معجم المصطلحات البلاغيّة وتطوّرها

الدكتور أحمد مطلوب

معجم المصطلحات البلاغيّة وتطوّرها

المؤلف:

الدكتور أحمد مطلوب


الموضوع : اللغة والبلاغة
الناشر: مكتبة لبنان ناشرون
الطبعة: ٠
الصفحات: ٧٠٥

هجوا بحتا.

ونقل الحلبي والنّويري تعريف المصري للمقارنة وأمثلته (١).

المقاسمة :

تقسّموا الشيء واقتسموه وتقاسموه : قسموه بينهم ، وقاسمته المال : أخذت منه قسمك وأخذ قسمه (٢).

والمقاسمة هي التضادّ والتطبيق والتكافؤ والمطابقة ، والسّيوطي هو الذي ذكر هذا المصطلح فقال عن الطباق : «ويقال لهذا النوع أيضا التضادّ والمقاسمة والتكافؤ» (٣).

المقاطع والمطالع :

مقطع كل شيء ومنقطعة : آخره حيث ينقطع كمقاطع الرمال والأودية والحرّة وما أشبهها.

ومقاطيع الأودية : مآخيرها ، ومنقطع كل شيء :حيث ينتهي اليه طرفه.

المطلع : الطلوع ، يقال طلعت الشمس طلوعا ومطلعا ومطلعا (٤)

قال ابن رشيق : «اختلف أهل المعرفة في المقاطع والمطالع ، فقال بعضهم : هي الفصول والوصول بعينها. فالمقاطع آخر الفصول ، والمطالع : أوائل الوصول. وهذا القول هو الظاهر من فحوى الكلام.

والفصل آخر جزء من القسيم الأوّل وهي العروض أيضا ، والوصل أول جزء يليه من القسيم الثاني.

وقال غيرهم : المقاطع منقطع الأبيات وهي القوافي ، والمطالع : أوائل الأبيات وقال قدامة بن جعفر في بعض تآليفه وقد ذكر الترصيع : «هو ان يتوخّى تصيير مقاطع الأجزاء في البيت على سجع أو شبيه به أو من جنس واحد في التصريف» ... فأشار بهذه العبارة الى أنّ المقاطع أواخر أجزاء البيت كما ترى ...

ومن الناس من يزعم أنّ المطلع والمقطع أول القصيدة وآخرها ، وليس ذلك بشيء لأنّا نجد في كلام جهابذة النقّاد إذا وصفوا قصيدة قالو : «حسنة المقاطع جيدة المطالع» ولا يقولون : المقطع والمطلع.

وفي هذا دليل واضح لأنّ القصيدة إنّما لها أول واحد وآخر واحد ولا يكون لها أوائل واواخر ...

وسألت الشيخ أبا عبد الله محمّد بن إبراهيم بن السمين عن هذا فقال : «المقاطع أواخر الأبيات والمطالع أوائلها» قال : ومعنى قولهم : «حسن المقاطع جيد المطالع» أن يكون مقطع البيت ـ وهو القافية ـ متمكّنا غير قلق ولا متعلّق بغيره ، فهذا هو حسنة ، والمطلع وهو أول البيت جودته أن يكون دالا على ما بعده كالتصدير وما شاكله.

وروى الجاحظ (٥) أنّ شبيب بن شيبة كان يقول : «الناس موكّلون بتفضيل جودة الابتداء وبمدح صاحبه ، وأنا موكّل بتفضيل جودة المقطع وبمدح صاحبه ، وحظّ جودة القافية ـ وإن كانت كلمة واحدة ـ أرفع من حظ سائر البيت او القصيدة ...

وحكاية الجاحظ هذه تدلّ على أنّ المقطع آخر البيت أو القصيدة وهو بالبيت أليق لذكر حظ القافية.

وحكى أيضا عن صديق له أنّه قال للعتابي (٦) : ما البلاغة؟ فقال : كل كلام أفهمك صاحبه حاجته من غير إعادة ولا حبسة ولا استعانة فهو بليغ. قال : قلت :

قد عرفت الإعادة والحبسة وما الاستعانة؟ قال : أما تراه إذا تحدّث قال عند مقاطع كلامه : يا هناه ، اسمع مني ، واستمع إليّ ، وافهم ، وأ لست تفهم؟ هذا كله عيّ

__________________

(١) حسن التوسل ص ٢١٣ ، نهاية الارب ج ٧ ص ١٧٥.

(٢) اللسان (قسم).

(٣) شرح عقود الجمان ص ١٠٥.

(٤) اللسان (قطع) و (طلع).

(٥) البيان ج ١ ص ١١٢.

(٦) البيان ج ١ ص ١١٣.

٦٤١

وفساد.

وهذا القول من العتابي يدلّ على أنّ المقاطع أواخر الفصول ، ومثله ما حكاه الجاحظ أيضا عن المأمون أنّه قال لسعيد بن أسلم : «والله إنّك لتصغي لحديثي وتقف عند مقاطع كلامي».

واذا جعل المقطع والمطلع مصدرين بمعنى القطع والطلوع كانت الطاء واللام مفتوحتين ، واذا أريد موضع القطع والطلوع كسرت اللام خاصة وهو مسموع على غير قياس» (١).

مقتضى الحال :

وهو أن يكون الكلام مطابقا للحالة التي يتحدّث عنها ومناسبا للموقف الذي يتحدّث فيه. وقد اهتم العرب بذلك منذ القديم ، فقال الحطيئة :

تحنّن عليّ هداك المليك

فانّ لكل مقام مقالا (٢)

وتحدّث عنه النحاة والبلاغيون وقالوا إنّ خير الكلام ما كان مطابقا لمقتضى الحال ، وقالوا إنّ لكل مقام مقالا (٣) ، إلى غير ذلك من الأقوال التي تقدّمت في «مطابقة الكلام لمقتضى الحال».

مقتضى الظّاهر :

وهو أن يكون الكلام مطابقا للواقع أو أن تؤدّي الجمل والعبارات المعنى الذي تحمله الألفاظ أي ليس فيها تأويل وتوجيه غير ما تدلّ عليه الكلمات او الكلام في الظاهر (٤). وقد يخرج الكلام على ذلك فيقال إنّه خرج على مقتضى الظاهر ، ومن ذلك الالتفات والقلب والأسلوب الحكيم وغيرها ، ولها في هذا المعجم موادّ.

المقصّر :

قصر الشيء يقصر قصرا : خلاف طال. قصّرته تقصيرا : اذا صيرته قصيرا ، وقصر عن الأمر يقصر قصورا وأقصر وقصّر وتقاصر (٥).

المقصّر هو الكلام الذي لا ينبئك بمعناه عند سماعك إياه ويحوجك الى شرح (٦) ، كقول الحارث بن حلزة :

والعيش خير في ظلا

ل النّوك ممن رام كدّا

أراد : والعيش الناعم خير في ظلال النوك من العيش الشاق في ظلال العقل ، «وليس يدلّ لحن كلامه على هذا فهو من الإيجاز المقصّر» (٧).

المقلوب :

القلب : تحويل الشيء عن وجهه ، قلبه يقلبه قلبا (٨).

عقد ابن قتيبة بابا للمقلوب وهو يأتي على أشكال متعدّدة (٩) ، فمن ذلك أن يوصف الشيء بضد صفته للتطيّر والتفاؤل كقولهم للدّيغ : «سليم» تطيّرا من السقم وتفاؤلا بالسلامة ، وللعطشان : «ناهل» أي : سينهل. وللمبالغة في الوصف كقولهم للشمس : «جونة» لشدة ضوئها. وللاستهزاء كقوله تعالى على لسان قوم شعيب : (إِنَّكَ لَأَنْتَ الْحَلِيمُ الرَّشِيدُ)(١٠).

ومن ذلك ما يسمّى المتضادّان باسم واحد والأصل واحد فيقال للصبح «صريم» ولليل «صريم» قال تعالى :

__________________

(١) العمدة ج ١ ص ٢١٥.

(٢) مجاز القرآن ج ٢ ص ٣ ، الكامل ج ٢ ص ٥٤٩.

(٣) ينظر الحيوان ج ١ ص ٢٠١ ، كتاب الصناعتين ص ٢١ ، ٢٧.

(٤) شرح عقود الجمان ص ٢٧.

(٥) اللسان (قصر).

(٦) كتاب الصناعتين ص ٣٦.

(٧) كتاب الصناعتين ص ١٨٨.

(٨) اللسان (قلب).

(٩) تأويل مشكل القرآن ص ١٤٢ ، وينظر أدب الكاتب ص ٢٥.

(١٠) هود ٨٧.

٦٤٢

(فَأَصْبَحَتْ كَالصَّرِيمِ)(١) أي سوداء كالليل ؛ لأنّ الليل ينصرم عن النهار والنهار ينصرم عن الليل.

ويقال للظلمة «سدفة» وللضوء «سدفة» وأصل السدفة : السترة ، فكأن الظلام إذا أقبل ستر للضوء ، والضوء إذا أقبل ستر للظلام.

ومن المقلوب أن يقدّم ما يوضحه التأخير ويؤخّر ما يوضحه التقديم كقوله تعالى : (فَلا تَحْسَبَنَّ اللهَ مُخْلِفَ وَعْدِهِ رُسُلَهُ)(٢). أي : مخلف رسله وعده ، لأنّ الإخلاف قد يقع بالوعد كما يقع بالرسل فتقول : أخلفت الوعد وأخلفت الرسل.

ومن المقلوب ما قلب على الغلط كقول عبيد الله بن قيس الرقيات :

أسلمته في دمشق كما

أسلمت وحشية وهقا (٣)

أراد : كما أسلم وحشية وهق ، فقلب على الغلط.

وأجاز المبرّد القلب إذا لم يدخل الكلام لبس ، قال : «رفعت لناري» من المقلوب إنّما أراد : «رفعت له ناري» والكلام إذا لم يدخله لبس جاز القلب للاختصار» (٤) ، ولم يجوّزه الآمدي دائما قال : «وإنما كان يصدر عن العرب على سبيل السهو ولا يسوّغه متأخّر ، ومنه ما هو حسن وقد جاء مثله في القرآن» (٥).

وأشار قدامة إلى نوع من المقلوب في عيوب ائتلاف المعنى والوزن قال : «ومنها المقلوب وهو أن يضطرّ الوزن الشعري الى إحالة المعنى فيقلبه الشاعر الى خلاف ما قصد» (٦) كقول عروة بن الورد :

فلو أنّى شهدت أبا سعاد

غداة غدا بمهجته يفوق

فديت بنفسه نفسي ومالي

وما آلوك إلا ما أطيق

أراد أن يقول : «فديت نفسه بنفسي» فقلب المعنى.

وللقلب معان أخرى تقدّمت في مادّة «القلب».

مقلوب البعض :

هو أن يكون في الكلام كلمتان أو أكثر يكون فيهما تقديم أو تأخير في بعض الحروف بحيث لا يشمل ذلك الاختلاف الحروف كلها مثل : «رقيب» و «قريب» و «شاعر» و «شارع» ومنه قول أبي فراس :

فعندي خصب روّاد

وعندي ريّ ورّاد (٧)

مقلوب الكلّ :

سمّاه بعضهم المقلوب المستوى وعرّفه الحريري في مقاماته بما لا يستحيل بالانعكاس وهو أن يكون الكلام بحيث إذا قلبته أي ابتدأت به من حرفه الأوّل كان اياه كقوله تعالى : (وَكُلٌّ فِي فَلَكٍ)(٨) وقوله :(وَرَبَّكَ فَكَبِّرْ)(٩) وقول الأرجاني :

مودّته تدوم لكل هول

وهل كلّ مودّته تدوم (١٠)

المقلوب المجنّح :

المقلوب المجنّح هو مقلوب الكل ولكنّهم يحتفظون بالكلمتين اللتين تقع فيهما هاتان الصنعتان

__________________

(١) القلم ٢٠.

(٢) ابراهيم ٤٧.

(٣) الوهق : حبل في طرفه انشوطة يطرح في عنق الدابة حتى تؤخذ.

(٤) الكامل ج ١ ص ٣٢٢.

(٥) الموازنة ج ١ ص ٥٢.

(٦) نقد الشعر ص ٢٥٢ ، وينظر الموشح ص ١٢٨ ، شرح الكافية ص ٢٥٧.

(٧) حدائق السحر ص ١٠٨ ، مفتاح العلوم ص ٢٠٣ ، الايضاح في شرح مقامات الحريري ص ٢١.

(٨) يس ٤٠.

(٩) المدثر ٣.

(١٠) الايضاح في شرح مقامات الحريري ص ٢١ ، مفتاح العلوم ص ٢٠٣ ، خزانة الادب ص ٢٣٧ ، أنوار الربيع ج ٤ ص ٢٨٨.

٦٤٣

فيضعون واحدة منها في أوّل البيت والأخرى في نهايته. ويسمّى أحيانا «المقلوب المعطّف». ومثاله :

ساق هذا الشاعر الجب

ن الى من قلبه قاس

سار حيّ القوم فال

همّ علينا جبل راس (١)

المقلوب المستوي :

هو أن يقع قلب الكل في كلمتين أو أكثر ، أي : إذا قلبت الجملة او المصراع أو البيت كان كل واحد من هذه الثلاثة متفّق الأصل مع مقلوبه مثل قوله تعالى : (وَكُلٌّ فِي فَلَكٍ)(٢) وقوله : (وَرَبَّكَ فَكَبِّرْ)(٣). وقد تقدم في مقلوب الكل (٤).

الملاءمة :

تلأم القوم والتأموا : اجتمعوا واتفقوا وتلاءم الشيئان إذا اجتمعا واتّصلا. ولاءمت بين الفريقين إذا اصلحت بينهما ، ولاءمت بين القوم ملاءمة : أذا أصلحت وجمعت واذا اتفق الشيئان فقد التأما. ولاءمني الأمر : وافقني (٥).

قال الحلبي والنّويري : «فالملاءمة تأليف الألفاظ الموافية بعضها لبعض على ضرب من الاعتدال» (٦) كقول لبيد :

وما المرء إلا كالشهاب وضوؤه

يعود رمادا بعد إذ هو ساطع

وما المال والأهلون إلا ودائع

ولا بدّ يوما أن تردّ الودائع

ثم قالا : «وبعضهم يعدّ التلفيق من باب الملاءمة ، وهو أن يضمّ الى ذكر الشيء ما يليق به ويجري مجراه أي يجمع الأمور المتناسبة ويقال له «مراعاة النظير».

الملخّص :

لخّصت الشيء : اذا استقصيت في بيانه وشرحه وتحبيره ، يقال : لخّص لي خبرك أي بيّنه لي شيئا بعد شيء. ولخصت القول : اقتصرت فيه واختصرت منه ما يحتاج اليه (٧).

الملخّص من الشعر والكلام هو الذي يكون واضحا بيّنا ، وهو خلاف المعقّد قال عبد القاهر : «وأما الملخّص فيفتح لفكرتك الطريق المستوي ويمهّده وإن كان فيه تعاطف أقام عليه المنار وأوقد فيه

الأنوار حتى تسلكه سلوك المتبين لوجهته وتقطعه قطع الواثق بالنجح في طيته فترد الشريعة زرقاء والروضة غناء فتنال الري وتقطف الزهر الجني. وهل شيء أحلى من الفكرة إذا استمرت وصادفت نهجا مستقيما ومذهبا قويما وطريقة تنقاد ، وتبيّنت لها الغاية فيما ترتاد» (٨).

الملكة :

الملك : ما ملكت اليد من مال وخول ، والملكة :ملكك (٩).

الملكة هي صفة راسخة في النفس ، وتحقيقه أنّه تحصل للنفس هيئة بسبب فعل من الأفعال ، ويقال

__________________

(١) حدائق السحر ص ١٠٩ ، مفتاح العلوم ص ٢٠٣ ، وينظر الايضاح في شرح مقامات الحريري ص ٢١.

(٢) يس ٤٠.

(٣) المدثر ٣.

(٤) الايضاح في شرح مقامات الحريري ص ٢١ ، مفتاح العلوم ص ٢٠٣ ، خزانة الادب ص ٢٣٧ ، معترك ج ١ ص ٤٠٦ ، شرح عقود الجمان ص ١٥٣. أنوار الربيع ج ٥ ص ٢٨٨.

(٥) اللسان (لأم).

(٦) حسن التوسل ص ٢١٠ ، نهاية الارب ج ٧ ص ١٠٦ ، وينظر الايضاح في شرح مقامات الحريري ص ١٤٠.

(٧) اللسان (لخص).

(٨) أسرار البلاغة ص ١٣٥.

(٩) اللسان (ملك).

٦٤٤

لتلك الهيئة كيفية نفسانية ، وتسمّى حالة ما دامت سريعة الزوال ، فاذا تكرّرت ومارستها النفس حتى رسخت تلك الكيفية فيها وصارت بطيئة الزوال فتصير ملكة ، وبالقياس الى ذلك الفعل عادة وخلقا (١).

قال القزويني عن فصاحة المتكلّم إنّها «ملكة يقتدر بها على التعبير عن المقصود بلفظ فصيح» (٢).

وشرحها بقوله : «فالملكة قسم من مقولة الكيف التي هي هيئة قارّة لا تقتضي قسمة ولا نسبة وهو مختصّ بذوات الأنفس راسخ في موضوعه ، وقيل : «ملكة» حتّى لا يكون المعبّر عن مقصوده بلفظ فصيح فصيحا إلّا إذا كانت الصفة التي اقتدر بها على التعبير عن المقصود بلفظ فصيح راسخة فيه. وقيل : «يقتدر بها» ولم يقل : «يعبر بها» ليشمل حالتي النطق وعدمه. وقيل : «بلفظ فصيح» ليعم المفرد والمركّب».

ولم يخرج البلاغيون عما رسمه القزويني وكل ما فعلوه هو شرح عباراته (٣)

المماتنة :

المماتنة : المباعدة في الغاية ، وسير مماتن : بعيد ، وسار سيرا مماتنا ، أي بعيدا. ويقال : ماتن فلان فلانا إذا عارضه في جدل أو خصومة (٤).

قال المظفر العلوي : «أمّا المماتنة فهي تنازع الشاعرين بينهما بيتا يقول أحدهما صدره والآخر عجزه» (٥).

المماثل :

هو المجانس المماثل ، قال الآمدي : «وقد رأيت قوما من البغداديين يسمّون هذا النوع المجانس المماثل ويلحقون به الكلمة إذا ترددت وتكررت نحو قول جرير :

تزوّد مثل زاد أبيك فينا

فنعم الزاد زاد أبيك زادا

وبابه قليل» (٦).

وقال ابن سنان : «وبعض البغداديين يسمّي تساوي اللفظيتين في الصفة مع اختلاف المعنى ، المماثل» (٧).

وقد سمّى قدامة هذا النوع المطابق وقال : «فأمّا المطابق فهو ما يشترك في لفظة واحدة بعينها» (٨).

وسمّاه ابن رشيق المماثلة (٩) ، وفعل مثله المتأخّرون وربطوا هذا الفن بالجناس أو الموازنة (١٠).

المماثلة :

مثل : كلمة تسوية يقال : هذا مثله ومثله ، والفرق بين المماثلة والمساواة أنّ المساواة تكون بين المختلفين في الجنس والمتفقين لأنّ التساوي هو التكافؤ في المقدار لا يزيد ولا ينقص ، وأمّا المماثلة فلا تكون إلا في المتفقين (١١).

سمّى قدامة المماثلة تمثيلا وهو من نعوت ائتلاف اللفظ والمعنى ، قال : «هو أن يريد الشاعر إشارة الى معنى فيضع كلاما يدلّ على معنى آخر ، وذلك المعنى والكلام منبئان عما أراد أن يشير اليه» (١٢) ، كقول

__________________

(١) التعريفات ص ٢٠٥.

(٢) الايضاح ص ٩ ، التلخيص ص ٣٢.

(٣) شروح التلخيص ج ١ ص ١١٧ ، المطول ص ٢٤ ، الأطول ج ١ ص ٢٨.

(٤) اللسان (متن).

(٥) نضرة الاغريض ص ١٩٤.

(٦) الموازنة ج ١ ص ١٧٥.

(٧) سر الفصاحة ص ٢٢٨.

(٨) نقد الشعر ص ١٨٥.

(٩) العمدة ج ١ ص ٣٢١.

(١٠) تحرير التحبير ص ٢٩٧ ، بديع القرآن ص ١٠٧ ، المصباح ص ٨٠ ، الايضاح ص ٣٩٨ ، التلخيص ص ٤٠٤ ، شروح التلخيص ج ٤ ص ٤٥٧ ، المطول ص ٤٥٧ ، الاطول ج ٢ ص ٢٣٦ ، خزانة الادب ص ٣٧٠ ، شرح عقود الجمان ص ١٥٢ ، انوار الربيع ج ٥ ص ١٧٨.

(١١) اللسان (مثل).

(١٢) نقد الشعر ص ١٨١.

٦٤٥

الرماح بن ميادة :

ألم تك في يمنى يديك جعلتني

فلا تجعلنّي بعدها في شمالكا

ولو أنّني أذنبت ما كنت هالكا

على خصلة من صالحات خصالكا

وسمّاها أبو أحمد العسكري «المماثلة» ، قال عبد القاهر وهو يتحدّث عن قولهم : «إنّك تقدّم رجلا وتؤخّر أخرى» : «وذكر أبو أحمد العسكري أنّ هذا النحو من الكلام يسمّى المماثلة ، وهذه التسمية توهم أنّه شيء غير المراد بالمثل والتمثيل وليس الأمر كذلك» (١).

وأخذ أبو هلال العسكري من خاله هذه التسمية وقال : «المماثلة أن يريد المتكلّم العبارة عن معنى فيأتي بلفظة تكون موضوعة لمعنى آخر إلا أنّه ينبىء إذا أورده عن المعنى المراد» (٢) ، وذكر بيتي ابن ميادة : «ألم تك ...» ، وقوله ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ : «إياكم وخضراء الدمن» وقولهم : «فلان نقيّ الثوب» ويتضح أنّ المماثلة عنده المثل أو ما يقرب من الكناية ، وقد قال الباقلاني إنّها «ضرب من الاستعارة سمّاه قدامة التمثيل وهو على العكس من الإرداف مبني على الاسهاب والبسط وهو مبني على الايجاز والجمع ، وذلك أن يقصد الإشارة الى معنى فيضع ألفاظا تدل عليه ، وذلك المعنى بألفاظه مثال للمعنى الذي قصد الإشارة اليه» (٣) ، ومثل له بقولهم : «أراك تقدّم رجلا وتؤخّر أخرى» وقوله تعالى : (وَثِيابَكَ فَطَهِّرْ)(٤) ، وقول الحارثي :

بني عمّنا لا تذكروا الشعر بعد ما

دفنتم بصحراء الغمير القوافيا

والآية الكريمة والبيت من شواهد الكناية لا الاستعارة.

وتابع التبريزي الباقلّاني وقال : «المماثلة ضرب من الاستعارة» (٥) ونقل البغدادي تعريفه (٦).

وأدخلها ابن رشيق في التجنيس وقال : «التّجنيس ضروب كثيرة منها المماثلة وهي أن تكون اللفظة واحدة باختلاف المعنى» (٧). وهذا ما ذكره الآمدي وابن سنان (٨). وفسّرها المصري تفسيرا آخر فقال : «هو أن تتماثل ألفاظ الكلام أو بعضها في الزنة دون التقفية» (٩) كقوله تعالى : (وَما أَدْراكَ مَا الطَّارِقُ. النَّجْمُ الثَّاقِبُ. إِنْ كُلُّ نَفْسٍ لَمَّا عَلَيْها حافِظٌ)(١٠). فالطارق والثاقب وحافظ متماثلات في الزنة دون التقفية.

وقد تأتي بعض ألفاظ المماثلة مقفاة من غير تصد ؛ لأنّ التقفية في هذا الباب غير لازمة كقول امرىء القيس :

فتور القيام قطوع الكلام

تفترّ عن ذي غروب خصر

كأنّ المدام وصوب الغمام

وريح الخزامى ونشر القطر

يعلّ بها برد أنيابها

إذا غرّد الطائر المستحر (١١)

وتابعه ابن مالك فقال : «المماثلة أن يتعدّد أو يوجد في البيت أو نحوه مماثلة في الوزن والتقفية أو في الوزن فقط بين كلمتين متلاقيتين أو متوازيتين» (١٢) ، ومثل له بقوله تعالى : (وَرَبُّكَ أَعْلَمُ بِمَنْ فِي السَّماواتِ

__________________

(١) أسرار البلاغة ص ١٠٠.

(٢) كتاب الصناعتين ص ٣٥٣.

(٣) اعجاز القرآن ص ١١٩.

(٤) المدثر ٤.

(٥) الوافي ص ٢٧٤.

(٦) قانون البلاغة ص ٤٤٥.

(٧) العمدة ج ١ ص ٣٢١.

(٨) الموازنة ج ١ ص ٢٧٥ ، سر الفصاحة ص ٢٢٨.

(٩) تحرير التحبير ص ٢٩٧ ، بديع القرآن ص ١٠٧.

(١٠) الطارق ٢ ـ ٤.

(١١) تفتر : تبتسم. الغروب : حدة الاسنان. خصر :بارد. القطر : العود الذي يتبخر به. المستحر :المصوت بالسحر.

(١٢) المصباح ٨٠.

٦٤٦

وَالْأَرْضِ وَلَقَدْ فَضَّلْنا بَعْضَ النَّبِيِّينَ عَلى بَعْضٍ وَآتَيْنا داوُدَ زَبُوراً)(١) ، وقول الشاعر :

معتّقة مصفّفة غفار

شآمية إذا مزجت مروح

وقول أبي تمام :

مها الوحش إلا أنّ هاتا أوانس

قنا الخط إلّا أنّ تلك ذوابل

وقال البحتري :

فأحجم لما لم يجد فيك مطمعا

وأقدم لما لم يجد عنك مهربا

ونقل الحموي تعريف ابن مالك وأمثلته (٢) ، وفعل مثله المدني (٣).

وأدخلها القزويني في الموازنة وقال : «فإن كان ما في إحدى القرينتين من الألفاظ أو أكثر ما فيها مثل ما يقابله من الأخرى في الوزن خص باسم المماثلة» (٤) كقول تعالى : (وَآتَيْناهُمَا الْكِتابَ الْمُسْتَبِينَ ، وَهَدَيْناهُمَا الصِّراطَ الْمُسْتَقِيمَ)(٥) ، ومثل قول أبي تمام : «مها الوحش ...» وبيت البحتري : «فأحجم ...» وتابعه في ذلك شرّاح التلخيص وغيرهم (٦). وقال المدني : «والفرق بين المماثلة والمناسبة اللفظية توالي الألفاظ المتّزنة في المماثلة دون المناسبة. ولا يخفى أنّ هذا النوع ـ أعني المماثلة ـ ليس تحته كبير أمر ، لكنه لمّا كان أمرا زائدا على ما خلا عنه من الكلام عدّ من البديع» (٧).

والمماثلة عند السجلماسي هي التمثيل قال : «المماثلة وهو المدعوّة أيضا التمثيل ... وحقيقتها التخييل والتمثيل للشيء بشيء له اليه نسبة وفيه منه إشارة وشبهة. والعبارة عنه به وذلك أن يقصد الدلالة على معنى فيضع ألفاظا تدلّ على معنى آخر ، ذلك المعنى بألفاظه مثال للمعنى الذي قصد الدلالة عليه» (٨).

الممتنع :

المنع : أن تحول بين الرجل وبين الشيء الذي يريده ، يقال : منعه يمنعه منعا ومنّعه فامتنع وتمنع (٩).

قال ابن سنان : «الممتنع هو الذي يمكن تصوّره في الوهم وإن كان لا يمكن وجوده مثل أن يتصوّر تركيب بعض أعضاء الحيوان من نوع في نوع آخر منه كما يتصوّر يد أسد في جسم انسان ، فانّ هذا وإن كان لا يمكن وجوده فإنّ تصوّره في الوهم ممكن. وقد يصحّ أن يقع الممتنع في النظم والنثر على جهة المبالغة ولا يجوز أن يقع المستحيل البتة (١٠).

المناسبة :

ناسبه : شاركه في نسبه ، وفلانا يناسب فلانا فهو نسيبه أي قريبه (١١). المناسبة عند الرّمّاني النوع الثاني من التّجانس ، قال : «وهي تدور في فنون المعاني التي ترجع الى أصل واحد» (١٢) كقوله تعالى : (ثُمَّ انْصَرَفُوا صَرَفَ اللهُ قُلُوبَهُمْ)(١٣) فجونس بالانصراف عن الذّكر ثم صرف القلب عن الخير ، والأصل فيه واحد وهو الذهاب عن الشيء ، أمّا هم فذهبوا عن الذكر وأما قلوبهم فذهب بها الخير. ونقل الصنعاني كلام الرّمّاني

__________________

(١) الاسراء ٥٥.

(٢) خزانة الادب ص ٣٧٠ ، نفحات ص ١٦٤ ، شرح الكافية ص ١٩٥.

(٣) انوار الربيع ج ٥ ص ١٧٨.

(٤) الايضاح ص ٣٩٨ ، التلخيص ص ٤٠٤.

(٥) الصافات ١١٧ ـ ١١٨.

(٦) شروح التلخيص ج ٤ ص ٤٥٧ ، المطول ص ٤٥٧ ، الاطول ج ٢ ص ٢٣٦ ، شرح عقود الجمان ص ١٥٢.

(٧) أنوار الربيع ج ٥ ص ١٧٩ ، وينظر تحرير التحبير ص ٢٩٨.

(٨) المنزع البديع ص ٢٤٤.

(٩) اللسان (منع).

(١٠) سر الفصاحة ص ٢٨٧.

(١١) اللسان (نسب).

(١٢) النكت في اعجاز القرآن ص ٩٢.

(١٣) التوبة ١٢٧.

٦٤٧

وأمثلته (١).

والمناسبة عند المصري نوعان (٢) : مناسبة في المعاني ومناسبة في الألفاظ فالمعنوية أن يبتدىء المتكلّم بمعنى ثم يتمّم كلامه بما يناسبه معنى دون لفظ كقوله تعالى : (لا تُدْرِكُهُ الْأَبْصارُ وَهُوَ يُدْرِكُ الْأَبْصارَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ)(٣) ، فانه سبحانه لما قدّم نفي إدراك الإبصار له عطف على ذلك قوله : (وَهُوَ اللَّطِيفُ) خطابا للسامع بما يفهم إذ معترف العادة أنّ كل لطيف لا تدركه الأبصار ، ألا ترى أنّ حاسّة البصر لا تدرك إلّا اللون من كل متلوّن ، والكون من كل متكوّن فإدراكهما إنّما هو للمركّبات دون الأفراد ولذلك لما قال (وَهُوَ يُدْرِكُ الْأَبْصارَ) عطف على ذلك قوله (الْخَبِيرُ) تخصيصا لذاته سبحانه بصفات الكمال ؛ لأنّ كل من أدرك شيئا كان خبيرا بذلك الشيء.

ومن ذلك قول المتنبي :

على سابح موج المنايا بنحره

غداة كأنّ النّبل في صدره وبل

فإنّ بين لفظة السباحة ولفظة الموج ولفظة الوبل تناسبا معنويا صار البيت به متلاحما شديد ملاءمة الألفاظ.

وأما المناسبة اللفظية فهي توخّي الإتيان بكلمات متّزنات وهي على ضربين : تامة وغير تامة. فالتامة أن تكون الكلمات مع الاتزان مقفّاة وأخرى ليست بمقفّاة ، فالتقفية غير لازمة للمناسبة. ومن شواهد المناسبة التي ليست بتامة في الكتاب العزيز قوله تعالى : (ق. وَالْقُرْآنِ الْمَجِيدِ بَلْ عَجِبُوا أَنْ جاءَهُمْ مُنْذِرٌ مِنْهُمْ فَقالَ الْكافِرُونَ هذا شَيْءٌ عَجِيبٌ)(٤).

ومن شواهد التامة قوله ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ مما كان يرقي به الحسنين ـ عليهما‌السلام ـ : «أعيذ كما بكلمات الله التامة من كل شيطان وهامة ومن كل عين لامة» ، فقال النبي الكريم : «لامة» ولم يقل «ملمة» وهي القياس لمكان المناسبة اللفظية للتامة. ومثله قوله ـ عليه‌السلام ـ : «ارجعن مأزوات غير مأجورات» والمستعمل «موزورات» لأنّه من «الوزر» غير مهموز وأما ما جاء من السّنّة من أمثلة المناسبة الناقصة فكقوله ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ «إنّ أحبكم اليّ وأقربكم مني مجالس يوم القيامة أحاسنكم أخلاقا الموطئون أكنافا» (٥) فناسب ـ عليه‌السلام ـ بين «أخلاق» و «أكناف» مناسبة اتزان لا تقفيه.

ومن أمثلة المناسبتين الناقصة والتامة قول أبي تمام :

مها الوحش إلا أنّ هاتا أوانس

قنا الخطّ إلا أنّ تلك ذوابل

فناسب بين «مها» و «قنا» مناسبة تامّة وبين «الوحش» و «الخطّ» و «أوانس» و «ذوابل» مناسبة غير تامّة.

ولخّص الحلبي والنّويري وابن الأثير الحلبي والحموي (٦) كلام المصري وأخذوا بعض أمثلته.

ولم يخرج المدني كثيرا على سابقيه غير أنّه قال : «المناسبة على ضربين : معنوية ولفظية والمعنوية هي التّناسب في المعاني ويندرج فيها مراعاة النظير والتوشيح وتناسب الأطراف وائتلاف المعنى مع المعنى. وتوهّم ابن حجة أنّ المناسبة المعنوية أمر غير ذلك وعرّفها بتعريف تناسب الأطراف الذي سمّاه بعضهم بتشابه الأطراف المعنوي ومثّل لها

__________________

(١) الرسالة العسجدية ص ١٣٠.

(٢) تحرير التحبير ص ٣٦٣ ، بديع القرآن ص ١٤٥.

(٣) الانعام ١٠٣.

(٤) ق ١ ـ ٢.

(٥) الموطأ الاكناف : الرجل الدمث الاخلاق السهل الكريم.

(٦) حسن التوسل ص ٢٨٨ ، نهاية الأرب ج ٧ ص ١٥٨ ، جوهر الكنز ص ٢٤١ ، خزانة الادب ص ١٦٦ ، نفحات ص ١٣٨ ، شرح الكافية ص ١٤١.

٦٤٨

بأمثلة مراعاة النظير وخلط بين النوعين» (١). ولم يتحدّث عن المعنوية وإنما تكلّم على اللفظية لأنها «هي المقصودة بالذكر» ، ونقل تعريف المصري.

وفرّقوا بين المماثلة والمناسبة فقالوا : الفرق بين المماثلة والمناسبة توالي الكلمات المستويات في المماثلة وتفارقها في المناسبة» (٢).

وللمناسبة معنى آخر ذكره السّيوطي وهو الترابط بين الآيات الكريمة وغيرها ، قال : «المناسبة في اللغة المشاكلة والمقارية ومرجعها في الآيات ونحوها إلى معنى رابط بينهما عامّ أو خاصّ عقلي أو حسي أو خيالي أو غير ذلك من انواع علاقات التلازم الذهني كالسبب والمسبّب والعلة والمعلول والنظيرين والضدين ونحوه. وفائدته جعل أجزاء الكلام بعضها آخذا باعناق بعض فيقوى بذلك الارتباط ويصير التأليف حالته حال البناء المحكم المتلائم الأجزاء» (٣).

المنافرة بين الألفاظ :

النّفر : التّفرّق ، ونافرت الرجل منافرة إذا قاضيته ، والمنافرة : المفاخرة والمحاكمة ، وفي حديث أبي ذرّ : «نافر أخي أنس فلانا الشاعر» أراد إنهما تفاخرا أيهما أجود (٤).

قال ابن الأثير : «وحقيقة هذا النوع الذي هو المنافرة ، أن يذكر لفظ أو ألفاظ يكون غيرها مما هو معناها أولى بالذّكر» (٥). وقال : «وعلى هذا فإنّ الفرق بينه وبين المعاظلة أنّ المعاظلة هي التراكب والتداخل أما في الألفاظ أو في المعاني ، وهذا النوع لا تراكب فيه وإنما هو إيراد ألفاظ غير لائقة بموضعها الذي ترد فيه».

والمنافرة نوعان :

الأوّل : يوجد في اللفظة الواحدة ، وإذا ورد هذا النوع في الكلام أمكن تبديله بغيره مما هو في معناه سواء كان ذلك الكلام نثرا أو نظما.

الثاني : يوجد في الألفاظ المتعددة ، ولا يمكن بتديله بغيره في الشعر بل يمكن ذلك في النثر لأنّه يعسر في الشعر من أجل الوزن.

ومن القسم الأوّل قول المتنبي :

فلا يبرم الأمر الذي هو حالل

ولا يحلل الأمر الذي هو يبرم

فلفظة «حالل» نافرة عن موضعها ، وكانت له مندوحة عنها لأنّه لو استعمل عوضا عنها لفظة «ناقض» لجاءت قارّة في مكانها غير قلقة ولا نافرة.

ومما جاء من القسم الثاني قول المتنبي :

لا خلق أكرم منك إلا عارف

بك داء نفسك لم يقل لك هاتها

فانّ عجز هذا البيت نافر عن مواضعه.

وذكر العلوي مثل ذلك ونقل كلام ابن الأثير وأمثلته (٦).

المناقضة :

النّقض خلاف الإبرام ، والنقض : اسم البناء المنقوض إذا هدم ، وفي حديث صوم التّطوّع : «فناقضني وناقضته» هي مفاعلة من نقض البناء وهو هدمه أي ينقض قولي وأنقض قوله. وناقضه في الشيء مناقضة ونقاضا : خالفه. والمناقضة في القول : أن يتكلّم بما يتناقض معناه (٧).

ذكر المصري أنّ المناقضة من مبتدعاته وقال : «هو

__________________

(١) أنوار الربيع ج ٣ ص ٣٦٤ ، وينظر المنزع البديع ص ٥١٧ ، الروض المريع ص ١٠٥.

(٢) تحرير التحبير ص ٢٩٧ ، خزانة الادب ص ٣٧١ ، انوار الربيع ج ٥ ص ١٧٩.

(٣) معترك ج ١ ص ٥٧ ، الاتقان ج ٢ ص ١٠٨ ، وينظر المنزع البديع ص ٤٠٣.

(٤) اللسان (نفر).

(٥) المثل السائر ج ١ ص ٣٠٤.

(٦) الطراز ج ٣ ص ٥٨.

(٧) اللسان (نقض).

٦٤٩

تعليق الشرط على نقيضين ممكن ومستحيل ، ومراد المتكلّم المستحيل دون الممكن ليؤثر التعليق عدم وقوع المشروط فكأنّ المتكلّم ناقض نفسه في الظاهر إذ شرط وقوع أمر بوقوع نقيضين» (١) كقول النابغة الذبياني :

وإنّك سوف تحلم أو تناهى

إذا ما شبت أو شاب الغراب

فان تعليقه وقوع حلم المخاطب على شيبه ممكن وعلى شيب الغراب مستحيل ، ومراده الثاني لا الأوّل ؛ لأنّ مقصوده أن يقول : إنّك لا تحلم أبدا.

والفرق بين هذا النوع ونفي الشيء بإيجابه أنّ المناقضة ليس فيها نفي ولا إيجاب ، ونفي الشيء بإيجابه ليس فيه شرط ولا معناه.

ومن المناقضة نوع آخر يرجع أصله الى الأوّل «وهو أن يأتي في لفظ الوعد ما يدلّ على الوعيد فيسرّ المخاطب ويسوؤه في وقت واحد فيتوجه على ذلك اللفظ إشكال يوضحه بعده» (٢). كقوله تعالى : (إِنَّا كاشِفُوا الْعَذابِ قَلِيلاً إِنَّكُمْ عائِدُونَ)(٣) فقوله ـ سبحانه ـ : (إِنَّا كاشِفُوا الْعَذابِ) وعد ، ووصف كشف العذاب بالقلة وعيد ، فهو يسر ويسوء في حالة واحدة ، وإنما وصف بالقلة المنافية للكرم من أجل أنّه علّق كشف العذاب بشرط عدم العود الى موجب العذاب فاقتضت البلاغة أن يقول (قَلِيلاً) ليدمج في دلائل النبوة الإخبار بالغيب وهو وقوع العود فيرشح بذكر لفظة (قَلِيلاً) للإيضاح والإخبار بوقوع العود الذي اقتضى أن يكون كشف العذاب قليلا من أجله. والشرط المأخوذ من قوة الكلام هو الذي يردّ هذا النوع الى النوع الأول.

ومن المناقضة نوع آخر وهو مناقضة المتكلّم غيره في معنى ما كمناقضة أبي القاسم بن واسانة نصيبا أو عبد بني الحسحاس في قوله :

فما زال بردي طيبا من ثيابها

الى الحول حتى أنهج البرد باليا

فقال الواساني :

فصاك بي طيبه وصاك به

مني صنان في حدّة البصل

فأخذ معنى بيت المعزّى في صدر بيته وناقضه في بقيته لكنه قصر عنه.

ومن هذا النوع قوله تعالى : (فَمَنِ اعْتَدى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدى عَلَيْكُمْ)(٤). فشرط سبحانه المثلية في المجازاة أمرا بالعدل فناقض في ذلك الجاهلية فيما كانوا عليه من مدح الظلم كقول عمرو بن كلثوم :

ألا لا يجهلن أحد علينا

فنجهل فوق جهل الجاهلينا (٥)

وقد تكلّم قدامة بن قبل على التناقض وقال : «ومما يجب تقديمه أيضا أنّ مناقضة الشاعر نفسه في قصيدتين أو كلمتين بأن يصف شيئا وصفا حسنا ثم يذمه بعد ذلك ذمّا حسنا أيضا غير منكر عليه ولا معيب من فعله إذا أحسن المدح والذم بل ذلك عندي يدل على قوة الشاعر في صناعته واقتداره عليها» (٦) كما عابوا تناقض امرئ القيس في قوله :

فلو أنّ ما أسعى لأدنى معيشة

كفاني ـ ولم أطلب ـ قليل من المال

ولكنّما أسعى لمجد مؤثّل

وقد يدرك المجد المؤثّل أمثالي

وقوله في موضع آخر :

فتملأ بيتنا أقطا وسمنا

وحسبك من غنى شبع وريّ

__________________

(١) تحرير التحبير ص ٦٠٧ ، بديع القرآن ص ٣٢٣.

(٢) تحرير التحبير ص ٦٠٨ ، بديع القرآن ص ٣٢٤.

(٣) الدخان ١٥.

(٤) البقرة ١٩٤.

(٥) بديع القرآن ص ٣٢٤ ـ ٣٢٦.

(٦) نقد الشعر ص ١٨.

٦٥٠

وليس هذا ما ذهب اليه المصري :

وقال ابن منقذ : «المعارضة والمناقضة هو أن يناقض الشاعر كلامه أو يعارض بعضه» (١) كما قال خفاف :

إذا انتكث الخيل ألفيته

صبور الجنان رزينا خفيفا

وقيل : إنه أراد رزينا من جهة العقل وخفيفا ، وقيل : إنه أراد رزينا في نفسه. وقد تقدّم ذلك في المعارضة ، وليس هذا ما أراده المصري وإنما أراد تعليق الشرط على نقيضين ممكن ومستحيل ومراد المتكلّم المستحيل دون الممكن.

ونقل الحموي والسّيوطي كلام المصري وأمثلته (٢) ، وعرّفها السّيوطي تعريفا آخر فقال : «هي تعليق أمر على مستحيل إشارة الى استحالة وقوعه» (٣) كقوله تعالى : (وَلا يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ حَتَّى يَلِجَ الْجَمَلُ فِي سَمِّ الْخِياطِ)(٤).

ورجع المدني الى كلام المصري وأمثلته (٥) ، وبذلك ظل رأيه عمدة المتأخّرين في هذا الفن.

المنتحل :

انتحل فلان شعر فلان أو قول فلان إذا ادّعاه أنّه قائله ، وتنحّله : ادّعاه وهو لغيره ، وانتحل فلان كذا وكذا معناه قد ألزمه نفسه وجعله كالملك له (٦)

المنتحل هو المتحرّى والمنتقى ، قال السّيوطي : «هو أن يختار لفظ إذا قرأه الالثغ لا يعاب عليه تحرّيا» (٧). وقد تقدّم في المتحرّى.

المنتقى :

النقاوة : أفضل ما انتقيت من الشيء ، نقي الشيء ينقى ، وتنقّاه : اختاره. ونقوة الشيء : خياره ، والتنقي : التخير (٨).

المنتقى هو المتحرّى والمنحل ، قال السّيوطي : «هو أن يختار لفظ إذا قرأه الألثغ لا يعاب عليه تحرّيا» (٩). وقد تقدّم في المتحرّى والمنتحل.

المنزع :

يقال للانسان إذا هوي شيئا ونازعته نفسه اليه : هو ينزع اليه نزاعا ، والمنزعة ما يرجع اليه الرجل من أمره ورأيه وتدبيره (١٠).

قال القرطاجني : «إنّ المنازع هي الهيئات الحاصلة عن كيفيات مآخذ الشعراء في أغراضهم وأنحاء اعتماداتهم فيها وما يميلون بالكلام نحوه أبدا ويذهبون به اليه حتى يحصل بذلك للكلام صورة تقبلها النفس او تمتنع من قبولها. والذي تقبله النفس من ذلك ما كانت المآخذ فيه لطيفة والمقصد فيه مستطرفا ، وكان للكلام به حسن موقع من النفس.

والمعين على ذلك أن ينزع بالكلام الى الجهة الملائمة لهوى النفس من حيث تسرّها أو تعجبها او تشجوها حيث يكون الغرض مبنيّا على ذلك نحو منزع عبد الله بن المعتز في خمرياته والبحتري في طيفياته ، فإنّ منزعهما فيما ذهبا اليه من الأغراض منزع عجيب» (١١).

ثم قال : «وقد يعني المنزع أيضا كيفية مأخذ الشاعر في بنية نظمه وصيغة عباراته وما يتّخذه أبدا كالقانون في ذلك كمأخذ أبي الطيب في توطئة

__________________

(١) البديع في نقد الشعر ص ١٥٢.

(٢) خزانة الادب ص ١١٤ ، شرح عقود الجمان ص ١٣٢ ، نفحات ص ١٠٥ ، شرح الكافية ص ١٠١.

(٣) معترك ج ١ ص ٤٦٣.

(٤) الأعراف ٤٠.

(٥) أنوار الربيع ج ٢ ص ٣٦٧.

(٦) اللسان (نحل).

(٧) شرح عقود الجمان ص ١٥٧.

(٨) اللسان (نقي).

(٩) شرح عقود الجمان ص ١٥٧.

(١٠) اللسان (نزع).

(١١) منهاج البلغاء ص ٣٦٥.

٦٥١

صدور الفصول للحكم التي يوقعها في نهاياتها فانّ ذلك كله منزع اختص به واختص بالاكثار منه والاعتناء به. وقد يعنى بالمنزع غير ذلك إلّا أنّه راجع الى معنى ما تقدّم ، فانّه أبدا لطف مأخذ في عبارات أو معان أو نظم أو أسلوب» (١).

المنصف :

قال السّكّاكي وهو يتحدّث عن الجزاء والشرط : «ومن هذا الأسلوب قوله تعالى : (قُلْ لا تُسْئَلُونَ عَمَّا أَجْرَمْنا وَلا نُسْئَلُ عَمَّا تَعْمَلُونَ)(٢) وإلا فحق النسق من حيث الظاهر قبل (لا تُسْئَلُونَ) عما عملنا ولا نسأل عما تجرمون وكذا ما قبله : (وَإِنَّا أَوْ إِيَّاكُمْ لَعَلى هُدىً أَوْ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ)(٣). وهذا النوع من الكلام يسمّى المنصف» (٤). ولم يعرّفه أو يحدد أقسامه وأهدافه.

المنقاد :

المنقاد نوع من السجع ، قال الكلاعي : «وسمّينا هذا النوع من السجع المنقاد لأنّه ينقاد طوعا ويأتي قبل أن يستدعى ويستجلب وأكثر ما يأتي في فصل العامل» (٥) فمنه ما يأتي متفّقا في الوزن والسجع مثل «خبير» و «بصير» وربما خالفوا بحرف المد واللين فجاءوا بـ «خبير» مع «غفور». وربما جاء متفقا في السجع دون الوزن كـ «زيد» و «أيد» و «عمر» وقمر».

وربما أتوا بحروف متقاربة كالسين والصاد من حروف الهمس والطاء والظاء من حروف الاطباق.

وكثيرا ما يقع السجع في هذا الباب بالكنايات فيحترزون بها دون تكرار الحرف الذي قبلها فيقولون : لنا وبنا ويعتقد ونها فصلا وسجعا.

المواربة :

المواربة : المداهاة والمخاتلة ، وهي مأخوذة من الإرب وهو الدهاء فحوّلت الهمزة واوا. ويقال : ورب العرق يورب : أي فسد (٦).

وقال المصري : «المواربة براء مهملة وهي من ورب العرق بفتح الواو والراء إذا فسد فهو ورب ـ بكسر الراء ـ فكأنّ المتكلّم أفسد مفهوم ظاهر للكلام بما أبداه من تأويل باطنه (٧).

قال التّبريزي : «المواربة أن يقول الشاعر في مديح أو هجاء أو وصف فان أنكر عليه المديح بعض أعداء الممدوح ممن يخافه أو عثر عليه المهجوّ غيّر المعنى بلفظه إلى ما يتخلص به أو زاد او نقص. وأصله من «الإرب» وهو المكر والخديعة يقال أربت بكذا وكذا» (٨).

وقال المصري : «وحقيقتها أن يقول المتكلّم قولا يتضمّن ما ينكر عليه بسببه لبعد ما يتخلص به منه هذا إن فطن له وقت العمل وإلّا ارتجل حين يجبه به ما يخلّصه منه من جواب حاضر أو حاجة بالغة او تصحيف كلمة او تحريفها أو زيادة في الكلام او نقص او نادرة معجبة او ظرفة مضحكة» (٩) وقد جاء في الكتاب العزيز من ذلك قوله تعالى حكاية عن أكبر ولد يعقوب عليه‌السلام : (ارْجِعُوا إِلى أَبِيكُمْ فَقُولُوا يا أَبانا إِنَّ ابْنَكَ سَرَقَ)(١٠) فانّ بعض العلماء قرأ هذا الحرف (إِنَّ ابْنَكَ سَرَقَ) و «لم يسرّق» بفعل ما لم يسمّ فاعله توخيا للصدق فان يوسف ـ عليه‌السلام ـ سرّق ولم يسرق ، فأتى بالكلام على الصحة بابدال الضمة من فتحة وتشديد في الراء وكسرتها» (١١).

__________________

(١) منهاج البلغاء ص ٣٦٦.

(٢) سبأ ٢٥.

(٣) سبأ ٢٤.

(٤) مفتاح العلوم ص ١١٨.

(٥) احكام صنعة الكلام ص ٢٤٢.

(٦) اللسان (ورب).

(٧) تحرير التحبير ص ٢٤٩ ، وينظر خزانة الادب ص ١١٢ ، أنوار الربيع ج ٢ ص ٢٩٩.

(٨) الوافي ص ٣٠٠.

(٩) تحرير التحبير ص ٢٤٩ ، بديع القرآن ص ٩٤.

(١٠) يوسف ٨١.

(١١) بديع القرآن ٩٥.

٦٥٢

ومما وقع من المواربة بالتحريف قول عتبان الحروري :

فان يك منكم كان مروان وابنه

وعمرو ومنكم هاشم وحبيب

فمنا حصين والبطين وقعنب

ومنا أمير المؤمنين شبيب

فانّه لما بلغ الشعر هشاما وظفر به قال له : أنت القائل : «ومنا أمير المؤمنين شبيب» فقال : لم أقل كذا وانما قلت : «ومنّا أمير المؤمنين شبيب» فتخلص بفتحة الراء بعد ضمها.

فهذا وأشباهه يحتمل أن يكون الدخل وقع فيه للشاعر وقت العمل ويحتمل ألّا يكون وقع له وارتجل التخلص عند سماعه ، والذي لا يحتمل أن يكون فطن له حتى قيل له قول الأخطل :

لقد أوقع الجحّاف بالبشر وقعة

الى الله منها المشتكى والمعوّل

فإلّا تغيّرها قريش بملكها

يكن عن قريش مستماز ومزحل

فقال له عبد الملك بن مروان : الى أين يا ابن اللخناء؟

فقال : الى النار. فضحك منه وسكت عنه ، فتخلّص بهذه النادرة.

وقد تكون المواربة من غير ذلك كقوله ـ عليه‌السلام ـ للعباس بن مرداس حين أنشد رسول الله ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم :

أتجعل نهبي ونهب العبي

د بين عيينة والأقرع

وما كان حصن ولا حابس

يفوقان مرداس في مجمع

وما أنا دون امرئ منهما

ومن تضع اليوم لا يرفع

فقال رسول الله ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ يا عليّ اقطع لسانه عني ؛ فقبض علي ـ عليه‌السلام ـ على يده وخرج به فقال : أقاطع أنت لساني يا أبا الحسن؟ فقال : إني لممض فيك ما أمر. فهذه أحسن مواربة سمعت في كلام العرب. مضى به الى ابل الصدقة فقال : خذ ما أحببت.

ومن المواربة متّصل ومنفصل ، فالمتّصل ما كان تخلّصه في نفس الكلام ، والمنفصل ما كان التّخلّص فيه من كلام آخر كالذي تقدّم لعلي ـ عليه‌السلام ـ والأخطل. ونقل ابن الأثير الحلبي والسبكي والحموي والسّيوطي كلام المصري (١) ، وقد اتّضح أنّ التّبريزي نقلها من الإرب وهو المكر والخديعة ونقلها المصري من ورب العرق إذا فسد ، وقد قال المدني : «وظاهر أنّه لا يتعيّن نقلها الى الاصطلاح من الورب بمعنى الفساد بل يجوز أن يكون من المداهنات والمخاتلة كما قال في القاموس ، بل هو أنسب بالمعنى الاصطلاحيّ كما لا يحفى» (٢).

والفرق بين المواربة والاحتراس «أنّ الاحتراس يؤتى به وقت العمل عند ما يتفطّن المتكلّم لموضع الدخل ، والمواربة يؤتى بها وقت العمل وبعد صيرورة الكلام. والمواربة ـ بالراء المهملة ـ تكون بالتصحيف والتحريف واهتدام الكلمة والزيادة والنقص ، والاحتراس بزيادة الجمل المفيدة المتضمّنة معنى الانفصال عما يحتمله الكلام من الدخل ، والمواربة تكون في نفس الكلام وتكون منفصلة عنه والاحتراس لا يكون إلّا في نفس الكلام» (٣) والفرق بين المواربة والانفصال «أنّ المواربة تكون ـ كما تقدّم ـ في كلمة من الكلام أو في كلام منفصل

__________________

(١) جوهر الكنز ص ٢٣٥ ، عروس الافراح ج ٤ ص ٤٧٣ ، خزانة ص ١١٢ ، معترك ج ١ ص ٤١٧ ، الاتقان ج ٢ ص ٩٦ ، شرح عقود الجمان ص ١٢٨.

(٢) أنوار الربيع ج ٢ ص ٢٩٩ ، وينظر نفحات الأزهار ص ٦٣ ، شرح الكافية ص ٨٣.

(٣) تحرير التحبير ص ٢٤٥.

٦٥٣

عنه ، والانفصال لا يكون إلا ببيت مستقلّ أو جملة منفردة عن سياق الكلام متعلّقة به داخلة فيه (١).

المواردة :

ورد الماء وغيره : أشرف عليه ، دخله أو لم يدخله ، يقال : رجل وارد ، وكل من أتى مكانا منهلا او غيره فقد ورده (٢).

قال التّبريزي : «المواردة أن يتّفق الشاعر أن اذا كانا في عصر واحد او تأخّر أحدهما عن الآخر على معنى واحد يتواردانه جميعا بلفظ واحد من غير أخذ أحدهما عن الآخر. وهي مأخوذة من ورود الحيين الماء من غير انفاد» (٣) وذلك نحو ما ذكره ثعلب عن محمد بن زياد الأعرابي قال : قال لابن ميادة حين قال :

بمستأسد القريان حوّ تلاعه

فنوّاره ميل الى الشمس ظاهره

أين يذهب بك ، هذا للحطيئة. قال : أكذلك؟ قال :نعم. قال : الآن علمت أنّي شاعر ما سمعت بهذا إلّا الساعة ، إني لشاعر حين وافقته وواردت على قوله (٤).

وقال الحاتمي : «أخبرنا أبو عمر عن ثعلب عن أبي نصر عن الأصمعي قال : قلت لابي عمرو بن العلاء : «أرأيت الشاعرين يتفقان في المعنى ويتواردان في اللفظ؟ لم يلق أحد منهما صاحبه ولا سمع بشعره؟فقال لي : تلك عقول رجال توافت على ألسنتها» (٥).

وأدخل ابن رشيق المواردة في باب السرقات وأشار الى بيت امرىء القيس :

وقوفا بها صحبي عليّ مطيّهم

يقولون لا تهلك أسى وتجمّل

وبيت طرفة :

وقوفا بها صحبي عليّ مطيّهم

يقولون لا تهلك أسى وتجلّد

ورفض أن تكون هذه مواردة ، وقال إنّ امرأ القيس أسبق في قول هذا المعنى لأنّ طرفة في زمان عمرو بن هند شاب حول العشرين وكان امرؤ القيس في زمان المنذر الأكبر كهلا وشعره أشهر من الشمس فكيف يكون مواردة؟ (٦)

ولم يدخل العلوي هذا النوع في السرقة لأنّ «ذلك إنّما يكون فيمن علم حاله بالسبق لذلك الكلام ثم يأخذه غيره مع علمه بأنه له كسرقة المتاع يأخذه السارق وهو حقّ لغيره على جهة الخفية» (٧).

وقال المصري : «هو توارد الشاعرين المتعاصرين اللذين تجمعهما طبقة واحدة على معنى واحد إما مجرّدا أو ببعض ألفاظه أو بأكثرها أو كلها ، فان كان أحدهما أقدم أو طبقته أرفع حكم له على صاحبه بالسبق. وقد رأيت من يجعل اتفاق الشاعرين من طبقتين مختلفتين في عصرين متباينين إذا تقارب ما بينهما بعض التقارب في الأمرين أو في القوة والقدرة تواردا» (٨). ومثال الأوّل بيتا امرىء القيس وطرفة ، ومثال ما جاء من القسم الثاني ما جرى لابن ميّادة وبيت الحطيئة. وسمّى ابن منقذ هذا الباب «التوارد» (٩) ، وقد تقدّم.

الموازنة :

وازنه : عادله وقابله ، وهو وزنه وزنته ووزانه وبوزانه

__________________

(١) تحرير التحبير ص ٢٤٦.

(٢) اللسان (ورد).

(٣) الوافي ص ٢٩٩ ، وينظر الايضاح في مقامات الحريري ص ١٩.

(٤) الوافي ص ٢٩٩ ، وينظر تحرير التحبير ص ٤٠٠ ، كفاية الطالب ص ١٠٨.

(٥) حلية المحاضرة ج ٢ ص ٤٥.

(٦) العمدة ج ٢ ص ٢٨٩.

(٧) الطراز ج ٣ ص ١٧٠.

(٨) تحرير التحبير ص ٤٠٠.

(٩) البديع في نقد الشعر ص ٢١٧ ، وينظر نفحات ص ٢٢٥ ، شرح الكافية ص ٢٠٥.

٦٥٤

أي : قبالته (١) ذكر الباقلّاني الموازنة ولم يعرّفها (٢) ، وأدخلها ابن رشيق في المقابلة وقال : «ومن المقابلة ما ليس مخالفا ولا موافقا كما شرطوا إلّا في الوزن والازدواج فقط فيسمّى حينئذ موازنة» (٣). ومنه قول ذي الرّمة :

استحدث الركب عن أشياعهم خبرا

أم راجع القلب من إطرابه طرب

لأنّ قوله : استحدث الركب» موازن لقوله : «أم راجع القلب» وقوله : «عن أشياعهم خبرا» موازن لقوله : «من إطرابه طرب» وكذلك «الركب» موازن لـ «القلب» و «عن» موازن لـ «من» و «أشياعهم» موازن لـ «اطرابه» و «خبرا» موازن لـ «طرب».

وذكر ابن رشيق هذا النوع في السرقات أيضا ومثل لها بقول كثيّر :

تقول مرضنا فما عدتنا

وكيف يعود مريض مريضا

وازن في القسم الآخر قول نابغة بني تغلب :

بخلنا لبخلك قد تعلمين

وكيف يعيب بخيل بخيلا (٤)

وقال التّبريزي : «الموازنة أن تكون الألفاظ متعادلة الأوزان متوالية الأجزاء» (٥). وقال ابن شيث القرشي : «الموازنة وهو أن تتوازن الألفاظ وتكون السجعة رابعة» (٦) وأدخلها ابن الأثير في الصناعة اللفظية وقال : «هي أن تكون ألفاظ الفواصل من الكلام المنثور متساوية في الوزن وأن يكون صدر البيت الشعري وعجزه متساوي الألفاظ وزنا» (٧). وقال إنّ هذا النوع أخو السجع في المعادلة دون المماثلة ؛ لأنّ في السجع اعتدالا وزيادة على الاعتدال وهي تماثل أجزاء الفواصل لورودها على حرف واحد وأما الموازنة ففيها الاعتدال الموجود في السجع ولا تماثل في فواصلها ، فيقال كل سجع موازنة وليس كل موازنة سجعا ، وعلى هذا فالسجع أخص من الموازنة (٨).

وقال المصري : «هو أن تأتي الجملة من الكلام أو البيت من الشعر متزن الكلمات متعادل اللفظات في التسجيع والتجزئة معا في الغالب» (٩). والفرق بين الموازنة والمماثلة التزام التسجيع في الموازنة وخلو المماثلة عنه ، والفرق بينها وبين التجزئة مخالفة تسجيع أجزاء التجزئة ومشابهة تسجيع أجزاء الموازنة (١٠).

وذكر المصري معنى آخر للموازنة فقال : «هي مقارنة المعاني بالمعاني ليعرف الراجح في النظم من المرجوح» (١١). وهذا ما سمّاه الآمدي الموازنة وذكره النقاد في كتبهم (١٢) ، ولا يراد به الموازنة بمعناها البديعي.

وقال المظفر العلوي : «وذلك أن يأتي الشاعر ببيت يكون عدد كلمات النصف الأول منه كعدد كلمات النصف الأخير ، وتكون الأجزاء متساوية ومتى تغيّر شيء من أجزائه إذا تقطع أو زاد فيها أو نقص لم تحصل الموازنة وكذلك اذا استوت الأجزاء وتغيّرت الكلمات بزيادة او نقيصة. وهذا لا يكاد يحصل للشاعر إلّا بعد معرفة العروض ، وإما أن يقع اتفاقا من

__________________

(١) اللسان (وزن).

(٢) أعجاز القرآن ص ١٣٤.

(٣) العمدة ج ٢ ص ١٩ ، وينظر المنزع البديع ص ٥١٤.

(٤) العمدة ج ٢ ص ٢٨٨.

(٥) الوافي ص ٢٦٥.

(٦) معالم الكتابة ص ٨٢.

(٧) المثل السائر ج ١ ص ٢٧٨ ، الجامع الكبير ص ٢٧٠.

(٨) المثل السائر ج ١ ص ٢٧٩ ، وينظر الطراز ج ٣ ص ٣٨.

(٩) تحرير التحبير ص ٣٨٦.

(١٠) تحرير التحبير ص ٣٨٦ ، وينظر جوهر الكنز ص ٢٤٣.

(١١) بديع القرآن ص ٩٥.

(١٢) ينظر دلائل الاعجاز ص ٣٧٤ وما بعدها.

٦٥٥

غير قصد له فغير معتد بوقوعه. وقد اتفق وقوع ذلك في أشعار العرب من غير قصد له كثيرا» (١).

وقال التنّوخي : «هي أن تكون الكلمة التي هي خاتمة الفاصلة الأولى على زنة الكلمة التي هي خاتمة الفاصلة الثانية كانت على رويها أو لم تكن» (٢).

وأدخلها القزويني في المحسّنات اللفظية كما أدخلها ابن الأثير في الصناعة اللفظية وقال : «هي أن تكون الفاصلتان متساويتين في الوزن دون التقفية» (٣) كقوله تعالى : (وَنَمارِقُ مَصْفُوفَةٌ. وَزَرابِيُّ مَبْثُوثَةٌ)(٤) ثم قال القزويني «فان كان ما في إحدى القرينتين من الألفاظ أو أكثر ما فيها مثل ما يقابله من الأخرى في الوزن خصّ باسم المماثلة» كقوله تعالى : (وَآتَيْناهُمَا الْكِتابَ الْمُسْتَبِينَ. وَهَدَيْناهُمَا الصِّراطَ الْمُسْتَقِيمَ)(٥).

وقول أبي تمام :

مها الوحش إلا أنّ هاتا أوانس

قنا الخطّ إلا أنّ تلك ذوابل (٦)

وقول البحتري :

فأحجم لمّا لم يجد فيك مطمعا

وأقدم لمّا يجد عنك مهربا

وتابع القزويني في ذلك شرّاح التلخيص (٧).

الموافقة :

الوفاق : الموافقة ، والتوافق : الاتّفاق والتّظاهر. وقد وافقه موافقة ووفاقا واتفق معه وتوافقا (٨).

الموافقة هي التّناسب والتّوافق (٩). وقد تقدّما.

الموجّه :

وجّهت الريح الحصى توجيها إذا ساقته ، والموجه هو الذي يكون له صورتان ، والأحدب الموجّه. هو الذي له حدبتان (١٠).

سمّاه الرازي والحلبي والنّويري وابن قيّم الجوزية بهذا الاسم (١١) ، وسمّاه الثعالبي «المدح الموجّه» (١٢) وسمّاه الوطواط كذلك وقال : «يقصد بالموجه في الفارسية ما يحتمل أن يكون على وجهين ، وتكون هذه الصنعة بأن يمدح الشاعر ممدوحه بصفة من الصفات الحميدة بحيث يقرن بها صفة حميدة أخرى من صفاته فيحصل بذلك مدح الممدوح على وجهين (١٣). وقال المدني إنّ الزنجاني سمّاه «الموجّه» أيضا (١٤) وسمّاه العسكري المضاعف (١٥) وسمّاه السّكّاكي «الاستتباع» (١٦) وسمّاه غيرهم التّعليق. وقد تقدّم في الاستتباع.

المورّى :

ورّيت الخبر : جعلته ورائي وسترته ، ووريته وأوريه تورية إذا سترته وأظهرت غيره ، ووريت عنه : أردته وأظهرت غيره (١٧).

__________________

(١) نضرة الاغريض ص ٤٥.

(٢) الاقصى القريب ص ١١٨.

(٣) الايضاح ص ٣٩٨ ، التلخيص ص ٤٠٤.

(٤) الغاشية ١٥ ـ ١٦.

(٥) الصافات ١١٧ ـ ١١٨.

(٦) اوانس : جمع آنسة. قنا : واحده قناة وهي الرمح.

ذوابل : غير نضرات.

(٧) شروح التلخيص ج ٤ ص ٤٥٥. المطول ـ ص ٤٥٦ ، الاطول ج ٢ ص ٢٣٥ ، وينظر الروض المريع ص ١٦٩ ، شرح الكافية ص ١٩٢.

(٨) اللسان (وفق).

(٩) حلية اللب ص ١٣٤.

(١٠) اللسان (وجه).

(١١) نهاية الايجاز ص ١١٤ ، حسن التوسل ص ٣١٩ ، نهاية الارب ج ٧ ص ١٨١ ، الفوائد ص ١٦٥.

(١٢) يتيمة الدهر ج ١ ص ٢٠٠.

(١٣) حدائق السحر ص ١٣١.

(١٤) أنوار الربيع ج ٦ ص ١٤٨.

(١٥) كتاب الصناعتين ص ٢٦٧.

(١٦) مفتاح العلوم ص ٢٠٢.

(١٧) اللسان (ورى).

٦٥٦

المورّى هو التورية ، قال الكلاعي : «وسمّيناه هذا النوع من الكلام المورّى ؛ لأنّ باطنه على غير ظاهره» (١). وقد تقدّمت التورية.

الموصّل :

الوصل خلاف الفصل ، ووصل الشيء بالشيء يصله وصلا وصلة ، ووصّله : لأمه وأنهاه اليه وابلغه اياه. واتصل الشيء بالشيء : لم ينقطع (٢).

قال المطرزي : «هو أن يجيء في النظم والنثر بكلمات ليس فيها كلمة إلا وحروفها يتصل بعضها ببعض في الخط» (٣). كقول الحريري :

فتنتني فجننتني تجني

بتجنّ يفتنّ غيب تجنّ

والقطعة مبنية على هذا.

__________________

(١) احكام صنعة الكلام ص ١٨٨.

(٢) اللسان (وصل).

(٣) الايضاح في شرح مقامات الحريري ص ٢٢.

٦٥٧

النون

النادر والبارد :

ندر الشيء يندر ندورا : سقط ، وقيل : سقط وشذّ ، ونوادر الكلام تندر وهي ما شذّ وخرج من الجمهور (١).

عقد ابن منقذ بابا للنادر والبارد وقال : «إنّ الشعر النادر هو الذي يستفز القلب ويحمي المزاج في استحسانه ، والبارد بضد ذلك» (٢). مثل قول أبي العتاهية :

مات والله سعيد بن وهب

رحم الله سعيد بن وهب

يا أبا عثمان أبكيت عيني

يا أبا عثمان أوجعت قلبي

وهذا من البارد ، أما النادر فهو كثير والقرآن «مشحون به فانّ أكثر ألفاظه نادرة الوجود ومعانيه مستوفية للمقصود كل كلمة منه جامعة لمعان شتى وكل آية تحتوي على معان لغير المتكلّم به لا تتأتّى وكل سورة إحكام أحكامها لا ينحصر وايجاز إعجازها قد أعجز البشر» (٣).

النّداء :

النّداء والنّداء : الصوت مثل الدّعاء والرّغاء ، وقد ناداه ونادى به وناداه مناداة ونداء أي : صاح به (٤).

النداء التصويت بالمنادى ليقبل ، أو هو طلب إقبال المدعو الى الداعي. وقد أدخله البلاغيون المتأخّرون (٥) في أنواع الإنشاء الطلبيّ.

وللنداء عدّة أدوات هي : الهمزة وآ ، وأيا ، وأي ، وآي ، وهيا ، و: وا ، ويا. وبعض هذه الأدوات للقريب وبعضها للبعيد ، وقد أشار سيبويه الى ذلك (٦).

وقد يخرج النداء الى أغراض مختلفة منها : الإغراء كقول المتنبي

يا أعدل الناس إلّا في معاملتي

فيك الخصام وأنت الخصم والحكم

والاستغاثة كقول المتنبي :

واحرّ قلباه ممّن قلبه شبم

ومن بجسمي وحالي عنده سقم

والتّعجّب كقوله تعالى : (يا حَسْرَةً عَلَى الْعِبادِ)(٧).

والاختصاص مثل : «عليّ ـ أيّها الرجل ـ يعتمد».

والتنبيه كقوله تعالى : (يا لَيْتَنِي مِتُّ قَبْلَ هذا)(٨) والتّحسّر كقول ابن الرومي :

__________________

(١) اللسان (ندر).

(٢) البديع في نقد الشعر ص ١٦٠.

(٣) الفوائد ص ١٧٨.

(٤) اللسان (ندى).

(٥) مفتاح العلوم ص ١٥٤ ، الايضاح ص ١٤٦ ، التلخيص ص ١٧٢ ، شروح التلخيص ج ٢ ص ٣٣٣ ، المطول ص ٢٤٤ ، الاطول ج ١ ص ٢٥٢ ، الروض المريع ص ٧٧.

(٦) الكتاب ج ١ ص ٣٢٥.

(٧) يس ٣٠.

(٨) مريم ٢٣.

٦٥٨

يا شبابي وأين مني شبابي

آذنتني حباله بانقضاب

لهف نفسي على نعيمي ولهوي

تحت أفنانه اللّدان الرطاب

وقول الآخر :

أيا قبر معن كيف واريت جوده

وقد كان منه البرّ والبحر مترعا

النّزاهة :

نزه نزاهة ونزاهية ، وأرض نزهة ونزهة بعيدة عذبة ، ويتنزه عن الشيء : تباعد عنه ، وفلان يتنزّه عن الأقذار وينزّه نفسه عنها أي يباعد نفسه عنها. ورجل نزه الخلق : عفيف (١).

النزاهة من مبتدعات المصري وإن كان القدماء يدعون إليها ، وقد قال أبو عمرو بن العلاء : «خير الهجاء ما تنشده العذراء في خدرها فلا يقبح بمثلها». ولكنّ المصري أدخل النزاهة في فنون البلاغة وقال : «وهو يختص غالبا بفن الهجاء وإن وقع نادرا في غيره ، فإنّه عبارة عن نزاهة ألفاظ الهجاء وغيره من الفحش» (٢) وذكر عبارة أبي عمرو بن العلاء. ومن ذلك قول جرير :

فغضّ الطّرف إنّك من نمير

فلا كعبا بلغت ولا كلابا

وقد وقع من النزاهة في القرآن الكريم قوله تعالى : (وَإِذا دُعُوا إِلَى اللهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ إِذا فَرِيقٌ مِنْهُمْ مُعْرِضُونَ. وَإِنْ يَكُنْ لَهُمُ الْحَقُّ يَأْتُوا إِلَيْهِ مُذْعِنِينَ. أَفِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ أَمِ ارْتابُوا أَمْ يَخافُونَ أَنْ يَحِيفَ اللهُ عَلَيْهِمْ وَرَسُولُهُ بَلْ أُولئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ)(٣).

وقال الحموي : «النزاهة ما نظمها أحد في بديعيته إلّا صفي الدين الحلّيّ ، وهو نوع غريب تجوّل سوابق الذوق السليم في حلبة ميدانه وتغرّد سواجع الحشمة على بديع أفنانه لأنّه هجو في الأصل ولكنه عبارة عن الإتيان بألفاظ فيها معنى الهجو إذا سمعته العذراء في خدرها لم تنفر منه» (٤).

وقال السّيوطي : «هو خلوص ألفاظ الهجاء من الفحش» (٥). وذهب الى ذلك المدني أيضا (٦).

النّزول :

عقد ابن الزملكاني فصلا للإفراط والنزول ولم يعرّفهما وإنّما قال : «إنّ هذا الغرض لا يوصف قاصده بالكذب إذ كان غرضه معلوما وكان متجوّزا في مقاله غير قاصد الى البتّ به والقطع بمقتضاه كما لم يقض على من قال : «زيد أسد» بالكذب و «إنه بحر متلاطم الأمواج» (٧). ومثال الإفراط قوله تعالى : (وَما أَمْرُ السَّاعَةِ إِلَّا كَلَمْحِ الْبَصَرِ أَوْ هُوَ أَقْرَبُ)(٨). ومثال النزول قوله تعالى : (مَثَلُ نُورِهِ كَمِشْكاةٍ فِيها مِصْباحٌ الْمِصْباحُ فِي زُجاجَةٍ)(٩) وقوله في صفة الجنة : (فِيها أَنْهارٌ مِنْ ماءٍ غَيْرِ آسِنٍ وَأَنْهارٌ مِنْ لَبَنٍ لَمْ يَتَغَيَّرْ طَعْمُهُ وَأَنْهارٌ مِنْ خَمْرٍ لَذَّةٍ لِلشَّارِبِينَ. وَأَنْهارٌ مِنْ عَسَلٍ مُصَفًّى)(١٠).

نسبة الشّيء :

نسبة الشيء إلى ما ليس منه من عيوب المعاني ، قال قدامة : «هو أن ينسب الشيء الى ما ليس منه» (١١) كقول خالد بن صفوان :

__________________

(١) اللسان (نزه).

(٢) تحرير التحبير ص ٥٨٤ ، بديع القرآن ص ٢٩٢.

(٣) النور ٤٨ ـ ٥٠.

(٤) خزانة الادب ص ٧٧.

(٥) معترك ج ١ ص ٤١٨ ، الاتقان ج ٢ ص ٩٦ ، شرح عقود الجمان ص ١٣٠ ، نفحات الأزهار ص ٥٧ ، شرح الكافية ص ٩١.

(٦) أنوار الربيع ج ٢ ص ١٥٩.

(٧) البرهان الكاشف ص ٣١٠.

(٨) النحل ٧٧.

(٩) النور ٣٥.

(١٠) محمد ١٥.

(١١) نقد الشعر ص ٢٤٥.

٦٥٩

فان صورة راقتك فاخبر فربّما

أمرّ مذاق العود والعود أخضر

فهذا الشاعر بقوله : «ربما أمرّ مذاق العود والعود أخضر» كأنه يومىء الى أنّ سبيل العود الأخضر في الأكثر أن يكون عذبا أو غير مرّ وليس هذا بواجب لأنّه ليس العود الأخضر بطعم من الطعوم أولى منه بالآخر.

النّسخ :

نسخ الشيء ينسخه نسخا وانتسخه واستنسخه : اكتتبه عن معارضة (١).

النسخ أحد أنواع السرقات ، قال ابن الأثير : «هو أخذ اللفظ والمعنى برمّته من غير زيادة عليه مأخوذا ذلك من نسخ الكتاب» (٢).

وسمّاه القزويني نسخا وانحالا وقال : «فان كان المأخوذ كله من غير تغيير لنظمه فهو مذموم مردود ؛ لأنّه سرقة محضة» (٣) وتبعه في ذلك شرّاح التلخيص (٤).

وقال العلوي : إنّ النسخ على وجهين (٥) :

الأوّل : أن يأخذ لفظ الأوّل ومعناه ولا يخالفه إلا برويّ القصيدة كقول امرىء القيس :

وقوفا بها صحبي عليّ مطيّهم

يقولون لا تهلك أسى وتجمّل

وقول طرفة :

وقوفا بها صحبي عليّ مطيّهم

يقولون لا تهلك أسى وتجلّد

الثاني : هو الذي يؤخذ فيه المعنى وأكثر اللفظ ، ومن ذلك ما قاله بعضهم يمدح معبدا صاحب الغناء ويذكر فضله على غيره ممن تولّع بالغناء :

أجاد طويس والسّريجيّ بعده

وما قصبات السبق إلا لمعبد

ثم قيل بعد ذلك :

محاسن أوصاف المغنّين جمّة

وما قصبات السبق إلا لمعبد

النّظر والملاحظة :

النظر والملاحظة من السرقات ، قال الحاتمي : «وهذه ضروب دقيقة قلّما ترد المدارك من الإشارة الى المعنى وإخفاء السر» (٦). ومثّل له بقول أوس ابن حجر :

سأجزيك أو يجزيك عني مثوّب

وحسبك أن يثنى عليك وتحمدي

وقول الحطيئة :

من يفعل الخير لا يعدم جوازيه

لا يذهب العرف بين الله والناس

فقوله : «لا يذهب العرف بين الله والناس» هو قول أوس بن حجر : «سأجزيك أو يجزيك عني مثوّب» لأنّ المثوّب هو الله عزوجل.

ولم يخرج ابن رشيق على ذلك وقال : «إنّ الإلمام ضرب من النظر» (٧).

النّظم :

النّظم : التأليف ، نظمه ينظمه نظما ونظاما ، ونظمت اللؤلؤ أي جمعته في السلك (٨).

بدأت فكرة النظم منذ أن أخذ المعتزلة يبحثون في

__________________

(١) اللسان (نسخ).

(٢) المثل السائر ج ٢ ص ٢٦٥ ، الجامع الكبير ص ٢٤٢.

(٣) الايضاح ص ٤٠٣ ، التلخيص ص ٤٠٩.

(٤) شروح التلخيص ج ٤ ص ٤٨١ ، المطول ص ٤٦٣ ، الاطول ج ٢ ص ٢٤٢.

(٥) الطراز ج ٣ ص ١٩٠ ، وينظر التبيان في البيان ص ٣٦١.

(٦) حلية المحاضرة ج ٢ ص ٨٦.

(٧) العمدة ج ٢ ص ٢٨٧.

(٨) اللسان (نظم).

٦٦٠