معجم المصطلحات البلاغيّة وتطوّرها

الدكتور أحمد مطلوب

معجم المصطلحات البلاغيّة وتطوّرها

المؤلف:

الدكتور أحمد مطلوب


الموضوع : اللغة والبلاغة
الناشر: مكتبة لبنان ناشرون
الطبعة: ٠
الصفحات: ٧٠٥

ومنه أمثلة الصفة المشبّهة : «أنت القويّ جسمه» فكلمة «جسمه» فاعل للصفة «القوي» وهي مسند اليه.

ونائب الفاعل كقوله تعالى : (وَجُمِعَ الشَّمْسُ وَالْقَمَرُ)(١) ، فالشمس نائب فاعل وهي مسند اليه.

والمبتدأ الذي له خبر كقوله تعالى : (وَلَلْآخِرَةُ خَيْرٌ لَكَ مِنَ الْأُولى)(٢) ، الآخرة مسند اليه لأنها مبتدأ.

وما أصله المبتدأ وهو : اسم كان وأخواتها كقوله تعالى : (ما كانَ مُحَمَّدٌ أَبا أَحَدٍ مِنْ رِجالِكُمْ ، وَلكِنْ رَسُولَ اللهِ وَخاتَمَ النَّبِيِّينَ ، وَكانَ اللهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيماً)(٣). فـ (مُحَمَّدٌ) في الآية اسم كان وهو مسند اليه لأنّه في الأصل مبتدأ.

واسم إنّ وأخواتها كقوله تعالى : (إِنَّ الَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَناتِ الْغافِلاتِ الْمُؤْمِناتِ لُعِنُوا فِي الدُّنْيا وَالْآخِرَةِ وَلَهُمْ عَذابٌ عَظِيمٌ)(٤). وهي مبتدأ في الاصل والمفعول الأول لـ «ظن» وأخواتها كقوله تعالى : (وَما أَظُنُّ السَّاعَةَ قائِمَةً وَلَئِنْ رُدِدْتُ إِلى رَبِّي لَأَجِدَنَّ خَيْراً مِنْها مُنْقَلَباً)(٥) ، فـ (السَّاعَةَ) مسند اليه لأنّها مبتدأ في الاصل.

والمفعول الثاني لـ «أرى» وأخواتها مثل : «أريتك العلم نافعا» فـ «العلم» مسند اليه وهو المفعول الاول لـ «أرى» وأصله مبتدأ لأنّ الجملة «العلم نافع».

المشاركة :

شاركت فلانا : صرت شريكه (٦).

المشاركة أن يأتي الشاعر بلفظة مشتركة بين معنيين اشتراكا أصليّا وعرفيا فيسبق ذهن السامع الى المعنى الذي لم يقصده الشاعر فيأتي بعده بما يبين قصده (٧). وهي الاشتراك وقد تقدّم.

المشاكلة :

الشكل : الشّبه والمثل ، وقد تشاكل الشيئان وشاكل كل واحد منهما صاحبه (٨).

وكان الفرّاء قد تحدّث عن هذا النوع ولكنه لم يسمه ، وقال المتأخّرون : «هي أن تذكر الشيء بلفظ غيره لوقوعه في صحبته» (٩) تحقيقا أو تقديرا. وقال الفرّاء في قوله تعالى : (فَإِنِ انْتَهَوْا فَلا عُدْوانَ إِلَّا عَلَى الظَّالِمِينَ)(١٠) : «فإن قال قائل : أرأيت قوله : (فَلا عُدْوانَ إِلَّا عَلَى الظَّالِمِينَ) أعدوان هو وقد أباحه الله لهم؟ قلنا : ليس بعدوان في المعنى إنّما هو لفظ على مثل ما سبق قبله (١١) ، ألا ترى انه قال : (فَمَنِ اعْتَدى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدى عَلَيْكُمْ) فالعدوان من المشركين في اللفظ ظلم في المعنى والعدوان الذي أباحه الله وأمر به المسلمين إنّما هو قصاص فلا يكون القصاص ظلما وإن كان لفظه واحدا» (١٢). وهذا أحد أنواع المشاكلة وهو «تحقيقا» وأما تقديرا ففي قوله تعالى : (صِبْغَةَ اللهِ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللهِ صِبْغَةً)(١٣) فـ (صِبْغَةَ) ههنا الختانة وقد أمر محمد ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ بذلك أسوة باختتان إبراهيم ـ عليه‌السلام ـ وهي في مقابل صبغة النصارى أولادهم بغمسهم في الماء. فلفظ الصبغة لم يتقدم في الحقيقة وإنّما

__________________

(١) القيامة ٩.

(٢) الضحى ٤.

(٣) الاحزاب ٤٠.

(٤) النور ٢٣.

(٥) الكهف ٣٦.

(٦) اللسان (شرك).

(٧) تحبير التحبير ص ٣٣٩ ، خزانة الادب ص ٣٦٥ ، أنوار الربيع ج ٥ ص ٣٢٠ ، الروض المريع ص ١٦٢.

(٨) اللسان (شكل).

(٩) مفتاح العلوم ص ٢٠٠.

(١٠) البقرة ١٩٣.

(١١) أي قوله : أن الله لا يحب المعتدين.

(١٢) معاني القرآن ج ١ ص ١١٦.

(١٣) البقرة ١٣٨.

٦٢١

تقدم معناه وهو الحالة المعروفة في النصارى عند الولادة (١).

وقد سمّى المبرّد هذا النوع «المزج» (٢) ولعل أبا علي الفارسي كان أوّل من أطلق عليه اسم «المشاكلة» (٣). ولا نعرف قصد الرّماني بالمشاكلة ، وقد أشار الى ذلك ابن رشيق وهو يتحدّث عن الجناس المضارع أو تجنيس المضارعة وقال : «وهذا النوع يسمّيه الرّماني المشاكلة وهي عنده ضروب : هذا أحدهما وهي المشاكلة في اللفظ خاصة وأمّا المشاكلة في المعنى فننبه عليها في أماكنها» (٤).

ونظر التّبريزي الى المشاكلة نظرة أخرى فقال : «والمشاكلة أن يجمع الشاعر في البيت كلمتين متجاورتين أو غير متجاورتين شكلهما واحد ومعنياهما مختلفان» (٥) كقول أبي سعيد المخزومي :

حدق الآجال آجال

والهوى للحرّ قتّال

وهذا هو الجناس ولكنّ السّكّاكي نظر اليها كنظرة الفرّاء وذكر أمثلته القرآنية والبيت المعروف :

قالوا اقترح شيئا نجد لك طبخه

قلت اطبخوا لي جبّة وقميصا (٦)

وتبعه في ذلك ابن مالك والقزويني وشرّاح التلخيص وغيرهم (٧).

وذكر المصري كلام التّبريزي وأمثلته ولكنّه قال : «وعندي أنّ ما أنشده التّبريزي في هذا الباب داخل في أحد قسمي التجنيس المماثل والذي ينبغي أن تفسّر به المشاكلة قولنا : إنّ الشاعر يأتي بمعنى مشاكل لمعنى في شعر غير ذلك الشعر أو في شعر غيره بحيث يكون كل واحد منهما وصفا أو نسبا أو غير ذلك من الفنون غير أنّ كل صورة أبرز المعنى فيها غير الصورة الأخرى. فالمشاكلة بينهما من جهة الغرض الجامع لهما والتفرقة بينهما من جهة صورتيهما اللفظية» (٨).

وقد انفرد المصري بهذا اللون لهذا الباب ، ومثال مشاكلة الشاعر نفسه قول امرىء القيس في وصف الفرس :

وقد اغتدي والطّير في وكناتها

بمنجرد قيد الأوابد هيكل

وقوله في صفة الفرس أيضا :

إذا ما جرى شوطين وابتلّ عطفه

تقول هزيز الريح مرّت بأثأب (٩)

فامرؤ القيس في هذين البيتين قاصد وصف الفرس بشدة العدو غير أنّه أبرز المعنى الأوّل في صورة الإرداف حيث قال : «قيد الأوابد» فجعله يدرك الوحش إدراك المطلق للمقيّد ، وأبرز الثاني في صورتي وصف وتشبيه بغير أداة إذ شبّه عدوه بعد جريه شوطين وعرقه بهزيز الريح تمر بهذا الشجر الذي يسمع للريح فيه هزيز كحفيف الفرس الحادّ إذا خرق الريح بشدة عدوه. فكل معنى من هذين المعنيين مشاكل لصاحبه إذ الجامع بينهما وصف الفرس بشدة العدو. غير أنّ قدرة الشاعر تلاعبت به فأبرزته في صور مختلفة فهذا ما شاكل الشاعر فيه

__________________

(١) معاني القرآن ج ١ ص ٨٢.

(٢) ما اتفق لفظه ص ١٢ ، ١٣.

(٣) الحجة ج ١ ص ٢٣٦.

(٤) العمدة ج ١ ص ٣٢٦.

(٥) الوافي ص ٢٩٦.

(٦) مفتاح العلوم ص ٢٠٠.

(٧) المصباح ص ٨٩ ، الايضاح ص ٣٤٨ ، التلخيص ص ٣٥٦ ، شروح التلخيص ج ٤ ص ٣٠٩ ، المطول ص ٤٢٢ ، الاطول ج ٢ ص ١٩١ ، خزانة الادب ص ٣٥٦ ، معترك ج ١ ص ٤١١ ، الاتقان ج ٢ ص ٩٤ ، شرح عقود الجمان ص ١١٠ ، حلية اللب ص ١٣٤ ، انوار الربيع ج ٥ ص ٢٨٤ ، رسالة في تحقيق المشاكلة (رسائل ابن كمال باشا) ج ١ ص ٦٩ ـ ٧٦ ، الروض المريع ص ١١٠ ، نفحات ص ٢٣٨ ، التبيان في البيان ص ٢٨٩ ، شرح الكافية ص ١٨١.

(٨) تحرير التحبير ص ٣٩٤.

(٩) الأثأب : نوع من الشجر.

٦٢٢

نفسه.

وأما ما شاكل فيه غيره فكقول جرير :

إن العيون التي في طرفها حور

قتلننا ثمّ لم يحيين قتلانا

يصرعن ذا اللّبّ حتى لا حراك به

وهنّ أضعف خلق الله إنسانا

وقول عدي بن الرقاع :

وكأنّها بين النساء أعارها

عينيه أحور من جآذر جاسم

وسنان أقصده النعاس فرنّقت

في عينه سنة وليس بنائم

فالمشاكلة بين الرجلين من جهة أنّ كلا منهما وصف العيون بالمرض والفتور فأبرز معناه في صورة غير الصورة الاخرى بحسب قوة عارضته في السبك وحسن اختياره اللفظ وجودة ذهنه في الزيادة والنقص في التفضيل بين هذين الشاعرين بحيث لا يسعه هذا المكان.

وذكر الزمخشري المشاكلة وقال : «شهد رجل عند شريح فقال : «إنك لسبط الشهادة» فقال الرجل : «إنها لم تجعد عني» فقال : «لله بلادك» وقبل شهادته.

فالذي سوّغ بناء الجار وتجعيد الشهادة هو مراعاة المشاكلة ولو لا بناء الدار لم يصح بناء الجار وسبوطة الشهادة لا متنع تجعيدها (١).

مشاكلة اللّفظ للّفظ :

وهي قسمان : المشاكلة بالثاني للأوّل كقوله تعالى : (وَامْسَحُوا بِرُؤُسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ)(٢) على مذهب الجمهور وإنّ الجر للجوار ، وقوله تعالى : (وَالنَّجْمُ وَالشَّجَرُ يَسْجُدانِ وَالسَّماءَ رَفَعَها)(٣).

والمشاكلة بالأوّل للثاني كما في قراءة إبراهيم بن أبي عبيلة : «الحمدِ لله» (٤) بكسر الدال (٥).

مشاكلة اللّفظ للمعنى :

مشاكلة اللفظ للمعنى من أبواب عمود الشعر التي حدّدها القدماء قال المرزوقي : «وعيار مشاكلة اللفظ للمعنى وشدة اقتضائهما للقافية طول الدّربة ودوام المدارسة» (٦).

وقال الزركشي : «ومتى كان اللفظ جزلا كان المعنى كذلك» (٧) ، ومنه قوله تعالى : (إِنَّ مَثَلَ عِيسى عِنْدَ اللهِ كَمَثَلِ آدَمَ خَلَقَهُ مِنْ تُرابٍ)(٨). ولم يقل من «طين» كما أخبر به سبحانه في غير موضع (إِنِّي خالِقٌ بَشَراً مِنْ طِينٍ)(٩) ، إنما عدل من الطين الذي هو مجموع الماء والتراب الى ذكر مجرد التراب لمعنى لطيف ، وذلك أنّه أدنى العنصرين وأكثفهما لما كان المقصود مقابلة من ادّعى في المسبح الالهية أتى بما يصغر أمر خلقه عند من ادعى ذلك فلهذا كان الإتيان بلفظ التراب أمسّ في المعنى من غيره من العناصر ولما أراد سبحانه الامتنان على بني إسرائيل أخبرهم أن يخلق لهم من الطين كهيئة الطير تعظيما لأمر ما يخلقه باذنه إذ كان المطلوب الاعتداد عليهم بخلقه ليعظموا قدر النعمة به.

ومنه قوله تعالى : (وَاللهُ خَلَقَ كُلَّ دَابَّةٍ مِنْ ماءٍ)(١٠). فانه سبحانه إنما اقتصر على ذكر الماء دون بقية العناصر لانه أتى بصيغة الاستغراق ، وليس في العناصر الاربع ما يعمّ

__________________

(١) الكاشف ج ١ ص ٨٥ ، وتنظر رسالة في تحقيق المشاكلة (رسائل ابن كمال باشا) ج ١ ص ٧٠.

(٢) المائدة ٦.

(٣) الرحمن ٦ ـ ٧.

(٤) الفاتحة ٢.

(٥) البرهان في علوم القرآن ج ٣ ص ٣٧٧.

(٦) شرح ديوان الحماسة ج ١ ص ١١.

(٧) البرهان ج ٣ ص ٣٧٨.

(٨) آل عمران ٥٩.

(٩) ص ٧١.

(١٠) النور ٤٥.

٦٢٣

جميع المخلوقات إلا الماء ليدخل الحيوان البريّ فيها.

والمشاكلة بين اللفظ والمعنى ضرورية في التعبير ، لأنّ لكل معنى لفظا يدلّ عليه في صورة من الصور التي يريد الشاعر أو الكاتب أن يعبر عنها.

المشبّه بالتّجنيس :

المشبّه بالتجنيس هو الجناس الناقص ، وقد سمّاه كذلك ابن الأثير الحلبي وقال : «وأما المشبّه بالتّجنيس فهو النوع المسمّى بالجناس الناقص» (١). وقسّمه الى ثمانية أقسام : جناس المغايرة ، وجناس المماثلة ، وجناس التصحيف ، وجناس التحريف ، وجناس التصريف ، وجناس الترجيع ، وجناس العكس ، وجناس التركيب.

وقسّم ابن قيّم الجوزيّة الجناس الى حقيقي ومشبّه بالتجنيس (٢) ويريد بالحقيقي الجناس التامّ ، وبالثاني : المماثل والمغاير والتصحيف والتحريف والتشكيل والعكس والتركيب والتصريف والترجيع. وقد تقدّمت.

المشتقّ :

اشتقاق الشيء : بنيانه من المرتجل ، واشتقاق الكلام : الأخذ فيه يمينا وشمالا ، واشتقاق الحرف من الحرف : أخذه منه. والمشتق هو المأخوذ من مادة أخرى ، اشتق يشتق (٣).

المشتق من ابتداع العسكري ، فقد قال بعد أن فرغ من شرح أبواب البديع : «وقد عرض لي بعد نظم هذه الأنواع نوع آخر لم يذكره أحد وسمّيته المشتقّ وهو على وجهين : فوجه منهما أن يشتق اللفظ من اللفظ ، والآخر أن يشتق المعنى من اللفظ» (٤). فاشتقاق اللفظ من اللفظ مثل قول الشاعر في رجل يقال له ينخاب : «وكيف ينجح من نصف اسمه خابا» وقول العسكري نفسه في البانياس :

في البانياس إذا أوطئت ساحتها

خوف وحيف وإقلال وإقلاس

وكيف يطمع في أمن وفي دعة

من حلّ في بلد نصف اسمه ياس

واشتقاق المعنى من اللفظ مثل قوله أبي العتاهية :

حلقت لحية موسى باسمه

وبهارون إذا ما قلبا

وقول ابن دريد :

لو أوحي النحو الى نفطويه

ما كان هذا النحو يقرا عليه

أحرقه الله بنصف اسمه

وصيّر الباقي صراخا عليه

المشكل :

أشكل الأمر : التبس (٥).

المشكل نوع من السجع ، قال الكلاعي : «وسمّينا هذا النوع من السجع المشكل لأنّه يأتي متفق اللفظ مختلف المعنى فربما أشكل. وكان المجيد (٦) قد عني بهذا النوع وشغف بهذا الفن. فمن ذلك خطبة أخبرني الوزير الفقيه (٧) انه قال : الحمد لله مودع الأشياء بين الكاف والنون المسبحة له البحار الزاخرة والنون (٨). الواحد الذي لا تجد له ضريبا والمنزل من خلال المزن ضريبا (٩). الذي كشف الخطوب الكامنة

__________________

(١) جوهر الكنز ص ٩٢.

(٢) الفوائد ص ٢٤٠.

(٣) اللسان (شقق).

(٤) كتاب الصناعتين ص ٤٢٩ ـ ٤٣٠ ، وينظر الروض المريع ص ١٢١.

(٥) اللسان (شكل).

(٦) هو المجيد العسقلاني.

(٧) هو أبو بكر بن الاشبيلي.

(٨) النون : الحوت.

(٩) الضريب : الثلج.

٦٢٤

وأبان وأوضح لأوليائه طريق الهداية وأبان» (١).

المصالتة :

أصلت السيف : جرّده من غمده (٢).

المصالتة من أنواع الأخذ والسرقات قال المطرّزي : «المصالتة هي أخذ البيت بأسره غصبا من غير تغيير شيء منه ولا على سبيل رفو أو إلمام أو إشمام» (٣) وقال الصنعاني : «وهي قبيحة جدّا من كل وجه عند النقدة» (٤). كما فعل الصاحب بن عباد ببيت المتنبي :

لبسن الوشي لا متجملات

ولكن كي يصنّ به الجمالا

صالته فقال :

لبسن برود الوشي لا لتجمل

ولكن لصون الحسن بين برود

وكما فعل المتنبي ببيت العباس بن الأحنف :

والنجم في كبد السّماء كأنّه

أعمى تحيّر ما لديه قائد

فقال :

ما بال هذي النجوم حائرة

كأنها العمي مالها قائد

وهذه مصالتة لا سرقة وهي مذمومة عند النقدة.

المصرّع :

المصرّع أحد أنواع السجع ، وهو توافق آخر المصراع الأوّل وعجز المصراع الثاني في الوزن والرويّ والإعراب (٥). وقد سمّى البلاغيون هذا اللون التصريع ، وقد تقدّم.

المصنوع :

صنعة يصنعه صنعا فهو مصنوع وصنع : عمله (٦).

المصنوع : هو الكلام المنمّق والموشّح بأنواع البديع ، قال الكلاعي : «وسمّينا هذا النوع المصنوع لأنّه نمق بالتصنيع ووشّح بأنواع البديع وحلّي بكثرة الفواصل والأسجاع ، واستجلب له منها ما يلذ في القلوب ويحسن في الأسماع (٧).

المضادّة :

الضدّ : كلّ شيء ضادّ شيئا ليغلبه ، وقد ضادّه وهما متضادّان (٨) المضادّة نوع من التصدير أوردّ العجز على الصّدر ، وهذا النوع من تسمية عبد الكريم (٩) ، وأنشد للفرزدق :

اصدر همومك لا يغلبك واردها

فكلّ واردة يوما لها صدر

المضارع :

المضارع : المشبه ، والمضارعة : المشابهة ، والمضارعة للشيء : أن يضارعه كأنه مثله أو شبهه (١٠).

المضارع أحد أنواع السجع ، قال الكلاعي : «وهذا النوع سمّيناه المضارع لأنّه تتشابه حروفه ولا يتّفق آخرها فهو لا يخلص لباب السجع المنقاد ولا السجع المستجلب فهو كالفعل المضارع الذي لم يخلص للحال ولا للاستقبال» (١١) وهو كقولهم : «صرّ» و «صلّ»

__________________

(١) احكام صنعه الكلام ص ٢٤٦.

(٢) اللسان (صلت).

(٣) الايضاح في شرح مقامات الحريري ص ٩.

(٤) الرسالة العسجدية ص ٥٥.

(٥) شرح عقود الجمان ص ١٥١.

(٦) اللسان (صنع).

(٧) احكام صنعة الكلام ص ١١٤.

(٨) اللسان (ضدد).

(٩) العمدة ج ٢ ص ٤.

(١٠) اللسان (ضرع).

(١١) احكام صنعة الكلام ص ٢٤٥.

٦٢٥

وقولهم : «طاب» و «طار» وقولهم : «النصر» و «النصل».

المضاعف :

أضعف الشيء وضعفّه وضاعفه : زاد على أصل الشيء وجعله مثليه أو أكثر (١). سمّى العسكري هذا النوع المضاعف (٢) ، وسمّاه المصري التعليق وسمّاه الزنجاني الموجّه وسمّاه السّكّاكي الاستتباع ، وهو الوصف بشيء يستتبع وصفا آخر من جنس الوصف الأوّل مدحا كان أو ذمّا أو غير ذلك (٣) وقد تقدّم الاستتباع.

المضاعفة :

هو المضاعف أو الاستتباع وقد عرّفه العسكري بقوله : «هو أن يتضمّن الكلام معنيين معنى مصرّح به ومعنى كالمشار اليه» (٤). وقد تقدّم.

المضاف :

المضاف نوع من الجناس وذلك كقول البحتري :

أيا قمر التّمام جنيت ظلما

عليّ تطاول الليل التّمام

فجانس بقمر التمام والليل التمام ، ومعنى التمام واحد في الأمرين ولو انفرد لم يعد تجنيسا لأنّ أحدهما صار موصولا بالقمر والآخر بالليل فكانا كالمختلفين (٥). وقد تقدّم في التجنيس والجناس.

المطابق :

طابق فلان فلانا : اذا وافقه (٦).

المطابق هو التجنيس عند ثعلب ، وقد قال في تعريفه : «هو تكرير اللفظة بمعنيين مختلفين» (٧) كقوله تعالى : (وَيَأْتِيهِ الْمَوْتُ مِنْ كُلِّ مَكانٍ وَما هُوَ بِمَيِّتٍ)(٨) ، وقوله : (وَتَرَى النَّاسَ سُكارى وَما هُمْ بِسُكارى)(٩) وقول طرفة :

كريم يروّي نفسه بحياته

ستعلم إن متنا صدى أينا الصّدي (١٠)

وقول الآخر :

سلام الله يا مطر عليها

وليس عليك يا مطر السّلام (١١)

ولكنّ الآتيين تحتملان المطابقة أي فيهما طباق سلب في (الْمَوْتُ) و (ما هُوَ بِمَيِّتٍ) وفي (سُكارى) و (ما هُمْ بِسُكارى ،) أما البيتان ففيهما جناس أي مطابق. وتابعه قدامة فقال : «فأما المطابق فهو ما يشترك في لفظة واحدة بعينها» (١٢) كقول زياد الأعجم :

ونبئتهم يستنصرون بكاهل

وللؤم فيهم كاهل وسنام (١٣)

المطابقة :

المطابقة هي التّضادّ والتطبيق والتكافؤ والطباق (١٤) ، وقد تقدّمت.

__________________

(١) اللسان (ضعف).

(٢) كتاب الصناعتين ص ٢٦٧ ، ٤٢٣.

(٣) أنوار الربيع ج ٦ ص ١٤٨.

(٤) كتاب الصناعتين ص ٤٢٣ ، وتنظر ص ٢٦٧.

(٥) الوساطة ص ٤٤ ، الرسالة العسجدية ص ١٢٩.

(٦) اللسان (طبق).

(٧) قواعد الشعر ص ٥٦.

(٨) ابراهيم ١٧.

(٩) الحج ٢.

(١٠) الصدى : الهامة. الصدى : العطش.

(١١) مطر : من الغيث. مطر : اسم رجل.

(١٢) فقد الشعر ص ١٨٥.

(١٣) كاهل : سند ومعتمد. كاهل : أعلى الظهر مما يلي العنق.

(١٤) قواعد الشعر ص ٥٦ ، البديع ص ٣٦ ، نقد الشعر ص ١٨٥ ، الوساطة ص ٤٤ ، كتاب الصناعتين ص ٣٠٧ ، المنصف ص ٥٥. اعجاز القرآن ص ١٢٢ ، العمدة ج ٢ ص ٥ ، سر ـ ـ الفصاحة ص ٢٣٤ ، الرسالة العسجدية ص ١٣٧ ، نهاية الايجاز ص ١١٠ ، مفتاح العلوم ص ٢٠٠ ، المثل السائر ج ٢ ص ٢٧٩ ، الجامع الكبير ص ٢١١ ، كفاية الطالب ص ١٢٨ ، المصباح ص ٨٧ ، منهاج البلغاء ص ٤٨ ، نضرة الاغريض ص ٩٧ ، حسن التوسل ص ١٩٩ ، نهاية الارب ج ٧ ص ٩٨ ، الايضاح ص ٣٣٤ ، التلخيص ص ٣٤٨ ، الفوائد ص ١٤٥ ، شروح التلخيص ج ٤ ص ٢٨٦ ، المطول ص ٤١٧ ، الاطول ج ٢ ص ١٨٢ ، خزانة ص ٧١ ، معترك ج ١ ص ٤١٤ ، الاتقان ج ٢ ص ٩٥ ، عقود الجمان ص ١٠٥ ، أنوار ج ٢ ص ٣١ ، كفاية الطالب ص ١٢٨ ، الروض المريع ص ١٦٣ ، التبيان في البيان ص ٢٨٤ ، ٤٣١.

٦٢٦

مطابقة الكلام لمقتضى الحال :

عرف العرب مطابقة الكلام لمقتضى الحال ، وأشار الحطيئة في قوله لعمر ابن الخطاب ـ رضي‌الله‌عنه ـ الى أنّ لكل مقام مقالا فقال :

تحنّن عليّ هداك المليك

فانّ لكل مقام مقالا (١)

وانتبه الى ذلك النحاة واللغويون ، فالخليل يومىء الى ما يفيد ذلك وينقل سيبويه عنه في باب «عدّة ما يكون عليه الكلم» ويقول : «وأما «قد» فجواب لقوله «لما يفعل» فتقول : قد فعل. وزعم الخليل أنّ هذا الكلام لقوم ينتظرون الخبر» (٢). ودعا الجاحظ الى مطابقة الكلام لمقتضى الحال وكرّر ذلك في كتبه ونقل قولهم : «ومن علم حقّ المعنى أن يكون الاسم له طبقا وتلك الحال له وفقا ... ومدار الأمر على إفهام كل قوم بمقدار طاقتهم والحمل عليهم على أقدار منازلهم» (٣). ونقل عن صحيفة بشر بن المعتمر قوله : «ينبغي للمتكلّم أن يعرف أقدار المعاني ويوازن بينها وبين أقدار المستمعين وبين أقدار الحالات فيجعل لك طبقة من ذلك كلاما ولكل حالة من ذلك مقاما حتى يقسم أقدار الكلام على أقدار المعاني ويقسم أقدار المعاني على أقدار المقامات وأقدار المستمعين على أقدار تلك الحالات» (٤).

وقال : «ولكل مقام مقال ولكل صناعة شكل» (٥).

وأقرب أقواله الى هذا الباب قوله : «لكل ضرب من الحديث ضرب من اللفظ ولكل نوع من المعاني نوع من الأسماء ، فالسخيف للسخيف ، والجزل للجزل والإفصاح في موضع الإفصاح ، والكناية في موضع الكناية ، والاسترسال في موضع الاسترسال.

واذا كان موضع الحديث على أنّه مضحك ومله وداخل في باب المزاح والطيب فاستعملت فيه الإعراب انقلب عن جهته وإن كان في لفظه سخف وابدلت السخافة بالجزالة صار الحديث الذي وضع على أن يسرّ النفوس يكربها ويأخذ باكظامها» (٦).

وقال : «وقد أصاب كل الصواب من قال : «لكلّ مقام مقال» (٧).

وذكر العسكري وغيره عبارة «لكلّ مقام مقال» (٨) ، وربط البلاغيون حسن الكلام وقبحه بانطباقه على مقتضى الحال وغيره فقال السّكّاكي : «إنّ مدار حسن الكلام وقبحه على انطباق تركيبه على مقتضى الحال وعلى لا انطباقه» (٩). وعرّفوا البلاغة بأنّها «مطابقة الكلام لمقتضى الحال مع فصاحته» (١٠).

__________________

(١) مجاز القرآن ج ٢ ص ٣. الكامل ج ٢ ص ٥٤٩.

(٢) الكتاب ج ٤ ص ٢٢٣.

(٣) البيان ج ١ ص ٩٣.

(٤) البيان ج ١ ص ١٣٨.

(٥) الحيوان ج ٣ ص ٣٦٩.

(٦) الحيوان ج ٣ ص ٣٩. الكظم : مخرج النفس أخذ بكظمه : كربه وغمه.

(٧) الجواري ـ رسائل الجاحظ ج ٢ ص ٩٣ ، الحيوان ج ٣ ص ٤٣.

(٨) كتاب الصناعتين ص ٢١ ، ٢٧.

(٩) مفتاح العلوم ص ٨٤.

(١٠) الايضاح ص ٩ ، التلخيص ص ٣٣ ، شروح التلخيص ج ١ ص ١٢٤ ، المطول ص ٢٥ ، الاطول ج ١ ص ٣٠ ، حاشية الدسوقي ج ١ ص ١٢٥ ، ١٢٦.

٦٢٧

ومقتضى الحال مختلف ، فإنّ مقامات الكلام متفاوتة ، فمقام التنكير يباين مقام التعريف ، ومقام الإطلاق يباين مقام التقييد ، ومقام التقديم يباين مقام التأخير ، ومقام الذكر يباين مقام الحذف ، ومقام القصر يباين مقام خلافه ، ومقام الفصل يباين مقام الوصل ، ومقام الإيجاز يباين مقام الإطناب والمساواة ، وكذا خطاب الذكيّ يباين خطاب الغبي. وانتهى القزويني الى أنّ «ارتفاع شأن الكلام في الحسن والقبول بمطابقته للاعتبار المناسب ، وانحطاطه بعدم مطابقته له. فمقتضى الحال هو الاعتبار المناسب ، وهذا أعني تطبيق الكلام على مقتضى الحال هو الذي يسميه الشيخ عبد القاهر بالنظم» (١)

المطرّف :

طرّف الرجل حول العسكر وحول القوم ، يقال :طرّف فلان إذا قاتل حول العسكر لأنّه يحمل على طرف منهم فيردهم ، والمطرّف من الخيل : هو الأبيض الرأس والذنب وسائره يخالف ذلك (٢).

المطرّف أحد أنواع السجع ، ويراعى فيه الحرف الأخير في كلمتي قرينتيه من غير مراعاة الوزن» (٣).

كقوله تعالى : (ما لَكُمْ لا تَرْجُونَ لِلَّهِ وَقاراً. وَقَدْ خَلَقَكُمْ أَطْواراً)(٤). وقد تقدم في التجنيس والجناس.

المطلق :

أطلق الناقة من عقالها وطلّقها فطلقت ، وناقة طلق وطلق : لا عقال عليها ، وأطلقه فهو مطلق وطليق (٥).

والمطلق : ما يدلّ على واحد غير معيّن (٦).

المطلق نوع من الجناس ، قال الصنعاني : «إنّه كثير لا يعتبر فيه التمام ولا النقصان» (٧) كقول جرير :

وما زال معقولا عقال عن الندى

وما زال محبوسا عن الخير حابس

وقوله تعالى : (يا أَسَفى عَلى يُوسُفَ)(٨) وقوله حكاية عن صاحبة سليمان : (وَأَسْلَمْتُ مَعَ سُلَيْمانَ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ)(٩) ، وقوله : (لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنى)(١٠). وقد تقدّم في التجنيس والجناس.

المطمع :

الطّمع : ضد اليأس ، يقال : طمع فيه وبه طمعا ، والمطمع : ما طمع فيه (١١). المطمع هو الإرصاد والتسهيم ، وسمّاه قدامة والعسكري التوشيح ، وقيل إنّ الذي سمّاه تسهيما هو علي بن إبراهيم ، والمطمع تسمية ابن وكيع (١٢) ، وقد قال ابن رشيق : «فأما تسميته المطمع فذلك لما فيه من سهولة الظاهر وقلة التّكلّف فإذا حوول امتنع وبعد مراده» (١٣).

المعارضة :

عارض الشيء بالشيء معارضة : قابله ، وعارضت كتابي بكتابه : أي قابلته ، وفلان يعارضني : أي يباريني (١٤).

قال ابن وهب : «المعارضة في الكلام المقابلة بين الكلامين المتساويين في اللفظ ، وأصله في معارضة السلعة بالسلعة في القيمة والمبايعة. وإنّما

__________________

(١) الايضاح ص ٩ ، وينظر التلخيص ص ٣٣ ـ ٣٥.

(٢) اللسان (طرف).

(٣) حسن التوسل ص ٢٠٩ ، نهاية الارب ج ٧ ص ١٠٥.

(٤) نوح ١٣ ـ ١٤.

(٥) اللسان (طلق).

(٦) التعريفات ص ١٩٤.

(٧) الرسالة العسجدية ص ١٣٣.

(٨) يوسف ٨٤.

(٩) النمل ٤٤.

(١٠) يونس ٢٦.

(١١) اللسان (طمع).

(١٢) العمدة ج ٢ ص ٣١.

(١٣) العمدة ج ٢ ص ٣٤ ، وينظر المنصف ص ٦٩.

(١٤) اللسان (عرض).

٦٢٨

تستعمل المعارضة في التقية وفي مخاطبة من خيف شرّه فيرضى بظاهر القول ويتخلّص في معناه من الكذب الصراح» (١). ومن المعارضة قوله تعالى على لسان مؤذّن يوسف : عليه‌السلام ـ : (أَيَّتُهَا الْعِيرُ إِنَّكُمْ لَسارِقُونَ)(٢) وهم لم يسرقوا الصواع وإنما عنى سرقتهم إياه من أبيه.

وللمعارضة معنى آخر وهو أن يعارض أحدهم صاحبه في خطبة أو شعر فيجاريه في لفظه ويباريه في معناه ، وقد عرفت المعارضة منذ الجاهلية» (٣).

وتحدّث الصنعاني عن المعارضة في فصل الاستعانة وقال : «اعلم أنّ المعارضة ليست من هذا النمط بشيء ولا تعتبر في المعارضة بالمعاني وإنما العبرة باللفظ في الفصاحة والبلاغة بأنواعها ، فلو كان المعارض يأخذ معنى ما يعارض فيه ويكسوه ألفاظا من عنده ويستعين ببعض ألفاظه لكان هذا احتذاء وسرقة ولم يكن معارضة ، ولكان يظهر للناس سقوط المعارض وخذلانه وافتضاحه» (٤). ومن ذلك ما قاله امرؤ القيس :

خليليّ مرّا بي على أم جندب

لنقضي حاجات الفؤاد المعذّب

وما قاله علقمة في معارضته :

ذهبت من الهجران في كل مذهب

ولم يك حقا كلّ هذا التّجنّب

فتباين معناهما لأنّه وصف الهجران الذي هو نقيض الوصال ، وعدّ مع ذلك معارضا لأنّه لما كان ما أتى به مثلا لما أتى به امرؤ القيس في الفصاحة.

ومن ذلك نقائض جرير والفرزدق وهي معروفة مشهورة ، وقصائدهم في المعارضات كثيرة.

والمعارضة والمناقضة عند ابن منقذ : «أن يناقض الشاعر كلامه أو يعارض بعضه بعضا» (٥). كما قال خفاف :

إذا انتكث الخيل ألفيته

صبور الجنان رزينا خفيفا

قيل : إنّه أراد رزينا من جهة العقل وخفيفا ، ويقال : إنّه أراد رزينا في نفسه.

وقال أبو نواس :

لما بدا ثعلب الصدود لنا

أرسلت كلب الوصل في طلبه

فجاء يسعى به معلّقه

وقد لوى رأسه الى ذنبه

المعاظلة :

عاظل معاظلة : لزم بعضه بعضا ، وتعاظلت الجراد : إذا تداخلت ، ويقال : تعاظلت السباع وتشابكت ، وعاظل الشاعر في القافية عظالا : ضمّن. وروي عن عمر بن الخطاب ـ رضي‌الله‌عنه ـ أنّه قال لقوم من العرب : أشعر شعرائكم من لم يعاظل الكلام ولم يتتبّع حوشيه ، أي لم يحمل بعضه على بعض ولم يتكلم بالرجيع من القول ولم يكرر اللفظ والمعنى (٦)

المعاظلة من عيوب اللفظ عند قدامة وهي التي وصف عمر بن الخطاب ـ رضي‌الله‌عنه ـ زهيرا بمجانبته لها فقال : «كان لا يعاظل بين الكلام». ولا يريد عمر مداخلة بعض الكلام فيما يشبهه من بعض أو فيما كان من جنسه وإنما أنكر أن يدخل بعضه فيما ليس من جنسه وما هو غير لائق به. قال قدامة : «وما أعرف ذلك إلا فاحش الاستعارة» (٧) كقول أوس بن حجر :

__________________

(١) البرهان في وجوه البيان ص ١١٨.

(٢) يوسف ٧٠.

(٣) بيان اعجاز القرآن ص ٥٣.

(٤) الرسالة العسجدية ص ٥٦.

(٥) البديع في نقد الشعر ص ١٥٢.

(٦) اللسان (عظل).

(٧) نقد الشعر ص ٢٠١.

٦٢٩

وذات هدم عار نواشرها

تصمت بالماء تولبا جدعا (١)

فسمّى الصبي تولبا وهو ولد الحمار.

ومنه قول جبيهاء الأسدي :

وما رقد الولدان حتى رأيته

على البكر يمريه بساق وحافر (٢)

فسمّى رجل الإنسان حافرا.

وقد تحدّث عبد القاهر عن هذا النوع في الاستعارة غير المفيدة ، وقال : إنّ الاستعارة ليست من جانب اللفظ ولكنها من جهة المعنى الذي يفيد فائدة خاصة (٣).

وقال الآمدي : «وقد فسّر أهل العلم هذا من قول عمر وذكروا معنى المعاظلة وهي مداخلة الكلام بعضه في بعض وركوب بعضه لبعض» (٤). وردّ كلام قدامة وقال إنّ الامثلة التي ذكرها ليست من المعاظلة (٥) ، وذكر بعض أنواع المعاظلة في شعر أبي تمّام من ذلك قوله :

خان الصفاء أخ خان الزمان أخا

عنه فلم يتخوّن جسمه الكمد

وقوله :

يا يوم شرّد يوم لهوي لهوه

بصبابتي وأذلّ عزّ تجلّدي

وقوله :

يوم أفاض جوى أغاض تغزّيا

خاض الهوى بحري حجاه المزبد

وقال العسكري إنّ المعاظلة «من سوء النظم» (٦) وردّ كلام قدامة بقوله : «وهذا غلط من قدامة كبير ؛ لأنّ المعاظلة في أصل الكلام إنّما هي ركوب الشيء بعضه بعضا وسمّي الكلام به إذا لم ينضد نضدا مستويا وأركب بعض ألفاظه رقاب بعض وتداخلت أجزاؤه تشبيها بتعاظل الكلاب والجراد ، وتسمية القدم بحافر ليست بمداخلة كلام في كلام وإنّما هو بعد في الاستعارة» (٧).

وذكر ابن رشيق للمعاظلة عدة معان فالعظال في القوافي التضمين في رأي الخليل ، والمعاظلة سوء الاستعارة في رأي قدامة ، والمعاظلة تداخل الحروف وتراكبها ، والمعاظلة تركيب الشيء في غير موضعه (٨).

وقسّم ابن الأثير المعاظلة الى نوعين :

الأوّل : المعاظلة اللفظية ، وهي خمسة أقسام : قسم يختص بأدوات الكلام نحو «من» و «الى» وعن» و «على» فان ما يسهل النطق به إذا ورد مع أخواته ، ومنها ما لا يسهل بل يرد ثقيلا على اللسان ، ومن ذلك قول أبي تمّام :

الى خالد راحت بنا أرحبية (٩)

مرافقها من عن كراكرها نكب (١٠)

وقسم يختص بتكرير الحروف ، ومن ذلك قولهم :

__________________

(١) ذات هدم : يعني امرأة ضعيفة. الهدم : الكساء.

النواشر : عروق وعصب في باطن الذراع ، التولب : ولد الحمار. الجدع : الصغير ، السيىء الغذاء.

(٢) البكر : الفتي من الابل ، يمريه : يستخرج ما عنده من الجري.

(٣) أسرار البلاغة ص ٣٤.

(٤) الموازنة ج ١ ص ٢٧٦.

(٥) الموازنة ج ١ ص ٢٧٧ ، وينظر سر الفصاحة ص ١٨٤ ، المثل السائر ج ١ ص ٢٩٣ ، الجامع الكبير ص ٢٣٠. الأقصى القريب ص ١٠١.

(٦) كتاب الصناعتين ص ١٦٢.

(٧) كتاب الصناعتين ص ١٦٣.

(٨) العمدة ج ٢ ص ٢٦٤.

(١٠) الأرحبية : ناقة منسوبة الى أرحب. الكراكر : جمع كركرة وهي رحى صدرها. النكب : جمع نكباء وهي المائلة.

(٩) المثل السائر ج ١ ص ٢٩٤ ، ج ٢ ص ٤٤ ، وينظر الطراز ج ٣ ص ٥٠ ، التبيان في البيان ص ٤٢٦.

٦٣٠

وقبر حرب بمكان قفر

وليس قرب قبر حرب قبر

وقول الحريري

وازورّ من كان له زائرا

وعاف عافي العرف عرفانه

وقسم أن ترد ألفاظ على صيغة الفعل يتبع بعضها بعضا ، كقول بعضهم :

بالنار فرّقت الحوادث بيننا

وبها نذرت أعود أقتل روحي

وقسم يتضمّن مضافات كثيرة كقولهم :

حمامة جرعا حومة الجندل اسجعي

فأنت بمرأى من سعاد ومسمع

وقسم ترد صفات متعدّدة على نحو واحد كقول المتنبي :

دان بعيد محبّ بهج

أعزّ حلو ليّن شرس (١)

الثاني : المعاظلة المعنوية وهي أن يقدّم ما الأولى به التأخير لأنّ المعنى يختل بذلك ويضطرب. فالمعاظلة المعنوية كتقديم الصفة أو ما يتعلق بها على الموصوف ، وتقديم الصلة على الموصول وغير ذلك. ومن ذلك قول الشاعر :

فقد والشك بيّن لي عناء

بوشك فراقهم صرد يصيح

وقول الآخر :

فأصبحت بعد خطّ بهجتها

كأنّ قفرا رسومها قلما

ومن ذلك قول الفرزدق :

الى ملك ما أمّه من محارب

أبوه ولا كانت كليب تصاهره

وقوله :

وما مثله في الناس إلا مملّكا

أبو أمه حيّ أبوه يقاربه (٢)

المعاني :

معنى كلّ شيء : محنته وحاله التي يصير اليها أمره ، والمعنى والتفسير والتأويل واحد ، وعنيت بالقول كذا :أردت. ومعنى كل كلام ومعناته مقصده (٣).

علم المعاني من المصطلحات التي أطلقها البلاغيون على مباحث بلاغية تتّصل بالجملة وما يطرأ عليها من تقديم وتأخير ، أو ذكر وحدف ، أو تعريف وتنكير ، أو قصر وخلافه ، أو فصل ووصل ، أو إيجاز وإطناب ومساواة.

وليس في كتب البلاغة الأولى إشارة الى هذا العلم ، ولا نعرف أحدا استعمله قبل السّكّاكي بمعناه المعروف. وكان الأوائل يستعملون مصطلح «المعاني» في دراساتهم القرآنية والشعرية فيقولون «معاني القرآن» أو «معاني الشعر» ويتّخذون من ذلك أسماء لكتبهم. ولعلّ عبارة «معاني النحو» التي وردت في المناظرة التي جرت بين الحسن بن عبد الله بن المرزبان المعروف بأبي سعيد السيرافي وأبي بشر متّى بن يونس في مجلس الوزير أبي الفتح بن جعفر بن الفرات ، كانت أقدم الإشارات الى هذا المصطلح بمعناه القريب من البلاغة (٤).

وعقد ابن فارس في كتابه «الصاحبي» بابا سماه «معاني الكلام» (٥) وهي عند أهل العلم عشرة : خبر واستخبار ، وأمر ونهي ، ودعاء وطلب ، وعرض وتحضيض ، وتمن وتعجب. وبذلك يكون ابن فارس

__________________

(١) البهح : الفرح. الشرس : الصعب. ينظر المثل السائر ج ١ ص ٢٩٤ ـ ٣٠٤.

(٢) المثل السائر ج ٢ ص ٤٤.

(٣) اللسان (عنا).

(٤) الامتاع والمؤانسة ج ١ ص ١٢١.

(٥) الصاحبي ص ١٧٩.

٦٣١

أوّل من أطلق «معاني الكلام» على مباحث الخبر والإنشاء التي أصبحت أهم أبواب علم المعاني.

وكان لنظرية النظم أثر كبير في ظهور هذا اللون من الدراسات ، وللنحاة العرب يد طولى في دراسة الكلام وتحليله والوقوف عند الجملة وما يطرأ عليها من تقديم وتأخير أو ذكر وحذف. ولعل سيبويه كان من أقدم الذين وقفوا عند هذه الجوانب ودرسها بعمق في فصول كتابه الشهير. ولكنّ سيبويه والنحاة لم يسمّوا هذه البحوث نظما وإنّما هي قواعد تسير عليها العرب في كلامها أو إنشائها. واذا أردنا أن نتلمس فكرة النظم فينبغي أن نتلمسها في كتب أخرى ، وأقدم إشارة عثرنا عليها عبارة ابن المقفّع التي أشار فيها الى صياغة الكلام ، قال : «فاذا خرج الناس من أن يكون لهم عمل وأن يقولوا قولا بديعا فليعلم الواصفون المخبرون أنّ أحدهم وإن أحسن وأبلغ ليس زائدا على أن يكون كصاحب فصوص وجد ياقوتا وزبرجدا ومرجانا فنظمه قلائد وسموطا وأكاليل ووضع كل فصّ موضعه وجمع الى كل لون شبهه مما يزيده بذلك حسنا فسمي بذلك صائغا رقيقا ، وكصاغة الذهب والفضة صنعوا فيها ما يعجب الناس من الحلي والآنية ، وكالنحل وجدت ثمرات أخرجها الله طيبة وسلكت سبلا جعلها الله ذللا فصار ذلك شفاء وطعاما وشرابا منسوبا إليها مذكورا به أمرها وصنعتها. فمن جرى على لسانه كلام يستحسنه أو يستحسن منه فلا يعجبن به إعجاب المخترع المبتدع ، فانه إنما اجتباه كما وصفنا» (١).

وأخذ البلاغيون معنى هذا الكلام وأداروه في كتاباتهم من غير أن يشيروا الى ابن المقفّع ، فقال الجاحظ : «فإنما الشعر صناعة وضرب من النسج وجنس من التصوير» (٢) وتحدّث عن النظم في كتبه وسمّى أحدها «نظم القرآن». وكان لمسألة إعجاز القرآن الكريم أثر في بلورة فكرة النظم ، فقد ذهب قوم من المتكلّمين إلى أنّ وجه الإعجاز هو ما اشتمل عليه كتاب الله العزيز من النّظم الغريب المخالف لنظم العرب ونثرهم في مطالعه ومقاطعه وفواصله. وممن تحدثوا عن النظم أبو عبد الله محمد بن يزيد الواسطي وأبو سليمان حمد بن محمّد بن إبراهيم الخطابي وأبو الحسن علي بن عيسى الرّمّاني وأبو بكر محمّد ابن الطيب الباقلّاني والقاضي عبد الجبار الأسد آبادي. وكان لكلامهم أثر في هذه الدراسة التي بلغت نضجها على يدي عبد القاهر الذي أطال الكلام عليها وسمّى موضوعات علم المعاني : «معاني النحو» أو النظم ، وهو عنده تعليق الكلام بعضه ببعض وجعل بعضه بسبب من بعض (٣) ، أو هو «توخي معاني النحو». وتعدّ دراسته لموضوعات النظم في كتابه «دلائل الإعجاز» من أنضج الدراسات الأسلوبية. وحينما قسّم السّكّاكي البلاغة الى علومها المعروفة أطلق مصطلح «علم المعاني» على الموضوعات التي سمّاها عبد القاهر نظما ، وهو مصطلح ليس جديدا من حيث الاسم ولكنه جديد من حيث الدّلالة. وكان الزمخشري والرازي والمطرّزي قد ردّدوا هذا المصطلح (٤) ، ولكنهم لم يحدّدوه أو يضعوا له منهجا واضحا ، وبذلك كان السّكّاكي أوّل من استخدم هذا المصطلح للدلالة على بعض موضوعات البلاغة.

وأخذ البلاغيون بهذا المنهج وعرّف القزويني علم المعاني بأنّه «علم يعرف به أحوال اللفظ العربي التي بها يطابق مقتضى الحال» (٥) وحصر علم المعاني في ثمانية أبواب :

الأوّل : أحوال الإسناد الخبري.

__________________

(١) الادب الصغير ـ آثار ابن المقفع ص ٣١٩ ، رسائل البلغاء ص ٥ ـ ٦.

(٢) الحيوان ج ٣ ص ١٣٢.

(٣) دلائل الاعجاز ص (ص).

(٤) الكشاف ج ١ ص (ك) ، نهاية الايجاز ص ٣٦ ، الايضاح في شرح مقامات الحريري ص ٢٥.

(٥) الايضاح ص ١٢ ، التلخيص ص ٣٧.

٦٣٢

الثاني : أحوال المسند اليه.

الثالث : أحوال المسند.

الرابع : أحوال متعلّقات الفعل.

الخامس : القصر.

السادس : الإنشاء.

السابع : الفصل والوصل.

الثامن : الإيجاز والإطناب.

ووجه الحصر أن الكلام إمّا خبر أو انشاء ؛ لأنّه إما أن يكون لنسبته خارج تطابقه أو لا تطابقه ، أو لا يكون لها خارج ، الأوّل الخبر والثاني الإنشاء. ثم الخبر لا بدّ له من إسناد ومسند اليه ومسند ، وأحوال هذه الثلاثة هي الأبواب الثلاثة الأولى. ثم المسند قد يكون له متعلّقات إذا كان فعلا أو متصلا به أو في معناه كاسم الفاعل ونحوه ، وهذا هو الباب الرابع. ثم الإسناد والتعلق كل واحد منهما يكون إما بقصر أو بغير قصر ، وهذا هو الباب الخامس. والإنشاء هو الباب السادس. ثم الجملة إذا قرنت بأخرى فتكون الثانية إما معطوفة على الأولى أو غير معطوفة ، وهذا هو الباب السابع. ولفظ الكلام البليغ إما زائد على أصل المراد لفائدة أو غير زائد عليه ، وهذا هو الباب الثامن.

وسيطر هذا المنهج على البلاغيين وظلت كتبهم تقسّم علم المعاني هذا التقسيم (١) ، ولم يخرج عنه معظم المتأخّرين والمحدثين.

المعقّد :

العقد : نقيض الحل ، عقده يعقده عقدا ، وعقدة اللسان : ما غلظ منه ، وعقّد كلامه : أعوصه وعمّاه ، وكلام معقّد : أي مغمّض (٢).

المعقّد هو الكلام الذي يحتاج الى جهد في تقريب المعنى ، وقد وصف البحتري بأنّه يعطي المعاني الدقيقة تسهيلا وتقريبا ويردّ الغريب الى المألوف القريب.

وقد علّل عبد القاهر ذمّ المعقّد بقوله : «والمعقّد من الشعر والكلام لم يذمّ لأنّه مما تقع حاجة فيه الى الفكر على الجملة بل لأنّ صاحبه يعثر فكرك في متصرّفه ويشيك طريقك الى المعنى ويوعر مذهبك نحوه بل ربما قسّم فكرك وشعّب ظنك حتى لا تدري من أين تتوصّل وكيف تطلب» (٣) ، وقد تقدّم الكلام على التعقيد.

المعمّى :

عمي عليه الأمر : التبس ، والتعمية أن تعمّي على الإنسان شيئا فتلبسه عليه تلبيسا ، وعمّيت معنى البيت تعمية ومنه المعمّى من الشعر (٤).

المعمّى هو الأحجية واللغز ، قال السبكي عن اللغز : «ويسمّى الأحجية والمعمّى وهو قريب من التورية وأمثلته لا تكاد تنحصر ، وفيه مصنّفات للناس» (٥).

معنى المعنى :

فرّق عبد القاهر بين المعنى ومعنى المعنى أي المعنى الأول والمعنى الثاني وقال : «تعني بالمعنى المفهوم من ظاهر اللفظ والذي تصل اليه بغير واسطة ، وبمعنى المعنى أن تعقل من اللفظ معنى ثم يفضي بك ذلك المعنى الى معنى آخر» (٦).

ولا يتوصّل الى معنى المعنى إلّا عن طريق صور البيان ولذلك قال عبد القاهر : «وضرب آخر أنت لا

__________________

(١) شروح التلخيص ج ١ ص ١٥١. المطول ص ٣٣ ، الاطول ج ١ ص ٣٨.

(٢) اللسان (عقد).

(٣) أسرار البلاغة ص ١٣٥.

(٤) اللسان (عمي).

(٥) عروس الافراح ج ٤ ص ٤٧٣ ، وينظر نفحات ص ٣٣٩.

(٦) دلائل الاعجاز ص ٢٠٣ ، وينظر نهاية الايجاز ص ٨.

٦٣٣

تصل منه الى الغرض بدلالة اللفظ وحده ولكن يدلّك اللفظ على معناه الذي يقتضيه موضوعه في اللغة ثم تجد لذلك المعنى دلالة ثانية تصل بها الى الغرض» (١). ومدار هذا الأمر على الكناية والاستعارة والتمثيل.

وتحدّث الرازي والقرطاجني (٢) عن ذلك ، ومعنى هذا أنّ التفاوت لا يقع في المعاني الأول وإنما في المعاني الثواني أو في «معنى المعنى» وهذا أساس الإبداع.

المغالطة :

الغلط : كل شيء يعيا الإنسان عن جهة صوابه من غير تعمد ، وقد غالطه مغالطة ، والمغلطة والأغلوطة : الكلام الذي يغلط فيه ويغالط به (٣).

المغالطة من تسمية عبد القاهر وسمّاها السّكّاكي «الأسلوب الحكيم» وذكرها السّيوطي باسم مجاوبة المخاطب بغير ما يترقّب ، وهو من خلاف مقتضى الظاهر (٤).

وعقد ابن الأثير بابا في المغالطات المعنوية وقال : «وهذا النوع من أحلى ما استعمل من الكلام وألطفه لما فيه من التورية. وحقيقته أن يذكر معنى من المعاني له مثل في شيء آخر ونقيض ، والنقيض أحسن موقعا وألطف مأخذا» (٥). وقال : «إنّ المغالطة هي التي تطلق ويراد بها شيئان أحدهما دلالة اللفظ على معنيين بالاشتراك الوصفي والآخر دلالة اللفظ على المعنى ونقيضه» (٦).

وقال ابن قيّم الجوزيّة : «المغالطة ذكر الشيء وما يتوهّم مقابلا له وليس كذلك» (٧) ، وسمّى الزركشي التورية مغالطة ، قال : «وتسمّى الإيهام والتخييل والمغالطة والتوجيه ، وهي أن يتكلّم المتكلّم بلفظ مشترك بين معنيين قريب وبعيد ويريد المعنى البعيد ويوهم السامع أنّه أراد القريب» (٨). وليست هذه المغالطة وإنّما هي التورية ، ولكنّ العلوي أدخلها في التورية وعدّها المغالطة المعنوية وهي الضرب الأوّل ، أما الضرب الثاني فهو الإلغاز والأحجية (٩) وقد تقدّم الإلغاز والأحجية.

المغالطة المعنويّة :

قال العلوي : «اعلم أنّ المغالطة المعنوية هي أن تكون اللفظة الواحدة دالة على معنيين على جهة الاشتراك فيكونان مرادين بالنية دون اللفظ ، وذلك لأنّ الوضع في اللفظة المشتركة أن تكون دالة على معنيين فصاعدا على جهة البدلية هذا هو الأصل في وضع اللفظ المشترك ، فاذا كان المعنيان مرادين عند إطلاقها فإنما هو بالقصد دون اللفظ. والتفرقة بين المغالطة والإلغاز هو أنّ المغالطة كما ذكرنا إنما تكون بالألفاظ المشتركة وهي دالة على أحدهما على جهة البدلية وضعا ، وقد يرادان جميعا بالقصد والنية بخلاف الإلغاز فانّه ليس دالا على معنيين بطريق الاشتراك ولكنه دالّ على معنى من جهة لفظه وعلى المعنى الآخر من جهة الحدس لا بطريق اللفظ فافترقا بما ذكرناه» (١٠).

ومثالها قول المتنبي :

يشلّهم بكلّ أقبّ نهد

لفارسه على الخيل الخيار

__________________

(١) دلائل الاعجاز ص ٢٠٢.

(٢) نهاية الايجاز ص ٨ ، منهاج البلغاء ص ١٤ ، ٢٣ ، ٢٠٦.

(٣) اللسان (غلط).

(٤) شرح عقود الجمان ص ٢٩.

(٥) المثل السائر ج ٢ ص ٢١٥.

(٦) المثل السائر ج ٢ ص ٢٢٤.

(٧) الفوائد ص ١٢٣.

(٨) البرهان في علوم القرآن ج ٣ ص ٤٤٥.

(٩) الطراز ج ٣ ص ٦٣ ، وينظر الروض المريع ص ٨١.

(١٠) الطراز ج ٣ ص ٦٣.

٦٣٤

وكل أصمّ يعسل جانباه

على الكعبين منه دم ممار

يغادر كلّ ملتفت اليه

ولبّته لثعلبه وجار (١)

فالثعلب هو الحيوان المعروف ، والثعلب هو طرف سنان الرمح مما يلي الصّعدة فلما اتفق الاسمان حسن لا محالة ذكر الوجار. ولما كان الوجار يصلح لهما جميعا فاللبة وجار ثعلب السنان وهو بمنزلة جحر الثعلب أيضا.

وهذا ما ذكره ابن الأثير في «المغالطات المعنوية» (٢) التي عقد لها بابا وللاحاجي بابا آخر ، وهو ما ذكره العلوي في باب التورية.

المغايرة :

هي التّغاير والتّلطّف (٣) ، وقد تقدّما.

المغصّن :

غصّن العنقود وأغصن : كبر حبّه شيئا ، والغصن :ما تشعّب عن ساق الشجرة دقاقها وغلاظها ، والغصنة : الشعبة الصغيرة منه (٤).

المغصّن نوع من السجع ، قال الكلاعي : «وسمّينا هذا النّوع المغصّن لأنّه ذو فروع وأغصان. وقلما يستعلمه إلّا المحدّثون من أهل عصرنا ، وهو نحو قولي : «وقد يكون من النعم والإحسان وما يصدر من الفم واللسان ومن النعماء والمعروف ما يسر بالأسماء والحروف». فقابلت سجعتين بسجعتين كل سجعة موافقة لصاحبتها» (٥). وقد يقابل في هذا الفصل ثلاث بثلاث وأربع بأربع وخمس بخمس وست بست وسبع بسبع.

المفاضلة :

قال السجلماسي : هو ما فضل فيه المعنى على اللفظ» (٦) وأدخل فيه الاختزال والتضمين.

المفصّل :

فصّلت الوشاح إذا كان نظمه مفصّلا بأن يجعل بين كل لؤلؤتين مرجانة أو شذرة أو جوهرة تفصل بين كل اثنتين من لون واحد (٧).

قال الكلاعي : «وسمّينا هذا النوع من البيان المفصّل لأنّه فصّل فيه المنظوم بالمنثور فجاء كالوشاح المفصّل» (٨). ونظير ذلك قول أبي محمد المهلبي : «رأيته فصيح الاشارة لطيف العبارة» :

إذا اختصر المعنى فشربة حائم

وإن رام إسهابا أتى الفيض بالمدّ

«قد نظرته فرأيته جسما معتدلا وفهما مشتعلا» :

ونفسا تفيض كفيض الغمام

وظرفا يناسب صفو المدام

المقابلة :

قابل الشيء بالشيء مقابلة وقبالا : عارضه ، والمقابلة : المواجهة والتقابل مثله (٩).

قال أبو الفرج الأصفهاني علي بن الحسين القرشيّ : سألت جعفر بن قدامة الكاتب وكان من

__________________

(١) يشلهم : يطردهم. الأقب : الضامر البطن. النهد : العالي المرتفع. الأصم : الشديد الذي ليس بأجوف. يعسل : يضطرب. الكعبان : اللذان في عامل الرمح. الممار : السائل الجاري. الثعلب :الحيوان المعروف. الوجار : بيت الثعلب.

(٢) المثل السائر ج ٢ ص ٢١٥ وما بعدها.

(٣) كتاب الصناعتين ص ٢٦٧ ، ٤٢٧ ، خزانة الادب ص ١٠٢ ، ١٠٤ ، انوار الربيع ج ٢ ص ٣٧١.

(٤) اللسان (غصن).

(٥) احكام صنعة الكلام ص ١٤١.

(٦) المنزع البديع ص ١٨٢ ، وتنظر ص ١٨٥ وما بعدها.

(٧) اللسان (فصل).

(٨) احكام صنعة الكلام ص ١٤٤.

(٩) اللسان (قبل).

٦٣٥

جهابذة الشعر عن المقابلة فقال : سألت أبي عنها فقال : «هو أن يضع الشاعر معاني يعتمد التوفيق بين بعضها وبعض أو المخالفة فيأتي بالموافق مع ما يوافقه وفي المخالف بما يخالفه على الصحة أو يشترط شروطا ويعدّد أحوالا في أحد المعنيين فيجب أن يأتي بما يوافقه بمثل الذي شرط فيما يخالفه بأضداد ذلك. قال فقلت له : فانشدني أحسن ما قيل فيه فقال :

لا أعرف أحسن من قول الأوّل :

أيا عجبا كيف اتّفقنا فناصح

وفيّ ومطويّ على الغلّ غادر

فجعل بازاء «ناصح» : مطويا على الغل ، وبازاء «وفيّ» : غادرا (١).

وتكلّم عليها قدامة وهي عنده من أنواع المعاني ، قال : «ومن أنواع المعاني وأجناسها أيضا صحّة المقابلات وهي أن يصنع الشاعر معاني يريد التوفيق بين بعضها وبعض أو المخالفة فيأتي في الموافق بما يوافق وفي المخالف بما يخالف على الصحة أو يشرط شروطا ويعدّد أحوالا في أحد المعنيين فيجب أن يأتي فيما يوافقه بمثل الذي شرطه وعدّده وفيما يخالف بأضداد ذلك كما قال بعضهم :

فواعجبا كيف اتفقنا فناصح

وفيّ ومطويّ على الغلّ غادر

فقد أتي بإزاء كل ما وصفه من نفسه بما يضاده على الحقيقة ممن عاتبه حيث قال بازاء «ناصح» : مطوي على الغل ، وبازاء «وفيّ» : غادر» (٢).

وقال قدامة عن تصحيح المقابلة إنّها «أن يؤتي بمعان» يراد التوفيق بينهما وبين معان أخرى في المضادة فيؤتى في الموافقة بالموافقة وفي المضادة بالمضادة» (٣).

وقال العسكري : «المقابلة إيراد الكلام ثم مقابلته بمثله في المعنى واللفظ على جهة الموافقة أو المخالفة» (٤).

وقال الباقلّاني : «المقابلة هي أن يوفّق بين معان ونظائرها والمضاد بضده» (٥). وعقد لها ابن رشيق بابا غير باب المطابقة وقال : «وأصلها ترتيب الكلام على ما يجب فيعطى أول الكلام ما يليق به أوّلا وآخره ما يليق به آخرا ويأتي في الموافق بما يوافقه وفي المخالف بما يخالفه. واكثر ما تجيء المقابلة في الأضداد فإذا جاوز الطباق ضدين كان مقابلة» (٦).

وقال التبريزي : المقابلة أن يأتي الشاعر في الموافق بما يوافق وفي المخالف بما يخالف» (٧).

وقال البغدادي : «وأمّا المقابلة فهي أن يضع الشاعر معاني يريد التوفيق بينها فيأتي في الموافق بما يوافق وفي المخالف بما يخالف على الصحّة أو يشترط شروطا في أحد المعنيين فيأتي بما يوافقه بمثل الذي شرطه وفيما يخالفه بأضداد ذلك» (٨). وقال الرازي : «المقابلة هي أن تجمع بين شيئين متوافقين بين ضدّيهما ثم اذا شرطتهما بشرط وجب أن تشرط ضدّيهما بضد ذلك الشرط» (٩).

ونقل السّكّاكي تعريف الرازي (١٠) وأدخلها في المحسّنات المعنوية بعد أن فصلها عن المطابقة.

ووضعها الصنعاني بين التقسيم والمطابقة وقال : «وأصلها ترتيب الكلام على ما يجب وأن يؤتى من الموافق ما يوافقه وفي المخالف بما يخالفه ، وأكثر

__________________

(١) حلية المحاضرة ج ١ ص ١٥٢ ، نضرة الاغريض ص ١٢٥.

(٢) نقد الشعر ص ١٥٢.

(٣) جواهر الالفاظ ص ٥.

(٤) كتاب الصناعتين ص ٣٣٧.

(٥) إعجاز القرآن ص ١٣٢.

(٦) العمدة ج ٢ ص ٥.

(٧) الوافي ص ٢٦٤.

(٨) قانون البلاغة ص ٤٣٩.

(٩) نهاية الايجاز ص ١١١ ، وينظر الايضاح في شرح مقامات الحريري ص ١٦.

(١٠) مفتاح العلوم ص ٢٠٠.

٦٣٦

ما تكون المقابلة في الأضداد فاذا جاوزت المطابقة ضدين كانت مقابلة» (١).

وقال ابن شيث القرشي : «المقابلة هي أن يتساوى اللفظان في الكلام المضبوط بالسجعتين ويكون الثاني ضدّ الأول مع التكافؤ في اللفظ» (٢).

وأدخلها جماعة في المطابقة كابن الأثير الذي قال : «اعلم أنّ الأليق من حيث المعنى أن يسمّى هذا النوع المقابلة» (٣). والقزويني الذي قال : «ودخل في المطابقة ما يخصّ باسم المقابلة وهو أن يؤتى بمعنيين متوافقين أو معان متوافقة ثم بما يقابلهما أو يقابلها على الترتيب» (٤). وجمع ابن الأثير الحلبي بين المطابقة والمقابلة في باب واحد وإن عرّف كلا منهما تعريفا مستقلّا ، قال : «وحدّ الطباق : ذكر الشيء وضده ، وقيل : هو اشتراك المعنيين في لفظ واحد ، وقيل : هو مساواة المقدار من غير زيادة ولا نقص ، والكل قريب من قريب» (٥). وقال : «فأما حدّ المقابلة : فهو أن تكون اللفظة مقابلة لأختها ومعناها مختلف» (٦).

وقال الحلبي والنّويري : «والمطابقة أن تجمع بين ضدين مختلفين كالإيراد والإصدار ، والليل والنهار ، والسواد والبياض» (٧) ، وقالا عن المقابلة : «وهي أعمّ من الطّباق وذكر بعضهم أنّها أخصّ ، وذلك أن تضع معاني تريد الموافقة بينها وبين غيرها أو المخالفة فتأتي في الموافق بما وافق ، وفي المخالف بما خالف ، أو تشرط شروطا وتعد أحوالا في أحد المعنيين فيجب أن تأتي في الثاني بمثل ما شرطت وعددت» (٨).

وقال الحموي رادّا كلام من ذهب الى أنّ الفنين لون واحد : «وهو غير صحيح فإنّ المقابلة أعمّ من المطابقة ، وهي التنظير بين شيئين فأكثر وبين ما يخالف وما يوافق. فبقولنا : «وما يوافق» صارت المقابلة أعمّ من المطابقة فانّ التنظير بين ما يوافق ليس بمطابقة» (٩).

وفرّق البلاغيون بين اللونين من وجهين :

الأول : أنّ الطباق لا يكون إلّا ضدّين غالبا كقوله تعالى : (وَهُوَ الَّذِي أَحْياكُمْ ثُمَّ يُمِيتُكُمْ ثُمَّ يُحْيِيكُمْ)(١٠) ، والمقابلة تكون غالبا بالجمع من أربعة أضداد : ضدين في أصل الكلام وضدين في عجزه وتبلغ الى الجمع من عشرة أضداد خمسة في الصدر وخمسة في العجز.

الثاني : لا يكون الطباق إلّا بالأضداد ، والمقابلة تكون بالأضداد وغيرها (١١) وتأتي المقابلة على أنواع :

الأوّل : مقابلة اثنين باثنين كقوله تعالى : (فَلْيَضْحَكُوا قَلِيلاً وَلْيَبْكُوا كَثِيراً)(١٢) وقول النبي ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ : «إنّ الرّفق لا يكون في شيء إلّا زانه ولا ينزع من شيء إلّا شانه» وقول النابغة الجعدي :

فتى تمّ فيه ما يسرّ صديقه

على أنّ فيه ما يسوء الأعاديا

__________________

(١) الرسالة العسجدية ص ١٤٣.

(٢) معالم الكتابة ص ٨٢.

(٣) الجامع الكبير ص ٢١٢.

(٤) الإيضاح ص ٣٤١. التلخيص ص ٣٥٢ ، وينظر شروح التلخيص ج ٤ ص ٢٩٦ ، المطول ص ٤١٩ ، التبيان في البيان ص ٢٨٨ ، شرح الكافية ص ٧٥.

(٥) جوهر الكنز ص ٨٤.

(٦) جوهر الكنز ص ٨٥.

(٧) حسن التّوسّل ص ١٩٩ ، نهاية الأرب ج ٧ ص ٨٩.

(٨) حسن التّوسّل ص ٢٠٣ ، نهاية الأرب ج ٧ ص ١٠١.

(٩) خزانة الأدب ص ٤٧ ، وينظر المنزع البديع ص ٣٤٤.

(١٠) الحج ٦٦.

(١١) الأقصى القريب ص ١٧٩ ، تحرير ص ١٧٩ ، بديع القرآن ص ٣١ ، الفوائد ص ١٨٤ ، البرهان ج ٣ ص ٤٥٨ ، خزانة ص ٥٧ ، معترك ج ١ ص ٤١٦ ، انوار الربيع ج ١ ص ٢٩٩ ، نفحات ص ١٥٦.

(١٢) التوبة ٨٢.

٦٣٧

الثاني : مقابلة ثلاثة بثلاثة كقوله تعالى : (وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّباتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبائِثَ)(١) وقول أبي دلامة :

ما أحسن الدين والدنيا إذا اجتمعا

وأقبح الكفر والإفلاس بالرجل

وقول المتنبي :

فلا الجود يفني المال والجدّ مقبل

ولا البخل يبقي المال والجدّ مدبر

الثالث : مقابلة أربعة بأربعة كقوله تعالى : (فَأَمَّا مَنْ أَعْطى وَاتَّقى. وَصَدَّقَ بِالْحُسْنى. فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرى. وَأَمَّا مَنْ بَخِلَ وَاسْتَغْنى. وَكَذَّبَ بِالْحُسْنى. فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْعُسْرى)(٢) ، وقول الشاعر :

يا أمّة كان قبح الجور يسخطها

دهرا فأصبح حسن العدل يرضيها

الرابع : مقابلة خمسة بخمسة كقول الشاعر :

بواطئ فوق خدّ الصّبح مشتهر

وطائر تحت ذيل الليل مكتتم

وقول المتنبي :

أزورهم وسواد الليل يشفع لي

وأنثني وبياض الصّبح يغري بي

ولم يدخل القزويني هذا البيت في هذا النوع لأنّ اللام والباء فيهما صلتا الفعلين فهما من تمامهما (٣).

الخامس : مقابلة ستة بستة مثل قول الشاعر :

على رأس عبد تاج عزّ يزينه

وفي رجل حرّ قيد ذلّ يشينه

قال الصفدي : «هذا أبلغ ما يمكن أن ينظم في هذا المعنى فإنّ أكثر ما عدّ الناس في باب المقابلة بيت أبي الطيب لأنّه قابل فيه بين خمسة وهذا قابل فيه بين ستة» (٤).

هذه أقسام المقابلة المعروفة ، وقسّمها العسكري الى مقابلة في المعنى وهو مقابلة الفعل بالفعل كقوله تعالى : (فَتِلْكَ بُيُوتُهُمْ خاوِيَةً بِما ظَلَمُوا)(٥) فخواء بيوتهم وخرابها بالعذاب مقابلة لظلمهم ، ومقابلة بالالفاظ كقول عديّ ابن الرقاع :

ولقد ثنيت يد الفتاة وسادة

لي جاعلا إحدى يديّ وسادها

وقول عمرو بن كلثوم :

ورثناهنّ عن آباء صدق

ونورثها إذا متنا بنينا

وقد تأتي المقابلة باللفظ والمعنى كما في قول الشاعر :

ومن لو أراه صاديا لسقيته

ومن لو رآني صاديا لسقاني

ومن لو أراه عانيا لفديته

ومن لو رآني عانيا لفداني (٦)

وذكر ابن رشيق نوعا من المقابلة سمّاها «مقابلة الاستحقاق» وقال : «لكنّ قدامة لم يبال بالتقديم والتأخير في هذا الباب وأنشد للطّرمّاح :

أسرناهم وأنعمنا عليهم

وأسقينا دماءهم الترابا

فما صبروا لبأس عند حرب

ولا أدّوا لحسن يد ثوابا

فقدّم ذكر الأنعام على المأسورين وأخّر ذكر القتل في البيت الأول وأتى في البيت الثاني بعكس الترتيب وذلك أنّه قدّم ذكر الصبر عند بأس الحرب وأخّر ذكر الثواب على حسن اليد ، اللهم إلا أن يريد بقوله : «فما صبروا لبأس عند حرب» القوم المأسورين إذ لم يقاتلوا

__________________

(١) الاعراف ١٥٧.

(٢) الليل ٥ ـ ١٠.

(٣) الايضاح ص ٣٤٢.

(٤) انوار الربيع ج ١ ص ٣٠٤.

(٥) النمل ٥٢.

(٦) كتاب الصناعتين ص ٣٣٧.

٦٣٨

حتى يقتلوا دون الأسر واعطاء اليد ، فانّ المقابلة حينئذ تصحّ وتترتب على ما شرطنا وهذه عندهم تسمى «مقابلة الاستحقاق» ويقرب منها قول أبي الطيب :

رجلاه في الركض رجل واليدان يد

وفعله ما تريد الكفّ والقدم

لأنّ الكفّ من اليد بمنزلة القدم من الرجل فبينهما مناسبة وليست مضادة ولو طلبت المضادة لكان الرأس أو الناصية أولى» (١).

وقسّمها ابن قيّم الجوزية الى مقابلة لفظية ومعنوية (٢) وقسّمها الزركشي الى ثلاثة أقسام : نظيري ونقيضي وخلافي (٣) ، ومثال المقابلة النظيرين مقابلة السنة والنوم في قوله تعالى : (لا تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلا نَوْمٌ)(٤) لأنهما جميعا من باب الرقاد المقابل باليقظة.

ومثال مقابلة النقيضين قوله تعالى : (وَتَحْسَبُهُمْ أَيْقاظاً وَهُمْ رُقُودٌ)(٥) ، ومثال مقابلة الخلافين قوله تعالى : (وَأَنَّا لا نَدْرِي أَشَرٌّ أُرِيدَ بِمَنْ فِي الْأَرْضِ أَمْ أَرادَ بِهِمْ رَبُّهُمْ رَشَداً)(٦). قال المدني : «وهذا تقسيم غريب قلّ من ذكره ، ولعل قائله تفرد به» (٧) وقسّم بعضهم المقابلة الى أربعة أنواع (٨).

الأوّل : أن يأتي بكل واحد من المقدّمات مع قرينه من الثواني كقوله تعالى : (وَجَعَلْنَا اللَّيْلَ لِباساً وَجَعَلْنَا النَّهارَ مَعاشاً)(٩).

الثاني : أن يأتي بجميع الثواني مرتّبة من أوّلها كقوله تعالى : (وَمِنْ رَحْمَتِهِ جَعَلَ لَكُمُ اللَّيْلَ وَالنَّهارَ لِتَسْكُنُوا فِيهِ وَلِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ)(١٠).

الثالث : أن يأتي بجمع المقدّمات ثم بجمع الثواني مرتّبة من آخرها ويسمّى ردّ العجز على الصدر كقوله تعالى : (يَوْمَ تَبْيَضُّ وُجُوهٌ وَتَسْوَدُّ وُجُوهٌ فَأَمَّا الَّذِينَ اسْوَدَّتْ وُجُوهُهُمْ أَكَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمانِكُمْ فَذُوقُوا الْعَذابَ بِما كُنْتُمْ تَكْفُرُونَ. وَأَمَّا الَّذِينَ ابْيَضَّتْ وُجُوهُهُمْ فَفِي رَحْمَتِ اللهِ هُمْ فِيها خالِدُونَ)(١١).

الرابع : أن يأتي بجميع المقدّمات ثم بجميع الثواني مختلطة غير مرتّبة ويسمّى اللّف كقوله تعالى : (وَزُلْزِلُوا حَتَّى يَقُولَ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ مَتى نَصْرُ اللهِ أَلا إِنَّ نَصْرَ اللهِ قَرِيبٌ)(١٢) فنسبة قوله :(مَتى نَصْرُ اللهِ) الى قوله : (وَالَّذِينَ آمَنُوا) كنسبة قوله : (يَقُولَ الرَّسُولُ) الى (إِنَّ نَصْرَ اللهِ قَرِيبٌ) لأنّ القولين المتباينين يصدران عن متباينين.

والمقابلة اذا استعملت في موضعها كانت بديعة كما ظهر في الأمثلة السابقة ، وهي والمطابقة تزيد المعنى وضوحا ، اما اذا استعملت في غير موضعها كانت فاسدة نابية ، وقد أشار قدامة الى ذلك وتكلّم على فساد المقابلات وقال : «ومن عيوب المعاني فساد المقابلات وهو أن يضع الشاعر معنى يريد أن يقابله بآخر إما على جهة الموافقة أو المخالفة فيكون أحد المعنيين لا يخالف الآخر ولا يوافقه ، مثل ذلك قول أبي عدي القرشي :

يا ابن خير الأخيار من عبد شمس

أنت زين الدنيا وغوث الجنود

فليس قوله : «وغيث الجنود» موافقا لقوله : «زين الدنيا» ولا مضادا ، وذلك عيب» (١٣). وقال العسكري : «وفساد المقابلة أن تذكر معنى تقتضي الحال ذكرها بموافقة أو مخالفة فيؤتى بما لا يوافق ولا يخالف مثل أن يقال «فلان شديد البأس نقي الثغر» أو «جواد الكلف أبيض الثوب» أو تقول : «ما صاحبت

__________________

(١) العمدة ج ٢ ص ١٦.

(٢) الفوائد ص ١٤٧.

(٣) البرهان في علوم القرآن ج ٣ ص ٤٥٨.

(٤) البقرة ٢٥٥.

(٥) الكهف ١٨.

(٦) الجن ١٠.

(٧) أنوار الربيع ج ١ ص ٣٠٠.

(٨) البرهان في علوم القرآن ج ٣ ص ٤٦٠.

(٩) النبأ ١٠ ـ ١١.

(١٠) القصص ٧٣.

(١١) آل عمران ١٠٦ ـ ١٠٧.

(١٢) البقرة ٢١٤.

(١٣) نقد الشعر ص ٢٢٩.

٦٣٩

خيّرا ولا فاسقا» و «ما جاءني أحمر ولا أسمر». ووجه الكلام أن نقول : «ما جاءني أحمر ولا أسود» و «ما صاحبت خيّرا ولا شريرا» و «فلان شديد البأس عظيم النكاية وجواد الكف كثير العرف» وما يجري مع ذلك لأنّ السمرة لا تخالف السواد غاية المخالفة ، ونقاء الثغر لا يخالف شدة البأس ولا يوافقه» (١).

وقال القرطاجني : «وإنما تكون المقابلة في الكلام بالتوفيق بين المعاني التي يطابق بعضها بعضا والجمع بين المعنيين اللذين تكون بينهما نسبة تقتضي لأحدهما أن يذكر مع الآخر من جهة ما بينهما من تباين أو تقارب على صفة من الوضع تلائم بها عبارة أحد المعنيين عبارة الآخر كما لاءم كلا المعنيين في ذلك صاحبه» (٢).

المقارنة :

قارن الشيء الشيء مقارنة وقرانا : اقترن به وصاحبه ، واقترن الشيء بغيره وقارنته قرانا : صاحبته ، وقرنت الشيء بالشيء : وصلته (٣).

المقارنة من مبتدعات المصري ، قال هو «أن يقرن الشاعر الاستعارة بالتشبيه أو المبالغة أو غير ذلك من المعاني في كلامه بوصل يخفى أثره ويدقّ موضعه إلّا عن الحاذق المدمن النظر في هذه الصناعة» (٤). وفرّق بين هذا النوع والإبداع فقال : «المقارنة وهو أن يقترن بديعان في كلمة من الكلام والفرق بين هذا الباب وباب الإبداع ، أنّ الإبداع عبارة عن الإتيان ببديعين فصاعدا في الكلمة المفردة من غير اقتران» (٥). ومن المقارنة قوله تعالى : (وَهُمْ يَحْمِلُونَ أَوْزارَهُمْ عَلى ظُهُورِهِمْ أَلا ساءَ ما يَزِرُونَ)(٦) فإنّ هذه الآية الكريمة اقترن فيها التنكيت بتجنيس التغاير ، أمّا التنكيت ففي قوله تعالى : (عَلى ظُهُورِهِمْ) والنكتة في ترجيح الحمل على الظهور دون الرؤوس كون الظهور أقوى للحمل فأشار سبحانه الى ثقل الأوزار ، والتجنيس بين (أَوْزارَهُمْ) و (يَزِرُونَ) لأنّ الأولى اسم والثانية فعل. وأكثر ما يقع ذلك بالجمل الشرطية كقول ادريس بن اليمان من شعراء المغرب :

وكنت إذا استنزلت من جانب الرضى

نزلت نزول الغيث في البلد المحل

وإن هيّج الأعداء منك حفيظة

وقعت وقوع النار في الحطب الجزل

فان هذا الشاعر لاءم بين الاستعارة في صدر البيت الأول والتشبيه في عجز البيت. ومن المقارنة ما يقرنه الشاعر من شعر غيره بشعره وهو عكس الإبداع والاستعانة ، لأنّ الشاعر في هذين البابين يقدّم شعر نفسه على شعر غيره وفي المقارنة يقدّم شعر غيره على نفسه ، كما قال الرشيد هارون للمجاز يوما أجز : «الملك لله وحده» فقال المجاز : «وللخليفة بعده» ، «وللمحب إذا ما حبيبه بات عنده» (٧).

ومن المقارنة ما يقرنه الشاعر من شعر نفسه فيكون في فن فاذا قرن البيت بآخر صار من فن غيره ، ومن ذلك قول بعضهم :

له حقّ وليس عليه حقّ

ومهما قال فالحسن الجميل

وقد كان الرسول يرى حقوقا

عليه لغيره وهو الرّسول

فإنّ البيت الأوّل مدح محض ، فلما اقترن بالثاني صار

__________________

(١) كتاب الصناعتين ص ٣٣٩ ، وينظر كفاية الطالب ص ١٤٤ ، المنصف ص ٦٧.

(٢) منهاج البلغاء ص ٥٢ ، وينظر الروض المريع ص ١٠٧.

(٣) اللسان (قرن).

(٤) تحرير التحبير ص ٦٠٣.

(٥) بديع القرآن ص ٣١٨.

(٦) الانعام ٣١.

(٧) هذا شعر ولكن كتب هكذا لينسجم مع كتابة الرواية.

٦٤٠