهم وترحالهم وكان لمعاوية عيون في المدينة يكتبون إليه ما يكون لاُمور الناس مع الحسين عليه‌السلام ولقد كتب مروان

٤٥٢

ابن الحكم وهو عامل معاوية على المدينة أنّ رجالاً من أهل العراق ووجوه أهل الحجاز يختلفون إلى الحسين بن علي وأنّه لا يأمن وثوبه ، ولقد بحثت عن ذلك فبلغني أنّه يريد الخلاف يومه هذا.

ولمّا بلغ الكتاب إلى معاوية كتب رسالة إلى الحسين وهذه نصّها : أمّا بعد : فقد انتهت إلىّ اُمور عنك إن كانت حقّاً فإنّي أرغب بك عنها ، ولعمر اللّه أنّ من أعطى اللّه عهده وميثاقه لجدير بالوفاء وأنّ أحقَّ الناس بالوفاء من كان في خطرك وشرفك ومنزلتك التي أنزلك اللّه لها ... (١).

ولمّا وصل الكتاب إلى الحسين بن علي كتب إليه رسالة مفصّلة ذكر فيها جرائمه ونقضه ميثاقه وعهده ، نقتبس منه مايلي.

« ألست قاتل حجر بن عدي أخا كندة وأصحابه المصلّين ، العابدين ، الذين ينكرون الظلم ، ويستفظعون البدع ، ويأمرون بالمعروف ، وينهون عن المنكر ، ولا يخافون في اللّه لومة لائم ، ثم قتلتهم ظلماً وعدوانا من بعد ما أعطيتهم الأيمان المغلّظة والمواثيق المؤكّدة ، ولا تأخذهم بحدث كان بينك وبينهم ، جرأة على اللّه واستخفافاً بعهده.

أو لست قاتل عمرو بن الحمق صاحب رسول اللّه العبد الصالح الذي أبلته العبادة فنحل جسمه واصفرّ لونه ، فقتلته بعد ما أمنته وأعطيته العهود ما لو فهمته العصم لنزلت من رؤوس الجبال.

أولست المدعي زياد بن سميّة المولود على فراش عبيد بن ثقيف فزعمت أنّه ابن أبيك وقد قال رسول اللّه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : الولد للفراش وللعاهر الحجر ، فتركت سنّة رسول اللّه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم تغمّداً وتبعت هواك بغير

__________________

١ ـ الامامة والسياسة ١ / ١٦٣.

٤٥٣

هدى من اللّه ، ثمّ سلّطته على أهل الإسلام يقتلهم ويقطع أيديهم وأرجلهم ، ويُسمل أعينهم ويصلبهم على جذوع النخل كأنّك لست من هذه الاُمّة وليسوا منك.

أولست صاحب الحضرميّين الذين كتب فيهم ابن سمية أنّهم على دين علي ( صلوات اللّه عليه ) فكتبت إليه أن اُقتل كل من كان على دين عليّ ، فقتلهم ومثّل بهم بأمرك ، ودين علي هو دين ابن عمّه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم الذي كان يضرب عليه أباك ويضربك ، وبه جلست مجلسك الذي أنت فيه ولولا ذلك لكان شرفك وشرف آبائك تجشّم الرحلتين رحلة الشتاء والصيف (١).

هذا هو الحسين وهذا هو إباؤه للضيم ودفاعه عن الحق ونصرته للمظلومين في عصر معاوية. وذكرنا هذه المقتطفات كنموذج من سائر خطبه ورسائله التي ضبطها التاريخ.

رفضه البيعة ليزيد :

لمّا توفّي معاوية في منتصف رجب سنة ٦٠ كتب يزيد إلى الوليد بن عتبة والي المدينة أن يأخذ الحسين عليه‌السلام بالبيعة له فأنفذ الوليد إلى الحسين عليه‌السلام فاستدعاه فعرف الحسين ما أراد ، فدعا جماعة من مواليه وأمرهم لحمل السلاح وقال : اجلسوا على الباب فإذا سمعتم صوتي قد علا فادخلوا عليه ولا تخافوا عليّ وصار عليه‌السلام إلى الوليد فنعى الوليد إليه معاوية فاسترجع الحسين عليه‌السلام ثمّ قرأ عليه كتاب يزيد بن معاوية فقال الحسين عليه‌السلام : فنصبح ونرى في ذلك ، فقال الوليد : انصرف على اسم اللّه تعالى ، فقال مروان : واللّه لئن فارقك الساعة ولم يبايع لا تقدر منه على مثلها أبداً حتّى يكثر القتلى بينكم وبينه

__________________

١ ـ الامامة والسياسة ١ / ١٦٤ وبحارالأنوار ٤٤ / ٢١٣.

٤٥٤

فلا يخرج من عندك حتّى يبايع أو تضرب عنقه فوثب عند ذلك الحسين عليه‌السلام وقال : أنت يا بن الزرقاء تقتلني أو هو؟ كذبت واللّه وأثمت فخرج (١).

وأصبح الحسين من غده يستمع الأخبار فإذا هو بمروان بن الحكم قد عارضه في طريقه فقال : أبا عبداللّه إنّي لك ناصح فأطعني ترشد وتسدّد ، فقال : وما ذاك قل أسمع ، فقال : إنّي أرشدك لبيعة يزيد فانّها خير لك في دينك وفي دنياك ، فاسترجع الحسين وقال : إنّا للّه وإنّا إليه راجعون. وعلى الإسلام السلام إذا بليت الاُمّة براع مثل يزيد ، ثمّ قال : يا مروان أترشدني لبيعة يزيد. ويزيد رجل فاسق لقد قلت شططاً من القول وزللا ، ولا ألومك فانّك اللعين الذي لعنك رسول اللّه وأنت في صلب أبيك الحكم بن العاص ومن لعنه رسول اللّه ، فلا ينكر منه أن يدعو لبيعة يزيد. إليك عنّي يا عدوّ اللّه. فإنّا أهل بيت رسول اللّه الحق فينا ينطق على ألسنتنا.

وقد سمعت جدّي رسول اللّه يقول : الخلافة محرّمة على آل أبي سفيان الطلقاء وأبناء الطلقاء. فإذا رأيتم معاوية على منبري فابقروا بطنه. ولقد رآه أهل المدينة على منبر رسول اللّه فلم يفعلوا به ما اُمروا فابتلاهم بابنه يزيد (٢).

ثمّ إنّ الحسين غادر المدينة إلى مكة. ولمّا بلغ أهل الكوفة هلاك معاوية اجتمعت الشيعة في منزل سليمان بن صرد فاتّفقوا أن يكتبوا إلى الحسين رسائل وينفذوا رسلاً طالبين منه مغادرته مكة إلى الكوفة وهذا نموذج من رسائلهم.

« فقد اخضرّت الجنّات ، وأينعت الثمار فإذا شئت فاقدم على جندٍ لك مجنّدة ».

ولمّا جاءت رسائل أهل الكوفة تترى كتب إليهم الحسين : انّه قد اجتمع رأي

__________________

١ ـ الشيخ المفيد : الارشاد ٢٠٠ طبع النجف.

٢ ـ الخوارزمي : مقتل الحسين ١ / ١٨٤ ـ ١٨٥.

٤٥٥

ملائكم وذووا الحجى والفضل منكم على مثل ما قدمت عليّ به رسلكم وقرأته في كتبكم أقدم عليكم وشيكاً إن شاء اللّه فلعمري ما الامام إلاّ الحاكم بالكتاب ، القائم بالقسط ، الداين بدين الحق ، الحابس نفسه على ذات اللّه (١).

خرج الامام من مكة متوجّها إلى الكوفة يوم التروية أو يوماً قبله فقطع المنازل حتّى نزل بمقربة من الكوفة وعند ذاك استقبله الحر بن يزيد الرياحي بألف فارس مبعوثاً من الوالي عبيداللّه بن زياد لاستقدامه مقبوضاً إلى الكوفة ، فعند ذلك قام الامام وخطب أصحابه وأصحاب الحر بقوله : أيّها الناس! إنّ رسول اللّه قال : من راى سلطاناً جائراً مستحلاّ حرم اللّه ناكثاً لعهد اللّه ، مخالفاً لسنّة رسول الله يعمل في عباده بالإثم والعدوان ، فلم يغيّر عليه بفعل ولا قول كان حقاً على اللّه أن يدخله مدخله ، ألا وانّ هؤلاء قد لزموا طاعة الشيطان وتركوا طاعة الرحمن وأظهروا الفساد ، وعطّلوا الحدود ، واستأثروا بالفيئ ، وأحلّوا حرام اللّه وحرّموا حلاله ، وأنا أحق من غيري (٢).

الدافع الواقعي للهجرة إلى العراق :

إنّ الدافع الظاهري لهجرته إلى العراق ، وإن كانت رسائل أهل الكوفة ورسلهم حتّى أنّ الامام احتجّ بها عندما واجه الحر بن يزيد الرياحي وعمر بن سعد عندما سألاه عن سر مجيئه إلى العراق فقال : ما أتتني إلاّ رسل القوم ورسائلهم (٣) ولكن هذا الدافع كان أمراً ظاهرياً وكان وراء ذلك سرّ آخر لهجرته

__________________

١ ـ الارشاد ٢٠٤.

٢ ـ الطبري : التاريخ ج ٤ ، حوادث سنة ٦١ ، ٣٠٤ ، وأمّا ما جرى على الامام وأهل بيته حتّى نزل أرض كربلا فراجع المقاتل.

٣ ـ الارشاد ٢٢٤ ـ ٢٢٥.

٤٥٦

يكتشفه من قرأ وتمعّن في حياته منذ ولادته إلى شهادته وعند ذلك سيتّخذ موقفاً آخرا. وهو أنّه ما هاجر من الحجاز إلى العراق إلاّ وقد وطّن نفسه للشهادة والتضحية لأجل بقاء الإسلام واصلاح أمر الاُمّة وفضح أعدائهما.

إنّ الدافع الحقيقي للامام إلى الثورة والتضحية بالنفس والنفيس هو شعوره الديني بأنّ السلطة وسياستها العامة لاتلتزم بالمبادئ الدينية وانّها بيد من يشرب الخمر ويلعب بالكلاب ويمارس الفسق والفجور ليله ونهاره ، فلو دامت السلطة على هذه الحال لا يبقى من الإسلام إلاّ اسمه ولأجل ذلك لمّا طلب مروان بن الحكم مبايعة الامام ليزيد ، قال : فعلى الإسلام السلام إذا بليت الاُمّة براع مثل يزيد كما عرفت.

إنّ رسول اللّه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال : صنفان من اُمّتي إذا صلحا صلحت اُمّتي وإذا فسدا فسدت اُمّتي ، قيل : يا رسول اللّه ومن هما؟ فقال : الفقهاء والاُمراء (١) ، فإذا كان صلاح الاُمّة وفسادها رهن صلاح الخلافة وفسادها فقيادة مثل يزيد لا يزيد الأمر إلاّ عيثاً وفسادا.

إنّ القيادة الإسلامية بين التنصيص والشورى فلم يملك يزيد السلطة لا بتنصيص من اللّه سبحانه ولا بشورى من الاُمّة وقد وقف على ذلك أعلامهم ، ولأجل ذلك كتبوا إلى الحسين عليه‌السلام في رسالة جاء فيها : أمّا بعد فالحمدللّه الذي قصم عدوّك الجبّار العنيد الذي انتزى على هذه الاُمّة فابتزّها أمرها وغصبها فيأها وتأمّر عليها بغير رضى منها ، ثمّ قتل خيارها وأستبقى شرارها (٢).

ولم يكن الولد ( يزيد ) فريداً في غصب حق الاُمّة بل سبقه والده معاوية إليه

__________________

١ ـ القمي : سفينة البحار ٢ / ٣٠ مادة أمر.

٢ ـ الجزري الكامل ٢ / ٢٦٦ ـ ٢٦٧ والأرشاد ٢٠٣.

٤٥٧

كما أشار إليه الامام في كتابه إليه وقال :

« فقد آن لك أن تنتفع باللمح الباصر ، من عيان الاُمور ، وقد سلك مدارج أسلافك بادّعائك الأباطيل واقتحامك غرور المين والأكاذيب ، وبانتحالك ما قد علا عنك ، وابتزازك لما قد اختزن دونك فراراً من الحق » (١).

هذا ونظائره المذكورة في التاريخ دفع الحسين إلى الثورة ، وتقديم نفسه وأهل بيته إلى المجزرة مع العلم بأنّه لا ينجح في ثورته نجاحاً ظاهريا ولا يغلب على العدو بالسيف والقوة ، لكن كان يقف على أنّ شجرة الإسلام ستنمو بدمه الطاهر ، وأنّ مصباحه سيتوقّد بدماء أهل بيته وأصحابه ، وأنّ الاُمّة ستتّخذ من تلك الثورة دروساً وعبراً حتّى قيام الساعة. وإليك ما يدل على أنّ الإمام خاض المعركة مع العلم بأنه سيقتل ويستشهد.

كان المعروف منذ ولادة الامام الحسين عليه‌السلام انّه سيستشهد في العراق في أرض كربلاء وعرف المسلمون ذلك في عصر النبيّ الأكرم صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ووصيّه لذا كان الناس يترقّبون حدوث تلك الفاجعة وإليك بعض ما يدل على ذلك ممّا يرجع إلى زمان خروجه.

١ ـ روى غير واحد من المحدّثين عن أنس بن الحارث الذي استشهد في كربلاء أنّه قال : سمعت رسول اللّه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : « إنّ ابني هذا يقتل بأرض يقال لها كربلاء فمن شهد ذلك منكم فلينصره » فخرج أنس بن الحارث فقتل بها مع الحسين عليه‌السلام (٢).

٢ ـ إن أهل الخبرة والسياسة في عصر الإمام كانوا متّفقين على أنّ الخروج

__________________

١ ـ نهج البلاغة ، قسم الكتب ، برقم ٦٥.

٢ ـ الاصابة ١ / ٨١ ، برقم ٢٦٦.

٤٥٨

إلى العراق يشكّل خطراً كبيراً على حياة الامام عليه‌السلام وأهل بيته ولأجل ذلك أخلصوا له النصيحة ، وأصروا عليه عدم الخروج ويتمثّل ذلك في كلام أخيه محمّد ابن الحنفية ، وابن عمّه ابن عباس ، ونساء بني عبدالمطلب ومع ذلك اعتذر لهم الامام وأفصح عن عزمه على الخروج (١).

٣ ـ لمّا عزم الإمام المسير إلى العراق خطب وقال : الحمدللّه وماشاء اللّه ولا قوّة إلاّ باللّه خطّ الموت على ولد آدم مخط القلادة على جيد الفتاة ، وما أولهني إلى أسلافي ، اشتياق يعقوب إلى يوسف ، وخيِّر لي مصرع أنا اُلاقيه ، كأنّي بأوصالي يتقطّعها عسلان الفلوات ، بين النواويس وكربلاء فيملأن منّي أكراشاً جُوَّفاً وأجربة سغبا ، لا محيص عن يوم خطّ بالقلم. رضى اللّه رضانا أهل البيت نصبر على بلائه. ويوفينا اُجور الصابرين لن تشذ عن رسول اللّه صلى‌الله‌عليه‌وآله لحمته ، بل هي مجموعة له في حظيرة القدس تَقرّ بهم عينه ، وينجز لهم وعده ألا ومن كان فينا باذلا مهجته ، موطناً على لقاء اللّه نفسه فليرحل معنا فإنّي راحل مصبحاً إن شاء اللّه (٢).

٤ ـ لمّا بلغ عبدالله بن عمر ما عزم عليه الحسين عليه‌السلام دخل عليه فلامه في المسير ولمّا رآه مصرّاً عليه قبّل ما بين عينيه وبكى وقال : أستودعك اللّه من قتيل (٣).

٥ ـ لمّا خرج الحسين عليه‌السلام في مكة لقيه الفرزدق الشاعر فقال له : إلى أين يابن رسول اللّه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ما أعجلك عن الموسم قال : لو لم أعجل لاًخذْتُ أخذاً فأخبرني يا فرزدق عمّا وراء فقال : تركت الناس بالعراق ،

__________________

١ ـ لاحظ المحاورات التي جرت بين الامام وهولاء في الارشاد ٢٠١ ـ ٢٠٢ طبع النجف ومقاتل الطالبيين ١٠٩ ، اللهوف ٢٠ طبع بغداد.

٢ ـ اللهوف ٤١ طبع بغداد.

٣ ـ تذكرة الخواص ٢١٧ ـ ٢١٨.

٤٥٩

قلوبهم معك ، وسيوفهم مع بني اُمية. فاتّق اللّه في نفسك (١).

٦ ـ لمّا أتى إلى الحسين خبر قتل مسلم بن عقيل وهاني بن عروة وعبداللّه بن يقطر. قال لأصحابه : لقد خذلنا شيعتنا فمن أحبّ منكم الانصراف فلينصرف ليس معه زمام ، فتفرّق الناس عنه ، وأخذوا يميناً وشمالاً حتّى بقي في أصحابه الذين جاءوا معه من المدينة نفر يسير ممّن انضمّوا إليه « ومع ذلك فلمّا أصبح سار نحو الكوفة فقال له شيخ من بني عكرمة يقال له عمر بن لوزان : أين تريد؟ فقال له الحسين عليه‌السلام : الكوفة ، فقال الشيخ : أنشدك لمّا انصرفت فواللّه ما تَقْدِمُ إلاّ على الأسنّة وحدّ السيوف فقال له الحسين : ليس يخفى عليّ الرأي وأنّ اللّه تعالى لا يغلب على أمره (٢).

وفي نفس النص دلالة على أنّ الامام كان يتفرّس ما كان يتفرسه غيره وانّ مصيره لو سار إلى الكوفة هو القتل ومع ذلك أكمل السير طلباً للشهادة التي كان المولى سبحانه كتبها إيّاه لأجل احياء الدين وهتك الأعداء ، وايقاظ الاُمة من سباتها حتّى يضحّوا في طريق الدين بكل غال ورخيص.

إلى غير ذلك من الشواهد والقرائن المتواترة ، الدالة على أنّه كان من الواضح أنّ الامام لا ينجح في ثورته نجاحاً ظاهرياً ومع ذلك واصل طريقه إلى أن لقى عدوّه وضحّى بنفسه وأهل بيته ، كل ذلك لأجل ايقاظ ضمير الاُمّة ، وفضح أعداء الإسلام ولقد أفصح عن هدفه عندما طلب منه الحر بن يزيد ترك المخاصمة وقال : فإنّي أشهد لئن قاتلت لتُقْتَلنَّ فقال له الحسين : أبالموت تخوّفني وسأقول كما قال أخو الأوس لابن عمّه وهو يريد نصرة رسول اللّه فخوفه ابن عمّه.

__________________

١ ـ الارشاد ٢١٨ ، نفس المهموم ٩١.

٢ ـ الارشاد ٢٢٣.

٤٦٠