المجتبى عليه السلام بين وميض الحرف ووهج القافية

المؤلف:


الموضوع : الشعر والأدب
الناشر: المكتبة الأدبيّة المختصّة
المطبعة: ستاره
الطبعة: ١
ISBN: 964-319-153-2
الصفحات: ٢٢١
  نسخة مقروءة على النسخة المطبوعة
 &

أنّ الرواية هي هذه وأنّ كلمة من المسلمين أو المؤمنين قد اُضيفت إليها ، إلّا أنّ في النفس شيئاً من ذلك ، إذ أنّ بعض الملاحظات في الجهة الاُولى ترد عليها.

استظهار

وقد ظهر ممّا أثبتناه من كفر محارب الإمام عليه‌السلام انّ قوله تعالى : ( وَإِن طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا فَإِن بَغَتْ إِحْدَاهُمَا عَلَى الْأُخْرَىٰ فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّىٰ تَفِيءَ إِلَىٰ أَمْرِ اللَّهِ .. ) (٣٣) لا تتعلّق بقتال الباغين بالمعنى المعروف الذي ورد في رواية : « عمّار تقتله الفئة الباغية » لما هو من كفر هؤلاء والآية تشير إلى إيمانها. وكون الآية ناظرة لحالهم قبل الحرب بعيد ، بل انّ ظاهر ما بعد هذه الآية : ( إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ ) هو بقاء المتقاتلين على إيمانهما.

ولعل ذلك هو السر في خلو كثير من الروايات عن الاحتجاج بهذه الآية.

فانّها مسوقة لبيان حكم الطائفتين من المؤمنين التي بغت إحداهما على الاُخرى في أمر دنيوي أو أمر ديني لا يستوجب الكفر كما استظهر ذلك العلّامة المجلسي في البحار (٣٤). وبعبارة اُخرى أن لا يكون في إحدى الطائفتين الإمام عليه‌السلام.

شبهة ودفع

وأمّا ما ذهب إليه البعض بالحكم على البغاة بحصانة الإسلام مستدلّاً عليه بموقف أمير المؤمنين عليه‌السلام حيث منع من سبي نسائهم وذراريهم ورد أمير المؤمنين عليهم أموالهم كما روي انّه نادى في حرب البصرة : « من وجد ماله فهو له » ، ولو كانوا كفاراً لوجب أن يسير فيهم بسيرة الكفار فيتبع موليهم ويجهز على

٨١
 &

جريحهم إلى غير ذلك من الأحكام. فغير صحيح فان ما ذكره لا يقاوم ما مرّ من التصريح بكفرهم ومن الإجماع على ذلك هذا أوّلاً.

وثانياً : انّ قسمة الأموال بين أصحابه ثم ردها عليهم دليل على أنّ ذلك جائز والرد كان من باب المن لا الاستحقاق.

وثالثاً : انّ الذي يستفاد من الأخبار التي سنوردها عليك هو كفرهم واقعاً ، وانّ حكم سبيهم وغنائمهم حكم سبايا وغنائم الكفّار ، إلّا انّ أمير المؤمنين عليه‌السلام لم يجر ذلك فيهم لحكمة وانّه من باب المن وإليك بعض هذه الروايات :

١ ـ عن زرارة قال سمعت أبا جعفر يقول : « انّما أشار علي عليه‌السلام بالكفّ عن عدوّه من أجل شيعتنا لأنّه كان يعلم انّه سيظهر عليهم بعده فأحبّ أن يقتدي به مَن جاء بعد فيسير فيهم بسيرته ويقتدي بالكفّ بعده » (٣٥).

٢ ـ وعن أبي بكر الحضرمي قال : سمعتُ أبا عبد الله يقول : « لسيرة علي بن أبي طالب عليه‌السلام في أهل البصرة كانت خيراً لشيعته ممّا طلعت عليه الشمس وانّه علم انّ للقوم دولة فلو سباهم سبت شيعته ». قلت فأخبرني عن القائم عليه‌السلام أيسير بسيرته ؟ قال : « لا ».

« إنّ عليّاً عليه‌السلام سار فيهم بالمن للعلم من دولتهم وان القائم يسير فيهم بخلاف تلك السيرة لانّه لا دولة لهم » (٣٦).

٣ ـ عن أبي عبد الله عليه‌السلام : « إنّ عليّاً انّما منّ عليهم كما منّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله على أهل مكة ، وانّما ترك علي عليه‌السلام أموالهم لانّه كان يعلم انّه سيكون له شيعة وان دولة الباطل ستظهر عليهم فأراد ان يقتدى به في شيعته ، وقد رأيتم آثار ذاك هو ذا ، يُسار في الناس بسيرة علي عليه‌السلام ولو قتل علي عليه‌السلام أهل البصرة وأخذ أموالهم لكان ذلك له حلالاً لكنّه منّ عليهم ليُمنّ على شيعته من بعده » (٣٧).

٤ ـ عن أبي عبد الله عليه‌السلام : « إنّ علياً سار فيهم بالمنّ والكف لأنّه علم ان

٨٢
 &

شيعته سيظهر عليهم عدوّه من بعده » (٣٨).

٥ ـ ما كتبه الإمام لأهل الكوفة بعد حرب البصرة : « فقتل الله مَن قتل منهم ناكثاً ، وولّى مَن ولّى إلى مصرهم ، فسألوني ما دعوتهم إليه من قبل القتال فقبلت منهم وأغمدتُ السيف عنهم وأخذت بالعفو عنهم » (٣٩).

٦ ـ ما روى عن الأمير عليه‌السلام انّه قال : « مننتُ على أهل البصرة كما منّ النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله على أهل مكة » (٤٠). هذا بالنسبة لسبيهم وغنائمهم.

أمّا بالنسبة لاتّباع مدبّرهم والإجهاز على جريحهم وأسيرهم ، فالذي عليه الإمامية هو أنّ مَن كان له فئة منهم فيتبع ويجهز عليه ولا يُقتل بخلاف غيره ، كما ورد فيما روي عن الإمام الرضا عليه‌السلام في الفرق بين حرب البصرة وصفّين حيث قتلهم في صفّين مدبرين ومقبلين ، من أنّ يوم الجمل لم يتبع مولّياً ولم يجهَز على جريح ومَن ألقى سلاحه آمن ومَن دخل داره آمن فأن أهل الجمل قتل إمامهم ولم يكن لهم فئة يرجعون إليها فكان الحكم فيهم رفع السيف عنهم والكف عن أذاهم ، وأهل صفّين كانوا يرجعون إلى فئة مستعدّة وإمام يجمع لهم السلاح (٤١).

اختلاف الحكم في الكفّار

وأمّا القول بأنّهم لو كانوا كفّاراً لسار فيهم بسيرة الكفّار فيردّه مضافاً إلى ما تقدّم ان أحكام الكفّار تختلف وليس التساوي في الكفر يوجب التساوي في الأحكام. فحكم الحربي الذمي والكتابي غير مَن لا كتاب له. فالكتابي يوخَذ منه الجزية ويبقى على دينه ولا يقبل ذلك من غير الكتابي.

فعلى هذا لا يمنع أن يكون مَن حاربه كفّاراً وإن سار فيهم الإمام عليه‌السلام بأحكام غير أحكام الكفّار. وقد عرفت بما لا مزيد عليه كفر مَن حارب الإمام عليه‌السلام.

٨٣
 &

دفع وهم

نعم الحكم عليهم بعد ذلك بالإسلام إنّما هو بحسب الظاهر وللمصلحة العامّة ليس غير ، لا أنّهم واقعاً كذلك ، قال الشيخ المفيد في كتاب الجمل : « اجتمعت الشيعة على الحكم بكفر محاربي علي عليه‌السلام ، ولكنّهم لم يخرجوهم بذلك عن حكم ملّة الإسلام إذ كان كفرهم من طريق التأويل كفر ملّة ، ولم يكفروا كفر ردّة عن الشرع مع أقامتهم على الجملة منه وإظهار الشهادتين والاعتصام بذلك عن كفر الردّة المخرج لهم من الإسلام ، وإن كانوا بكفرهم خارجين من الإيمان مستحقّين اللّعنة والخلود في النار ».

حكمهم بعد الحرب

ثم انّ مَن بقي بعد الحرب على رأيه ولم يتب فهو باق على كفره ومَن تاب ورجع إلى طاعة الإمام عليه‌السلام وتولّيه حُكِمَ عليه بالإيمان.

إلّا انّ الكلام في إثبات توبتهم ، وبالأخص رؤساؤهم فانّه مضافاً إلى عدم توبته وجود الدليل على عدمه.

وما ذكر من توبة بعضهم فهو رواية ، وحربه دراية والرواية لا تقاوم الدراية كما أجاب به الشيخ المفيد على كلام علي بن عيسى الرّماني.

إلى هنا تمّ ما أردنا ذكره في هذه الدراسة ، والحمد لله رب العالمين.

الهوامش

(١) صلح الحسن : ص ١٤٧.

(٢) صلح الحسن : ص ١٧٥.

(٣) صلح الحسن : ص ١٧٥.

٨٤
 &

(٤) كما استقصاه في الأحاديث الغيبية : ج ١ ، ص ١٦٤ ، تأليف ونشر مؤسّسة المعارف الإسلامية.

(٥) ج ١ ، ص ٣٨٥.

(٦) اسد الغابة : ج ٢ ، ص ١٣.

(٧) صلح الحسن

(٨) ص ١٢٥ ، تحقيق المحمودي.

(٩) هو أبوسفيان الواسطة طاحة بن نافع القرشي مولاهم.

(١٠) نعم روي في الطبقات الكبير لابن سعد في ترجمة الحسن عليه‌السلام انّه لما نعي الحسن عليه‌السلام في البصرة بكى الناس وأبو بكرة مريض فسمع الفجه فقال ما هذا فقالت امرأته عبسة بنت سحام ـ من بني ربيع ـ مات الحسن بن علي فالحمد لله الذي أراح الناس منه فقال أبو بكرة : اسكتي ـ ويحك ـ فقد أراحه من شرّ كثير وفقد الناس خيراً كثيراً ص ٩٤ ، تحقيق السيد عبد العزيز الطباطبائي.

(١١) الجامع لأحاديث الكتب الستة ومؤلّفات أصحابه االاُخرى ، وموطأ مالك ، ومسانيد الحميدي ، وأحمد بن حنبل ، وعبيد ابن حميد ، وسنن الدارمي ، وصحيح ابن خزيمة.

(١٢) قادتنا : ح ٥ ، ص ٢٤٩ ، عن تاريخ الخلفاء الراشدين : ج ١ ، ص ١٥١.

(١٣) نفس المصدر : ص ٢٥٠ ، عن المستدرك على الصحيحين : ج ٣ ، ص ١٧٥.

(١٤) أوائل : ج ٣.

(١٥) لا يخفى أن معاوية كان يسمي نفسه أمير المؤمنين قبل الصلح كما في بعض كتبه لأصحابه.

(١٦) ج ٨ ، ص ١٤٢وج ٤٣ ، ص ٢٩٣.

(١٧) البحار : ج ٣٢.

(١٨) البحار : ج ٣٢ ، ص ٣٢٢.

(١٩) نفس المصدر : ص ٣٢٥ ، شرح النهج : ج ٤ ، ص ٣١.

(٢٠) البحار : ج ٣٢ ، ص ٣٢٦.

(٢١) صلح الحسن : ص ٣٤٠.

(٢٢) البحار : ج ٣٢ ، ص ٣٤٣.

(٢٣) المصدر : ص ٣٢٢.

(٢٤) المصدر : ص ٣٥٣.

(٢٥) البحار : ج ٣٢ ، ص ٣٢٦.

(٢٦) المصدر : ص ٣٢٧.

(٢٧) اوائل كتاب الجمل للشيخ المفيد.

(٢٨) المصدر

(٢٩) ص ٢٢ ، نقلاً عن كتاب شيعني الحسين ص ٤٧.

(٣٠) أخرجه أحمد ٥ / ٤٤ ، وأبو داود ٤٦٣٤ ، ٤٦٣٥.

(٣١) المسند الجامع : ج ١٥ ، ص ٥٥٧.

(٣٢) المسند الجامع : ج ١٥ ، ص ٥٩٥.

(٣٣) الحجرات : ٩.

(٣٤) البحار : ج ٣٢ ، ص ٣٢٨ بتصرّف.

(٣٥) البحار : ج ٣٣ ، ص ٤٤٢.

(٣٦) البحار : ج ٣٢ ، ص ٣٣٠.

(٣٧) البحار : ج ٣٣ ، ص ٤٤٣.

(٣٨) البحار : ج ٣٢ ، ص ٣٣٣.

(٣٩) البحار : ج ٣٢ ، ص ٣٢٩.

(٤٠) البحار : ج ٣٣ ، ص ٤٤٤.

(٤١) نفس المصدر.

٨٥
 &

Description: E:BOOKSBook-LibraryENDQUEUEMojtaba-Wamidh-Harf-Wahj-Ghafiehimagesrafed.jpg

٨٦
 &

إطلالة على محنة الذكرى

الشيخ محمّد جواد الطريحي

في البدء كانت الكلمة .. كلمة الله ، أزلية المدى ، راسخة في حنايا التكوين ، يحتضنها ضمير الكون ، وتزدان بها إشراقة الروح في منطلقها لطاعة الرحمٰن ..

إنّها فيض الرب وروحه وذاته وكينونته قبل أن يطأ بها هذا الأديم أبو البشر .. إنّها النور الذي اختصّه الله لعباده الذين اصطفى واستخلصه لذاته .. ( أَلَمْ تَرَ كَيْفَ ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا كَلِمَةً طَيِّبَةً كَشَجَرَةٍ طَيِّبَةٍ أَصْلُهَا ثَابِتٌ وَفَرْعُهَا فِي السَّمَاءِ تُؤْتِي أُكُلَهَا كُلَّ حِينٍ بِإِذْنِ رَبِّهَا وَيَضْرِبُ اللَّهُ الْأَمْثَالَ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ ) (١).

سُئل إمامنا الباقر عليه‌السلام يا ابن رسول الله ما معنى هذه الآية ؟ قال عليه‌السلام : « إنّ هذه الشجرة الطيبة المعنية بالقرآن أصلها سيدنا أبو القاسم محمّد صلى‌الله‌عليه‌وآله وفرعها فاطمة عليها‌السلام ولقاحها علي عليه‌السلام والأئمة عليهم‌السلام ثمرها وشيعتنا ورقها .. ».

يا حبّذا دوحة في الخلد نابتة

ما مثلها نبتت في الخلد من شجرِ

المصطفى أصلها والفرع فاطمة

ثم اللّقاح علي سيد البشرِ

ثم الشهيدان سبطاه لها ثمر

والشيعة الورق الملتفِ بالثمر

ومن حيث كانت كلمة الله في البدء كذلك ، كان المنطلق في البدء آل

٨٧
 &

محمّد صلى‌الله‌عليه‌وآله وهل يقاس بآل محمّد أحد ومن هنا كان رأس الإسلام حبّ أهل البيت عليهم‌السلام.

نعم إنّ الإنسان في أشدّ الحاجة ليبلغ درجات السعادة إلى من ينصب له الطريق اللاحب والنهج الواضح إلى الرشاد واتّباع الهدى ، لتتقوى بذلك جنود العقل حتى يتمكّن من التغلّب على خصمه اللدود عندما يهييء الإنسان نفسه لدخول المعركة الفاصلة بين العقل والعاطفة ، وأكثر ما تشتدّ حاجته إلى من يأخذ بيده إلى الخير والصلاح عندما تخادعه العاطفة وتراوغه ـ وكثيراً ما تفعل ـ فتزين له أعماله وتحسّن له انحرافاتها ، وكل منّا صريع لهذه المعركة من حيث يدري ولا يدري إلّا مَن عصمه الله ، فوجب ان يبعث الله تعالى في الناس رحمة لهم ، ولطفاً بهم رسولاً منهم يتلوا عليهم آياته ويزكّيهم ويعلّمهم الكتاب والحكمة.

( فإذا كان المحل قابلاً ومستعدّاً لفيض الجود واللطف فانّه تعالى لا بد أن يفيض لطفه إذ لا بخل في ساحة رحمته ، ولا نقص في جوده وكرمه ، وليس معنى الوجوب هذا أن أحداً يأمره بذلك فيجب عليه أن يطيع تعالى الله عن ذلك ، بل معنى الوجوب في ذلك كمعنى الوجوب في قولك انّه واجب الوجود أي اللّزوم واستحالة الانفعال ).

أيّها المؤمنون من الأجدر بنا في هذا اللقاء الروحي ان نجعله خالصاً لوجهه تعالى ، أن يكون التقاء فكرياً واعياً نعمّق فيه الصلة الأصيلة بقادة الإسلام ليتبلور أكثر فأكثر مفهومنا عنهم ، نحن مدعوون اليوم لدراسة أهل البيت عليهم‌السلام دراسة ترسم لنا معالم الطريق فيما تجسد بدورهم المشترك الذي اُسند إليهم بتخطيط الرسالة ، ذلك لأنّ الرسالة الإسلامية بوصفها رسالة عقائدية قد خطّطت لحماية نفسها من الإنحراف وضمان نجاح التجربة خلال تطبيقها على مرّ الزمن ، وقد أوكل أمر قيادة التجربة وتنويرها تشريعياً وتوجيهها إلى الأئمة الأطهار عليهم‌السلام

٨٨
 &

بوصفهم الشخوص القدسية الذين بلغوا في مستواهم درجة العصمة عن الانحراف والزلل والخطأ ، ولا بد هنا من أن نسير الغور لنفهم في تاريخ الأئمة عليهم‌السلام الموقف العام الذي وقفوه في خضم الأحداث والمشاكل التي اكتنفت الرسالة بعد انحراف التجربة وإقصائهم عن مركزهم القيادي في زعامتها.

ومن هذه النافذة نطلّ على معالم صاحب الذكرى العطرة التي نحتفي بها اليوم بإجلال واحترام في هذا الملتقى المبارك ، مناسبة مولد سبط المصطفى عليه‌السلام أبي محمّد الحسن بن علي الزكي ( هذا الإمام العظيم الذي عاش ظلامة تاريخية كبرى وعانى ما عانى في سبيل الحفاظ على كيان الاُمّة الإسلامية وبقاءها ).

تُقرّبك الذكرى وان بعد العهدُ

وفي ذكريات الروح يقترب البعدُ

أقام لك الإيمان في القلب كعبةً

يطوف الثنا فيها ويسعى لها الحمدُ

بحبّك جرّبت المقاييس كلها

فخابت ولم يظهر لآمادها حدُّ

ستبلى معي الدنيا وحبّك بعدنا

سيبقى إلى ان ينفض الجسدّ اللحدٌ

هو الدين أهداني إليك فأبصرت

بك النفس ما يسعى له الشاعر الفردُ

إلى الله أسعى في ولائك مخلصاً

به وشفيع الحب ليس له ردُّ

فما أنت إلّا السبط سبط محمّد

وشبل عليّ قدّس الأب والجدُّ

ترعرعت في حجر النبوة ناشئاً

إلى أن أباح الكمُّ ما أضمر الوردُ

وحيث لا نستطيع في ضوء الوقت المحدّد هنا ان نستوعب كافّة ما يتعلّق بقضية الإمام الحسن عليه‌السلام الكبرى من حيث ظروفها وأبعادها وما لابس ذلك ، فإنّنا نخلص من خلال قراءة سريعة لما جرى في الصلح بين الإمام الحسن عليه‌السلام ومعاوية إلى النقاط التالية التي تمثّل النتائج الهامّة وهي :

أوّلاً : كسر الطوق المعنوي الذي حاول معاوية أن يوهم به عامّة المسلمين من الحاجة المستمرة لطلب الصلح واغترار الناس به ، وقد أبان الإمام

٨٩
 &

الحسن عليه‌السلام ابتداءً اعتذاره عن ذلك بأنّ معاوية لا يفي بشرط ولا هو بمأمون على الدين ولا على الاُمّة.

ثانياً : لو حاول الإمام الحسن عليه‌السلام الإصرار على موقفه من قتال معاوية لكانت في ذلك مغامرة مواجهة قوّة لا قبل لها ، ولا نكشف الأمر عن التضحية بنفسه وكافة الهاشميين وأوليائهم ولعذله العاذلون وقالوا فيه.

ثالثاً : اتضح الأمر ـ بعد ذلك ـ بفضيحة معاوية الذي لم يلتزم ببنود الصلح قيد أنملة ثم انكشف بعد ذلك الغطاء في دور أبيّ الضيم الإمام الحسين عليه‌السلام وما قدّمه من تضحيات تقف متمّمة لدور الإمام الحسن عليه‌السلام في مواجهة الظالمين ورد موجة الانحراف في الاُمّة.

رابعاً : امتثل الإمام الحسن عليه‌السلام ما ورد في سيرة النبي المصطفى صلى‌الله‌عليه‌وآله اُسوة به ، حيث استرشد بالرسالة وامتحن بهذه الخطة ، وقد أخذها في إقدامه وإحجامه من صلح الحديبية.

خامساً : كان الصلح نموذجاً فريداً صاغ به ائمة أهل البيت عليهم‌السلام سياستهم الحكيمة ، حيث غرس الإمام الحسن عليه‌السلام في طريق معاوية كميناً من نفسه يثور عليه من حيث لا يشعر فيرديه ، وتسنّى له به أن يلغم قصر الأموية ببارود الأموية نفسها.

وقد نقل التاريخ بصراحة زيف معاوية بوعوده حينما انتظم جيش العراق إلى لوائه في النخيلة فقال وقد قام خطيباً فيهم : « يا أهل العراق إنّي ـ والله ـ لم أقاتلكم ، وقد أعطاني الله ذلك وأنتم كارهون ! ألا وان كل شيء أعطيته للحسن بن علي جعلته تحت قدميّ هاتين » كما نقله ابن عساكر في مختصر تاريخ دمشق ، فلمّا تمّت البيعة لمعاوية خطب فذكر عليّاً فنال منه ونال من الحسن إلى آخر ما وقع من الوقائع الجسيمة.

٩٠
 &

ويذكر الإمام السيد عبد الحسين شرف الدين العاملي قدس‌سره : إنّ الإمامين الحسن والحسين عليهما‌السلام كانا وجهين لرسالة واحدة ، كل وجه منهما في موضعه منها ، وفي زمانه من مراحلها يكافىء الآخر في النهوض بأعبائها ويوازيه بالتضحية في سبيلها ، وكان ( يوم ساباط ) أعرف بمعاني التضحية من ( يوم الطف ) لدى أولي الألباب ممّن تعمّق ، وكان شهادة الطف حسنية أوّلاً وحسينية ثانياً ، لأنّ الحسن عليه‌السلام انضح نتائجها ومهّد أسبابها.

وقد وقف الناس بعد حادثتي ساباط والطف يمعنون في الأحداث فيرون في الاُمويين عصبة جاهلية منكرة (٢).

وأفاد العلّامة الكبير الشيخ المظفّر قدس‌سره بقوله : « ولا ينسى موقف الحسن بن علي عليه‌السلام من الصلح مع معاوية بعد أن رأى ان الإصرار على الحرب سيديل من ثقل الله الأكبر ، ومن دولة العدل ، بل اسم الإسلام إلى آخر الدهر فتمحى الشريعة الإلٰهية ، ويقضى على البقية الباقية من أهل البيت عليهم‌السلام ، ففضّل المحافظة على ظواهر الإسلام واسم الدين ، وان سالم معاوية ـ العدو اللدود للدين وأهله ، والخصم الحقود له ولشيعته ـ مع ما يتوقّع من الظلم والذل له ولأتباعه ، وكانت سيوف بني هاشم وسيوف شيعته مشحوذة تأبى ان تغمد دون أن تأخذ بحقّها من الدفاع والكفاح ، ولكن مصلحة الإسلام العليا كانت عنده فوق جميع الاعتبارات » (٣).

وعوداً على بدء نود أن نشير إلى النظر إلى مسألة الصلح في حياة الإمام الحسن عليه‌السلام ينبغي أن تدرس في ضوء الدور المشترك للأئمة عليهم‌السلام ، وليس بالنظرة التجزيئية مع الإحاطة بالظروف الموضوعية التي صاحبت الحدث ، هذا بالإضافة إلى أنّنا ( نجد تصوّراً شائعاً لدى كثير من الناس الذين اعتادوا ان يفكّروا في الأئمة عليهم‌السلام بوصفهم اناساً مظلومين فحسب قد أقصوا عن مركز القيادة

٩١
 &

وأقرّت الاُمّة هذا الإقصاء ، وذاقوا بسبب ذلك ألوان الاضطهاد والحرمان فهؤلاء الناس يعتقدون انّ دور الأئمة في حياتهم كان دوراً سلبياً على الأغلب نتيجة إقصائهم عن مجال الحكم ، فحالهم حال مَن يملك داراً فتغتصب منه وينقطع أمله في إمكان استرجاعها ) (٤).

إنّ محنة المظلومية قد طالت أهل البيت عليهم‌السلام في صور متعدّدة ، فكما هو الحال بالنظر إلى دورهم المشترك في الدعوة إلى الله وتبليغ أحكامه فانّهم يشتركون كذلك في مظلوميتهم وهذا التقابل بين العطاء والمحنة يرسم لنا صورة منهج دراسي جديد في عمق الشخصية الرسالية للأئمة الأطهار عليهم‌السلام ويفسّر لنا كذلك مظلومية شيعتهم في كلّ مكان وزمان.

قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : « إنّ الله خلق الأنبياء من أشجار شتى وخُلقت وعلي من شجرة واحدة فأنا أصلها ، وعلي فرعها ، والحسن والحسين ثمارها ، وأشياعنا أوراقها فمَن تعلّق بغصن من أغصانها نجا ، ومَن زاغ هوى ، ولو أنّ عبداً عَبَدَ الله بين الصفا والمروة ألف عام ثم ألف عام حتى يصير كالشن البالي ثم لم يدرك محبتنا أكبّه الله على منخريه في النار ثم قرأ صلى‌الله‌عليه‌وآله ( قُل لَّا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَىٰ ) » ويحضرني ما أجاد به أحّد شعراء العقيدة بقوله :

عجباً ذلك التراث بهذا

الحجم يقصى ومن سواه نميرُ

ما الذي كان قد جناه عليٌّ

عند قوم حتى استحرّت صدورُ

ألأنَّ الحق الذي قد رعاه

كان مرّاً والجاحدون كثيرُ

يا لها اُمّة أضاعت حجاها

حيثُ راحت خلف السراب تسيرُ

ولديها من ثورة الفكر ما يغني

ولكن أين السميع البصيرُ

فهي تعشو عن الحقيقة في المسرى

وفي بيتها السراج المنيرُ

أخذت تطلب السواقي البعيدات

وفي جنبها تفيض البحورُ

٩٢
 &

ان هذا هو الخسار وهل يفلح

قوم قد مات فيهم شعورُ

وآخر دعوانا ان الحمد لله رب العالمين.



الهوامش

(١) ابراهيم : ٢٤.

(٢) شرف الدين للسيد عبد الحسين ، المجالس.

(٣) المظفر الشيخ محمّد رضا ، عقائد الإمامية.

(٤) السيد محمّد باقر الصدر قدس‌سره : أهل البيت عليهم‌السلام تنوّع أدوار ووحدة هدف.

٩٣
 &

Description: E:BOOKSBook-LibraryENDQUEUEMojtaba-Wamidh-Harf-Wahj-Ghafiehimagesrafed.jpg

٩٤
 &



إثارات حول صلح الإمام الحسن عليه‌السلام

السيد محمّد العَمْدي

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته :

أشبع أساتذتنا الباحثون صلح الإمام الحسن عليه‌السلام بحثاً ونقاشاً ودراسات ، وبقي أن نصول صولة خطابية مع هذا الصلح لنستجلي بعض صوره ، لا كصورة دراسة وإنّما بصورة ( إثارة ) بصورة ( طرح مسائل ) هي بأشد الحاجة إلى أن تُدرس أكثر.

في مثل هذه المواليد وفي مثل هذه الاحتفالات عندما نحاول أن ندرس موقف الأئمة عليهم‌السلام ، قد نغفل أحياناً عن متطلبات يتطلبها البحث وقد نحيط ببعض الجوانب ونترك جوانب اُخرى.

لكن نحن عندما نحاول أن ندخل إلى عالم الأئمة عليهم‌السلام أرى أنّه من المناسب لنا في هذا الدخول البطيء أن نحاول أن نأخذ أشياء نمضي بها ، نحاول

٩٥
 &

أن نأخذ أشياء نعيش معها ، أن تكون واقعنا ، أن تكون خبزنا ، أن تكون ماءنا ، يا ترى في عالم الإمام الحسن عليه‌السلام أيَّ صورة نستجلي ؟ أيُّ بحثٍ يمكن أن نخوضه دون أن نخرج بآلاف الدراسات ، ودون أن نخرج بآلاف الدروس التي تمدّنا في خضمّ هذه الحياة المستمرة وهجاً بعد وهج وحياةً بعد حياة ؟

دعونا نمرّ مع الإمام الحسن عليه‌السلام في صلحه بخطوات ولتكن أولى تلك الخطوات هي شجاعة الإمام الحسن عليه‌السلام ، لماذا صلح الإمام الحسن عليه‌السلام بالذات ؟

لماذا شجاعة الإمام الحسن عليه‌السلام عند الحديث عن صلح الإمام الحسن عليه‌السلام ؟ الكثير أثاروا نقطة أنّ الإمام الحسن عليه‌السلام كان مسالماً ! وكان مداهناً ! وكان مداهناً ! ووجهوا ولله الحمد بعدّة مواجهات وكانت كافية وقوية في حدّ ذاتها.

الإمام الحسن بن علي عليه‌السلام عندما تدرس شجاعته تمتلك في ذلك النصوص العديدة.

خذوا معي ذلك النص الذي يرويه ( الدينوري ) في ( الأخبار الطوال ) : عندما أرسل الإمام علي بن أبي طالب عليه‌السلام ابنه الحسن إلى الكوفة في حرب الجمل ليدعو الناس إلى هذا الجهاد ، استطاع الإمام الحسن عليه‌السلام أن يجمع تسعمائة مقاتل.

في إرساله إلى الكوفة ؟ وأن يجمع تسعمائة مقاتل ؟ ووالي الكوفة أبو موسى الأشعري الذي تدين له الكوفة بولاءات عديدة ؟ هذا من الصعب ، لكنه عند الإمام الحسن المقاتل والشجاع وذي الحنكة السياسية المتميزة سهل جداً.

في حرب صفين يقول الإمام علي عليه‌السلام أنّه يخاف ان ينقطع بقتل هذين نسل رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله لماذا ؟ لأنّ هذين الأثنين ( الحسن والحسين ) كانا قد

٩٦
 &

أظهرا شجاعة متميزة في قتالهم لأولئك الكفار ، ولذلك كان الإمام يطالب بأن يوقفا هذه الصولة.

ثم نحاول أن ندرس الصلح من نواح اُخرى ، الصلح كان نصراً ، قاله الشعراء والباحثون.

بعض الباحثين قال إنّه يجب أن يُشبّه هذا الصلح بصلح الحديبية من عدّة نواح : من الناحية التشريعية ومن الناحية الانتصارية ؛ فمن الناحية التشريعية : الصلح شرع في الإسلام وأكبر دليل على ذلك صلح رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله وكما هو في اعتقادنا أنّ الإمامة ليست إلّا امتداداً للنبوة والرسالة.

لكن هل بُلي الإمام الحسن عليه‌السلام بما يلي به رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله من عدم التسليم بالصلح ؟

نعم ، كان الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله واجه شرذمة كانت ترفض الصلح إلّا أنّ حياة الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله استطاعت أن تتعمّق في ذلك المجتمع حتى جعلت الصلح يأخذ مساره ويأخذ انتصاراته.

لكن القضية تختلف عند الإمام الحسن عليه‌السلام ، فالإمام الحسن عليه‌السلام كان يعيش عصراً لم يؤمن ذلك الإيمان المتطلّب بامتداد الإمامة كامتداد أساسي وجذري للرسالة ، ولذلك كان هنالك عدّة إشكالات وعدّة دوائر ـ عندهم ـ على هذا الصلح.

النصر الذي أحرزه المسلمون في صلح الحديبية يذكر عنه جميع المؤرخين أشياء مذهلة ، كان عدد المسلمين أيام الصلح ألف وأربعمائة مسلم ولكنّه في رواية ابن هشام عن الزهري امتد إلى عشرة آلاف بعد صلح الحديبية. وأمّا صلح الحسن وانتصاره لو لم يكن من انتصار صلح الحسن عليه‌السلام إلّا انتصار عاشوراء لكفاه انتصاراً مدى التاريخ ، أضف إلى ذلك إنّنا عندما نرى صلح الإمام

٩٧
 &

الحسن عليه‌السلام نجد أمامنا عدّة انتصارات : حقن الدماء ، حفظ الهاشميين ، الحفاظ على العترة ، الحفاظ على هذا الكتاب المقدّس. كل هذه انتصارات لا يمكن أن تخفى أمام الدارس والباحث.

عندما تحاول ان تسافر إلى النصوص خذ رحلة إلى بحار الأنوار وحاول ان تتطلّع إلى ذلك الحديث مع أبي سعيد الذي يشرح فيه الإمام الحسن فوائد ذلك الصلح ووجهة نظره.

أمّا عن الصلح في ذاته فقد قال الباحثون : إنّ الصلح كان مفروضاً على الإمام الحسن عليه‌السلام ، وإنّ الأوضاع السياسية التي كانت في ذلك العصر فرضت على الإمام الحسن عليه‌السلام أن يصالح. هذا تعبير قد يكون فيه نوع من التجاوز مع الإمام عليه‌السلام. إنّه موقف معصوم.

وهذه قضية مسلمة لكن دعنا نكون أولي فلسفة في حياة الأئمة لنقول :

إنّ سلطة الروم في ذلك الوقت كانت تتحيّن الفرص للانقضاض على دولة الإسلام.

كثير من اللصوص كما يروي اليعقوبي في تاريخه ، وكما يروي ابن الأثير وغيره كانوا يتوقّعون أن يتقاتل الجيشان لينقضوا على الإسلام ويبيدوه.

أيمكن في موقف كهذا الموقف المريب وفي هذا الموقف الخطر جدّاً أن يقاتل الإمام الحسن ؟! أم أنّ المتوقّع من إمام كهذا الإمام أن يصالح ؟ في سبيل الحفاظ على بيضة الإسلام كما عمل أبوه أمير المؤمنين عليه‌السلام.

انتقل معي إلى إثارة اُخرى ـ ونحن قلنا : إنّ البحث معنا ليس دراسة وإنّما إثارات ـ انطلق معنا إلى ضعف المعسكر الذي كان يقوده الإمام الحسن عليه‌السلام لترى عجبا !

تلك الخطبة التي يخطبها الإمام الحسن عليه‌السلام ويرويها صاحب بحار الأنوار

٩٨
 &

فيقول : « خطب الإمام الحسن بن علي عليه‌السلام بعد وفاة أبيه. فحمد الله وأثنى عليه ثم قال : « أمّا والله ما ثنانا عن قتال أهل الشام ذلّة ولا قلّة ، ولكنّا كنّا نقاتلهم بالسلامة والصبر ، فشيب السلامة بالعداوة والصبر بالجزع ، وكنتم تتوجهون معنا ودينكم أمام دنياكم ، وقد أصبحتم الآن ودنياكم أمام دينكم وكنّا لكم وكنتم لنا وقد صرتم اليوم علينا ، ثم أصبحتم تصدّون قتيلين : قتيلاً بصفّين تبكون عليهم ، وقتيلاً بالنهروان تطلبون بثأرهم فأمّا الباكي فخاذل وأمّا الطالب فثائر ، وإنّ معاوية قد دعا إلى أمر ليس فيه عزّ ولا نصفة ، فإن أردتم الحياة قبلناه منه وغضضنا على القذى ، وإن أردتم الموت بذلناه في ذات الله وحاكمناه إلى الله ، فنادى القوم بأجمعهم ، بل البقية والحياة ».

أيمكن لإمام معصوم عليه‌السلام في هذا الجيش الخائر أن يخاطر بصفقة تجارية خاسرة مسبقاً.

إنّها تجارة مع الله ولكن عند الأئمة عليهم‌السلام التجارة مع الله ذات أبواب عدّة ليس بابها واحداً فقط.

كان ذلك الجيش لا يؤمن بالإمام الحسن عليه‌السلام فمنهم مَن جاء لأجل أن يثور ، ومنهم مَن جاء وهم أتباعه أبيه وهم قلّة ، ومنهم مَن جاء يحبّ المال والثروة ، ومنهم مَن جاء ـ وهم الخوارج ـ وهدفهم الوحيد أن يقاتلوا معاوية ، سواء كان الحسن قائدهم أم كان الحسين ، ليست القيادة عندهم اُسّاً أساسياً في قتال معاوية.

مثل هذا الجيش أيقدر على المواجهة ؟! بغض النظر عن مسألة : هل يقدر الإمام الحسن على أن يقاوم به.

خذ مثلاً وأنت تعبر هذا الطريق الشائك عن القائد الخائن عبيد الله بن العباس الذي سلّم الأمر لمعاوية ، وإرسال معاوية الجواسيس الذي أشاعوا في

٩٩
 &

صفوف الإمام الحسن عليه‌السلام أنّه قد سلّم.

جيشٌ ملأته شائعة أنّ الحسن قد سلّم وصالح ـ وهو لم يصالح بعد ـ ولم يلتق بمعاوية.

وهذا الجيش تعوّدنا منه كثيراً أن يقبل الشائعات في كثير من مواقف التواريخ مع الإمام علي في ( صفّين ) وفي ( الجمل ) وفي ( النهروان ) ، هنا تعترضنا نقطة هامّة وهي أن ندرس الصلح وبنود الصلح.

إنّي أحب أن أثير نقطة ( أنّ الصلح اختلفت بنوده ) ولا تجد نصاً تاريخياً واحداً يجمع لنا الخمسة بنود التي طرحها الشيخ راضي آل ياسين في كتابه ( صلح الإمام الحسن ) وإنّما جمعت.

مسألة تجميع هذه الأساليب ليست فقط في سيرة الإمام الحسن عليه‌السلام وإنّما في سِيَر جميع الأئمة عليهم‌السلام.

عندما نحاول أن ندرس بنود صلحهم ومصالحاتهم ، أو عندما نريد أن ندرس ثوراتهم نجد أنّ أشياء تجمع من هنا وهناك.

يا ترى لماذا كان التاريخ لا يذكر الأسباب دفعة واحدة ؟ لماذا كانت هذه المسائل تجمع ؟ دعها إثارة واعمل بها ما شئت.

إنّ الاستقراء التاريخي للصلح ـ والذي أودّ أن يكون ختام هذا الحديث الخطابي المرتجل ـ أن الصلح سياسة ، وسياستنا ـ أيّها الأحبة ـ سياسة الشيعة بالذات هي خبزهم وماؤهم الذي يسير معهم.

إنّنا بالسياسة عشنا ، وبالإمام الحسن عليه‌السلام وسياسته ، وبالإمام الحسين عليه‌السلام وسياسته ، وبالسجاد عليه‌السلام وسياسته ، وبسياسات جميع الأئمة عشنا لنصنع السياسة لا لتصنعنا ، فكنّا قادة الموقف ، لأنّ أئمتنا هم مَن صاغوا هذه السياسة الإسلامية.

١٠٠