معجم المصطلحات البلاغيّة وتطوّرها

الدكتور أحمد مطلوب

معجم المصطلحات البلاغيّة وتطوّرها

المؤلف:

الدكتور أحمد مطلوب


الموضوع : اللغة والبلاغة
الناشر: مكتبة لبنان ناشرون
الطبعة: ٠
الصفحات: ٧٠٥

سرقة ، اذا كان ليس آخذا على وجهه» (١). ومنه قول امرئ القيس :

سموت اليها بعد ما نام أهلها

سموّ حباب الماء حالا على حال

فقال عمر بن أبي ربيعة وقيل وضّاح اليمن :

فاسقط علينا كسقوط النّدى

ليلة لاناه ولا زاجر

فولد منه معنى مليحا اقتدى فيه بمعنى امرئ القيس من غير أن يشركه في شيء من لفظه أو ينحو منحاه إلا في المحصول وهو لطف الوصول الى حاجته في خفية. وأما الذي فيه زيادة فكقول جرير يصف الخيل :

يخرجن من مستطير النقع دامية

كأنّ آذانها أطراف أقلام

فقال عديّ بن الرقاع يصف قرن الغزال :

تزجي أغنّ كأنّ أبرة روقه

قلم أصاب من الدّواة مدادها (٢)

فولّد بعد ذكر القلم اصابته مداد الدواة بما يقتضيه المعنى إذ كان القرن أسود.

والتوليد عند المصري ضربان (٣) : من الالفاظ والمعاني ، فالذي من الألفاظ على ضربين أيضا :توليد المتكلم من لفظه ولفظ غيره وتوليده من لفظ نفسه. والأول : هو أن يزوّج المتكلم كلمة من لفظه الى كلمة من غيره فيتولد بينهما كلام يناقض غرض صاحب الكلمة الأجنبية وذلك في الالفاظ المفردة دون الجمل المؤتلفة. مثاله ما حكي أنّ مصعب بن الزبير وسم خيله بلفظة «عدّة» فلما قتل وصار الى العراق رآها الحجاج فوسم بعد لفظة «عدّة» لفظة «الفرار» فتولد بين اللفظتين غير ما أراده مصعب.

وهذا ما سمّاه ابن منقذ التلطف وعرّفه بقوله : «هو أن يلفق كلاما مع كلام آخر فيولد من الكلامين كلاما ثالثا» (٤) وذكر المثال نفسه.

ومن لطيف التوليد قول بعض العجم ، وهو توليد المتكلم ما يريد من لفظ نفسه :

كأنّ عذاره في الخدّ لام

ومبسمه الشهيّ العذب صاد

وطرّة شعره ليل بهيم

فلا عجب إذا سرق الرقاد

فإنّ هذا الشاعر ولّد من تشبيه العذار باللام وتشبيه الفم بالصاد لفظة لص ، وولّد من معناها ومعنى تشبيه الطرة بالليل ذكر سرقة النوم فحصل في البيت توليد وإغراب وإدماج. قال المصري : «وهذا من أغرب ما سمعت في ذلك ، وهو النوع الثاني من التوليد اللفظي» (٥).

ومن توليد الالفاظ توليد المعنى من تزويج الجمل المفيدة ، ومثاله ما حكي أنّ أبا تمام أنشد أبا دلف :

على مثلها من أربع وملاعب

أذيلت مصونات الدموع السواكب

فقال : «من أراد نكتة فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين» فولّد بين الكلامين كلاما ينافي غرض أبي تمام من وجهين :

أحدهما : خروج الكلام من النسيب الى الهجاء بسبب ما انضم اليه من الدعاء.

الثاني : خروج الكلام من أن يكون بيتا من شعر الى أن صار قطعة من نثر. وهذا هو الضّرب الأول من التوليد وهو ما تولد من اللفظ ، وأما الضرب الثاني منه وهو ما تولد من المعاني فكقول القطامي :

قد يدرك المتأني بعض حاجته

وقد يكون مع المستعجل الزّلل

__________________

(١) العمدة ج ١ ص ٢٦٣.

(٢) الروق : القرن.

(٣) تحرير التحبير ص ٤٩٤ ، بديع القرآن ص ٢٠٧ ، وينظر المنصف ص ١٧ ـ ١٨.

(٤) البديع في نقد الشعر ص ٢٨٤.

(٥) تحرير التحبير ص ٤٩٥.

٤٤١

وقال من بعده :

عليك بالقصد فيما أنت فاعله

إنّ التخلّق يأتي دونه الخلق

فمعنى صدر هذا البيت معنى بيت القطامي بكماله ومعنى عجز البيت مولّد بينهما.

وتحدّث ابن الأثير الحلبي عن التوليد بما يشبه كلام المصري وتقسيمه (١) ، وقال السبكي : «هو أنّ المتكلم يدرج ضربا من البديع بنوع آخر فيتولد منهما نوع ثالث» (٢).

وقال الحموي : «هذا النوع أعني التوليد ليس تحته كبير أمر وهو على ضربين : من الالفاظ والمعاني.

فالذي من الالفاظ تركه أولى من استعماله لأنّه سرقة ظاهرة وما ذاك إلا أنّ الناظم يستعذب لفظة من شعر غيره فيقتضبها ويضمنها غير معناها الأول في شعره كقول امرئ القيس في وصف الفرس :

وقد أغتدي والطير في وكناتها

بمنجرد قيد الأوابد هيكل

فاستعذب أبو تمام «قيد الأوابد» فنقلها الى الغزل فقال :

لها منظر قيد الأوابد لم يزل

يروح ويغدو في خفارته الحبّ

والتوليد من المعاني هو الأجمل والأستر ، وهو الغرض هنا. وذلك أنّ الشاعر ينظر الى معنى من معاني من تقدمه ويكون محتاجا الى استعماله في بيت من قصيدة له فيورده ويولّد منه معنى آخر كقول القطامي :

قد يدرك المتأني بعض حاجته

وقد يكون مع المستعجل الزّلل

وقال من بعده ونقص الالفاظ وزاد تمثيلا وتوكيدا وتذييلا :

عليك بالصّبر فيما أنت طالبه

إنّ التخلّق يأتي دونه الخلق

فمعنى صدر هذا البيت معنى بيت القطامي بكماله ومعنى عجزه نوع من التذييل» (٣).

التّوهيم :

توهّم الشيء : تخيله وتمثله ، ووهمت الى الشيء :اذا ذهب قلبك اليه وأنت تريد غيره ، وتوهمت أي ظننت ، وأوهمت غيري ايهاما. والتوهيم مثله. ووهم ـ بكسر الهاء ـ غلط وسها (٤).

قال ابن منقذ : «هو أن تجيء لكلمة توهم أخرى» (٥) كقوله تعالى : (يَوْمَئِذٍ يُوَفِّيهِمُ اللهُ دِينَهُمُ الْحَقَ)(٦) لأنّ قوله ـ سبحانه ـ (يُوَفِّيهِمُ) يوهم من لا يحفظ دينهم ـ بالفتح ـ ومنه قول المتنبي :

فإنّ الفئام الذي حوله

لتحسد أرجلها الأرؤس

قوله «الأرؤس» يوهم أنّها القيام ـ بالقاف ـ وانما هو الفئام» ـ بالفاء ـ وهم الجماعات.

وقال المصري : «هو أن يأتي المتكلم في كلامه بكلمة يوهم ما بعدها من الكلام أنّ المتكلّم أراد تصحيفها ومراده على خلاف ما يتوهم السامع فيها» (٧).

ورأى الحموي أن يدمج التوهم والترشيح في التورية فيذكر التوهيم مع إيهامها والترشيح مع المرشحة (٨). وقال السيوطي : «الترشيح والتوهيم ولهما مناسبة بالتورية (٩) ، ولكنّ المدني فرّق بين التورية والتوهيم وقال إنّ الفرق بينهما من ثلاثة

__________________

(١) جوهر الكنز ص ٢٢٤.

(٢) عروس الافراح ج ٤ ص ٤٧٠.

(٣) خزانة الادب ص ٣٥٨ ، وينظر أنوار الربيع ج ٥ ص ٣٢٣ ، نفحات ص ١٧٧ ، شرح الكافية ص ٢١٥.

(٤) اللسان (وهم).

(٥) البديع في نقد الشعر ص ٨٦.

(٦) النور ٢٥.

(٧) تحرير التحبير ص ٣٤٩ ، بديع القرآن ص ١٣١.

(٨) خزانة الادب ص ٣٩٢.

(٩) شرح عقود الجمان ص ١١٥.

٤٤٢

أوجه (١).

الاول : أنّ التورية توهم وجهين صحيحين قريبا وبعيدا ، والمراد البعيد منهما ، والتوهيم يوهم صحيحا وفاسدا والمراد الصحيح منهما.

الثاني : أنّ التورية لا تكون إلا باللفظة المشتركة ، والتوهيم بها وبغيرها.

الثالث : أنّ ايهام التورية مما يتعمده الناظم ، والتوهيم مما يتوهمه القارئ أو السامع.

ويأتي التوهيم على وجوه مختلفة (٢) ، من ذلك التصحيف كقوله تعالى : (أُصِيبُ بِهِ مَنْ أَشاءُ)(٣) فإنّ اصابة العذاب أوهمت السامع أنّ لفظة (أَشاءُ) بالسين المهملة من الاساءة. ومنه قول المتنبي : «وان الفيام ...».

ومنه اختلاف الاعراب كقوله تعالى : (وَإِنْ يُقاتِلُوكُمْ يُوَلُّوكُمُ الْأَدْبارَ ثُمَّ لا يُنْصَرُونَ)(٤) فان القياس (ثُمَّ لا يُنْصَرُونَ) عطفا على ما قبله ، لكن لما كان الغرض الاخبار بأنّهم لا ينصرون أبدا ألغى العطف وأبقى صيغة الفعل على حالها لتدل على الحال والاستقبال. ومنه اختلاف المعنى كقوله تعالى :(وَمَنْ يُكْرِهْهُنَّ فَإِنَّ اللهَ مِنْ بَعْدِ إِكْراهِهِنَّ غَفُورٌ رَحِيمٌ)(٥) فانه يوهم السامع أنّه غفور للمكره ، وانما هولهنّ.

ومنه الاشتراك كقوله تعالى : (الشَّمْسُ وَالْقَمَرُ بِحُسْبانٍ. وَالنَّجْمُ وَالشَّجَرُ يَسْجُدانِ)(٦). فان ذكر الشمس والقمر يوهم السامع أنّ النجم أحد النجوم السماوية وإنّما المراد به النبت الذي لا ساق له وبالشجر الذي له ساق.

ومن ذلك قول صفي الدين الحلي :

وساق من بني الاتراك طفل

أتيه به على جمع الرفاق

أملّكه قيادي وهو رقّي

وأفديه بعيني وهو ساقي

فان ذكر العين يوهم أنّه أراد بقوله «ساقي» العضو المعروف الذي هو ما بين الركبة والقدم ، وإنما أراد الساقي. قال المدني بعد هذين البيتين : «وتوهم ابن حجة أنّه قصد بذلك التورية فأورد البيتين في باب التورية وقال : لا شك أنّ مراده بالمعنى الواحد من التورية ساقي الراح ، وهو ظاهر صحيح ، وبالمعنى الثاني أن يكون هذا الساقي ساقا للشيخ صفي الدين وهو غير ممكن (٧). وهذا عمى بصيرة من ابن حجة عن المقصود ، ولم يقصد الشيخ صفي الدين التورية وإنما قصد التوهيم» (٨).

__________________

(١) انوار الربيع ج ٦ ص ٣٨.

(٢) تحرير ص ٣٤٩ ، بديع القرآن ص ١٣٢ ، عروس الافراح ج ٤ ص ٤٦٩ ، انوار الربيع ج ٦ ص ٣٥.

(٣) الاعراف ١٥٦.

(٤) آل عمران ١١١.

(٥) النور ٣٣.

(٦) الرحمن ٥ ـ ٦.

(٧) ينظر خزانة الأدب ص ٣٤٨ ، نفحات ص ٢٨٠ ، شرح الكافية ص ٢٢٨.

(٨) انوار الربيع ج ٦ ص ٣٧.

٤٤٣

الجيم

الجامع :

جمع الشيء عن تفرقة يجمعه جمعا ، وأمر جامع يجمع الناس (١).

الجامع هو الذي يجمع بين شيئين أو أكثر ، وهذا من مصطلحات الوصل ، أي هو الذي يجمع بين كل شيئين من الجملتين. وهو ثلاثة أقسام :

الأول : الجامع العقلي ، وهو علاقة تجمع بين الشيئين في القوة المفكرة جمعا يكون مسندا الى العقل بأن يكون أمرا حقيقيا أي واقعا في نفس الأمر من حيث هو هو. قال القزويني : «هو أن يكون بينهما اتحاد في التصور أو تماثل ، فإنّ العقل بتجريده المثلين عن التشخص في الخارج يرفع التعدد. أو تضايف كما بين العلة والمعلول والسبب والمسبب والسفل والعلو والأقل والاكثر فان العقل يأبى أن لا يجتمعا في الذهن» (٢).

الثاني : الجامع الوهمي هو أن تجمعهما تلك الصلة في القوة المفكرة جمعا يكون من جهة الوهم بأن لا يكون أمرا حقيقيا بل اعتباريا ويكون أمرا غير محسوس باحدى الحواس الخمس الظاهرة فإنّ الوهم باصطلاح القوم ما يحكم بالمعاني الجزئية غير المحسوسة. قال القزويني : «هو أن يكون بين تصوريهما شبه تماثل كلون بياض ولون صفرة فإنّ الوهم يبرزهما في معرض المثلين ، ولذلك حسن الجمع بين الثلاثة التي في قوله :

ثلاثة تشرق الدنيا ببهجتها

شمس الضّحى وأبو إسحاق والقمر

أو تضادّ كالسواد والبياض والهمس والجهارة والطيب والنتن والحلاوة والحموضة والملاسة والخشونة وكالتحرك والسكون والقيام والقعود والذهاب والمجيء والاقرار والانكار والايمان والكفر وكالمتصفات بذلك كالأسود والابيض والمؤمن والكافر. أو شبه تضادّ كالسماء والارض والسهل والجبل والأول والثاني ، فإنّ الوهم ينزل المتضادين والشبيهين بهما منزلة المتضايفين فيجمع بينهما في الذهن ولذلك تجد الضد أقرب خطورا بالبال مع الضد» (٣).

الثالث : الجامع الخيالي ، وهو أن يكون بينهما علاقة تجمعهما في القوة المفكرة جمعا اعتباريا مسندا لأحدى الحواس الخمس. قال القزويني : «هو أن يكون بين تصوريهما تقارن في الخيال سابق ، وأسبابه مختلفة ولذلك اختلفت الصور الثابتة في الخيالات ترتبا ووضوحا ، فكم صور تتعانق في خيال وهي في آخر لا تتراءى. وكم صورة لا تكاد تلوح في خيال وهي في غيره نار على علم» (٤).

__________________

(١) اللسان (جمع).

(٢) الايضاح ص ١٦٢ ، وينظر التلخيص ص ١٩٢ ، مفتاح العلوم ص ١٢٤ ، شروح التلخيص ج ٣ ص ٧٦ ، المطول ص ٢٦٤ ، الأطول ج ٢ ص ١٩.

(٣) المصادر السابقة.

(٤) المصادر السابقة.

٤٤٤

وللجامع أهمية عند البلاغيين في دراسة علم المعاني ولذلك قال القزويني : «ولصاحب علم المعاني فضل احتياج الى التنبه لأنواع الجامع لا سيما الخيالي فإنّ جمعه على مجرى الإلف والعادة بحسب ما تنعقد الأسباب في ذلك كالجمع بين الابل والسماء والجبال والارض في قوله تعالى : (أَفَلا يَنْظُرُونَ إِلَى الْإِبِلِ كَيْفَ خُلِقَتْ. وَإِلَى السَّماءِ كَيْفَ رُفِعَتْ. وَإِلَى الْجِبالِ كَيْفَ نُصِبَتْ وَإِلَى الْأَرْضِ كَيْفَ سُطِحَتْ)(١) بالنسبة الى أهل الوبر فانّ جلّ انتفاعهم في معاشهم من الابل فتكون عنايتهم مصروفة اليها وانتفاعهم منها لا يحصل إلا بأن ترعى وتشرب وذلك بنزول المطر فيكثر تقلب وجوههم في السماء. ثم لا بدّ لهم من مأوى يؤويهم وحصن يتحصنون به ، ولا شيء لهم في ذلك كالجبال ، ثم لا غنى لهم لتعذر طول مكثهم في منزل عن التنقل من أرض الى سواها ، فاذا فتّش البدوي في خياله وجد صور هذه الأشياء حاضرة فيه على الترتيب المذكور بخلاف الحضري فاذا تلا قبل الوقوف على ما ذكرناه ظنّ النسق لجهله معيبا» (٢).

الجحد :

الجحد والجحود : نقيض الإقرار كالإنكار والمعرفة ، جحده جحدا وجحودا (٣).

قال ابن شيث القرشي : «الجحد وهو أن تنكر شيئا لا تتحقق فيه الانكار بل هو على حكم المبالغة. مثاله : «وقلبي قلق لما بلغني من تأملك ولا والله مالي بقلبي منذ بلغني ذلك عهد. وعندي من الألم ما لا استطيع التصبر عنه ، ولا والله ما أعرف الألم بعدم الاحساس بالحال التي أحدثها عند الوجد». وفي الشعر :

يقولون لو سلّيت قلبك لارعوى

فقلت : وهل للعاشقين قلوب (٤)

وهو الإفراط في الصفة عند ابن المعتز (٥) ، أي أنّه مبالغة كما قرر ابن شيث نفسه.

الجزالة :

الجزل : الحطب اليابس وقيل الغليظ ، ورجل جزل الرأي وامرأة جزلة بيّنه الجزالة : جيدة الرأي. واللفظ الجزل : خلاف الركيك (٦).

قال ابن شيث القرشي عن الجزالة والسهولة : «وهذان النوعان من محاسن الكتابة فإنّ الكاتب الكيّس يطلب أحدهما فإن وجد فيه المقصود وكان الكلام له فيه منقادا وإلا طلب الآخر. وأكثر المطبوعين يميلون الى النوع الثاني وهو لعمري خليق بالميل اليه لبعده من التكلف.

فالاول : «إن شئت لقانا فالقنا في القنا ، فان أسياقنا تشرئب الى شرب الدماء كما تشرئب الى الماء خواطر النفوس الظماء وتحب أن تخب بنا الجياد في الهيجاء كما يخب لسان الملجلج في الهجاء. فالغمرة الخمرة ، والعجاجة الزجاجة ونحن شربها وندمانها وغيرنا قتيلها وسكرانها» (٧).

والثاني : «أنت يا أخي وفقك الله أودّ الى قلبي من الماء الزلال عند العطش وأحب الى ناظري من السفور عند الغبش. ولو أوتيت مطالبي لم أفارقك طرفة عين ولم أطالب الأنام من بعدك بثار ولا من قربك بدين ، وقلبك شهيد دعواي وضميرك سمير نجواي ، فما أحدثك من محنتي إلّا بما أنت به عليم ولا أحدث بك من الشغف إلا ما هو عندك قديم. فصموتي إعراب وإعراضي إقبال على الثقة لا إضراب».

__________________

(١) الغاشية الآيات ١٧ ـ ٢٠.

(٢) الايضاح ص ١٦٤ ، التلخيص ص ١٩٤.

(٣) اللسان (جحد).

(٤) معالم الكتابة ص ٨١.

(٥) البديع ص ٦٥.

(٦) اللسان (جزل).

(٧) لقانا : مصدر لقي ، فالقنا : فعل أمر ، القنا : جمع قناة وهي الرمح. اشرأب : رفع رأسه للشرب.

تخب : الخبب : نوع من المشي. الغمرة : الشدة.

٤٤٥

وكثيرا ما يقع الناس في هذين النوعين من الجهامة ويحسبونها من النوع الأول ، وفي الركاكة ويحسبونها من النوع الأول ، وفي الركاكة ويحسبونها من النوع الثاني. فالأول في الشعر كثير لا يحصى ومنه قول حبيب :

خذي عبرات عينك من زماعي

وصوني ما أزلت من القناع

أقلّي قد أضاق بكاك ذرعي

وما ضاقت بنازلة ذراعي

أآلفة النحيب كم افتراق

أطلّ فكنت داعية اجتماع

والثاني قليل في الاشعار إلا عند المحسنين الكبار وهو :

تمنّع من شميم عرار نجد

فما بعد العشية من عرار (١)

الجمع :

جمع الشيء عن تفرقة يجمعه جمعا ، وجمعت الشيء إذا جئت به من ههنا وههنا. (٢)

قال خلف الأحمر : «لم أر أجمع من بيت لامرئ القيس ، وهو قوله :

أفاد وجاد وساد وزاد

وقاد وذاد وعاد وأفضل

ولا أجمع من قوله :

له أيطلا ظبي وساقا نعامة

وإرخاء سرحان وتقريب تنفل (٣)

وأدخل السّكّاكي الجمع في المحسّنات المعنوية وقال : «هو أن تدخل شيئين فصاعدا في نوع واحد» (٤). كقوله تعالى : (الْمالُ وَالْبَنُونَ زِينَةُ الْحَياةِ الدُّنْيا)(٥). وقول الشاعر :

إنّ الفراغ والشّباب والجده

مفسدة للمرء أي مفسده

وتبعه ابن مالك في التعريف والأمثلة والبلاغيون الآخرون كالقزويني وشراح التلخيص والعلوي والحموي والسيوطي والمدني (٦).

جمع الأوصاف :

عدّه القاضي الجرجاني من أصناف البديع وقال بعد كلامه على التقسيم : «ومما يقارب هذا جمع الأوصاف» (٧).

وقال ابن رشق بعد باب التقسيم : «هذا وما قبله يسمّى جمع الأوصاف وسمّاه بعض الحذاق من أهل الصناعة التعقيب» (٨). ومثال قول أبي دواد :

بعيد مدى الطّرف خاظي البضيع

ممرّ المطا سمهريّ العصب

وقول النابغة :

حديد الطّرف والمنك

ب والعرقوب والقلب

وقد يعدّ فيه التقفية والترصيع مثل قول الشاعر :

فالعين قادحة والرجل ضارحة

واليد سابحة واللون غربيب

__________________

(١) معالم الكتابة ص ٧٤ ـ ٧٥. العرار : واحدها عرارة ، وهو زهر اصفر ناعم طيب الرائحة.

(٢) اللسان (جمع).

(٣) الحيوان ج ٣ ص ٥٢.

(٤) مفتاح العلوم ص ٢٠٠.

(٥) الكهف ٤٦.

(٦) المصباح ص ١١٢ ، الايضاح ص ٣٥٧ ، التلخيص ص ٣٦٣ ، شروح التلخيص ج ٤ ص ٣٣٥ ، المطول ص ٤٢٨ ، الاطول ج ٢ ص ١٩٩ ، الطراز ج ٣ ص ١٤٢ ، خزانة الادب ص ٣٦١ ، معترك ج ١ ص ٤٠٣ ، الاتقان ج ٢ ص ٩٢ ، شرح عقود الجمان ص ١١٨ ، أنوار الربيع ج ٣ ص ٣٧١ ، نفحات ص ١٤٧ ، التبيان في البيان ص ٣٣١ ، شرح الكافية ص ١٦٦.

(٧) الوساطة ص ٤٧.

(٨) العمدة ج ٢ ص ٢٥.

٤٤٦

والشدّ منهمر والماء منحدر

والقصب مضطمر والمتن ملحوب (١)

جمع المؤتلف والمختلف :

قال العسكري : «هو أن يجمع في كلام قصير أشياء كثيرة مختلفة أو متفقة» (٢) ، كقوله تعالى :(فَأَرْسَلْنا عَلَيْهِمُ الطُّوفانَ وَالْجَرادَ وَالْقُمَّلَ وَالضَّفادِعَ وَالدَّمَ آياتٍ مُفَصَّلاتٍ)(٣). ومنه قول امرئ القيس :

سماحة ذا وبرّ ذا ووفاء ذا

ونائل ذا إذا صحا وإذا سكر

وقول أبي تمام :

غدا الشّيب مختطّا بفوديّ خطّة

سبيل الردى منها الى النّفس مهيع

هو الزور يجفى والمعاشر يجتوي

وذو الإلف يقلى والجديد يرقّع

وسمّاه التّبريزي «جمع المؤتلفة والمختلفة» ولم يعرّفه (٤) واكتفى ببيت امرئ القيس مثالا. وفعل مثله البغدادي وقال : «ويقال إنّه لم يجمع واحد في بيت واحد جماعة أشياء قبله» (٥).

وسمّاه المصري «جمع المختلفة والمؤتلفة» ، وقال : «والذي أقول في هذه التسمية إنّها عبارة عن أن يريد الشاعر التسوية بين ممدوحين فيأتي بمعان مؤتلفة في مدحهما ويروم بعد ذلك ترجيح أحدهما على الآخر بزيادة فصل لا ينقص بها مدح الآخر فيأتي لأجل الترجيح بمعان تخالف معاني التسوية» (٦). ومنه قوله تعالى : (وَداوُدَ وَسُلَيْمانَ إِذْ يَحْكُمانِ فِي الْحَرْثِ إِذْ نَفَشَتْ فِيهِ غَنَمُ الْقَوْمِ وَكُنَّا لِحُكْمِهِمْ شاهِدِينَ. فَفَهَّمْناها سُلَيْمانَ وَكُلًّا آتَيْنا حُكْماً وَعِلْماً)(٧).

ومنه قول الخنساء في أخيها وقد أرادت مساواته بأبيها مع مراعاة حقّ الوالد بزيادة فضل لا ينقص بها حق الولد :

جارى أباه فأقبلا وهما

يتعاوران ملاءة الحضر

وهما وقد برزا كأنّهما

صقران قد حطّا الى وكر

حتى إذا نزت القلوب وقد

لزّت هناك العذر بالعذر

وعلا هتاف الناس أيّهما

قال المجيب هناك : لا أدري

برقت صحيفة وجه والده

ومضى على غلوائه يجري

أولى فأولى أن يساويه

لو لا جلال السنّ والكبر (٨)

قال المصري : «وأول من فتح باب هذا المعنى فيما أظن زهير حيث قال :

هو الجواد فإن يلحق بشأوهما

على تكاليفه فمثله لحقا

أو يسبقاه على ما كان من مهل

فمثل ما قدّما من صالح سبقا

لكنّ لشعر الخنساء من الفضل في هذا المعنى ما ليس لغيره وتداول الناس هذا المعنى بعدها وابتذله

__________________

(١) تضرح الحصا : تنحيه وتبعده. سابحة : تسير بلطف. غربيب : أسود. الشد : العدو والجري ، القصب : المعى.

(٢) كتاب الصناعتين ص ٤٠١.

(٣) الأعراف ١٣٣.

(٤) الوافي ص ٢٨٨.

(٥) قانون البلاغة ص ٤٥٤.

(٦) تحرير التحبير ص ٣٤٤ ، بديع القرآن ص ١٢٧.

(٧) الانبياء ٧٨ ـ ٧٩.

(٨) الحضر : الارتفاع في العدو. العذر جمع عذار.

صحيفة : بشرة جلده. الغلواء : الغلو في الجري والسرعة فيه.

٤٤٧

الشعراء» (١) ومن جمع المختلفة والمؤتلفة ضرب يأتي الشاعر فيه بأسماء مؤتلفة ثم يصفها بصفات مختلفة كقول الشاعر :

لله ليلتنا إذ صاحباي بها

بدر وبدر سماويّ وأرضيّ

إنّ الهوى والهواء الطّلق معتدلا

هذا وهذا ربيعيّ طبيعيّ

بتنا جميعا وكلّ في السماع وفي

شرب المدام حجازيّ عراقيّ

أسقى وأسقي نديما غاب ثالثنا

فالدّور منا يمينيّ شماليّ

ومن جمع المختلفة والمؤتلفة قول العباس بن الأحنف :

وصالكم صرم وحبّكم قلى

وعطفكم صدّ وسلمكم حرب

فان الوصل والحب والعطف والسلم من المؤتلفة ، والصرم والقلى والصد والحرب من المختلفة.

وسمّاه السبكي بتسمية المصري ونقل تعريفه (٢) ، ورجع الحموي الى مصطلح العسكري وقال : «هذا النوع ـ أعني جمع المؤتلف والمختلف ـ ذكر المؤلفون فيه أقوالا كثيرة غير سديدة ومثلوه بأمثلة غير مطابقة ، ولم يحرره ويطابقه بالامثلة اللائقة غير الشيخ زكي الدين بن أبي الاصبع» (٣) وذكر تعريفه وأمثلته.

وفعل مثله السيوطي (٤) ، وقال المدني : «هذا النوع اختلفت فيه أقوال المؤلفين وعبّروا عنه بعبارات غير سديدة ومثّلوا له بأمثلة غير مطابقة» (٥) ثم ذكر تعريف المصري وأمثلته كما فعل الحموي.

الجمع مع التّفريق :

أدخله السكاكي في المحسنات المعنوية وقال : «هو أن تدخل شيئين في معنى واحد وتفرق جهتي الادخال» (٦) ، كقوله :

قد اسودّ كالمسك صدغا

وقد طاب كالمسك خلقا

فانه شبّه الصدغ والخلق بالمسك ثم فرق بين وجهي المشابهة.

وذكر ابن مالك مثل ذلك ، (٧) وذكر الحلبي والنويري بيتا غير السابق وهو قول الوطواط :

فوجهك كالنار في ضوئها

وقلبي كالنار في حرّها (٨)

وقال القزويني «شبّه وجه الحبيب وقلب نفسه بالنار ، وفرّق بين وجهي المشابهة» (٩) ، وذكر قوله تعالى : (وَجَعَلْنَا اللَّيْلَ وَالنَّهارَ آيَتَيْنِ فَمَحَوْنا آيَةَ اللَّيْلِ وَجَعَلْنا آيَةَ النَّهارِ مُبْصِرَةً)(١٠). وتبع القزويني شراح التلخيص والسيوطي والمدني (١١).

ومن أمثلة هذا النوع قول مروان بن أبي حفصة :

__________________

(١) تحرير ص ٣٤٥.

(٢) عروس الافراح ج ٤ ص ٤٦٩.

(٣) خزانة الادب ص ٤٢٠ ، نفحات ص ١٥٣ ، شرح الكافية ص ٢٧٦.

(٤) معترك ج ١ ص ٤٠٤ ، الاتقان ج ٢ ص ٩٢ ، شرح عقود الجمان ص ١٣٩.

(٥) أنوار الربيع ج ٦ ص ٦٩.

(٦) مفتاح العلوم ص ٢٠١.

(٧) المصباح ص ١١٣.

(٨) حسن التوسل ص ٢٨١ ، نهاية الارب ج ٧ ص ١٥٣.

(٩) الايضاح ص ٣٥٩ ، التلخيص ص ٣٦٤.

(١٠) الاسراء ١٢.

(١١) شروح التلخيص ج ٤ ص ٣٣٨ ، المطول ص ٤٢٩ ، الاطول ج ٢ ص ٢٠١ ، معترك ج ١ ص ٤٠٣ ، الاتقان ج ٢ ص ٩٢ ، شرح عقود الجمان ص ١١٩ ، أنوار الربيع ج ٥ ص ١٦٨ ، نفحات ص ١٦٠ ، التبيان في البيان ص ٣٣٣ ، شرح الكافية ص ١٧٠.

٤٤٨

تشابه يوماه علينا فأشكلا

فما نحن ندري أيّ يوميه أفضل

أيوم نداه الغمر أم يوم بأسه

وما منهما إلا أغرّ محجّل

فإنّه أدخل يوميه في التشابه والاشكال ثم فرّق بينهما فجعل أحدهما للبذل والسماحة ، والثاني للنجدة والشجاعة.

وقول البحتري :

ولما التقينا والنقا موعد لنا

تعجّب رائي الدرّ حسنا ولا قطه

فمن لؤلؤ تجلوه عند ابتسامها

ومن لؤلؤ عند الحديث تساقطه

فجمع المرئي من الدر والملقوط منه في كونهما متعجبا منهما ، ثم فرّق بينهما فجعل الأول مجلوا عند الابتسام وهو ثغره ، وجعل الثاني مسقطا عند المحادثة وهو حديثه.

الجمع مع التّفريق والتّقسيم :

ذكر الرازي الجمع والتفريق والتقسيم في وجه واحد وقال : «وأما الجمع مع التفريق والتقسيم فكقول الحاتمي :

ومن قيّد المعبود قيّد عبده

وذلك باد وهو خاف على القلب

فقيدك في أسر وقيدي في الأسى

وذاك على أجل وهذا على قلب (١)

وأدخله السكاكي في المحسنات المعنوية (٢) وقال : «كما إذا قلت :

فكالنار ضوء وكالنار حرّا

محيّا حبيبي وحرقة بالي

فذلك من ضوئه في اختيال

وهذا لحرقته في اختلال

ولك أن تلحق بهذا القبيل قوله ـ عز سلطانه ـ : (يَوْمَ يَأْتِ لا تَكَلَّمُ نَفْسٌ إِلَّا بِإِذْنِهِ فَمِنْهُمْ شَقِيٌّ وَسَعِيدٌ. فَأَمَّا الَّذِينَ شَقُوا فَفِي النَّارِ لَهُمْ فِيها زَفِيرٌ وَشَهِيقٌ. خالِدِينَ فِيها ما دامَتِ السَّماواتُ وَالْأَرْضُ إِلَّا ما شاءَ رَبُّكَ إِنَّ رَبَّكَ فَعَّالٌ لِما يُرِيدُ. وَأَمَّا الَّذِينَ سُعِدُوا فَفِي الْجَنَّةِ خالِدِينَ فِيها ما دامَتِ السَّماواتُ وَالْأَرْضُ إِلَّا ما شاءَ رَبُّكَ عَطاءً غَيْرَ مَجْذُوذٍ)(٣).

وعلّق القزويني على كلامه تعالى بقوله : «أمّا الجمع ففي قوله : (يَوْمَ يَأْتِ لا تَكَلَّمُ نَفْسٌ إِلَّا بِإِذْنِهِ) فإنّ قوله (نَفْسٌ) متعدد معنى لأنّ النكرة في سياق النفي تعمّ ، وأمّا التفريق ففي قوله : (فَمِنْهُمْ شَقِيٌّ وَسَعِيدٌ ،) وأمّا التقسيم ففي قوله : (فَأَمَّا الَّذِينَ شَقُوا) الى آخر الآية الثانية» (٤).

وذكر قول ابن شرف القيرواني :

لمختلفي الحاجات جمع ببابه

فهذا له فنّ وهذا له فنّ

فللخامل العليا وللمعدم الغنى

وللمذنب العتبى وللخائف الأمن

وتبعه في ذلك شرّاح التلخيص والسيوطي والمدني (٥).

والجمع بين هذه الاشياء الثلاثة صعب ولذلك قال الوطواط : «جمع هذه الأشياء الثلاثة مع بعضها مشكل للغاية» (٦).

__________________

(١) نهاية الايجاز ص ١١٦.

(٢) مفتاح العلوم ص ٢٠١.

(٣) هود ١٠٥ ـ ١٠٨.

(٤) الايضاح ص ٣٦٠ ، التلخيص ص ٣٦٦.

(٥) شروح التلخيص ج ٤ ص ٣٤١ ، المطول ص ٤٣٠ ، الاطول ج ٢ ص ٢٠٢ ، معترك ج ١ ص ٤٠٤ ، الاتقان ج ٢ ص ٩٢ ، شرح عقود الجمان ص ١٢٠ ، أنوار الربيع ج ٥ ص ١٧٦ ، التبيان في البيان ص ٣٣٦.

(٦) حدائق السحر ص ١٨٠.

٤٤٩

الجمع مع التّقسيم :

أدخله السكاكي في المحسنات المعنوية وقال : «هو أن تجمع أمورا كثيرة تحت حكم ثم تقسّم أو تقسم ثم تجمع. مثال الأول قول المتنبي :

الدّهر معتذر والسيف منتظر

وأرضهم لك مصطاف ومرتبع

للسبي ما نكحوا والقتل ما ولدوا

والنهب ما جمعوا والنار ما زرعوا

فإنّه جمع في البيت الأول أرض العدو وما فيها في كونها خالصة للممدوح وقسّم في الثاني :

ومثال الثاني قول حسان ـ رضي‌الله‌عنه ـ :

قوم إذا حاربوا ضرّوا عدوّهم

أو حاولوا النفع في أشياعهم نفعوا

سجيّة تلك منهم غير محدثة

إنّ الخلائق فاعلم شرّها البدع

فانه قسّم في البيت الأول حيث ذكر ضرهم للاعداء ونفعهم للاولياء ثم جمع في الثاني فقال : «سجية تلك» (١).

وذكر ذلك ابن مالك والحلبي والنويري والقزويني وشراح التلخيص والحموي والسيوطي والمدني (٢).

الجناس :

هو التّجانس والتّجنيس والمجانسة (٣) ، وقد تقدّم في «التجنيس». والذين سمّوه جناسا ذكروا أقسامه بهذا الاسم وهي :

جناس الإشارة :

هو تجنيس الإشارة (٤).

جناس الاشتقاق :

هو تجنيس الاشتقاق ويسمّى المقتضب أيضا (٥).

جناس الإضمار :

هو تجنيس الاضمار (٦).

جناس الإطلاق :

هو تجنيس الاطلاق (٧).

الجناس التّامّ :

هو تجنيس التامّ (٨).

جناس التّحريف :

هو تجنيس التحريف ، أو الجناس المحرف (٩).

__________________

(١) مفتاح العلوم ص ٢٠١.

(٢) المصباح ص ١١٣ ، حسن التوسل ص ٢٨٣ ، نهاية الارب ج ٧ ص ١٥٤ ، الايضاح ص ٣٥٩ ، التلخيص ص ٣٦٥ ، شروح التلخيص ج ٤ ص ٣٣٩ ، المطول ص ٤٢٩ ، الأطول ج ٢ ص ٢٠١ ، خزانة الادب ص ٣٥٦ ، معترك ج ١ ص ٤٠٤ ، الاتقان ج ٢ ص ٩٢ ، شرح عقود الجمان ص ١٢٠ ، أنوار الربيع ج ٥ ص ١٧٣ ، نفحات ص ٢١٦ ، التبيان في البيان ص ٣٣٤ ، شرح الكافية ص ١٧١.

(٣) الايضاح ص ٣٨٢ ، التلخيص ص ٢٨٨ ، جوهر الكنز ص ٩١ ، شروح التلخيص ج ٤ ص ٤١٢ ، المطول ص ٤٤٥ الأطوال ج ٢ ص ٢٢١ ، معترك ج ١ ص ٣٩٩ ، الاتقان ج ٢ ص ٩٠ ، شرح عقود الجمان ص ١٤٣ ، انوار الربيع ج ١ ص ٩٧ ، جنى الجناس ص ٧٣ ، شرح الكافية ص ٦٠.

(٤) أنوار الربيع ج ١ ص ٢١٧.

(٥) معترك ج ١ ص ٤٠١.

(٦) أنوار الربيع ج ١ ص ٢٠٩.

(٧) معترك ج ١ ص ٤٠١.

(٨) معترك ج ١ ص ٣٩٩ ، شرح عقود الجمان ص ١٤٣ ، خزانة الادب ص ٣٠ ، أنوار الربيع ج ١ ص ١٤٨ ، جنى الجناس ص ٧٣ ، نفحات ص ٣٧.

(٩) جوهر الكنز ص ٩٤ ، أنوار الربيع ج ١ ص ٨٥.

٤٥٠

جناس التّرجيع :

هو تجنيس الترجيع (١).

جناس التّركيب :

هو تجنيس التركيب (٢).

جناس التّصحّف :

هو تجنيس التصحيف (٣).

جناس التّصريف :

هو تجنيس التصريف (٤).

جناس التّنوين :

قال السبكي : «وهو إمّا مقصور نحو شجى وشجن أو منقوص مثل مطاعن ومطاع في قافية نونية» (٥).

الجناس الحقيقيّ :

هو التجنيس الحقيقي (٦).

جناس الخطّ :

هو التجنيس المصحف (٧).

جناس العكس :

هو التجنيس المعكوس والمقلوب (٨).

جناس القلب :

هو تجنيس القلب (٩).

الجناس اللّاحق :

هو التجنيس اللاحق (١٠).

الجناس اللّفظيّ :

هو التجنيس اللفظي (١١).

الجناس المتشابه :

هو التجنيس المتشابه (١٢).

الجناس المتوازن :

هو أن تتفق الكلمتان في الوزن وتختلفا فيما عداه (١٣).

الجناس المتوّج :

قال السّيوطي وهو يتحدّث عن الجناس الذي يقع فيه الاختلاف بأكثر من حرف : «سمّاه في التلخيص (١٤) مذيلا وهو مخصوص بما كانت الزيادة في الآخر فإن كانت في الأول فسمّاه بعضهم متوّجا ... وسمّاه في كنز البلاغة (١٥) ترجيعا لأنّ الكلمة رجعت بذاتها بزيادة» (١٦). ومنه قوله تعالى :

__________________

(١) جوهر الكنز ص ٩٥ ، جنى الجناس ص ٢٤٤. (١٦) شرح عقود الجمان ص ١٤٥.

(٢) جوهر الكنز ص ٩٧ ، شرح عقود الجمان ص ١٤٤.

(٣) جوهر الكنز ص ٩٤ ، جنى الجناس ص ١٨٠.

(٤) جوهر الكنز ص ٩٤ ، أنوار الربيع ج ١ ص ١٤٥.

(٥) عروس الافراح ج ٤ ص ٤٣٢.

(٦) جوهر الكنز ص ٩٢.

(٧) معترك ج ١ ص ٤٠٠ ؛ جنى الجناس ص ١٨٠.

(٨) جوهر الكنز ص ٩٦ ، الطراز ج ٢ ص ٣٦٨ ، خزانة ص ٣٩ ، أنوار الربيع ج ١ ص ١٩٥ ، جنى الجناس ص ١٩٧.

(٩) معترك ج ١ ص ٤٠١.

(١٠) خزانة ص ٢٨ ، معترك ج ١ ص ٤٠٠ ، أنوار الربيع ج ١ ص ١٤٠ ، نفحات ص ٣٣.

(١١) خزانة ص ٣٨ ، معترك ج ١ ص ٤٠٠ ، شرح عقود الجمان ص ١٤٦ ، أنوار الربيع ج ١ ص ١٩٣ ، جنى الجناس ص ٢٦٧.

(١٢) الاطول ج ٢ ص ٢٢٤.

(١٣) شرح الفوائد الغياثية ص ٣٥٢.

(١٤) التلخيص ص ٣٩١ ، الايضاح ص ٣٨٦.

(١٥) جوهر الكنز ص ٩٥.

٤٥١

(إِنَّ رَبَّهُمْ بِهِمْ)(١) ، وقوله (مَنْ آمَنَ بِاللهِ)(٢) ، وحديث الشيخين : «في الحبّة السوداء الشفاء من كل داء» ، وحديث الديلمي : «ضع بصرك موضع سجودك» وقال البستي :

أبا العباس لا تحسب بأنّي

بشيء من حلى الأشعار عاري

فلي طبع كسلسال معين

زلال من ذرى الأحجار جاري

الجناس المجنّب :

هو التجنيس المجنّب (٣).

الجناس المجنّح :

قال السّيوطي : «هو أن يقع أحد المقلوبين أول البيت والآخر آخره» (٤) كقول الشاعر :

لاح أنوار الهدى

من كفّه في كلّ حال

الجناس المحرّف :

هو التجنيس المحرف (٥).

الجناس المذيّل :

هو التجنيس المذيّل (٦).

الجناس المردوف :

قال السّيوطي وهو يتحدّث عن الجناس الناقص : «وهو قسمان : أحدهما أن يقع الاختلاف بحرف واحد إمّا في الأول أو الوسط أو الطرف ويكون في نوع أو نوعين ، فالأول سمّيته أنا بالمردوف لأنّ حرف الزيادة مردوف بما وقع فيه التجانس» (٧) ، كقوله تعالى : (وَالْتَفَّتِ السَّاقُ بِالسَّاقِ. إِلى رَبِّكَ يَوْمَئِذٍ الْمَساقُ)(٨) ، وحديث الصحيحين : «الايمان يمان» ، وحديث الطبراني : «ترك الوصية عار في الدنيا ونار وشنار في الآخرة».

الجناس المرفوّ :

هو التجنيس المرفوّ (٩).

الجناس المركّب :

هو تجنيس التركيب (١٠).

الجناس المزدوج :

هو التجنيس المزدوج (١١).

الجناس المستوفى :

هو التجنيس المستوفى (١٢).

الجناس المشتقّ :

لم يعدّه ابن حجة من الجناس لأنّ معنى المشتق

__________________

(١) العاديات ١١.

(٢) البقرة ٦٢.

(٣) المثل السائر ج ١ ص ٢٦٣ ، الجامع الكبير ص ٢٦٣.

(٤) شرح عقود الجمان ص ١٤٧.

(٥) خزانة ص ٣٦ ، معترك ج ١ ص ٤٠٠ ، شرح عقود الجمان ص ١٤٤ ، الاطول ج ٢ ص ٢٢٤ ، أنوار الربيع ج ١ ص ١٨٥ ، نفحات الازهار ص ٢٧.

(٦) خزانة ص ٢٨ ، معترك ج ١ ص ٤٠٠ ، شرح عقود الجمان ص ١٤٥ ، الاطول ج ٢ ص ٢٦٦ ، أنوار الربيع ج ١ ص ١٣٤.

(٧) شرح عقود الجمان ص ١٤٥.

(٨) القيامة ٢٩ ـ ٣٠.

(٩) معترك ج ١ ص ٤٠١ ، شرح عقود الجمان ص ١٤٤ ، أنوار الربيع ج ١ ص ١١١.

(١٠) خزانة الادب ص ٢٠ ، أنوار الربيع ج ١ ص ٩٨ ، جنى الجناس ص ١٢١ ، نفحات الازهار ص ١٢.

(١١) شرح عقود الجمان ص ١٤٧.

(١٢) شرح عقود الجمان ص ١٤٤ ، الأطول ج ٢ ص ٢٢٣ ، أنوار الربيع ج ١ ص ١٤٨.

٤٥٢

يرجع الى أصل واحد ، والمراد من الجناس اختلاف المعنى في ركنيه (١). ومثال المشتق قوله تعالى : (يا أَيُّهَا الْكافِرُونَ. لا أَعْبُدُ ما تَعْبُدُونَ. وَلا أَنْتُمْ عابِدُونَ ما أَعْبُدُ. وَلا أَنا عابِدٌ ما عَبَدْتُّمْ)(٢) ، والجمع راجع الى العبادة والمعنى في الاشتقاق راجع الى أصل واحد.

ومنه قوله تعالى : (وَمِنْ شَرِّ حاسِدٍ إِذا حَسَدَ)(٣).

ومنه قوله ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ : «الظّلم ظلمات يوم القيامة».

ومنه قول عمرو بن كلثوم :

ألا لا يجهلن أحد علينا

فنجهل فوق جهل الجاهلينا

ومن لطيف ذلك قول كشاجم في خادم أسود مشهور بالظلم :

يا مشبها في فعله لونه

لم تحظ ما أوجبت القسمه

فعلك من لونك مستخرج

والظّلم مشتق من الظّلمه

الجناس المشوّش :

هو التجنيس المشوّش (٤).

الجناس المصحّف :

هو التجنيس المصحّف (٥) ، وقال السّيوطي : «ويسمّى جناس الخط» (٦).

الجناس المضارع :

هو التجنيس المضارع (٧).

الجناس المضاف :

وهو ما سمّاه الرماني المزاوجة (٨) ، كقول البحتري :

أيا قمر التّمام أعنت ظلما

عليّ تطاول الليل التّمام

قال القاضي الجرجاني : «ومعنى التمام واحد في الامرين ولو انفرد لم يعد تجنيسا ولكنّ أحدهما صار موصولا بالقمر والآخر بالليل فكانا كالمختلفين ، وقد يكون من هذا الجنس ما تجانس به المفرد بالمضاف وقد تكون الاضافة اسما ظاهرا ومكنيا وقد تكون نسبا ومن أملح ما سمعت فيه قول أبي الفتح ابن العميد :

فان كان مسخوطا فقل شعر كاتب

وإن كان مرضيّا فقل شعر كاتب (٩)

الجناس المطرّف :

هو التجنيس المطرّف (١٠).

الجناس المطلق :

هو التجنيس المطلق (١١).

الجناس المطمع :

هو التجنيس المطمع (١٢).

__________________

(١) خزانة الادب ص ٢٥.

(٢) الكافرون ١ ـ ٤.

(٣) الفلق ٥.

(٤) شرح عقود الجمان ص ١٤٨ ، أنوار الربيع ج ١ ص ٢٢١ ، جنى الجناس ص ٢٧٥.

(٥) خزانة ص ٣٦ ، شرح عقود الجمان ص ١٤٤ ، أنوار الربيع ج ١ ص ١٨٠.

(٦) معترك ج ١ ص ٤٠٠ ، جنى الجناس ص ١٨٠ ، نفحات ص ٣٣.

(٧) خزانة الادب ص ٢٩ ، معترك ج ١ ص ٤٠٠.

(٨) النكت في إعجاز القرآن ص ٩١ ، العمدة ج ١ ص ٣٣٠.

(٩) الوساطة ص ٤٢ ، وينظر جنى الجناس ص ٢٨٣.

(١٠) خزانة ص ٣٠ ، شرح عقود الجمان ص ١٤٥ ، الاطول ج ٢ ص ٢٢٦ ، أنوار الربيع ج ١ ص ١٧١ ، نفحات الأزهار ص ٢٣.

(١١) خزانة ص ٢٠ ، أنوار الربيع ج ١ ص ١١٤ ، جنى الجناس ص ٢٧٢ ، نفحات ص ٢٩.

(١٢) شرح عقود الجمان ص ١٤٦ ، جنى الجناس ص ٢١٠.

٤٥٣

الجناس المعتلّ :

قال السّبكي : «هو ما تقابل في لفظيه حرفا مدلولين متغايرين أصليان أو زائدان مثل : نار ونور وشمال وشمول» (١).

الجناس المعكوس :

هو التجنيس المعكوس (٢).

الجناس المعنويّ :

هو تجنيس المعنى او المعنوي (٣).

جناس المغايرة :

هو التجنيس المغاير (٤).

الجناس المفروق :

هو التجنيس المفروق (٥).

الجناس المقرون :

وهو الجناس المتشابه وهو «ما اتفق ركناه لفظا وخطا» (٦) ، كقول أبي الفتح البستي :

إذا ملك لم يكن ذا هبه

فدعه فدولته ذاهبه

الجناس المقصور :

قال السّبكي : «ومنها التجنيس المقصور نحو سنا وسناء ، ومثل جنا وجناح» (٧).

الجناس المقلوب :

هو تجنيس القلب وجناس العكس (٨).

الجناس المكتنف :

قال السّيوطي وهو يتحدّث عن أنواع الجناس الناقص : «والثاني سمّيته أنا بالمكتنف لأنّ حرف الزيادة فيه مكتنف أي متوسّط بين ما اكتنفاه» (٩) ، كقولهم : «جدي جهدي» ، وحديث احمد : «الشيطان ذئب الانسان كذئب الغنم يأخذ الشاة الشاذة» ، وحديث مسلم «ما أنزل الله داء إلا أنزل له دواءا».

الجناس المكرّر :

هو التجنيس المكرر والمزدوج (١٠).

الجناس الملفّق :

هو التجنيس الملفّق (١١).

الجناس الملفوف :

أدخله السيوطي في جناس التركيب وقال : «هو ما تركّب من كلمتين تامتين أو ثلاث كلمات» (١٢).

ويكون متشابها وذلك بأن يتفقا في الخط كقول البستي :

إذا ملك لم يكن ذا هبه

فدعه فدولته ذاهبه

__________________

(١) عروس الافراح ج ٤ ص ٤٣٢.

(٢) المثل السائر ج ١ ص ٢٦١.

(٣) خزانة ص ٤١ ، شرح عقود الجمان ص ١٤٧ ، أنوار الربيع ج ١ ص ٢٠٩ ، جنى الجناس ص ٢٧٧ ، نفحات ص ٢٠.

(٤) جوهر الكنز ص ٩٢ ، وينظر جنى الجناس ص ١٦١.

(٥) الأطول ج ٢ ص ٢٢٤ ، أنوار الربيع ج ١ ص ١٠٣.

(٦) أنوار الربيع ج ١ ص ٩٨.

(٧) عروس الافراح ج ٤ ص ٤٣٢.

(٨) خزانة الادب ص ٣٨ ، أنوار الربيع ج ١ ص ١٩٥.

(٩) شرح عقود الجمان ص ١٤٥.

(١٠) شرح عقود الجمان ص ١٤٧.

(١١) خزانة ص ٢٧ ، شرح عقود الجمان ص ١٤٤ ، أنوار الربيع ج ١ ص ١٢٦ ، نفحات ص ١٧.

(١٢) شرح عقود الجمان ص ١٤٤.

٤٥٤

وقال الآخر :

عضّنا الدّهر بنابه

ليت ما حلّ بنابه

أو مفروقا ، وذلك بأن يختلفا فيه كقول البستي :

كلّكم قد أخذ الجا

م ولا جام لنا

ما الذي ضرّ مدير ال

جام لو جاملنا؟

وقوله :

وإن أقرّ على رق أنامله

أقرّ بالرقّ كتّاب الأنام له

الجناس المماثل :

هو التجنيس المماثل (١) ، وقال التفتازاني : «سمّي جناسا مماثلا جريا على اصطلاح المتكلمين من أنّ التماثل هو الاتحاد في النوع» (٢).

الجناس النّاقص :

هو التجنيس الناقص (٣).

جودة القطع :

قال شبيب بن شيبة : «الناس موكّلون بتفضيل جودة الابتداء وبمدح صاحبه ، وأنا موكّل بتفضيل جودة القطع وبمدح صاحبه ،» (٤).

وجودة القطع هو الانتهاء وبراعة المقطع وحسن المقطع وحسن الخاتمة وحسن الختام ، وقد تقدّم «الانتهاء» و «براعة المقطع».

__________________

(١) جوهر الكنز ص ٩٣ ، شرح عقود الجمان ص ١٤٣ ، الأطول ج ٢ ص ٢٢٣ ، أنوار الربيع ج ١ ص ١٤٨.

(٢) المختصر ج ٤ ص ٤١٥.

(٣) معترك ج ١ ص ٤٠٠ ، شرح عقود الجمان ص ١٤٥ ، الأطول ج ٢ ص ٢٢٥.

(٤) البيان ج ١ ص ١١٢.

٤٥٥

الحاء

الحالي :

حليت المرأة حليا وهي حال وحالية : استفادت حليا أو لبسته (١) والحالي هو الكلام الذي يزيّن بألوان البديع ، قال الكلاعي : «وإنّما سمّينا هذا النوع الحالي لأنّه حلّي بحسن العبارة ولطف الاشارة وبدائع التمثيل والاستعارة وجاء فيه من الأسجاع والفواصل ما لم يأت في باب العاطل» (٢).

وذكر ابن شيث القرشي نوعا من السجع سماه الحالي وقال : «فالسجع الحالي كل كلمتين جاءتا في الكلام المنثور على زنة واحدة تصلح أن تكون إحداهما قافية أمام صاحبتها» (٣) مثل : «فلان لا تدرك في المجد غايته ولا تنسخ من الفضل آيته» ، وقوله ـ عليه الصلاة والسّلام ـ في تعويذ الحسن والحسين : «أعيذكما من الهامّة السامّة ومن كلّ عين لامّة» (٤) ، وقوله : «يرجعن مأزورات غير مأجورات».

الحثّ والتّحضيض :

الحث : الإعجال في اتّصال ، وقيل هو الاستعجال ما كان ، حثّه يحثّه حثا واستحثه واحتثّه.

والحضّ : ضرب من الحثّ في السير وكلّ شيء ، حضّه يحضّه حضّا وحضّضه وهم يتحاضون (٥).

والحث والتحضيض كالأمر (٦) ، ومنه قوله تعالى : (أَنِ ائْتِ الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ. قَوْمَ فِرْعَوْنَ أَلا يَتَّقُونَ)(٧) ، أي : ائتهم ومرهم بالاتقاء. وربما كان تأويلها النفي كقوله تعالى : (لَوْ لا يَأْتُونَ عَلَيْهِمْ بِسُلْطانٍ بَيِّنٍ)(٨) أي : اتخذوا من دونه آلهة لا يأتون عليهم بسلطان بيّن.

الحذف :

حذف الشيء يحذفه حذفا : قطعه من طرفه ، وحذف الشيء : إسقاطه (٩).

وذكر ابن رشيق في باب «الإشارة» (١٠) نوعا من الحذف ومثّل له بقول نعيم بن أوس يخاطب امراته :

إن شئت أشرفنا جميعا فدعا

الله كلّ جهده فأسمعا

بالخير خيرا وان شرا فآ

ولا أريد الشر إلا أنّ أنّ تآ

كذا رواه أبو زيد الأنصاري وساعده من المتأخّرين علي بن سليمان الأخفش وقال : لأنّ الرجز يدل عليه ، إلا أنّ رواية النحويين «وإن شرّافا» و «إلا أن تا» قالوا :يريد «وإن شرّا فشر ، وإلا أن تشائي» وانشدوا :

__________________

(١) اللسان (حلا).

(٢) إحكام صنعة الكلام ص ٩٧.

(٣) معالم الكتابة ص ٦٩.

(٤) الهامة : واحدة الهوام. اللامة : العين المصيبة.

(٥) اللسان (حثث) و (حضض).

(٦) الصاحبي ص ١٨٧.

(٧) الشعراء ١٠ ـ ١١.

(٨) الكهف ١٥.

(٩) اللسان (حذف).

(١٠) العمدة ج ١ ص ٣١٠.

٤٥٦

ثم تنادوا بعد تلك الضّوضا

منهم بهات وهل ويايا

نادى مناد منهم ألاتا

قالوا جميعا كلهم بلى فا

وأنشد الفرّاء : «قلت لها قومي فقالت قاف» يريد :قمت وللحذف دلالتان :

الأولى : ما ذكره البلاغيّون في باب الإيجاز بالحذف وقد تقدّم.

الثانية : ما ذكره علماء البديع المتأخّرون ، قال الوطواط : «وتكون هذه الصنعة بأن يطرح الشاعر أو الكاتب حرفا أو أكثر من حروف المعجم من نثره أو نظمه» (١) ومثاله ما يروونه من أنّ واصل بن عطاء كان يلثغ بالراء فقيل له كيف تقول : «اطرح رمحك واركب فرسك» فقال : «ألق قناتك واعل جوادك». وهذا ما أشار اليه الجاحظ من اطراح واصل لحرف الراء (٢).

ومن أمثلة الحذف قول الحريري في مقدمة الخطبة التي أوردها في مقاماته وقد حذف منها كل الحروف المنقوطة : «الحمد لله الممدوح الاسماء ، المحمود الآلاء ، الواسع العطاء ، المدعو لحسم اللأواء ...».

وحذف الحريري جميع الحروف المنقوطة من الأبيات :

أعد لحسّادك حدّ السلاح

وأورد الآمل ورد السّماح

وصارم اللهو ووصل المها

وأعمل الكوم وسمر الرماح

واسع لادراك محلّ سما

عماده لا لادّراع المراح

والله ما السؤدد حسو الطلا

ولا مراد الحمد رود رداح

قال العلوي عن هذا اللون من الحذف : «هو في مصطلح علم البيان عبارة عن التجنب لبعض حروف المعجم عن إيراده في الكلام» (٣).

وقال الحموي : «هذا النوع ـ أعني الحذف ـ عبارة عن أن يحذف المتكلم من كلامه حرفا من حروف الهجاء أو جميع الحروف المهملة بشرط عدم التكلف والتعسف. وهذا هو الغاية كما فعل الحريري في المقامة السمرقندية بالخطبة المهملة التي أجمع الناس على أنّها نسيج وحدها وواسطة العقد (٤).

وقال السّيوطي : «هو أن يحذف المتكلم من كلامه حروفا من حروف الهجاء بلا تكلف ولا تعسف بأنّ يحذف كل حرف موصول ويأتي بالجميع مقطوعة أو عكسه أو يحذف كل حرف منقوط ويأتي بالجميع مهملة أو عكسه ، أو يأتي بكلامه متخالفا حرف منه موصول وحرف مقطوع أو حرف معجم وحرف مهمل أو كلمة كل حروفها معجمة ، وكلمة كل حروفها مهملة وهكذا ، أو يلتزم حذف حرف واحد كالألف. نبّه على ذلك الرازي في نهاية الإيجاز (٥) وللحريري من ذلك أشياء في المقامات» (٦).

وذكر المدني أنّ هذا النوع من مستخرجات الإمام أبي المعالي عز الدين عبد الوهاب بن ابراهيم الزنجاني صاحب معيار النظار (٧).

ومن أمثلة هذا النوع البديعي قصيدة الصاحب اسماعيل بن عباد في مدح أهل البيت ـ عليهم‌السلام ـ وهي في سبعين بيتا وقد عرّاها من حروف

__________________

(١) حدائق السحر ص ١٦٦ ، وينظر الايضاح في شرح مقامات الحريري ص ٢٣.

(٢) البيان ج ١ ص ١٤ ـ ١٦.

(٣) الطراز ج ٣ ص ١٧٥.

(٤) خزانة الادب ص ٤٣٩.

(٥) ينظر نهاية الايجاز ص ٢٢.

(٦) شرح عقود الجمان ص ١٥٦ وينظر الروض المريع ص ١٠٦ ، ١٠٩ ، ١٤٣ ، نفحات ص ٢٥٤ ، شرح الكافية ص ٢٧٦.

(٧) أنوار الربيع ج ٦ ص ١٧٦.

٤٥٧

الألف ومطلعها :

قد ظلّ يجرح صدري

من ليس يعدوه فكري

وقصيدة ابي الحسن علي بن الحسين الهمذاني التي أخلاها من الواو ومطلعها :

برق ذكرت به الحبائب

لما بدا فالدّمع ساكب

وللحريري :

فتنتني فجنّنتني تجنّي

بتفنّ يفتنّ غبّ تجني

شغفتني بجفن ظبي غضيض

غنج يقتضي تفيّض جفني

وفي البيتين حذفت الحروف المهملة ، وجاء الحريري بالحروف متصلة.

الحذو :

يقال : حذا حذوه : أي فعل فعله ، والحذو من أجزاء القافية حركة الحرف الذي قبل الردف ، يجوز ضمته مع كسرته ولا يجوز مع الفتح غيره نحو ضمة قول مع كسره قيل وفتحة قول مع فتحة قيل (١).

وقال ابن منقذ عن الحذو والاتباع : «هو أن يكون البيت على صناعة البيت الآخر» (٢) ، كما قال سحيم :

فما بيضة بات الظّليم يحفّها

ويرفع عنها جؤجؤا متجافيا

بأحسن منها حين قالت أرائح

مع الركب أم ثاو لدينا لياليا

تبعه على هذا الحذو قوم كثير منهم من قال :

وما قطرة من ماء مزن نقاذفت

به جانب الجوديّ والليل دامس

بأعذب من فيها وقد ذقت طعمه

ولكنّني فيما ترى العين فارس

ومن ذلك لكثيّر :

وما روضة بالحزن طيبة الثرى

يمجّ جثجاثها وعرارها

بأطيب من أردان عزّة موهنا

إذا أوقدت بالمندل الرّطب نارها

ومن ذلك قول بعضهم :

ولم أر كالمعروف أمّا مذاقه

فحلو وأمّا وجهه فجميل

حذاه الآخر فقال :

ومالي مال غير درع حصينة

وأخضر من ماء الحديد صقيل

وأحمر كالديباج أمّا سماؤه

فريّا وأمّا أرضه فمحول

والحذو في هذه الامثلة لا يريد به الاتباع في المعاني والالفاظ وإنما الأخذ باسلوب السابق. ولكنّ الأمثلة الاخرى التي ذكرها ابن منقذ تظهر الحذو في المعاني والالفاظ الى جانب الاسلوب. من ذلك قول كثيّر :

وإنّي وتهيامي بعزّة بعد ما

تولّى شبابي وارجحنّ شبابها

لكالمرتجي ماء بقفراء سبسب

يغرّ به من حيث عنّ سرابها

وقوله يحذو نفسه أيضا :

وإنّي وتهيامي بعزّة بعد ما

تخلّيت مما بيننا وتخلّت

لكالمرتجي ظلّ الغمامة كلّما

تبوأ منها للمقيل اضمحلّت

وأخذه جميل بن معمر فقال : «وإنّي وتطلابي بثينة بعد ما».

__________________

(١) اللسان (حذا) وينظر الموشح ص ٧.

(٢) البديع في نقد الشعر ص ٢١٢.

٤٥٨

الحروف العاطفة والجارّة :

أدخل ابن الأثير هذا الموضوع في الصناعة المعنوية وقال : «إنّ أكثر الناس يضعون هذه الحروف في غير مواضعها فيجعلون ما ينبغي أن يجرّ بـ «على» بـ «في» في حروف الجر ، وفي هذه الأشياء دقائق أذكرها لك» (١).

أمّا حروف العطف فنحو قوله تعالى : (وَالَّذِي هُوَ يُطْعِمُنِي وَيَسْقِينِ. وَإِذا مَرِضْتُ فَهُوَ يَشْفِينِ وَالَّذِي يُمِيتُنِي ثُمَّ يُحْيِينِ)(٢) ، فالاول عطفه بالواو التي هي للجمع وتقديم الإطعام على الإسقاء والإسقاء على الإطعام جائز لو لا مراعاة حسن النظم ، ثم عطف الثاني بالفاء لأنّ الشفاء يعقب المرض بلا زمان حال من أحدهما ثم عطف الثالث بـ «ثم» لأنّ الإحياء يكون بعد الموت بزمان ولهذا جيء في عطفه بـ «ثم» التي هي للتراخي. ولو غيّر نسق الكلمات لصحّ المعنى إلا أنّه لا يكون كمعنى الآية إذ كل شيء منها قد عطف بما يناسبه ويقع موقع السداد منه.

وأمّا حروف الجر فانّ الصواب يشدّ عن وضعها في مواضعها ، ومما ورد منه قوله تعالى : (قُلْ مَنْ يَرْزُقُكُمْ مِنَ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ قُلِ اللهُ وَإِنَّا أَوْ إِيَّاكُمْ لَعَلى هُدىً أَوْ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ)(٣) ، قال ابن الاثير : ألا ترى الى بداعة هذا المعنى المقصود لمخالفة حرفي الجر ههنا ، فانّه إنما خولف بينهما في الدخول على الحق والباطل لأنّ صاحب الحق كأنه مستعل على فرس جواد يركض به حيث شاء. وصاحب الباطل كأنه منغمس في ظلام منخفض فيه لا يدري أين يتوجه. وهذا معنى دقيق قلّما يراعى مثله في الكلام ، وكثيرا ما سمعت اذا كان الرجل يلوم أخاه أو يعاتب صديقه على أمر من الامور فيقول له : أنت على ضلالك القديم كما أعهدك فيأتي بـ «على» في موضع «في» وإن كان هذا جائزا إلا أنّ استعمال «في» ههنا أولى لما أشرنا اليه» (٤).

حسن الابتداء :

هو الابتداء ، وقد تقدم. وهذه تسمية ابن المعتز فقد ذكر في محاسن الكلام «حسن الابتداءات» (٥) وقال إنّه كقول النابغة :

كليني لهم يا أميمة ناصب

وليل أقاسيه بطيء الكواكب

حسن الإتّباع :

وهذا النوع من الأخذ أو السرقات الجيدة ، قال المصري : «هو أن يأتي المتكلّم الى معنى اخترعه غيره فيحسن اتباعه فيه بحيث يستحق بوجه من وجوه الزيادات التي وجب للمتأخر استحقاق معنى المتقدّم إمّا باختصار لفظه أو قصر وزنه أو عذوبة قافيته وتمكنها أو تتميم لنقصه أو تكميل لتمامه أو تحليته بحلية من البديع يحسن بمثلها النظم ويوجب الاستحقاق» (٦).

ونقل الحلبي والنّويري والحموي والمدني كلام المصري (٧) ، ولم يبعد ابن الأثير الحلبي عنه كثيرا (٨).

ومن ذلك قول عنترة :

إني امرؤ من خير عبس منصبا

شطري وأحمي سائري بالمنصل

وقد أحسن منصور الفقيه اتباعه فقال :

__________________

(١) المثل السائر ج ٢ ص ٥٠ ، الجامع الكبير ص ٢٠١.

(٢) الشعراء ٧٩ ـ ٨١.

(٣) سبأ ٢٤.

(٤) المثل السائر ج ٢ ص ٥٣ ، الجامع الكبير ص ٢٠٣.

(٥) البديع ص ٧٥.

(٦) تحرير التحبير ص ٤٧٥ ، بديع القرآن ص ٢٠١.

(٧) حسن التوسل ص ٢٩٨ ، نهاية الارب ج ٧ ص ١٦٥ ، خزانة الادب ص ٤٠٩ ، أنوار الربيع ج ٦ ص ٥ ، نفحات ص ٢٢٢ ، شرح الكافية ص ٢٢١.

(٨) جوهر الكنز ص ١٦٠.

٤٥٩

من فاتني بأبيه

ولم يفتني بأمّه

ورام شتمي ظلما

سكتّ عن نصف شتمه

ومن هذا الباب قول ابن الرومي :

تخذتكم درعا حصينا لتدفعوا

نبال العدا عني فكنتم نصالها

وقد كنت أرجو منكم خير ناصر

على حين خذلان اليمين شمالها

فإن أنتم لم تحفظوا لمودّتي

ذماما فكونوا لا عليها ولا لها

قفوا وقفة المعذور عني بمعزل

وخلّوا نبالي للعدا ونبالها

فاتبعه ابن سنان الجفاجي الحلبي فقال :

أعددتكم لدفاع كلّ ملمّة

عونا فكنتم عون كل ملمّة

وتخذتكم لي جنّة فكأنما

نظر العدوّ مقاتلي من جنّتي

فلأنفضنّ يديّ يأسا منكم

نفض الأنامل من تراب الميّت

ومن مليح الاتّباع ما وقع بين ابن الرومي وأبي حية النميري فيما قاله ، في زينب أخت الحجاج حيث قال :

تضوّع مشكا بطن نعمان إذ مشت

به زينب في نسوة عطرات

يخمّرن أطراف البنان من التّقى

ويبرزن شطر الليل معتجرات

فهنّ اللواتي إن برزن قتلنني

وإن غبن قطّعن الحشا حسرات

وقد اتّبع ابن الرومي أبا حية في البيت الأخير فقال :

ويلاه إن نظرت وإن هي أعرضت

وقع السّهام ونزعهنّ أليم

حسن الأخذ :

يتصل هذا النوع بالسرقات ، وهي مسألة لا بدّ منها لأنّ اللاحق يتأثر بالسابق ، قال العسكري : «ليس لأحد من أصناف القائلين غنى عن تناول المعاني ممن تقدمهم والصبّ على قوالب من سبقهم. ولكن عليهم إذا أخذوها أن يكسوها ألفاظا من عندهم ويبرزوها في معارض تأليف ويوردوها في غير حليتها الأولى ويزيدوها في حسن تأليفها وجودة تركيبها وكمال حليتها ومعرضها ، فاذا فعلوا ذلك فهم أحقّ بها ممن سبق اليها. ولو لا أنّ القائل يؤدي ما سمع لما كان في طاقته أن يقول وإنما ينطق الطفل بعد استماعه من البالغين» (١). ثم قال : «وقد أطبق المتقدمون والمتأخرون على تداول المعاني بينهم فليس على أحد فيه عيب إلا إذا أخذه بلفظه كله أو أخذه فأفسده وقصّر فيه عمن تقدمه» (٢). وهذا قريب من «حسن الاتباع» بل هو نفسه لأنّ ما اشترطه العسكري ينطبق على النوعين. وقد استعمل مصطلح «حسن الاتباع» (٣) وهو يتحدث عن «حسن الأخذ» فكأنه يريد بهما معنى واحدا. ومن ذلك قول وهب بن الحارث بن زهرة :

تبدو كواكبه والشّمس طالعة

تجري على الكأس منه الصاب والمقر

أخذه النابغة فقال :

تبدو كواكبه والشّمس طالعة

لا النور نور ولا الإظلام إظلام

وأخذ قول رجل من كندة في عمرو بن هند :

هو الشمس وافت يوم دجن فأفضلت

على كلّ ضوء والملوك كواكب

فقال :

__________________

(١) كتاب الصناعتين ص ١٩٦.

(٢) كتاب الصناعتين ص ١٩٧.

(٣) كتاب الصناعتين ص ٢١٤.

٤٦٠