معجم المصطلحات البلاغيّة وتطوّرها

الدكتور أحمد مطلوب

معجم المصطلحات البلاغيّة وتطوّرها

المؤلف:

الدكتور أحمد مطلوب


الموضوع : اللغة والبلاغة
الناشر: مكتبة لبنان ناشرون
الطبعة: ٠
الصفحات: ٧٠٥

ولست بحلّال التلاع مخافة

ولكن متى يسترفد القوم أرفد

وقال بعد هذا النوع : «والظاهر أنّ الكناية ليست من المجاز لأنّك استعملت اللفظ فيما وضع له وأردت به الدلالة على غيره ولم تخرجه عن أن يكون مستعملا فيما وضع له» (١).

فمجاز اللزوم ليس مجازا خاصا ذا علاقة أو ملابسة معينة وإنّما هو المجاز بأنواعه المختلفة ، وقد ذكر فيه عز الدين بن عبد السّلام المجاز المرسل والمجاز العقلي وأدخل فيه الكنايات وإن نفى كونها من المجاز.

المجاز اللّغويّ :

هو المجاز في المثبت أو في المفرد (٢) ، وهو نوعان : الاستعارة والمجاز المرسل ، وقد تقدّما.

مجاز المجاز :

قال عز الدين بن عبد السّلام : «هو أن يجعل المجاز المأخوذ عن الحقيقة بمثابة الحقيقة بالنسبة الى مجاز آخر فتجوز بالمجاز الأوّل عن الثاني لعلاقة بينه وبين الثاني» (٣). كقوله تعالى : (وَلكِنْ لا تُواعِدُوهُنَّ سِرًّا)(٤)

فانّه مجاز عن مجاز فإنّ الوطء يتجوّز عنه بالسر لأنّه لا يقع غالبا إلّا في السرّ فلما لازم السر في الغالب سمّي سرّا ، ويتجوّز بالسّر عن العقد لأنّه سبب فيه ، فالمصحح للمجاز الأول الملازمة ، والمصحح للمجاز الثاني التعبير باسم المسبب الذي هو السر عن العقد الذي هو سبب ، كما سمّي عقد النكاح نكاحا لكونه سببا في النكاح وكذلك سمّي العقد سرّا لأنّه سبب في السر الذي هو النكاح ، فهذا مجاز عن مجاز مع اختلاف المصحح ، فمعنى قوله تعالى : (لا تُواعِدُوهُنَّ سِرًّا) لا تواعدوهن عقد نكاح.

ومنه قوله تعالى : (وَمَنْ يَكْفُرْ بِالْإِيمانِ فَقَدْ حَبِطَ عَمَلُهُ)(٥) فانّ قول (لا إِلهَ إِلَّا اللهُ*) مجاز عن تصديق القلب بمدلول هذا اللفظ والعلامة السببية لأنّ توحيد اللسان مسبب عن توحيد الجنان والتعبير بـ (لا إِلهَ إِلَّا اللهُ) عن الوحدانية من مجاز التعبير بالقول عن المقول فيه.

ونقل السّيوطي ذلك وقال : «وجعل منه ابن السيد قوله : (أَنْزَلْنا عَلَيْكُمْ لِباساً)(٦) فانّ المنزل عليهم ليس هو نفس اللباس بل الماء المنبت للزرع المتخذ منه الغزل المنسوج منها للباس» (٧). وقال الزركشي : «قلت : وهذا تسمية ابن السيد مجاز المراتب» (٨).

مجاز المراتب :

قال الزركشي وهو يتحدّث عن مجاز المجاز : «قلت وهذا تسمية ابن السيد مجاز المراتب» (٩) ، ولم يوضح صلة هذا النوع بمجاز المجاز ولعله واحد. وكان السّيوطي قد ذكر ذلك من غير أن يسمّيه «مجاز المراتب» عند كلامه على مجاز المجاز (١٠).

__________________

(١) الاشارة الى الايجاز ص ٧٩ ـ ٨٥.

(٢) أسرار البلاغة ص ٢٧٦ ، نهاية الإيجاز ص ٤٨ ، مفتاح العلوم ص ١٨٥ ، الايضاح ص ٢٦٨ ، التلخيص ص ٢٩٤ ، شروح التلخيص ج ٤ ص ٢٠ ، المطول ص ٣٥٣ ، الاطول ج ٢ ص ١١٧ ، معترك ج ١ ص ٢٤٨ ، الاتقان ج ٢ ص ٣٦.

(٣) الإشارة إلى الإيجاز ص ١٤٥.

(٤) البقرة ٢٣٥.

(٥) المائدة ٥.

(٦) الاعراف ٢٦.

(٧) معترك ج ١ ص ٢٦٨ ، الإتقان ج ٢ ص ٤١.

(٨) البرهان في علوم القرآن ج ٢ ص ٢٩٩.

(٩) البرهان ج ٢ ص ٢٩٩ ، معترك ج ١ ص ٢٦٨ ، الاتقان ج ٢ ص ٤١.

(١٠) معترك ج ١ ص ٢٦٨ ، الاتقان ج ٢ ص ٤١.

٦٠١

المجاز المرسل :

هو المجاز الإفرادي ، وهو أحد أنواع المجاز اللغوي (١) وقد تقدّم.

المجاز المرشّح :

هو الاستعارة الترشيحية كقوله تعالى : (أُولئِكَ الَّذِينَ اشْتَرَوُا الضَّلالَةَ بِالْهُدى فَما رَبِحَتْ تِجارَتُهُمْ وَما كانُوا مُهْتَدِينَ)(٢) ، وقد سمّاها كذلك ابن الزملكاني ، قال : «ومن ترشيح الاستعارة ، وتسمى المجاز المرشح» (٣).

المجاز المركّب :

قال القزويني : «هو اللفظ المركّب المستعمل فيما شبّه بمعناه الأصليّ تشبيه التمثيل للمبالغة في التشبيه أي تشبيه إحدى صورتين منتزعتين من أمرين أو أمور بالأخرى ثم تدخل المشبّهة في جنس المشبّه بها مبالغة في التشبيه فتذكر بلفظها من غير تغيير بوجه من الوجوه» (٤). كما كتب الوليد بن يزيد لما بويع الى مروان بن محمد وقد بلغه أنّه متوقف في البيعة له : «أمّا بعد فانّي أراك تقدّم رجلا وتؤخر أخرى ، فاذا أتاك كتابي هذا فاعتمد على أيهما شئت والسّلام».

شبّه صورة تردده في المبايعة بصورة تردد من قام ليذهب في أمر فتارة يريد الذهاب فيقدم رجلا وتارة لا يريد فيؤخر أخرى.

ومنه قوله تعالى : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيِ اللهِ وَرَسُولِهِ)(٥) فانّه لما كان التقدم بين يدي الرجل خارجا عن صفة المتابع له صار النهي عن التقدم متعلقا باليدين مثلا للنهي عن ترك الاتباع.

ومنه قول ابن ميّادة :

ألم تك في يمنى يديك جعلتني

فلا تجعلنّي بعدها في شمالكا

أي : كنت مكرّما عندك فلا تجعلني مهانا ، وكنت في المكان الشريف منك فلا تحطّني في المنزل الوضيع.

وهذا يسمّى التمثيل وقد تقدّم ، أو التمثيل على سبيل الاستعارة ، ومتى فشا استعماله كذلك سمي مثلا ، ولذلك لا تغيّر الأمثال.

المجاز المفرد :

قال القزويني : «هو الكلمة المستعملة في غير ما وضعت له في اصطلاح به التخاطب على وجه يصحّ مع قريته عدم إرادته» (٦) وهو ثلاثة انواع :

الأوّل : لغوي مثل لفظ «الأسد» اذا استعمله المخاطب بعرف اللغة في الرّجل الشجاع.

الثاني : شرعي مثل لفظ «صلاة» إذا استعمله المخاطب بعرف الشرع في الدعاء.

الثالث : عرفي ، وهو عرفي خاص مثل لفظ «فعل» اذا استعمله المخاطب بعرف النحو في الحديث.

وعرفي عام مثل لفظ «دابة» اذا استعمله المخاطب بالعرف العامّ في الإنسان.

مجاز النّقصان :

هو مجاز الحذف (٧) ، وقد تقدّم.

__________________

(١) معترك ج ١ ص ٢٤٨ ، التبيان في البيان ص ١٧٦.

(٢) البقرة ١٦.

(٣) البرهان الكاشف ص ١٠١ ، التبيان ص ١٦١.

(٤) الايضاح ج ٢ ص ٣٠٤ ، التلخيص ص ٣٢٢ ، شروح التلخيص ج ٤ ص ١٤١ ، المطول ص ٣٧٩ ، الاطول ج ٢ ص ١١٧ ، البرهان ج ٢ ص ٢٥٦ ، شرح عقود الجمان ص ٩٧ ، حلية اللب ص ١٢٨.

(٥) الحجرات ١.

(٦) الايضاح ص ٢٦٨ ، التلخيص ص ٢٩٤ ، شروح التلخيص ج ٤ ص ٢٠ ، المطول ص ٣٥٣ ، الأطول ج ٢ ص ١١٧ ، الاتقان ج ٢ ص ٣٦.

(٧) الكتاب ج ١ ص ٢١٢ ، ٢١٣ ، معاني القرآن ج ١ ص ٣٦٣ ، ٣٦٩. أسرار البلاغة ص ٣٨٣ ، الايضاح ص ٣١٨ ، التلخيص ص ٣٣٦ ، شروح التلخيص ج ٤ ص ٢٣١ ، المطول ص ٤٠٥ ، ـ الاطول ج ٢ ص ١٦٦ ، الاتقان ج ٢ ص ٣٦ ، ٤٠ ، شرح عقود الجمان ص ١٠٠ ، حلية اللب ص ١٢٩.

٦٠٢

المجانس :

الجنس : الضرب من كل شيء ، يقال : هذا يجانس هذا أي يشاكله (١) أدخل قدامة المجانس في باب ائتلاف اللفظ والمعنى وقال : «وأما المجانس فان تكون المعاني اشتراكها في ألفاظ متجانسة على جهة الاشتقاق» (٢). كقول حيان بن ربيعة الطائي :

لقد علم القبائل أنّ قومي

لهم حدّ إذا لبس الحديد

وقول الفرزدق :

خفاف أخفّ الله منه سحابة

وأوسعه من كل ساف وحاصب (٣)

وقال الآمدي معلقا على تسمية قدامة : «وهذا باب ـ أعني المطابق ـ لقبه أبو الفرج قدامة بن جعفر الكاتب في كتابه المؤلف في «نقد الشعر» المتكافئ وسمّى ضربا من المتجانس المطابق ، وهو أن تأتي بالكلمة مثل الكلمة سواء في تأليفها واتفاق حروفها ويكون معناهما مختلفا نحو قول الأفوه الأودي :

وأقطع الهوجل مستأنسا

بهوجل عيرانة عنتريس (٤)

والهوجل الأوّل : الأرض البعيدة ، والهوجل الثاني : الناقة العظيمة الخلق الموثقة» (٥). ثم قال : «وما علمت أنّ أحدا فعل هذا غير أبي الفرج فإنّه وإن كان في هذا اللقب يصح لموافقته معنى الملقبات وكانت الالقاب غير محظورة فاني لم أكن أحبّ له أن يخالف من تقدمه مثل أبي العباس عبد الله ابن المعتزّ وغيره ممن تكلّم في هذه الأنواع وألّف فيها إذ قد سبقوا الى التلقيب وكفوه المؤونة» (٦). ولكنّ قدامة فصل بين المطابق والمجانس وإن لم يأخذ بمصطلحات ابن المعتز مما أثار عليه مثل هذا النقد.

وقال الآمدي : «وقد رأيت قوما من البغداديين يسمّون هذا النوع «المجانس المماثل» ويلحقون به الكلمة إذا تردّدت وتكرّرت نحو قول جرير :

تزوّد مثل زاد أبيك فينا

فنعم الزاد أبيك زادا

وبابه قليل» (٧).

وقال ابن سنان : «ومن التناسب بين الألفاظ المجانس ، وهو أن يكون بعض الألفاظ مشتقا من بعض إن كان معناهما واحدا ، أو بمنزلة المشتق إن كان معناهما مختلفا ، أو تتوافق صيغتا اللفظتين مع اختلاف المعنى. وهذا إنما يحسن في بعض المواضع إذا كان قليلا غير متكلّف ولا مقصود في نفسه» (٨). ومن مجانس أبي تمام قوله :

يمدّون من أيد عواص عواصم

تصول بأسياف قواض قواضب

وهذا هو التجنيس أو الجناس ، ثم قال ابن سنان : «وبعض البغداديين يسمّي تساوي اللفظتين في الصفة مع اختلاف المعنى : المماثل ... ويسمّي المجانس ما توافقت فيه اللفظتان بعض الاتفاق» ثم قال بعد أن ذكر اعتراض الآمدي : «والصواب ما قاله أبو القاسم» (٩). وسمّى السجلماسي المجانسة والتجانس محاذاة (١٠).

__________________

(١) اللسان (جنس).

(٢) نقد الشعر ص ١٨٦.

(٣) ساف : مذر. تسفيه : تذروه. الحاصب : الريح الشديدة تثير الحصباء أي الحصى.

(٤) العيرانة : الناقة الصلبة. العنتريس : الناقة الغليظة.

(٥) الموازنة ج ١ ص ٢٧٤.

(٦) الموازنة ج ١ ص ٢٧٥.

(٧) الموازنة ج ١ ص ٢٧٥.

(٨) سر الفصاحة ص ٢٢٦.

(٩) سر الفصاحة ص ٢٢٨ ـ ٢٢٩.

(١٠) المنزع البديع ص ٣٩٥ ، وينظر المنصف ص ٥٨.

٦٠٣

المجانس المماثل :

هو المجانس (١) ، وقد تقدّم.

مجاوبة المخاطب بغير ما يترقّب :

هو حمل الكلام على خلاف القصد تنبيها على أنّه أولى بالقصد (٢). وقد سمّاه عبد القاهر «المغالطة» وسمّاه السّكّاكي «الأسلوب الحكيم» (٣). وقد تقدّم.

المجاورة :

الجوار : المجاورة ، والجار الذي يجاورك ، وجاور الرّجل مجاورة وجوارا : ساكنه (٤).

المجاورة من مبتدعات العسكري (٥) ، وقد قال في تعريفها : «المجاورة : تردّد لفظتين في البيت ووقوع كل واحدة منهما بجنب الأخرى أو قريبا منها من غير أن تكون إحداهما لغوا لا يحتاج اليها» (٦).

وذلك كقول علقمة :

ومطعم الغنم يوم الغنم مطعمه

أنّى توجّه والمحروم محروم

فقوله : «النغم يوم الغنم» مجاورة ، و «المحروم محروم» مثله.

وقول أبي تمام :

وما ضيق أقطار البلاد أضاقني

اليك ولكن مذهبي فيك مذهبي

وقوله :

دأب عيني البكاء والحزن دأبي

فاتركيني وقيت ما بي لما بي

وقوله :

أيام للايام فيك نضارة

والدهر فيّ وفيك غير ملوم

والمجاورة عند ابن الأثير النوع الثالث من الكناية وذلك «أن يريد المؤلّف ذكر شيء فيترك ذكره جانبا الى ما جاوره فيقتصر عليه اكتفاء بدلالته على المعنى المقصود» (٧).

كقول عنترة :

وشككت بالرمح الأصمّ ثيابه

ليس الكريم على القنّا بمحرّم

أراد بالثياب ههنا نفسه لأنّه وصف المشكوك بالكرم ولا توصف الثياب به فثبت حينئذ أنّه أراد ما تشتمل عليه الثياب.

وقوله :

بزجاجة صفراء ذات أسرّة

قرنت بأزهر في الشمال مفدّم

الصفراء ههنا الخمر والذكر للزجاجة حيث هي مجاورة لها ومشتملة عليها. وذهب بعض المفسّرين في قوله تعالى : (وَثِيابَكَ فَطَهِّرْ)(٨) الى أنّ المراد بالثياب القلب والجسد.

مجاورة الأضداد :

وهي الطّباق عند ثعلب ، قال : «وهو ذكر الشيء مع ما يعدم وجوده» (٩) كقوله تعالى : («لا يَمُوتُ فِيها وَلا يَحْيى)(١٠) ، وقول زهير في الفزاريين :

هنيئا لنعم السيدان وجدتما

على كلّ حال من سحيل ومبرم

__________________

(١) الموازنة ج ١ ص ٢٧٥.

(٢) شرح عقود الجمان ص ٢٩.

(٣) مفتاح العلوم ص ١٥٥ ، الايضاح ص ٧٥ ، التلخيص ص ٩٧ وشروح التلخيص ج ١ ص ٤٧٩ ، المطول ص ١٣٥ ، الاطول ج ١ ص ١٥٨.

(٤) اللسان (جور).

(٥) كتاب الصناعتين ص ٢٦٧.

(٦) كتاب الصناعتين ص ٤١٣.

(٧) الجامع الكبير ص ١٦٤.

(٨) المدثر ٤.

(٩) قواعد الشعر ص ٥٣.

(١٠) طه ٧٤.

٦٠٤

وقال :

فظلّ قصيرا على قومه

وظلّ على الناس يوما طويلا

وقال حميد بن ثور يصف ذئبا :

ينام باحدى مقلتيه ويتقي

بأخرى الأعادي فهو يقظان نائم

المجدود :

الجدّ : الحظ والرزق ، يقال : فلان ذو جدّ في كذا أي : ذو حظّ ، ورجل جدّ ـ بضم الجيم ـ أي مجدود عظيم الجدّ (١).

قال الحاتمي : «المجدود اشتهار الآخذ بالمعنى دون المأخوذ منه ، وهذا الشعر يسمّى الشعر المجدود لاشتهاره دون الأصل» (٢). من ذلك قول مهلهل : «يوم اللقاء على القنا بحرام» فأخذه عنترة فأحسن واشتهر بيته لبراعته :

فشككت بالرمح الطويل إهابه

ليس الكريم على القنا بمحرّم

ومن ذلك قول امرىء القيس :

وشمائلي ما قد علمت وما

نبحت كلابك طارقا مثلي

فأخذه عنترة فأحسن فاشتهر بيته فقال :

فاذا صحوت فما أقصّر عن ندى

وكما علمت شمائلي وتكرّمي

وذكر ابن رشيق ذلك وقال عن بيت عنترة : «رزق جدا واشتهارا» (٣).

المجنّس المتمّم :

قال المظفر العلوي : «هو أن يأتي الشاعر بكلمة ثم يأتي بأختها إلا أنّه يتمّمها بحرف أو حرفين من غير حروفهما» (٤) كقول حسان :

وكنا متى يغز النبيّ قبيلة

نصل حافتيه بالقنا والقنابل

وقول الخنساء :

إنّ البكاء هو الشفا

ء من الجوى بين الجوانح

المجنّس المختلف :

هو التجنيس المختلف ، وقد سمّاه كذلك المظفر العلوي (٥) ، ومثاله قول الشاعر :

بكروم وبدور وقنا

تتثنى فوق كثبان النقا

ف «قنا» و «نقا» مجنس مختلف.

المجنّس المطمع :

هو التجنيس المطمع وقد سمّاه كذلك المظفر العلوي وقال : «هو أن يأتي الشاعر بكلمة ثم يبدأ في أختها على وفق حروفها فيطمع في أنّه يجيء بمثلها فيبدلّ في آخرها حرفا بحرف وهو حسن في التجنيس» (٦). ومنه قول الحطيئة :

مطاعين في الهيجا مطاعيم في الدجى

بنى لهم آباؤهم وبنى الجدّ

وقول أبي كدراء العجلي :

نهضت الى حديد مشرفيّ

حديث الصّقل مأثور حسام

المحاجاة :

كلمة محجية : مخالفة المعنى للفظ وهي الأحجية

__________________

(١) اللسان (جدد).

(٢) حلية المحاضرة ج ٢ ص ٦٧.

(٣) العمدة ج ٢ ص ٢٩٠.

(٤) نضرة الاغريض ص ٨٦.

(٥) نضرة الاغريض ص ٧٨.

(٦) نضرة الاغريض ص ٧٢.

٦٠٥

والأحجوة ، وقد حاجيته محاجاة وحجاء : فاطنته فحجوته. وحاجيته فحجوته : إذا ألقيت عليه كلمة محجية مخالفة المعنى للفظ. والاحجية : اسم المحاجاة (١).

والمحاجاة هي الإلغاز والتعمية وقد تقدّمت ، وذلك أن يريد المتكلّم شيئا فيعبّر عنه بعبارات يدلّ ظاهرها على غيره وباطنها عليه (٢).

المحاذاة :

يقال : حاذيت موضعا : إذا صرت بحذائه ، وحاذى الشيء : وازاه (٣) قال ابن فارس : «معنى المحاذاة أن يجعل كلام بحذاء كلام فيؤتى به على وزنه لفظا وإن كانا مختلفين فيقولون : «الغدايا والعشايا» فقالوا : «الغدايا» لانضمامها الى «العشايا». ومثله قولهم : «أعوذ من السامة واللامة» فالسامة من قولك : «سمّت» إذا خصت واللامة أصلها «ألمت» لكن لما قرنت بالسامة جعلت في وزنها.

وذكر بعض أهل العلم أنّ من هذا الباب كتابة المصحف ، كتبوا (وَاللَّيْلِ إِذا سَجى)(٤) بالياء وهو من ذوات الواو لما قرن بغيره مما يكتب بالياء. قالوا ومن هذا الباب في كتاب الله ـ جل ثناؤه ـ : (وَلَوْ شاءَ اللهُ لَسَلَّطَهُمْ عَلَيْكُمْ)(٥) ، فاللام التي في (لَسَلَّطَهُمْ) جواب (لَوْ.) ثم قال : (فَلَقاتَلُوكُمْ) فهذه حوذيت بتلك اللام ، وإلا فالمعنى : لسلطهم عليكم فقاتلوكم ومثله : (لَأُعَذِّبَنَّهُ عَذاباً شَدِيداً أَوْ لَأَذْبَحَنَّهُ)(٦) فهما لاما قسم ثم قال : (أَوْ لَيَأْتِيَنِّي ،) فليس ذا موضع قسم لانه عذر للهدهد فلم يكن ليقسم على الهدهد أن يأتي بعذر لكنه لما جاء به على أثر ما يجوز فيه القسم أجراه مجراه ، ومن الباب «وزنته فاتّزن» و «كلته فاكتال» أي : استوفاه كيلا ووزنا ، ومنه قوله ـ جلّ ثناؤه ـ : (فَما لَكُمْ عَلَيْهِنَّ مِنْ عِدَّةٍ تَعْتَدُّونَها)(٧) تستوفونها لأنّها حقّ للأزواج على النساء.

ومن هذا الباب الجزاء عن الفعل بمثل لفظه نحو :

(إِنَّما نَحْنُ مُسْتَهْزِؤُنَ. اللهُ يَسْتَهْزِئُ بِهِمْ)(٨) أي يجازيهم جزاء الاستهزاء و (وَمَكَرُوا وَمَكَرَ اللهُ)(٩) و (فَيَسْخَرُونَ مِنْهُمْ سَخِرَ اللهُ مِنْهُمْ)(١٠) و (نَسُوا اللهَ فَنَسِيَهُمْ)(١١) و (جَزاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُها)(١٢).

ومثل هذا في شعر العرب قول القائل :

ألا لا يجهلن أحد علينا

فنجهل فوق جهل الجاهلينا (١٣)

ونقل الزركشي هذا الكلام (١٤).

المحتمل للضّدّين :

قال الرازي : «هو أن يكون الكلام محتملا للمدح والذم احتمالا متساويا» (١٥). كقول بشار لرجل أعور :

خاط لي عمرو قباء

ليت عينيه سواء

وقال ابن قيّم الجوزيّة : «وهو أن يكون الكلام محتملا للشيء وضده» (١٦) كقوله تعالى : (وَكانَ

__________________

(١) اللسان (حجا).

(٢) تحرير التحبير ص ٥٧٩ ، خزانة الأدب ص ٣٩٣ ، وينظر الروض المريع ص ١٢٢.

(٣) اللسان (حذو).

(٤) الضحى ٢.

(٥) النساء ٩٠.

(٦) النمل ٢١.

(٧) الاحزاب ٤٩.

(٨) البقرة ١٤ ـ ١٥.

(٩) آل عمران ٥٤.

(١٠) التوبة ٧٩.

(١١) التوبة ٦٧.

(١٢) الشورى ٤٠.

(١٣) الصاحبي ص ٢٣٠ ـ ٢٣١.

(١٤) البرهان في علوم القرآن ج ٣ ص ٣٩١.

(١٥) نهاية الايجاز ص ١١٤.

(١٦) الفوائد ص ١٦٥.

٦٠٦

وَراءَهُمْ مَلِكٌ يَأْخُذُ كُلَّ سَفِينَةٍ غَصْباً)(١) يحتمل أن يكون أراد بـ (وَراءَهُمْ :) أمامهم ، ويحتمل أن يكون (وَراءَهُمْ :) وهو يطلبهم. وينخرط في هذا السلك قوله تعالى : (إِنَّكَ لَأَنْتَ الْحَلِيمُ الرَّشِيدُ)(٢) اذا جعل هذا من باب التّهكّم به والإزدراء عليه كان ذما. ومنه قوله ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «من جعل قاضيا ذبح بغير سكّين» فان أريد به الذم يكون التقدير : من جعل قاضيا فقد قتل بغير سكين لأنّه ليس في قدرته إقامة الحق على وجهه وإجراء الأحكام على القانون المستقيم فيكون قد كلّف ما لا طاقة له به ومن كلّف ما لا طاقة له به فهو في ألم شديد يشبه ألم من ذبح بغير سكّين ومن أراد المدح قال : إنّه لشدة تحرّزه في أحكامه واجتهاده في نقضه وإبرامه وإنعامه النظر فيما يحدث من الوقائع ويتجدّد من خفايا الأحكام والنظر في أمر الوصايا ومال الأيتام الى غير ذلك من الأمور المشقّة يحصل له من الألم مقدار ألم من ذبح بغير سكّين بل أشدّ ، لأنّ من ذبح بغير سكين يقاسي الألم في حال ذبحه ثم يستريح ، والحاكم بهذه الأمور مستمرّ التعب دائم النكد مشتغل القلب منقسم الفكر دائم النظر.

المخالف :

الخلاف المضادّة ، وقد خالفه مخالفة وخلافا (٣).

قال ابن سنان وهو يتحدّث عن المطابق : «وسمّى أصحاب صناعة الشعر ما كان قريبا من التضادّ المخالف. وقسّم بعضهم التضادّ فسمّى ما كان فيهما لفظتان معناهما ضدان كالسواد والبياض المطابق ، وسمّى تقابل المعاني والتوفيق بين بعضها وبعض حتى تأتي في الموافق بما يوافق وفي المخالف بما يخالف على الصحة المقابلة» (٤). ثم قال : «فأمّا المخالف وهو الذي يقرب من التضاد» (٥) فكقول ابي تمام :

تردّى ثياب الموت حمرا فما أتى

لها الليل إلا وهي من سندس خضر

فان «الحمر» و «الخضر» من المخالف ، وبعض الناس يجعل هذا من المطابق. وكذلك قول عمرو بن كلثوم :

بأنّا نورد الرايات بيضا

ونصدرهنّ حمرا قد روينا

وقول البحتري :

وإلا لقيت الموت أحمر دونه

كما كان يلقى الدهر أغبر دوني

ومن قبيح المخالف قول أبي تمام :

مكرهم عنده فصيح وإن هم

خاطبوا مكره رأوه جليبا

لأنّه لما اراد أن يخالف بين «فصيح» و «جليب» وهو الذي قد جلب في السبي فلم يفصح بالكلام جعل «المكر» جليبا وذلك من «الاستعارات المستحيلة والأغراض الفاسدة» (٦).

المخالفة :

قال ابن منقذ : «المخالفة هي الخروج عن مذهب الشعراء وترك الاقتفاء لآثارهم» (٧). كقول نصيب :

طرقتك صائدة القلوب وليس ذا

وقت الزيارة فارجعي بسلام

وليس المعهود ردّ المحبوب على عقبه إذا أراد زيارة محبّه.

ومن ذلك قول كثيّر :

ألا ليتنا يا عزّ من غير ريبة

بعيران نرعى في الخلاء ونعزب

__________________

(١) الكهف ٧٩.

(٢) هود ٨٧.

(٣) اللسان (خلف).

(٤) سر الفصاحة ص ٢٣٤.

(٥) سر الفصاحة ص ٢٣٩.

(٦) سر الفصاحة ص ٢٤٠.

(٧) البديع في نقد الشعر ص ١٦٥.

٦٠٧

يطرّدنا الرعيان من كل تلعة

فلا عيشنا يصفو ولا الموت يقرب

فقيل : إنّ عزّة لما سمعت هذا قالت : تمنّيت لك الشقاء الطويل.

ومنه قول عمر بن ابي ربيعة :

وإذا تلسنني ألسنها

انني لست بموهون فقر

وهذا ضدّ ما فطر عليه طباع المحبين من احتمال المحبوبين والسكون وانقطاع الكلام عند رؤيتهنّ.

ومن ذلك قول جميل :

أريد لأنس ذكرها فكأنّما

تخيّل لي ليلى بكلّ سبيل

وهذا خلاف مذاهب الشعراء لأنّهم يحرصون على دوام ذكرهم وطول محبتهم. ونقل ابن قيّم الجوزيّة تعريف ابن منقذ وقال : «والقرآن العظيم كله مخالف لأساليب الشعر وقوانين النظم والنثر التي يستعملها الناظمون والناثرون» (١). وسمّى قدامة ذلك «مخالفة العرف» وهو من عيوب المعاني وذلك أن يؤتى بما ليس في العادة والطبع (٢).

والمخالفة في فصاحة اللفظة هي مخالفة القياس كقول أبي النجم العجلي «الحمد لله العليّ الأجلل» فإن القياس «الأجلّ» بالإدغام. (٣).

مخالفة ظاهر اللّفظ معناه :

وهو أنواع كثيرة ، وقد تحدّث ابن قتيبة (٤) عنها ومن ذلك الدعاء على جهة الذم لا يراد به الوقوع كقوله تعالى : (قُتِلَ الْخَرَّاصُونَ)(٥) وقوله : (قُتِلَ الْإِنْسانُ ما أَكْفَرَهُ)(٦). وقد يراد بهذا ايضا التعجب من إصابة الرجل في منطقه أو في شعره أو رميه فيقال : «قاتله الله ما أحسن ما قال» و «أخزاه الله ما أشعره» و «لله درّه ما أحسن ما اجتمع به». ومن ذلك الجزاء عن الفعل بمثل لفظه والمعنيان مختلفان كقوله تعالى : (إِنَّما نَحْنُ مُسْتَهْزِؤُنَ. اللهُ يَسْتَهْزِئُ بِهِمْ)(٧) أي :يجازيهم جزاء الاستهزاء.

ومنه أن يأتي الكلام على مذهب الاستفهام وهو تقرير كقوله سبحانه : (أَأَنْتَ قُلْتَ لِلنَّاسِ اتَّخِذُونِي وَأُمِّي إِلهَيْنِ مِنْ دُونِ اللهِ)(٨).

ومنه أن يأتي على مذهب الاستفهام وهو تعجّب كقوله تعالى : (عَمَّ يَتَساءَلُونَ عَنِ النَّبَإِ الْعَظِيمِ)(٩).

كأنه قال : عمّ يتساءلون يا محمد؟ ثم قال : عن النبأ العظيم يتساءلون.

ومنه أن يأتي على مذهب الاستفهام وهو توبيخ كقوله تعالى : (أَتَأْتُونَ الذُّكْرانَ مِنَ الْعالَمِينَ)(١٠).

ومنه أن يأتي الكلام على لفظ الأمر وهو تهديد كقوله تعالى : (اعْمَلُوا ما شِئْتُمْ)(١١). وأن يأتي على لفظ الأمر وهو تأديب كقوله تعالى : (وَأَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِنْكُمْ)(١٢). وعلى لفظ الأمر وهو إباحة كقوله تعالى : (فَكاتِبُوهُمْ إِنْ عَلِمْتُمْ فِيهِمْ خَيْراً)(١٣) وعلى لفظ الأمر وهو فرض كقوله سبحانه : (وَاتَّقُوا اللهَ)(١٤).

__________________

(١) الفوائد ص ٢٣٤.

(٢) نقد الشعر ص ٢٤٤ ، وينظر الموشح ص ٣٦٢.

(٣) الايضاح ص ٣ ، التلخيص ص ٢٥ ، شروح التلخيص ج ١ ص ٨٨ ، المطول ص ١٩ ، الأطول ج ١ ص ٢٠.

(٤) تأويل مشكل القرآن ص ٢١٣ ـ ٢٢٩.

(٥) الذاريات ١٠.

(٦) عبس ١٧.

(٧) البقرة ١٤ ـ ١٥.

(٨) المائدة ١١٦.

(٩) النبأ ١ ـ ٢.

(١٠) الشعراء ١٦٥.

(١١) فصلت ٤٠.

(١٢) الطلاق ٢.

(١٣) النور ٣٣.

(١٤) البقرة ٢٨٢.

٦٠٨

ومنه عامّ يراد به خاصّ كقوله سبحانه حكاية عن النبي ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ : (وَأَنَا أَوَّلُ الْمُؤْمِنِينَ)(١) ، ولم يرد كلّ المسلمين.

ومنه جمع يراد به واحد واثنان كقوله عزوجل :(وَلْيَشْهَدْ عَذابَهُما طائِفَةٌ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ)(٢) ومنه واحد يراد به جميع كقوله تعالى : (هؤُلاءِ ضَيْفِي فَلا تَفْضَحُونِ)(٣). والعرب تقول : «فلان كثير الدرهم والدينار» يريدون الدراهم والدنانير. وقال الشاعر :

هم المولى وإن جنفو علينا

وإنّا من لقائهم لزور

ومنه أن تصف الجميع صفة الواحد كقوله تعالى : (وَالْمَلائِكَةُ بَعْدَ ذلِكَ ظَهِيرٌ)(٤) ويقال : «هم قوم عدل» قال زهير :

متى يشتجر قوم يقل سرواتهم

هم بيننا فهم رضا وهم عدل (٥)

ومنه أن يوصف الواحد بالجمع كقولهم : «ثوب أهدام وأسمال» ، وقول الشاعر :

جاء الشتاء وقميصي أخلاق

شراذم يضحك مني التوّاق

ومنه أن يجتمع شيئان ولأحدهما فعل فيجعل الفعل لهما كقوله سبحانه : (فَلَمَّا بَلَغا مَجْمَعَ بَيْنِهِما نَسِيا حُوتَهُما)(٦).

ومنه أن يجتمع شيئان فيجعل الفعل لأحدهما أو تنسبه الى أحدهما وهو لهما كقوله تعالى : (وَإِذا رَأَوْا تِجارَةً أَوْ لَهْواً انْفَضُّوا إِلَيْها)(٧) وقول الشاعر :

نحن بما عندنا وأنت بما عن

دك راض والرّأي مختلف

ومنه أن تخاطب الشاهد بشيء ثم تجعل الخطاب له على لفظ الغائب كقوله عزوجل : (حَتَّى إِذا كُنْتُمْ فِي الْفُلْكِ وَجَرَيْنَ بِهِمْ بِرِيحٍ طَيِّبَةٍ وَفَرِحُوا بِها)(٨). وهذا هو الالتفات.

ومنه أن يخاطب الرّجل بشيء ثم يجعل الخطاب لغيره كقوله : (فَإِلَّمْ يَسْتَجِيبُوا لَكُمْ) الخطاب للنبي ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ ثم قال للكفّار : (فَاعْلَمُوا أَنَّما أُنْزِلَ بِعِلْمِ اللهِ وَأَنْ لا إِلهَ إِلَّا هُوَ) ، يدلّ على ذلك قوله : (فَهَلْ أَنْتُمْ مُسْلِمُونَ)(٩).

ومنه أن تأمر الواحد والاثنين والثلاثة فما فوق أمرك الاثنين كقوله تعالى : (أَلْقِيا فِي جَهَنَّمَ كُلَّ كَفَّارٍ عَنِيدٍ)(١٠).

ومنه أن يخاطب الواحد بلفظ الجميع كقوله سبحانه : (قالَ رَبِّ ارْجِعُونِ)(١١).

ومنه أن يتصل الكلام بما قبله حتى يكون كأنه قول واحد وهو قولان كقول سبحانه : (إِنَّ الْمُلُوكَ إِذا دَخَلُوا قَرْيَةً أَفْسَدُوها وَجَعَلُوا أَعِزَّةَ أَهْلِها أَذِلَّةً) ثم قال :(وَكَذلِكَ يَفْعَلُونَ)(١٢) وليس هذا من قولها وانقطع الكلام عند قوله : (أَذِلَّةً) ثم قال الله تعالى :(وَكَذلِكَ يَفْعَلُونَ.)

ومنه أن يأتي الفعل على بنية الماضي وهو دائم أو مستقبل كقوله تعالى : (كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ)(١٣) أي : أنتم خير أمة.

ومنه أن يجيء المفعول به على لفظ الفاعل كقوله سبحانه : (لا عاصِمَ الْيَوْمَ مِنْ أَمْرِ اللهِ إِلَّا مَنْ

__________________

(١) الأعراف ١٤٣.

(٢) النور ٢.

(٣) الحجر ٦٨.

(٤) التحريم ٤.

(٥) يشتجر من المشاجرة وهي الخصومة.

وسرواتهم : أشرافهم.

(٦) الكهف ٦١.

(٧) الجمعة ١١.

(٨) يونس ٢٢.

(٩) هود ١٤.

(١٠) ق ٢٤.

(١١) المؤمنون ٩٩.

(١٢) النمل ٣٤.

(١٣) آل عمران ١١٠.

٦٠٩

رَحِمَ)(١) أي : لا معصوم من أمره. وأن يأتي «فعيل» بمعنى «مفعل» كقوله تعالى : (بَدِيعُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ)(٢). أي : مبدعها. و «فعيل» بمعنى «فاعل» مثل : «حفيظ» و «قدير».

ومنه أن يأتي الفاعل على لفظ المفعول به وهو قليل كقوله تعالى : (إِنَّهُ كانَ وَعْدُهُ مَأْتِيًّا)(٣) أي آتيا.

ومعظم هذه الأنواع يدخل في المجاز ولا سيما المرسل ، وفي الالتفات أو خروج الخبر والإنشاء عن الأغراض الأصلية. وقد أدخل الزركشي معظم هذه الألوان في المجاز الإفرادي أو المرسل (٤).

مخالفة العرف :

أدخله قدامة في عيوب المعاني وقال : «ومن عيوب المعاني مخالفة العرف والإتيان بما ليس في العادة والطبع» (٥). وهو المخالفة التي تحدّث عنها ابن منقذ وابن قيّم الجوزيّة وقد تقدّمت.

المخترع :

اخترع فلان الباطل : إذا اخترقه ، واخترع الشيء : اقتطعه واختزله ، والاختراع : الاستهلاك ، واخترع الشيء : ارتجله ، وقيل : اخترعه اشتقه ، ويقال : أنشأه وابتدأه (٦).

تحدّث البلاغيون والنّقّاد عن المخترع في باب المعاني قال العسكري : (٧) إنّها على ضربين : ضرب يبتدعه صاحب الصناعة من غير أن يكون له إمام يقتدي به فيه أو رسوم قائمة في أمثلة يعمل عليها.

وهذا الضّرب ربما يقع عليه عند الخطوب الحادثة ويتنبّه له عند الأمور النازلة الطارئة.

والآخر : ما يحتذيه على مثال تقدّم ورسم فرط أي سبق.

وعقد ابن رشيق بابا له وقال : «المخترع من الشعر هو ما لم يسبق إليه قائله ، ولا عمل أحد من الشعراء قبله نظيره أو ما يقرب منه» (٨) كقول امرئ القيس :

سموت اليها بعد ما نام أهلها

سموّ حباب الماء حالا على حال

فإنّه أوّل من طرق هذا المعنى وابتكره وسلّم الشعراء اليه فلم ينازعه أحد إيّاه. وفرّق ابن رشيق بين الاختراع والإبداع فقال : «والفرق بين الاختراع والإبداع وإن كان معناهما في العربية واحدا ، أنّ الاختراع : خلق المعاني التي لم يسبق اليها والإتيان بما لم يكن منها قطّ ، والإبداع : إتيان الشاعر بالمعنى المستظرف والذي لم تجر العادة بمثله. ثم لزمته هذه التسمية حتى قيل له بديع وإن كثر وتكرّر ، فصار الاختراع للمعنى والإبداع للفظ ، فاذا تم للشاعر أن يأتي بمعنى مخترع في لفظ بديع فقد استولى على الأمد ، وحاز قصب السبق. واشتقاق الاختراع من التليين يقال : «بيت خرع» إذا كان لينا ، والخروع «فعول» منه فكأن الشاعر سهل طريقة هذا المعنى وليّنه حتى أبرزه. وأما البديع فهو الجديد وأصله في الحبال وذلك أن يفتل الحبل جديدا ليس من قوى حبل نقضت ثم فتلت فتلا آخر» (٩).

وذكر ابن الأثير مثل ما ذكر العسكري وقال إنّ المعاني على ضربين (١٠) :

الأول : يبتدعه مؤلّف الكلام من غير أن يقتدي فيه بمن سبقه ، وهذا الضّرب ربما يعثر عليه عند الحوادث المتجدّدة ، ويتنّبه له عند الأمور الطارئة. ومن ذلك ما

__________________

(١) هود ٤٣.

(٢) البقرة ١١٧ ، الانعام ١٠١.

(٣) مريم ٦١.

(٤) البرهان في علوم القرآن ج ٢ ص ٢٥٨ وما بعدها.

(٥) نقد الشعر ص ٢٤٤ وينظر الموشح ص ٣٦٢.

(٦) اللسان (خرع).

(٧) كتاب الصناعتين ص ٦٩.

(٨) العمدة ج ١ ص ٢٦٢.

(٩) العمدة ج ١ ص ٢٦٥.

(١٠) المثل السائر ج ١ ص ٣١٢.

٦١٠

ورد في شعر أبي تمام في وصف مصلبين :

بكروا وأسروا في متون ضوامر

قيدت لهم من مربط النجّار

لا يبرحون ومن رآهم خالهم

أبدا على سفر من الأسفار

ومن ذلك ما جاء في شعر المتنبي في وصفه الحمى :

وزائرتي كأنّ بها حياء

فليس تزور إلا في الظلام

بذلت لها المطارف والحشايا

فعافتها وباتت في عظامي

كأنّ الصّبح يطردها فتجري

مدامعها بأربعة سجام

أراقب وقتها من غير شوق

مراقبة المشوق المستهام

والثاني : يحتذى فيه على مثال سابق ومنهج مطروق ، وهو جلّ ما يستعمله أرباب صناعة الكلام.

وقد سمّى ابن رشيق الأول المخترع ، والثاني التوليد ، وكان هذا التقسيم من أسباب البحث في السرقات ومتابعة الشعراء والكّتاب فيما ابتدعوه وأخذوه وتفصيل أنواع الأخذ.

المختلف والمؤتلف :

هو أن يريد المتكلّم التسوية بين الممدوحين فيأتي بمعنى مؤتلف في مدحهما ثم يروم بعد ذلك ترجيح أحدهما على الآخر بزيادة فصل لا ينقص به مدح الآخر فيأتي بمعنى يخالف معنى التسوية (١).

وهو جمع المختلفة والمؤتلفة والمؤتلفة والمختلفة وقد تقدّما ..

المخلّص :

خلص الشيء يخلص خلوصا وخلاصا إذا كان قد نشب ثم نجا وسلم. والتخليص : التنجية من كل منشب. تقول : خلّصته من كذا تخليصا أي نجّيته تنجية فتخلص ، وتخلّصه تخلّصا كما يتخلّص الغزل إذا التبس (٢).

والمخلّص هو التّخلّص أو حسن التّخلّص وقد مرّ.

وفرّق الحموي بين الاستطراد والمخلّص فقال : «الاستطراد يشترط فيه الرجوع الى الكلام الأوّل وقطع الكلام بعد المستطرد والأمران معدومان في المخلّص فإنّه لا يرجع الى الأوّل ولا يقطع الكلام بل يستمر الى ما يخلص اليه» (٣).

المخلّص المليح :

عقد المظفر العلوي بابا سماه «المخلّص المليح الى الهجاء والمديح» (٤) وهو التخلص أو حسن التّخلّص وقد تقدّم.

المدح في معرض الذّمّ :

هو تأكيد المدح بما يشبه الذم ، وهو من محاسن الكلام التي ذكرها ابن المعتزّ (٥) ، وسمّاه المظفر العلوي «الاستثناء» (٦) وسماه بعضهم «النفي والجحود» (٧). وقد تقدّم.

المدرج :

درج يدرج درجا : مشى مشيا ضعيفا ودبّ ، ودرجت الثوب. طويته والإدراج لف الشيء في الشيء (٨). والمدرج من الحديث أن تزاد لفظة في متن الحديث من كلام الراوي فيحسبها من يسمعها

__________________

(١) جوهر الكنز ص ١٤٢.

(٢) اللسان (خلص).

(٣) خزانة الأدب ص ٤٤.

(٤) نضرة الاغريض ص ١٨٨.

(٥) البديع ص ٩٢.

(٦) نضرة الاغريض ص ١٢٨.

(٧) أنوار الربيع ج ٦ ص ٢٧ ، شرح الكافية ص ٣٠٥.

(٨) اللسان (درج).

٦١١

مرفوعة في الحديث فيرويها كذلك (١). قال الزركشي : «هذا النوع سمّيته بهذه التسمية بنظير المدرج من الحديث ، وحقيقته في أسلوب القرآن أن تجيء الكلمة الى جنب أخرى كأنها في الظاهر معها وهي في الحقيقة غير متعلّقة بها» (٢). كقوله تعالى ذاكرا عن بلقيس : (إِنَّ الْمُلُوكَ إِذا دَخَلُوا قَرْيَةً أَفْسَدُوها وَجَعَلُوا أَعِزَّةَ أَهْلِها أَذِلَّةً وَكَذلِكَ يَفْعَلُونَ)(٣) هو من قول الله لا من قول المرأة. ومنه قوله تعالى : (الْآنَ حَصْحَصَ الْحَقُّ أَنَا راوَدْتُهُ عَنْ نَفْسِهِ وَإِنَّهُ لَمِنَ الصَّادِقِينَ)(٤) انتهى قول المرأة ثم قال يوسف عليه‌السلام : (ذلِكَ لِيَعْلَمَ أَنِّي لَمْ أَخُنْهُ بِالْغَيْبِ)(٥) معناه : ليعلم الملك أنّي لم أخنه.

ومنه : (يا وَيْلَنا مَنْ بَعَثَنا مِنْ مَرْقَدِنا)(٦) تمّ الكلام فقالت الملائكة : (هذا ما وَعَدَ الرَّحْمنُ وَصَدَقَ الْمُرْسَلُونَ.) وقوله تعالى حكاية عن ملأ فرعون :(يُرِيدُ أَنْ يُخْرِجَكُمْ مِنْ أَرْضِكُمْ)(٧) هذا قول الملأ ثم قال فرعون : (فَما ذا تَأْمُرُونَ).

وكان ابن قتيبة قد تحدث عن هذا النوع في باب «مخالفة ظاهر اللفظ معناه» وقال : «ومنه أن يتصل الكلام بما قبله حتى يكون كأنه قول واحد وهو قولان» (٨) وذكر الآيات السابقة.

المذهب الكلامّي :

هو الاحتجاج النظري أو إلجام الخصم بالحجّة (٩) وقد تقدّم. ولكنّ الذي شاع في كتب البلاغة هو مصطلح «المذهب الكلامّي» الذي نسبه ابن المعتزّ الى الجاحظ (١٠).

المراجعة :

رجع يرجع : انصرف ، وراجع الشيء ورجع اليه ، ورجّع : ردّد صوته في قراءة أو أذان أو غناء او زمر ، وراجعها مراجعة : رجعها الى نفسه ، وراجعه الكلام مراجعة ورجاعا : حاوره إيّاه (١١).

قال المصري إنّه من مستخرجاته وعرّفه بقوله : «هو أن يحكي المتكلّم مراجعة في القول ومحاورة في الحديث جرت بينه وبين غيره أو بين اثنين غيره بأوجز عبارة وأرشق سبك وأسهل الفاظ إما في بيت واحد أو في أبيات أو جملة واحدة» (١٢).

وكان الوطواط قد تحدّث عن السؤال والجواب (١٣) ، وفعل مثله الرازي (١٤) ، وهذا النوع هو المراجعة التي ادّعى المصري أنّها من

__________________

(١) الباعث الحثيث ص ٧٣.

(٢) البرهان في علوم القرآن ج ٣ ص ٢٩٤.

(٣) النمل ٣٤.

(٤) يوسف ٥١.

(٥) يوسف ٥٢.

(٦) يس ٥٢.

(٧) الأعراف ١١٠.

(٨) تأويل مشكل القرآن ص ٢٢٦.

(٩) الفوائد ص ١٣٦ ، البرهان ج ٣ ص ٤٦٨ ، شرح عقود الجمان ص ١٢٣ ، حلية اللب ص ١٤٤ ، البحر المحيط ج ٣ ص ٣٠٥ ، ج ٥ ص ٣٥٠.

(١٠) البديع ص ٢٥٣ ، كتاب الصناعتين ص ٤١٠ ، العمدة ج ٢ ص ٧٨ ، الوافي ص ٢٨٨ ، قانون البلاغة ص ٤٥٤ ، تحرير التحبير ص ١١٩ ، بديع القرآن ص ٣٧ ، المصباح ص ٩٤ ، حسن التوسل ص ٢٢١ ، نهاية الارب ج ٧ ص ١١٤ ، المصباح ص ٩٤ ، جوهر الكنز ص ٣٠٢ ، الايضاح ص ٣٦٦ ، التلخيص ص ٣٧٤ ، شروح التلخيص ج ٤ ص ٣٦٨ ، المطول ص ٤٣٥ ، الاطول ج ٢ ص ٢٠٩ ، شرح عقود الجمان ص ١٢٣ ، حلية اللب ص ١٤٤ ، كفاية الطالب ص ١٧١ ، نفحات الأزهار ص ١٤٨ ، كفاية الطالب ص ١٧١ ، التبيان في البيان ص ٢٥٨ ، شرح الكافية ص ١٣٧.

(١١) اللسان (رجع).

(١٢) تحرير التحبير ص ٥٩٠ ، بديع القرآن ص ٣٠٠.

(١٣) حدائق السحر ص ١٥٩.

(١٤) نهاية الايجاز ص ١١٤.

٦١٢

مبتدعاته (١) وقد تقدّم السلب والإيجاب.

مراعاة الحروف :

قال التنوخي : «ومن البيان مراعاة الحروف ومعانيها ومواقع اللبس فيها واشتباه بعضها ببعض وهذا مما يحتاج الى الطباع السليمة والتدرّب في معاني الشعر والخطب وما جاء من كلام العرب في مكاتباتهم الى غير ذلك مما استعملوه» (٢). ومن ذلك قوله تعالى : (كَلَّا لَمَّا يَقْضِ ما أَمَرَهُ. فَلْيَنْظُرِ الْإِنْسانُ إِلى طَعامِهِ. أَنَّا صَبَبْنَا الْماءَ صَبًّا. ثُمَّ شَقَقْنَا الْأَرْضَ شَقًّا. فَأَنْبَتْنا فِيها حَبًّا. وَعِنَباً وَقَضْباً. وَزَيْتُوناً وَنَخْلاً. وَحَدائِقَ غُلْباً. وَفاكِهَةً وَأَبًّا. مَتاعاً لَكُمْ وَلِأَنْعامِكُمْ. فَإِذا جاءَتِ الصَّاخَّةُ. يَوْمَ يَفِرُّ الْمَرْءُ مِنْ أَخِيهِ. وَأُمِّهِ وَأَبِيهِ. وَصاحِبَتِهِ وَبَنِيهِ)(٣). قال التنوخي : لما زجر بـ (كَلَّا) وأخبر أنّ المرء لم يقض ما أمر به عقب الزجر بالأمر فأتى بالفاء مستأنفا للجملة الاخرى وتعقيبا للزجر بالأمر وتنبيها على أنّ غفلة الإنسان مما ينبغي له سبب لأن يوعظ.

فالفاء هنا دلّت على الاستئناف والتعقيب والتسبب.

وعطف شق الأرض على صبّ الماء بـ «ثم» إذ لا بدّ بينهما من مهلة وقال : (فَأَنْبَتْنا) إذ انشقاق الأرض بالنبات فلا مهلة بينهما ، ثم عطف النبات بعضه على بعض بالواو لأنّ فيه ما ينبت بعضه مع بعض وما ينبت بعضه عقيب بعض وما يتقدم بعضه على بعض ويتأخّر من غير تعقيب. والواو تستعمل في هذه المواضع كلها إذ هي لمجرّد الاشتراك. ثم قال : (فَإِذا جاءَتِ الصَّاخَّةُ) وليس وقت مجيئها عقيب ما قبلها فهي لتعقيب الوعظ بعضه ببعض إذ هو من توابع الزجر وليس في هذا العطف تعرض لتوالي الأوقات ثم قال : (يَوْمَ يَفِرُّ الْمَرْءُ مِنْ أَخِيهِ. وَأُمِّهِ وَأَبِيهِ. وَصاحِبَتِهِ وَبَنِيهِ) فعطف بالواو لأنّه يفر من المفرور منه إذا لقيه ولقاؤه لهم قد يكون في وقت واحد وقد يكون في أوقات مختلفة ، والواو هي الجامعة لذلك كله. وقدّم الأخ على الأم ، والأم على الأب ، والأب على الصاحبة والصاحبة على الابناء انتقالا من كل واحد الى من هو أعز منه وأشد حفاوة ، والأب وإن كان كالأمّ أو مرجوحا من جهة البر فانه يرجى نصره أكثر من الأمّ والمحافظة على الرجال أشد منها على النساء. وأخر الصاحبة عنه وإن كانت لا يرجى نصرها لزيادة الانس والمودة التي جعل الله بينهما ، وأخّر البنين عنها لأنّهم الغاية والنتيجة وزيادة حبهم بالطبع على كل أحد».

ومثل ذلك حروف الجر قال : التنوخي : «وانظر الى حروف الجر في مثل قوله تعالى : (وَإِنَّا أَوْ إِيَّاكُمْ لَعَلى هُدىً أَوْ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ)(٤). استعمل «على» بالنسبة الى «الهدى» و «في» بالنسبة الى الضلال مع أنّ كلّ واحد منهما يجوز أن يقال فيه «على» و «في» لأنّ الهدى من الله والله الهادي والدالّ على طريق الهدى ، فكل من «هدى» و «دل» فهو على الهدى ، ولا يوصف أحد بأنّه فيه إلّا لقربه وعلو مرتبته ، وهذا لا يكون إلّا للآحاد ممن يشاء الله فاستعملت «على» لشمولها وأمّا الضلال فيوصف به من ضل عن الهدى. ومن لم يهتد بعد وهو مما ينسب الى الإنسان على سبيل الأدب مع الله فالضلال محيط بالضال بالطبع حتى يهديه الله فـ «في» هنا استعملت لأنّها أبلغ من «على» ، وأيضا فانّ الترديد ههنا في الظاهر واما في نفس الأمر فالمشركون هم في الضلال منغمسون غاية الانغماس فتكون «في» أنسب. وكان ابن الأثير قد تحدث عن ذلك في «الحروف العاطفة والجارة» وقال : «إنّ أكثر الناس يضعون هذه الحروف في غير مواضعها فيجعلون ما ينبغي أنّ يجر بـ «على» بـ «في»

__________________

(١) عروس الافراح ج ٤ ص ٤٧١ ، خزانة الادب ص ٩٩ ، معترك ج ١ ص ٤١٨ ، الاتقان ج ٢ ص ٩٦ ، شرح عقود الجمان ص ١٣٤ ، أنوار الربيع ج ٢ ص ٣٥٠ ، نفحات الأزهار ص ١٠٧ ، التبيان في البيان ص ٢٦٦ ، شرح الكافية ص ٩٩.

(٢) الاقصى القريب ص ٨٨.

(٣) عبس ٢٣ ـ ٣٦.

(٤) سبأ ٢٤.

٦١٣

في حروف الجر ، وفي هذه الأشياء دقائق أذكرها لك» (١).

مراعاة مقتضى الحال :

أولى الجاحظ هذه المسألة اهتماما كبيرا ونقل بعض الأقوال التي تذهب الى أنّ مراعاة مقتضى الحال من أهم ما ينبغي أن يتمسك به الشاعر أو الخطيب أو الكاتب ، وقد جاء عن عبد الله بن مسعود قوله : «حدّث الناس ما مدحوك بأبصارهم وأذنوا لك بأسماعهم ، واذا رأيت منهم فترة فأمسك» (٢) ونقل الجاحظ قول الزيادي :

يرمون بالخطب الطّوال وتارة

وحي الملاحظ خيفة الرّقباء

وقال : «فمدح كما ترى الإطالة في موضعها والحذف في موضعه» (٣).

وذكر الجاحظ أنّ «الله تبارك وتعالى إذا خاطب العرب والأعراب أخرج الكلام مخرج الإشارة والوحي والحذف ، واذا خاطب بني إسرائيل أو حكى عنهم جعله مبسوطا وزاد في الكلام» (٤). وقال إنّ البلغاء «إذا خطبوا في صلح بين العشائر أطالوا ، واذا أنشدوا الشعر بين السماطين في مديح الملوك أطالوا. فللإطالة موضع وليس ذلك بخطل وللإقلال موضع وليس ذلك من عجز» (٥) وانتهى الجاحظ الى أنّ الذي قال : «لكل مقام مقال» (٦) قد أصاب في القول.

مراعاة النّظير :

هو الائتلاف والتلفيق والتناسب والتوفيق والمؤاخاة ، ولكنّ معظم البلاغيين يسمونه : «مراعاة النظير» وأدخله الرازي في أقسام النظم وقال : «مراعاة النظير وهو عبارة عن جمع الأمور المتناسبة» (٧).

وأدخله السّكاكي والقزويني وشرّاح التلخيص في المحسّنات المعنوية (٨).

المرافدة :

الرّفد : العطاء والصلة ، رفده يرفده : أعطاه : وأرفده :أعانه ، والمرفد : المعونة ، والمرافدة : المعاونة (٩).

وقد ذكر الحاتمي المرافدة وقال : بينما كان جرير واقفا بالمربد وقد ركبه الناس وعمر بن لجأ مواقفه أنشد جرير قوله :

يا تيم تيم عديّ لا أبالكم

لا يلقينكم في سوءة عمر

أحين صرت سناما يا بني لجأ

وخاطرت بي عن أحسابها مضر

فقال عمر جواب هذا :

لقد كذبت وشرّ القول أكذبه

ما خاطرت بك عن أحسابها مضر

ألبست نزوة خّوار على أمة

لبئست الخلتان : البخل والخور

وكان الفرزدق قد رفده بهذين البيتين في هذه القصيدة فقال جرير لما سمعها : «قبحا يا ابن قنب وفي رواية اخرى يا ابن قين ـ كذبت والله ولؤمت

__________________

(١) المثل السائر ج ٢ ص ٥٠ ، الجامع الكبير ص ٢٠١.

(٢) البيان ج ١ ص ١٠٤.

(٣) البيان ج ١ ص ٤٤ ، ١٥٥.

(٤) الحيوان ج ١ ص ٩٤.

(٥) الحيوان ج ١ ص ٩٢ ـ ٩٣.

(٦) الحيوان ج ٣ ص ٤٣ ، وينظر البيان ج ١ ص ١٣٦.

(٧) نهاية الايجاز ص ١١٣ ، وينظر حدائق السحر ص ١٣٠.

(٨) مفتاح العلوم ص ٢٠٠ ، الايضاح ص ٣٤٣ ، التلخيص ص ٣٥٤ ، شروح التلخيص ج ٤ ص ٣٠١ ، المطول ص ٤٢٠ ، الاطول ج ٢ ص ١٨٧ ، خزانة الادب ص ١٣١ ، شرح عقود الجمان ص ١٠٨ ، أنوار الربيع ج ٣ ص ١١٩ ، نفحات ص ١١٤ ، التبيان في البيان ص ٢٩٠ ، شرح الكافية ص ١٢٨.

(٩) اللسان (رفد).

٦١٤

هذا شعر حنظلي ، هذا شعر العزيز يعني الفرزدق ، رفدك به» (١).

وقال ابن رشيق : «وأما المرافدة فأن يعين الشاعر صاحبه بالأبيات يهبها له» (٢) ثم قال : «والشاعر يستوهب البيت والبيتين والثلاثة وأكثر من ذلك إذا كانت شبيهة بطريقته ولا يعدّ ذلك عيبا ، لأنّه يقدر على عمل مثلها ، ولا يجوز ذلك إلّا للحاذق المبرّز».

المرصّع :

الترصيع : التركيب ، يقال : تاج مرصّع بالجوهر وسيف مرصّع أي محلّى بالرصائع ، وهي حلق يحّلى بها ، الواحدة : رصيعة. ورصّع العقد بالجوهر : نظمه فيه وضمّ بعضه الى بعض (٣).

قال الكلاعي : «وسمّينا هذا النوع المرصّع لأنّه رصّع بالأخبار والأمثال والأشعار وروايات القرآن وأحاديث النبي ـ عليه‌السلام ـ الى غير ذلك من النحو والعروض وحلّ أبيات القريض» (٤).

والمرصّع أحد أنواع السجع عند السّيوطي (٥) ، قال : «وهو أحسن من قول الترصيع كما قال الشيخ بهاء الدين لموافقة قولنا : «مطرف» و «متواز» وهو ما كان في الأولى مقابلا لما في الثانية وزنا وتقفية كقوله تعالى : (إِنَّ إِلَيْنا إِيابَهُمْ. ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنا حِسابَهُمْ)(٦).

وقد تقدّم في السجع المرصّع.

المزاوجة :

ازدوج الكلام وتزاوج : أشبه بعضه بعضا في السجع أو الوزن أو كان لإحدى القضيتين تعلّق بالأخرى. والمزاوجة والازدواج بمعنى (٧).

والمزاوجة هي التزاوج (٨) ، وقد تقدّمت.

مزج الشّكّ باليقين :

هو إخراج ما يعرف صحته مخرج ما يشكّ فيه ليزيد بذلك تأكيدا (٩) ، وهو تجاهل العارف وقد تقدّم.

المزدوج :

ذكر الجاحظ أمثلة لمزدوج الكلام (١٠) كقوله ـ عليه‌السلام ـ في معاوية : «اللهم علّمه الكتاب والحساب وقه العذاب» ، أشار الى الكلام المزدوج وغير المزدوج (١١) ، ولم يوضحهما أو يفرّق بينهما ، ولكنّ الأمثلة التي ذكرها تشير الى معنى الازدواج والتعادل بين الجمل والعبارات.

وللمزدوج معنى آخر في الشعر وهو : «ما أتى على قافيتين الى آخر القصيدة ، وأكثر ما يأتي على وزن الرّجز» (١٢). وليس هذا ما يريده البلاغيون وإنما المزدوج عندهم الكلام المتعادل من سجع أو من غير سجع.

__________________

(١) حلية المحاضرة ج ٢ ص ٤٩.

(٢) العمدة ج ٢ ص ٢٨٦.

(٣) اللسان (رصع).

(٤) احكام صنعة الكلام ص ١٣٠.

(٥) شرح عقود الجمان ص ١٥١.

(٦) الغاشية ٢٥ ـ ٢٦.

(٧) اللسان (زوج).

(٨) النكت في إعجاز القرآن ص ٩١ ، الرسالة العسجدية ص ١٢٧ ، المصباح ص ٨٤ ، نهاية الايجاز ص ١١١. مفتاح العلوم ص ٢٠٠ ، الايضاح ص ٣٥٠ ، التلخيص ص ٣٥٨ ، شروح التلخيص ج ٤ ص ٣١٦ ، المطول ص ٤٢٣ ، الاطول ج ٢ ص ١٩٢ ، خزانة الادب ص ٤٣٥ ، معترك ج ١ ص ٤١١ ، الاتقان ج ٢ ص ٩٤ ، شرح عقود الجمان ص ١١١ ، حلية اللب ص ١٣٤ ، أنوار الربيع ج ٦ ص ١٠١ ، المنزع البديع ص ٤٠١ ، نفحات ص ١٤٠ ، شرح الكافية ص ٣٠٧.

(٩) كتاب الصناعتين ص ٣٩٦.

(١٠) البيان ج ٢ ص ١١٦.

(١١) البيان ج ٣ ص ٢٩.

(١٢) البرهان في وجوه البيان ص ١٦١.

٦١٥

المزلزل :

قال ابن قيّم الجوزيّة : «المزلزل : هو أن يكون في الكلام لفظة لو غيّر وضعها أو إعرابها تغيّر المعنى» (١).

وهو المتزلزل ، وقد تقدّم.

المساواة :

سواء الشيء : مثله. يقال : ساويت بينهما وسوّيت وساويت الشيء ساويت به (٢).

عرض الجاحظ للمساواة وقال : «حقّ المعنى أن يكون الاسم له طبقا وتلك الحال لها وفقا ، ويكون الاسم له لا فاضلا ولا مفضولا» (٣). وذكرها المبرّد فقال معلّقا على بعض الأبيات : «فهذا كلام ليس فيه فضل عن معناه» (٤) وأدخلها قدامة في نعت ائتلاف اللفظ والمعنى وقال : «المساواة وهو أن يكون اللفظ مساويا للمعنى حتى لا يزيد عليه ولا ينقص عنه ، وهذه هي البلاغة التي وصف بها بعض الكتّاب رجلا فقال : «كانت ألفاظه قوالب لمعانيه» أي : هي مساوية لها لا يفضل أحدهما عن الآخر» (٥).

وذكر الرّمّاني نوعا من الإيجاز وهو «مطابقة اللفظ للمعنى» وقال ابن رشيق عنه : «فهم يسمّونه المساواة» (٦). وكان قدامة من قبل قد أطلق على قولهم : «أن يكون اللفظ مساويا للمعنى» اسم المساواة ، وهو ما أخذه البلاغيون وأداروه في مباحثهم التي تعرّضت للإيجاز والإطناب.

وعرّف الكلاعي هذا النوع تعريفا بديعا فقال انها : «ما خيط ثوب لفظه على جسد معناه» (٧). وقال العسكري : «هو أن تكون المعاني بقدر الألفاظ والألفاظ بقدر المعاني لا يزيد بعضها على بعض ، وهو المذهب المتوسّط بين الإيجاز والإطناب» (٨).

ونقل الباقلّاني تعريف قدامة وقال عن المساواة : «وذلك يعدّ من البلاغة» (٩) ، ونقله ابن سنان والتبّريزي والبغدادي وابن الزملكاني والمصري والنّويري وابن قيّم الجوزيّة والحموي (١٠) ، وقد أغرب الأخير حينما عدّ المساواة في قسمي الإيجاز والإطناب ومثّل لها لاعتبارها في قسم الإطناب بقوله تعالى : (إِنَّ اللهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسانِ وَإِيتاءِ ذِي الْقُرْبى)(١١). وقد قال المدني إنّ كلامه هذا غريب والاستشهاد بهذه الآية أغرب (١٢).

وأدخل السّكّاكي المساواة في علم المعاني ، وجعلها غير محمودة ولا مذمومة لأنّه فسّرها بالمتعارف من كلام أوساط الناس ، قال : «أمّا الإيجاز والإطناب فلكونهما نسبيين لا يتيسّر الكلام فيهما إلّا بترك التحقيق والبناء على شيء عرفي مثل جعل كلام الأوساط على مجرى متعارفهم في التأدية للمعاني فيما بينهم ، ولا بدّ من الاعتراف بذلك مقيسا عليه ولنسمه متعارف الأوساط ، وإنّه في باب البلاغة لا يحمد منهم ولا يذمّ» (١٣). وليس الأمر كذلك لأنّ المساواة أسلوب له أغراضه وقد ردّ القزويني كلام السّكّاكي وأوضح معنى المساواة بقوله : «المراد بالمساواة أن يكون اللفظ بمقدار أصل المراد لا ناقصا عنه

__________________

(١) الفوائد ص ١٦٠.

(٢) اللسان (سوى).

(٣) البيان ج ١ ص ٩٣.

(٤) الكامل ج ١ ص ٤٢.

(٥) نقد الشعر ص ١٧١.

(٦) العمدة ج ١ ص ٢٥٠.

(٧) احكام صنعة الكلام ص ٨٩.

(٨) كتاب الصناعتين ص ١٧٩.

(٩) اعجاز القرآن ص ١٣٥.

(١٠) سر الفصاحة ص ٢٤٣ ، الوافي ص ٢٦٦ ، قانون البلاغة ص ٤١٦ ، ٤٤٠ ، التبيان ص ١٨٠ ، تحرير التحبير ص ١٩٧ ، بديع القرآن ص ٧٩ ، نهاية الارب ج ٧ ص ٨ ، الفوائد ص ١٧٨ ، خزانة الادب ص ٤٤٩ ، نفحات ص ٢٤٩. كفاية الطالب ص ١٧٩ ، شرح الكافية ص ٣٢٣.

(١١) النحل ٩٠.

(١٢) أنوار الربيع ج ٦ ص ٣١٤.

(١٣) مفتاح العلوم ص ١٣٣.

٦١٦

بحذف أو غيره ولا زائدا عليه» (١).

وقال العلوي : «هي في مصطلح فرسان البيان عبارة عن تأدية المقصود بمقدار معناه من غير زيادة فيه ولا نقصان عنه» (٢) ، وقسّمها الى نوعين :

الأوّل : أن تكون مساواة مع الاختصار ، وهذا نحو أن يتحرّى البليغ في تأدية معنى كلامه أوجز ما يكون من الألفاظ القليلة الأحرف الكثيرة المعاني التي يتعسّر تحصيلها على من دونه في البلاغة ، ومن هذا قوله تعالى : (هَلْ جَزاءُ الْإِحْسانِ إِلَّا الْإِحْسانُ)(٣) ، وقوله تعالى : (وَهَلْ نُجازِي إِلَّا الْكَفُورَ)(٤) فهذه أحرف قليلة تحتها فوائد غزيرة ونكت كثيرة.

الثاني : أن يكون المقصود المساواة من غير تحرّ ولا طلب اختصار ويسمّى «المتعارف».

قال العلوي : «والوجهان محمودان في البلاغة جميعا خلا أنّ الأوّل أدلّ على البلاغة وأقوى على تحصيل المراد» (٥). وقال السجلماسي : «هي مساوقة القول وبالجملة اللفظ للمعنى المدلول عليه به ومطابقته» (٦).

ويتضّح من كلام البلاغيين اتّجاهان :

الأوّل : أنّ المساواة واسطة بين الإيجاز والإطناب ، والى ذلك ذهب السّكّاكي والتيفاشي والقزويني وشرّاح التلخيص.

الثاني : أنّ المساواة داخلة في قسم الإيجاز ، والى ذلك ذهب ابن الأثير والطيبي الذي سماها : «إيجاز قصر» وقال : «هو أن تقصر اللفظ على المعنى» (٧).

قال المدني : «فالقزويني والتيفاشي والزنجاني وجميع أصحاب البديعيات على أنّها محمودة بل معدودة من البلاغة التي وصف فيها بعض الوصّاف أحد البلغاء : «كانت ألفاظه قوالب لمعانيه» ، وهذا قول من أدخلها في قسم الإيجاز أيضا. وأما السّكّاكي وأتباعه فعلى الثاني لأنّهم فسّروها بالمتعارف من كلام أوساط الناس الذين ليسوا في رتبة البلاغة» (٨).

وورد مصطلح المساواة بمعنى آخر ، فقد عقد ابن منقذ بابا للمساواة وقال : «هو مساواة الآخذ منه للآخذ عنه ، والأوّل أحق به لأنّه ابتدع ، والثاني اتّبع ، فالأوّل سابق والثاني لاحق» (٩) من ذلك ما قاله البحتري في بركة :

إذا علتها الصّبا أبدت لها حبكا

مثل الجواشن مصقولا حواشيها

أخذه الصولي فقال :

إذا ما الريح هبت قلت درع

وإن سكنت فمرآة صقيل

ولكنّ ابن منقذ جمع المساواة مع التضييق والتوسيع في باب واحد وقال : «إنّ النقاد قالوا : أن يكون اللفظ على قدر المعنى ولا يكون أطول منه ولا أقصر ، ولذلك قالوا : «خير الكلام ما كانت ألفاظه قوالب لمعانيه» (١٠).

وعقد ابن الأثير الحلبي بابا لمساواة اللفظ للمعنى وائتلافه وقسّمه الى عدّة أقسام ، وكانت مساواة الألفاظ للمعاني من غير زيادة ولا نقص

__________________

(١) الايضاح ص ١٧٧ ، التلخيص ص ٢١٣ ، شروح التلخيص ج ٣ ص ١٨٠ ، المطول ص ٢٨٦ ، الاطول ج ٢ ص ٣٥ ، وينظر معترك ج ١ ص ٢٩٣ ، الاتقان ج ٢ ص ٥٣ ، شرح عقود الجمان ص ٦٧ ، حلية اللب ص ٩٩.

(٢) الطراز ج ٣ ص ٣٢٢.

(٣) الرحمن ٦٠.

(٤) سبأ ١٧.

(٥) الطراز ج ٣ ص ٣٢٣.

(٦) المنزع البديع ص ١٨٢.

(٧) أنوار الربيع ج ٦ ص ٣١٤.

(٨) أنوار الربيع ج ٦ ص ٣١٧.

(٩) البديع في نقد الشعر ص ١٩٤.

(١٠) البديع في نقد الشعر ص ١٥٤.

٦١٧

أحد تلك الأقسام (١).

المستجلب :

إنجلب الشيء واستجلب الشيء : طلب أن يجلب اليه (٢).

المستجلب هو لزوم ما لا يلزم في السجع ، قال الكلاعي وهو يتحدّث عن السجع : «ثم كثرت الصناعة وتشذّذ فيها القالة فاستجلبوا فيها السجع الفائق واللفظ الرائق فلم يأتوا بـ «غفور» مع «بصير» ولا وقفوا عند إتيانهم بـ «غفور» مع «شكور» وب «خبير» مع «بصير» بل جاءوا بـ «غفور» مع «كفور» فضموا الفاء وحرف المد واللين والراء ، وجاءوا بخبير مع «ثبير» و «عبير» و «صبير» وجاءوا بميد مع «غيد» و «جيد» ، وجاءوا بزيد مع «قيد» و «أيد» وجاءوا بغمر مع «زمر» ولم يأتوا به مع «ثمر» وجاءوا بمقر مع «ثمر».

فراعوا شكل الحرف المضمّن والتزموا من ذلك ما لا يلزم واستجلبوا منه ما ربما لم يأت في سياق الكلام.

وكذلك لا يأتون بقمر مع «عمر» في حال الخفض ويجمعون بينهما في حالي الرفع والنصب ، فاذا أدخلوا على «قمر» الالف واللام وافقوا التنوين.

وكان أبو العلاء يلتزم في أسجاعه ما لا يلزم كثيرا ولكنّه كان لا يراعي الإعراب ، ولاتفاق الإعراب في السجع تأثير عظيم ويجب للكاتب إذا تخالف إعراب السجع أن يعلم عليه علامة تدل القارىء على الوقوف عليه فيحسن حينئذ في النطق ويلذ في السمع» (٣).

المستحيل :

أحلت الكلام أحيله إحالة اذا أفسدته ، والكلام المستحيل : المحال ، وهو ما عدل به عن وجهه (٤).

تحدّث قدامة عن الاستحالة والتناقض وقال : «هما أن يذكر في الشعر شيء فيجمع بينه وبين المقابل له من جهة واحدة» (٥) وقد تقدّم الكلام على الاستحالة.

وفرّق البلاغيون بين المستحيل والممتنع فقال ابن سنان : «إنّ المستحيل هو الذي لا يمكن وجوده ولا تصوّره في الوهم مثل كون الشيء أسود أبيض وطالعا نازلا فانّ هذا لا يمكن وجوده ولا تصوّره في الوهم.

والممتنع هو الذي يمكن تصوّره في الوهم وإن كان لا يمكن وجوده» (٦).

المستعار :

هو اللفظ المنقول في الاستعارة ، ففي قوله تعالى : (وَاشْتَعَلَ الرَّأْسُ شَيْباً)(٧) المستعار هو الاشتعال.

والمستعار من المصطلحات القديمة (٨) ، وقد تقدم في الاستعارة.

المستعار له :

هو الذي يستعار له المعنى ، وهو ما يقابل المشبّه في التشبيه ، ففي قوله تعالى : (وَاشْتَعَلَ الرَّأْسُ شَيْباً)(٩) المستعار له هو الشيب وقد تقدّم في الاستعارة.

المستعار منه :

وهو الذي تستعار منه صفة من الصفات ، وهو ما يقابل المشبّه به في التشبيه ففي قوله تعالى : (وَاشْتَعَلَ الرَّأْسُ شَيْباً)(١٠) المستعار منه النار ،

__________________

(١) جوهر الكنز ص ٢٠٠ ، وينظر كفاية الطالب ص ١٧٩ ، الروض المريع ص ٨٣ ، ٨٧ ، ١٦٤ ، المنزع البديع ص ١٨٣.

(٢) اللسان (جلب).

(٣) احكام صنعة الكلام ص ٢٤٣.

(٤) اللسان (حول).

(٥) نقد الشعر ص ١٣٢.

(٦) سر الفصاحة ص ٢٨٧.

(٧) مريم ٤.

(٨) الكامل ج ١ ص ١٨٩.

(٩) مريم ٤.

(١٠) مريم ٤.

٦١٨

وقد تقدم في الاستعارة.

المسخ :

المسخ : تحويل صورة الى صورة أقبح منها ، يقال : مسخ يمسخه مسخا (١). والمسخ أحد أنواع السّرقات ، قال ابن الأثير : «وأمّا المسخ فهو إحالة المعنى الى ما دونه مأخوذا ذلك من مسخ الآدميين قردة» (٢) وقال إنّ المسخ عيب في الكلام فاحش فما جاء منه قول الشريف الرضي :

أحنّ الى ما تضمر الخمر والحلى

وأصدف عمّا في ضمان المآزر

وقال المتنبي :

إنّي على شغفي بما في خمرها

لأعفّ عما في سراويلاتها

«ألا ترى الى هذا المسخ ما أقبحه وذلك لو تأخّر زمان المتنبي عن زمان الشريف الرضي ، وبمثل ذلك يعرف التفاضل بين الشاعرين وبين الكلامين ، فقول الشريف على ما تراه من اللطافة والحسن وقول أبي الطيب على ما تراه من الرداءة والقبح» (٣).

وقال العلوي : «هو إحالة المعنى الى ما هو دونه واشتقاقه من قولهم : مسخت هذه الصورة الآدمية الى صورة القردة والخنازير فتارة تكون صورة الشعر حسنة فتنقل الى صورة قبيحة ، وهذا هو الأصل في المسخ ، وتارة تكون الصورة فبيحة فتنقل الى صورة حسنة فهذان وجهان نذكر ما يتوجّه منهما» (٤).

الوجه الأوّل : أن ينقل الأحسن من الشعر الى صورة قبيحة ، ومثاله قول ديك الجن :

بحق تعزيك ومنك الهدى

مستخرج والصبر مستقبل

تقول بالعقل رأيت الذي

تأوي اليه وبه تعقل

إذا عفا عنك وأودى بنا الد

هر فذاك المحسن المجمل

أخذه المتنبي فأتى به على عكس صورته وقلب أعلاه أسفله :

إن يكن صبر ذي الرزيئة فضلا

تكن الأفضل الأعزّ الأجلا

أنت يا فوق أن تعزّى عن الأ

حباب فوق الذي يعزيك عقلا

وبالفاظك اهتدى فاذا عزّا

ك قال الذي قلت قبلا

فالبيت الأخير هو الذي وقع فيه المسخ.

الوجه الثاني : عكس هذا ، وهو أن ينقل من صورة قبيحة الى صورة حسنة وهو معدود في السرقات ، كقول المتنبي :

لو كان ما يعطيهم من قبل أن

يعطيهم لم يعرفوا التأميلا

وقد أخذه ابن نباتة السعدي فأجاد فيه فقال :

لم يبق جودك لي شيئا أؤمله

تركتني أصحب الدنيا بلا أمل

وسمّى القزويني المسخ إغارة وقال : «وإن كان مع تغيير لنظمه أو كان المأخوذ بعض اللفظ سمّي إغارة ومسخا» (٥). وتبعه في ذلك شرّاح التلخيص (٦).

__________________

(١) اللسان (مسخ).

(٢) المثل السائر ج ٢ ص ٣٦٦ ، الجامع الكبير ص ٢٤٣.

(٣) الجامع الكبير ص ٢٤٨.

(٤) الطراز ج ٣ ص ١٩٦.

(٥) الايضاح ص ٤٠٥ ، التلخيص ص ٤١١ ، التبيان في البيان ص ٣٧٤.

(٦) شروح التلخيص ج ٤ ص ٤٨٥ ، المطول ص ٤٦٤ ، الاطول ج ٢ ص ٢٤٣.

٦١٩

المسند :

سند الى الشيء يسند سنودا ، واستند وتساند وأسند غيره ، وما يسند اليه يسمّى مسندا ومسندا (١).

المسند هو المحكوم به أو المخبر به ، ففي قوله تعالى : (إِنَّ اللهَ يُحِبُّ الَّذِينَ يُقاتِلُونَ فِي سَبِيلِهِ صَفًّا كَأَنَّهُمْ بُنْيانٌ مَرْصُوصٌ)(٢) أسندنا المحبة الى الله تعالى فهي مسند ولفظ الجلالة مسند اليه.

ومواضع المسند هي : الفعل التامّ كقوله تعالى : (قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ)(٣) فـ (أَفْلَحَ) فعل تامّ وهو مسند و «المؤمنو» مسند اليه.

ومنه قول المتنبي :

إذا ساء فعل المرء ساءت ظنونه

وصدّق ما يعتاده من توهّم

ف «ساء» فعل تام وهو مسند و «فعل» مسند اليه.

واسم الفعل مثل «مه» بمعنى اكفف و «هيهات» بمعنى بعد ، ومنه قول المتنبي :

هيهات عاق عن العواد قواضب

كثر القتيل بها وقلّ العاني

وخبر المبتدأ كقوله تعالى : (الْمالُ وَالْبَنُونَ زِينَةُ الْحَياةِ الدُّنْيا)(٤) فـ (زِينَةُ) خبر وهي مسند.

والمبتدأ المكتفي بمرفوعه وهو كلّ وصف اعتمد على استفهام أو نفي ورفع فاعلا ظاهرا أو ضميرا منفصلا وتمّ الكلام به. مثل : «أقائم الرجلان؟» فـ «قائم» مبتدأ وهو مسند لأنّ «الرجلان» فاعل له سدّ مسدّ الخبر. ومنه قوله تعالى : (أَراغِبٌ أَنْتَ عَنْ آلِهَتِي يا إِبْراهِيمُ)(٥) فـ (راغِبٌ) مبتدأ وهو المسند والضمير (أَنْتَ) فاعل سد مسدّ الخبر.

وما أصله خبر المبتدأ وهو خبر كان وأخواتها كقوله تعالى : (وَكانَ اللهُ عَلِيماً حَكِيماً)(٦).

وخبر «إنّ» وأخواتها كقوله تعالى : (وَإِنَّ اللهَ رَبِّي وَرَبُّكُمْ فَاعْبُدُوهُ هذا صِراطٌ مُسْتَقِيمٌ)(٧).

والمفعول الثاني لـ «ظن» واخواتها كقوله تعالى : (وَما أَظُنُّ السَّاعَةَ قائِمَةً)(٨). والمفعول الثالث لـ «أرى» وأخواتها مثل : «أريتك العلم نافعا».

والمصدر النائب عن فعل الأمر كقوله تعالى : (وَبِالْوالِدَيْنِ إِحْساناً)(٩).

وقول قطريّ بن الفجاءة :

فصبرا في مجال الموت صبرا

فما نيل الخلود بمستطاع

المسند إليه :

هو المحكوم عليه أو المخبر عنه ، ففي قوله تعالى : (وَعَدَ اللهُ الْمُنافِقِينَ وَالْمُنافِقاتِ وَالْكُفَّارَ نارَ جَهَنَّمَ خالِدِينَ فِيها هِيَ حَسْبُهُمْ وَلَعَنَهُمُ اللهُ وَلَهُمْ عَذابٌ مُقِيمٌ)(١٠). أسند الوعد الى الله سبحانه وتعالى ، فلفظ الجلالة مسند اليه ، والوعد مسند. ومواضع المسند اليه هي : الفاعل للفعل التامّ وشبهه ، ومن الأوّل قوله تعالى : (أَتى أَمْرُ اللهِ فَلا تَسْتَعْجِلُوهُ سُبْحانَهُ وَتَعالى عَمَّا يُشْرِكُونَ)(١١) فـ (أَمْرُ) مسند اليه لأنّه فاعل.

وشبه الفعل هو مشتقّاته كاسم الفاعل والصفة المشبّهة كقول عمر بن أبي ربيعة :

وكم مالئ عينيه من شيء غيره

إذا راح نحو الجمرة البيض كالدّمى

ففي «مالئ» ضمير مستتر فاعل وهو المسند اليه.

__________________

(١) اللسان (سند).

(٢) الصف ٤.

(٣) المؤمنون ١.

(٤) الكهف ٤٦.

(٥) مريم ٤٦.

(٦) النساء ٩٢.

(٧) مريم ٣٦.

(٨) الكهف ٣٦.

(٩) البقرة ٨٣.

(١٠) التوبة ٦٨.

(١١) النحل ١.

٦٢٠