بحوث في الملل والنّحل - ج ٦

الشيخ جعفر السبحاني

بحوث في الملل والنّحل - ج ٦

المؤلف:

الشيخ جعفر السبحاني


الموضوع : الفرق والمذاهب
الناشر: مؤسسة النشر الإسلامي
الطبعة: ٢
الصفحات: ٧٠٤

زعم غير واحد من الكُتّاب القدامى والجُدد ، أنّ التشيّع كسائر المذاهب الإسلامية ، من إفرازات الصراعات السياسية وذهب بعض آخر إلى القول انّه نتيجة الجدال الكلامي والصراع الفكري ، فأخذوا يبحثون عن تاريخ نشوئه وظهوره في الساحة الإسلامية وكأنّهم يتلقّون التشيّع كظاهرة طارئة على المجتمع الاسلامي ، ويظنّون أنّ القطاع الشيعي من جسم الاُمّة الإسلامية باعتباره قطاعاً تكوَّن على مرّ الزمن لأحداث وتطوّرات سياسية أو اجتماعية فكرية أدّت إلى تكوين ذلك المذهب كجزء من ذلك الجسم الكبير ثمّ اتّسع ذلك الجزء بالتدريج.

وبعد أن افترض هؤلاء أنّه أمر طارئ ، أخذوا بالفحص والتفتيش عن علّته أو علله ، فذهبوا في تعيين المبدأ إلى كونه ردّة فعل سياسية أو فكرية كما سيوافيك ، ولكنّهم لو كانوا عارفين أنّ التشيّع ولد منذ عهد النبيّ الأكرم لما تسرّعوا في ابداء الرأي في ذلك المجال ، ولعلموا أنّ التشيّع والإسلام وجهان لعملة واحدة ، وليس للتشيّع تاريخ ولا مبدأ ، سوى تاريخ الإسلام ومبدئه. وأنّ النبيّ الأكرم هو الغارس لبذرة التشيّع في صميم الإسلام من أوّل يوم اُمر بالصدع واظهار الحقيقة ، إلى ان لبّى دعوة ربّه.

فالتشيّع ليس إلاّ عبارة عن استمرار قيادة النبيّ بعد وفاته عن طريق من نصبه

١٠١

إماماً للناس ، وقائداً للاُمّة حتّى يرشدها إلى النهج الصحيح والهدف المنشود ، وكان هذا المبدأ أمراً ركّز عليه النبيّ في غير واحد من المواقف الحاسمة ، فإذا كان التشيّع متبلوراً في استمرار القيادة بالوصي ، فلا نجد له تاريخاً سوى تاريخ الإسلام والنصوص الواردة عن رسوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم.

وقد عرفت في الفصل الثالث نصوصاً متوفرة في وصاية الامام أميرالمؤمنين ، فتاريخ صدورها عن النبيّ هو نفس تاريخ التشيّع ، والشيعة هم المسلمون المهاجرين والأنصار ومن تبعهم باحسان في الأجيال اللاحقة ، هم الذين بقوا على ما كانوا عليه في عصر الرسول في أمر القيادة ولم يُغيِّروه ولم يتعدّوا عنه إلى غيره ، ولم يأخذوا بالمصالح المزعومة في مقابل النصوص ، وصاروا بذلك المصداق الأبرز لقوله سبحانه : ( يا أيُّها الَّذِينَ آمَنُوا لا تُقَدِّمُوا بَينَ يَدَىِ اللّهِ وَرَسُولِهِ وَاتَّقُوا اللّهَ إنَّ اللّهَ سَميعٌ عَليمٌ ) (١) ففزعوا في الاُصول والفروع إلى علي وعترته الطاهرة ، وانحازوا عن الطائفة الاُخرى الذين لم يتعبّدوا بنصوص الخلافة والولاية وزعامة العترة حيث تركوا النصوص ، وأخذوا بالمصالح.

إنّ الآثار المرويّة في حقّ شيعة الامام عن لسان النبيّ الأكرم ترفع اللثام عن وجه الحقيقة وتعرب عن التفاف قسم من المهاجرين حول الوصي ، فكانوا معروفين بشيعة علي في عصر الرسالة ، وانّ النبيّ الأكرم وصفهم في كلماته بأنّهم هم الفائزون ، وإن كنت في شكّ من هذا الأمر فسأتلوا عليك بعض ما ورد من النصوص في المقام.

١ ـ أخرج ابن مردويه عن عائشة ، قالت : قلت يا رسول اللّه من أكرم الخلق على اللّه؟ قال : « يا عائشة ، أما تقرأين ( إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ

__________________

١ ـ الحجرات / ١.

١٠٢

اُوْلئِكَ هُمْ خَيْرُ البريَّة ) البيّنة / ٧ ـ » (١).

٢ ـ أخرج ابن عساكر عن جابر بن عبداللّه قال : كنّا عند النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فأقبل علي فقال النبي : « والذي نفسي بيده إنّ هذا وشيعته لهم الفائزون يوم القيامة ، ونزلت ( إنّ الذين آمنوا وعملوا الصالحات اُولئك هم خير البريّة ) فكان أصحاب النبي إذا أقبل علي قالوا : جاء خير البريّة (٢).

٣ ـ أخرج ابن عدي وابن عساكر عن أبي سعيد مرفوعاً : عليّ خير البريّة (٣).

٤ ـ وأخرج ابن عدي عن ابن عباس قال : لمّا نزلت ( إنّ الذين آمنوا وعملوا الصالحات اُولئك هم خير البريّة ) قال رسول اللّه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لعلي : « هو أنت وشيعتك يوم القيامة راضين مرضيّين ».

٥ ـ أخرج ابن مردويه عن علي قال : قال لي رسول اللّه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : « ألم تسمع قول اللّه : ( إنّ الذين آمنوا وعلموا الصالحات اُولئك هم خير البريّة ) أنت وشيعتك وموعدي وموعدكم الحوض إذا جاءت الاُمم للحساب تدعون غرّاً محجّلين » (٤).

٦ ـ روى ابن حجر في صواعقه عن اُمّ سلمة : كانت ليلتي ، وكان النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عندي فأتته فاطمة فتبعها علي ( رضي اللّه عنهما ) فقال النبي : يا علي أنت وأصحابك في الجنّة ، أنت وشيعتك في الجنّة (٥).

٧ ـ روى ابن الأثير في نهايته : قال النبي مخاطباً عليّاً : يا علي إنّك ستقدم على

__________________

١ ـ الدر المنثور للسيوطي ٦ / ٥٨٩.

٢ ـ الدر المنثور للسيوطي ٦ / ٥٨٩.

٣ ـ الدر المنثور للسيوطي ٦ / ٥٨٩.

٤ ـ الدر المنثور للسيوطي ٦ / ٥٨٩.

٥ ـ الصواعق ١٦١ طبع مكتبة القاهرة.

١٠٣

اللّه أنت وشيعتك راضين مرضيّين ، ويقدم عليه عدوُّك غضابا مقمحين ، ثم جمع يده إلى عنقه يريهم كيف الإقماح. قال ابن الأثير : الإقماح : رفع الرأس وغض البصر (١).

٨ ـ روى الزمخشري في ربيعه : انّ رسول اللّه قال : « يا علي إذا كان يوم القيامة أخذت بحجزة اللّه تعالى ، وأخذت أنت بحجزتي ، وأخذ ولدك بحجزتك ، وأخذ شيعة ولدك بحجزهم ، فترى أين يؤمر بنا » (٢).

٩ ـ روى أحمد في المناقب : انّه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال لعلي : « أما ترضى أنّك معي في الجنّة والحسن والحسين وذرّيتنا خلف ظهورنا ، وأزواجنا خلف ذرّيتنا ، وشيعتنا عن أيماننا وشمائلنا » (٣).

١٠ ـ روى الطبراني : انّه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال لعلي : « أوّل أربعة يدخلون الجنّة أنا وأنت والحسن والحسين وذرّيتنا خلف ظهورنا ، وأزواجنا خلف ذرّياتنا ، وشيعتنا عن أيماننا وشمائلنا » (٤).

١١ ـ أخرج الديلمي : « يا علي إنّ اللّه قد غفر لك ولذرّيتك ولولدك ولأهلك ولشيعتك ، فابشر انّك الأنزع البطين » (٥).

١٢ ـ أخرج الديلمي عن النبي انّه قال : « أنت وشيعتك تردون الحوض روّاء مرويين ، بيضة وجوهكم وانّ عدوّك يردون الحوض ظماء مقمحين » (٦).

١٣ ـ روى المغازلي بسنده عن أنس بن مالك قال : قال رسول اللّه :

__________________

١ ـ النهاية مادة قمح ٤ / ١٠٦ ، ورواه ابن حجر في الصواعق ١٥٤.

٢ ـ ربيع الأبرار.

٣ ـ الصواعق ١٦١.

٤ ـ الصواعق ١٦١.

٥ ـ الصواعق ١٦١.

٦ ـ الصواعق ١٦١.

١٠٤

« يدخلون من اُمّتي الجنّة سبعون ألفاً لا حساب عليهم ـ ثمّ التفت إلى علي فقال : ـ هم شيعتك وأنت إمامهم » (١).

١٤ ـ روى المغازلي عن كثير بن زيد قال : دخل الأعمش على المنصور، فلمّا بصر به ، قال له : يا سليمان تصدَّر ، قال : أنا صدر حيث جلست ـ إلى أن قال في حديثه : ـ حدّثني رسول اللّه قال : « أتاني جبرئيل عليه‌السلام آنفاً فقال : تختّموا بالعقيق ، فإنّه أوّل حجر شهد للّه بالوحدانيّة ، ولي بالنبوّة ، ولعلي بالوصيّة ، ولولده بالامامة ، ولشيعته بالجنّة » (٢).

١٥ ـ وروى أيضاً بسنده إلى سلمان الفارسي عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال : « يا علي تختّم باليمين تكن من المقرّبين ، قال : يا رسول اللّه ومن المقرّبون؟ قال : جبرئيل وميكائيل ، قال : فبما أتختّم يا رسول اللّه؟ قال : بالعقيق الأحمر ، فإنّه جبل أقرّ للّه بالوحدانية ، ولي بالنبوّة ، ولك بالوصية ، ولولدك بالإمامة ، ولمحبّيك بالجنّة ، ولشيعتك وشيعة ولدك بالفردوس » (٣).

١٦ ـ روى ابن حجر : انّه مرّ علي على جمع فأسرعوا إليه قياماً ، فقال : «من القوم؟» فقالوا : من شيعتك يا أميرالمؤمنين ، فقال لهم خيراً ، ثمّ قال : « يا هؤلاء ما لي لا ارى فيكم سمة شيعتنا وحلية أحبَّتنا » فأمسكوا حياءً ، فقال له من معه : نسألك بالذي أكرمكم أهل البيت وخصّكم وحباكم ، لما أنبأتنا بصفة شيعتكم

__________________

١ ـ مناقب المغازلي ٢٩٣.

٢ ـ مناقب المغازلي ٢٨١ ، ورواه السيد البحراني في غاية المرام عنه ، وأنت إذا تدبّرت في الآيات الدالّة على سريان العلم والشعور في عامّة الموجودات مثل قوله : ( وَإنّ مِنْهَا لَمَا يَهْبِطُ مِنْ خَشْيَةِ اللّهِ ) ـ البقرة / ٧٤ ـ تستطيع أن تُصَدِّقَ ما جاء في الحديث من شهادة العقيق بوحدانية اللّه.

٣ ـ علل الشرائع ١٥٨ طبع النجف.

١٠٥

فقال : « شيعتنا هم العارفون باللّه ، العاملون بأمر اللّه » (١).

١٧ ـ روى الصدوق ( ٣٠٦ ـ ٣٨١ ) : انّ ابن عباس قال : سمعت رسول اللّه يقول : « إذا كان يوم القيامة ورأى الكافر ما أعدّ اللّه تبارك وتعالى لشيعة علي من الثواب والزلفى والكرامة ... » (٢).

وهذه النصوص المتضافرة الغنيّة عن ملاحظة ... ، تعرب عن كون علي عليه‌السلام متميّزاً بين أصحاب النبي بأن له شيعة وأتباعاً ، ولهم مواصفات وسمات كانوا مشهورين بها ، في حياة النبي وبعدها.

فبعد هذه النصوص لا يصحّ لباحث أن يلتجئ إلى فروض ظنّية أو وهمية في تحديد تكوّن الشيعة وظهورها.

الشيعة في كلمات المؤرّخين وأصحاب الفرق :

قد غلب استعمال الشيعة بعد عصر الرسول تبعاً له فيمن يوالي عليّاً وأهل بيته ويعتقد بإمامته ووصايته ويظهر ذلك من خلال كلمات المؤرّخين وأصحاب المقالات نشير إلى بعضها.

١ ـ روى المسعودي في حوادث وفاة النبي : انّ الإمام عليّاً أقام ومن معه من شيعته في منزله بعد أن تمّت البيعة لأبي بكر (٣).

٢ ـ قال الامام عند تنديده بأعمال طلحة والزبير : « إنّ أتباع طلحة والزبير في البصرة قتلوا شيعتي وعمّالي » (٤).

__________________

١ ـ الصواعق ١٥٤.

٢ ـ علل الشرايع ١٥٦ طبع النجف.

٣ ـ الوصية للمسعودي ١٢١ طبع النجف.

٤ ـ وقعة صفين ٧ طبع مصر.

١٠٦

٣ ـ روى أبو مخنف عن الحجاج : اجتمعت الشيعة في منزل سليمان بن صرد فذكرونا هلاك معاوية فحمدنا اللّه عليه فقال : إنّ معاوية قد هلك وانّ حسيناً قد تقبّض على القوم ببيعته وقد خرج إلى مكة وأنتم شيعته وشيعة أبيه (١).

٤ ـ وقال محمّد بن أحمد بن خالد البرقي ( ت ٢٧٤ ) : إنّ أصحاب علي ينقسمون إلى الأصحاب ثمّ الأصفياء ثمّ الأولياء ، ثم شرطة الخميس ... ومن الأصفياء سلمان الفارسي ، والمقداد ، وأبوذر ، وعمّار ، وأبو ليلى ، وشبير ، وأبو سنان ، وأبو عمرة ، وأبو سعيد الخدري ، وأبو برزة ، وجابر بن عبداللّه ، والبراء بن عازب ، وطرفة الأزدي (٢).

٥ ـ وقال النوبختي ( ت ٣١٣ ) : إنّ أوّل الفرق الشيعة ، وهم فرقة علي بن أبي طالب ، المسمّون شيعة علي في زمان النبي وبعده ، معروفون بانقطاعهم إليه والقول بإمامته (٣).

٦ ـ وقال أبو الحسن الأشعري : وانّما قيل لهم الشيعة ، لأنّهم شايعوا عليّاً ، ويقدّمونه على سائر أصحاب رسول اللّه (٤).

٧ ـ ويقول الشهرستاني : الشيعة هم الذين شايعوا عليّاً على الخصوص ، وقالوا بإمامته وخلافته نصّاً ووصيّة (٥).

٨ ـ وقال ابن حزم : ومن وافق الشيعة في أنّ عليّاً أفضل الناس بعد رسول اللّه

__________________

١ ـ مقتل الامام الحسين لأبي مخنف : تحقيق حسن الغفاري ١٥ ولاحظ ١٦.

٢ ـ الرجال للبرقي : ( طبع طهران ) / ٣ ، ولاحظ فهرست ابن النديم ٢٦٣ ( طبع القاهرة ) وعبارته قريبة من عبارة البرقي.

٣ ـ فرق الشيعة ١٥.

٤ ـ مقالات الاسلاميين ١ / ٦٥ طبع مصر.

٥ ـ الملل والنحل ١ / ١٣١.

١٠٧

وأحقّهم بالإمامة وولده من بعده ، فهو شيعيّ ، وإن خالفهم في ماعدا ذلك ممّا اختلف فيه المسلمون. فإن خالفهم فيما ذكرنا فليس شيعيّا (١).

هذا غيض من فيض وقليل من كثير ممّا جاء في كلمات المؤرّخين وأصحاب المقالات ، تعرب عن أنّ لفيفاً من الاُمّة في حياة الرسول وبعده إلى عصر الخلفاء وبعدهم ، كانوا مشهورين بالتشيّع لعلي وأنّ لفظة الشيعة ممّا نطق بها الرسول وتبعته الاُمّة عليه.

« إنّ الامام وإن تسامح وتساهل في أخذ حقّه تبعاً لمصالح عظيمة مكنونة في مثل هذا التصرّف الحكيم ، لكن أخذت فكرة استخلاف النبي علياً طريقها في النفوس والقلوب ، وتضاعف عدد المتشيعين له على مرور الأيام ، ورجع الكثير من المسلمين إلى الماضي القريب ، واحتشدت في أذهانهم صور عن مواقف النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم، تلك المواقف التي كان يصرح فيها باستخلاف علي من بعده تارة ، ويلمّح فيها اُخرى ، فالتفّوا حول علي عليه‌السلام وأصبحوا من الدعاة الأوفياء له في جميع المراحل التي مرّ بها ، وما زال التشيّع ينمو وينتشر بين المسلمين في الأقطار المختلفة ، يدخلها مع الإسلام جنباً إلى جنب ، واستحكم أمره في السنين التي استولى فيها عليّ الحكم ، فشاعت بين المسلمين أحاديث استخلافه ، ووجد الناس من سيرته وزهده وحكمته ما أكدّ لهم صحّة تلك المرويات ، وأنّه هو المختار لقيادة الاُمّة وحماية القرآن ونشر تعاليمه ومبادئه » (٢).

والعنصر المقوّم لإطلاق عبارة الشيعة هو مشايعة علي بعد النبي الأكرم في الزعامة والوصاية أوّلاً ، وفي الفعل والترك ثانياً ، ومع هذا لا يصحّ لأي كاتب

__________________

١ ـ الفصل في الملل والنحل ٢ / ١١٣ طبع بغداد.

٢ ـ الشيعة بين الأشاعرة والمعتزلة ٢٨ ـ ٢٩.

١٠٨

افتراض علّة اجتماعية أو سياسية أو كلامية لتكوّن هذه الفرقة.

ولأجل أن نتعرّف على شيعة علي من الصحابة نأتي بأسماء رُوّاد الشيعة على وجه الاجمال ومن أراد التفصيل فليرجع إلى ما كتب حولهم من المؤلّفات ، وسنأتي بأسماء تلك الكتب في آخر البحث :

روّاد التشيّع في عصر النبي :

إنّ الاحالة للتعرّف على روّاد التشيّع إلى الكتب المؤلّفة في ذلك المضمار لا تخلو من عسر وغموض ، فلأجل ذلك نأتي باسماء لفيف من الصحابة الشيعة المعروفين بالتشيّع :

١ ـ عبداللّه بن عباس ٢ ـ الفضل بن العباس ٣ ـ عبيداللّه بن العباس ٤ ـ قثم بن العباس ٥ ـ عبدالرحمان بن العباس ٦ ـ تمام بن العباس ٧ ـ عقيل بن ابي طالب ٨ ـ أبوسفيان بن الحرث بن عبدالمطلب ٩ ـ نوفل بن الحرث ١٠ ـ عبداللّه بن جعفر بن أبي طالب ١١ ـ عون بن جعفر ١٢ ـ محمد بن جعفر ١٣ ـ ربيعة بن الحرث بن عبدالمطلب ١٤ ـ الطفيل بن الحرث ١٥ ـ المغيرة بن نوفل بن الحارث ١٦ ـ عبداللّه بن الحرث بن نوفل ١٧ ـ عبداللّه بن أبي سفيان بن الحرث ١٨ ـ العباس بن ربيعة بن الحرث ١٩ ـ العباس بن عتبة بن ابي لهب ٢٠ ـ عبدالمطلب بن ربيعة بن الحرث ٢١ ـ جعفر بن أبي سفيان بن الحرث.

هؤلاء من مشاهير بني هاشم ، وأمّا غيرهم فإليك أسماء لفيف منهم :

٢٢ ـ سلمان المحمّدي ٢٣ ـ المقداد بن الأسود الكندي ٢٤ ـ أبوذر الغفاري ٢٥ ـ عمّار بن ياسر ٢٦ ـ حذيفة بن اليمان ٢٧ ـ خزيمة بن ثابت ٢٨ ـ أبو أيوب الأنصاري مضيّف النبي ٢٩ ـ أبو الهيثم مالك بن التيهان

١٠٩

٣٠ ـ اُبي بن كعب (١) ٣١ ـ سعد بن عبادة ٣٢ ـ قيس بن سعد بن عبادة ٣٣ ـ عدي بن حاتم ٣٤ ـ عبادة بن الصامت ٣٥ ـ بلال بن رباح الحبشيّ ٣٦ ـ أبو رافع مولى رسول اللّه ٣٧ ـ هاشم بن عتبة ٣٨ ـ عثمان بن حنيف ٣٩ ـ سهل بن حنيف ٤٠ ـ حكيم بن جبلة العبدي ٤١ ـ خالد بن سعيد بن العاص ٤٢ ـ ابن الحصيب الأسلمي ٤٣ ـ هند بن أبي هالة التيميمي ٤٤ ـ جعدة بن هبيرة ٤٥ ـ حجر بن عدي الكندي ٤٦ ـ عمرو بن الحمق الخزاعي ٤٧ ـ جابر ابن عبداللّه الأنصاري ٤٨ ـ محمّد بن الخليفة أبي بكر ٤٩ ـ أبان بن سعيد بن العاصي ٥٠ ـ زيد بن صوحان الزيدي.

هؤلاء خمسون صحابيّاً من الطبقة العليا للشيعة ، فمن أراد التفصيل والوقوف على حياتهم وتشيّعهم فليرجع إلى الكتب المؤلّفة في الرجال ولكن بعين مفتوحة وبصيرة نافذة.

وفي الختام نذكر ما ذكره محمّد كرد علي في كتابة « خطط الشام » قال : عرف جماعة من كبار الصحابة بموالاة علي في عصر رسول اللّه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم مثل سلمان الفارسي القائل : بايعنا رسول اللّه على النصح للمسلمين والائتمام بعلي بن أبي طالب والموالاة له ، ومثل أبي سعيد الخدري الذي يقول : اُمر الناس بخمس فعملوا بأربع وتركوا واحدة ، ولمّا سئل عن الأربع ، قال : الصلاة ، والزكاة ، وصوم شهر رمضان ، والحج ، قيل : فما الواحدة التي تركوها؟ قال : ولاية علي بن أبي طالب ، قيل له : وانّها لمفروضة معهن؟ قال : نعم هي مفروضة معهن ، ومثل أبي ذر الغفاري ، وعمّار بن ياسر ، وحذيفة بن اليمان ،

__________________

١ ـ نقل سيّدنا شرف الدين عن تاريخ ابن شحنة انّه ممّن تخلّف عن بيعة السقيفة مع علي عليه‌السلام.

١١٠

وذو الشهادتين خزيمة بن ثابت ، وأبي أيّوب الأنصاري ، وخالد بن سعيد ، وقيس ابن سعد بن عبادة (١).

الكتب المؤلّفة حول روّاد التشيّع :

إنّ لفيفاً من أصحابنا الإمامية قاموا بافراد كتاب أو رسالة حول روّاد التشيّع ونذكر في المقام ما وقفنا عليه.

١ ـ صدر الدين السيّد علي المدني الحسيني الشيرازي ، صاحب كتاب سلافة العصر في أعيان أهل العصر ، وأنوار الربيع في علم البديع ، وطراز اللغة. توفّي عام ( ١١٢٠ ) ، أفرد تاليفاً في ذلك المجال أسماء بـ « الدرجات الرفيعة في طبقات الشيعة الإمامية » ، فخصَّ الطبقة الاُولى بالصحابة الشيعة ، وخصَّص الباب الأوّل لبني هاشم من الصحابة ، والباب الثاني في غيرهم منهم. وجاء في الباب الأوّل بترجمة ( ٢٣ ) صحابيّاً من بني هاشم لم يفارقوا عليّاً قط ، كما جاء في الباب الثاني بترجمة ( ٤٦ ) صحابيّاً (٢).

٢ ـ ذكر الشيخ محمد حسين آل كاشف الغطاء في كتابه « أصل الشيعة واُصولها » أسماء جماعة من الصحابة الذين كانوا يشايعون عليّاً في حلِّه وترحاله وقال معلّقاً على قول أحمد أمين الكاتب المصري « والحق إنّ التشيّع كان مأوى يرجع إليه كل من أراد هدم الإسلام » : ونحن لولا محافظتنا على مياه الصفا أن لا تتعكّر ، ونيران البغضاء أن لا تتسعّر ، وأن تنطبق علينا حكمة القائل : « لا تنه عن خلق وتأتي مثله » لعرّفناه من الذي يريد هدم قواعد الإسلام بمعاول الالحاد والزندقة ،

____________

١ ـ خطط الشام ٥ / ٢٥١.

٢ ـ الدرجات الرفيعة ٧٩ ـ ٤٥٢ طبع النجف.

١١١

ومن الذي يسعى لتمزيق وحدة المسلمين بعوامل التقطيع والتفرقة ، ولكنّا نريد أن نسال ذلك الكاتب أيّ طبقة من طبقات الشيعة أرادت هدم الإسلام؟ هل الطبقة الاُولى وهم أعيان صحابة النبي وأبرارهم كسلمان المحمّدي أو الفارسي ، وأبي ذر ، والمقداد ، وعمّار ، وخزيمة ذى الشهادتين ، وابن التيهان ، وحذيفة بن اليمان والزبير ، والفضل بن العباس وأخيه الحبر عبداللّه ، وهاشم بن عتبة المرقال ، وأبي أيّوب الأنصاري وأبان وأخيه خالد بن سعيد بن العاص ، واُبي بن كعب سيد القرّاء ، وأنس بن الحرث بن نبيه ، الذي سمع النبي يقول : « إنّ ابني الحسين عليه‌السلام يقتل في ارض يقال لها كربلاء فمن شهد ذلك منكم فلينصره » فخرج أنس وقتل مع الحسين. راجع الاصابة والاستيعاب وهما من أوثق ما ألّف علماء السنّة في تراجم الصحابة ، ولو أردت أن أعدّ عليك الشيعة من الصحابة واثبات تشيّعهم من نفس كتب السنّة لأحوجني ذلك إلى افراد كتاب ضخم (١).

٣ ـ قام الإمام السيّد عبدالحسين شرف الدين ( ١٢٩٠ ـ ١٣٧٧ ) بجمع أسماء الشيعة في الصحابة حسب حروف الهجاء ، وقال : وإليك اكمالا للبحث بعض ما يحضرني من أسماء الشيعة من أصحاب رسول اللّه لتعلم أنّ بهم اقتدينا وبهديهم اهتدينا ، وسأفرد لهم إن وفق اللّه كتاباً يوضح للناس تشيّعهم ويحتوي على تفاصيل شؤونهم ، ولعلّ بعض أهل النشاط من حملة العلم وسدنة الحقيقة يسبقني إلى تأليف ذلك الكتاب فيكون لي الشرف إذ خدمته بذكر أسماء بعضهم في هذا الباب وهي على ترتيب حروف الهجاء ، ثمّ ابتدأ بأبي رافع القبطي مولى رسول اللّه ، وختمهم بيزيد بن حوثرة الأنصاري ولم يشير من حياتهم إلى شئ ، وإنّما ألقى ذلك على الأمل أو على من يسبقه من بعض أهل النشاط.

__________________

١ ـ أصل الشيعة واُصولها ٥٣ ـ ٥٤ مطبعة العرفان.

١١٢

وقد ذكر السيد شرف الدين من أسمائهم مايربو على مائتين (١).

٤ ـ قام الخطيب المصقع الدكتور الشيخ أحمد الوائلي « حفظه اللّه » بذكر أسماء روّاد التشيّع في عصر الرسول في كتابه المطبوع « هويّة التشيّع » فجاء باسم مائة وثلاثين من خُلِّص أصحاب الإمام من الصحابة الكرام ، يقول بعد ما يذكر تنويه النبي باستخلاف علي في غير واحد من المواقف : ولا يمكن أن تمر هذه المواقف والكثير الكثير من أمثالها من دون أن تشد الناس لعلي ، ودون أن تدفعهم للتعرّف على هذا الإنسان الذي هو وصي النبي ، ثمّ لابدّ للمسلمين من اطاعة الأوامر التي وردت في النصوص ، والالتفات حول من وردت فيه ، ذلك معنى التشيّع الذي نقول انّ النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم هو الذي بذر بذرته ، وقد أينعت في حياته وعرف جماعة بالتشيّع لعلي والالتفاف حوله ، وللتدليل على ذلك سأذكر لك أسماء الرعيل الأوّل من الصحابة الذين عرفوا بتشيّعهم للإمام علي (٢).

٥ ـ آخرهم وليس أخيرهم كاتب هذه السطور حيث قام مجيباً دعوة السيد شرف الدين فألّف كتاباً في ذلك المجال في عدّة أجزاء ، نشر منه جزءان ، وانتهينا في الجزء الثاني من ترجمة أبي ذر ( جندب بن جناده ) ذلك الصحابي العظيم ، والكتاب باللغة الفارسية ونقله إلى العربية الشيخ المحقّق البارع جعفر الهادي وطبع ونشر.

ومن أراد أن يقف على روّاد التشيّع في كتب الرجال لأهل السنّة فعليه أن يرجع إلى الكتب التالية :

__________________

١ ـ الفصول المهمّة في تأليف الاُمّة ١٧٩ ـ ١٩٠.

٢ ـ هوية التشيّع ٣٤.

١١٣

١ ـ الاستيعاب لأبي عمرو ( ت ٤٥٦ ).

٢ ـ اُسد الغابة للجزري (٦٠٦).

٣ ـ الاصابة لابن حجر (٨٥٢).

إلى غير ذلك من اُمّهات كتب الرجال.

١١٤

الفصل السادس

افتراضات وهمية حول تاريخ الشيعة

١١٥
١١٦

قد تعرّفت على تاريخ التشيّع ، وأنّه ليس وليد الجدال الكلامي ، ولا إنتاج السياسات الزمنية وانّما هو وجه آخر للاسلام وهما وجهان لعملة واحدة; إلاّ أنّ هناك جماعة من المؤرخين وكُتّاب المقالات ظنّوا أنّ التشيّع أمر حادث وطارئ على المجتمع الاسلامي ، فأخذوا يُفتّشون عن مبدئه ومصدره ، وأشد تلك الظنون عدوانية ما تلوكه أشداق بعض المتقدمين والمتأخرين ، هو كونه وليد عبداللّه بن سبأ ذلك الرجل اليهودي ، الذي ـ بزعمهم ـ طاف الشرق والغرب ، وأفسد الاُمور على الخلفاء والمسلمين وألّب الصحابه والتابعين على عثمان ، فقتل في عقر داره ، ثم دعا إلى علي بالإمامة والوصاية ، وإلى النبي بالرجعة ، وكوَّن مذهباً بإسم الشيعة ، فهو صنيع ذلك الرجل اليهودي المتظاهر بالاسلام وبما أنّ للموضوع أهمية خاصة لا نكتفي ببيان توهم واحد بل نأتي كل ذكر كل تلك الإدعاءات واحدة بعد الاُخرى ، مع رعاية التسلسل الزمني.

١١٧
١١٨

الافتراض الأول :

الشيعة ويوم السقيفة

إنّ مأساة السقيفة جديرة بالقراءة والتحليل ، وسوف نتطرّق إليها في فصل خاص عند البحث عمّا تنعقد به الامامة لدى السنّة والشيعة ، ولكن نذكر هنا موجز ما ذكره الطبري وغيره الذي صار سنداً لمن تخيّل أنّ التشيّع تكوّن في ذلك اليوم.

قال الطبري : اجتمع الأنصار في سقيفة بني ساعدة ليبايعوا سعد بن عبادة ، فبلغ ذلك أبابكر فاتاهم ومعه عمر وأبو عبيدة بن الجراح ، فقال : ما هذا؟ فقالوا : منّا أمير ومنكم أمير ، فقال أبوبكر : منّا الأمراء ومنكم الوزراء ـ إلى أن قال ـ فبايعه عمر ، وبايعه الناس ، فقالت الأنصار أو بعض الأنصار : لا نبايع إلاّ عليّا. ثم قال : أتى عمر بن الخطاب منزل علي وفيه طلحة والزبير ورجال من المهاجرين ، فقال : واللّه لأحرقنّ عليكم أو لتخرجنّ إلى البيعة ، فخرج عليه الزبير مسلّطاً بالسيف فعثر ، فسقط السيف من يده ، فوثبوا عليه فأخذوه ، وقال أيضاً : وتخلّف علي والزبير واخترط الزبير سيفه وقال : لا أغمده حتّى يبايَع علي ، فبلغ ذلك أبابكر وعمر فقالا : خذوا سيف الزبير ... (١).

__________________

١ ـ تاريخ الطبري ٢ / ٤٤٣ ـ ٤٤٤.

١١٩

وقال اليعقوبي : ومالوا مع علي بن أبي طالب منهم ، العباس بن عبدالمطلب ، والفضل بن العباس ، والزبير بن العوام بن العاص ، وخالد بن سعيد ، والمقداد بن عمرو ، وسلمان الفارسي ، وأبو ذر الغفاري ، وعمار بن ياسر ، والبراء بن عازب ، وأبي بن كعب ... (١).

يلاحظ على تلك النظرية : انّ هذه النصوص تدل على أنّ فكرة التشيّع لعليّ كانت مختمرة في أذهانهم منذ عهد الرسول إلى وفاته ، فلمّا رأت الجماعة أنّ الحق خرج عن محوره ، عمدوا إلى التمسّك بالحق بالاجتماع في بيت علي الذي أوصاهم النبي به طيلة حياته ، إذ من البعيد جداً أن يجتمع رأيهم على علي في يوم واحد في ذلك اليوم العصيب. فالمعارضة كانت استمراراً لما كانوا يلتزمون به في حياة النبي ، ولم تكن فكرة خلقتها الظروف والأحداث.

كان أبوذر وقت أخذ البيعة غائباً ولمّا جاء قال : أصبتم قناعة ، وتركتم قرابة ، لو جعلتم الأمر في أهل بيت نبيّكم لما اختلف عليكم الاثنان (٢) وقال سلمان : أصبتم ذا السن ، وأخطأتم المعدن ، أما لو جعلتموه فيهم ما اختلف منكم اثنان ولأكلتموها رغدا.

وروى الزبير بن بكار في الموفقيات : انّ عامة المهاجرين وجلّ الأنصار كانوا لا يشكّون أنّ علياً هو صاحب الأمر.

وروى الجوهري في كتاب السقيفة : انّ سلمان والزبير وبعض الأنصار كان هواهم أن يبايعوا عليّاً.

وروى أيضاً : انّه لمّا بويع أبوبكر واستقرّ أمره ، ندم قوم كثير من الأنصار

__________________

١ ـ تاريخ اليعقوبي ٢ / ١٠٣ طبع النجف.

٢ ـ ابن قتيبة : الامامة والسياسة ١٢.

١٢٠