معجم المصطلحات البلاغيّة وتطوّرها

الدكتور أحمد مطلوب

معجم المصطلحات البلاغيّة وتطوّرها

المؤلف:

الدكتور أحمد مطلوب


الموضوع : اللغة والبلاغة
الناشر: مكتبة لبنان ناشرون
الطبعة: ٠
الصفحات: ٧٠٥

بأنّك شمس والملوك كواكب

إذا طلعت لم يبد منهنّ كوكب

وقال بشار :

من راقب لم يظفر بحاجته

وفاز بالطيبات الفاتك اللهج

تبعه سلم الخاسر فقال :

من راقب الناس مات غمّا

وفاز باللّذة الجسور

حسن الارتباط :

هو التمزيج أو حسن الترتيب أو حسن النسق (١) وقد تقدم الكلام على التمزيج.

حسن الافتتاح :

هو حسن الابتداءات وقد تقدم. وهذه تسمية ابن قيم الجوزية (٢).

حسن الانتهاء :

هو الانتهاء (٣). وقد تقدم.

حسن البيان :

قال الباقلّاني : فالبيان على أربعة أقسام : كلام وحال وإشارة وعلامة ويقع التفاضل في البيان» (٤) ولم يعرّفه ، غير أنّ المصري قال : «حسن البيان عبارة عن الإبانة عما في النفس بألفاظ سهلة بليغة بعيدة من اللبس» (٥). وقال : «وحقيقة حسن البيان إخراج المعنى في أحسن الصور الموضحة له وإيصاله الى فهم المخاطب بأقرب الطرق وأسهلها فانه عين البلاغة» (٦). وقد تأتي العبارة عنه من طريق الايجاز وقد تأتي من طريق الاطناب بحسب ما تقتضيه الحال. وفرّق بينه وبين الإشارة والايضاح فقال : «إنّ الإشارة لا تكون بلفظ الحقيقة وحسن البيان يكون بلفظ الحقيقة وبغيره ...

والايضاح يكون العبارة الفاضلة والعبارة النازلة وحسن البيان لا يكون إلا بالعبارة الفاضلة» (٧). وقال المدني : «حسن البيان هو المنطق الفصيح المعرب عما في الضمير ، وإنّما سمّي هذا النوع بحسن البيان لأنّه عبارة عن الافصاح عما في النفس بألفاظ سهلة بليغة بعيدة عن اللبس من غير حشو مستغنى عنه يكاد يستر وجه حسن البيان ويغطي واضح التبيان» (٨).

وسمّاه العلوي «كمال البيان» (٩).

وقسّموه الى حسن ومتوسّط وقبيح. فالقبيح كبيان باقل وقد سئل عن ثمن ظبي كان معه فأراد أن يقول : «أحد عشر» فادركه العي ففرق أصابع يديه وأدلع لسانه فأفلت الظبي. وهذا على مذهب المصري من الايضاح وليس من حسن البيان. والمتوسط كما لو قال خمسة وستة أو عشرة وواحد ، والحسن لو قال : «أحد عشر» وهذا كالسابق ايضاح وليس حسن بيان ، وإنما هو الكلام البليغ الذي يفصح عن المعنى. وهو معظم ما أنتجه الشعراء الفحول وكبار الكتاب.

حسن التّأليف :

قال العسكري : «حسن التأليف يزيد المعنى وضوحا وشرحا ومع سوء التأليف ورداءة الرصف والتركيب شعبة من التعمية ، فاذا كان المعنى سبيّا

__________________

(١) جوهر الكنز ص ١٥٤.

(٢) الفوائد ص ١٣٧.

(٣) الايضاح ص ٤٣٤ ، التلخيص ص ٤٣٤ ، شروح التلخيص ج ٤ ص ٤٥٣ ، المطول ص ٤٨١ ، الاطول ج ٢ ص ٢٥٩ ، شرح عقود الجمان ص ١٧٥.

(٤) إعجاز القرآن ص ٤١٥.

(٥) تحرير التحبير ص ٤٨٩.

(٦) بديع القرآن ص ٢٠٤.

(٧) تحرير ص ٤٩٢ ، بديع القرآن ص ٢٠٥.

(٨) أنوار الربيع ج ٦ ص ٢٩٠.

(٩) الطراز ج ٣ ص ٩٩ ، وينظر نفحات ص ٣٢١ ، شرح الكافية ص ٣٠٩.

٤٦١

ورصف الكلام رديّا لم يوجد له قبول ولم تظهر عليه طلاوة. واذا كان المعنى وسطا ورصف الكلام جيدا كان أحسن موقعا وأطيب مستمعا فهو بمنزلة العقد اذا جعل كل خرزة منه الى ما يليق بها كان رائعا في المرأى وإن لم يكن مرتفعا جليلا ، وإن اختلّ نظمه فضّمت الحبة منه إلى ما لا يليق بها اقتحمته العين وإن كان فائقا ثمينا» (١).

وقال ابن الأثير : «حسن التأليف أن توضع الألفاظ في مواضعها وتجعل في أماكنها» (٢) ، ومعظم كلام البلغاء متصف بذلك.

وخلاف ذلك وهو سوء التأليف قول أبي تمام :

يا دهر قوّم من أخدعيك فقد

أضججت هذا الأنام من خرقك

وقول الفرزدق :

وما مثله في الناس إلا مملّكا

أبو أمّه حيّ أبوه يقاربه (٣)

وقال الآمدي : «وحسن التأليف وبراعة اللفظ يزيد المعنى المكشوف بهاء وحسنا ورونقا حتى كأنّه أحدث فيه غرابة لم تكن وزيادة لم تعهد» (٤).

حسن التّخلّص :

هو التخلص أو براعة التخلص (٥) ، وقد تقدما.

حسن التّرتيب :

هو التمزيج أو حسن الارتباط أو حسن النّسق (٦) ، وقد تقدّم الكلام عليه في التمزيج.

حسن التّشبيه :

قال سيبويه : «تقول مررت برجل أسد أبوه» إذا كنت تريد أن تجعله شديدا ، و «مررت برجل مثل الأسد أبوه» إذا كنت تشبهه» (٧). أي أنّه فرّق بين اسلوبين ، فالاول فيه خفاء التشبيه وهو يدلّ على حسنه أي أنّه أروع من الثاني الذي جاء تشبيها عاما.

وحسن التشبيه النوع الحادي عشر من محاسن الكلام عند ابن المعتز (٨) ، ولكنه لم يعرّفه واكتفى ببعض الأمثلة من غير ايضاح ، من ذلك قول امرئ القيس :

كأنّ قلوب الطير رطبا ويابسا

لدى وكرها العنّاب والحشف البالي

وقول عنترة :

جادت عليه كلّ بكر حرّة

فتركن كلّ قرارة كالدرهم

وقول بشّار :

كأنّ فؤاده كرة تنزّى

حذار البين لو نفع الحذار

وقول أبي نواس :

لما تبدّى الصّبح من حجابه

كطلعة الأشمط من جلبابه

وقول البحتري :

تخفي الزجاجة نورها فكأنّها

في الكفّ قائمة بغير إناء

وقول العلوي الأصفهاني :

__________________

(١) كتاب الصناعتين ص ١٦١.

(٢) الجامع الكبير ص ٦٥.

(٣) ينظر منهاج البلغاء ص ٢٢٢.

(٤) الموازنة ج ١ ص ٤٠٢.

(٥) الوساطة ص ٤٨ ، المصباح ص ١٢٥ ، الايضاح ص ٤٣٢ ، التلخيص ص ٤٣٢ ، شروح التلخيص ج ٤ ص ٥٣٥ ، المطول ص ٤٧٩ ، الأطول ج ٢ ص ٢٥٧ ، جوهر الكنز ص ١٥٧ ، الطراز ج ٢ ص ٣٣٠ ، خزانة الادب ص ١٤٩ ، شرح عقود الجمان ص ١٧٣ ، أنوار الربيع ج ٣ ص ٢٤٠ ، نفحات ص ١٢٣ ، التبيان في البيان ص ٣٨٢.

(٦) جوهر الكنز ص ١٥٤.

(٧) الكتاب ج ٢ ص ٢٩.

(٨) البديع ص ٦٨.

٤٦٢

كأنّ انتضاء البدر من تحت غيمه

نجاء من البأساء بعد وقوع

وهذه الأبيات من التشبيهات الحسنة عند ابن المعتز.

حسن التّصرّف :

قال الصنعاني : «ومن أنواع الفصاحة بل هو معظمها وكبيرها حسن التصرف وهذا النوع لا يحصل بالتعمل ولا ينقاد للمتكلف بل لا بدّ له من العلوم الضرورية المعبر عنها بالطبع ، وليس ذلك يحصل من كثرة تعلم ولا ممارسة علوم ولا درس.

وبهذا تفاضل الخطباء والشعراء وأصحاب الرسائل ، فاذا تأملت تصرف القرآن في المعاني المقصودة عرفت أنّه زائد في الحسن على جميع أقسام الكلام وأنواعه ، ويشهد لك عقلك أنّه ليس من كلام البشر لمجاوزته في الحسن جميع كلامهم لأنّك تجد عامة الناس إذا أخذوا في الاقتصاص والتصرف في المعاني المختلفة والاغراض المتباينة والمقاصد المتغايرة تضعف قواه ويهي نسجه وتزول بهجته ويظهر عليه الاختلال وحال القرآن بخلاف ذلك» (١). ومن بديع التحذير من الاغترار بالامهال قوله تعالى : (كَمْ تَرَكُوا مِنْ جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ. وَزُرُوعٍ وَمَقامٍ كَرِيمٍ)(٢). ومن جميل الوعيد قوله تعالى : (إِنَّ يَوْمَ الْفَصْلِ مِيقاتُهُمْ أَجْمَعِينَ)(٣). ومن بليغ الحجاج قوله تعالى : (وَضَرَبَ لَنا مَثَلاً وَنَسِيَ خَلْقَهُ ، قالَ مَنْ يُحْيِ الْعِظامَ وَهِيَ رَمِيمٌ. قُلْ يُحْيِيهَا الَّذِي أَنْشَأَها أَوَّلَ مَرَّةٍ وَهُوَ بِكُلِّ خَلْقٍ عَلِيمٌ)(٤).

حسن التّضمين :

حسن التضمين النوع الثامن من محاسن البديع عند ابن المعتز (٥) ، وهذا الفن هو التضمين الذي تقدم ، ولكنّ السابقين نوّعوه فشمل العروض واللغة والبلاغة. وحسن التضمين عند المصري : «هو أن يضمن المتكلم كلامه كلمة من بيت أو من آية أو معنى مجردا من كلام أو مثلا سائرا أو جملة مفيدة أو فقرة من كلمة» (٦). وقد سمّوا تضمين كلام الله «اقتباسا» وفرّقوا بين التضمين والاقتباس (٧).

حسن التّعليل :

هو التعليل (٨) ، وقد تقدّم.

حسن التّقسيم :

هو التقسيم وقد تقدم.

حسن التّنقّل :

هو براعة التخلص او التخلص (٩) أو حسن التخلص ، وقد تقدّم التخلص.

حسن الجمع :

هو الجمع ، وقد تقدّم.

حسن الخاتمة :

هو الانتهاء : وقد تقدّم. وذكر المصري أنّه من

__________________

(١) الرسالة العسجدية ص ١٦٢.

(٢) الدخان ٢٥ ـ ٢٦.

(٣) الدخان ٤٠.

(٤) يس ٧٨ ـ ٧٩.

(٥) البديع ص ٦٤.

(٦) تحرير التحبير ص ١٤٠ ، بديع القرآن ص ٥٢.

(٧) حسن التوسل ص ٢٣٨ ، نهاية الارب ج ٧ ص ١٢٦ ، الايضاح ص ٤١٨ ، ٤١٩.

(٨) أسرار البلاغة ص ٣٥٤ ، نهاية الايجاز ص ١١٦ ، حسن التوسل ص ٢٢٣ ، نهاية الارب ج ٧ ص ١١٥ ، الايضاح ص ٣٦٧ ، التلخيص ص ٣٧٥ ، شروح التلخيص ج ٤ ص ٣٧٣ ، المطول ص ٤٣٦ ، الاطول ج ٢ ص ٢١٠ ، شرح عقود الجمان ص ١٢٥ ، أنوار الربيع ج ٦ ص ١٣٦ ، نفحات الأزهار ص ١٦٥ ، التبيان في البيان ص ٢٦٠.

(٩) اعجاز القرآن ص ٥٦.

٤٦٣

مستخرجاته ولكن القاضي الجرجاني سمّاه «حسن الخاتمة» (١) ، وأشار إلى ذلك الحموي والمدني (٢).

حسن الختام :

هو الانتهاء ، وقد تقدّم.

حسن الخروج :

هو التخلص أو حسن التخلص أو براعة التخلص ، وقد أشار الجاحظ الى ذلك وسمّاه كذلك ثعلب وتلميذه ابن المعتز (٣). وسماه السجلماسي «التوجيه» ، قال : وهو الخروج» (٤).

حسن الرّصف :

قال العسكري : «حسن الرصف أن توضع الالفاظ في مواضعها وتمكن في أماكنها ولا يستعمل فيها التقديم والتأخير والحذف والزيادة إلا حذفا لا يفسد الكلام ولا يعمي المعنى وتضم كل لفظة منها الى شكلها وتضاف الى لفقها» (٥). ثم قال : «ومن تمام حسن الرصف أن يخرج الكلام مخرجا له طلاوة وماء وربما كان الكلام مستقيم الالفاظ صحيح المعاني ولا يكون له رونق ولا رواء ولذلك قال الاصمعي لشعر لبيد «كأنه طيلسان طبرانيّ» أي هو محكم الأصل ولا رونق له» (٦).

وقال : «والكلام اذا خرج في غير تكلف وكد وشدّة وتفكر وتعمّل كان سلسا سهلا وكان له ماء ورواء ورقراق ، وعليه فرند (٧) لا يكون على غيره مما عسر بروزه واستكره خروجه» (٨). وذلك مثل قول الحطيئة :

هم القوم الذين إذا ألمّت

من الأيام مظلمة أضاءوا

وقوله :

لهم في بني الحاجات أيد كأنّها

تساقط ماء المزن في البلد القفر

وكقول أشجع السّلمي :

قصر عليه تحية وسلام

نشرت عليه جمالها الأيام

واذا سيوفك صافحت هام العدا

طارت لهنّ عن الفراخ الهام

برقت سماؤك للعدوّ فأمطرت

هاما لها ظلّ السيوف غمام

رأي الإمام وعزمه وحسامه

جند وراء المسلمين قيام

وكقول النمر :

خاطر بنفسك كي تصيب غنيمة

إنّ الجلوس مع العيال قبيح

فالمال فيه تجلّة ومهابة

والفقر فيه مذلّة وقبوح

وكقول الآخر :

نامت جدودهم وأسقط نجمهم

والنجم يسقط والجدود تنام

وكقول الآخر :

لعن الاله تعلّة بن مسافر

لعنا يشنّ عليه من قدّام

ثم قال العسكري : «ففي هذه الأبيات مع جودتها رونق ليس في غيرها مما يجري مجراها في صحة المعنى وصواب اللفظ».

وقال عن سوء الرصف : «وسوء الرصف تقديم ما

__________________

(١) الوساطة ص ٤٨.

(٢) خزانة ص ٤٦٠ ، انوار الربيع ج ٦ ص ٣٢٤ ، التبيان في البيان ص ٣٧٨.

(٣) البيان ج ٣ ص ٣٦٦ ، قواعد الشعر ص ٥٠ ، البديع ص ٦٠.

(٤) المنزع البديع ص ٤٧٢ ، المنصف ص ٨٢.

(٥) كتاب الصناعتين ص ١٦١.

(٦) كتاب الصناعتين ص ١٧٠.

(٧) الفرند : وشي السيف.

(٨) كتاب الصناعتين ص ١٧١.

٤٦٤

ينبغي تأخيره منها ، وصرفها عن وجوهها ، وتغيير صيغتها ، ومخالفة الاستعمال في نظمها. قال العتابي : الألفاظ أجساد والمعاني أرواح وإنّما تراها بعيون القلوب ، فاذا قدّمت منها مؤخرا أو أخرت منها مقدما أفسدت الصورة وغيّرت المعنى كما لو حوّل رأس الى موضع يد أو يد الى موضع رجل لتحولّت الخلقة وتغيرت الحلية. وقد أحسن في هذا التمثيل وأعلم به على أنّ الذي ينبغي في صيغة الكلام وضع كل شي منه في موضعه ليخرج بذلك من سوء النظم» (١).

حسن المطالع والمبادي :

هو براعة الاستهلال أو براعة المطلع أو حسن الابتداء أو حسن الافتتاح (٢).

حسن المطلب :

قال السّيوطي بعد أن تكلّم على التّخلّص والفرق بينه وبين الاستطراد : «ويقرب منه حسن المطلب ، قال الزنجاني والطيبيّ : وهو أن يخرج الى الغرض بعد تقدمة الوسيلة كقولك : (إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ)(٣). قال الطيبي : ومما اجتمع فيه حسن التخلص والمطلب معا قوله تعالى حكاية عن إبراهيم : (فَإِنَّهُمْ عَدُوٌّ لِي إِلَّا رَبَّ الْعالَمِينَ. الَّذِي خَلَقَنِي)(٤) الى قوله : (رَبِّ هَبْ لِي حُكْماً وَأَلْحِقْنِي بِالصَّالِحِينَ)(٥).

حسن المقطع :

هو الانتهاء وبراعة المقطع وحسن الخاتمة ، وقد سمّاه كذلك الثعالبي والوطواط وابن قيم الجوزية والتيفاشي (٦) وكان العسكري قد تحدث عن ذلك فقال : «وقلما رأينا بليغا إلا وهو يقطع كلامه على معنى بديع أو لفظ حسن رشيق» (٧) وقال : «فينبغي أن يكون آخر بيت قصيدتك أجود بيت فيها وأدخل في المعنى الذي قصدت له في نظمها».

وتحدث العسكري أيضا عن حسن المقطع وقال : «ومن حسن المقطع جودة الفاصلة وحسن موقعها وتمكنها في موضعها (٨)». وهو ثلاثة أضرب :

الأوّل : أن يضيق الشاعر موضع القافية فيأتي بلفظ قصير قليل الحروف فيتمم به البيت ، كقول زهير :

وأعلم ما في اليوم والأمس قبله

ولكنّني عن علم ما في غد عمي

وقول النابغة :

كالأقحوان غداة غبّ سمائه

جفّت أعاليه وأسفله ندي

الثاني : أن يضيق به المكان أيضا ويعجز عن إيراد كلمة سالمة تحتاج الى إعراب ليتم بها البيت فيأتي بكلمة معتلة لا تحتاج الى الإعراب فيتمه بها ، كقول امرئ القيس :

بعثنا ربيّا قبل ذاك مخمّلا

كذئب الغضا يمشي الضراء ويتقي

وقول زهير :

صحا القلب عن سلمى وقد كاد لا يسلو

وأقفر من سلمى التعانيق فالثقل

وقول الحطيئة :

__________________

(١) كتاب الصناعتين ص ١٦١.

(٢) الفوائد ص ١٣٧ ، التبيان في البيان ص ٣٧٨.

(٣) الفاتحة ٥.

(٤) الشعراء ٧٧ ـ ٧٨.

(٥) الشعراء ٨٣.

(٦) معترك ج ١ ص ٦٢ ، التبيان في علم البيان ص ٣٨٥.

(٧) يتيمة الدهر ج ١ ص ٢٣٧ ، حدائق السحر ص ١٢٧ ، الفوائد ص ١٣٨ ، أنوار الربيع ج ٦ ص ٣٢٤ ، التبيان في البيان ص ٣٨٧ ، شرح الكافية ص ٣٣٣ وفيه «براعة الختام».

(٨) كتاب الصناعتين ص ٤٤٣.

٤٦٥

دع المكارم لا ترحل لبغيتها

واقعد فانّك أنت الطاعم الكاسي

الثالث : أن تكون الفاصلة لائقة بما تقدمها من ألفاظ الجزء من الرسالة أو البيت من الشعر وتكون مستقرة في قرارها ومتمكنة في موضعها حتى لا يسدّ مسدّها غيرها وإن لم تكن قصيرة قليلة الحروف ، كقوله تعالى : (وَأَنَّهُ هُوَ أَضْحَكَ وَأَبْكى. وَأَنَّهُ هُوَ أَماتَ وَأَحْيا. وَأَنَّهُ خَلَقَ الزَّوْجَيْنِ الذَّكَرَ وَالْأُنْثى)(١). فابكى مع أضحك وأحيا مع أمات والانثى مع الذكر. وقوله تعالى : (وَلَلْآخِرَةُ خَيْرٌ لَكَ مِنَ الْأُولى. وَلَسَوْفَ يُعْطِيكَ رَبُّكَ فَتَرْضى)(٢) ، فالأولى مع الآخرة والرضا مع العطية في نهاية الجودة وغاية حسن الموقع.

ومن الشعر قول الحطيئة :

هم القوم الذين إذا ألمّت

من الأيام مظلمة أضاءوا

وقول أبي نواس :

إذا امتحن الدنيا لبيب تكشّفت

له عن عدوّ في ثياب صديق

وهذا معنى واسع لحسن المقطع ، لأنّ حسن الانتهاء أو الخاتمة تخص الرسالة او الخطبة او القصيدة ، ولكن العسكري في هذا القسم يدخل نهاية أي كلام سواء أكان عبارة أم بيت شعر ، ويضم الفاصلة والقافية الى هذا النوع.

حسن النّسق :

هو التنسيق أو تنسيق الصفات او التمزيج (٣).

الحشو :

حشا : ملا ، واسم ذلك الشيء الحشو على لفظ المصدر ، وقد سمّي القطن «الحشو» لانه يحتى به الفرش وغيرها (٤).

سمّاه قوم «الاتّكاء» (٥) ، وقد تقدّم ، قال قدامة : «هو أن يحشى البيت بلفظ لا يحتاج اليه لاقافة الوزن» (٦) ، كقول أبي عدي القرشي :

نحن الرؤوس وما الرؤوس إذا سمت

في المجد للأقوام كالأذناب

فقوله : «للاقوام» حشو.

ونقل المرزباني كلام قدامة ومثاله (٧) ، وقال الحاتمي «وهذا باب لطيف جدا لا يتيقظ له إلا من كان متوقد القريحة متباصر الآلة ، طبا بمجاري الكلام عارفا بأسرار الشعر ، متصرفا في معرفة أفانينه» (٨).

وذكر العسكري ثلاثة أضرب للحشو : اثنان منها مذمومان وواحد محمود ، فأحد المذمومين أن يدخل في الكلام لفظ لو سقط لكان الكلام تاما مثل قول الشاعر :

أنعى فتى لم تذرّ الشّمس طالعة

يوما من الدهر إلا ضرّ أو نفعا

فقوله : «يوما من الدهر» حشو لا يحتاج اليه لأنّ الشمس لا تطلع ليلا.

والضرب الثاني : العبارة عن المعنى بكلام طويل لا فائدة في طوله ويمكن أن يعبّر عنه بأقصر منه كقول النابغة :

__________________

(١) النجم ٤٣ ـ ٤٥.

(٢) الضحى ٤ ـ ٥.

(٣) حدائق السحر ص ١٥٠ ، نهاية الايجاز ص ١١٣ ، تحرير التحبير ص ٤٢٥ ، بديع القرآن ص ١٦٤ ، جوهر الكنز ص ١٥٤ ، ٢٩٧ ، الفوائد ص ١٩١ ، خزانة الادب ص ٤١٥ ، الاتقان ج ٢ ص ٩٢ ، أنوار الربيع ج ٦ ص ١٣٢ ، نفحات ص ٢٠٤ ، شرح الكافية ص ٢٤٩.

(٤) اللسان (حشا).

(٥) العمدة ج ٢ ص ٦٩.

(٦) نقد الشعر ص ٢٤٨.

(٧) الموشح ص ٣٦٥.

(٨) حلية المحاضرة ج ١ ص ١٩٠.

٤٦٦

تبيّنت آيات لها فعرفتها

لستة أعوام وذا العام سابع

كان ينبغي أن يقول : «لسبعة أعوام» ويتم البيت بكلام آخر يكون فيه فائدة ، فعجز عن ذلك فحشا البيت بما لا وجه له.

وأما الضرب المحمود فكقول كثيّر عزّة :

لو انّ الباخلين وأنت فيهم

رأوك تعلّموا منك المطالا

فقوله : «وأنت فيهم» حشو إلا أنّه مليح ، ويسمي أهل الصنعة هذا الجنس «اعتراض كلام في كلام» (١) وهذه تسمية ابن المعتز ، فقد قال عن الفن الثاني من المحاسن : «ومن محاسن الكلام ايضا والشعر اعتراض كلام في كلام لم يتمم معناه ثم يعود اليه فيتممه في بيت واحد» (٢) وذكر بيت كثير : «لو انّ الباخلين ...» فان كان ذاك في القافية سمي استدعاء (٣). وقسّمه الوطواط الى ثلاثة أقسام : (٤)

الأوّل : الحشو القبيح وذلك بأن يكون اللفظ الزائد لا محل له بحيث يفسد البيت بوجوده ، كقول القائل : «أورثني تكلمه صداع الرأس والقلقا» فانّ لفظ «الرأس» زيادة مستكرهة لأنّ الصداع لا يكون إلا في الرأس.

الثاني : الحشو المتوسط وذلك بأن يتساوى ذكر اللفظة الزائدة وعدم ذكرها فلا تكون مستقبحة غاية القبح ولا مستحسنة غاية الاستحسان ، كقول الوطواط نفسه :

وأنت لعمر المجد أشرف من حوى

على رغم آناف العدا قصب المجد

فعبارة «لعمر المجد» حشو متوسط ، وكذلك عبارة «على رغم آناف العدا».

الثالث : الحشو المليح ، وبهذا النوع من الحشو يزدان البيت فيحسن الكلام ويزداد رونقه ، ومن أجل ذلك يسميه الناس بحشو اللوزينج ، ومثاله قول أبي المنهال عوف بن محلم الخزاعي :

إنّ الثمانين وبّلغتها

قد أحوجت سمعي الى ترجمان

ومنه قول كثير : «لو أنّ الباخلين ... وقول النابغة الجعدي :

ألا زعمت بنو سعد بأنّي

 ـ فقد كذبوا ـ كبير السنّ فان

وقال ابن سنان : «وأصل الحشو أن يكون المقصد بها إصلاح الوزن أو تناسب القوافي وحرف الروي إن كان الكلام منظوما وقصد السجع وتأليف الفصول إن كان منثورا من غير معنى تفيده اكثر من ذلك» (٥).

وقال عبد القاهر : «وأما الحشو فانما كره وذمّ وأنكر وردّ لأنّه خلا من الفائدة ولم يحل منه بعائدة ، ولو أفاد لم يكن حشوا ولم يدع لغوا.

وقد تراه مع اطلاق هذا الاسم عليه واقعا من القبول أحسن موقع ومدركا من الرضى أجزل حظ ذاك لافادته إياك عل مجيئه مجيء ما لا معوّل في الافادة عليه ولا طائل للسامع لديه فيكون مثله مثل الحسنة تأتيك من حيث لم ترتقبها والنافعة أتتك ولم تحتسبها ، وربما رزق الطفيلي ظرفا يحظى به حتى يحل محل الاضياف الذين وقع الاحتشاد لهم والأحباب الذين وثق بالانس منهم وبهم» (٦).

وقال ابن منقذ : «الحشو أن تأتي في الكلام بألفاظ زائدة ليس فيها فائدة» (٧) والحشو عند ابن الأثير «الاعتراض» قال : «وبعضهم يسميه الحشو ، وحدّه كل كلام أدخل فيه لفظ مفرد أو مركب لو أسقط

__________________

(١) كتاب الصناعتين ص ٤٨.

(٢) البديع ص ٥٩.

(٣) العمدة ج ٢ ص ٦٩.

(٤) حدائق السحر ص ١٥١ ـ ١٥٣.

(٥) سر الفصاحة ص ١٧٠.

(٦) أسرار البلاغة ص ١٩.

(٧) البديع في نقد الشعر ص ١٤٢.

٤٦٧

لبقي الأول على حاله» (١). وقال : «... أحدهما : لا يأتي في الكلام إلا لفائدة وهو جار مجرى التوكيد.

والآخر : أن يأتي في الكلام لغير فائدة ، فإما أن يكون دخوله فيه كخروجه منه ، وإما أن يؤثر في تأليفه نقصا وفي معناه فسادا» (٢).

وتابعه العلوي في التسمية والتقسيم والأمثلة (٣) ، ولم يعرّفه المظفر العلوي وإنما ذكر أمثلة في باب «الحشو السديد في المعنى المفيد» (٤).

وقسّمه القزويني الى نوعين :

أحدهما : ما يفسد المعنى كقول المتنبي :

ولا فضل فيه للشجاعة والنّدى

وصبر الفتى لو لا لقاء شعوب

والثاني : ما لا يفسد المعنى كقول أبي العيال الخفاجي :

ذكرت أخي فعاودني

صداع السّرأس والوصب (٥)

وتابعه في ذلك شرّاح التلخيص (٦).

الحصر :

حصره يحصره حصرا : ضيّق عليه وأحاط به ، والحصر الاحاطة والتضييق (٧). والحصر هو القصر ، ومعناه تخصيص شيء بشيء بطريق مخصوص (٨) كتخصيص المبتدأ بالخبر بطريق النفي في قوله تعالى : (وَمَا الْحَياةُ الدُّنْيا إِلَّا مَتاعُ الْغُرُورِ)(٩) ، وتخصيص الخبر بالمبتدأ مثل : «ما شاعر إلا المتنبي».

وللقصر طرفان :

الأوّل : المقصور ، وهو الشيء المخصّص.

الثاني : المقصور عليه ، وهو الشيء المخصّص به.

ففي قوله تعالى : (وَمَا الْحَياةُ الدُّنْيا إِلَّا مَتاعُ الْغُرُورِ) خصص الغرور بمتاع الدنيا ، فالحياة الدنيا مقصور عليه ، والغرور مقصور.

ويقع القصر بين المبتدأ والخبر كقوله تعالى : (وَما مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ)(١٠).

والفعل والفاعل مثل : «لا ينجح إلا محمد».

والفاعل والمفعول مثل : «ما شاهد محمد إلا الحديقة».

والمفعولين مثل : «ما أعطيت محمدا إلا كتابا» في قصر المفعول الاول على الثاني ، أما قصر المفعول الثاني على الأول فمثل : «ما أعطيت كتابا إلا محمدا».

والحال وصاحبها مثل : «ما جاء راكضا إلا محمد» في قصر الحال على صاحبها ، أما قصر صاحب الحال عليها فمثل : «ما جاء محمد إلا راكضا».

ومثل ذلك متعلقات الفعل فان القصر يجري فيها ما عدا اثنين :

الأول : المصدر المؤكد فلا يقع القصر بينه وبين الفعل ولذلك لا يجوز أن تقول : «ما ضربت إلا ضربا» ، واما قوله تعالى : (إِنْ نَظُنُّ إِلَّا ظَنًّا)(١١) فتقديره ظنا ضعيفا.

__________________

(١) المثل السائر ج ٢ ص ١٨٣ ، الجامع الكبير ص ١١٨ ، كفاية الطالب ص ٢٠٣.

(٢) المثل السائر ج ٢ ص ١٨٤ ، الجامع الكبير ص ١١٨.

(٣) الطراز ج ٢ ص ١٦٧.

(٤) نضرة الاغريض ص ١٨٠.

(٥) الايضاح ص ١٧٨ ، التلخيص ص ٢١١.

الوصب : المرض والوجع الدائم ونحول الجسم ، والتعب.

(٦) شروح التلخيص ج ٣ ص ١٧٨ ، المطول ص ٢٨٥ ، الاطول ج ٢ ص ٣٤ ، وينظر المنصف ص ٧٥ ، كفاية الطالب ص ٢٠٣ ، الروض المريع ص ٨٣ ، ١٦٥.

(٧) اللسان (حصر).

(٨) معترك ج ١ ص ١٨١.

(٩) الحديد ٢٠.

(١٠) آل عمران ١٤٤.

(١١) الجاثية ٣٢.

٤٦٨

الثاني : المفعول معه فانه لا يجيء بعد «إلا» ولذلك لا يقال : «ما سرت إلا والحائط».

وينقسم القصر بحسب الحقيقة والاضافة الى قسمين :

الاول : قصر حقيقي ، وهو أن يختص المقصور بالمقصور عليه بحسب الحقيقة لا يتعداه الى غيره أصلا كقوله تعالى : (إِنَّما يَتَذَكَّرُ أُولُوا الْأَلْبابِ)(١) فالتذكر صفة لا تتجاوز الى غيرهم من سائر الناس في الحقيقة والواقع.

الثاني : قصر إضافي ، وهو غير حقيقي وذلك بأن يكون القصر فيه بالاضافة الى شيء مخصوص لا الى ما عدا المقصور عليه ، ومنه قوله تعالى : (وَما مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ)(٢) فـ «محمد» مقصور على الرسالة بالاضافة الى شيء آخر ، وليس المقصود أنّ الرسالة مختصة به وحده.

وينقسم القصر باعتبار طرفيه ـ المقصور والمقصور عليه ـ الى قسمين :

الأول : قصر موصوف على صفة كقوله تعالى : (ما نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونا إِلَى اللهِ زُلْفى)(٣) فقد قصرت العبادة على التقريب قصر موصوف على صفة.

الثاني : قصر صفة على موصوف مثل : «ما في الدار إلا محمد» فقد قصر الوجود في الدار على «محمد» قصر صفة على موصوف.

والمراد بالصفة في أسلوب القصر الصفة المعنوية لا النعت الذي يذكره النحاة ، لأنّ الاستثناء لا يقع بين الصفة والموصوف.

وينقسم القصر بحسب الحقيقة والادعاء الى أربعة أقسام :

الأوّل : القصر الحقيقي على سبيل الحقيقة.

الثاني : قصر إضافي على سبيل الحقيقة.

وهذان النوعان هما اللذان يقصدان عند اطلاق القصر الحقيقي والقصر الاضافي كما سبق.

الثالث : قصر حقيقي على سبيل الادعاء والمبالغة ، ومثال قصر الصفة على الموصوف «لا شاعر إلا المتنبي» على سبيل المبالغة وإضفاء الشاعرية على المتنبي.

ومثال قصر الموصوف على الصفة : «ما حاتم إلا جوادا» أي انه لا يتصف بغير الجود من الصفات مبالغة في كمال الجود فيه.

الرابع : قصر إضافي على سبيل الادعاء والمبالغة ، ومثال قصر الصفة على الموصوف : «ما عالم إلا محمد» وذلك إذا أريد قصر العلم على «محمد» بالنسبة الى آخر اذا كان عالما أيضا.

ومثال قصر الموصوف على الصفة : «ما محمد إلا كاتب» إذا قصر «محمد» على الكتابة بالنسبة الى صفة الشعر او الرسم ، ويراد بذلك انتقاء صفة الشعر أو الرسم منه.

وينقسم القصر الاضافي بحسب حال المخاطب الى ثلاثة اقسام :

الاول : قصر إفراد ، وذلك إذا اعتقد المخاطب الشركة في الحكم بين المقصور عليه وغيره.

الثاني : قصر قلب ، وذلك إذا اعتقد المخاطب عكس الحكم الذي يثبت بالقصر.

الثالث : قصر تعيين ، وذلك إذا كان المخاطب مترددا في الحكم بين المقصور عليه وغيره.

فاذا قيل في قصر الصفة على الموصوف : «الأديب محمد لا خالد» وكان المخاطب يعتقد اشتراكهما في صفة الأدب كان القصر «قصر إفراد».

واذا كان المخاطب يعتقد غير ذلك كان القصر «قصر قلب».

__________________

(١) الرعد ١٩.

(٢) آل عمران ١٤٤.

(٣) الزمر ٣.

٤٦٩

واذا كان المخاطب مترددا لا يدري أي الصفتين هي صفة محمد كان القصر «قصر تعيين». ولا يجري هذا التقسيم في القصر الحقيقي ؛ لأنّ القصر في ذلك النوع قصر بالنسبة الى ما عدا المقصور عليه على الاطلاق فلا يمكن أن يتصور في الشركة أو العكس أو التردد على ما في القصر الإضافي الذي يجري فيه القصر بالنسبة الى شيء محدود.

وأهم طرق القصر اربعة :

الأوّل : النفي والاستثناء ، كقوله تعالى : (وَما مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ)(١) ، وقوله : (وَما أَنْزَلَ الرَّحْمنُ مِنْ شَيْءٍ إِنْ أَنْتُمْ إِلَّا تَكْذِبُونَ)(٢).

الثاني : «إنما» ، ويكون المقصور عليه مؤخرا وجوبا كقوله تعالى : (إِنَّما يَخْشَى اللهَ مِنْ عِبادِهِ الْعُلَماءُ)(٣). ومنه قول عبيد الله بن قيس الرقيات :

إنّما مصعب شهاب من اللّ

ه تجلّت عن وجهه الظّلماء

الثالث : العطف بـ «لا» أو «لكن» أو «بل» مثل : «محمد شاعر لا كاتب» و «ما محمد قائما بل زيد».

الرابع : تقديم ما حقّه التأخير مثل : «شاعر هو» و «أنا كفيتك مهمّك». وهناك طرق اخرى للقصر غير أنّ البلاغيين لم يتفقوا عليها كل الاتفاق. ولذلك تظل الوجوه الاربعة عمدة هذا الاسلوب (٤).

حصر الجزئيّ وإلحاقه بالكلّيّ :

هذا الفن من مستخرجات المصري وقد قال في تعريفه : «هو أن يأتي المتكلم الى نوع ما فيجعله بالتعظيم له جنسا بعد حصر أقسام الأنواع فيه والاجناس» (٥) كقوله تعالى : (وَعِنْدَهُ مَفاتِحُ الْغَيْبِ لا يَعْلَمُها إِلَّا هُوَ وَيَعْلَمُ ما فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ)(٦). فإنّه سبحانه تمدّح بأنّه يعلم ما في البر والبحر من أصناف الحيوان والنبات والجماد حاصرا لجزئيات المولّدات ، ورأى أنّ الاقتصار على ذلك لا يكمل به التمدح فقال لكمال التمدح : (وَما تَسْقُطُ مِنْ وَرَقَةٍ إِلَّا يَعْلَمُها) (الأنعام ٥٩) وعلم أنّ علم ذلك يشاركه فيه من مخلوقاته كل ذي إدراك فقال : (وَلا حَبَّةٍ فِي ظُلُماتِ الْأَرْضِ) (الأنعام ٥٩) ثم ألحق هذه الجزئيات بعد حصرها بالكليات حيث قال : (وَلا رَطْبٍ وَلا يابِسٍ) (الأنعام ٥٩) ثم قال : (إِلَّا فِي كِتابٍ مُبِينٍ) (الأنعام ٥٩).

ومنه قول الشاعر :

اليك طوى عرض البسيطة جاهل

قصارى المطايا أن يلوح بها القصر

وكنت وعزمي في الظلام وصارمي

ثلاثة أشباه كما اجتمع النّسر

فبشّرت آمالي بملك هو الورى

ودار هي الدنيا ويوم هو الدهر

فقد قصد الشاعر في البيت الأخير تعظيم الممدوح وتفخيم أمر داره التي قصده فيها ومدح يومه الذي لقيه فيه فجعل الممدوح جميع الورى والدار التي لقيه فيها الدنيا ، واليوم الذي رأه فيه الدهر ، فجعل الجزئي كليا بعد حصر أقسام الجزئي ، اما جعله الجزئي كليا فلأن الممدوح جزء من الورى والدار جزء من الدنيا واليوم جزء من الدهر ، وأما حصر أقسام الجزئي فلأن العالم أجسام وظروف زمان وظروف مكان ، وقد حصر ذلك.

وقال ابن الأثير الحلبي : «هو أن يعظم المتكلم

__________________

(١) آل عمران ١٤٤.

(٢) يس ١٥.

(٣) فاطر ٢٨.

(٤) مفتاح العلوم ص ١٣٨ ، الايضاح ص ١١٨ ، التلخيص ص ١٣٧ ، شروح التلخيص ج ٢ ص ١٦٦. المطول ص ٢٠٤ ، الاطول ج ١ ص ٢١٣ ، معترك ج ١ ص ١٨١.

(٥) تحرير التحبير ص ٦٠٠ ، بديع القرآن ص ٣١٥.

(٦) الانعام ٥٩.

٤٧٠

جنسا من أنواع الكلام ويحصر فيه الأنواع المستغرقة لنوع ذلك الجنس حتى يبالغ فيه» (١).

ونقل الحموي تعريف المصري وأمثلته (٢) ، وقال السيوطي : «وهو نوع غريب صعب المسلك اخترعه ابن أبي الاصبع المصري وهو شبيه بالمبالغة ذكرته عقبها ، وذلك أن يأتي المتكلم الى نوع فيجعله جنسا تعظيما له ويجعل الجزئيات كلها منحصرة فيه» (٣).

كقول الصفي :

فرد هو العالم الكليّ في شرف

ونفسه الجوهر القدسيّ في العظم

ومن الحديث «الدعاء هو العبادة».

ونقل المدني كلام المصري وأمثلته وأضاف اليها بعض الأمثلة (٤).

الحقيقة :

حقّ الأمر يحق : صار حقا وثبت ، وحقّ عليه القول وأحققته أنا ، وحقّه وحققه. صدّقه. وحقق الرجل اذا قال هذا الشيء هو الحق (٥).

والحقيقة «فعيلة» بمعنى «مفعولة» ، واشتقاقها من «حقق الشيء إذا أثبته ، ولذلك فهي دلالة اللفظ على المعنى الموضوع له في أصل اللغة ، وقد أشار الجاحظ اليها بقوله : «ويذكرون نارا أخرى وهي على طريق المثل لا على طريق الحقيقة» (٦).

وتقرن الحقيقة في البحث بالمجاز ، وقد قال ابن تيمية إنّ تقسيم الكلام اليهما «اصطلاح حادث بعد انقضاء القرون الاولى لم يتكلم به أحد من الصحابة ولا التابعين لهم باحسان ولا أحد من الائمة المشهورين في العلم ... وأوّل من عرف أنّه تكلم بلفظ المجاز أبو عبيدة معمر بن المثنى في كتابه ، ولكن لم يعن بالمجاز ما هو قسيم الحقيقة وإنما عنى بمجاز الآية ما يعبّر به عن الآية» (٧) ، ثم قال : «فإنّ تقسيم الالفاظ الى حقيقة ومجاز إنّما اشتهر في المائة الرابعة وظهرت أوائله في المائة الثالثة وما علمته موجودا في المائة الثانية اللهم إلا أن يكون في أواخرها» (٨). ولعله يريد بذلك أنّ البحث في الحقيقة والمجاز لم يبدأ إلا في ذلك العهد الذي حدّده ، أما الفرق بينهما في التعبير أو في البحث فهو أسبق من ذلك ، كما يتضح من الاخبار ، وما يتجلى من كلام أبي عبيدة والجاحظ وغيرهما من المتقدمين.

وقد بدأ البحث في الحقيقة يظهر من القرن الثالث ولكن الذين جاءوا بعده كانوا أكثر عمقا في التحديد ، فابن جني يقول : «الحقيقة ما أقرّ في الاستعمال على أصل وضعه في اللغة» (٩).

وقال ابن فارس : «فالحقيقة الكلام الموضوع موضعه الذي ليس باستعارة ولا تمثيل ولا تقديم ولا تأخير» (١٠).

وقال عبد القاهر : «كل كلمة أريد بها ما وقعت له في وضع واضع ، وإن شئت قلت في مواضعة وقوعا لا تستند فيه الى غيره فهي حقيقة. وهذه العبارة تنتظم الوضع الأول وما تأخر عنه كلغة تحدث في قبيلة من العرب أو في جميع العرب أو في جميع الناس مثلا أو تحدث اليوم. ويدخل فيها الأعلام منقولة كانت كزيد وعمرو أو مرتجلة كغطفان ، وكل كلمة استؤنف لها على الجملة مواضعة أو ادعي الاستئناف فيها» (١١).

وهذا تعريفها في المفرد ، أما حدّها في الجملة فهي :

__________________

(١) جوهر الكنز ص ٢٣٠.

(٢) خزانة الأدب ص ٣٧١.

(٣) أنوار الربيع ج ٥ ص ١٤٤ ، نفحات الأزهار ص ١٤٦ ، شرح الكافية ص ٢٤٣.

(٤) أنوار الربيع ج ٥ ص ١٤٤.

(٥) اللسان (حقق).

(٦) الحيوان ج ٥ ص ١٣٣ ، ١٣٤.

(٧) الايمان ص ٨٤.

(٨) الايمان ص ٨٥.

(٩) الخصائص ج ٢ ص ٤٤٢.

(١٠) الصاحبي ص ١٩٧.

(١١) أسرار البلاغة ص ٣٢٤.

٤٧١

«كل جملة وضعتها على أنّ الحكم المفاد بها على ما هو عليه في العقل وواقع منه فهي حقيقة ، ولن تكون كذلك حتى تعرى من التأول ، ولا فصل بين أن تكون مصيبا فيما أفدت به من الحكم او مخطئا وصادقا أو غير صادق» (١). وتابعه ابن قيم الجوزية في هذا التعريف ونقل كلامه (٢).

وقال ابن الأثير : «فأما الحقيقة فهي اللفظ الدالّ على موضوعه الاصلي» (٣).

وقال السكاكي : «فالحقيقة هي الكلمة المستعملة فيما هي موضوعة له من غير تأويل في الوضع كاستعمال الأسد في الهيكل المخصوص. فلفظ «الأسد» موضوع له بالتحقيق ولا تأويل فيه». ثم قال : «ولك أن تقول : الحقيقة هي الكلمة المستعملة فيما تدلّ عليه بنفسها دلالة ظاهرة كاستعمال الأسد في الهيكل المخصوص» (٤).

وقال القزويني : «الحقيقة : الكلمة المستعملة فيما وضعت له في اصطلاح به التخاطب» (٥) ، وتبعه في ذلك شراح التلخيص (٦) ، وذكر العلوي أنّ أجمع تعريف في بيانها ما ذكره أبو الحسين البصري فانه قال : «ما أفاد معنى مصطلحا عليه في الوضع الذي وقع فيه التخاطب» (٧).

ولا يخرج تعريف الآخرين عما سبق (٨).

والحقيقة ثلاثة أقسام هي : الشرعية والعرفية واللغوية.

الحقيقة الشّرعيّة :

هي اللفظة التي يستفاد من جهة الشرع وضعها لمعنى غير ما كانت تدل عليه في أصل وضعها اللغوي (٩).

وهي قسمان :

الأوّل : أسماء شرعية ، وهي التي لا تفيد مدحا أو ذما نحو «الصلاة» و «الزكاة» و «الحج» وسائر الاسماء الشرعية.

الثاني : أسماء دينية ، وهي التي تفيد مدحا أو ذما نحو «مسلم» و «مؤمن» و «كافر» و «فاسق».

الحقيقة العرفيّة :

هي التي نقلت من مسماها اللغويّ الى غيره بعرف الاستعمال. وذلك الاستعمال قد يكون عاما ، وقد يكون خاصا (١٠).

وتنحصر الحقيقة العرفية في صورتين :

الأولى : أن يشتهر استعمال المجاز بحيث يكون استعمال الحقيقة مستنكرا كحذف المضاف واقامة المضاف اليه مقامه مثل : «حرّمت الخمر» والتحريم مضاف الى الخمر ، وهو في الحقيقة مضاف الى الشرب ، وقد صار هذا المجاز أعرف من الحقيقة وأسبق الى الفهم ، ومنه تسمية الشيء باسم ما يشابهه كتسميتهم حكاية كلام المتكلم بأنّه كلامه كما يقال

__________________

(١) أسرار البلاغة ص ٣٥٥.

(٢) الفوائد ص ١٠.

(٣) المثل السائر ج ١ ص ٥٨ ، الجامع الكبير ص ٢٨.

(٤) مفتاح العلوم ص ١٦٩ ـ ١٧٠.

(٥) الايضاح ص ٢٦٥ ، التلخيص ص ٢٩٢.

(٦) شروح التلخيص ج ٤ ص ٤ ، المطول ص ٣٤٨ ، الاطول ج ٢ ص ١١١ وينظر الروض المريع ص ٨٢ ، ١١٩ ، ١٦٢.

(٧) الطراز ج ١ ص ٤٧.

(٨) نهاية الايجاز ص ٤٦ ، البرهان الكاشف ص ٩٨ ، نضرة الاغريض ص ٢٣ ، منهاج البلغاء ص ٩ ، ١٥ ، حسن التوسل ص ١٠٤ ، نهاية الارب ج ٧ ص ٣٧ ، جوهر الكنز ص ٥١. الاتقان ج ٢ ص ٣٦ ، شرح عقود الجمان ص ٩١.

(٩) مفتاح العلوم ص ١٧٠ ، البرهان الكاشف ص ٩٩ ، الطراز ج ١ ص ٥٥ ، جوهر الكنز ص ٥١ ، الايضاح ص ٢٦٥ ، التلخيص ص ٢٩٢ ، شروح التلخيص ج ٤ ص ٢ ، المطول ص ٣٤٨ ، الاطول ج ٢ ص ١١١.

(١٠) المصادر السابقة.

٤٧٢

لمن أنشد قصيدة لامرىء القيس بانه كلام امرىء القيس ، لأنّ كلامه في الحقيقة هو ما نطق به وأما حكايته فكلام غيره لكنه قد صار حقيقة لسبقه الى الافهام بخلاف الحقيقة ، وكتسميتهم الشيء باسم ما يتعلق به كتسميتهم قضاء الحاجة بالغائط وهو المكان المطمئن من الارض فاذا اطلق فان السابق الى الفهم منه مجازه وهو قضاء الحاجة دون حقيقته وهو المكان المطمئن. فصارت هذه الامور المجازية حقائق بالتعريف من جهة أهل اللغة تسبق الى الافهام معانيها دون حقائقها الوضعية اللغوية.

الثانية : قصر الاسم على بعض مسمياته وتخصيصه به نحو لفظ «الدابة» فإنّها جارية في وضعها اللغوي على كل ما يدبّ من الحيوانات من الدودة الى الفيل ثم إنّها اختصت ببعض البهائم. ومنه لفظة «الجن» فإنّها موضوعة لكل ما استتر ثم اختصت ببعض من يستتر عن العيون ، و «القارورة» فانها موضوعة لمقر المائعات ثم اختصت ببعض الآنية دون غيرها مما يستقر فيه.

والحقيقة العرفية الخاصة هي التي وضعها أهل عرف خاص وجرت على ألسنة العلماء من الاصطلاحات التي تخص كل علم ، فانها في استعمالها حقائق وإن خالفت الأوضاع اللغوية نحو ما يجريه النحويون في كتبهم من الرفع والنصب والجر والجزم ، وما يجريه أهل الحرف والصناعات والعلوم فيما يفهمونه بينهم.

الحقيقة اللّغويّة :

هي ما وضعها واضع اللغة ودلّت على معان مصطلح عليها في تلك المواضعة كألفاظ القلم والكتاب والشمس والقمر ، فاذا استعملت في معناها الأصلي فانها تكون حقيقة ، واذا استعملت في غيره فانها تكون مجازا» (١). والحقيقة اللغوية هي أساس اللغة ، اما الحقيقة الشرعية والحقيقة العرفية فهما نقل لها الى معان جديدة يصطلح عليها الناس.

الحلّ :

حلّ العقدة يحلّها حلا : فتحها ونقضها فانحلت ، والحلّ : حلّ العقدة (٢).

الحلّ من أساليب الكتابة المعروفة منذ القديم ، وقد أشار العتابي اليها ، سئل يوما : «بماذا قدرت على البلاغة؟» فقال : «بحل معقود الكلام ، فالشعر رسائل معقودة والرسائل شعر محلول» (٣).

وبحث ابن منقذ «الحل والعقد» في باب واحد وقال : «إنّ الحلّ والعقد هو ما يتفاضل فيه الشعراء والكتاب ، وهو أن يأخذ لفظا منثورا فينظمه أو شعرا فينثره ويطارحه العلماء فيما بينهم» (٤).

وفعل مثله ابن الأثير الحلبي وابن قيّم الجوزيّة إذ جمعا الحلّ والعقد في باب واحد (٥) ، وتحدّث العسكري عنه في «حسن الأخذ» وقال : «إنّ المحلول من الشعر على أربعة اضرب : فضرب منها يكون بإدخال لفظة بين ألفاظه ، وضرب ينحلّ بتأخير لفظة منه وتقديم أخرى فيحسن محلوله ويستقيم وضرب منه ينحلّ على هذا الوجه ولا يحسن ولا يستقيم ، وضرب تكسو ما تحلّه من المعاني ألفاظا من عندك ، وهذا ارفع درجاتك» (٦).

فأمّا الضرب الأوّل فكقول قليب المعتزلي لبعض الملوك يستعطفه على رجل من أهله : «جعلني الله فداءك ، وليس هو اليوم كما كان ، إنّه وحياتك أفلت بطالته أي والله وراجعه حلمه وأعقبه ـ وحقّك ـ الهوى ندما ، أنحى الدهر ـ والله ـ عليه بكلكله فهو اليوم إذا

__________________

(١) المصادر السابقة.

(٢) اللسان (حلل).

(٣) عيار الشعر ص ٧٨.

(٤) البديع في نقد الشعر ص ٢٥٩.

(٥) جوهر الكنز ص ١٩٥ ، الفوائد ص ٢٢٥.

(٦) كتاب الصناعتين ص ٢١٦ ـ ٢١٧.

٤٧٣

رأى أخا ثقة غضّ بصره ومجمج كلامه» وكان قد سمع أبياتا للعتبي فحلها بهذه العبارات ، وأبيات العتبي هي :

أفلت بطالته وراجعه

حلم وأعقبه الهوى ندما

ألقى عليه الدهر كلكله

وأعاره الإقتار والعدما

فاذا ألمّ به أخو ثقة

غضّ الجفون ومجمج الكلما (١)

وأما الضرب الثاني فمثاله ما ذكره بعض الكتاب من قول البحتري :

نطلب الاكثر في الدنيا وقد

نبلغ الحاجة فيها بالأقلّ

ثم قال : «فاذا نثرت ذلك ولم تزد في ألفاظه شيئا قلت : نطلب في الدنيا الاكثر وقد نبلغ منها الحاجة بالأقل».

وأما الضرب الثالث فهو أن توضع ألفاظ البيت في مواضع ولا يحسن وضعها في غيرها فيختل إذا نثر بتأخير لفظ وتقديم آخر فتحتاج في نثره الى النقصان منه والزيادة فيه ، كقول البحتري :

يسرّ بعمران الديار مضلّل

وعمرانها مستأنف من خرابها

ولم أرتض الدنيا أوان مجيئها

فكيف ارتضائيها أوان ذهابها

فاذا نثر على الوجه قيل : «يسر مضلل بعمران الدنيا ومن خرابها عمرانها مستأنف ، ولم أرتض أوان مجيئها الدنيا فكيف أوان ذهابها ارتضائيها». فهذا نثر فاسد ، فاذا غيرّت بعض ألفاظه حسن وهو أن تقول : «يسر المضلل بعمران الديار وانما تستأنف عمرانها من خرابها ، وما ارتضيت الدنيا أوان مجيئها فكيف أرتضيها أوان ذهابها؟».

والضرب الرابع أن يكسى ما يحلّ من المنظوم ألفاظا ، وهذا أرفع الدرجات.

وتحدّث ابن الأثير عن الحل في باب «الطريق إلى تعلّم الكتابة» وقال : «ولقد مارست الكتابة ممارسة كشفت لي عن أسرارها وأظفرتني بكنوز جواهرها إذ لم يظفر غيري باحجارها فما وجدت أعون الأشياء عليها إلا حلّ آيات القرآن الكريم والأخبار النبوية وحل الأبيات الشعرية» (٢) ، ثم تكلم على حل الآيات والحديث والشعر.

وأفرد المصري «الحلّ» في باب وقال : «هو أن يعمد الكاتب إلى شعر ليحل منه عقد الوزن فيصيره منثورا» (٣). وقال الحلبي والنّويري : «وأمّا الحلّ فهو باب يتسع على المجيد مجاله وتتصرّف في كلام العارف به روّيته وارتجاله. وملاك أمر المتصدي له أن يكون كثير الحفظ للأحاديث النبوية والآثار والامثال والاشعار لينفق منها وقت الاحتياج اليها.

وكيفية الحلّ أن تتوخى هدم البيت المنظوم وحلّ فرائده من سلكه ثم يرتب تلك الفرائد وما شابهها ترتيب متمكن لم يحصره الوزن ويبرزها في أحسن سلك وأجمل قالب وأصح سبك ويكملها بما يناسبها من أنواع البديع إن أمكن ذلك من غير كلفة ويتخير لها القرائن ، وإذا تمّ معه المعنى المحلول في قرينة واحدة يغرم له من حاصل فكره أو من ذخيرة حفظه ما يناسبه ، وله أن ينقل المعنى إذا لم يفسده إلى ما شاء ، فان كان نسيبا وتأتّى له أن يجعله مديحا فليفعل ، وكذلك غيره من الأنواع. وإذا أراد الحلّ بالمعنى فلتكن ألفاظه مناسبة لألفاظ البيت المحلول غير قاصرة عنها فما قصرت عنها ولو بلفظة واحدة فسد ذلك الحل وعدّ معيبا ، واذا حلّ باللفظ فلا يتصرف بتقديم ولا تأخير ولا تبديل إلّا مع مراعاة نظام الفصاحة في ذلك واجتناب ما ينقص المعنى

__________________

(١) مجمج الكتاب : لم يبين حروفه.

(٢) المثل السائر ج ١ ص ٧٧.

(٣) تحرير التحبير ٤٣٩.

٤٧٤

ويحط رتبته» (١).

وقال القزويني : «وأما الحلّ فهو أن ينثر نظم» (٢) وتحدّث عنه ، وقد تبعه شرّاح التلخيص وغيرهم (٣).

والحل ثلاثة أنواع كما ذكر ابن الاثير وهي : حل الآيات وحل الأحاديث وحل الشعر.

حلّ الآيات :

قال ابن الأثير : «وأما حلّ آيات القرآن العزيز فليس كنثر المعاني الشعرية لأنّ ألفاظه ينبغي أن يحافظ عليها لمكان فصاحتها إلا انه لا ينبغي أن يؤخذ لفظ الآية بجملته فإنّ ذلك من باب التضمين وإنّما يؤخذ بعضه فاما أن يجعل أولا لكلام أو آخرا على حسب ما يقتضيه موضعه وكذلك تفعل بالاخبار النبوية. على أنّه قد يؤخذ معنى الآية والخبر فيكسى لفظا غير لفظه وليس لذلك من الحسن ما للقسم الأول» (٤).

وذكر ابن الأثير الحلبي مثل ذلك وأشار الى اختلاف علماء الأدب في حلّ القرآن العزيز وإدراجه في مطاوي الكلام (٥).

حلّ الأحاديث :

قال ابن الأثير : «وأمّا الأخبار النبوية فكالقرآن العزيز في حلّ معانيها» (٦) وقال ابن الأثير الحلبي : «وأما حلّ الآيات من القرآن العزيز وكذلك الأحاديث النبوية فينبغي للمنشئ أن لا يأخذ عند حلّ الآية والحديث جملة اللفظ فانّ ذلك من باب التضمين ولا يأخذ المعنى مجردا عن اللفظ بكماله إلا إن أراد بذلك الاستشهاد ، بل إذا وقع له معنى وكانت آية من الآيات الكريمة أو حديث من الأحاديث النبوية يتضمن ذلك المعنى فليجعل الآية والحديث في سياق كلامه المناسب للمعنى فيطرز كلامه بالآية أو الحديث» (٧).

حلّ الأشعار :

تكلم العسكري على حلّ الشعر وقسّمه الى أربعة أضرب (٨) ، وقد تقدّمت في «الحل» ، وتحدّث عنه ابن الأثير (٩) ، وقسّمه إلى ثلاثة أقسام :

الأوّل : وهو أدناها مرتبة أن يأخذ الناثر بيتا من الشعر فينثره بلفظه من غير زيادة ، وهذا عيب فاحش.

الثاني : وهو وسط بين الأوّل والثالث في المرتبة ، وهو أن ينثر المعنى المنظوم ببعض ألفاظه ويعزف عن بعضها بألفاظ أخر.

الثالث : وهو أعلى الأقسام الثلاثة ، وذلك أن يؤخذ المعنى فيصاغ بالفاظ غير ألفاظه.

وذكر هذه الأقسام الثلاثة ابن الأثير الحلبي (١٠).

واشترط القزويني لكي يكون نثر النظم مقبولا شيئين :

الأوّل : أن يكون سبكه مختارا لا يتقاصر عن سبك أصله.

الثاني : أن يكون حسن الموقع مستقرا في محله غير قلق (١١). وذلك كقول بعض المغاربة : «فإنه لمّا قبحت فعلاته وحنظلت نخلاته لم يزل سوء الظنّ يقتاده ويصدق توهمه الذي يعتاده» حلّ قول المتنبي :

__________________

(١) حسن التوسل ص ٣٢٥ ، نهاية الارب ج ٧ ص ١٨٣.

(٢) الايضاح ص ٤٢٥ ، التلخيص ص ٤٢٦.

(٣) شروح التلخيص ج ٤ ص ٥٢٣ ، المطول ص ٤٧٥ ، الأطول ج ٢ ص ٢٥٤ ، شرح عقود الجمان ص ١٧١ ، التبيان في البيان ص ٣٥٥.

(٤) المثل السائر ج ١ ص ١١٤.

(٥) جوهر الكنز ص ٦٠٩.

(٦) المثل السائر ج ١ ص ١٢٧.

(٧) جوهر الكنز ص ٦٠٩.

(٨) كتاب الصناعتين ص ٢١٦.

(٩) المثل السائر ج ١ ص ٧٨.

(١٠) جوهر الكنز ص ٦٠٧.

(١١) الايضاح ص ٤٢٥ ، التلخيص ص ٤٢٦.

٤٧٥

إذا ساء فعل المر ساءت ظنونه

وصدّق ما يعتاده من توهّم

وكقول بعضهم في وصف السيف : «أورثه عشق الرقاب نحولا فبكى والدمع مطر تزيد به الخدود محولا» حلّ قول المتنبي :

في الخدّ إن عزم الخليط رحيلا

مطر تزيد به الخدود محولا

ونهج المتأخّرون نهج القزويني في حلّ المنظوم (١).

الحمل على المعنى :

قال ابن قيم الجوزية : «وذلك كتأنيث المذكر وتذكير المؤنث وتصور معنى الواحد للجماعة والجماعة للواحد ، وحمل الثاني على لفظ الأول أصلا كان ذلك اللفظ أو فرعا أو غير ذلك» (٢). ومن ذلك قوله تعالى : (يا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ واحِدَةٍ)(٣) والمراد به آدم عليه‌السلام ، وأنّث ردّا الى النفس.

ومنه قول الشاعر :

أبوك خليفة ولدته أخرى

وأنت خليفة ذاك الكمال

وقول الآخر :

يا أيّها الراكب المزجي مطيّته

سائل بني أسد ما هذه الصّوت

فانه ذهب بالصوت الى الاستغاثة كما ذهب الآخر بالخوف الى المخافة في قوله :

أتهجر بيتا بالحجاز تلفّعت

به الخوف والأعداء من كلّ جانب

حمل اللّفظ على اللّفظ :

عدّه ابن سنان من التناسب وقال : «ومن التناسب أيضا حمل اللفظ على اللفظ في الترتيب ليكون ما يرجع الى المقدم مقدما والى المؤخر مؤخرا» (٤).

ومنه قول الشريف الرضي :

قلبي وطرفي منك هذا في حمى

قيظ وهذا في رياض ربيع

فانه لما قدم «قلبي» وجب أن يقدم وصفه بانّه في حمى قيظ فلو كان قال : «طرفي وقلبي منك» لم يحسن في الترتيب أن يؤخر قوله «في رياض ربيع» والطرف مقدم.

وهذا هو اللف والنشر.

الحيدة والانتقال :

الحيد : حرف شاخص يخرج من الجبل ، والحيد ما شخص من الجبل واعوجّ. وحاد عن الشيء يحيد : مال عنه وعدل. والحيدة : العقدة في قرن الوعل.

والنقل : تحويل الشي من موضع الى موضع ، نقله ينقله نقلا فانتقل (٥).

وهذا النوع من مستخرجات المصري ، قال : «هو أن يجيب المسؤول بجواب لا يصلح أن يكون جوابا عما سئل عنه أو ينتقل المستدلّ الى استدلال غير الذي كان آخذا فيه وإنّما يكون هذا بلاغة إذا أتى به المستدلّ بعد معارضة بما يدل على أنّ المعترض لم يفهم استدلاله فينتقل عنه الى استدلال يقطع به الخصم عند فهمه» (٦)

ومنه قوله تعالى حكاية عن الخليل إبراهيم ـ عليه‌السلام ـ في قوله للجبار : (رَبِّيَ الَّذِي يُحْيِي وَيُمِيتُ)(٧) فقال الجبار : (أَنَا أُحْيِي وَأُمِيتُ) ثم دعا

__________________

(١) شروح التلخيص ج ٤ ص ٥٢٣ ، المطول ص ٤٧٥ ، الاطول ج ٢ ص ٢٥٤ ، شرح عقود الجمان ص ١٧١.

(٢) الفوائد ص ١٠٤.

(٣) النساء ١.

(٤) سر الفصاحة ص ٢٢٥.

(٥) اللسان (حيد) و (نقل).

(٦) تحرير التحبير ص ٥٦٥ ، بديع القرآن ص ٢٨١.

(٧) البقرة ٢٥٨.

٤٧٦

بانسان فقتله ودعا بمن وجب عليه القتل فأعتقه. فلما علم الخليل أنّه لم يفهم معنى الاماتة والإحياء اللذين أرادهما انتقل الى استدلال آخر فقال : (فَإِنَّ اللهَ يَأْتِي بِالشَّمْسِ مِنَ الْمَشْرِقِ فَأْتِ بِها مِنَ الْمَغْرِبِ)(١) فأتاه باستدلال لا يجد لاسمه اسما مشتركا معه فتعلق بظاهره على طريق المغالطة ، أو لانّه لم يفهم إلا ذلك الوجه الذي تعلق به ، فلا جرم أنّ الجبار انقطع وأخبر الله سبحانه عنه بذلك حيث قال تعالى : (فَبُهِتَ الَّذِي كَفَرَ)(٢) وفيه نوع يحيد المسؤول عن خصوص الجواب الى عمومه لتفيد تلك الحيدة زيادة بيان لا تحصل بخصوص الجواب.

__________________

(١) البقرة ٢٥٨.

(٢) البقرة ٢٥٨.

٤٧٧

الخاء

الخبر :

خبرت بالأمر أي علمته ، وخبرت الأمر أخبره إذا عرفته على حقيقته ، والخبر ـ بالتحريك ـ واحد الأخبار ، والخبر : ما أتاك من نبأ عمن تستخبر ، والخبر : النبأ ، وخبّره بكذا وأخبره : نبأه (١).

ذكر سيبويه الخبر مقابل الاستفهام (٢) ، وفعل مثله الفراء (٣) ، وبدأ هذا النوع يدخل الدراسات البلاغية ويأخذ صورة محدودة ، وقد قال المبرد عنه : «الخبر ما جاز على قائله التصديق والتكذيب» (٤). وقسّم ثعلب قواعد الشعر الى أربعة : أمر ونهي وخبر واستخبار (٥) ، وقال إنّ الخبر كقول القطامي :

يقتلننا بحديث ليس يعلمه

من يتقين ولا مكنونه بادي

فهن ينبذن من قول يصبن به

مواضع الماء من ذي الغلّة الصادي

وقال ابن وهب : «والخبر كل قول أفدت به مستمعه ما لم يكن عندك كقولك : «قام زيد» فقد أفدته العلم بقيامه» (٦).

وقال ابن فارس : «أما أهل اللغة فلا يقولون في الخبر أكثر من أنّه إعلام ، تقول : أخبرته أخبره ، والخبر هو العلم. وأهل النظر يقولون : الخبر ما جاز تصديق قائله أو تكذيبه وهو إفادة المخاطب أمرا في ماض من زمان أو مستقبل أو دائم» (٧).

ولكنّ البلاغيين المتأخرين عادوا في بحثه الى منهج المتكلمين وأدخلوا فيه المباحث الفلسفية والعقائدية فقال الرازي : «القول المقتضي بتصريحه نسبة معلوم الى معلوم بالنفي أو بالاثبات. ومن حدّه :المحتمل للتصديق والتكذيب المحدودين بالصدق والكذب ، واقع في الدور مرتين» (٨).

وذكر السكاكي أقوال السابقين في تعريف الخبر وناقشها وذهب الى أنّ الخبر والطلب مستغنيان عن التعريف الحدّي (٩). أما القزويني فقد ذكر آراء السابقين كالنّظّام والجاحظ ، ولكنه أخذ برأي الجمهور وقال في أول بحثه للخبر : «اختلف الناس في انحصار الخبر في الصادق والكاذب ، فذهب الجمهور الى أنّه منحصر فيهما ثم اختلفوا فقال الاكثر منهم : صدقه مطابقة حكمه للواقع وكذبه عدم مطابقة حكمه ، وهذا هو المشهور وعليه التعويل» (١٠). والى ذلك ذهب شراح التلخيص

__________________

(١) اللسان (خبر).

(٢) الكتاب ج ١ ص ١١٩ ، ١٣٤ ، ١٣٥.

(٣) معاني القرآن ج ١ ص ٣٣٥ ، ج ٢ ص ٨٤ ـ ٨٥ ، ٣٥٤.

(٤) المقتضب ج ٣ ص ٨٩ ، وينظر ج ١ ص ١٢ ، ٤١. الروض المريع ص ١٢٠ ، ١٣٣ ، ١٤٣ ، ١٥٧ ـ ١٥٤.

(٥) قواعد الشعر ص ٢٥.

(٦) البرهان في وجوه البيان ص ١١٣.

(٧) الصاحبي ص ١٧٩.

(٨) نهاية الايجاز ص ٣٧.

(٩) مفتاح العلوم ٧٨.

(١٠) الايضاح ص ١٣ ، التلخيص ص ٣٨.

٤٧٨

ومعظم المتأخرين (١).

والخبر ثلاثة أضرب :

الأول : الابتدائي ، وهو الخبر الذي يكون خاليا من المؤكّدات لأنّ المخاطب خالي الذهن من الحكم الذي تضمنه. ومن ذلك قوله تعالى : (قالَ بَلْ فَعَلَهُ كَبِيرُهُمْ هذا)(٢).

ومنه قول المتنبي :

أنا الذي نظر الأعمى الى أدبي

واسمعت كلماتي من به صمم

أنام ملء عيوني عن شواردها

ويسهر الخلق جرّاها ويختصم

الثاني : الطلبي ، وهو الخبر الذي يتردد المخاطب فيه ولا يعرف مدى صحته ، أو هو كما قال السكاكي : «وإذا ألقاها الى طالب لها متحير طرفاها عنده دون الاستناد فهو منه بين بين لينقذه من ورطة الحيرة استحسن تقوية المنقذ بادخال اللام في الجملة أو «إنّ» (٣). ومنه قوله تعالى : (وَجاءَ رَجُلٌ مِنْ أَقْصَى الْمَدِينَةِ يَسْعى ، قالَ : يا مُوسى إِنَّ الْمَلَأَ يَأْتَمِرُونَ بِكَ لِيَقْتُلُوكَ فَاخْرُجْ إِنِّي لَكَ مِنَ النَّاصِحِينَ)(٤) وقوله تعالى : (إِذْ قالُوا : لَيُوسُفُ وَأَخُوهُ أَحَبُّ إِلى أَبِينا مِنَّا)(٥).

ومنه قول جرير :

إنّ العيون التي في طرفها حور

قتلننا ثم لم يحيين قتلانا

وقول البحتري :

هل يجلبنّ اليّ عطفك موقف

ثبت لديك أقول فيه وتسمع

الثالث : الإنكاري ، وهو الخبر الذي ينكره المخاطب إنكارا يحتاج الى أن يؤكّد بأكثر من مؤكد كقوله تعالى : (وَاضْرِبْ لَهُمْ مَثَلاً أَصْحابَ الْقَرْيَةِ إِذْ جاءَهَا الْمُرْسَلُونَ. إِذْ أَرْسَلْنا إِلَيْهِمُ اثْنَيْنِ فَكَذَّبُوهُما فَعَزَّزْنا بِثالِثٍ فَقالُوا إِنَّا إِلَيْكُمْ مُرْسَلُونَ. قالُوا ما أَنْتُمْ إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُنا وَما أَنْزَلَ الرَّحْمنُ مِنْ شَيْءٍ إِنْ أَنْتُمْ إِلَّا تَكْذِبُونَ. قالُوا : رَبُّنا يَعْلَمُ إِنَّا إِلَيْكُمْ لَمُرْسَلُونَ)(٦).

ومنه قول الحماسي :

إنّا لنصفح عن مجاهل قومنا

ونقيم سالفة العدوّ الأصيد (٧)

ومتى نجد يوما فساد عشيرة

نصلح وإن نر صالحا لا نفسد

وللخبر مؤكدات كثيرة منها : إنّ ، وأنّ ، وكأنّ ، ولكنّ ، ولام الابتداء ، والفصل ، وامّا ، وقد ، والسين ، والقسم ، ونونا التوكيد ، ولن ، والحروف الزائدة ، وحروف التنبيه.

وللخبر غرضان أصليان هما :

الأوّل : فائدة الخبر ، ومعناه إفادة المخاطب الحكم الذي تضمنته الجملة أو الكلام ، وهذا هو الاصل في كل خبر لأنّ فائدته تقديم المعرفة او العلم الى الآخرين.

الثاني : لازم الفائدة وهذا الغرض لا يقدم جديدا للمخاطب وإنّما يفيد أنّ المتكلم عالم بالحكم.

ولكنّ الخبر كثيرا ما يخرج على خلاف مقتضى الظاهر فينزل غير السائل منزلة السائل وينزل غير المنكر منزلة المنكر ، وينزل المنكر منزلة غير المنكر ، وله معان

__________________

(١) شروح التلخيص ج ١ ص ١٧٣ ، المطول ص ٣٨ ، الاطول ج ١ ص ٤٤ ، الطراز ج ١ ص ٦١ ، البرهان في علوم القرآن ج ٢ ص ٣١٧ ، معترك ج ١ ص ٤٢٢ ، الاتقان ج ٢ ص ٧٥ ، شرح عقود الجمان ص ٩.

(٢) الانبياء ٦٣.

(٣) مفتاح العلوم ص ٨١.

(٤) القصص ٢٠.

(٥) يوسف ٨.

(٦) يس ١٣ ـ ١٦.

(٧) السالفة : صفحة العنق. الأصيد : المتكبر.

٤٧٩

مجازية كثيرة تحدث عنها البلاغيون ودارسو علوم القرآن ، وسيأتي الكلام عليها في الموادّ القادمة ،

الخبر الابتدائيّ :

هو الخبر الذي يكون خاليا من المؤكّدات لأنّ المخاطب خالي الذهن من الحكم الذي تضمنه (١) وقد تقدّم في «الخبر».

الخبر الإنكاريّ :

هو الخبر الذي ينكره المخاطب انكارا يحتاج الى أن يؤكّد بأكثر من مؤكّد (٢) وقد تقدّم في «الخبر».

الخبر الطّلبيّ :

هو الخبر الذي يتردد المخاطب فيه ولا يعرف مدى صحته (٣). وقد تقدم في «الخبر».

الخبر للاسترحام :

منه قول إبراهيم بن المهدي مخاطبا المأمون :

أتيت جرما شنيعا

وأنت للعفو أهل

فإن عفوت فمنّ

وإن قتلت فعدل

وقول الآخر :

فما لي حيلة إلا رجائي

لعفوك إن عفوت وحسن ظني

الخبر لإظهار التّحسّر :

منه قول أعرابي يرثي ولده :

ولما دعوت الصّبر بعدك والأسى

أجاب الأسى طوعا ولم يجب الصّبر

وقول المتنبي :

أقمت بأرض مصر فلا ورائي

تخبّ بي الركاب ولا أمامي

وقوله في الرثاء :

الحزن يقلق والتجمّل يردع

والقلب بينهما عصيّ طيّع

يتنازعان دموع عين مسهّد

هذا يجيء بها وهذا يرجع

الخبر لإظهار الضّعف :منه قوله تعالى : (قالَ : رَبِّ إِنِّي وَهَنَ الْعَظْمُ مِنِّي وَاشْتَعَلَ الرَّأْسُ شَيْباً)(٤).

وقول الشاعر :

إنّ الثمانين ـ وبلغتها ـ

قد أحوجت سمعي الى ترجمان

وقول أبي نواس :

دبّ فيّ السّقام سفلا وعلوا

وأراني أموت عضوا فعضوا

منه قوله تعالى : (وَالْمُطَلَّقاتُ يَتَرَبَّصْنَ)(٥) قوله :(وَالْوالِداتُ يُرْضِعْنَ)(٦) فان السياق يدلّ على أنّ الله ـ تعالى ـ أمر بذلك لا أنّه أخبر.

الخبر للإنكار :

منه قوله تعالى : (ذُقْ إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْكَرِيمُ)(٧) ، وهذا للتبكيت ، أما الانكار من غير ذلك فمثل : «ما له عليّ حقّ».

__________________

(١) مفتاح العلوم ص ٨١ ، الايضاح ص ١٨ ، التلخيص ص ٤٢ ، شروح التلخيص ج ١ ص ٢٠٧ ، المطول ص ٤٩ الاطول ج ١ ص ٦٢.

(٢) المصادر السابقة.

(٣) المصادر السابقة.

(٤) مريم ٤.

(٥) البقرة ٢٢٨.

(٦) البقرة ٢٣٣.

(٧) الدخان ٤٩.

٤٨٠