بحوث في الملل والنّحل - ج ٦

الشيخ جعفر السبحاني

بحوث في الملل والنّحل - ج ٦

المؤلف:

الشيخ جعفر السبحاني


الموضوع : الفرق والمذاهب
الناشر: مؤسسة النشر الإسلامي
الطبعة: ٢
الصفحات: ٧٠٤

والأوصياء ، والحجج ، وإن كانوا في الحقيقة اُمراء المؤمنين ، فإنّهم لم يمنعوا من هذا الاسم لأجل معناه ، لأنّه حاصل لهم على الاستحقاق ، وإنّما منعوا من لفظه ، حشمة لأمير المؤمنين عليه‌السلام.

وأنّ أفضل الأئمّة بعد أميرالمؤمنين ، ولده الحسن ، ثمّ الحسين ، وأفضل الباقين بعد الحسين ، إمام الزمان المهدي ( صلوات اللّه عليه ) ثمّ بقية الأئمّة بعده على ما جاء به الأثر وثبت في النظر.

وأنّ المهدي عليه‌السلام هو الذي قال فيه رسول اللّه :

« لو لم يبق من الدنيا إلاّ يوم واحد ، لطوّل اللّه تعالى ذلك اليوم ، حتّى يظهر فيه رجل من ولدي يواطئ اسمه اسمي ، يملأها عدلا ، وقسطاً ، كما ملئت ظلماً وجوراً » (١).

فاسمه يواطئ اسم رسول اللّه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وكنيته تواطئ كنيته ، غير أنّ النهي قد ورد عن اللفظ ، فلا يجوز أن يتجاوز في القول أنّه المهدي ، والمنتظر ، والقائم بالحق ، والخلف الصالح ، وإمام الزمان ، وحجة اللّه على الخلق.

ويجب أن يعتقد أنّ اللّه فرض معرفة الأئمّة عليهم‌السلام بأجمعهم ، وطاعتهم ، وموالاتهم والاقتداء بهم ، والبراءة من أعدائهم وظالميهم ... وأنّه لا يتم الايمان إلاّ بموالاة أولياء اللّه ، ومعاداة أعدائه ، وأنّ أعداء الأئمّة

__________________

١ ـ روى هذا الحديث وأمثاله ابن خلدون في المقدّمة في الفصل الثاني والخمسين عن الترمذي ، وأبي داود باختلاف بعض ألفاظه ، وروى حوالي اثنين وثلاثين حديثاً ، وقال في ص ٣١١ من المقدّمة :

« إنّ جماعة من الأئمّة خرّجوا أحاديث المهدي ، منهم : الترمذي ، وأبوداود ، والبزار ، وابن ماجة ، والحاكم ، والطبراني ، وأبو يعلى الموصلي ، واسندوها إلى جماعة من الصحابة مثل علي ، وابن عباس ، وابن عمر ، وطلحة ، وابن مسعود ، وأبي هريرة ، وأنس ، وأبي سعيد الخدري ، واُمّ حبيبة ، واُمّ سلمة ، وثوبان ، وقرّة بن اياس ، وعلي الهلالي ».

٢٦١

عليهم‌السلام كفّار ملحدون في النار ، وإن أظهروا الإسلام ، فمن عرف اللّه ورسوله والأئمّة الاثني عشر وتولاّهم وتبرّأ من أعدائهم فهو مؤمن ، ومن أنكرهم أو تولّى أعداءهم فهو ضال هالك لا ينفعه عمل ولا اجتهاد ، ولا تقبل له طاعة ولا تصحّ له حسنات ... (١).

في التوبة والحشر والنشر :

ويعتقد أنّ اللّه يزيد وينقص إذا شاء في الأرزاق والآجال.

وأنّه لم يرزق العبد إلاّ ما كان حلالا طيّباً.

ويعتقد أنّ باب التوبة مفتوح لمن طلبها ، وهي الندم على ما مضى من المعصية ، والعزم على ترك المعاودة إلى مثلها.

وأنّ التوبة ماحية لما قبلها من المعصية التي تاب العبد منها.

وتجوز التوبة من زلّة ، إذا كان التائب منها مقيماً على زلّة غيرها لا تشبهها ، ويكون له الأجر على التوبة ، وعليه وزر ما هو مقيم عليه من الزلّة.

وأنّ اللّه يقبل التوبة بفضله وكرمه ، وليس ذلك لوجوب قبولها في العقل قبل الوعد ، وانّما علم بالسمع دون غيره.

ويجب أن يعتقد أنّ اللّه سبحانه ، يميت العباد ويحييهم بعد الممات ليوم المعاد.

وأنّ المحاسبة حق والقصاص ، وكذلك الجنّة والنار والعقاب.

وأنّ مرتكبي المعاصي من العارفين باللّه ورسوله ، والأئمّة الطاهرين ، المعتقدين لتحريمها مع ارتكابها ، المسوّفين التوبة منها ، عصاة فسّاق ، وأنّ ذلك

__________________

١ ـ مكان النقاط كلمات غير واضحة.

٢٦٢

لا يسلبهم اسم الايمان كما لم يسلبهم اسم الاسلام (١).

وأنّهم يستحقّون العقاب على معاصيهم ، والثواب على معرفتهم باللّه تعالى ، ورسوله ، والأئمّة من بعده صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم.

وما بعد ذلك من طاعتهم ، وأمرهم مردود إلى خالقهم ، وإن عفا عنهم فبفضله ورحمته ، وإن عاقبهم فبعدله وحكمته ، قال اللّه سبحانه :

( وَآخَرُون مُرْجَوْنَ لأمْرِ اللّهِ إِمّا يُعَذِّبَهُمْ وَإِمَّا يَتُوبُ عَلَيْهِمْ ) (٢).

وأنّ عقوبة هؤلاء العصاة إذا شاءها اللّه تعالى ، لا تكون مؤبّدة ، ولها آخِر ، يكون بعده دخولهم الجنّة وليسوا من جملة من توجه إليهم الوعيد بالتخليد. والعفو من اللّه تعالى يرجى للعصاة المؤمنين.

وقد غلطت المعتزلة فسمّت من يرجو العفو مرجئاً ، وانّما يجب أن يسمّى راجياً ، ولا طريق إلى القطع على العفو ، وانّما هو الرجاء فقط.

ويعتقد أنّ لرسول اللّه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم والأئمّة من بعده عليهم‌السلام شفاعة مقبولة يوم القيامة ، ترجى للمؤمنين من مرتكبي الآثام.

ولا يجوز أن يقطع الإنسان على أنّه مشفوع فيه على كل حال ، ولا سبيل له إلى العلم بحقيقة هذه الحال ، وانّما يجب أن يكون المؤمن واقفاً بين الخوف والرجاء.

ويعتقد أنّ المؤمنين الذين مضوا من الدنيا وهم غير عاصين ، يؤمر بهم يوم

__________________

١ ـ صرّح بهذا المفيد اُستاذ المؤلّف في كتابه أوائل المقالات ص ٤٨ ونسبه إلى اتّفاق الإمامية ، أمّا الخوارج فتسمّي مرتكب الكبيرة مشركاً وكافراً ، والحسن البصري اُستاذ واصل ابن عطاء وعمرو بن عبيد ، سمّاهم منافقين ، وأمّا واصل بن عطاء فوضعهم في منزلة بين منزلتين ، وقال إنّهم فسّاق ليسوا بمؤمنين ، ولا كفّار ، ولا منافقين.

٢ ـ التوبة / ١٠٦.

٢٦٣

القيامة إلى الجنّة بغير حساب.

وأنّ جميع الكفار والمشركين ، ومن لم تصح له الاُصول من المؤمنين يؤمر بهم يوم القيامة إلى الجحيم بغير حساب ، وانّما يحاسب من خلط عملاً صالحاً وآخر سيّئاً ، وهم العارفون العصاة.

وأنّ أنبياء اللّه تعالى وحججه عليهم‌السلام هم في القيامة المسؤولون للحساب باذن اللّه تعالى ، وأنّ حجّة أهل كل زمان يتولّى أمر رعيته الذين كانوا في وقته.

وأنّ سيّدنا رسول اللّه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم والأئمّة الاثنا عشر من بعده عليهم‌السلام هم أصحاب الأعراف وهم الذين لا يدخل الجنّة إلا من عرفهم وعرفوه ، ويدخل النار من أنكرهم وأنكروه.

وأن رسول اللّه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يحاسب أهل وقته وعصره ، وكذلك كل إمام بعده.

وأنّ المهدي عليه‌السلام هو المواقف لأهل زمانه ، والمسائل للذين في وقته.

وأنّ الموازين ( التي ) توضع في القيامة ، هي اقامة العدل في الحساب ، والانصاف في الحكم والمجازاة ، وليست في الحقيقة موازين بكفات وخيوط كما يظن العوام.

وأن الصراط المستقيم في الدينا دين محمّد وآل محمّد ( عليه وعليهم‌السلام ) ، وهو في الآخرة طريق الجنان.

وأنّ الأطفال والمجانين والبله من الناس ، يتفضّل عليهم في القيامة ، بأن تكمل عقولهم ، ويدخلون الجنان.

وأنّ نعيم أهل الجنّة متصل أبداً بغير نفاد ، وأنّ عذاب المشركين والكفّار

٢٦٤

متّصل في النار بغير نفاد.

ويجب أن يؤخذ معالم الدين في الغيبة من أدلّة العقل ، وكتاب اللّه عزّو جل ، والأخبار المتواترة عن رسول اللّه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وعن الأئمّة عليه‌السلام (١) وما أجمعت عليه الطائفة الإمامية ، واجماعها حجّة.

فأمّا عند ظهور الإمام عليه‌السلام فإنّه المفزع عند المشكلات ، وهو المنبّه على العقليات ، والمعرّف بالسمعيات ، كما كان النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم.

ولا يجوز استخراج اأحكام في السمعيات بقياس ولا اجتهاد (٢).

فامّا العقليات فيدخلها القياس والاجتهاد ، ويجب على العاقل مع هذا كلّه ألّا يقنع بالتقليد في الاعتقاد وأن يسلك طريق التأمّل والاعتبار ، ولا يكون نظره لنفسه في دينه أقل من نظره لنفسه في دنياه ، فإنّه في اُمور الدينا يحتاط ويحترز ويفكّر ويتأمّل ، ويعتبر بذهنه ، ويستدل بعقله ، فيجب أن يكون في أمر دينه على أضعاف هذه الحال ، فالغرر في أمر الدين أعظم من الغرر في أمر الدنيا.

__________________

١ ـ ما ذكره هو رأي جماعة من علماء الإمامية ، كالشريف المرتضى ، وابن زهرة ، وابن البراج ، والطبرسي ، وابن ادريس وغيرهم ، فقد ذهب هؤلاء إلى عدم اعتبار الخبر الواحد إذا لم يكن مقطوع الصدور عن المعصوم وخصّوا اعتباره بما إذا كان قطعي الصدور ، سواء أكان محتفّاً بقرينة عقلية أو نقلية اُخرى ، فالمهم لدى هؤلاء في اعتبار الخبر أن يفضي إلى العلم ، ولو كان ذلك لاجماع أو شاعد عقلي ، بل صرّح المفيد في أوائل المقالات بأنّه لا يجب العمل بخبر الواحد.

أمّا المشهور بين الإمامية بل المجمع عليه بين المتأخرين منهم فاعتبار الخبر الواحد لقيام الدليل على حجّيته ، ولكل من الفريقين أدلّة على دعواه مذكورة في كتب الاُصول.

٢ ـ المراد بالاجتهاد هنا ليس هو استنباط الأحكام الشرعية من أدلّتها التفصيلية ، وانّما المراد به الاعتماد على الرأي والاستحسان والقياس ، من دون الرجوع إلى القواعد والاُصول التي ثبتت حجّيتها شرعاً.

٢٦٥

فيجب أن لا يعتقد في العقليات إلا ما صحّ عنده حقّه ، ولا يسلم في السمعيات إلا لمن ثبت له صدقه.

نسأل اللّه حسن التوفيق برحمته ، وألّا يحرمنا ثواب المجتهدين في طاعته.

قد أثبتّ لك يا أخي ـ أيّدك اللّه ـ ما سألت ، اقتصرت وما أطلت.

والذي ذكرت أصل لما تركت ، والحمد للّه وصلواته على سيّدنا محمّد وآله وسلّم (١).

٧ ـ العقائد الجعفرية تأليف الشيخ الطوسي ٣٨٥ ـ ٤٦٠ :

الشيخ الطوسي ، هو شيخ الطائفة على الاطلاق تلميذ المفيد والمرتضى وقد ورد بغداد عام ٤٠٨ وحضر في أندية دروس اُستاذه المفيد ، فلمّا لبّى الاُستاذ دعوة ربّه حضر لدى المرتضى إلى أن اشتغل بالتدريس والافتاء في عصره وبعده ، وله رسائل وكتب كلامية مفعمة بالتحقيق ، نأتي في المقام بموجز ما دوّنه في عقائد الشيعة في خمسين مسألة.

بسم اللّه الرحمن الرحيم

الحمد للّه ربّ العالمين.

والصلواة والسلام على خاتم الأنبياء والمرسلين ، وآله المعصومين الذين اذهب اللّه عنهم الرجس وطهّرهم تطهيراً ، وجعل كل واحد منهم على الخلق بعد الرسول أميراً.

قال الإمام شيخ الطائفة أبو جعفر محمّد الطوسي :

__________________

١ ـ أدرج المصنف الرسالة في كتابه القيم : كنز الفوائد لاحظ ٢٤٠ ـ ٢٥٢.

٢٦٦

« المسألة ١ » معرفة اللّه واجبة على كل مكلّف ، بدليل أنّه منعم ، فيجب معرفته.

« المسألة ٢ » اللّه تعالى موجود ، بدليل أنّه صنع العالم ، وأعطاه الوجود ، وكل من كان كذلك فهو موجود.

« المسألة ٣ » اللّه تعالى واجب الوجود لذاته ، بمعنى أنّه لا يفتقر في وجوده إلى غيره ، ولا يجوز عليه العدم ، بدليل أنّه لو كان ممكناً لافتقر إلى صانع ، كافتقار هذا العالم ، وذلك محال على المنعم المعبود.

« المسألة ٤ » اللّه تعالى قديم أزلي ، بمعنى أنّ وجوده لم يسبقه العدم. باق أبدي ، بمعنى أنّ وجوده لن يلحقه العدم.

« المسألة ٥ » اللّه تعالى قادر مختار ، بمعنى أنّه إن شاء أن يفعل فعل ، وإن شاء أن يترك ترك ، بدليل انّه صنع العالم في وقت دون آخر.

« المسألة ٦ » اللّه تعالى قادر على كل مقدور ، وعالم بكل معلوم ، بدليل أنّ نسبة جميع المقدورات والمعلومات إلى ذاته المقدّسة المنزّهة على السوية ،فاختصاص قدرته تعالى وعلمه ببعض دون بعض ترجيح بلا مرجّح ، وهو محال.

« المسألة ٧ » اللّه تعالى عالم ، بمعنى أنّ الأشياء منكشفة واضحة له ، حاضرة عنده غير غائبة عنه ، بدليل أنّه تعالى فعل الأفعال المحكمة المتقنة ، وكل من فعل ذلك فهو عالم بالضرورة.

« المسألة ٨ » اللّه تعالى يدرك لا بجارحة ، بل بمعنى أنّه يعلم ما يدرك بالحواس ، لأنّه منزّه عن الجسم ولوازمه ، بدليل قوله تعالى : ( لا تَدْرِكُهُ

٢٦٧

الأَبْصارُ وَهُوَ يُدْرِكُ الأَبْصارَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الخَبيرُ ) (١) فمعنى قوله تعالى : ( إنَّهُ هُوَ السَّميعُ البَصير ) (٢) انّه عالم بالمسموعات لا باُذن ، وبالمبصرات لابعين.

« المسألة ٩ » اللّه تعالى حي ، بمعنى أنّه يصح منه أن يقدر ويعلم. بدليل أنّه ثبتت له القدرة والعلم وكل من ثبتت له ذلك فهو حي بالضرورة.

« المسألة ١٠ » اللّه تعالى متكلّم لابجارحة ، بل بمعنى أنّه أوجد الكلام في جرم من الأجرام ، أو جسم من الأجسام ، لإيصال عظمته إلى الخلق ، بدليل قوله تعالى : ( وَكلَّمَ اللّهُ مَوسى تَكْلِيماً ) (٣) ولأنّه قادل ، فالكلام ممكن.

« المسألة ١١ » اللّه تعالى صادق ، بمعنى انّه لا يقول إلا الحق الواقع ، بدليل أنّ كل كذب قبيح ، واللّه تعالى منزّه عن القبيح.

« المسألة ١٢ » اللّه تعالى مريد ، بمعنى أنّه رجّح الفعل إذا علم المصلحة ( يعني أنّه غير مضطر وأنّ ارادته غير واقعة تحت ارادة اُخرى ، بل هي الارادة العليا التي إن رأى صلاحاً فعل ، وإن رأى فساداً لم يفعل ، باختيار منه تعالى ) بدليل أنّه ترك ايجاد بعض الموجودات في وقت دون وقت ، مع علمه وقدرته ـ على كل حال ـ بالسوية. ولأنّه نهى وهو يدل على الكراهة.

« المسألة ١٣ » انّه تعالى واحد ، بمعنى أنّه لا شريك له في الالوهية ، بدليل قوله ( قُلْ هُوَ اللّهُ أَحَد ) (٤) ولأنّه لو كان له شريك لوقع التمانع ، ففسد النظام ، كما قال : ( لَوْ كانَ فِيهِما آلِهَةٌ إِلّا اللّه لَفَسَدَتَا ) (٥).

__________________

١ ـ الأنعام / ١٠٣.

٢ ـ الإسراء / ١ ، غافر / ٥٦.

٣ ـ النساء / ١٦٤.

٤ ـ الإخلاص / ١.

٥ ـ الأنبياء / ٢٢.

٢٦٨

« المسألة ١٤ » اللّه تعالى غير مركّب من شيء ، بدليل أنّه لو كان مركّباً لكان مفتقراً إلى الأجزاء ، والمفتقر ممكن.

« المسألة ١٥ » اللّه تعالى ليس بجسم ، ولا عرض ، ولا جوهر ، بدليل أنّه لو كان أحد هذه الأشياء لكان ممكناً مفتقراً إلى صانع ، وهو محال.

« المسألة ١٦ » اللّه تعالى ليس بمرئي بحاسة البصر في الدنيا والآخرة ، بدليل أنّه تعالى مجرّد ، ولأنّ كل مرئي لابد أن يكون له الجسم والجهة ، واللّه تعالى منزّه عنهما ولأنّه تعالى قال : ( لَنْ تَرَانِي ) (١) وقال : ( لا تُدْرِكُهُ الأَبصارُ ) (٢).

« المسألة ١٧ » اللّه تعالى ليس محلّاً للحوادث ، وإلا لكان حادثاً ، وحدوثه محال.

« المسألة ١٨ » اللّه تعالى لا يتّصف بالحلول ، بدليل أنّه يلزم قيام الواجب بالممكن وذلك محال.

« المسالة ١٩ » اللّه تعالى لا يتّحد بغيره ، لأنّ الاتّحاد صيرورة الشيء واحداً من غير زيادة ونقصان ، وذلك محال ، واللّه لا يتّصف بالمحال.

« المسألة ٢٠ » اللّه تعالى منفي عنه المعاني والصفات الزائدة ، بمعنى أنّه ليس عالماً بالعلم ، ولا قادراً بالقدرة ( بل علم كلّه ، وقدرة كلّها ) ، بدليل أنّه لو كان كذلك بزم كونه محلّاً للحوادث لو كانت حادثة ، وتعدّد القدماء لو كانت قديمة ، وهما محالان ، وأيضاً لزم افتقار الواجب إلى صفاته المغايرة له ، فيصير ممكناً وهو ممتنع.

« المسألة ٢١ » اللّه تعالى غني ، بمعنى أنّه غير محتاج إلى ما عداه ،

__________________

١ ـ الأعراف / ١٤٣.

٢ ـ الأنعام / ١٠٣.

٢٦٩

والدليل عليه أنّه واجب الوجود لذاته ، فلا يكون مفتقراً.

« المسألة ٢٢ » اللّه تعالى ليس في جهة ، ولا مكان ، بدليل أنّ كل ما في الجهة والمكان مفتقر إليهما ، وأيضاً قد ثبت أنّه ليس بجسم ولا جوهر ولا عرض ، فلا يكون في المكان والجهة.

« المسألة ٢٣ » اللّه تعالى ليس له ولد ، ولا صاحبة ، بدليل أنّه قد ثبت عدم افتقاره إلى غيره ، ولأنّ كل ما سواه تعالى ممكن ، فكيف يصير الممكن واجباً بالذات ، ولقوله تعالى : ( لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ ) (١) و ( مَثَلَ عِيسى عِندَ اللّهِ كَمَثَلِِ آدَمَ خَلَقَهُ مِنْ تُرَابٍ ) (٢).

« المسالة ٢٤ » اللّه تعالى عدل حكيم ، بمعنى أنّه لا يفعل قبيحاً ولا يخل بالواجب بدليل أنّ فعل القبيح قبيج ، والاخلال بالواجب نقص عليه ، فاللّه تعالى منزّه عن كل قبيح واخلال بالواجب.

« المسألة ٢٥ » الرضا بالقضاء والقدر واجب ، وكل ما كان أو يكون فهو بالقضاء والقدر ولا يلزم بهما الجبر والظلم ، لأنّ القدر والقضاء هاهنا بمعنى العلم والبيان ، والمعنى أنّه تعالى يعلم كل ما هو ( كائن أو يكون ) (٣).

« المسألة ٢٦ » كل ما فعله اللّه تعالى فهو أصلح ، وإلا لزم العبث ، وليس تعالى بعابث ، لقوله : ( أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثاً ) (٤).

« المسألة ٢٧ » اللّطف على اللّه واجب ، لأنّه خلق الخلق ، وجعل فيهم الشهوة ، فلو لم يفعل اللطف لزم الاغراء ، وذلك قبيح ، ( واللّه لا يفعل القبيح )

__________________

١ ـ الشورى / ١١.

٢ ـ آل عمران / ٥٩.

٣ ـ الاضافة منّا لإكمال العبارة.

٤ ـ المؤمنون / ١١٥.

٢٧٠

فاللطف هو نصب الأدلّة ، واكمال العقل ، وارسال الرسل في زمانهم ، وبعد انقطاعهم ابقاء الإمام ، لئلّا ينقطع خيط غرضه.

« المسألة ٢٨ » نبيّنا « محمّد بن عبد اللّه بن عبد المطلب بن هاشم بن عبد مناف » رسول اللّه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم حقأ صدقاً. بدليل أنّه ادّعى النبوّة ، وأظهر المعجزات على يده ، فثبت أنّه رسول حقّاً ، وأكبر المعجزات « القرآن الحميد » والفرقان المجيد الفارق بين الحق والباطل ، باق إلى يوم القيامة ، حجّة على كافّة النسمة.

ووجه كونه معجزاً : فرط فصاحته وبلاغته ، بحيث ما تمكّن أحد من أهل الفصاحة والبلاغة حيث تحدّوا به ، أنّ يأتوا ولو بسورة صغيرة ، أو آية تامّة مثله.

« المسألة ٢٩ » كان نبيّنا نبياً على نفسه قبل البعثة ، وبعده رسولاً إلى كافّة النسمة لأنّه قال « كنت نبيّاً وآدم بين الماء والطين » وإلا لزم تفضيل المفضول ، وهو قبيح.

« المسألة ٣٠ » جميع الأنبياء كانوا معصومين ، مطهّرين عن العيوب والذنوب كلّها ، وعن السهو والنسيان في الأفعال والأقوال ، من أوّل الأعمار إلى اللحد ، بدليل انّهم لو فعلوا المعصية أو يطرأ عليهم السهو لسقط محلّهم من القلوب ، فارتفع الوثوق والاعتماد على أقوالهم وأفعالهم ، فتبطل فائدة النبوّة ، فما ورد في الكتاب ( القرآن ) فيهم فهو واجب التأويل.

« المسألة ٣١ » يجب أن يكون الأنبياء أعلم وأفضل أهل زمانهم ، ولأنّ تفضيل المفضول قبيح.

« المسألة ٣٢ » نبيّنا خاتم النبيين والمرسلين ، بمعنى أنّه لا نبي بعده إلى يوم القيامة ، يقول تعالى : ( ما كَانَ مُحَمَّدٌ أَبا أَحَدٍ مِن رِجَالِكُمْ وَلَكِن رَسُولَ اللّهِ

٢٧١

وخَاتَمَ النَّبِيِّينَ ) (١).

« المسألة ٣٣ » نبيّنا أشرف الأنبياء والمرسلين ، لأنّه ثبتت نبوّته ، وأخبر بأفضليته فهو أفضل ، لمّا قال لفاطمة عليه‌السلام : « أبوك خير الأنبياء ، وبعلك خير الأوصياء ، وأنت سيدة نساء العالمين ، وولدك الحسن والحسين عليهما‌السلام سيّدا شباب أهل الجنّة ، وأبوهما خير منهما » (٢).

« المسألة ٣٤ » معراج الرسول بالجسم العنصري علانية ، غير منام ، حق ، والأخبار عليه بالتواتر ناطقة ، صريحة ، فمنكره خارج عن الاسلام ، وأنّه مر بالأفلاك من أبوابها من دون حاجة إلى الخرق والالتيام ، وهذه الشبهة الواهية مدفوعة مسطورة بمحالها.

« المسألة ٣٥ » دين نبيّنا ناسخ للأديان السابقة ، لأنّ المصالح تتبدل حسب الزمان والأشخاص كما تتبدّل المعالجات لمريض بحسب تبدل المزاج والمرض.

« المسألة ٣٦ » الإمام بعد نبيّنا علي بن أبي طالب عليه‌السلام بدليل قوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : « يا علي أنت أخي ووارث علمي وأنت الخليفة من بعدي ، وأنت قاضي ديني ، وأنت منّي بمنزلة هارون من موسى إلا أنّه لا نبي بعدي » (٣) وقوله : « سلّموا على علي بإمرة المؤمنين ، واسمعوا له وأطيعوا له ، وتَعَلّموا منه ولا تُعَلّموه » (٤) ، وقوله : « من كنت مولا فهذا علي مولاه اللّهمّ وال من والاه وعاد من

__________________

١ ـ الأحزاب / ٤٠.

٢ ـ راجع ينابيع المودّة ٤٣٤ ـ ٤٣٦.

٣ ـ راجع صحيح مسلم ٧ / ١٢٠ ـ ١٢١ ، باب فضائل علي عليه‌السلام ، وصحيح البخاري ٥ / ١٩ باب مناقب علي عليه‌السلام و٦ / ٣ باب غزوة تبوك ، ومسند أحمد ١ / ١٧٤ ـ ١٧٧ و٣ / ٣٢ و٦ / ٣٦٩.

٤ ـ راجع البحار ٣٧ / ٢٩٠ ـ ٣٤٠.

٢٧٢

عاداه » (١).

« المسألة ٣٧ » الأئمّة بعد علي عليهم‌السلام أحد عشر من ذرّيته ، الأوّل منهم ولده الحسن ، ثمّ الحسين ، ثمّ علي بن الحسين ، ثمّ محمّد بن علي ، ثمّ جعفر بن محمّد الصادق ، ثمّ موسى بن جعفر ثمّ علي بن موسى ، ثمّ محمّد ابن علي ، ثمّ علي بن محمّد ، ثمّ الحسين بن علي ، ثمّ الخلف الحجّة القائم المهدي الهادي بن الحسن صاحب الزمان فكلّهم أئمّة الناس واحد بعد واحد ، حقّاً ، بدليل أنّ كل إمام منهم نصّ على من بعده نصّاً متواتراً بالخلافة ، وقوله : « الحسين إمام ، ابن إمام ، أخو الامام ، أبو الأئمّة التسعة ، تاسعهم قائمهم ، يملأ الأرض قسطاً وعدلاً كما ملئت ظلماً وجوراً ».

« المسألة ٣٨ » يجب أن يكون الأئمّة معصومين مطهّرين من الذنوب كلّها ، صغيرة وكبيرة ، عمداً وسهواً ، ومن السهو في الأفعال والأقوال ، بدليل أنّهم لو فعلوا المعصية لسقط محلهم من القلوب ، وارتفع الوثوق ، وكيف يهدون بالضالّين المضلّين ، ولا معصوم غير الأئمّة الاثني عشر اجماعاً ، فثبت إمامتهم.

« المسألة ٣٩ » يجب أن يكون الأئمّة أفضل وأعلم ، ولو لم يكونوا كذلك للزم تفضيل المفضول ، أو الترجيح بلا مرجح ، ولا يحصل الانقياد به ، وذلك قبيح عقلاً ونقلاً ، وفضل أئمّتنا وعلمهم مشهور ، بل أفضليتهم أظهر من الشمس وأبين من الأمس.

« المسألة ٤٠ » يجب أن نعتقد أنّ آباء نبيّنا وأئمّتنا مسلمون أبدا ، بل أكثرهم كانوا أوصياء ، فالأخبار عند أهل البيت على إسلام أبي طالب مقطوعة

__________________

١ ـ راجع مسند أحمد ١ / ٨٤ ـ ١٥٢ و٤ / ٢٨١ و٣٧٠ و٣٧٢ و٥ / ٣٦٦ ـ ٤١٩ ، سنن الترمذي ٥ / ٦٣٣.

٢٧٣

وسيرته أدلّة عليه ، ومثله مثل مؤمن آل فرعون.

« المسألة ٤١ » الإمام المهدي المنتظر محمّد بن الحسن قد تولّد في زمان أبيه ، وهو غائب حي باق إلى بقاء الدنيا ، لأنّ كل زمان لابد فيه من إمام معصوم ، لما انعقد عليه اجماع الاُمّة على أنّه لا يخلو زمان من حجّة ظاهرة مشهورة ، أو خافية مستورة ، ولأنّ اللطف في كل زمان واجب ، والإمام لطف ، فوجوده واجب.

« المسألة ٤٢ » لا استبعاد في طول عمره ، لأنّ غيره من الاُمم السابقة قد عاش ثلاثة آلاف سنة فصاعداً ، كشعيب ونوح ولقمان وخضر وعيسى عليهم‌السلام وابليس والدجّال ، ولأنّ الأمر ممكن ، واللّه قادر على جميع الممكنات.

« المسألة ٤٣ » غيبة المهدي لا تكون من قبل نفسه ، لأنّه معصوم ، فلا يخل بواجب ، ولا من قبل اللّه تعالى ، لأنّه عدل حكيم فلا يفعل القبيح ، لأنّ الإخفاء عن الأنظار وحرمان العباد عن الافادات قبيحان. فغيبته لكثرة العدو والكافر ، ولقلّة الناصر.

« المسألة ٤٤ » لابد من ظهور المهدي ، بدليل قول النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : « لو لم يبق من الدنيا إلا ساعة واحدة لطوّل اللّه تلك الساعة حتى يخرج من ذرّيتي ، اسمه اسمي وكنيته كنيتي يملأ الأرض قسطاً وعدلاً كما ملئت ظلماً وجوراً » (١). ويجب على كل مخلوق متابعته.

« المسألة ٤٥ » في غيبة الامام فائدة ، كما تنير الشمس تحت السحاب ، والمشكاة من وراء الحجاب.

__________________

١ ـ راجع سنن أبي داود ٤ / ١٠٦ ـ ١٠٧ ، كنز العمال ١٤ / ٢٦٤ ـ ٢٦٧.

٢٧٤

« المسألة ٤٦ » يرجع نبيّنا وأئمّتنا المعصومون في زمان المهدي مع جماعة من الاُمم السابقة واللاحقة ، لاظهار دولتهم وحقهم ، وبه قطعت المتواترات من الروايات والآيات لقوله تعالى : ( وَيوْمَ نَحْشُرُ مِن كُلِّ اُمَّةٍ فَوْجاً ) (١) فالاعتقاد به واجب.

« المسألة ٤٧ » إنّ اللّه يعيد الأجسام الفانية كما هي في الدنيا ، ليوصل كل حق إلى المستحق ، وذلك أمر ممكن ، والأنبياء أخبروا به ، لا سيّما القرآن المجيد مشحون به ولا مجال للتأويل ، فالاعتقاد بالمعاد الجسماني واجب.

« المسألة ٤٨ » كل ما أخبر به النبي أو الإمام فاعقاده واجب ، كاخبارهم عن نبوّة الأنبياء السابقين ، والكتب المنزلة ، ووجود الملائكة ، وأحوال القبر وعذابه ، وثوابه وسؤال منكر ونكير ، والاحياء فيه ، وأحوال القيامة وأهوالها ، والنشور ، والحساب والميزان ، والصراط ، وانطاق الجوارح ، ووجود الجنّة والنار والحوض الذي يسقي منه أمير المؤمنين العطاشي يوم القيامة ، وشفاعة النبي والأئمّة لأهل الكبائر من محبيه إلى غير ذلك ، بدليل أنّه أخبر بذلك المعصومون.

« المسألة ٤٩ » التوبة ـ وهي الندم على القبيح في الماضي ، والترك في الحال ، والعزم على عدم المعاودة إليه في الاستقبال ـ واجبة ، لدلالة السمع على وجوبها ، ولأنّ دفع الضرر واجب عقلاً.

« المسألة ٥٠ » الأمر بالمعروف ، والنهي عن المنكر ، واجبان ، بشرط تجويز التأثير والأمن من الضرر (٢).

__________________

١ ـ النمل / ٨٣. أصل الرجعة اجماعيّ والكيفية الواردة في المتن ليست كذلك.

٢ ـ طبعت الرسالة مع جواهر الفقه للقاضي ابن البراج وفي ضمن الرسائل العشر للشيخ الطوسي قدس‌سره.

٢٧٥

ماهو الهدف من نقل هذه الرسائل :

١ ـ إنّ هذه الرسائل لدليل واضح على أنّ جلّ عقائد الشيعة ، مأخوذة من الكتاب والسنّة وكلمات أئمّتهم ، وأنّ الشيعة كانت في أواخر القرن الثاني ذات عقائد منتظمة ومستوعبة لجميع ما يرتبط بالمعارف الإلهية فترى أنّ ما كتبه الإمام الرضا ، وما عرضه السيد عبدالعظيم الحسني على الإمام الهادي ، هو السائد في هذه الرسائل.

٢ ـ يوجد في ثنايا هذه الرسائل آراء خاصّة لمؤلّفيها ، ربّما يقع فيها النقاش والجدال والخلاف مع غيرهم من علماء الشيعة ، فليس كل ما جاء فيها عقيدة لجميع علماء الشيعة ومؤلّفيهم ولكن المجموع من حيث المجموع تمثّل عقائد الشيعة في مجال صفاته سبحانه وأفعاله ، وما يرجع إلى النبوّة والإمامة ، والحياة الأخروية ، خصوصاً فيما يرجع إلى الاعتقاد بمقامات الأئمّة وصفاتهم. فمن يريد أن يتعرّف على عقائد الشيعة فليرجع إليها بدل الرجوع إلى الكتب المؤلّفة من قبل أعدائهم وخصمائهم.

٣ ـ إنّ الإمعان في الاُصول التي جاءت في هذه الكتب والرسائل يعرب عن موافقة الشيعة في أكثر المسائل العقائدية لعامّة المسلمين. وربّما يختلفون عنهم في اُصول تختص بمجال الإمامة والقيادة بعد الرسول. وبما أنّ الأشاعرة والمعتزلة كانتا تمثّلان جمهور المسلمين في العصور المتقدّمة. نذكر في المقام الفوارق الجوهرية بين الشيعة والمعتزلة أوّلا ، وبين الشيعة والأشاعرة ثانياً ، ثمّ نكمل البحث عن الفوارق الموجودة بينهم وبين سائر الفرق الإسلامية.

الفوارق بين الشيعة والمعتزلة :

إنّ هناك فوارق بين الطائفتين ربّما أشبعنا الكلام فيها في الجزء الرابع من هذه

٢٧٦

الموسوعة ، وذكرنا بأنّ من يتّهم الشيعة بأنّهم أخذوا عقائدهم من المعتزلة فهو خاطئ ، فنشير في المقام إلى هذه الفوارق على وجه الاجمال ، وإن كانت بين الطائفتين اُصول مشتركة ربّما تقف عليها عند بيان الفوارق بين الشيعة والأشاعرة.

١ ـ الشفاعة : أجمع المسلمون كافّة على ثبوت أصل الشفاعة وأنّها تقبل من الرسول الأكرم واختلفوا في تعيين المشفَّع ، فقالت الإمامية والأشاعرة : إنّ النبي يشفع لأهل الكبائر باسقاط العقاب عنهم أو باخراجهم من النار ، وقالت المعتزلة ، لا يشفع إلاّ للمطيعين ، المستحقّين للثواب وتكون نتيجة الشفاعة ترفيع الدرجة.

٢ ـ مرتكب الكبيرة : عند الامامية والأشاعرة مؤمن فاسق ، وقالت المعتزلة : بل منزلة بين المنزلتين.

٣ ـ الجنّة والنار : قالت الإمامية والأشاعرة انّهما مخلوقتان الآن بدلالة الشرع على ذلك ، وأكثر المعتزلة على أنّهما غير موجودتين.

٤ ـ الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر : اتّفق المسلمون على وجوبهما ، فقالت الإمامية والأشاعرة : يجبان سمعاً ، ولولا النص لم يكن دليل على الوجوب ، خلافاً للمعتزلة الذين قالوا بوجوبهما عقلاً.

٥ ـ الأحباط : اتّفقت الإمامية والأشاعرة على بطلان الاحباط ، وقالوا : لكل عمل حسابه الخاص ، ولا ترتبط الطاعات بالمعاصي ولا المعاصي بالطاعات ، والاحباط يختص بذنوب خاصة كالشرك وما يتلوه ، بخلاف المعتزلة حيث قالوا : إنّ المعصية المتأخّرة تسقط الثواب المتقدم ، فمن عبَدَ اللّه طول عمره ثمّ كذب فهو كمن لم يعبد اللّه أبداً.

٦ ـ الشرع والعقل : غالت المعتزلة في تمسّكهم بالعقل وغال أهل الظاهر في جمودهم على ظاهر النص وخالفهما الإمامية والأشاعرة ، فأعطوا للعقل سهماً فيما

٢٧٧

له مجال القضاء ، نعم أعطت الإمامية للعقل مجالاً أوسع ممّا أعطته الأشاعرة. وسيوافيك تفصيله عند ذكر اختلاف الإمامية مع الأشاعرة.

٧ ـ اتفقت الإمامية والأشاعرة على أنّ قبول التوبة بفضل من اللّه ولا يجب عقلاً اسقاطها للعقاب. وقالت المعتزلة : إنّ التوبة مسقطة للعقاب على وجه الوجوب.

٨ ـ اتفقت الإمامية على أنّ الأنبياء افضل من الملائكة ، وأجمعت المعتزلة على خلاف ذلك.

٩ ـ اتفقت الإمامية على أنّ الإنسان غير مسيّر ولا مفوّض إليه ، بل هو في ذلك المجال بين أمرين ، بين الجبر والتفويض ، وأجمعت المعتزلة على التفويض.

١٠ ـ اتفقت الامامية والأشاعرة على أنّه لابد في أوّل التكليف وابتدائه من رسول ، وخالفت المعتزلة وزعموا أنّ العقول تعمل بمجردها عن السمع (١).

هذه هي الاُصول التي خالفت الإمامية فيها المعتزلة ووافقت الأشاعرة ، وهناك اُصول اُخرى تجد فيها موافقة الإمامية للمعتزلة ومخالفتها للأشاعرة ، وإليك بعضها :

الفوارق بين الإمامية والأشاعرة :

هناك اُصول خالفت الإمامية فيها ، الأشاعرة ، مخالفة بالدليل والبرهان وتبعاً لأئمّتهم ، ونذكر المهم منها :

١ ـ اتّحاد الصفات الذاتية مع الذات : إنّ للّه سبحانه صفاتاً ذاتية كالعلم

__________________

١ ـ لاحظ للوقوف على هذه الاُصول التي خالفت الامامية والأشاعرة فيها المعتزلة الجزء الرابع من هذه الموسوعة ص ١٨٠ تجد فيه الفوارق الاُخر لم نذكرها اختصاراً.

٢٧٨

والقدرة فهي عند الأشاعرة صفات قديمة مغايرة للذات زائدة عليها ، وهي عند الإمامية والمعتزلة متّحدة مع الذات. وقد ذكرنا مضاعفات القول بالزيادة في الجزء الثاني من هذه الموسوعة.

٢ ـ الصفات الخبرية الواردة في الكتاب والسنّة ، كالوجه والأيدي والاستواء وأمثالها ، فالشيعة الإمامية يؤوّلونها تأويلا مقبولا ، لاتأويلا مرفوضاً ، أي تأخذ بالمفهوم التصديقي للجملة ، لا بالمفهوم التصوّري للمفردات ، فيقولون إنّ معنى ( بَل يَداهُ مَبْسُوطَتانِ يُنْفِقُ كَيْفَ يَشَاء ) (١) معناه : أنّه بريء من البخل ، بل هو باذل وسخي ، وقادر على البذل. وأمّا الاشاعرة فهم يفسّرونها بالمفهوم التصوّري ويقولون إنّ للّه سبحانه يدين غير أنّهم يتهرّبون عن التجسيم والتشبيه بقولهم : بلا كيف ، وقد أوضحنا مضاعفات هذا القول عند البحث عن عقائدهم في الجزء الثاني.

٣ ـ أفعال العباد عند الامامية صادرة من نفس العباد ، صدوراً حقيقياً بلا مجاز أو توسّع ، فالإنسان هو الضارب ، هو الآكل ، هو القاتل ، هو المصلّي ، هو القارئ وهكذا ، وقد قلنا : إنّ استعمال كلمة « الخلق » في أفعال الإنسان ، استعمال غير صحيح فلا يقال : خلقت الأكل والضرب والصوم والصلاوة ، وإنّما يقال : فعلتها فالصحيح أن يقال : إنّ الإنسان هو الفاعل لأفعاله بقدرة مكتسبة من اللّه ، وانّ قدرته المكتسبة هي المؤثّرة باذن من اللّه سبحانه.

وأمّا الأشاعرة فذهبوا إلى أنّ أفعال العباد مخلوقة للّه سبحانه ، فليس للإنسان فيها صنع ولا دور ، وليس لقدرته أي تأثير في تحقّق الفعل ، وأقصى ما عندهم أنّ إرادة الإنسان للعقل تقارن ايجاد اللّه سبحانه فعله في عالم التكوين والوجود.

__________________

١ ـ المائدة / ٦٤.

٢٧٩

ولمّا رأى الشيخ الأشعري وأتباعه أنّ ذلك عبارة عن نفس القول بالجبر ، واقصاء الإنسان عن أفعاله ، وبالتالي براءته من مسؤوليتها ، ابتدعوا نظرية الكسب المعقدة فقالوا : إنّ اللّه هو الخالق والإنسان هو الكاسب ، وقد ذكرنا أنّ نظرية الكسب من الألغاز التي لم يفهمها مخترعوها.

٤ ـ إنّ الاستطاعة في الإنسان على فعل من الأفعال تقارنه تارة ، وتتقدّم عليه اُخرى. فلو اُريد من القدرة العلّة التامّة فهي مقارنة ، ولو اُريد العلّة الناقصة فهي متقدّمة خلافاً للأشاعرة ، فقد قالوا بالتقارن مطلقاً.

٥ ـ رؤية اللّه بالأبصار في الآخرة ، فهي مستحيلة عند الامامية المعتزلة ، ممكنة عند الاشاعرة.

٦ ـ كلامه سبحانه عند الامامية هو فعله ، فهو حادث لا قديم ، وهذا خلافاً للأشاعرة : فكلامه عبارة عن الكلام النفسي القائم بذاته ، فهو قديم كقدم الذات.

٧ ـ التحسين والتقبيح العقليان ، ذهبت الامامية إلى أنّ العقل يدرك حسن بعض الأفعال أو قبحها ، بمعنى أنّ نفس الفعل من أي فاعل صدر ، سواء أكان الفاعل قديماً أو حادثاً ، واجباً أو ممكناً ، يتّصف بأحدهما فيرى مقابلة الإحسان بالإحسان أمراً حسناً ، ومقابلة بالاساءة أمراً قبيحاً ، ويتلقّاه حكماً مطلقاً سائداً على مرّ الحقب والأزمان ، لا يغيّره شيء ، وهذا خلافاً للأشاعرة ، فقد عزلوا العقل عن إدراك الحسن والقبيح وبذلك خالفوا الامامية والمعتزلة في الفروع المترتّبة عليه (١).

هذه هي الاُصول التي تخالف الامامية فيها الأشاعرة وربّما توافقهم المعتزلة في جميعها أو أكثرها. كل ذلك يثبت أنّ للشيعة الامامية منهجاً كلامياً خاصّاً نابعاً من

__________________

١ ـ لاحظ للوقوف على هذه الاُصول المترتّبة على القول بالتحسين والتقبيح العقليين الجزء الثاني من هذه الموسوعة ٢٨٩ـ٢٩٢.

٢٨٠