معجم المصطلحات البلاغيّة وتطوّرها

الدكتور أحمد مطلوب

معجم المصطلحات البلاغيّة وتطوّرها

المؤلف:

الدكتور أحمد مطلوب


الموضوع : اللغة والبلاغة
الناشر: مكتبة لبنان ناشرون
الطبعة: ٠
الصفحات: ٧٠٥

إعجاز القرآن الكريم فقد ذهب بعضهم الى أنّ القرآن معجز بنظمه العجيب. وكان ابن المقفّع قد أشار الى نظم الكلام وأنّ الناظم كصاحب الفصوص وجد ياقوتا وزبر جدا ومرجانا فنظمه قلائد وسموطا وأكاليل ووضع كل فصّ موضعه وجمع الى كل لون شبهه مما يزيده بذلك حسنا فسمّي بذلك صائغا رقيقا (١).

وتحدّث الجاحظ عن النظم وسمّى أحد كتبه «نظم القرآن» وذهب الى أنّ كتاب الله معجز بنظمه البديع «الذي لا يقدر على مثله العباد» (٢). وتطوّرت الفكرة عند أبي سعيد السيرافي الذي قال : «معاني النحو منقسمة بين حركات اللفظ وسكناته وبين وضع الحروف في مواضعها المقتضبة لها وبين تأليف الكلام بالتقديم والتأخير وتوخّي الصواب في ذلك وتجنّب الخطأ في ذلك وإن زاغ شيء عن النعت فإنه لا يخلو أن يكون سائغا بالاستعمال النادر والتأويل البعيد أو مردودا لخروجه عن عادة القوم الجارية على فطرتهم» (٣).

وأطال علماء الإعجاز في هذه المسألة وقال الباقلّاني : «فأما شأو نظم القرآن فليس له مثال يحتذى عليه ولا إمام يقتدى به ولا يصح وقوع مثله اتفاقا كما يتفق للشاعر البيت النادر والكلمة الشاردة والمعنى الفذ الغريب والشيء القليل العجيب» (٤).

وقال : «ليس الإعجاز في نفس الحروف وإنّما هو في نظمها وإحكام رصفها وكونها على وزن ما أتى به النبي ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ وليس نظمها أكثر من وجودها متقدّمة ومتأخرة ومترتّبة في الوجود ، وليس لها نظم سواها» (٥).

وكان القاضي عبد الجبّار أكثر وضوحا حينما رأى أنّ الفصاحة والبلاغة تقومان على ضمّ الكلمات وتقارنها (٦). وتلقّف عبد القاهر ما كان من مسائل النظم وخطا خطوة واسعة ووضع أصول نظرية النظم التي جمدت بعد ذلك في مباحث علم المعاني عند السّكّاكي والقزويني وشرّاح التلخيص.

وليس النظم عند عبد القاهر سوى تعليق الكلم بعضها ببعض وجعل بعضها بسبب من بعض (٧).

وليس النظم سوى حكم من النحو نتوخّاه ، أي أنّه معاني النحو قال : «واعلم أن ليس النظم إلا أن تضع كلامك الوضع الذي يقتضيه علم النحو وتعمل على قوانينه وأصوله وتعرف مناهجه التي نهجت فلا تزيغ عنها وتحفظ الرسوم التي رسمت فلا تخلّ بشيء منها.

وذلك أنّا لا نعلم شيئا يبتغيه الناظم بنظمه غير أن ينظر في وجوه كل باب وفروقه» (٨).

والفرق بين الأساليب ليس فرقا في الحركات وما يطرأ على الكلمات وإنما في معاني العبارات التي يحدثها ذلك الوضع والنظم الدقيق ، ولذلك فليست العمدة في معرفة قواعد النحو وحدها ولكن فيما تؤدّي اليه هذه القواعد والأصول ، أي أنّ الهدف منها الدلالة على المعنى. وقد كان النحو عند عبد القاهر واسعا أخذ به البلاغيون وبنوا عليه علم المعاني ، وفرق كبير بين توخّي معاني النحو والخروج عليها فالفرزدق أفسد عبارته حينما قال :

وما مثله في الناس إلا مملّكا

أبو أمه حيّ أبوه يقاربه

والبحتري جاء بنظم بديع حينما قال :

بلونا ضرائب من قد نرى

فما إن رأينا لفتح ضريبا

__________________

(١) الادب الصغير ـ آثار ابن المقفع ص ٣١٩ ، رسائل البلغاء ص ٥ ـ ٦.

(٢) الحيوان ج ٤ ص ٩٠.

(٣) الإمتاع والمؤانسة ج ١ ص ١٠٧.

(٤) اعجاز القرآن ص ١٦٩.

(٥) كتاب التمهيد ص ١٥١.

(٦) المغني ج ١٦ ص ١٩٩. وما بعدها.

(٧) دلائل الاعجاز ص (ص).

(٨) دلائل الاعجاز ص ٦٤.

٦٦١

هو المرء أبدت له الحادثا

ت عزما وشيكا ورأيا صليبا

تنقّل في خلقي سؤدد

سماحا مرجّى وبأسا مهيبا

فكالسيف إن جئته صارخا

وكالبحر إن جئته مستشيبا

ولم تحسن هذه الأبيات إلّا لأنّ الشاعر عرف كيف يصوغ الكلمات في عبارات جميلة ويضع كل كلمة الى لفقها ويربط بين الالفاظ ربطا بديعا ، وليس كذلك الفرزدق الذي قدّم وأخر فأفسد المعنى وعقّد التركيب.

ومن النظم ما يتّحد في الوضع ويدقّ فيه الصنع وذلك أن تتّخذ أجزاء الكلام ويدخل بعضها في بعض ويشتد ارتباط ثان بأوّل ، وأن يحتاج في الجملة الى أن توضع في النفس وضعا واحدا وأن يكون الحال فيها حال الباني يضع بيمينه ههنا في حال ما يضع بيساره هناك. ومنه ما لا يحتاج الى فكر وروية لكي ينتظم بل سبيله في ضمّ بعضه الى بعض سبيل من عمد الى لآل فخرطها في سلك لا يبغي أكثر من أن يمنعها التفرق وكمن نضد أشياء بعضها الى بعض لا يريد في نضده ذلك أن تجيء له منه هيئة أو صورة بل ليس إلّا أن تكون مجموعة في رأي العين ، وذلك إذا كان المعنى لا يحتاج أن يصنع فيه شيء غير عطف لفظ على مثله.

ولا بدّ أن يتغيّر المعنى إذا تغيّر النظم وفي ذلك مجال رحب يجول فيه المنشئون.

لقد وضّح عبد القاهر أصول «علم المعاني» في كتابه «دلائل الإعجاز» وسمّاه «النظم» أو «معاني النحو» وليست معاني النحو إلّا علم المعاني الذي عرّفه السّكّاكي بقوله : «هو تتبع خواصّ تراكيب الكلام في الإفادة وما يتّصل بها من الاستحسان وغيره ليحتزر بالوقوف عليها عن الخطأ في تطبيق الكلام على ما يقتضي الحال ذكره» (١). ولكنّ السّكاكي ومن جاء بعده لم يستطع أن يحلّق كما حلّق عبد القاهر في شرح النظم وإبرازها مع أنّ الموضوعات التي عولجت في الفنين واحدة وهي ما يتّصل بالجملة أو الجملتين من أساليب الخبر والانشاء ، والتقديم والتأخير ، والحذف والذّكر ، والقصر وخلافه ، والفصل والوصل ، والإيجاز الإطناب والمساواة. وقد تقدّم الكلام على ذلك في «المعاني».

النّفي :

تحدّث ابن منقذ عن النفي وقال : «إنّ النفي قد كثر في أشعار العرب المحدثين» (٢) كقول عديّ :

وما مخدر ورد يرشح شبله

بخفان قد أحمى جميع الموارد

كأنّ دماء الهاديات بنحره

صبيب ملاءات خضيب مجاسد

بأمنع منه موئلا حين تلقه

إذا الحرب أبدت عن خدام الخرائد (٣)

ومن ذلك قول الشاعر :

وما هاج هذا الشوق إلا حمامة

دعت ساق حرّ ترحة وترنما

مطوّقة خطباء تصدح كلما

دنا الصيف وانجاب الربيع فأنجما

عجبت لها أنّى يكون غناؤها

فصيحا ولم تفغر بمنطقها فما

__________________

(١) مفتاح العلوم ص ٧٧.

(٢) البديع في نقد الشعر ص ١٢٣ ، وينظر كفاية الطالب ص ١٨٤.

(٣) المخدر : الأسد. الورد : الجريء. خفان : مأسدة قرب الكوفة. الهاديات من الابل : أول رعيل يطفح منها. ثوب مجسد : مصبوغ بالزعفران.

خدام : جمع خدمة وهي الخلخال.

٦٦٢

فلم أر مثلي شاقه صوت مثلها

ولا عربيا شاقه صوت أعجما (١)

وقول الآخر :

وما روضة بالحزن طيبة الثرى

يمجّ النّدى جثجاثها وعرارها

لها أرج بين البلاد كأنما

تلقّى بها عطّارها وتجارها

بأطيب من فيها إذا جئت طارقا

وقد أوقدت بالمندل الرطب نارها (٢)

نفي الشّيء بإيجابه :

ويسمّى «نفي الشيء بنفي لازمه» قال ابن رشيق : «وهذا الباب من المبالغة وليس بها مختصّا إلا أنّه من محاسن الكلام فاذا تأمّلته وجدت باطنه نفيا وظاهره ايجابا» (٣).

وقال المصري : «هو أن يثبت المتكلّم شيئا في ظاهر كلامه وينفي ما هو من سببه مجازا ، والمنفي في باطن الكلام حقيقة هو الذي أثبته» (٤). ونقل الحلبي والنّويري والحموي هذا التعريف (٥). وقال السّيوطي : «هذا النوع يورده المنطقيون في كتبهم ويعبّرون عنه بعبارة على اصطلاحهم ويمثّلون له بقولهم : «ما في الدار زيد» ويقصدون عدم وجود زيد في الدنيا أصلا فاذا وقع لأرباب الحديث والسّنّة مثل هذا فانّهم يتحاشون عن التعبير عنه باصطلاح المناطقة وقد وسع الله لهم في العبارة فليوردوه على اصطلاح أهل البديع» (٦).

فللبلاغيين في تفسير هذا النوع عبارتان :

الأولى : ما فسّره به ابن رشيق في العمدة وهو أن يكون الكلام ظاهره إيجاب الشيء وباطنه نفيه.

الثانية : ما فسّره به غيره وهو أن ينفى الشيء مقيّدا والمراد نفيه مطلقا مبالغة في النفي وتأكيدا له (٧).

ومن أمثلة ابن رشيق قول امرىء القيس :

على لا حب لا يهتدى بمناره

إذا سافه العود النّباطيّ جرجرا (٨)

فقوله : «لا يهتدى بمناره» لم يرد أنّ له منارا لا يهتدى به ولكن أراد أنّه لا منار له فيهتدى بذلك المنار.

ومن أمثلة المصري قوله تعالى : (لا يَسْئَلُونَ النَّاسَ إِلْحافاً)(٩) فان ظاهره نفي الإلحاف في المسألة لا نفي المسألة ، والباطن نفي المسألة بتاتا. ومنه بيت امرىء القيس : «على لا حب ...»

وقال المصري : «ومن هذا الباب قسم يوجب فيه المتكلّم لنفسه شيئا وينفيه بعينه عن غيره أو ينفي عن موصوف ما صفة يوجبها لموصوف آخر» (١٠) كقول السموأل :

وننكر إن شئنا على الناس قولهم

ولا ينكرون القول حين نقول

وقول الآخر :

__________________

(١) سباق حر : ذكر القماري. الخطبة ـ بالضم ـ لون كدر مشرب حمرة في صفرة.

(٢) الجثجاث : ريحانة طيبة الريح برية. العرار : نوع من النبات البري له رائحة طيبة. المندل : العود ، أو أجوده.

(٣) العمدة ج ٢ ص ٨٠.

(٤) تحرير التحبير ص ٣٧٧ ، بديع القرآن ص ١٥٢ ، كفاية الطالب ص ١٩٥.

(٥) حسن التوسل ص ٢٩٤ ، نهاية الارب ج ٧ ص ١٦٣ ، خزانة الادب ص ٢٣٣ ، نفحات ص ٢٧٥ ، شرح الكافية ص ١٥٨.

(٦) شرح عقود الجمان ص ١٣٤ ، الاتقان ج ٢ ص ٧٧.

(٧) أنوار الربيع ج ٤ ص ٣٦٤.

(٨) اذا سافه العود : اذا شمه المسن من الابل صوت ورغا. النباطي : منوب الى النبط. جرجر :صوت.

(٩) البقرة ٢٧٣.

(١٠) تحرير التحبير ص ٣٧٨.

٦٦٣

هضيم الحشا لا يملأ الكفّ خصرها

ويملأ منها كلّ حجل ودملج

نفي العامّ :

قال التنّوخي : «ومن البيان أنّ نفي العامّ يستلزم نفي الخاصّ وإثبات الخاصّ يستلزم إثبات العامّ فيذكر المستلزم وهو أن يؤتى في النفي بالأعمّ وفي الإثبات بالأخصّ» (١). ومن ذلك قوله تعالى في قصة نوح ـ عليه‌السلام ـ (قالَ الْمَلَأُ مِنْ قَوْمِهِ إِنَّا لَنَراكَ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ. قالَ يا قَوْمِ لَيْسَ بِي ضَلالَةٌ)(٢). ولم يقل : «ليس بي ضلال» لأنّ نفي الضلالة يستلزم نفي الضلال وهو أبلغ من عكسه ، ولا يرد عليه بعض ضلالة إذ بعض الضلالة ضلالة وعكس ذلك يكون في الاثبات. ومن ذلك قوله تعالى : (قُلْ إِنَّما أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يُوحى إِلَيَّ أَنَّما إِلهُكُمْ إِلهٌ واحِدٌ فَمَنْ كانَ يَرْجُوا لِقاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلاً صالِحاً وَلا يُشْرِكْ بِعِبادَةِ رَبِّهِ أَحَداً)(٣). أمر بالعمل الصالح من كان يؤمن بالله وهو جزئي ونهاه أن يشرك به أحدا فاستعمل العامّ بعد النهي ، والأمر إثبات والنهي نفي.

نفي الموضوع :

قال السّيوطي : «هذا النوع أيضا من مخترعاتي وسمّيته نفي الموضوع وهو كثير في الحديث وكلام البلغاء بأن يكون اللفظ موضوعا لمعنى فيصرّح بنفيه عنه ويثبته لغيره مبالغة في ادّعاء ذلك الحكم» (٤).

كقوله ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ : «ليس الشديد بالصرعة إنّما الشديد الذي يملك نفسه عند الغضب» ، وقوله : «ليس الغنى عن كثرة المال ولكن الغنى غنى النفس». وقول الشاعر :

ليس من مات فاستراح بميت

إنّما الميت ميّت الأحياء

النّفي والجحود :

النفي والجحود هو تأكيد المدح بما يشبه الذّمّ أو المدح في معرض الذّمّ ، وقد تقدّم. قال المدني : «هذا النوع من مستخرجات ابن المعتزّ وسمّاه قوم تأكيد المدح بما يشبه الذم وآخرون النفي والجحود» (٥).

وأطلقه بعضهم على أحد قسمي التفريع وهو أن يتفرّع من الكلام معنى واحد من أصل واحد إما في بيت أو ابيات وإما في جملة من الكلام أو جمل ، وهو أن يصدّر الشاعر أو المتكلّم كلامه باسم منفي بـ «ما» خاصة ثم يصف الاسم المنفي بمعظم أوصافة اللائقة به إما في الحسن أو القبح ثم يجعله أصلا يفرع منه معنى في جملة من جار ومجرور متعلقة به تعلق مدح أو هجاء أو فخر أو نسيب أو غير ذلك يفهم من مساواة المذكور بالاسم المنفي الموصوف» (٦). كقول الأعشى :

وما روضة من رياض الحزن معشبة

غنّاء جاد عليها مسبل هطل

يضاحك الشّمس منها كوكب شرق

مؤزّر بعميم النّبت مكتهل

يوما بأطيب منها طيب رائحة

ولا بأحسن منها إذ دنا الأصل (٧)

قال المصري : «وقد سمّى بعض المتأخرين هذا القسم من التفريع النفي والجحود لتقدم حرف النفي على جملته وأكثر ما يقع الأصل في بيت والتفريع منه في بيت آخر إما قريبا منه وإما بعيدا عنه. وقد يقع منه ما يكون الأصل والفرع معا في

__________________

(١) الأقصى القريب ص ٧٧.

(٢) الأعراف ٦٠ ـ ٦١.

(٣) الكهف ١١٠.

(٤) شرح عقود الجمان ص ١٤١.

(٥) أنوار الربيع ج ٦ ص ٢٧.

(٦) تحرير التحبير ص ٣٧٢ ـ ٣٧٣.

(٧) العميم من النبت : التام منه. المكتهل من النبت : المتناهي. الأصل : جمع أصيل ، وهو وقت ما قبل الغروب.

٦٦٤

بيت واحد» (١) كقول أبي تمام :

ما ربع ميّة معمورا يطيف به

غيلان أبهى ربى من ربعها الخرب

ولا الخدود وإن أدمين من خجل

أشهى الى ناظري من خدّها الترب

والنفي والجحود بهذا المعنى تكلم عليه ابن منقذ في باب «النفي» وقد تقدم.

النقل :

النقل تحويل الشيء من موضع الى موضع ، نقله ينقله نقلا فانتقل (٢). تحدث الحاتمي عن نقل المعنى الى غيره وقال : «هذا باب ينقل فيه المعنى عن وجهه الذي وجّه له ، واللفظ عن طريقه الذي سلك به فيها الى غيره. وذلك صنعة راضة الكلام وصاغة المعاني وحذّاق السراق إخفاء للسرق والاحتذاء وتورية عن الاتباع والاقتفاء ... وأكثر ما يطوع النقل في المعاني خاصة للمحدثين لأنّهم فتحوا من نوادر الكلام ما كان هامدا وأيقظوا من عيونه ما كان راقدا وأجروا من معينه ما كان راكدا وأضحكوا من مباسمه ما كان قاطبا وحلوا من أجياده ما كان عاطلا» (٣).

ومن ذلك قول امرىء القيس في صفة الثقة بالفرس :

إذا ما ركبنا قال ولدان أهلنا

تعالوا الى أن يأتي الصّيد نخطب

نقل ابن مقبل هذا المعنى الى صفة القدح فقال :

إذا استخبرته من معّد عصابة

غدا ربّه قبل المفيضين يقدح

وقال ابن منقذ : «هو أن ينقل الشاعر معنى الى معنى غيره ، وهو كما قال أبو العلاء في تفسير شعر المتنبي :

ولخطّه في كلّ قلب شهوة

حتى كأنّ مداده الأهواء

هذا يسميه أهل النقد «النقل» لأنّه ثقله من قول البحتري في الخمر :

أفرغت في الزجاج من كل قلب

فهي محبوبة الى كلّ نفس

ومنه قول البحتري أيضا :

ولو انّ مشتاقا تكلّف غير ما

في وسعه لمشى إليك المنبر

منقول من قول الآخر :

ولهنّ بالبيت العتيق لبانة

والبيت يعرفهنّ لو يتكلّم

لو كان حيّا قبلكن ظعائنا

حيّا الحطيم وجوههنّ وزمزم

لكنّه نقله من النسب الى المدح (٤).

وأدخله القزويني في الأخذ الخفي وقال : «ومنه النقل وهو أن ينقل معنى الأول الى غير محله» (٥).

نقل الجزل الى الجزل :

هو أن ينقل الشاعر أو الناثر المعنى الجزل الى جزل مثله ، كقول أبي نواس :

بحّ صوت المال مما

منك يدعو ويصيح

ما لهذا آخذ

فوق يديه أم نصيح

أخذه مسلم بن الوليد فنقله الى بناء أحسن منه فقال :تظلّم المال والأعداء من يده

__________________

(١) تحرير التحبير ص ٣٧٣.

(٢) اللسان (نقل).

(٣) حلية المحاضرة ج ٢ ص ٨٢.

(٤) البديع في نقد الشعر ص ٢٠٥.

(٥) الايضاح ص ٤١٣ ، التلخيص ص ٤١٨ ، شروح التلخيص ج ٤ ص ٤٩٩ ، المطول ص ٤٦٨ ، الاطول ج ٢ ص ٢٤٧ ، وينظر الروض المريع ص ١٦٣.

٦٦٥

لا زال للمال والأعداء ظلّاما

وقول أبي العتاهية :

كأنها من حسنها درّة

أخرجها الموج الى الساحل

أخذه بشار فزاد وأحسن فقال :

كأنّما أفرغت في جوف لؤلؤة

فكلّ ناحية من وجهها قمر (١)

نقل الجزل الى الرذل :

هو أن ينقل الشاعر المعنى الجزل أقل منه جزالة وبناءا ، كقول امرئ القيس :

ألم ترياني كلّما جئت طارقا

وجدت بها طيبا وإن لم تطيّب

أخذه كثيّر فقال :

فما روضة بالحزن طيبة الثرى

يمجّ الندى جثجاثها وعرارها

بأطيب من أردان عزّة موهنا

وقد أوقدت بالمندل الرّطب نارها (٢)

فطوّل في اللفظ وقصّر في المعنى (٣).

نقل الرذل الى الجزل :

هو نقل المعنى الرذل الى بناء جيد جزل كقول بشار :

يا طفلة السنّ يا صغيرتها

أصبحت إحدى المصائب الكبر

أخذه غيره فقال :

وصغيرة علّقتها

كانت من الفتن الكبار

كالبدر إلا أنّها

تبقى على ضوء النهار (٤)

نقل الطويل الى القصير :

قال ابن منقذ : «ومنه السرقات المحمودة والمذمومة ، قال ابن وكيع التنيسي : السرقات المحمودة عشر أولها استيفاء اللفظ الطويل في المعنى القصير» (٥) كقول بشار :

من راقب الناس لم يظفر بحاجته

وفاز بالطيبات الفاتك اللهج

اختصره سلم الخاسر فقال :

من راقب الناس مات غمّا

وفاز باللّذّة الجسور

ولأبي تمام في صفة قصيدة :

يودّ ودادا أنّ أعضاء جسمه

إذا أنشدت شوقا اليها مسامع

قصّره كشاجم ونقله الى أبيات في صفة قينة فقال :

جاءت بوجه كأنّه قمر

على قوام كأنّه غصن

حتى إذا ما استقرّ مجلسنا

وصار في حجرها لها وثن

غنّت فلم تبق فيّ جارحة

إلا تمنيت أنّها أذن

واختصره آخر فقال :

لي حبيب خياله نصب عيني

سرّه في ضمائري مكنون

إن تذكّرته فكلّي قلوب

__________________

(١) البديع في نقد الشعر ص ١٨٧.

(٢) الجثجاث والعرار : نوعان من النبت طيب الرائحة. المندل : العود الطيب الرائحة أو أجوده.

(٣) البديع في نقد الشعر ص ١٨٩ ، وينظر المنصف ص ٢٨.

(٤) البديع في نقد الشعر ص ١٨٦ ، وينظر المنصف ص ١٢.

(٥) البديع في نقد الشعر ص ١٨٣.

٦٦٦

أو تأملته فكلّي عيون

نقل القصير الى الطويل :

قال ابن منقذ : «ومنه نقل اللفظ اليسير الى الكثير» (١) كقول مسلم بن الوليد :

أقبلن في رأد الضّحى زمرا

يسترن وجه الشمس بالشّمس

أخذه الآخر فطوّله وقال :

وإذا الغزالة في السّماء تعرّضت

وبدا النّهار لوقته يترجّل

أبدت لوجه الشمس شمسا مثله

يلقى السماء بمثل ما يستقبل

وقال أبي نواس :

لا تسدينّ اليّ عارفة

حتى أقوم بشكر ما سلفا

أخذه دعبل الخزاعي فقال :

تركتك لم أتركك من كفر نعمة

وهل يرتجى نيل الزيادة بالكفر

ولكنّني لمّا رأيتك راغبا

وأسرفت في برّي عجزت عن الشكر

النهي :

النهي خلاف الأمر ، نهاه نهيا فانتهى وتناهى : كفّ (٢) النهي طلب الكف عن الفعل على وجه الاستعلاء والالزام ، وهو أحد أقسام الانشاء الطلبي.

ويتفق مع الامر في أنّ كل واحد منهما لا بدّ فيه من اعتبار الاستعلاء ، وأنّهما يتعلقان بالغير فلا يمكن أن يكون الانسان آمرا لنفسه أو ناهيا لها ، وانهما لا بدّ من اعتبار حال فاعلهما في كونه مريدا لهما.

ويختلفان في أنّ كل واحد منهما مختص بصيغة تخالف الآخر ، وأنّ الامر دالّ على الطلب ، والنهي دال على المنع ، وأنّ الأمر لا بدّ فيه من إرادة مأموره ، وأنّ النهي لا بدّ فيه من كراهية منهيّه (٣).

وللنهي صيغة واحدة هي المضارع المقرون بـ «لا» الناهية الجازمة كقوله تعالى : (وَلا تَجَسَّسُوا وَلا يَغْتَبْ بَعْضُكُمْ بَعْضاً)(٤).

وقد تخرج هذه الصيغة الى معان مجازية كثيرة منها : الدعاء ويكون صادرا من الأدنى الى الأعلى كقوله تعالى على لسان من يريد الدعاء : (رَبَّنا لا تُؤاخِذْنا إِنْ نَسِينا أَوْ أَخْطَأْنا ، رَبَّنا وَلا تَحْمِلْ عَلَيْنا إِصْراً)(٥). وقول كعب بن زهير :

لا تأخذنّي بأقوال الوشاة ولم

أذنب ولو كثرت فيّ الأقاويل

والالتماس ، ويكون صادرا من أخ الى أخيه أو صديق الى صديق كقوله تعالى على لسان هارون يخاطب أخاه موسى : (قالَ يَا بْنَ أُمَّ لا تَأْخُذْ بِلِحْيَتِي وَلا بِرَأْسِي)(٦). وقول أبي العلاء :

لا تطويا السرّ عني يوم نائبة

فإنّ ذلك ذنب غير مغتفر

والتمني ويكون النهي موجها الى ما لا يعقل كقول الخنساء :

أعينيّ جودا ولا تجمدا

ألا تبكيان لصخر الندى

والنصح كقوله تعالى : (وَلا يَأْبَ كاتِبٌ أَنْ يَكْتُبَ كَما عَلَّمَهُ اللهُ)(٧) ، وقول الشاعر :

لا تحلفنّ على صدق ولا كذب

__________________

(١) البديع في نقد الشعر ص ١٨٥ ، وينظر المنصف ص ٢٧.

(٢) اللسان (نهى).

(٣) الطراز ج ٣ ص ٢٨٥.

(٤) الحجرات ١٢.

(٥) البقرة ٢٨٦.

(٦) طه ٩٤.

(٧) البقرة ٢٨٢.

٦٦٧

فما يفيدك إلا المأثم الكذب

والتوبيخ كقول الشاعر :

لا تنه عن خلق وتأتي مثله

عار عليك إذا فعلت عظيم

والتحقير كقول الحطيئة :

دع المكارم لا ترحل لبغيتها

واقعد فإنّك أنت الطاعم الكاسي

والتيئيس كقوله تعالى : (لا تَعْتَذِرُوا قَدْ كَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمانِكُمْ)(١) وقول المتنبي في مدح سيف الدولة :

لا تطلبنّ كريما بعد رؤيته

إنّ الكرام بأسخاهم يدا ختموا

وبيان العاقبة كقوله تعالى : (وَلا تَحْسَبَنَّ اللهَ غافِلاً)(٢) أي : عاقبه الظلم العذاب لا الغفلة (٣) ..

النوادر :

ندر الشيء يندر ندورا : سقط ، وقيل : سقط وشذّ ، ونوادر الكلام تندر وهي ما شذّ وخرج من الجمهور وذلك لظهور (٤).

سمّى قدامة هذا النوع الاستغراب والطرفة ، وسمّاه قوم التطريف ، وهو أن يأتي الشاعر بمعنى غريب لقلته في كلام الناس (٥). وقد تقدم في الاستغراب.

__________________

(١) التوبة ٦٦.

(٢) ابراهيم ٤٢.

(٣) مفتاح العلوم ص ١٥٢ ، الايضاح ص ١٤٥ ، التلخيص ص ١٧٠ ، شروح التلخيص ج ٢ ص ٣٢٥. المطول ص ٢٤١ ، الاطول ج ١ ص ٢٤٩ ، وينظر الروض المريع ص ٧٧.

(٤) اللسان (ندر).

(٥) تحرير التحبير ص ٥٠٦ ، بديع القرآن ص ٢٢٢ ، جوهر الكنز ص ٢٢٧ ، خزانة الادب ص ٢٢٣ ، أنوار الربيع ج ٥ ص ٣٣٨ ، نفحات ص ١١٣ ، شرح الكافية ص ١٦٢.

٦٦٨

الهاء

الهجاء في معرض المدح :

هذا الفن من مبتدعات المصري ، قال : «هو أن يقصد المتكلم الى هجاء إنسان فيأتي بألفاظ موجهة ظاهرها المدح وباطنها القدح فيوهم أنّه يمدحه وهو يهجوه» (١). كقول بعضهم في بعض الأشراف :

له حقّ وليس عليه حقّ

ومهما قال فالحسن الجميل

وقد كان الرسول يرى حقوقا

عليه لغيره وهو الرسول

فالبيت الاول لا يصلح إلا للمدح ومثله البيت الثاني لا يفهم منه مدح ولا هجاء ، ولكنه لما اقترن بالأول أهّل نفسه وأخاه للهجاء وعدل بألفاظهما عن الثناء وحصل من اجتماعهما ما ليس لكل منهما على انفراده.

ومن ذلك قول عبد الصمد بن المعذل أو أبي العميثل في أبي تمام وقد كانت في لسانه حبسة :

يا نبيّ الله في الشّع

ر ويا عيسى بن مريم

أنت من أشعر خلق الله

ما لم تتكلّم

فإنّ حال هذين البيتين حال البيتين السابقين ، إذ الاول منهما اذا انفرد كان مدحا محضا واذا اجتمعا صارا هجوا بحتا ، غير أنّ ثاني الآخرين مخالف لثاني الاولين.

ونقل السبكي تعريف المصري ولم يمثّل لهذا الفن (٢) ونقله الحموي وأشار الى أنّه من مستخرجات المصري (٣) وفعل مثله السيوطي (٤) والمدني الذي سمّاه «الهجو في معرض المدح» (٥).

الهدم :

الهدم نقيض البناء ، هدمه يهدمه هدما وهدّمه فانهدم (٦).

الهدم من السرقات وذلك أن يأتي الشاعر بمعنى يعكسه الآخر ، ولم يعرّفه ابن منقذ (٧).

وقال ابن قيم الجوزية : «هو أن يأتي غيرك بكلام تضّمن معنى فتأتي أنت بضده فكأنه هدم ما بناه المتكلم» (٨) ونقل الزركشي هذا التعريف (٩).

ومن هذا النوع قول البلاذري :

قد يرفع المرء الليئم حجابه

ضعة ودون العرف منه حجاب

عكسه الآخر فقال :

__________________

(١) تحرير التحبير ص ٥٥٠.

(٢) عروس الافراح ج ٤ ص ٤٧٣.

(٣) خزانة الادب ص ١١٧ ، نفحات ص ١٥٥ ، شرح الكافية ص ٨٥.

(٤) شرح عقود الجمان ص ١٣٠.

(٥) أنوار الربيع ج ٣ ص ٦٠.

(٦) اللسان (هدم).

(٧) البديع في نقد الشعر ص ١٩٠.

(٨) الفوائد ص ١٥٧.

(٩) البرهان في علوم القرآن ج ٣ ص ٤١٢.

٦٦٩

ملك أغرّ محجّب

معروفه لا يحجب

وقال ابو تمام :

وإن يحل بيننا الحجاب فلن

يحجب عنا معروفه الحجب

وقال حسان :

بيض الوجوه كريمة أحسابهم

شمّ الأنوف من الطراز الأوّل

يغشون حتى ما تهرّ كلابهم

لا يسألون عن السّواد المقبل

هدمه الآخر فقال :

ذهب الزمان برهط حسّان الألى

كانوا ملاذا في الزّمان الجائر

وبقيت في خلف يحلّ ضيوفهم

منهم بمنزلة اللئيم الغادر

سود الوجوه لئيمة أحسابهم

فطس الأنوف من الطراز الآخر

الهذر والتبعيد :

وهو من عيوب اشتراك اللفظ ، قال البغدادي : «ومن عيوب هذا الجنس الهذر والتبعيد عند الحاجة الى الايجاز والتقريب ، وهذا هو زيادة الالفاظ على المعاني من غير سبب يدعو اليها أو حاجة تبعث عليها ، والمثالات في ذلك موجودة كثيرة من كلام العامة والدخلاء في الصناعة» (١).

الهزل المراد به الجد :

كان الجاحظ يذكر بعض الفصول من الهزل استنشاطا للقارىء (٢) ، وقد قال عن إبراهيم بن هانىء : «وكان ماجنا خليعا وكثير العبث متحررا ، ولو لا أنّ كلامه هذا الذي أراد به الهزل يدخل في باب الجدّ لما جعلته صلة الكلام الماضي» (٣).

وذكر ابن المعتز في محاسن الكلام فنا سمّاه «الهزل يراد به الجدّ» (٤) ومثّل له بقول أبي العتاهية :

أرقيك أرقيك باسم الله أرقيكا

من بخل نفس لعلّ الله يشفيكما

ما سلم نفسك إلّا من يتاركها

وما عدوّك إلا من يرجيّكا

وذكر هذا الفن البغدادي وابن الزملكاني (٥) ، وقال المصري : «هو أن يقصد المتكلم مدح انسان أو ذمه فيخرج ذلك المقصود مخرج الهزل المعجب والمجون المطرب». ونقل الحلبي والنويري تعريفه (٦).

وقال ابن الاثير الحلبي : «هذا الباب من نعوت الألفاظ» (٧) وعّرفه بمثل تعريف المصري. وأدخله القزويني في المحسنات المعنوية ولم يعرّفه وإنّما قال : «فترجمته تغني عن تفسيره» (٨) وذكر قول امرىء القيس :

وقد علمت سلمى وإن كان بعلها

بأنّ الفتى يهذي وليس بفعّال

وتبعه في ذلك شرّاح التلخيص (٩) ، وألحقه العلوي بتجاهل العارف وقال : «ومما يلحق باذيال هذا الصنف ويجيء على أثره الهزل الذي يراد به الجدّ» (١٠) ونقل

__________________

(١) قانون البلاغة ص ٤٢٠.

(٢) الحيوان ج ٣ ص ٥.

(٣) البيان ج ١ ص ٩٣.

(٤) البديع ص ٦٣.

(٥) قانون البلاغة ص ٤٥٩ ، التبيان ص ١٨٩ ، وينظر كفاية الطالب ص ١٨٥.

(٦) تحرير التحبير ص ١٣٨.

(٧) جوهر الكنز ص ٢١١.

(٨) الايضاح ص ٣٧٨ ، التلخيص ص ٣٨٥.

(٩) شروح التلخيص ج ٤ ص ٤٠٢ ، المطول ص ٤٤٣ ، الاطول ج ٢ ص ٢١٩.

(١٠) الطراز ج ٣ ص ٨٢.

٦٧٠

الحموي تعريف المصري (١) ، وقال المدني : «أرى أنّه لا يختص بالمدح والذم بل كل مقصد أخرجه المتكلم هذا المخرج عدّ من هذا النوع سواء كان مدحا أو ذما أو غزلا أو شكوى أو اعتذارا أو سؤالا أو غير ذلك» (٢) ومن أمثلة المدني قول اللحام في أبي طلحة قسورة بن محمد :

ويك أبا طلحة ما تستحي

بلغت ستين ولم تلتح

وقول ابن الهبارية :

يقول أبو سعيد إذ رآني

عفيفا منذ عام ما شربت

على يد أيّ شيخ تبت قل لي

فقلت على يد الإفلاس تبت

وفي معناه للبهاء زهير :

قالوا فلان قد غدا تائبا

واليوم قد صلّى مع الناس

قلت متى كان وأنّى له

وكيف ينسى لذّة الكاس

أمس بهذي العين أبصرته

سكران بين الورد والآس

ورحت عن توبته سائلا

وجدتها توبة إفلاس

__________________

(١) خزانة الادب ص ٥٦ ، نفحات ص ١٥١ ، شرح الكافية ص ٨٠.

(٢) أنوار الربيع ج ٢ ص ١٦٦.

٦٧١

الواو

وجه الشّبه :

وقد يسمّى «وجه التشبيه» وهو المعنى الذي يشترك فيه المشبه والمشبه به تحقيقا أو تخييلا (١).

فالتحقيقي كتشبيه الشعر بالليل في السواد والتخييليّ كتشبيه السيرة بالمسك والاخلاق بالعنبر.

ووجه الشبه قد يكون واحدا حسيا كالنعومة في تشبيه البشر بالحرير ، أو واحدا عقليا كالهداية في قوله ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ : «أصحابي كالنجوم بأيهم اقتديتم اهتديتم». أو متعددا كقول أبي بكر الخالدي :

يا شبيه البدر حسنا

وضياء ومنالا

وشبيه الغصن لينا

وقواما واعتدالا

أنت مثل الورد لونا

ونسيما وملالا

زارنا حتى إذا ما

سرّنا بالقرب زالا

وينقسم التشبيه باعتبار وجهه الى قسمين :

الاول : مجمل ، وهو التشبيه الذي لم يذكر وجهه كقول النابغة الذبياني :

فإنّك شمس والملوك كواكب

إذا طلعت لم يبد منهن كوكب

الثاني : مفصّل ، وهو التشبيه الذي يذكر فيه وجهه كأبيات أبي بكر الخالدي : «يا شبيه البدر ...» وقول الآخر :

وثغره في صفاء

وأدمعي كاللآلي

وقول أبي العلاء :

أنت كالشمس في الضياء وإن جا

وزت كيوان في علوّ المكان

وينقسم ايضا باعتبار وجهه الى تشبيه غير تمثيلي ، وتشبيه تمثيلي وهو ما اتصف ببعض الشروط التي وضعها البلاغيون حينما فرّقوا بين النوعين ، وقد تقدم ذلك في التشبيه والتمثيل.

الوحي :

الوحي : الإشارة والكتابة والرسالة والالهام والكلام الخفي وكل ما ألقيته الى غيرك (٢).

قال ابن وهب : «وأما الوحي فإنّه الإبانة عما في النفس بغير المشافهة على أي معنى وقعت من إيماء

__________________

(١) معاني القرآن ج ٣ ص ١١٧ ، النقائض ج ١ ص ٣٣ ، ٤٥ ، ١٣٦ ، الحيوان ج ٢ ص ١٦.

عيون الاخبار ج ٢ ص ١٨٦ ، الكامل ج ٢ ص ٦٧٩ ، ٧٦٦ ، نهاية الايجاز ص ٧٣ ، مفتاح العلوم ص ١٥٧ ـ ١٥٩ ، الايضاح ص ٢٢٠ ، التلخيص ص ٢٤٥ ، الطراز ج ١ ص ٢٨٤ ، شروح التلخيص ج ٣ ص ٣٢١ ، المطول ص ٣١٤ ، الاطول ج ٢ ص ٧٠ ، شرح عقود الجمان ص ٧٩ ، التبيان في البيان ص ١٤٨.

(٢) اللسان (وحى).

٦٧٢

وإشارة ورسالة وكتابة ، ولذلك قال الله ـ عزوجل ـ : (وَما كانَ لِبَشَرٍ أَنْ يُكَلِّمَهُ اللهُ إِلَّا وَحْياً)(١). وهو على وجوه كثيرة» (٢). فمنه الاشارة كقوله تعالى : (فَخَرَجَ عَلى قَوْمِهِ مِنَ الْمِحْرابِ فَأَوْحى إِلَيْهِمْ أَنْ سَبِّحُوا بُكْرَةً وَعَشِيًّا)(٣).

ومنه الوحي المسموع من الملك كقوله تعالى : (إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحى. عَلَّمَهُ شَدِيدُ الْقُوى)(٤).

ومنه الوحي في المنام وهو الرؤيا الصحيحة كما قال الله تعالى : (وَأَوْحَيْنا إِلى أُمِّ مُوسى أَنْ أَرْضِعِيهِ)(٥).

ومنه الالهام كما قال الله تعالى : (وَأَوْحى رَبُّكَ إِلَى النَّحْلِ أَنِ اتَّخِذِي مِنَ الْجِبالِ بُيُوتاً وَمِنَ الشَّجَرِ)(٦) أي : ألهمها.

ومنه الكتاب ، ويقال منه : «وحيث الكتاب» إذا كتبته ، قال الشاعر :

ما هيّج الشوق من أطلال دارسة

أضحت قفارا كوحي خطه الواحي

ومن الوحي الاشارة باليد والغمز بالحاجب والايماض بالعين كما قال الشاعر :

وتوحي اليه باللّحاظ سلامها

مخافة واش حاضر ورقيب

وقال آخر :

أشارت بطرف العين خيفة أهلها

إشارة محزون ولم تتكلّم

وأيقنت أنّ الطرف قد قال مرحبا

وأهلا وسهلا بالحبيب المسلّم

الوصل :

وصل الشيء بالشيء يصله وصلا وصلة : اي ربطه (٧).

والوصل في البلاغة هو الربط بين الجمل أو عطف بعض الجمل على بعض (٨) ، وقد تقدم في الفصل والوصل.

وضع جمع القلّة موضع الكثرة :

الجمل يقع بعضها موقع بعض لاشتراكها في مطلق الجمع (٩) ، وفي القرآن الكريم أمثلة من ذلك قوله تعالى : (وَهُمْ فِي الْغُرُفاتِ آمِنُونَ)(١٠) فان المجموع بالألف والتاء للقلة وغرف الجنة لا تحصى. وقوله : (اللهُ يَتَوَفَّى الْأَنْفُسَ)(١١)

ومن شواهد مجيء جمع القلة مرادا به الكثرة قول حسّان :

لنا الجفنات الغرّ يلمعن في الضّحى

وأسيافنا يقطرن من نجدة دما

وضع الخبر موضع الطّلب :

وذلك أن يكون في الأمر والنهي (١٢) كقوله تعالى : (وَالْوالِداتُ يُرْضِعْنَ أَوْلادَهُنَ)(١٣) ، فالخبر هنّا للأمر. ومنه قوله تعالى : (فَلا رَفَثَ وَلا فُسُوقَ)(١٤)

__________________

(١) الشورى ٥١.

(٢) البرهان في وجوه البيان ص ١٣٩.

(٣) مريم ١١.

(٤) النجم ٤ ـ ٥.

(٥) القصص ٧.

(٦) النحل ٦٨.

(٧) اللسان (وصل).

(٨) دلائل الاعجاز ص ١٧٠ ، الايضاح ص ١٤٧ ، التلخيص ص ١٧٥ ، شروح التلخيص ج ٣ ص ٣ ، المطول ص ٢٤٧ ، الاطول ج ٢ ص ٢ ، شرح عقود الجمان ص ٥٨ ، حلية اللب ص ٩٥ ، الروض المريع ص ١٦٦ ، التبيان في البيان ص ١٠١.

(٩) البرهان في علوم القرآن ج ٣ ص ٣٥٥.

(١٠) سبأ ٣٧.

(١١) الزمر ٤٢.

(١٢) البرهان في علوم القرآن ج ٣ ص ٣٤٧.

(١٣) البقرة ٢٣٣.

(١٤) البقرة ١٩٧.

٦٧٣

أي : لا ترفثوا ولا تفسقوا. وقد تقدم ذلك في الخبر.

وضع الطّلب موضع الخبر :

أي أن ينقل الاسلوب الطلبي الى الخبر (١) ، وقد تقدم ذلك في الأمر والنهي وغيرهما من أساليب الانشاء الطلبي.

وضع الظاهر موضع المضمر :

قال الزركشي : «والعجب أنّ البيانيين لم يذكروه في أقسام الإطناب» (٢) وقال السيوطي : «ورأيت فيه تأليفا مفردا لابن الصائغ» (٣).

ولهذا النوع فوائد منها : زيادة التقرير والتمكين كقوله تعالى : (قُلْ هُوَ اللهُ أَحَدٌ. اللهُ الصَّمَدُ)(٤).

والاصل : هو الصمد. وقوله تعالى : (وَبِالْحَقِّ أَنْزَلْناهُ وَبِالْحَقِّ نَزَلَ)(٥).

وقصد التعظيم كقوله تعالى : (وَاتَّقُوا اللهَ وَيُعَلِّمُكُمُ اللهُ وَاللهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ)(٦).

وقصد الاهانة والتحقير كقوله تعالى : (أُولئِكَ حِزْبُ الشَّيْطانِ ، أَلا إِنَّ حِزْبَ الشَّيْطانِ هُمُ الْخاسِرُونَ)(٧).

والاستلذاذ بذكره كقوله تعالى : (مَنْ كانَ يُرِيدُ الْعِزَّةَ فَلِلَّهِ الْعِزَّةُ جَمِيعاً)(٨).

وزيادة التقدير كقوله تعالى : (وَيَقُولُونَ هُوَ مِنْ عِنْدِ اللهِ وَما هُوَ مِنْ عِنْدِ اللهِ)(٩).

وإزالة اللبس حيث يكون الضمير يوهم أنّه غير المراد كقوله تعالى : (قُلِ اللهُمَّ مالِكَ الْمُلْكِ تُؤْتِي الْمُلْكَ مَنْ تَشاءُ)(١٠).

وأن يكون القصد تربية المهابة وإدخال الروعة في ضمير السامع كقوله تعالى : (الْحَاقَّةُ مَا الْحَاقَّةُ)(١١).

وقصد تقوية داعية المأمور كقوله تعالى : (فَإِذا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللهِ إِنَّ اللهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ)(١٢).

وتعظيم الأمر كقوله تعالى : (أَوَلَمْ يَرَوْا كَيْفَ يُبْدِئُ اللهُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ إِنَّ ذلِكَ عَلَى اللهِ يَسِيرٌ. قُلْ سِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانْظُرُوا كَيْفَ بَدَأَ الْخَلْقَ)(١٣).

وأن يقصد التوصل بالظاهر الى الوصف كقوله تعالى : (فَآمِنُوا بِاللهِ وَرَسُولِهِ النَّبِيِّ الْأُمِّيِّ الَّذِي يُؤْمِنُ بِاللهِ وَكَلِماتِهِ)(١٤) بعد قوله في صدر الآية : (إِنِّي رَسُولُ اللهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعاً.)

والتنبيه على علة الحكم كقوله تعالى : (فَبَدَّلَ الَّذِينَ ظَلَمُوا قَوْلاً غَيْرَ الَّذِي قِيلَ لَهُمْ)(١٥).

وقصد العموم كقوله تعالى : (حَتَّى إِذا أَتَيا أَهْلَ قَرْيَةٍ اسْتَطْعَما أَهْلَها)(١٦).

وقصد الخصوص كقوله تعالى : (وَامْرَأَةً مُؤْمِنَةً إِنْ وَهَبَتْ نَفْسَها لِلنَّبِيِ)(١٧).

ومراعاة التجنيس كقوله تعالى : (قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ. مَلِكِ النَّاسِ. إِلهِ النَّاسِ)(١٨). ومنها أن يتحمل ضميرا لا بدّ منه كقوله تعالى : (... أَتَيا أَهْلَ قَرْيَةٍ اسْتَطْعَما أَهْلَها)(١٩). وكونه أهم من الضمير كقوله

__________________

(١) البرهان في علوم القرآن ج ٣ ص ٣٥٠.

(٢) البرهان في علوم القرآن ج ٢ ص ٤٨٢.

(٣) الاتقان ج ٢ ص ٧٢.

(٤) الاخلاص ١ ـ ٢.

(٥) الاسراء ١٠٥.

(٦) البقرة ٢٨٢.

(٧) المجادلة ١٩.

(٨) فاطر ١٠.

(٩) آل عمران ٧٨.

(١٠) آل عمران ٢٦.

(١١) الحاقة ١ ـ ٢.

(١٢) آل عمران ١٥٩.

(١٣) العنكبوت ١٩ ـ ٢٠.

(١٤) الاعراف ١٥٨.

(١٥) البقرة ٥٩.

(١٦) الكهف ٧٧.

(١٧) الاحزاب ٥٠.

(١٨) الناس ١ ـ ٣.

(١٩) الكهف ٧٧.

٦٧٤

تعالى : (أَنْ تَضِلَّ إِحْداهُما فَتُذَكِّرَ إِحْداهُمَا الْأُخْرى)(١) وكون ما يصلح للعود ولم يسق الكلام له كقوله تعالى : (رُسُلُ اللهِ ، اللهُ أَعْلَمُ)(٢) والاشارة الى عدم دخول الجملة في حكم الاولى كقوله تعالى : (فَإِنْ يَشَإِ اللهُ يَخْتِمْ عَلى قَلْبِكَ وَيَمْحُ اللهُ الْباطِلَ)(٣).

وسمّاه القزويني : «وضع المظهر موضع المضمر» (٤) وذكر بعض دواعيه التي تقدمت ، وقال إنّه يأتي اسم اشارة ، وذلك لكمال العناية بتمييزه لاختصاصه بحكم بديع كقوله ابن الراوندي :

كم عاقل عاقل أعيت مذاهبه

وجاهل وجاهل تلقاه مرزوقا

هذا الذي ترك الأوهام حائرة

وصيّر العالم النحرير زنديقا

وإما للتهكم بالسامع كما اذا كان فاقد البصر ، أو لم يكن ثمّ مشار اليه أصلا. وإما للنداء على كمال بلادته بإنّه لا يدرك غير المحسوس بالبصر أو على كمال فطانته ، بأنّ غير المحسوس بالبصر عنده كالمحسوس عند غيره. وإما لادعاء أنّه كمل ظهوره حتى كأنه محسوس بالبصر كقول ابن الدمينة :

تعاللت كي أشجى وما بك علّة

تريدين قتلي قد ظفرت بذلك

ويأتي غير اسم إشارة وذلك لزيادة التمكين كقوله تعالى : (قُلْ هُوَ اللهُ أَحَدٌ. اللهُ الصَّمَدُ)(٥) وقوله : (وَبِالْحَقِّ أَنْزَلْناهُ ، وَبِالْحَقِّ نَزَلَ)(٦). وقول الشاعر :

إن تسألوا الحقّ نعط الحقّ سائله

والدرع محقبة والسيف مقروب (٧)

وإما لادخال الروع في ضمير السامع وتربية المهابة ، وإما لتقوية داعي المأمور كقوله تعالى : (فَإِذا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللهِ)(٨).

وإما للاستعطاف كقول الشاعر : «إلهي عبدك العاصي أتاكا».

وضع الماضي موضع المستقبل :

هذا النوع من خلاف مقتضى الظاهر وذلك تنبيها على تحقيق وقوعه كقوله تعالى : (وَيَوْمَ يُنْفَخُ فِي الصُّورِ فَفَزِعَ مَنْ فِي السَّماواتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ)(٩) وقوله : (وَنادى أَصْحابُ الْأَعْرافِ رِجالاً يَعْرِفُونَهُمْ بِسِيماهُمْ قالُوا : ما أَغْنى عَنْكُمْ جَمْعُكُمْ وَما كُنْتُمْ تَسْتَكْبِرُونَ)(١٠).

وإما للاشراف أي : مشارفة وقوعه ومقاربته كقوله تعالى : (وَلْيَخْشَ الَّذِينَ لَوْ تَرَكُوا مِنْ خَلْفِهِمْ ذُرِّيَّةً ضِعافاً خافُوا عَلَيْهِمْ فَلْيَتَّقُوا اللهَ وَلْيَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً)(١١) أي : لو شارفوا أن يتركوا.

أو لابراز غير الحاصل في معرض الحاصل لقوة الاسباب الظاهرة كقول المشتري : «اشتريت» حال انعقاد أسبابه (١٢).

وقد بحث ابن الاثير هذا النوع في شجاعة العربية أو الالتفات وقال فائدة ذلك «أنّ الفعل الماضي إذا أخبر به عن الفعل المستقبل الذي لم يوجد بعد كان ذلك أبلغ وأوكد في تحقيق الفعل وإيجاده ؛ لأنّ الفعل الماضي يعطي من المعنى أنّه قد كان ووجد ، وإنما يفعل ذلك إذا كان الفعل المستقبل من الاشياء العظيمة

__________________

(١) البقرة ٢٨٢.

(٢) الانعام ١٢٤.

(٣) الشورى ٢٤.

(٤) الايضاح ص ٦٩ ، التلخيص ص ٩٠ ، شروح التلخيص ج ١ ص ٤٥٢ ، المطول ص ١٢٨ ، الاطول ج ١ ص ١٥١.

(٥) الاخلاص ١ ـ ٢.

(٦) الاسراء ١٠٥.

(٧) محقبة : موضوعة خلفنا على الركاب. مقروب : موضع في قرابه.

(٨) آل عمران ١٥٩.

(٩) النمل ٨٧.

(١٠) الاعراف ٤٨.

(١١) النساء ٩.

(١٢) شرح عقود الجمان ص ٣٠.

٦٧٥

التي يستعظم وجودها» (١).

وضع المضمر موضع المظهر :

هذا النوع من خلاف مقتضى الظاهر ، كقولهم ابتداء من غير جري ذكر لفظا أو قرينة حال : «نعم رجلا زيد» و «بئس رجلا عمرو» مكان : «نعم الرجل» و «بئس الرجل» على قول من لا يرى الأصل «زيد نعم رجلا» و «عمرو بئس رجلا». وقولهم : «هو زيد عالم» و «هو عمرو شجاع» مكان : «الشأن زيد عالم» و «القصة عمرو شجاع» ليتمكن في ذهن السامع ما يعقبه ، فانّ السامع متى لم يفهم من الضمير معنى بقي منتظرا لعقبى الكلام كيف تكون فيتمكن المسموع بعده في ذهنه فضل تمكن وهو السر في التزام تقديم ضمير الشأن أو القصة. قال الله تعالى : (قُلْ هُوَ اللهُ أَحَدٌ)(٢) وقال : (إِنَّهُ لا يُفْلِحُ الْكافِرُونَ)(٣) وقال : (فَإِنَّها لا تَعْمَى الْأَبْصارُ)(٤).

وهذا من أساليب التوسع في القول والايجاز والابهام أحيانا (٥).

وضع المظهر موضع المضمر :

هذا النوع من خلاف مقتضى الظاهر (٦) ، وهو «وضع الظاهر موضع المضمر» وقد تقدم.

وضع النّداء موضع التّعجّب :

هذا النوع من خروج النداء الى التعجب كقوله تعالى : (يا حَسْرَةً عَلَى الْعِبادِ)(٧) قال الفراء : «معناه : فيا حسرة» (٨) ، وقد تقدم في النداء.

وقوع الحافر على الحافر :

هذا النوع من السرقات وذلك أن يؤخذ اللفظ والمعنى ، وقد قسّمه ابن الاثير الى ثلاثة أنواع : (٩)

الأول : أن يستوي الشاعران في كل لفظة من الالفاظ ، وهذا يقع كثيرا في شعر جرير والفرزدق كقولهما :

وغرّ قد وسقت مشهّرات

طوالع لا تطيق لها جوابا

بكل ثنيّة وبكل ثغر

غرابتهن تنتسب انتسابا

بلغن الشمس حيث تكون شرقا

ومسقط قرنها من حيث غابا

الثاني : أن يختلف الشاعران في لفظة واحدة من بيتيهما كقول امرىء القيس :

وقوفا بها صحبي عليّ مطيّهم

يقولون لا تهلك أسى وتجمّل

وقول طرفة :

وقوفا بها صحبي عليّ مطيّهم

يقولون لا تهلك أسى وتجلّد

الثالث : أن يختلف الشاعران في شطر بيتيهما ، وهو أقرب الأضرب الثلاثة حالا ، كقوله جرير :

إذا غضبت عليّ بنو تميم

حسبت الناس كلّهم غضابا

وقول الفرزدق :

وتحسب من ملائمها كليب

عليها الناس كلهم غضابا

__________________

(١) المثل السائر ج ٢ ص ١٨ ، وينظر الجامع الكبير ص ١٠٢ ـ ١٠٣.

(٢) الاخلاص ١.

(٣) المؤمنون ١١٧.

(٤) الحج ٤٦.

(٥) الايضاح ص ٦٨ ، التلخيص ص ٩٠ ، شروح التلخيص ج ١ ص ٤٥٢ ، المطول ص ١٢٨ ، الاطول ج ١ ص ١٥١.

(٦) الايضاح ص ٦٩ ، التلخيص ص ٩٠ ، شروح التلخيص ج ١ ص ٤٥٢ ، المطول ص ١٢٨ ، الاطول ج ١ ص ١٥١.

(٧) يس ٣٠.

(٨) البرهان في علوم القرآن ج ٤ ص ٣٥٣.

(٩) الاستدراك ص ٦١ ـ ٦٢.

٦٧٦

الخاتمة

بعد الفراغ من طبع المعجم أعارني الاستاذ الجليل الدكتور محمود الجليلي كتاب «الحجة على من زاد على ابن حجة» للحاج عثمان بك الجليلي المتوفى سنة ١٢٤٥ ه‍ (١) فوجدته كتابا نافعا يدل على ثقافة عصره. وقد رأيت اكمالا لما بدأت به أن أشير الى موضوعاته ليرجع اليها الدارسون وهم يراجعون «معجم المصطلحات البلاغية وتطورها».

١ ـ براعة الاستهلال ص ١٥.

٢ ـ الجناس المضارع ص ١٧.

٣ ـ الجناس الناقص ص ١٩.

٤ ـ الجناس المشوش ص ٢١.

٥ ـ الجناس المجنح ص ٢١.

٦ ـ الجناس المجوف : وهو من مخترعات زمان المؤلف ، وحدّه : «بان تذكر كلمة حروفها ثلاثية أو خماسية ثم تذكرها مع اسقاطك حرفا من وسطها فتصير مجوفة كقولك سفر البر خير من سفر البحر» ص ٢٤.

٧ ـ الجناس المرفو ص ٢٥.

٨ ـ جناس التوهيم وهو من مخترعات المؤلف وهو «أن يذكر الناظم أو الناثر كلمتين تكون من حيث الخط مخالفة ومن حيث اللفظ موافقة فيتوهم السامع أنّه جناس تمام فإذا نظر الى الخط رآه جناسا مشوشا» مثل اتفاق لفظتي «كالشافي» و «كشاف» في النطق لا في الخط. ص ٢٦.

٩ ـ القول بالموجب ص ٢٩.

١٠ ـ أسلوب ص ٣٠.

١١ ـ المضاهاة وهو من مخترعات زمان المؤلف وهو «أن يماثل المتكلم كلمات بكلمات غيره مماثلة بحيث لو علم كلام الغير تبينت المماثلة في كلام المتكلم» مثل تماثل القولين : «ما بين جبهتها وباب بريدها» و «ما بين قلعتها وباب جديدها» ص ٣٣.

١٢ ـ الاقتضاب ص ٣٥.

١٣ ـ الاحتباك ص ٥٥.

١٤ ـ التشبيه البليغ ص ٥٨.

١٥ ـ الطرد والعكس ص ٦١.

١٦ ـ التفريع ص ٦٢.

١٧ ـ الترقي ص ٦٤.

١٨ ـ التنزل (التنزيل) أو التدلي ص ٦٦.

١٩ ـ المهمل ص ٦٧.

٢٠ ـ المقطوع ص ٦٧.

٢١ ـ المتصل ص ٦٨.

٢٢ ـ التوزيع ص ٦٨.

٢٣ ـ الاستعانة ص ٦٨.

٢٤ ـ المعجم ص ٧١.

__________________

(١) اعتنى بطبعه ونشره الدكتور محمد صديق الجليلي ـ مطبعة ام الربيعين في الموصل ١٣٥٦ ه‍ ـ ١٩٣٧ م.

٦٧٧

٢٥ ـ الأخيف ص ٧٢.

٢٦ ـ الأرقط ص ٧٢.

٢٧ ـ المفصل ص ٧٢.

٢٨ ـ الصامت ص ٧٢.

٢٩ ـ الناطق ص ٧٢.

٣٠ ـ الشبيه بالأخيف ص ٧٢.

٣١ ـ اللاحق بالارقط ص ٧٢.

٣٢ ـ الشبيه بالارقط ص ٧٢.

٣٣ ـ المقصور والممدود ص ٧٣.

٣٤ ـ الموازنة ص ٧٣.

٣٥ ـ ذكر عدد الأبيات والانواع ص ٧٣.

٣٦ ـ الاستشهاد ص ٧٣.

٣٧ ـ ختام الختام ص ٧٣.

٣٨ ـ التغليب ص ٧٣.

٣٩ ـ الحقيقة ص ٧٥.

٤٠ ـ التأريخ ص ٧٦.

٤١ ـ حسن الختام ص ١٠٥.

ولعل هناك كتبا لم تقع يدي عليها وأنا أعدّ هذا المعجم الذي استغرق انجازه عشرة أعوام وتم طبعه وتصحيحه في سبع سنين دأبا ، وما أنا بآسف على ما بذلت من جهد ووقت وحسبي أنني خدمت لغة القرآن الكريم ، ورسمت طريقا لمن يريد أن يخدم أمته ووطنه ، ويحافظ على لغته الشريفة. وحينما يصدر «معجم النقد العربي القديم» (١) الذي ينتظر الطبع أكون قد خدمت بلاغة العرب ، وما التوفيق إلا من عند الله تعالى.

الدكتور احمد مطلوب

عضو المجمع العلمي العراقي

الخامس عشر من ايار ١٩٨٧ م

السابع عشر من رمضان ١٤٠٧ ه‍. الجمعة

__________________

(١) طبعة وزارة الثقافة والاعلام العراقية وصدر في جزءين كبيرين سنة ١٤٠٩ ه‍ ـ ١٩٨٩ م.

٦٧٨

المصادر

١ ـ الاتقان في علوم القرآن. جلال الدين السيوطي. القاهرة ١٣٦٨ ه‍.

٢ ـ إحكام صنعة الكلام. محمد بن عبد الغفور الكلاعي الاشبيلي الاندلسي تحقيق محمد رضوان الداية. بيروت ١٩٦٦ م.

٣ ـ أخبار أبي تمام أبو بكر محمد بن يحيى الصولي. تحقيق خليل محمود عساكر ومحمد عبدو عزام ونظير الاسلام الهندي. القاهرة.

٤ ـ أخبار البحتري : أبو بكر محمد بن يحيى الصولي. تحقيق الدكتور صالح الاشقر. الطبعة الثانية ـ دمشق ١٣٨٤ ه‍ ـ ١٩٦٤ م.

٥ ـ الادب الصغير. عبد الله بن المقفع (آثار ابن المقفع) بيروت ١٩٦٦ م.

٦ ـ أدب الكاتب. ابن قتيبة. تحقيق محمد محيي الدين عبد الحميد الطبعة الثالثة ـ القاهرة ١٣٧٧ ه‍ ـ ١٩٥٨ م.

٧ ـ الاستدراك في الرد على رسالة ابن الدهان المسماة بالمآخذ الكندية في المعاني الطائية. ضياء الدين بن الاثير. تحقيق الدكتور حفني محمد شرف. القاهرة ١٩٥٨ م.

٨ ـ أسرار البلاغة. عبد القاهر الجرجاني. تحقيق ه ريتر. استانبول ١٩٥٤ م.

٩ ـ الاشارة الى الايجاز في بعض أنواع المجاز. عز الدين عبد العزيز ابن عبد السّلام. دمشق.

١٠ ـ الاطول. عصام الدين ابراهيم بن محمد بن عربشاه الاسفراييني. تركية ١٢٧٤ ه‍.

١١ ـ إعجاز القرآن. أبو بكر محمد بن الطيب الباقلاني. تحقيق السيد احمد صقر. القاهرة ـ دار المعارف.

١٢ ـ أعلام الكلام. محمد بن شرف القيرواني. القاهرة ١٣٤٤ ه‍ ـ ١٩٢٦ م.

١٣ ـ الأغاني. أبو فرج الاصفهاني. دار الكتب المصرية ـ القاهرة. الجزء السابع عشر تحقيق علي محمد البجاوي ، القاهرة ١٣٨٩ ه‍ ـ ١٩٧٠ م. الجزء التاسع عشر تحقيق عبد الكريم العزباوي القاهرة ١٣٩١ ه‍ ـ ١٩٧٢ م.

١٤ ـ الأقصى القريب في علم البيان. محمد بن محمد التنوخي. القاهرة ١٣٢٧ ه‍.

١٥ ـ أمالي المرتضى ـ الشريف المرتضى. تحقيق محمد ابو الفضل ابراهيم القاهرة ١٣٧٣ ه‍ ـ ١٩٥٤ م.

١٦ ـ الامتناع والمؤانسة. ابو حيان التوحيدي. تحقيق أحمد أمين واحمد الزين. القاهرة.

١٧ ـ الانتصاف. احمد بن المنير الاسكندري. مطبوع في هامش تفسير الكشاف للزمخشري. الطبعة الثانية ـ القاهرة ١٣٧٣ ه‍ ـ ١٩٥٣ م.

١٨ ـ أنوار الربيع في أنواع البديع. علي صدر الدين بن معصوم المدني. تحقيق شاكر هادي شكر. النجف الأشرف ١٣٨٨ ه‍ ـ ١٩٥٣ م.

٦٧٩

١٩ ـ الايضاح. الخطيب جلال الدين القزويني. تحقيق جماعة من علماء الازهر الشريف. القاهرة.

٢٠ ـ الايضاح في شرح مقامات الحريري. أبو المظفر ناصر بن المطرزي. ايران ـ ١٢٧٢ ه‍.

٢١ ـ الايمان. ابن تيمية. الطبعة الثانية ـ بيروت ١٣٩٢ ه‍ ـ ١٩٧٢ م.

٢٢ ـ الباعث الحثيث ـ شرح اختصار علوم الحديث. ابن كثير. الطبعة الثالثة ـ القاهرة.

٢٣ ـ البحر المحيط. أثير الدين أبو حيان الاندلسي ، القاهرة ١٣٢٨ ه‍.

٢٤ ـ البديع. عبد الله بن المعتز. طبعة كراتشكوفسكي. لندن ١٩٣٥ م.

٢٥ ـ البديع في نقد الشعر. اسامة بن منقذ. تحقيق الدكتور احمد أحمد بدوي والدكتور حامد عبد المجيد. القاهرة ١٣٨٠ ه‍ ـ ١٩٦٠ م.

٢٦ ـ بديع القرآن. ابن أبي الاصبع المصري. تحقيق الدكتور حفني محمد شرف. القاهرة ١٣٧٧ ه‍ ـ ١٩٥٧ م.

٢٧ ـ بديعيات الآثاري. زين الدين شعبان بن محمد القرشي الآثاري تحقيق هلال ناجي. بغداد ١٣٩٧ ه‍ ـ ١٩٧٧ م.

٢٨ ـ البرهان في علوم القرآن. بدر الدين محمد بن عبد الله الزركشي. تحقيق محمد ابو الفضل ابراهيم. القاهرة ١٣٧٦ ه‍ ـ ١٩٥٧ م وما بعدها.

٢٩ ـ البرهان في وجوه البيان. ابو الحسين اسحاق بن ابراهيم بن سليمان ابن وهب الكاتب. تحقيق الدكتور احمد مطلوب والدكتورة خديجة الحديثي بغداد ١٣٨٧ ه‍ ـ ١٩٦٧ م.

٣٠ ـ البرهان الكاشف عن إعجاز القرآن. عبد الواحد بن عبد الكريم الزملكاني. تحقيق الدكتور أحمد مطلوب والدكتورة خديجة الحديثي. بغداد ١٣٩٤ ه‍ ـ ١٩٧٤ م.

٣١ ـ بيان إعجاز القرآن. ابو سليمان حمد بن محمد بن ابراهيم الخطابي (ثلاث رسائل في إعجاز القرآن) تحقيق محمد خلف الله والدكتور محمد زغلول سلام. دار المعارف ـ القاهرة.

٣٢ ـ البيان والتبين. ابو عثمان عمرو بن بحر الجاحظ. تحقيق عبد السّلام محمد هارون. القاهرة ١٣٦٧ ه‍ ـ ١٩٤٨ م.

٣٣ ـ تأريخ بغداد. الخطيب البغدادي. القاهرة.

٣٤ ـ تأويل مشكل القرآن. ابن قتيبة. تحقيق السيد أحمد صقر. القاهرة ١٣٧٣ ه‍ ـ ١٩٥٤ م.

٣٥ ـ التّبيان في البيان. شرف الدين الحسين بن محمّد عبد الله الطيبي. تحقيق الدكتور توفيق الفيل وعبد اللّطيف لطف الله. الكويت ١٤٠٦ ه‍ ـ ١٩٨٦ م.

٣٦ ـ التبيان في علم البيان المطلع على إعجاز القرآن. عبد الواحد بن عبد الكريم الزملكاني. تحقيق الدكتور أحمد مطلوب والدكتورة خديجة الحديثي بغداد ١٣٨٣ ه‍ ـ ١٩٦٤ م.

٣٧ ـ تحرير التحبير في صناعة الشعر والنثر وبيان اعجاز القرآن. ابن أبي الاصبع المصري. تحقيق الدكتور حفني محمد شرف. القاهرة ١٣٨٣ ه‍.

٣٨ ـ التعريفات. السيد الشريف علي بن محمد بن علي الجرجاني. القاهرة ١٣٥٧ ه‍ ـ ١٩٣٨ م.

٣٩ ـ التلخيص في علوم البلاغة جلال الدين محمد بن عبد الرحمن القزويني الخطيب. تحقيق عبد الرحمن البرقوقي. الطبعة الثانية القاهرة ١٣٥٠ ه‍ ـ ١٩٣٢ م.

٤٠ ـ التنبيه على حدوث التصحيف. حمزة بن الحسن الاصفهاني. تحقيق الدكتور محمد أسعد طلس. دمشق ١٣٨٨ ه‍ ـ ١٩٦٨ م.

٤١ ـ الجامع الكبير في صناعة المنظوم من الكلام والمنثور. ضياء الدين ابن الاثير. تحقيق الدكتور

٦٨٠