موسوعة الإمام الخوئي

السيّد محمّد سرور الواعظ الحسيني البهسودي

موسوعة الإمام الخوئي

المؤلف:

السيّد محمّد سرور الواعظ الحسيني البهسودي


الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة إحياء آثار الإمام الخوئي قدّس سرّه
الطبعة: ٠
ISBN: 964-7336-20-9
الصفحات: ٦٣١

كلماتهم في حكمها ، وذكر الشيخ (١) قدس‌سره أنّ الحكم بعدم وجوب الاعادة ـ فيما لو علم بالنجاسة بعد إتمام الصلاة ـ يدل على عدم وجوب الاعادة فيما لو رآها في الأثناء بطريق أولى ، لأنّه لو لم تجب الاعادة مع وقوع جميع أجزاء الصلاة مع النجاسة ، فعدم وجوب الاعادة مع وقوع بعضها مع النجاسة أولى.

والتحقيق عدم صحة الاعتماد على الأولوية المذكورة ، لأنّ وجوب الاعادة حكم تعبدي لا يعلم ملاكه حتى يتمسك بالأولوية ، فلعلّه كانت خصوصية تقتضي عدم وجوب الاعادة فيما لو وقع جميع أجزاء الصلاة مع النجاسة وعلم بها بعد الصلاة ، وكانت تلك الخصوصية مفقودة فيما لو رآها في الأثناء ، بل التحقيق أنّ الصورة المذكورة وإن كانت غير مذكورة في صريح الرواية ، إلاّأ نّها تدل على حكمها وهو وجوب الاعادة دلالةً قويّةً ، لأنّ الإمام عليه‌السلام علل عدم وجوب الاعادة في الصورة الثانية وهي صورة رؤية النجاسة في الأثناء مع الشك في كونها قبل الصلاة ، باحتمال عروض النجاسة في الأثناء ، وقال عليه‌السلام : «لعلّه شيء اوقع عليك» فيدل على وجوب الاعادة مع العلم بكونها قبل الصلاة ، وكذا قوله عليه‌السلام بعد التعليل المذكور : «فليس ينبغي لك أن تنقض اليقين بالشك» فانّ ظاهره أنّ عدم وجوب الاعادة إنّما هو للشك في كونها قبل الصلاة ، فيدل على وجوب الاعادة مع العلم بكونها قبل الصلاة.

أمّا وجه الاستدلال ، فهو أنّ قوله عليه‌السلام : «فليس ينبغي لك أن تنقض اليقين بالشك» يدل على حجية الاستصحاب ، بل أوضح دلالةً من

__________________

(١) لاحظ فرائد الاصول ٢ : ٥٦٦.

٦١

الصحيحة الاولى لاشتماله على كلمة لا ينبغي ، والتصريح بالتعليل في قوله عليه‌السلام : «لأ نّك كنت على يقين من طهارتك» وهو صريح فيما ذكرناه (١) من أنّ التعليل بأمر إرتكازي ، وهذا بخلاف الصحيحة الاولى ، فانّه لم يصرح فيها بالتعليل ، غايته أنّ التعليل كان أظهر المحتملات.

ثمّ إنّ قوله عليه‌السلام : «فليس ينبغي لك أن تنقض اليقين بالشك» مذكور في موردين من الصحيحة : الأوّل بعد الجواب عن السؤال الثالث ، والثاني بعد الجواب عن السؤال الأخير.

أمّا المورد الثاني فلا إشكال في دلالته على حجية الاستصحاب.

وأمّا المورد الأوّل فقد استشكل في دلالته على حجية الاستصحاب بأنّ الإمام عليه‌السلام علل عدم وجوب الاعادة بعدم نقض اليقين بالشك ، مع أنّ الاعادة لو كانت واجبة لما كانت نقضاً لليقين بالشك بل نقضاً لليقين باليقين ، للعلم بوقوع الصلاة مع النجاسة ، فهذا التعليل لا ينطبق على المورد ، ولذا حمل الرواية بعضهم على قاعدة اليقين ، وذكر أنّ التمسك بها للاستصحاب غير ظاهر كما في الكفاية (٢).

وهذا الكلام بمكان من العجب من قائله ، لأنّ قاعدة اليقين قوامها بأمرين : الأوّل اليقين السابق والثاني الشك الساري بمعنى سريان الشك إلى ظرف المتيقن ، كما إذا علمنا يوم الجمعة بعدالة زيد يوم الخميس ، ثمّ شككنا في عدالته يوم الخميس لاحتمال كون علمنا السابق جهلاً مركباً ، وكلا الأمرين مفقود في المقام.

__________________

(١) في ص ٢١.

(٢) كفاية الاصول : ٣٩٣.

٦٢

أمّا الشك ففقدانه واضح ، لأنّ المفروض هو العلم بوقوع الصلاة مع النجاسة ، فليس هنا شك.

وأمّا اليقين فإن كان المراد منه اليقين بطهارة الثوب قبل عروض الظن بالنجاسة ، فهو باقٍ بحاله ولم يتبدل بالشك ، فانّ المكلف في فرض السؤال يعلم بطهارة ثوبه قبل عروض هذا الظن. وإن كان المراد هو اليقين بعد الظن المذكور ، بأن كان قد ظنّ بالنجاسة فنظر ولم يجدها فتيقن بالطهارة ، فهذا اليقين غير مذكور في الحديث الشريف ، ومجرد النظر وعدم الوجدان لا يدل على أنّه تيقن بالطهارة ، فالصحيحة أجنبية عن قاعدة اليقين وظاهرة في الاستصحاب ، غاية الأمر أنّه إن أمكننا التطبيق على المورد فهو ، وإلاّ فلا نفهم كيفية التطبيق على المورد ، وهو غير قادح في الاستدلال بها.

وقيل في وجه التطبيق كما في الكفاية : أنّ شرط الصلاة هو إحراز الطهارة لا الطهارة الواقعية ، ومقتضى إحراز الطهارة بالاستصحاب عدم وجوب الاعادة ولو انكشف بعد الصلاة وقوعها مع النجاسة (١).

وتحقيق المقام يقتضي التكلم في ترتب الثمرة على النزاع المعروف بينهم من أنّ الطهارة شرط في الصلاة ، أو أنّ النجاسة مانعة عنها ، فقال بعضهم بالأوّل وبعضهم بالثاني ، وبعضهم جمع بينهما فقال بشرطية الطهارة ومانعية النجاسة. أمّا القول الأخير فلا يمكن الالتزام به ، لما تقدّم في بحث اجتماع الأمر والنهي (٢) من أنّه يستحيل جعل الشيء شرطاً وضدّه مانعاً ولا سيما في ضدّين لا ثالث لهما ، فلا يمكن جعل الطمأنينة شرطاً والحركة مانعاً ، والقيام شرطاً والقعود

__________________

(١) كفاية الاصول : ٣٩٣ و ٣٩٤.

(٢) محاضرات في اصول الفقه ٤ : ٩ ـ ١٣.

٦٣

مانعاً وهكذا ، فيدور الأمر بين القولين الآخرين.

فنقول : لا إشكال في أنّ الغافل خارج عن محل الكلام على كلا التقديرين ، لعدم الاشكال في صحة صلاة الغافل عن نجاسة الثوب مثلاً على كلا القولين ، ولم نجد من استشكل في صحة صلاة الغافل من القائلين بشرطية الطهارة ، ولا من القائلين بمانعية النجاسة. ولا إشكال أيضاً في أنّ النجاسة الواقعية مع عدم إحرازها ليست مانعة عن الصلاة ، فمن صلّى مع القطع الوجداني بطهارة ثوبه أو مع الطهارة الظاهرية لأجل التعبد الشرعي بالأمارة كاخبار ذي اليد والبينة أو الاصول العملية كأصالة الطهارة والاستصحاب فانكشف بعد الصلاة وقوعها مع النجاسة ، لا إشكال في عدم وجوب الاعادة ، للنصوص الواردة في المقام ، ومن جملتها هذه الصحيحة ، ولم أجد من التزم بالاعادة في هذه الصور لا من القائلين بالشرطية ولا من القائلين بالمانعية.

فتلخص مما ذكرنا : أنّ المانع على القول بالمانعية هو النجاسة المحرزة لا النجاسة الواقعية ، وإلاّ تلزم الاعادة في الصور المذكورة ، ولم يلتزم بها القائلون بالمانعية. وعلى القول بالشرطية ليس الشرط هي الطهارة الواقعية ـ وإلاّ تلزم الاعادة في الصور المذكورة ـ ولا إحراز الطهارة ، فانّه من تيقن بنجاسة ثوبه وصلّى معه للاضطرار لبرد ونحوه ثمّ انكشفت بعد الصلاة طهارة ثوبه فلا إشكال في عدم وجوب الاعادة عليه ولو انكشف عدم تضرره بالبرد لو لم يلبس الثوب المذكور ، مع أنّه لم يحرز الطهارة حين الاتيان بالصلاة ، وكذالو لم يكن عنده إلاّثوب واحد متنجس فانّه محل الخلاف بينهم ، فالمشهور أنّه يجب عليه الاتيان بالصلاة عرياناً. وقالت جماعة منهم صاحب العروة (١) بوجوب

__________________

(١) العروة الوثقى ١ : ٨١ / فصل في الصلاة في النجس ، المسألة ٤ [٢٨٠].

٦٤

الصلاة مع الثوب المتنجس ، فعلى قول الجماعة لو صلّى مع الثوب ثمّ انكشفت طهارته ، لا إشكال في صحة صلاته حتى مع انكشاف عدم انحصار الثوب فيه ، مع أنّه لم يحرز الطهارة حين الاتيان بالصلاة ، بل الشرط هو الجامع الأعم من الطهارة الواقعية والظاهرية المحرزة بالقطع الوجداني أو بالأمارات والاصول ، فعلى القول بالشرطية الشرط هي الطهارة بالمعنى الأعم ، لا خصوص الطهارة الواقعية ولا خصوص الطهارة المحرزة على ما ذكره صاحب الكفاية وأطال الكلام في الاستشكال عليه والجواب عنه ، وعلى القول بالمانعية المانع هو خصوص النجاسة المحرزة ، فاذن لا ثمرة بين القولين ، لأنّ الغافل تصح صلاته مع النجاسة على القولين ، والملتفت إذا أحرز الطهارة بأحد الوجوه المتقدمة ثمّ انكشف وقوع الصلاة مع النجاسة ، تصح صلاته أيضاً على القولين ، والملتفت غير المحرز للطهارة ولو بالأصل تبطل صلاته مع انكشاف وقوعها مع النجاسة على القولين.

وربّما يتخيل ظهور الثمرة فيما لو علم إجمالاً بنجاسة أحد الثوبين فصلّى صلاتين في كل من الثوبين ثمّ انكشفت نجاسة كلا الثوبين ، فانّه على القول بشرطية الطهارة يلزم بطلان كلتا الصلاتين ، لوقوعهما مع النجاسة الواقعية مع عدم إحراز الطهارة ولو بالأصل ، لتساقط الأصل في الطرفين للمعارضة ، للعلم الاجمالي بنجاسة أحدهما. وكذا على القول بأنّ المانع هو النجاسة الواقعية. وأمّا على القول بأنّ المانع هو إحراز النجاسة ، فيحكم بصحة إحدى الصلاتين ، لعدم إحراز نجاسة كلا الثوبين قبل الصلاة.

والتحقيق عدم تمامية الثمرة المذكورة ، لما ذكرنا في بحث العلم الاجمالي (١) من

__________________

(١) راجع الجزء الثاني من هذا الكتاب ص ٤١٣.

٦٥

أنّ العلم الاجمالي مانع عن جريان الأصل في كل طرف بخصوصه لأجل المعارضة ، ولا مانع من جريان الأصل في أحد الطرفين أو الأطراف لا بقيد الخصوصية إذا كان له أثر عملي كما في المقام.

فنقول : بعد العلم بنجاسة أحد الثوبين مع احتمال نجاسة الآخر إنّ أحد الثوبين نجس قطعاً ، وأمّا الآخر فالأصل طهارته ، فيحكم بصحة إحدى الصلاتين في المثال.

وكذا لو علمنا ببطلان إحدى الظهرين بعد الفراغ منهما مع احتمال بطلان الاخرى ، فالعلم الاجمالي ببطلان إحداهما مانع من جريان قاعدة الفراغ في خصوص كل من الظهر والعصر ، ولا مانع من جريانها في إحداهما لا بعينها ، فنقول : إحداهما باطلة قطعاً وأمّا الاخرى فقاعدة الفراغ قاضية بصحتها ، فيحكم بصحة إحدى الصلاتين ، فيأتي بصلاةٍ واحدةٍ بلا تعيين أنّها الظهر أو العصر ، وكذا في غيرهما ممّا توافقت الصلاتان من حيث الركعة ، كما إذا أتى بقضاء صلاتين من الصبح مثلاً ثمّ علم إجمالاً ببطلان إحداهما مع احتمال بطلان الاخرى ، فلا مانع من جريان قاعدة الفراغ في إحداهما لا بعينها.

فاذن لا ثمرة بين القول بشرطية الطهارة والقول بمانعية النجاسة ، وإن كان الصحيح هو الأوّل ، نظراً إلى الاعتبار الشرعي المستفاد من قوله عليه‌السلام في صحيحة زرارة : «لا صلاة إلاّبطهور ويجزيك عن الاستنجاء ثلاثة أحجار ، بذلك جرت السنّة من رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله وأمّا البول فانّه لا بدّ من غسله» (١) فانّ المراد بالطهور ما يطهر به ، كما أنّ الوقود ما يوقد به ، فالمراد به

__________________

(١) الوسائل ١ : ٣١٥ / أبواب أحكام الخلوة ب ٩ ح ١.

٦٦

الماء والتراب ، كما ورد أنّ الماء أحد الطهورين (١) ، فتدل الصحيحة على اشتراط الصلاة بالطهارة من الخبث أيضاً ، لما في ذيلها من التفصيل بين موضع البول وموضع الغائط.

إذا عرفت ذلك فنقول : ذكر الشيخ (٢) قدس‌سره في وجه تطبيق التعليل في الصحيحة على المورد ، أنّه مبني على دلالة الأمر الظاهري على الإجزاء ، فعدم وجوب الاعادة للإجزاء المستفاد من الأمر الظاهري وهو حرمة نقض اليقين بالشك المعبّر عنها بالاستصحاب.

وأورد عليه في الكفاية (٣) بأنّ التعليل في الصحيحة إنّما هو بوجود الأمر الظاهري لا بدلالته على الإجزاء ، اللهمّ إلاّأن يقال إنّ دلالته على الإجزاء كان مفروغاً عنه بين الإمام عليه‌السلام والراوي ، فعلل عليه‌السلام عدم وجوب الاعادة بوجود الأمر الظاهري ، بل التعليل مبني على أنّ الشرط هو إحراز الطهارة ولو بالأصل ، لا خصوص الطهارة الواقعية.

وقال المحقق النائيني (٤) قدس‌سره : يصح تطبيق التعليل على المورد بكل من الوجهين ، أي الاجزاء ، وكون الشرط هو الأعم من الطهارة الواقعية والظاهرية.

أقول : كل ذلك لا يخلو من الاشكال ، لأنّ معنى دلالة الأمر الظاهري على الإجزاء ، هو كون الشرط أعم من الطهارة الواقعية والظاهرية والاختلاف

__________________

(١) الوسائل ٣ : ٣٨٨ / أبواب التيمم ب ٢٥ ح ٣ (باختلاف يسير).

(٢) [ذكر قدس‌سره ذلك بعنوان التخيُّل وردّه ، فرائد الاصول ٢ : ٥٦٦].

(٣) كفاية الاصول : ٣٩٥.

(٤) أجود التقريرات ٤ : ٤٠ ـ ٤٥ ، فوائد الاصول ٤ : ٣٤١ ـ ٣٥١.

٦٧

بينهما في مجرد التعبير ، وذلك لأنّ الاتيان بالمأمور به بالأمر الظاهري مقتضٍ للإجزاء عن الأمر ما دام الشك موجوداً بلا إشكال ، وأمّا بعد زوال الشك وكشف الخلاف فلا معنى للإجزاء عن الأمر الظاهري ، لأنّ الأمر الظاهري حينئذ منتفٍ بانتفاء موضوعه وهو الشك ، فليس هنا أمر ظاهري حتى نقول بالإجزاء عنه أو بعدمه ، فان قلنا بالإجزاء عن الأمر الواقعي فمعناه كون الشرط أعم من الطهارة الواقعية والظاهرية ، لأنّه لو كان الشرط هو الواقعي فقط ، لا يعقل الإجزاء عنه بشيء آخر ، فمن صلّى إلى جهة لقيام البيّنة على أنّها هي القبلة ، ثمّ انكشف بعد الصلاة كون القبلة في جهة اخرى ، فمعنى إجزاء هذه الصلاة ـ التي أتى بها إلى غير جهة القبلة عن الصلاة إلى جهة القبلة ـ كون الشرط هو الأعم من القبلة الواقعية والظاهرية الثابتة بالبيّنة ، لأنّه لا معنى للقول بأنّ الشرط هو القبلة الواقعية وتجزي عنها جهة اخرى.

فظهر أنّ إشكال صاحب الكفاية على الشيخ قدس‌سره والعدول عن الجواب بالإجزاء إلى الجواب بكون الشرط هو الأعم ، ليس على ما ينبغي ، وكذا ظهر عدم صحة ما ذكره المحقق النائيني من أنّ التعليل يصح على كلا الوجهين ، فانّه ليس هنا إلاّوجه واحد ذو تعبيرين.

وملخص الجواب عن الاشكال المذكور : أنّ التعليل المذكور ناظر إلى وجود الأمر الظاهري حال الصلاة لا ما بعد الصلاة ، بعد كون الإجزاء مفروغاً عنه عند الراوي ، فالتعليل ناظر إلى الصغرى بعد كون الكبرى مسلّمة من الخارج.

فحاصل التعليل ـ بعد سؤال الراوي عن علّة عدم وجوب الاعادة في هذه الصورة مع وجوب الاعادة في الصورتين السابقتين ـ أنّ المصلي في هذه الصورة محرز للطهارة الظاهرية حال الصلاة ، لكونه متيقناً بها فشك ، ولا يجوز

٦٨

نقض اليقين بالشك ، بخلاف الصورتين السابقتين للعلم التفصيلي بالنجاسة في إحداهما والاجمالي في الاخرى ، فتنجّز عليه التكليف ، ولم يستند إلى أمر ظاهري ، فتجب عليه الاعادة ، ودلالة الأمر الظاهري على الإجزاء في باب الطهارة مما لا إشكال فيه ولا خلاف ، فمراد الشيخ قدس‌سره من دلالة الأمر الظاهري على الإجزاء هي الدلالة في باب الطهارة لا مطلقاً ولا يرد عليه شيء.

فتحصّل من جميع ما ذكرنا في المقام : صحة الاستدلال بهذه الصحيحة أيضاً على حجية الاستصحاب ، ويجري فيها جميع ما ذكرنا في الصحيحة الاولى من عدم الفرق بين الشك في المقتضي والشك في الرافع ، وبيان الفرق بين الشبهات الحكمية والموضوعية وغيره مما تقدّم الكلام فيه.

ومن جملة ما استدلّ به على حجية الاستصحاب : صحيحة ثالثة لزرارة «وإذالم يدر في ثلاث هو أو أربع ، وقد أحرز الثلاث قام فأضاف إليها اخرى ، ولا شيء عليه ولا ينقض اليقين بالشك ، ولا يدخل الشك في اليقين ، ولا يخلط أحدهما بالآخر ، ولكنّه ينقض الشك باليقين ، ويتم على اليقين ، فيبني عليه ، ولا يعتد بالشك في حال من الحالات» (١).

والاستدلال بها مبني على كون المراد باليقين في قوله عليه‌السلام : «ولا ينقض اليقين بالشك» هو اليقين بعدم الاتيان بالركعة الرابعة ، فيكون المراد أنّه كان متيقناً بعدم الاتيان بها فشك ، ولا ينقض اليقين بالشك ، بل يبني على عدم الاتيان فيقوم ويضيف إليها ركعة اخرى.

__________________

(١) الوسائل ٨ : ٢١٦ و ٢١٧ / أبواب الخلل في الصلاة ب ١٠ ح ٣.

٦٩

وقد استشكل في الاستدلال بهذه الصحيحة باشكالين :

أحدهما : أنّها مختصة بالشك في عدد الركعات ، بل بخصوص الشك بين الثلاث والأربع ، لأنّ الضمائر في قوله عليه‌السلام : «قام فأضاف» وقوله عليه‌السلام : «لا ينقض اليقين بالشك» وغيرها مما هو مذكور إلى آخر الصحيحة ، راجعة إلى المصلي الذي لا يدري في ثلاث هو أو أربع ، ولا وجه للتعدي عن المورد إلى غيره ، إذ ليس فيها إطلاق أو عموم نتمسك به كعموم التعليل في الصحيحتين السابقتين.

وربّما يجاب عنه : بأن ذكر هذا اللفظ ـ أي لا ينقض اليقين بالشك ـ في روايات اخر واردة في غير الشك بين الثلاث والأربع يشهد بعدم اختصاص هذه الصحيحة بالشك بين الثلاث والأربع.

وفيه : أنّه إن تمّت دلالة الروايات الاخر على حجية الاستصحاب ، فهي المعتمد عليها دون هذه الصحيحة ، وإلاّ فكيف تكون قرينة على عدم اختصاص هذه الصحيحة بالشك بين الثلاث والأربع مع ظهورها في الاختصاص.

ويمكن القول بعدم اختصاص الصحيحة بالمورد ، لما في ذيلها من قوله عليه‌السلام : «ولا يعتد بالشك في حال من الحالات» فانّه قرينة على أنّ المراد أنّ الشك مما لا يجوز نقض اليقين به في حال من الحالات ، بلا اختصاص بشيء دون شيء.

ثانيهما : ما ذكره الشيخ (١) قدس‌سره وهو أنّه إن كان المراد من قوله عليه‌السلام : «قام فأضاف إليها اخرى» هي الركعة المنفصلة كما عليه مذهب

__________________

(١) فرائد الاصول ٢ : ٥٦٧ و ٥٦٨.

٧٠

الإمامية ، فليس المراد من اليقين هو اليقين بعدم الاتيان بالركعة الرابعة ، بل المراد منه اليقين بالبراءة بالبناء على الأكثر ، ثمّ الاتيان بركعة اخرى منفصلة ، فانّه حينئذ يتيقن ببراءة ذمته ، إذ على تقدير الاتيان بالثلاث تكون هذه الركعة متممة لها ، ولا تقدح زيادة التكبير والتشهد والتسليم ، وعلى تقدير الاتيان بالأربع تكون هذه الركعة نافلة ، بخلاف ما إذا بنى على الأقل وأضاف ركعة متصلة ، فانّه يحتمل حينئذ الاتيان بخمس ركعات ، أو بنى على الأكثر ولم يأت بركعة منفصلة ، لاحتمال النقصان فلا يقين له بالبراءة ، فقد علّمه الإمام عليه‌السلام طريق الاحتياط وتحصيل اليقين بالبراءة كا صرّح بهذا المعنى في رواية اخرى بقوله عليه‌السلام : «ألا اعلّمك شيئاً إذا صنعته ثمّ ذكرت أنّك نقصت أو أتممت لم يكن عليك شيء (١) ...» وقد اطلق اليقين على هذا المعنى ـ أي الاحتياط واليقين بالبراءة ـ في روايات اخر كما في قوله عليه‌السلام : «إذا شككت فابن على اليقين» (٢) وتكون الصحيحة على هذا المعنى دالةً على وجوب الاحتياط وأجنبية عن الاستصحاب.

وإن كان المراد هي الركعة المتصلة فلا بدّ من حمل الجملة على التقية ، لكون مفادها مخالفاً للمذهب وموافقاً للعامة ، وعليه فالمراد باليقين وإن كان هو اليقين بعدم الاتيان بالركعة الرابعة ، إلاّأ نّه لا يمكن الاستدلال بها على حجية الاستصحاب لورودها مورد التقية.

والالتزام بأنّ أصل القاعدة ـ وهي عدم جواز نقض اليقين بالشك ـ قاعدة واقعية ، وإنّما التقية في تطبيقها على المورد ـ أي الشك بين الثلاث والأربع في

__________________

(١) الوسائل ٨ : ٢١٣ / أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب ٨ ح ٣.

(٢) الوسائل ٨ : ٢١٢ / أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب ٨ ح ٢.

٧١

عدد الركعات ـ مخالف للأصل من جهة اخرى ، فانّ الأصل في التطبيق هو التطبيق الحقيقي ، لا التطبيق تقيةً ، فتلزم مخالفة الأصل من وجهين. هذا ملخص ما ذكره الشيخ قدس‌سره من الاشكال على الاستدلال بالصحيحة.

وأجاب عنه صاحب الكفاية (١) : بأنّ الصحيحة ساكتة عن كون الركعة الاخرى متصلة أو منفصلة ، بل تدل على عدم جواز نقض اليقين بالشك ، والبناء على الأقل ، والاتيان بركعة اخرى بلا قيد الاتصال أو الانفصال ، وأخذنا قيد الانفصال من روايات اخر دالّة على وجوب البناء على الأكثر والاتيان بالمشكوك فيها منفصلة ، فمقتضى الجمع بين الصحيحة وهذه الروايات هو تقييد الصحيحة بها والحكم بوجوب الاتيان بركعة اخرى منفصلة.

وذكر بعض الأعاظم (٢) أنّ الاستصحاب في الشك في عدد الركعات غير جارٍ في نفسه ، مع قطع النظر عن الأخبار الخاصة الدالة على وجوب الاحتياط ، وذلك لوجوب التشهد والتسليم في الركعة الرابعة ، وفي الشك بين الثلاث والأربع غاية ما يثبت بالاستصحاب عدم الاتيان بالركعة الرابعة ، وبعد الاتيان بركعة اخرى لا يمكن اثبات كونها هي الركعة الرابعة ليقع التشهد والتسليم فيها ، إلاّ على القول بالأصل المثبت ولا نقول به. ولعل هذا هو السر في إلغاء الفقهاء الاستصحاب في الشكوك الواقعة في عدد الركعات على ما هو المعروف بينهم ، انتهى.

هذه هي كلمات الأساطين في المقام ، وكلّها قابل للمناقشة.

أمّا الأخير وهو أنّ الاستصحاب في الشك في عدد الركعات قاصر في نفسه

__________________

(١) كفاية الاصول : ٣٩٦.

(٢) نهاية الأفكار ٤ : ٦٠.

٧٢

مع قطع النظر عن الأخبار الخاصة ، ففيه :

أوّلاً : أنّه ليس لنا دليل على وجوب وقوع التشهد والتسليم في الركعة الرابعة حتى نحتاج إلى إثبات كون هذه هي الركعة الرابعة ، غاية ما دلّ الدليل عليه هو الترتيب بين أفعال الصلاة بأن يقع الحمد بعد التكبير ، والسورة بعد الحمد ، والركوع بعد السورة ، والسجدة بعد الركوع ، والتشهد بعد السجدة الثانية من الركعة الرابعة مثلاً ، والتسليم بعد التشهد ، ومحصل هذا الترتيب وجوب الاتيان بالتشهد والتسليم بعد الركعة الرابعة مثلاً ، فاذا شك المكلف بين الثلاث والأربع وبنى على الثلاث للاستصحاب وأتى بركعة اخرى ، فهو متيقن بالاتيان بالركعة الرابعة فيجوز له الاتيان بالتشهد والتسليم ، غاية الأمر أنّه لا يدري أنّه أتى بالأربع فقط أو مع الزيادة ، وهو غير قادح في وقوع التشهد والتسليم بعد الركعة الرابعة وحصول الترتيب.

وثانياً : ـ على فرض تسليم أنّه يجب وقوع التشهد والتسليم في الركعة الرابعة ـ أنّه لا مانع من جريان الاستصحاب لولا الأخبار الخاصة ، فانّه بعد الاتيان بركعة اخرى ـ بمقتضى استصحاب عدم الاتيان بالرابعة ـ يتيقن بكونه في الركعة الرابعة ، غاية الأمر أنّه لا يدري أنّ الكون في الركعة الرابعة هو الآن أو قبل ثلاث دقائق مثلاً وخرج عنه فعلاً ، فيجري استصحاب عدم الخروج عن الكون في الركعة الرابعة ، ويترتب عليه وجوب التشهد والتسليم ، ولا يضر بالاستصحاب المذكور عدم العلم بخصوصية الكون كما في القسم الثاني من استصحاب الكلّي.

فتحصّل : أنّ المانع عن جريان الاستصحاب في الشك في عدد الركعات هي النصوص الخاصة الواردة في الشكوك الصحيحة ، ولولاها لجرى الاستصحاب كما عليه العامة. وأمّا في غير الشكوك الصحيحة كالشك بين الأربع والست

٧٣

مثلاً فالوجه في عدم جواز الرجوع إلى الاستصحاب هو صحيحة صفوان الدالة على وجوب الاعادة لمطلق الشك في عدد الركعات ، وهي قوله عليه‌السلام : «إن كنت لاتدري كم صلّيت ، ولم يقع وهمك على شيء فأعد الصلاة» (١) ونقيدها بغير الشكوك الصحيحة لأجل النصوص الخاصة ، وفي غيرها نحكم بالبطلان لأجل هذه الصحيحة ، ولولا الصحيحة والنصوص الخاصة لم يكن مانع عن الرجوع إلى الاستصحاب كما عليه العامة.

وأمّا ما ذكره صاحب الكفاية من أنّ الصحيحة ساكتة عن قيد الاتصال والانفصال فيقيّد إطلاقها بروايات اخر دالة على وجوب الاتيان بركعة منفصلة ، ففيه : أنّ مقتضى أدلة الاستصحاب هو البناء على اليقين السابق وعدم الاعتناء بالشك الطارئ ، وفرض وجوده بمنزلة العدم ، ولازم ذلك وجوب الاتيان بركعة اخرى متصلة ، فليس التنافي ـ بين الصحيحة على تقدير دلالتها على الاستصحاب وبين الروايات الاخر ـ بالاطلاق والتقييد حتى يجمع بينهما بتقييد الصحيحة بها ، بل بالتباين ، لدلالة الصحيحة على وجوب الاتيان بركعة اخرى متصلة ، والروايات الاخر على وجوب الاتيان بها منفصلة ، فالأخذ بالصحيحة يستلزم رفع اليد عن الروايات الاخر التي عليها اعتماد المذهب.

وأمّا ما ذكره الشيخ من الاشكال على الاستدلال بالصحيحة ، ففيه : أنّه لا تلزم من الاستدلال بها مخالفة المذهب ، وذلك لما مرّ آنفاً من أنّ معنى دلالة الأمر الظاهري على الإجزاء هو توسعة الواقع ، لعدم معقولية التحفظ على الواقع مع إجزاء شيء آخر عنه ، فمعنى إجزاء الصلاة الواقعة فيها زيادة التشهد

__________________

(١) الوسائل ٨ : ٢٢٥ و ٢٢٦ / أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب ١٥ ح ١.

٧٤

والتسليم عن الواقع هو توسعة الواقع ، بمعنى أنّ الواجب على المتيقن هو الصلاة بلا زيادة التشهد والتسليم ، وعلى الشاك بين الثلاث والأربع مثلاً ، هو الصلاة الواقعة فيها زيادة التشهد والتسليم ، لكن مع التقييد بعدم الاتيان بالركعة الرابعة في الواقع ، لأنّ المستفاد من الروايات أنّ وجوب الاتيان بالركعة المنفصلة على الشاك بين الثلاث والأربع مختص بما إذالم يأت بالرابعة في الواقع ، فمن شك بين الثلاث والأربع وبنى على الأربع وتشهّد وسلّم ، ثمّ لم يأت بالركعة المنفصلة نسياناً أو عمداً ، ثمّ انكشف أنّه أتى بالركعة الرابعة ، ليس عليه شيء ، فيكون الموضوع لوجوب الركعة المنفصلة المكلف المقيّد بأمرين : الأوّل : كونه شاكاً. الثاني : كونه غير آتٍ بالرابعة ، فاذا شك المكلف بين الثلاث والأربع ، فقد حصل أحد القيدين بالوجدان وهو الشك ، والقيد الآخر ـ وهو عدم الاتيان بالرابعة ـ يحرز بالاستصحاب ، لكونه متيقناً بعدم الاتيان وشك فيه ، فيحكم بوجوب الاتيان بالركعة المنفصلة.

فتلخّص مما ذكرنا : أنّ مقتضى الاستصحاب بملاحظة الأخبار الخاصة هو الاتيان بالركعة المنفصلة لا الاتيان بالركعة المتصلة حتى يكون العمل به مخالفاً للمذهب ، بل في نفس الصحيحة قرينة على أنّ المراد من قوله عليه‌السلام : «قام وأضاف إليها ركعة اخرى» هي الركعة المنفصلة ، وهي قوله عليه‌السلام في صدر الصحيحة لبيان حكم الشك بين الاثنين والأربع : «يركع ركعتين بفاتحة الكتاب» (١) ، فان تعيين الفاتحة يدل على كون المراد ركعتين منفصلتين ، وإلاّ كان مخيراً بين الفاتحة والتسبيحات ، بل لعل الأفضل الاتيان بالتسبيحات ، فيكون المراد من قوله عليه‌السلام : «قام وأضاف إليها ركعة اخرى» أيضاً

__________________

(١) الوسائل ٨ : ٢٢٠ / أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب ١١ ح ٣.

٧٥

هي الركعة المنفصلة ، لكون هذه الركعة في الشك بين الثلاث والأربع من سنخ الركعتين السابقتين في الشك بين الاثنين والأربع.

وفي الصحيحة قرينة اخرى على كون المراد هي الركعة المنفصلة ، وهي قوله عليه‌السلام : «ولا يدخل الشك في اليقين ، ولا يخلط أحدهما بالآخر» فان ظاهر عدم خلط الشك باليقين وبالعكس هو الاتيان بالركعة المشكوكة منفصلةً عن الركعات المتيقنة.

فتلخّص مما ذكرنا : صحة الاستدلال بالصحيحة ، غاية الأمر أنّ مقتضى الاستصحاب بملاحظة الأخبار الخاصة هو الاتيان بالركعة المشكوك فيها منفصلة.

وظهر بما ذكرنا صحة الاستدلال بموثقة [إسحاق بن] عمار عن أبي الحسن عليه‌السلام «قال عليه‌السلام : إذا شككت فابن على اليقين ، قلت : هذا أصل؟ قال عليه‌السلام : نعم» (١) فانّ المراد منها البناء على المتيقن والاتيان بالمشكوك فيها منفصلة لأجل الأخبار الخاصة بالبيان المتقدم ، ولا اختصاص لها بالشك في عدد الركعات ، بل قاعدة كلّية في باب الصلاة وغيرها مما شك فيه ، فليس المراد من اليقين هو اليقين بالبراءة بالبناء على الأكثر ، والاتيان بالمشكوك فيها منفصلة على ما ذكره الشيخ (٢) قدس‌سره فانّ الداعي إلى الحمل على هذا المعنى في الصحيحة كون الحمل على الأقل مخالفاً للمذهب. وبعد ما ذكرنا من عدم اختصاص الموثقة بالشك في عدد ركعات الصلاة لا وجه للحمل على هذا المعنى ، وفي نفس الموثقة ظهور في أنّ المراد من اليقين

__________________

(١) الوسائل ٨ : ٢١٢ / أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب ٨ ح ٢.

(٢) فرائد الاصول ٢ : ٥٦٨.

٧٦

هو اليقين الموجود ، لا تحصيل اليقين فيما بعد ، فانّ قوله عليه‌السلام : «فابن على اليقين» أمر بالبناء على اليقين الموجود ، لا أمر بتحصيل اليقين ، غاية الأمر أنّه في الشك في عدد الركعات بعد البناء على اليقين يجب الاتيان بالمشكوك فيها منفصلة للأخبار الخاصة ، ولا تنافي بينها وبين الاستصحاب على ما ذكرنا من التوجيه.

ومن جملة ما استدل به على حجية الاستصحاب : رواية الخصال عن أمير المؤمنين عليه‌السلام قال عليه‌السلام : «من كان على يقين فشك فليمض على يقينه ، فانّ الشك لا ينقض اليقين» (١) وفي نسخة اخرى «من كان على يقين فأصابه شك فليمض على يقينه ، فانّ اليقين لا يدفع بالشك» (٢).

واستشكل في دلالتها على حجية الاستصحاب : بأنّ صريحها سبق زمان اليقين على زمان الشك ، فهي دليل على قاعدة اليقين لاعتبار تقدم اليقين على الشك فيها ، بخلاف الاستصحاب فانّ المعتبر فيه كون المتيقن سابقاً على المشكوك فيه ، أمّا اليقين والشك فقد يكونان متقارنين في الحدوث ، بل قد يكون الشك سابقاً على اليقين على ما تقدّم (٣) في ضابطة الفرق بين القاعدة والاستصحاب.

وأجاب عنه صاحب الكفاية (٤) بما حاصله : أنّ اليقين طريق إلى المتيقن ، والمتداول في التعبير عن سبق المتيقن على المشكوك فيه هو التعبير بسبق اليقين

__________________

(١) الخصال : ٦١٩ ، الوسائل ١ : ٢٤٦ ـ ٢٤٧ / أبواب نواقض الوضوء ب ١ ح ٦.

(٢) هذا النص مروي في الإرشاد ١ : ٣٠٢ ، المستدرك ١ : ٢٢٨ / أبواب نواقض الوضوء ب ١ ح ٤.

(٣) في ص ٨ ـ ٩.

(٤) كفاية الاصول : ٣٩٧.

٧٧

على الشك ، لما بين اليقين والمتيقن من نحو من الاتحاد ، فالمراد هو سبق المتيقن على المشكوك فيه.

وذُكر في هامش الرسائل جواب آخر وربّما ينسب إلى المرحوم الميرزا الشيرازي الكبير (١) قدس‌سره وهو أنّ الزمان قيد في قاعدة اليقين وظرف في الاستصحاب ، وحيث إنّ الأصل في الزمان هو الظرفية فكونه قيداً يحتاج إلى الاثبات ، ولم يدل دليل على كون الزمان قيداً في المقام ، فالمتعيّن كونه ظرفاً ، فتكون الرواية دالة على حجية الاستصحاب دون قاعدة اليقين.

وفيه : ما تقدّم (٢) في ضابطة الفرق بين الاستصحاب وقاعدة اليقين ، وملخّصه : أنّ الزمان ليس قيداً في شيء منهما ، بل ظرف في كليهما ، والفرق بينهما أنّ متعلق الشك في الاستصحاب هو البقاء وفي قاعدة اليقين هو الحدوث ، وتقدّم تفصيل الكلام في الفرق بينهما في أوائل بحث الاستصحاب.

ويمكن أن يجاب عن الاشكال المذكور : بأن ظاهر قوله عليه‌السلام : «فليمض على يقينه» هو الاستصحاب لا قاعدة اليقين ، لكونه أمراً بالبناء على اليقين الموجود نظير ما مرّ في قوله عليه‌السلام : «فابن على اليقين» وليس في مورد القاعدة يقين فعلي حتى يؤمر بالبناء عليه ، بل كان يقين وقد زال بالشك الساري ، بل لم يعلم أنّه كان يقيناً لاحتمال كونه جهلاً مركباً ، ويعتبر في اليقين مطابقته للواقع بخلاف القطع ، غاية الأمر أنّه كان تخيل اليقين ولا يصحّ التعبير

__________________

(١) [هذا الجواب ذكر في بعض طبعات الرسائل في الحاشية واحتمل المحقق النائيني قدس‌سره على ما في أجود التقريرات انّها من العلاّمة الشيرازي قدس‌سره ، وفي الطبعات الاخرى ادرج في المتن كما في الطبعة المعتمدة ، فرائد الاصول ٢ : ٥٧٠].

(٢) في ص ٨ ـ ٩.

٧٨

عن التردد النفساني الموجود فعلاً باليقين ، لعدم صحة إطلاق الجوامد إلاّمع وجود المبدأ ، وإطلاق المشتق على المنقضي عنه المبدأ حقيقةً وإن كان محلاً للكلام ، إلاّأ نّه ليس في الرواية لفظ المتيقن حتى يقال إنّه شامل لمن كان متيقناً باعتبار المنقضي عنه المبدأ على أحد القولين في المشتق ، هذا.

ولكنّ الذي يسهّل الأمر أنّ الرواية ضعيفة غير قابلة للاستدلال بها ، لكون قاسم بن يحيى في سندها ، وعدم توثيق أهل الرجال إياه ، بل ضعّفه العلاّمة قدس‌سره ورواية الثقات عنه لا تدل على التوثيق على ما هو مذكور في محلّه (١).

ومن جملة ما استدل به للمقام : مكاتبة علي بن محمّد القاساني قال : «كتبت إليه وأنا بالمدينة عن اليوم الذي يشك فيه من رمضان ، هل يصام أم لا؟ فكتب عليه‌السلام اليقين لا يدخله الشك ، صم للرؤية وأفطر للرؤية» (٢). وتقريب الاستدلال بها أنّ الإمام عليه‌السلام حكم بأنّ اليقين بشيء لا ينقض بالشك ولا يزاحم به ، ثمّ فرّع على هذه الكبرى قوله عليه‌السلام : «صم للرؤية وأفطر للرؤية».

وذكر الشيخ (٣) قدس‌سره أنّ هذه الرواية أظهر ما في الباب من أخبار الاستصحاب.

واستشكل عليه في الكفاية (٤) بأنّ المراد من اليقين في هذه الرواية ليس هو

__________________

(١) معجم رجال الحديث ١٥ : ٦٧ / ٩٥٨٩ ، وقد استنتج هناك وثاقته.

(٢) الوسائل ١٠ : ٢٥٥ و ٢٥٦ / أبواب أحكام شهر رمضان ب ٣ ح ١٣.

(٣) فرائد الاصول ٢ : ٥٧٠.

(٤) كفاية الاصول : ٣٩٧.

٧٩

اليقين السابق ، بل المراد هو اليقين بدخول شهر رمضان وأ نّه لا يجب الصوم إلاّ مع اليقين ، ولا يدخل المشكوك فيه في المتيقن ، كما ورد في عدّة من الروايات أنّه لا يصام يوم الشك بعنوان أنّه من رمضان ، وأنّ الصوم فريضة لا بدّ فيها من اليقين ، ولا يدخلها الشك.

وذكر المحقق النائيني (١) قدس‌سره تأييداً لصاحب الكفاية أنّ قوله عليه‌السلام : «اليقين لا يدخله الشك» ظاهر في عدم دخول اليوم المشكوك كونه من رمضان فيه ، وحمله على الاستصحاب ، بدعوى أنّ المراد منه أنّ اليقين لا ينقض بالشك ، بعيد لغرابة هذا الاستعمال.

والتحقيق هو ما ذكره الشيخ قدس‌سره من ظهور الرواية في الاستصحاب ، لأ نّه لو كان المراد عدم إدخال اليوم المشكوك فيه في رمضان ، لما كان التفريع بالنسبة إلى قوله عليه‌السلام : «وأفطر للرؤية» صحيحاً ، فانّ صوم يوم الشك في آخر شهر رمضان واجب ، لقوله عليه‌السلام : «وأفطر للرؤية» مع أنّه يوم مشكوك في كونه من رمضان ، فكيف يصح تفريع قوله عليه‌السلام : «وأفطر للرؤية» الدال على وجوب صوم يوم الشك في آخر شهر رمضان على قوله عليه‌السلام : «اليقين لا يدخله الشك» بناءً على أنّ المراد منه عدم دخول اليوم المشكوك فيه في رمضان.

فالصحيح أنّ المراد من قوله عليه‌السلام : «اليقين لا يدخله الشك» أنّ اليقين لا ينقض بالشك فلا يجب الصوم في يوم الشك في آخر شعبان ، ويجب الصوم في يوم الشك في آخر شهر رمضان ، لليقين بعدم وجوب الصوم في الأوّل

__________________

(١) أجود التقريرات ٤ : ٥٧ ، فوائد الاصول ٤ : ٣٦٦.

٨٠