معجم المصطلحات البلاغيّة وتطوّرها

الدكتور أحمد مطلوب

معجم المصطلحات البلاغيّة وتطوّرها

المؤلف:

الدكتور أحمد مطلوب


الموضوع : اللغة والبلاغة
الناشر: مكتبة لبنان ناشرون
الطبعة: ٠
الصفحات: ٧٠٥

كأني لم أركب جوادا ولم أقل

لخيلي كرّي كرّة بعد إجفال

ولم أسبأ الزّقّ الرويّ للذّة

ولم أتبطّن كاعبا ذات خلخال (١)

ومن ذلك قول المتنبي :

وقفت وما في الموت شكّ

لواقف

كأنّك في جفن الردى وهو نائم

تمرّ بك الأبطال كلمى هزيمة

ووجهك وضّاح وثغرك باسم

وحكي أنّ سيف الدولة الحمداني قال للمتنبي : قد انتقدتهما عليك كما انتقد على امرئ القيس قوله : «كأني لم أركب ...» فبيتاك لم يلتئم شطراهما كما لم يلتئم شطرا بيتي امرئ القيس وكان ينبغي لك أن تقول :

وقفت وما في الموت شكّ لواقف

ووجهك وضّاح وثغرك باسم

تمرّ بك الأبطال كلمى هزيمة

كأنك في جفن الردى وهو نائم

فقال المتنبي : «إن صحّ أنّ الذي استدرك على امرئ القيس هذا هو أعلم بالشعر منه فقد أخطأ امرؤ القيس وأخطأت أنا ، ومولانا يعلم أنّ الثوب لا يعلمه البزّاز كما يعلمه الحائك لأنّ البزاز يعرف جملته والحائك يعرف تفاصيله وإنّما قرن امرؤ القيس النساء بلذة الركوب للصيد وقرن السماحة بسباء الخمر للاضياف بالشجاعة في منازلة الأعداء ، وكذلك لما ذكرت الموت في صدر البيت الأول اتبعته بذكر الردى في آخره ليكون أحسن تلاؤما ، ولما كان وجه المنهزم الجريح عبوسا وعينه باكية قلت : «ووجهك وضّاح وثغرك باسم» لأجمع بين الأضداد» (٢).

فتناسب الابيات والأشطار والارتباط بينها من أهم ما ينبغي للشاعر العناية به لئلا يحدث خلل أو تختل الصورة الشعرية إذا وقع تنافر بين العبارات.

تناسب الأطراف :

قال المدني : «تناسب الأطراف عبارة عن أن يبتدىء المتكلّم كلامه بمعنى ثم يختمه بما يناسب ذلك المعنى الذي ابتدأ به. وهذا النوع جعله الخطيب في التلخيص والإيضاح من مراعاة النظير (٣). قال :ومن مراعاة النظير ما يسمّيه بعضهم تشابه الأطراف وهو أن يختم الكلام بما يناسب أوّله في المعنى ، وقد علمت أنّ الشيخ زكي الدين بن أبي الإصبع نقل هذا الاسم وهو «تشابه الأطراف» إلى نوع التسبيغ الذي هو عبارة عن أن يعيد الشاعر لفظة القافية في أول البيت الذي يليها فتكون الأطراف متشابهة وهي تسمية مطابقة للمسمّى. وسمّى بعضهم هذا النوع «تشابه الأطراف المعنوي» وهو تطويل في العبارة فرأينا نحن تسميته بتناسب الأطراف أولى لمطابقته لمسمّاه» (٤).

وهو نوعان : ظاهر وخفيّ ، فالأوّل كقوله تعالى : (لا تُدْرِكُهُ الْأَبْصارُ وَهُوَ يُدْرِكُ الْأَبْصارَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ)(٥) فإن «اللطيف يناسب كونه غير مدرك بالابصار ، والخبير يناسب كونه مدركا للاشياء لأنّ المدرك للشيء يكون خبيرا».

الثاني كقوله تعالى : (إِنْ تُعَذِّبْهُمْ فَإِنَّهُمْ عِبادُكَ وَإِنْ تَغْفِرْ لَهُمْ فَإِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ)(٦). فان قوله ـ سبحانه ـ : (وَإِنْ تَغْفِرْ لَهُمْ) يوهم أنّ الفاصلة «الْغَفُورُ الرَّحِيمُ» ولكن اذا أمعن وانعم النظر علم أنّه يجب أن تكون على ما عليه التلاوة لأنّه لا يغفر لمن يستحق

__________________

(١) عيار الشعر ص ١٢٤.

(٢) المثل السائر ج ٢ ص ٣٠٣ ـ ٣٠٤ ، الجامع الكبير ص ٢١٧.

(٣) الايضاح ص ٣٤٤ ، التلخيص ص ٣٥٤.

(٤) أنوار الربيع ج ٤ ص ١٩٥.

(٥) الانعام ١٠٣.

(٦) المائدة ١١٨.

٤٢١

العذاب إلا من ليس فوقه أحد يرد عليه حكمه فهو «الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ».

التّناسب بين المعاني :

عقد ابن الأثير بابا في الصناعة المعنوية سمّاه «التّناسب بين المعاني» (١) ، وهو عنده ثلاثة أقسام :المطابقة وصحة التقسيم وفساده وترتيب التفسير وما يصح من ذلك وما يفسد. وكل قسم من هذه الأقسام نوع في هذا المعجم.

تناسب الفصول والوصول :

ذكر ذلك المرزوقي في شرحه لديوان الحماسة (٢) ولم يفسّره ، ولعلّه يريد به معرفة الفصل من الوصل وصحّة استعمالهما لاهميتهما في الكلام ، وقد عدّوهما من أصعب المواضع.

التّنافر :

النّفر : التفرق ، نفر القوم ينفرون نفرا ونفيرا ، ونفر : فرّ. وتنافروا : ذهبوا ، وتفرقوا (٣).

قال الجاحظ : «ومن ألفاظ العرب ألفاظ تتنافر وإن كانت مجموعة في بيت شعر لم يستطع المنشد انشادها إلا ببعض الاستكراه فمن ذلك قول الشاعر :

وقبر حرب بمكان قفر

وليس قرب قبر حرب قبر

ولما رأى من لا علم له أنّ أحدا لا يستطيع أن ينشدها هذا البيت ثلاث مرات في نسق واحد فلا يتتعتع ولا يتلجلج وقيل لهم إنّ ذلك إنّما اعتراه إذ كان من أشعار الجن ، صدّقوا بذلك» (٤). ومن ذلك قول ابن يسير في احمد بن يوسف حين استبطأه :

لم يضرها والحمد لله شيء

وانثنت نحو عزف نفس ذهول

قال الجاحظ : «فتفقّد النصف الاخير من هذا البيت فانك ستجد بعض ألفاظه يتبرأ من بعض» (٥).

وتحدث القزويني عن تنافر الحروف وقال : «فالتنافر منه ما تكون الكلمة بسببه متناهية في الثقل على اللسان وعسر النطق بها كما روي أنّ أعرابيا سئل عن ناقته فقال : «تركتها ترعى الهعخع». ومنه ما هو دون ذلك كلفظ «مستشزر» في قول امرئ القيس :

غدائره مستشزرات الى العلى

تضلّ العقاص في مثنّى ومرسل (٦)

وتحدث عن تنافر الكلمات وقال : «والتنافر منه ما تكون الكلمات بسببه متناهية في الثقل على اللسان وعسر النطق بها ، متتابعة كما في البيت الذي أنشده الجاحظ :

وقبر حرب بمكان قفر

وليس قرب قبر حرب قبر

ومنه ما دون ذلك كما في قول أبي تمام :

كريم متى أمدحه أمدحه والورى

معي وإذا ما لمته لمته وحدي

فانّ في قوله : «أمدحه» ثقلا ما بين الحاء والهاء من تنافر» (٧). وسار شراح التلخيص على خطا القزويني في بحث التنافر (٨).

التّناقض :

النقض : إفساد ما أبرمت من عقد أو بناء ، وناقضه في الشيء مناقضة ونقاضا : خالفه ، والمناقضة في

__________________

(١) المثل السائر ج ٢ ص ٢٧٩ وما بعدها ، الجامع الكبير ص ٢١١ وما بعدها.

(٢) شرح ديوان الحماسة ج ١ ص ٦.

(٣) اللسان (نفر).

(٤) البيان ج ١ ص ٦٥.

(٥) البيان ج ١ ص ٦٦.

(٦) الايضاح ص ٢ ، التلخيص ص ٢٤.

(٧) الايضاح ص ٢٥ ، التلخيص ص ٢٦.

(٨) شروح التلخيص ج ١ ص ٧٧ ، ٩٩ ، المطول ص ١٦ ، ٢٠ ، الأطول ج ١ ص ١٨ ، ٢٣.

٤٢٢

القول أن يتكلم بما يتناقض معناه (١). وقال الشريف الجرجاني : «التناقض : هو اختلاف القضيتين بالايجاب والسلب بحيث يقتضي لذاته صدق إحداهما وكذب الأخرى» (٢).

تحدّث قدامة عن التناقض وقال : «إنّ مناقضة الشاعر نفسه في قصيدتين أو كلمتين بأن يصف شيئا وصفا حسنا ثم يذمه بعد ذلك ذمّا حسنا أيضا غير منكر عليه ولا معيب من فعله إذا أحسن المدح والذمّ بل ذلك عندي يدلّ على قوة الشاعر في صناعته واقتداره عليها» (٣). وتحدّث في عيوب المعاني عن الاستحالة والتناقض وهما «أن يذكر في الشعر شيء فيجمع بينه وبين المقابل له من جهة واحدة. والأشياء تتقابل على أربع جهات : إمّا على طريق المضاف ومعنى المضاف هو الشيء الذي يقال بالقياس الى غيره مثل الضعف الى نصفه والمولى الى عبده والأب الى ابنه ... وإمّا على طريق التضادّ مثل الشّرّير للخير والحارّ للبارد والأبيض للأسود. وإمّا على طريق العدم والقنية (٤) مثل الأعمى والبصير والأصلع وذي اللحية. وإما على طريق النفي والاثبات مثل أن يقال : «زيد جالس» : «زيد ليس بجالس».

فاذا أتى في الشعر جمع بين متقابلين من هذه المتقابلات وكان الجمع من جهة واحدة فهو عيب فاحش غير مخصوص بالمعاني الشعرية بل هو لاحق بجميع المعاني» (٥).

فمما جاء في الشعر من التناقض على طريق المضاف قول عبد الرحمن بن عبد الله القس :

فاني إذا ما الموت حلّ بنفسها

يزال بنفسي قبل ذاك فأقبر

فقد جمع بين «قبل» و «بعد» وهما من المضاف لأنّه لا قبل إلا لبعد ولا بعد إلا لقبل ، حيث قال : «إنه اذا وقع الموت بها» وهذا القول كأنّه شرط وضعه ليكون له جواب يأتي به ، وجوابه هو قوله : «يزال بنفسي قبل ذاك» وهذا شبيه بقول قائل لو قال : «إذا انكسر الكوز انكسرت الجرة قبله».

ومما جاء على جهة التضاد قول أبي نواس يصف الخمرة :

كأنّ بقايا ما عفا من حبابها

تفاريق شيب في سواد عذار

فشبّه حباب الكأس بالشيب وذلك قول جائز ؛ لأنّ الحباب يشبه الشيب في البياض وحده لا في شيء آخره غيره ، ثم قال :

تردّت به ثم انفرى عن أديمها

تفرّي ليل عن بياض نهار

فالحباب الذي جعله في هذا البيت الثاني كالليل هو الذي كان في البيت الاول أبيض كالشيب ، والخمر التي كانت في البيت الاول كسواد العذار هي التي صارت في البيت الثاني كبياض النهار. وليس في هذا التناقض منصرف الى جهة من جهات العذر لأنّ الابيض والأسود طرفان متضادان.

ومما جاء من التناقض على طريقة القنية والعدم قول يحيى بن نوفل :

لأعلاج ثمانية وشيخ

كبير السنّ ذي بصر ضرير

فلفظة «ضرير» إنّما تستعمل في الاكثر للذي لا بصر له وقول هذا الشاعر في هذا الشيخ إنّه ذو بصر وإنّه ضرير تناقض من جهة القنية والعدم. وذلك أنّه كأنه يقول : «إنّ له بصرا ولا بصر له ، فهو بصير أعمى».

ومما جاء على طريق الايجاب والسلب قول عبد الرحمن بن عبد الله القس :

__________________

(١) اللسان (نقض).

(٢) التعريفات ص ٦٠.

(٣) نقد الشعر ص ١٨.

(٤) القنية : الشيء ، أو ما اكتسب.

(٥) نقد الشعر ص ٢٣٢ ، وينظر سر الفصاحة ص ٢٨١ ، قانون البلاغة ص ٤١٣ ، البديع في نقد الشعر ص ١٧٦ ، منهاج البلغاء ص ١٣٨.

٤٢٣

أرى هجرها والقتل مثلين فاقصروا

ملامكم فالقتل أعفى وأيسر

فأوجب هذا الشاعر الهجر والقتل أنّهما مثلان ثم سلبهما ذلك بقوله : «إنّ القتل أعفى وأيسر» فكأنه قال : «إنّ القتل مثل الهجر وليس هو مثله».

التّنبيه :

نبّهه وأنبهه من النوم فتنبّه وانتبه ، وانتبه من نومه :استيقظ ، والتنبيه مثله. ونبّهه من الغفلة فانتبه وتنبّه :أيقظه ، وتنبّه على الأمر : شعر به ونبّهته على الشي :وقّفته عليه فتنبه هو عليه (١).

قال التبريزي : «هو أن يقول الشاعر بيتا يرسله إرسال غير متحرز من المنتقد عليه ثم يتنبّه على ذلك فيستدرك موضع الطعن عليه بما يصلحه وربما كان ذلك في الشطر الأول من البيت فيتلافاه في الشطر الثاني وربما كان في بيت فيتلافاه في الثاني» (٢) ، كقول بعضهم :

هو الذئب أو للذئب أو فى أمانة

وما منهما إلا أزلّ خؤون

كأنه لما قال : «أو للذئب أو فى أمانة» تنبه على أنّ قائلا يقول له : وأية أمانة في الذئب؟ فقال مستدركا لخطئه : «وما منهما إلا أزلّ خؤون» فسلم له البيت.

ومن ذلك :

إذا ما ظمئت الى ريقها

جعلت المدامة منه بديلا

وأين المدامة من ريقها

ولكن أعللّ قلبا عليلا

فنبّه بقوله : «وأين المدامة من ريقها» على قول القائل : وهل تكون المدامة بدلا عن ريقها ، فاستدرك عند ذلك بقوله : «ولكن أعللّ قلبا عليلا».

وبعد أن ذكر العلوي ما ذكره التبريزي وابن الزملكاني قال : «ومما هو منسحب في أذيال التنبيه التتميم ، وهو أن نأخذ في بيان معنى فيقع في نفسك أنّ السامع لم يتصوره على حدّ حقيقته وإيضاح معناه فتعود اليه مؤكدا له فيندرج تحت ما ذكرناه من خاصة التنبيه» (٣). وهذا كقول ابن الرومي :

آراؤكم ووجوهكم وسيوفكم

في الحادثات إذا دجون نجوم

منها معالم للهدى ومصابح

تجلو الدّجى والأخريات رجوم

فقوله : «نجوم» ورد غير مشروح لأنّه يفهم منه ما ذكره من التفصيل في البيت الآخر فلهذا كان مبهما فلما شرح تقاسيم النجوم في البيت الثاني جاء متمما له ومكملا لمعناه. قال العلوي : «فلا جرم كان معنى التتميم فيه حاصلا وكان فيه التنبيه على ما ذكرناه فلهذا أوردناه على أثر التنبيه لما كان قريبا منه وملتصقا به ، فكان أحقّ بالايراد على أثره» (٤).

التّندير :

ندر الشيء يندر ندورا : سقط ، وقيل : سقط وشذّ ، ونوادر الكلام تندر وهي ما شذّ وخرج من الجمهور (٥).

التندير من مبتدعات المصري ، وقد قال في تعريفه : «هو أن يأتي المتكلم بنادرة حلوة أو مجنة مستطرفة ، وهو يقع في الجدّ والهزل» (٦). ومن لطيف ما جاء منه في الجد وبديعه قوله تعالى : (فَإِذا جاءَ الْخَوْفُ رَأَيْتَهُمْ يَنْظُرُونَ إِلَيْكَ تَدُورُ أَعْيُنُهُمْ كَالَّذِي يُغْشى عَلَيْهِ مِنَ الْمَوْتِ)(٧). وأما ما جاء منه في الهزل

__________________

(١) اللسان (نبه).

(٢) الوافي ص ٢٩٨ ، وينظر البيان ص ١٨٩ ، وينظر الروض المريع ص ٧٧ ، ٨٨.

(٣) الطراز ج ٣ ص ٨٨.

(٤) الطراز ج ٣ ص ٨٩.

(٥) اللسان (ندر).

(٦) تحرير التحبير ص ٥٧١ ، بديع القرآن ص ٢٨٥.

(٧) الأحزاب ١٩.

٤٢٤

فكقول أبي تمام فيمن سرق له شعرا وهو محمد بن يزيد الرقي :

من بنو بحدل من ابن الجباب

من بنو تغلب غداة الكلاب

من طفيل من عامر أم من الحا

رث أم من عتيبة بن شهاب

إنّما الضّيغم الهصور أبو الأش

بال هتّاك كلّ خيس وغاب

من عدت خيله على سرح شعري

وهو للحين راتع في كتاب

يا عذارى الكلام صرتنّ من بع

دي سبايا تبعن في الأغراب

لو ترى منطقي أسيرا لأصبح

ت أسيرا ذا عبرة واكتئاب

طال رغبي اليك مما أقاسي

ه ورهبي يا ربّ فاحفظ ثيابي

وقال المصري في الفرق بينه وبين التهكم والهزل الذي يراد به الجد : «إنّ التندير ظاهر جدّ وباطنه هزل بخلاف البابين» (١).

وقال الحلبي والنويري : «هو أن يأتي المتكلم بنادرة حلوة أو نكتة مستظرفة يعرض فيها بمن يريد ذمه بأمر ، وغالبا ما يقع في الهزل» (٢) ، وذكرا أبيات أبي تمام أيضا.

التّنزيل :

أنزله غيره واستنزله بمعنى ، ونزّله تنزيلا ، والتنزيل أيضا : الترتيب والتنزيل : النزول في مهلة (٣).

والتنزيل هو ترتيب الأشياء من الأعلى الى الأدنى ، وقد ذكره الدّمنهوري فقال : «الانتقال من الادنى الى الأعلى في الوجوه المرادة نحو : «لا أبالي بالوزير ولا بالسلطان» والتنزيل عكس الترقي نحو : «هذا الأمر لا يعجز السلطان ولا الوزير» (٤). وقد ورد هذا النوع في قول عبد الرحمن الخضري :

تعريض او الغاز ارتقاء

تنزيل او تأنيس او إيحاء

التّنسيق :

النسق من كلّ شيء : ما كان على طريقة نظام واحد ، وقد نسّقته تنسيقا ، والتنسيق : الترتيب (٥).

تحدّث الوطواط عن «تنسيق الصفات» وقال : «وتكون هذه الصنعة بأن يذكر الكاتب أو الشاعر شيئا بجملة أسماء أو جملة صفات متوالية» (٦).

كقوله تعالى : (هُوَ اللهُ الَّذِي لا إِلهَ إِلَّا هُوَ الْمَلِكُ الْقُدُّوسُ السَّلامُ الْمُؤْمِنُ الْمُهَيْمِنُ الْعَزِيزُ الْجَبَّارُ الْمُتَكَبِّرُ سُبْحانَ اللهِ عَمَّا يُشْرِكُونَ)(٧). ومنه قوله ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ : «ألا أخبركم بأحبّكم إليّ وأقربكم مني مجالس يوم القيامة ، أحاسنكم أخلاقا ، الموطؤون أكنافا ، الذين يألفون ويؤلفون. ألا أخبركم بأبغضكم اليّ وأبعدكم مني مجالس يوم القيامة أسوؤكم أخلاقا الثرثارون المتفيهقون». ومنه قول العباس بن عبد المطلب في مدح المصطفى عليه‌السلام :

وأبيض يستسقى الغمام بوجهه

ثمال اليتامى عصمة للأرامل

وقول حسان :

بيض الوجوه كريمة أحسابهم

شمّ الأنوف من الطرّاز الأوّل

__________________

(١) تحرير ص ٥٧٣ ، بديع القرآن ص ٢٨٥.

(٢) حسن التوسل ص ٣٠٧ ، نهاية الارب ج ٧ ص ١٧٢.

(٣) اللسان (نزل).

(٤) حلية اللب ص ١٧١.

(٥) اللسان (نسق).

(٦) حدائق السحر ص ١٥٠.

(٧) الحشر ٢٣.

٤٢٥

وذكر الرازي تنسيق الصفات ومثّل له بالآية السابقة (١) ، وقال الحلبي والنويري عن تنسيق الصفات : «هو أن يذكر الشيء بصفات متوالية» (٢).

وسمّاه المصري «حسن النسق» وقال : «هو أن تأتي الكلمات من النثر والأبيات من الشعر متتاليات متلاحمات تلاحما سليما مستحسنا لا مستهجنا.

والمستحسن من ذلك أن يكون كل بيت إذا أفرد قام بنفسه واستقلّ معناه بلفظه وإن ردفه مجاوره صار بمنزلة البيت الواحد بحيث يعتقد السامع أنّهما اذا انفصلا تجزأ حسنهما ونقص كمالهما وتقسّم معناهما وهما ليس كذلك بل حالهما في كمال الحسن وتمام المعنى مع الانفراد والافتراق كحالهما مع الالتئام والاجتماع» (٣). ومن ذلك قوله تعالى : (وَقِيلَ يا أَرْضُ ابْلَعِي ماءَكِ ، وَيا سَماءُ أَقْلِعِي ، وَغِيضَ الْماءُ ، وَقُضِيَ الْأَمْرُ ، وَاسْتَوَتْ عَلَى الْجُودِيِّ ، وَقِيلَ بُعْداً لِلْقَوْمِ الظَّالِمِينَ)(٤) ، وقد جاءت الجمل في هذه الآية الكريمة معطوفا بعضها على بعض بواو النسق على الترتيب الذي تقتضيه البلاغة.

ومن الشعر قول زهير :

ومن يعص أطراف الزجاج فإنّه

يطيع العوالي ركبّت كلّ لهذم (٥)

فانّه نسق على هذا البيت عدة أبيات ، كل بيت معطوف على ما قبله بالواو عطف تلاحم. وهذا من شواهد عطف بيت على بيت ، وقد يكون حسن النسق في جمل البيت الواحد كقول ابن شرف القيرواني :

جاور عليا ولا تحفل بحادثة

إذا ادّرعت فلا تسأل عن الأسل (٦)

سل عنه وانطق وانظر اليه تجد

ملء المسامع والأفواه والمقل

وسمّاه ابن الأثير الحلبي التمزيج وحسن الارتباط وحسن الترتيب وحسن النسق وعرّفه بما يقرب من تعريف المصري (٧). وتحدث عنه في باب آخر باسم «حسن النسق والانسجام» ونقل تعريف المصري ونقل بعض أمثلته (٨). وتبعهما ابن قيم الجوزية وعرّف هذا النوع بتعريف المصري أيضا (٩). وقال الحموي : «هذا النوع أعني حسن النسق ويسمّى التنسيق من محاسن الكلام وهو أن يأتي المتكلم بالكلمات من النثر والأبيات من الشعر متتاليات متلاحمات تلاحما سليما مستحسنا مستبهجا وتكون جملها ومفرداتها متسقة متوالية اذا أفرد منها البيت قام بنفسه واستقل معناه بلفظه» (١٠).

وذكر السّيوطي قولين في هذا الفن :

الأوّل : ما ذكره الرازي والحلبي والنويري وهو «أن يذكر الشيء بصفات متوالية».

الثاني : قول أصحاب البديعيات وهو ما ذكره المصري والحموي (١١). ولكنّه ذكر الرأي الثاني في «الاتقان» وحده وعرّف حسن النسق بتعريف البلاغيين السابقين ولا سيما تعريف المصري ومثاله القرآني (١٢).

وذكر المدني الرأيين أيضا ، ونقل التعريفين المعروفين لكل رأي (١٣).

__________________

(١) نهاية الايجاز ص ١١٣.

(٢) حسن التوسل ص ٢٤٨ ، نهاية الارب ج ٧ ص ١٣١.

(٣) تحرير التحبير ص ٤٢٥ ، بديع القرآن ص ١٦٤.

(٤) هود ٤٤.

(٥) الزجاج : جمع زج ، والزج : الحديدة التي في أسفل الرمح. اللهذم : الماضي في ضربته.

(٦) الأسل : الرماح.

(٧) جوهر الكنز ص ١٥٤.

(٨) جوهر الكنز ص ٢٩٧.

(٩) الفوائد ص ١٩١.

(١٠) خزانة الادب ص ٤١٥ ، نفحات ص ٢٠٤.

(١١) شرح عقود الجمان ص ١٤٩.

(١٢) الاتقان ج ٢ ص ٩٢.

(١٣) أنوار الربيع ج ٦ ص ١٣٢.

٤٢٦

تنسيق الصّفات :

هو التنسيق المتقدم ، وقد سمّاه كذلك الوطواط والرازي والحلبي والنّويري (١).

التّنظير :

النظر : تأمّل الشيء بالعين. وتقول العرب : نظرت الى كذا وكذا ، من نظر العين ونظر القلب. واذا قيل نظرت في الامر كان تفكرا وتدبرا بالقلب (٢).

قال المصري : «هو أن ينظر الانسان بين كلامين إما متفقي المعاني أو مختلفي المعاني ليظهر الأفضل منهما» (٣). مثال الأول قول يزيد بن الحكم الثقفي من شعراء الحماسة :

يا بدر والأمثال يض

ربها لذي اللّبّ الحكيم

دم للخليل بودّه

ما خير ودّ لا يدوم

واعرف لجارك حقّه

والحقّ يعرفه الكريم

واعلم بأنّ الضّيف يو

ما سوف يحمد أو يلوم

فنظر بين هذه الوصايا وبين قوله تعالى : (وَبِذِي الْقُرْبى وَالْيَتامى وَالْمَساكِينِ وَالْجارِ ذِي الْقُرْبى وَالْجارِ الْجُنُبِ وَالصَّاحِبِ بِالْجَنْبِ وَابْنِ السَّبِيلِ وَما مَلَكَتْ أَيْمانُكُمْ)(٤).

ومثال الثاني ما اقتصه الأعشى من قصة السموأل في وفائه بأدراع امرئ القيس التي أودعه اياها عند دخوله بلاد الروم ، وقصيدة الأعشى مطلعها :

كن كالسموأل إذ طاف الهمام به

في جحفل كسواد الليل جرّار

قال المصري : «هذه القصيدة أجمع العلماء البصراء بنقد الكلام على تقديمها في هذا الباب على جميع الاشعار التي اقتصت فيها القصص وتضمنت الأخبار. واذا نظرت بينها وبين قوله تعالى في سورة يوسف (وَرَفَعَ أَبَوَيْهِ عَلَى الْعَرْشِ ...)(٥) رأيت تفاوت ما بين الكلامين وأدركت الفرق بين البلاغتين» (٦).

والتنظير من مبتدعات المصري ، وهو قريب مما ذكره النقاد في باب الموازنة بين الكلام.

التّنكيت :

التنكيت مصدر نكّت إذا أتى بنكتة وأصله من النكت ، وهو أن تضرب في الارض بقضيب ونحوه فتؤثر فيها لأنّ المتكلم إذا أتى في كلامه بدقيقة احتاج السامع في استخراجها الى فضل تأمل وتفكر ينكت معه الأرض كما هو شأن المتأمل (٧).

قال ابن منقذ : «التنكيت هو أن تقصد شيئا دون أشياء لمعنى من المعاني ولو لا ذلك لكان خطأ من الكلام وفسادا في النقد» (٨). فقد سئل ابن عباس عن قوله تعالى : (وَأَنَّهُ هُوَ رَبُّ الشِّعْرى)(٩) لم لم يقل : «الثريا» فقال : كان قد ظهر في العرب رجل يقال له ابن أبي كبشة عبد الشعرى لأنّها أكبر نجم في السماء فقصدها الله تعالى دون النجوم لأنّها عبدت ولم تعبد الثريا.

وسئل الاصمعي عن قول الخنساء :

يذكّرني طلوع الشّمس صخرا

وأذكره لكلّ غروب شمس

__________________

(١) حدائق السحر ص ١٥٠ ، نهاية الايجاز ص ١١٣ ، حسن التوسل ص ٢٤٨ ، نهاية الارب ج ٧ ص ١٣١ ، نفحات ص ٢٠٤.

(٢) اللسان (نظر).

(٣) بديع القرآن ص ٢٣٨.

(٤) النساء ٣٦.

(٥) يوسف ١٠٠.

(٦) بديع القرآن ص ٢٤١.

(٧) أنوار الربيع ج ٥ ص ٣٥٣.

(٨) البديع في نقد الشعر ص ٥٦.

(٩) النجم ٤٩.

٤٢٧

لم خصّت طلوع الشمس وغروبها دون أثناء النهار؟فقال : لأنّ وقت الطلوع وقت الركوب الى الغارات ، ووقت الغروب وقت قرى الضيفان ، فذكرته في هذين الوقتين مدحا له بأنّه كان يغير على اعدائه ويقري أضيافه.

وأخذ المصري وابن الاثير الحلبي والحموي والسيوطي والمدني بتعريف ابن منقذ وأمثلته (١) وقال الحموي : «هذا النوع أعني التنكيت يستحق لغرابته أن يعدّ مع المماثلة والموازنة ومع التطريز والترصيع» (٢) ، وقد عدّه السيوطي مختصا بالفصاحة دون البلاغة ، مثله في ذلك مثل الفرائد (٣).

التّنكير :

النكرة إنكارك الشيء وهو نقيض المعرفة والنكرة خلاف المعرفة ، والتنكير خلاف التعريف (٤). وقد تقدّم الكلام عليه في «التعريف والتنكير».

التّهجين :

الهجنة من الكلام ما يعيبك ، والتهجين : التقبيح (٥).

قال ابن منقذ : «هو أن يصحب اللفظ والمعنى لفظ آخر ومعنى آخر يزري به ولا يقوم حسن أحدهما بقباحة الآخر» (٦) فيكون كمدح بعضهم لعبد الله البجلي حيث قال :

يقال عبد الله من بجيله

نعم الفتى وبئست القبيله

فقال عبد الله : ما مدح من هجي قومه.

ومن ذلك قول النابغة :

نظرت إليك بحاجة لم يقضها

نظر العليل الى وجوه العوّد

هجّن البيت بذكر العلة.

ومنه قول بعض العرب :

ألا إنما ليلى عصا خيزرانة

إذا غمزوها بالأكفّ تلين

ذكر ابن قتيبة أنّه لما أنشده بشارا قال له : هجّنت شعرك بقولك «عصا» ولو قلت : «عصا مخّ» أو «زبد» لم تزل الهجنة.

وأحسن من هذا قولي :

وحوراء المدامع من معدّ

كأنّ حديثها ثمر الجنان

أذا قامت لطيتها تثنّت

كأنّ عظامها من خيزران

ومنه قول أبي تمام :

تسعون ألفا كآساد الشّرى نضجت

جلودهم قبل نضج التين والعنب

قيل : إنّه هجين ؛ لأنّه لا فائدة في اختصاصه بالتين والعنب دون التمر.

التّهذيب :

التهذيب كالتنقية ، هذب الشيء يهذبه هذبا وهذّبه : نقّاه وأخلصه (٧). عقد ابن منقذ بابا سماه «التهذيب والترتيب» وقال : «ومن التهذيب أن يخلص المعنى قبل السبك للفظ والقوافي قبل الأبيات» (٨). وأتبع الباب بجملة وصايا تتصل بنظم

__________________

(١) تحرير التحبير ص ٤٩٩ ، بديع القرآن ص ٢١٢ ، جوهر الكنز ص ٢١٦ ، خزانة الادب ص ٣٧٥ ، معترك ج ١ ص ٣٩٦ ، الاتقان ج ٢ ص ٩٠ ، شرح عقود الجمان ص ١٥٠ ، أنوار الربيع ج ٥ ص ٣٥٣ ، شرح الكافية ص ٢٧٤.

(٢) خزانة الادب ص ٣٧٥ ، نفحات ص ١٧٣.

(٣) شرح عقود الجمان ص ١٥٠.

(٤) اللسان (نكر).

(٥) اللسان (هجن).

(٦) البديع في نقد الشعر ص ١٥٦.

(٧) اللسان (هذب).

(٨) البديع في نقد الشعر ص ٢٩٥.

٤٢٨

الشعر وجودة الكلام وحسن سبكه وترتيبه.

وعقد المصري بابا لهذا الفن وقال : «التهذيب عبارة عن ترداد النظر في الكلام بعد عمله لينقح ويتنبه منه لما مرّ على الناثر أو الشاعر حين يكون مستغرق الفكر في العمل فيغير منه ما يجب تغييره ويحذف ما ينبغي حذفه ويصلح ما يتعين اصلاحه ويكشف عما يشكل عليه من غريبه وإعرابه ويحرر ما لم يتحرر من معانيه وألفاظه حتى تتكامل صحته وتروق بهجته» (١). وذكر بعض ما يتصل بتنقيح الشعر ووصية أبي تمام للبحتري في صناعة المنظوم ، وقال إنّ التهذيب ثلاثة أقسام :

الاول : قسم يكون بعد الفراغ من نظم الكلام باعادة النظر في لينقحه ويحرره ، وهذا القسم لا يقع في الكتاب العزيز.

الثاني : قسم هو حسن الترتيب في النظم إما في الارتقاء في الأدنى الى الأعلى او بتقديم ما يجب تقديمه وتأخير ما يجب تأخيره.

الثالث : قسم يعضد المعنى أو يقل التركيب او سوء الجوار ، إما في حروف مفردات الكلمة فيتجنب وقت التأليف تلك اللفظة التي وقع فيها ذلك من المواضع الأول أو سوء الجوار في مجاورة الكلام بعضه لبعض إذا كانت بهذه المثابة (٢).

وقال المصري ايضا : «إنّ التهذيب لا شاهد له يخصه لأنّه وصف يعمّ كل كلام منقح محرر ، إلا أنّا نلخص فيه ما يعرف به وهو أن نقول : كل كلام قيل فيه لو كان موضع هذه الكلمة غيرها أو لو تقدم هذا المتأخر أو تأخر هذا المتقدم أو لو تمّ هذا النقص أو تكمل هذا الوصف أو لو حذفت هذه اللفظة بتة أو لو طرح هذا البيت جملة أو لو وضح هذا المقصد أو تسهّل هذا المطلب لكان الكلام أحسن والمعنى أبين ، فهو خال من التهذيب ، عار من التنقيح والتأديب» (٣).

ومن أمثلة ذلك قول سيف الدولة يخاطب أخاه ناصر الدولة :

وما كان لي عنها نكول وإنّما

تجاوزت عن حقّي ليغدو لك الحقّ

فإنّ سيف الدولة ـ كما قيل ـ كان قد عمل أولا «وما كان عنها لي نكول» ثم فطن الى أنّ هذا السّبك ـ يستثقل لقرب الحروف المتقاربة المخارج ، واذا قدّم «لي» على لفظة «عنها» سهل التركيب وحصل التهذيب.

ولم يخرج البلاغيون كابن الاثير الحلبي وابن قيم الجوزية والحموي والمدني عما ذكره ابن منقذ والمصري (٤).

التّهكّم :

تهكّم على الأمر وتهكّم بنا : زرى علينا وعبث بنا (٥). وقال المدني : «التهكم : التهدم في البئر ونحوها ، والاستهزاء والطعن المتدارك والتبختر والغضب الشديد والتندم على الأمر الفائت والمطر الكثير الذي لا يطاق والتغني. والمقصود هنا المعنى الثاني وهو الاستهزاء ، وفي كونه منقولا من التهدم ـ كما قال بعضهم ـ أو الغضب ـ كما قال آخرون ـ نظر ، لأنّه قد ورد التهكم بمعنى الاستهزاء في اللغة فأيّ داع الى كونه منقولا من معنى آخر؟ نعم هو في الاصطلاح أخص منه في اللغة لأنّه في اللغة بمعنى الاستهزاء مطلقا ، وفي الاصطلاح هو الخطاب بلفظ الاجلال في موضع التحقير ، والبشارة في موضع التحذير ، والوعد في مكان الوعيد ، والعذر في موضع

__________________

(١) تحرير التحيير ص ٤٠١.

(٢) بديع القرآن ص ١٥٨.

(٣) تحرير ص ٤٠٤.

(٤) جوهر الكنز ص ٢٩٥ ، الفوائد ص ٢١٨ ، خزانة ص ٢٣٥ ، أنوار الربيع ج ٥ ص ١٤٩ ، نفحات ص ١٨٠ ، شرح الكافية ص ٢٥٩.

(٥) اللسان (هكم).

٤٢٩

اللوم ، والمدح في معرض السخرية ، ونحو ذلك» (١).

وذكر الزمخشري التهكم في تفسيره لقوله تعالى :(لَهُ مُعَقِّباتٌ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ يَحْفَظُونَهُ مِنْ أَمْرِ اللهِ)(٢) ، وقال : «يحفظونه في توهمه وتقديره من أمر الله أي من قضاياه ونوازله أو على التهكم به» (٣).

وقال المصري إنّ هذا الفن من مبتدعاته وذكر الآية السابقة وأشار الى الزمخشري ، وكلامه حق إذا أريد به أنّه أوّل من عقد للتهكم بابا ، لأنّ البلاغيين السابقين لم يذكروه (٤). قال في تعريفه : «هو في الاستعمال عبارة عن الاتيان بلفظ البشارة في موضع الإنذار والوعد في مكان الوعيد والمدح في معرض الاستهزاء» (٥) ، ومثال البشارة قوله تعالى : (بَشِّرِ الْمُنافِقِينَ بِأَنَّ لَهُمْ عَذاباً أَلِيماً)(٦) ، ومثال الاستهزاء قوله : (ذُقْ إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْكَرِيمُ)(٧). ومثال المدح في موضع الاستهزاء قول ابن الذّورى في ابن أبي حصينة من أبيات :

لا تظنّنّ حدبة الظّهر عيبا

فهي في الحسن من صفات الهلال

وكذاك القسيّ محدودبات

وهي أنكى من الظّبا والعوالي

وإذا ما علا السّنام ففيه

لقروم الجمال أيّ جمال

وذنابى القطاة وهي كما تع

لم كانت موصوفة بالجلال

وأرى الانحناء في منسر البا

زيّ لم يعد مخلب الرئبال

كوّن الله حدبة فيك إن شئ

ت من الفضل أو من الإفضال

فأتت ربوة على طود حلم

طال أو موجة ببحر نوال

ما رأتها النساء إلا تمنّت

لو غدت حلية لكلّ الرجال

وكقول ابن الرومي :

فيا له من عمل صالح

يرفعه الله الى أسفل

والفرق بين التهكم والهزل الذي يراد به الجد أنّ التهكم ظاهره جدّ وباطنه هزل وهو ضد الأول ؛ لأنّ الهزل الذي يراد به الجدّ يكون ظاهره هزلا وباطنه جدا.

ولا يخرج كلام الآخرين كابن مالك والحلبي والنويري والعلوي والسبكي والحموي والسيوطي والمدني عما ذكره المصري في تعريف التهكم وأمثلته (٨).

التوأم :

التوأم من جميع الحيوان : المولود مع غيره في بطن من الاثنين الى ما زاد ، وقد يستعار في جميع المزدوجات. وذهب بعض أهل اللغة الى أنّ توأم «فوعل» من الوئام وهو الموافقة والمشاكلة ، يقال :هو يوائمني أي يوافقني (٩).

والتوأم هو التشريع وقد تقدم ، والذي سمّاه بهذا

__________________

(١) أنوار الربيع ج ٢ ص ١٨٥ ، وينظر خزانة الأدب ص ٩٨.

(٢) الرعد ١١.

(٣) الكشاف ج ٢ ص ٤٠٣.

(٤) ينظر خزانة ص ٩٨ ، أنوار الربيع ج ٢ ص ١٩٣ ـ ١٩٤ ، شرح الكافية ص ٨٨.

(٥) تحرير التحبير ص ٥٦٨ ، بديع القرآن ص ٢٨٣.

(٦) النساء ١٣٨.

(٧) الدخان ٤٩.

(٨) المصباح ص ١١١ ، حسن التوسل ص ٣١٨ ، نهاية الارب ج ٧ ص ١٧٩ ، الطراز ج ٣ ص ١٦١ ، عروس الافراح ج ٤ ص ٤٧٢ ، خزانة ص ٩٨ ، شرح عقود الجمان ص ١٣٠ ، أنوار الربيع ج ٢ ص ١٨٥ ، نفحات الأزهار ص ٦٢.

(٩) اللسان (تأم).

٤٣٠

الاسم المصري وقال : «وهذا الباب أيضا سمّاه الاجدابي «التشريع» وفسّره بأن قال : هو أن يبني الشاعر البيت أو الناثر على قافيتين إذا اقتصر على إحداهما كان البيت له وزن وإن كمّله على القافية الاخرى كان له وزن آخر وتكون القافيتان متماثلتين وتكونان مختلفتين. وهذه التسمية وإن كانت مطابقة لهذا المسمّى فهي غير معلومة عند الكافة فسميته «التوأم» وهو أن يكون للبيت ـ كما ذكر قافيتان» (١).

التّوارد :

ورد فلان ورودا : حضر ، وورد الماء وردا وورودا وورد عليه : أشرف عليه. وارده. ورد معه ، وتورّدت الخيل البلدة : اذا دخلتها قليلا قليلا قطعة قطعة (٢).

وتوارد القوم الماء وردوا معا ، والشاعران اتفقا على معنى واحد يوردانه جميعا بلفظ واحد من غير أخذ ولا سماع. ذكر القاضي الجرجاني هذا النوع بمعنى توارد الخواطر والافكار (٣) ، وقال ابن منقذ : «هو أن يقول الشاعر بيتا فيقوله آخر من غير أن يسمعه» (٤) ، كما قال امرؤ القيس :

وقوفا بها صحبي عليّ مطيّهم

يقولون لا تهلك أسى وتجمّل

وقال طرفة :

وقوفا بها صحبي عليّ مطيّهم

يقولون لا تهلك أسى وتجلّد

وكما قال كثيّر عزّة :

يذكّرنيها كل ريح مريضة

لها بالتلاع القاويات نسيم (٥)

وقال جرير :

يذكّرنيها كل ريح مريضة

لها بالتلاع القاويات وئيد

وقال المظفر العلوي : «وإنّما سمّوه تواردا أنفة من ذكر السرقة وتكبرا عن السمة بها» (٦). وعرّفه السبكي تعريفا يختلف عن السابقين فقال : «التوارد ويسمى الإغراب والطرفة وهو أن يذكر الشيء المشهور على وجه غريب بزيادة أو تغيير يصيّره غريبا ، وقد تقدم هذا في أنواع التشبيه وهو أن يكون وجه الشبه مشهورا مبتذلا ولكن يلحق به ما يصيّره غريبا خاصا» (٧).

التّوافق :

التوافق : الاتفاق والتظاهر ، وقد وافقه موافقة ووفاقا واتفق معه وتوافقا (٨).

ذكر القرشي التوافق ويريد به موافقة اللفظ للفظ ولكن بلغة أخرى. قال : «وقد يقارب اللفظ اللفظ او يوافقه وأحدهما بالعربية والآخر بالفارسية» (٩). وليس هذا من البلاغة وانما ذكر للتنبيه.

التّوجيه :

توجّه اليه : ذهب ، ووجّهته في حاجة ووجّهت وجهي لله وتوجهت نحوك واليك (١٠). وقال الحموي : «التوجيه مصدر توجّه الى ناحية كذا إذا استقبلها وسعى نحوها» (١١). قال المدني : «وهو غلط واضح دل على عدم معرفته باللغة والصرف وأنّه كان فيهما راجلا جدا ، إذ لا يخفى على أصغر

__________________

(١) تحرير التحبير ص ٥٢٢ ، بديع القرآن ص ٢٣١ ، خزانة ص ١١٩ ، معترك ج ١ ص ٥٠ ، الاتقان ج ٢ ص ١٠٤ ، شرح عقود الجمان ص ١٥٥.

(٢) اللسان (ورد).

(٣) الوساطة ص ٥٢.

(٤) البديع في نقد الشعر ص ٢١٧.

(٥) القاويات : الخاليات.

(٦) نضرة الاغريض ص ٢١٨.

(٧) عروس الافراح ج ٤ ص ٤٧٠.

(٨) اللسان (وفق).

(٩) جمهرة أشعار العرب ص ١٠.

(١٠) اللسان (وجه).

(١١) خزانة الادب ص ١٣٥.

٤٣١

الطلاب أنّ «التوجيه» مصدر وجهه الى كذا توجيها ، كما يقال : وجهت وجهي لله سبحانه. وقد يقال :وجهت اليك بمعنى توجهت لازما ، واما توجّه فمصدره التوجّه ، وهذا أمر قياسي ولا يحتاج فيه الى سماع» (١).

والتوجيه : إيراد الكلام محتملا لوجهين مختلفين بأن يكون أحدهما مدحا والآخر ذما ، وقد التفت الفراء الى هذا الاسلوب ـ وإن لم يسمّه ـ عند تفسير قوله تعالى : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَقُولُوا راعِنا وَقُولُوا انْظُرْنا)(٢) فيفهم منها الذم الذي أراده اليهود والمدح الذي قصده المسلمون حين رغبوا في أن يرعاهم الرسول ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ (٣).

وأدخل السكاكي هذا النوع في المحسنات المعنوية وقال : «هو إيراد الكلام محتملا لوجهين مختلفين كقول من قال للأعور : «ليت عينيه سواء».

وللمتشابهات من القرآن مدخل في هذا النوع للأعور : «ليت عينيه سواء». وللمتشابهات من القرآن مدخل في هذا النوع باعتبار» (٤). وعرّفه القزويني بمثل ذلك (٥) وأضاف الى كلام السكاكي تفسير قوله تعالى :(وَاسْمَعْ غَيْرَ مُسْمَعٍ وَراعِنا)(٦) نقلا عن الزمخشري الذي سماه «ذا الوجهين» (٧) لأنّه يحتمل الذي أي : اسمع منا مدعوا عليك بلا سمعت ، والمدح أي : اسمع غير مسمع مكروها. ونقله الوطواط من الزمخشري وسماه «المحتمل للضدين» وقال فيه : «ويسمونه أيضا بذي الوجهين ويكون بأن يقول الشاعر بيتا من الشعر يحتمل معنيين أحدهما للمدح والآخر للهجاء» (٨).

وسار على خطا القزويني شراح التلخيص (٩) ، غير أنّ السبكي قال : «كذا أطلقه المصنف ويجب تقييده بالاحتمالين المتساويين ، فانه إن كان أحدهما ظاهرا والثاني خفيا والمراد هو الخفي كان تورية» (١٠).

وسمّى المصري التورية توجيها (١١) ، وليس الأمر كذلك لأنّ التورية فيها معنيان : قريب وبعيد ، والثاني هو المقصود ، وأما التوجيه فلا يرجح فيه أحد الوجهين ، وهما كما قال ابن الاثير الحلبي : «حدّ التورية أن تكون الكلمة تحتمل معنيين فيستعمل المتكلم أحد احتماليهما ويهمل الآخر ومراده ما أهمله لا ما استعمله. وحدّ التوجيه أنّه اللفظ المحتمل وجهين يحمل المتكلم مراده على أيهما شاء» (١٢).

ولكنّ المصري عقد بابا للتوجيه وسماه «الإبهام» وقال : «هو أن يقول المتكلّم كلاما يحتمل معنيين متضادين لا يتميز أحدهما على الآخر ولا يأتي في كلامه بما يحصل به التمييز فيما بعد ذلك بل يقصد به إبهام الأمر فيهما قصدا» (١٣). وهذا هو التوجيه عند السكاكي والقزويني وشرّاح التلخيص. وقد فضّل الحموي تسمية المصري فقال : «فتسمية النوع هنا بالابهام أليق من تسميته بالتوجيه ومطابقة التسمية فيه لا تخفى على أهل الذوق الصحيح ، وهذا مذهب ابن أبي الاصبع فإنّه هو الذي تخيّر الابهام» (١٤) ، وذلك لأنّ التوجيه عند المتأخرين :

__________________

(١) أنوار الربيع ج ٣ ص ١٤٣.

(٢) البقرة ١٠٤.

(٣) معاني القرآن ج ١ ص ٦٩.

(٤) مفتاح العلوم ص ٢٠٢.

(٥) الايضاح ص ٣٧٧ ، التلخيص ٣٨٤.

(٦) النساء ٤٦.

(٧) الكشاف ج ٢ ص ٤٠٠.

(٨) حدائق السحر ص ١٣٢.

(٩) شروح التلخيص ج ٤ ص ٤٠٠ المطول ص ٤٤٣ ، الاطول ج ٢ ص ٢١٩.

(١٠) عروس الافراح ج ٤ ص ٤٠١.

(١١) تحرير التحيير ص ٢٦٨ ، بديع القرآن ص ١٠٢.

(١٢) جوهر الكنز ص ١١١.

(١٣) تحرير ص ٥٩٦ ، بديع القرآن ص ٣٠٦.

(١٤) خزانة الادب ص ١٣٦ ، وينظر شرح عقود الجمان ص ١٢٧ ، أنوار الربيع ج ٢ ص ٥ ، ج ٣ ص ١٤٣ ، حلية اللب ص ١٤٧ ، نفحات ـ ـ ص ٩١ ، التبيان في البيان ص ٢٤٥ ، شرح الكافية ص ١٢٢.

٤٣٢

«أن يوجه المتكلم بعض كلامه أو جملته الى أسماء متلائمة اصطلاحا من أسماء الأعلام او قواعد علوم أو غير ذلك مما يتشعب له من الفنون توجيها مطابقا لمعنى اللفظ الثاني من غير إشتراك حقيقي بخلاف التورية ، وهذا هو مذهب الشيخ صفي الدين» (١).

وعرّفه العلوي بمثل ما عرّفه السكاكي (٢) ، غير أنّه أدخل فيه المدح بما يشبه الذم ومدح الشيء بحيث يقتضي المدح بشيء آخر ، وذكر في الخاتمة المثل المشهور : «ليت عينيه سواء» وقال : «يحتمل أن تكون العوراء مثل الصحيحة في الرؤية ويحتمل عكس ذلك.

وعرّفه الزركشي بمثل تعريف السكاكي والقزويني (٣) ، لكنه قال في مبحث التورية : «وتسمى الايهام والتخييل والمغالطة والتوجيه» (٤) وعرّفها بمثل ما عرفها البلاغيون ، وفي ذلك خلط بين الفنين اللذين فرق بينهما السابقون. ومن التوجيه بأسماء الاعلام قول ابن النقيب يهجو :

أرح ناظري من عابس الوجه يابس

له خلق صعب ووجه مقطّب

أقول له إذ آيستني صفاته

وإن قيل إنّي في المطامع أشعب

متى يظفر الآتي اليك بسؤله

وينجح من مسعاه قصد ومطلب

ولومك سيّار وشرّك ياسر

ووجهك عبّاس وخلقك مصعب

وقول محيي الدين بن عبد الظاهر يصف نهرا :

إذا فاخرته الريح ولّت عليلة

باذيال كثبان الربى تتعثّر

به الفضل يبدو والربيع وكم غدا

به الروض يحيى وهو لا شكّ جعفر

ومن التوجيه بأسماء الكتب قول بعضهم :

وظبي معانيه معان بديعة

له حار فكري إذ حوى كلّ معجز

قرأت مقامات الحريريّ كلّها

بعارضة مشروحة للمطرّزي

ومن التوجيه بأسماء سور القرآن قول السراج الوراق :

كلّ قلب عليّ كالصّخر ملآ

ن وهيهات أن تلين الصّخور

مغلق الباب ماتلا سورة الفتح

وقاف من دونها والطّور

وفي كتاب «أنوار الربيع» كثير من ألوان التوجيه (٥).

التّورية :

ورّيت الخبر : جعلته ورائي وسترته ، ووريت عنه سترته وأظهرت غيره ، والتورية الستر (٦).

التورية تسمّى الايهام والتوجيه والتخيل والمغالطة (٧) ، ويرى الحموي أنّ التورية أولى

__________________

(١) خزانة الادب ص ١٣٦ ، انوار الربيع ج ٣ ص ١٤٤.

(٢) الطراز ج ٣ ص ١٣٦.

(٣) البرهان ج ٢ ص ٣١٤.

(٤) البرهان ج ٣ ص ٤٤٥.

(٥) أنوار الربيع ج ٣ ص ١٤٤ وما بعدها.

(٦) اللسان (ورى).

(٧) المثل السائر ج ٢ ص ٢١٥ ، ٢١٩ ، تحرير التحبير ص ٢٦٨ ، بديع القرآن ص ١٠٢ ، المصباح ص ١١٩ ، حسن التوسل ص ٢٤٩ ، نهاية الارب ج ٧ ص ١٣١ ، مفتاح العلوم ص ٢٠١ ، الايضاح ص ٣٥٣ ، التلخيص ص ٣٥٩ ، الطراز ج ٣ ص ٦٢ ، البرهان ج ٣ ص ٤٤٥ ، خزانة ص ٢٣٩ ، الروض المريع ص ١٢٢ ، الاتقان ج ٢ ص ٨٣ ، شرح عقود الجمان ص ١١٢ ، حلية اللب ص ١٣٦ ، نفحات ص ١٨٨ ، التبيان في البيان ص ٢٤٣.

٤٣٣

بالتسمية لقربها من مطابقة المسمى لأنّها مصدر ورّيت تورية إذا سترته وأظهرت غيره ، كأن المتكلم يجعله وراءه بحيث لا يظهر (١) ، وذهب الى مثل ذلك المدني فقال : «التورية أقرب اسم سمي به هذا النوع لمطابقته المسمى ، لأنّه مصدر ورّيت الحديث ، إذا أخفيته وأظهرت غيره» (٢)

والتورية أن يذكر المتكلم لفظا مفردا له معنيان حقيقيان أو حقيقة ومجاز ، أحدهما قريب ودلالة اللفظ عليه ظاهرة ، والآخر بعيد ودلالة اللفظ عليه خفية ، فيريد المتكلم المعنى البعيد ويورّي عنه بالمعنى القريب فيتوهم السامع مع أول وهلة أنّه يريد القريب وليس كذلك ، ولذلك سمّي هذا الفن إيهاما.

ولم يكن المتقدمون يعنون بهذا النوع كثيرا ولكنّ المتأخرين شغفوا به حبا وأكثروا منه وأصبح سمة في أشعارهم ، وقد أشار الحموي الى ذلك بقوله : «لأنّ هذا النوع ـ أعني التورية ـ ما تنبه لمحاسنه إلّا من تأخّر من حذّاق الشعراء وأعيان الكتاب ، ولعمري إنّهم بذلوا الطاقة في حسن سلوك الأدب الى أن دخلوا اليه من باب ، فإنّ التورية من أعلى فنون الأدب وأعلاها رتبة وسحرها ينفث في القلوب ويفتح لها أبواب عطف ومحبة ، وما أبرز شمسها من غيوم النقد إلا كل ضامر مهزول ، ولا أحرز قصبات سبقها من المتأخرين غير الفحول» (٣). وذكر أنّ المتنبي أول من كشف غطاءها وجلا ظلمة أشكالها بقوله :

برغم شيب فارق السّيف كفّه

وكانا على العلّات يصطحبان

كأنّ رقاب الناس قالت لسيفه

رفيقك قيسيّ وأنت يماني

فهو يقول : إنّ كفّ شبيب وسيفه متنافران لا يجتمعان ، لأنّ شبيبا كان قيسيا والسيف يقال له يماني ، فورّى به عن الرجل المنسوب الى اليمن ، ومعلوم ما بين القيسيين واليمانيين من التنافر.

ولكنّ المتقدمين أشاروا اليها وإن لم يعنوا بها كالجاحظ الذي أراد بها التغطية واستعمال الحيلة (٤). وتحدث عنها ابن رشيق في باب الاشارة وقال إنّ من أنواعها التورية (٥) كقول عليّة بنت المهدي في طلّ الخادم :

أيا سرحة البستان طال تشوّقي

فهل لي الى ظل اليك سبيل

متى يشتفي من ليس يرجى خروجه

وليس لمن يهوى اليه دخول

فورّت بـ «ظلّ» عن «طلّ». والتورية عند ابن رشيق مثل الكناية وذلك أنّ الشيء لا يذكر باسمه وإنما يكنّى عنه بشجرة أو شاة أو بيضة أو مهرة ، كقول المسيب بن علس :

دعا شجر الأرض داعيهم

لينصره السدر والأثأب (٦)

فكنّى بالشجر عن الناس.

ولعلّ تعريف ابن منقذ أقرب الى المعنى الاصطلاحيّ فقد قال : «هي أن تكون الكلمة بمعنيين فتريد أحدهما فتورّي عنه بالآخر» (٧).

وأقرب من ذلك تعريف المصري وهو : «أن تكون الكلمة تحتمل معنيين فيستعمل المتكلم أحد احتماليها ويهمل الآخر ، ومراده ما أهمله لا ما استعمله» (٨).

__________________

(١) خزانة الادب ص ٢٣٩.

(٢) أنوار الربيع ج ٥ ص ٥.

(٣) خزانة ص ٢٣٩.

(٤) الحيوان ج ٥ ص ٢٧٧ ، ٢٨٠.

(٥) العمدة ج ١ ص ٣١١.

(٦) السدر : شجر النبق. الأثأب : شجر ينبت في بطون الأودية بالبادية ، وهو على ضرب التين ينبت ناعما كأنه على شاطئ نهر وهو بعيد من الماء.

(٧) البديع في نقد الشعر ص ٦٠.

(٨) تحرير التحبير ص ٢٦٨ ، بديع القرآن ص ١٠٢ ، وينظر المصباح ص ١١٩ ، جوهر الكنز ص ١١١ ، شرح الكافية ص ٣٥.

٤٣٤

وقال السّكّاكي في الإيهام : «هو أن يكون للفظ استعمالان قريب وبعيد فيذكر لإيهام القريب في الحال الى أن يظهر أنّ المراد به البعيد» (١) ، وهذا هو تعريف التورية. وقد مثّل له بقوله تعالى : (الرَّحْمنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوى)(٢) ولكن الزمخشري قال في تفسيرها : «إنّها كناية عن الملك كما في قوله : «يدفلان مبسوطة ويدفلان مغلولة بمعنى أنّه جواد أو بخيل» (٣). وبقوله تعالى : (وَالْأَرْضُ جَمِيعاً قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيامَةِ وَالسَّماواتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ)(٤). وهي من التخييل عند الحلبي والنويري (٥) ، وذلك أحسن من أن يطلق على ما في كتاب الله من روعة وتخييل لفظ الايهام.

وفضّل القزويني مصطلح «التورية» وذكر أنّها تسمى إيهاما ، وقال : «هي أن يطلق لفظ له معنيان قريب وبعيد ويراد بها البعيد» (٦). وتبعه في ذلك شراح التلخيص (٧).

وقال العلوي : «إنّ هذا الاسم عبارة عن كل ما يفهم منه معنى لا يدلّ عليه ظاهر لفظه ويكون مفهوما عند اللفظ به» (٨). وأدخل فيها الكناية والتعريض والمغالطة والاحاجي والالغاز وقال : «فهذه الأمور كلها مشتركة في كونها دالة على أمور بظاهرها ويفهم عند ذكرها أمور أخر غير ما تعطيه بظواهرها».

وقال ابن قيم الجوزية : «هو أن يعلق المتكلم لفظة من الكلام بمعنى ثم يردها بعينها ويعلقها بمعنى آخر» (٩). وأدخلها السجلماسي في أنواع التعمية (١٠).

ولا تخرج تعريفات البلاغيين الآخرين عن هذا المعنى ، وقد ذكر المدني تنبيهين هما : (١١)

الاول : الفرق بين اللفظ الذي تتهيأ به التورية واللفظ الذي تترشح به واللفظ الذي تتبيّن به ، أنّ الأول لو لم يذكر لما تهيأت التورية أصلا ، والثاني والثالث انما هما مقوّيان للتورية ، ولم لم يذكرا لكانت التورية موجودة ، غير أنّ الثاني من لوازم المعنى القريب المورّى به ، والثالث يكون من لوازم المعنى البعيد المورّى عنه.

الثاني : ليس كل لفظ مشترك يتصور فيه التورية ، بل لا بدّ من اشتهار معانيه وتداولها على الألسنة بخلاف اللغات الغريبة ، إلا أن يختص قوم باشتهار لغة غريبة بينهم فينبغي اعتبار حال المخاطب بها.

والتورية أربعة أنواع : التورية المبينة ، والتورية المجردة ، والتورية المرشحة ، والتورية المهيأة.

التّورية المبيّنة :

وهي ما ذكر فيها لازم المورّى عنه قبل لفظ التورية أو بعده ، وهي قسمان :

الأول : هو ما ذكر لازمه من قبل ، كقول البحتري :

ووراء تسدية الوشاح مليّة

بالحسن تملح في القلوب وتعذب

ف «تملح» تحتمل أن تكون من الملوحة وهو المعنى القريب المورّى به ، وتحتمل أن تكون من الملاحة وهو المعنى البعيد المورّى عنه ، وقد تقدم من لوازمه على جهة التبيين «ملية بالحسن».

الثاني : هو الذي يذكر فيه لازم المورّى عنه بعد لفظ التورية كقول ابن سناء الملك :

__________________

(١) مفتاح العلوم ص ٢٠١.

(٢) طه ٥.

(٣) الكشاف ج ٣ ص ٥٢.

(٤) الزمر ٦٧.

(٥) حسن التوسل ص ٢٥٠ ، نهاية الارب ج ٧ ص ١٣٢.

(٦) الايضاح ص ٣٥٣ ، التلخيص ص ٣٥٩.

(٧) شروح التلخيص ج ٤ ص ٣٢٢ ، المطول ص ٤٢٥ ، الاطول ج ٢ ص ١٩٤.

(٨) الطراز ج ٣ ص ٦٢.

(٩) الفوائد ص ١٣٦.

(١٠) المنزع البديع ص ٢٦٩.

(١١) أنوار الربيع ج ٥ ص ١٤.

٤٣٥

أما والله لو لا خوف سخطك

لهان عليّ ما ألقى برهطك

ملكت الخافقين فتهت عجبا

وليس هما سوى قلبي وقرطك

يحتمل «الخافقين» أن يريد ملك المشرق والمغرب وهو المعنى القريب المورّى به ويحتمل أن يريد قلبه وقرط محبوبته وهو المعنى البعيد المورّى عنه وهو المراد فإنّ الشاعر صرّح بعد «الخافقين» بذكر القلب والقرط (١).

التّورية المجرّدة :

وهي التي لم يذكر فيها لازم من لوازم المورّى به وهو المعنى القريب ولا من لوازم المورّى عنه وهو المعنى البعيد. ومثاله قوله تعالى : (الرَّحْمنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوى)(٢) ولم يذكر من لوازم ذلك شي فالتورية مجردة. ومنها قوله ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ حين سئل في مجيئه عند خروجه الى بدر فقيل له : مم أنتم؟ فلم يرد أن يعلم السائل فقال : «من ماء» أراد أنّا مخلوقون من ماء ، فورّى عنه بقبيلة يقال لها «ماء».

ومنها قول أبي بكر الصديق ـ رضي‌الله‌عنه ـ في الهجرة وقد سئل عن النبي ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ : من هذا؟ فقال : «هاد يهديني». أراد هاديا يهديني الى الاسلام ، فورّى عنه بهادي الطريق ، وهو الدليل الى السفر (٣).

التّورية المرشّحة :

وهي التي يذكر فيها لازم المورّى به وسمّيت بذلك لتقويتها بذكر لازم المورّى به ، ثم تارة يذكر اللازم قبل لفظ التورية وتارة بعده ، فهي بهذا الاعتبار قسمان :

الأول : هو ما ذكر لازمه قبل لفظ التورية كقوله تعالى : (وَالسَّماءَ بَنَيْناها بِأَيْدٍ)(٤) فان قوله (بِأَيْدٍ) يحتمل الجارحة وهو المعنى القريب المورّى به وقد ذكر من لوازمه على جهة الترشيح «البنيان» ، ويحتمل القوة وعظمة الخالق ، وهذا المعنى البعيد المورّى عنه وهو المراد ، فانّ الله تعالى منزّه عن المعنى الأول.

ومنها قول الحماسي :

فلما نأت عنا العشيرة كلّها

أنخنا فحالفنا السيوف على الدّهر

فما أسلمتنا عند يوم كريهة

ولا نحن أغضينا الجفون على وتر (٥)

فإنّ «الإغضاء» مما يلائم جفن العين لا جفن السيف وإن كان المراد به أغماد السيوف ؛ لأنّ السيف إذا اغمد انطبق الجفن عليه واذا جرّد انفتح.

الثاني : هو ما ذكر لازمه بعد لفظ التورية كقول الشاعر :

مذهمت من وجدي في خالها

ولم أصل منه الى اللّثم

قالت قفوا واستمعوا ما جرى

خالي قد هام به عمّي

فالخال يحتمل أن يكون خال النسب وهو المعنى القريب المورّى به وقد ذكر لازمه بعد لفظ التورية على جهة الترشيح وهو العمّ (٦).

__________________

(١) خزانة الادب ص ٣٥٣ ، أنوار الربيع ج ٥ ص ١٠.

(٢) طه ٥.

(٣) المصباح ص ١١٩ ، الايضاح ص ٣٥٣ ، التلخيص ص ٣٦٠ ، شروح التلخيص ج ٤ ص ٣٢٢ ، المطول ص ٤٢٥ ، الاطول ج ٢ ص ١٩٥ ، خزانة ص ٣٥١ ، أنوار الربيع ج ٥ ص ٦.

(٤) الذاريات ٤٧.

(٥) الوتر : الثأر.

(٦) الايضاح ص ٣٥٣ ، التلخيص ص ٣٦٠ ، شروح التلخيص ج ٤ ص ٣٢٢ ، المطول ص ٤٢٥ ، الاطول ج ٢ ص ١٩٥ ، خزانة الأدب ص ٣٥٢ ، أنوار الربيع ج ٥ ص ٩.

٤٣٦

التّورية المهيّأة :

وهي التي لا تقع فيها التورية ولا تتهيّأ إلا باللفظ الذي قبلها او باللفظ الذي بعدها أو تكون التورية في لفظين لو لا كل منهما لما تهيّأت التورية في الآخر.

فهي بهذا الاعتبار ثلاثة أقسام :

الأوّل : وهو الذي تتهيأ فيه التورية من قبل كقول ، ابن سناء الملك :

وسيرك فينا سيرة عمرية

فروّحت عن قلب وأفرجت عن كرب

وأظهرت فينا من سميّك سنّة

فأظهرت ذاك الفرض من ذلك النّدب

يحتمل «الفرض» و «الندب» أن يكونا من الأحكام الشرعية ، وهذا هو المعنى القريب المورّى به ، ويحتمل أن يكون «الفرض» بمعنى العطاء و «الندب» صفة الرجل السريع في قضاء الحوائج الماضي في الأمور. وهذا هو المعنى البعيد المورّى عنه ، ولو لا ذكر السّنّة لما تهيأت التورية فيهما ولا فهم «الفرض» و «الندب» الحكمان الشرعيان اللذان صحّت بهما التورية.

الثاني : هو الذي تتهيأ فيه التورية بلفظة من بعد ، كقول الشاعر :

لو لا التطير بالخلاف وإنّهم

قالوا مريض لا يعود مريضا

لقضيت نحبا في جنابك خدمة

لأكون مندوبا قضى مفروضا

فالمندوب يحتمل أن يكون أحد الأحكام الشرعية وهو المعنى القريب المورّى به ، ويحتمل الميت الذي يبكى عليه وهو المعنى البعيد المورّى عنه.

الثالث : هو الذي تقع التورية فيه في لفظين لو لا كل منهما لما تهيأت التورية في الآخر كقول عمر بن أبي ربيعة :

أيّها المنكح الثريّا سهيلا

عمرك الله كيف يلتقيان

هي شاميّة إذا ما استقلّت

وسهيل إذا استقلّ يماني

يحتمل أن تكون «الثريا» ثريا السماء ، و «سهيل» النجم المعروف بسهيل ، وهو المعنى القريب المورّى به ، ويحتمل أن تكون الثريا بنت علي بن عبد الله ابن الحارث بن أمية الأصغر ، وسهيل بن عبد الرحمن بن عوف ، وهو المعنى البعيد المورّى عنه (١).

التّوزيع :

التوزيع : القسمة والتفريق ، ووزّع الشيء : قسّمه وفرّقه (٢).

هذا النوع من مستخرجات صفي الدين الحلي في بديعيته وشرحها ، وهو «أن يوزع المتكلم حرفا من حروف الهجاء في كل لفظة من كلامه نظما كان أو نثرا بشرط عدم التكلف» (٣). ومنه قوله تعالى : (كَيْ نُسَبِّحَكَ كَثِيراً وَنَذْكُرَكَ كَثِيراً إِنَّكَ كُنْتَ بِنا بَصِيراً)(٤) ، فالكاف ملزوم في جميع الكلمات سوى الفاصلة.

ومنه قول سليم النبلي من قصيدة لزم في كلماتها القاف :

رشقت قلبي أحداق الرشاق

فسقامي لسقام بالحداق

وقول الحظوري وفي كل كلمة همزة :

بأبي أغيد أذاب فؤادي

إذ تناءى وأظهر الإعراضا

__________________

(١) خزانة الادب ص ٣٥٣ ، أنوار الربيع ج ٥ ص ١١.

(٢) اللسان (وزع).

(٣) أنوار الربيع ج ٦ ص ١٨٨ ، شرح الكافية ص ٢٦٢.

(٤) طه ٣٣ ـ ٣٥.

٤٣٧

التّوسّع :

السعة : ضد الضيق ، والتوسع من توسّع ، قيل :توسعوا في المجالس اي تفسحوا (١).

ذكره الجاحظ ويريد به أن يتوسّع المتكلّم في كلامه كأن يجعل الفرّوج فرخا ، ويجوز في الشعر ما لا يجوز في غيره (٢). وقد قال : «والعرب تتوسع في كلامها وبأي شي تفاهم الناس فهو بيان إلا أنّ بعضه أحسن من بعض» (٣).

وللتوسع غير هذا المعنى فقد ذكر الزركشي أنّ من التوسع الاستدلال بالنظر في الملكوت كقوله تعالى : (إِنَّ فِي خَلْقِ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلافِ اللَّيْلِ وَالنَّهارِ وَالْفُلْكِ الَّتِي تَجْرِي فِي الْبَحْرِ بِما يَنْفَعُ النَّاسَ وَما أَنْزَلَ اللهُ مِنَ السَّماءِ مِنْ ماءٍ فَأَحْيا بِهِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِها وَبَثَّ فِيها مِنْ كُلِّ دَابَّةٍ وَتَصْرِيفِ الرِّياحِ وَالسَّحابِ الْمُسَخَّرِ بَيْنَ السَّماءِ وَالْأَرْضِ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ)(٤).

ومنه التّوسّع في ترادف الصفات كقوله تعالى :(أَوْ كَظُلُماتٍ فِي بَحْرٍ لُجِّيٍّ يَغْشاهُ مَوْجٌ مِنْ فَوْقِهِ مَوْجٌ مِنْ فَوْقِهِ سَحابٌ. ظُلُماتٌ بَعْضُها فَوْقَ بَعْضٍ إِذا أَخْرَجَ يَدَهُ لَمْ يَكَدْ يَراها)(٥). فإنّه لو أريد اختصاره لكان : أو كظلمات في بحر لجيّ.

ومنه التّوسّع في الذم كقوله تعالى : (وَلا تُطِعْ كُلَّ حَلَّافٍ مَهِينٍ. هَمَّازٍ مَشَّاءٍ بِنَمِيمٍ)(٦) ، الى قوله :(عَلَى الْخُرْطُومِ)(٧).

وسمّاه السّبكي «التوسيع» وقال : «وقد فسروه بأن يأتي في آخر الكلام بشي مفسر بمعطوف ومعطوف عليه مثل قوله :

إذا أبو قاسم جادت لنا يده

لم يحمد الأجودان : البحر والمطر

وهذا في الحقيقة أحد نوعي اللف والنشر» (٨).

التّوسّل :

الوسيلة : الدرجة والقربة ، وتوسّل اليه بوسيلة إذا تقرب اليه بعمل ، والتوسيل والتوسّل واحد (٩).

والتوسل هو الخروج والتخلص ، قال ابن رشيق : «ومن الناس من يسمّى الخروج تخلصا وتوسلا» (١٠).

وقد تقدم التخلص وبراعة التخلص.

التّوشيح :

الوشاح : حلي النساء من لؤلؤ وجوهر تتوشّح المرأة به ومنه اشتق توشّح الرجل بثوبه ، ووشّحتها توشيحا فتوشحت هي أي : لبسته (١١).

والتوشيح هو الإرصاد والتسهيم عند معظم البلاغيين (١٢) ، غير أنّ ابن منقذ قال عنه : «هو أن تريد الشيء فتعبر عنه عبارة حسنة وإن كانت أطول

__________________

(١) اللسان (وسع).

(٢) الحيوان ج ١ ص ١٩٩.

(٣) الحيوان ج ٥ ص ٢٨٧.

(٤) البقرة ١٦٤.

(٥) النور ٤٠.

(٦) القلم ١٠ ـ ١١.

(٧) القلم ١٦.

(٨) عروس الافراح ج ٤ ص ٤٧١.

(٩) اللسان (وسل).

(١٠) العمدة ج ١ ص ٢٣٦.

(١١) اللسان (وشح).

(١٢) نقد الشعر ص ١٩١ ، كتاب الصناعتين ص ٣٨٢ ، اعجاز القرآن ص ١٤٠ ، العمدة ج ٢ ض ٣١ ، ٣٤ ، سر الفصاحة ص ١٨٧ ، الوافي ص ٢٧١ ، الرسالة العسجدية ص ١٥٢ ، تحرير التحبير ص ٢٢٨ ، ٢٣١ ، بديع القرآن ص ٩٠ ، منهاج البلغاء ص ٩٤ ، المصباح ص ٩١ ، الاقصى القريب ص ١١١ ، حسن التوسل ص ٢٥٩ ، نهاية الارب ج ٧ ص ١٣٧ ، جوهر الكنز ص ٢١٣ ، الطراز ج ٣ ص ٧٠ ، عروس الافراح ج ٤ ص ٤٧١ ، البرهان ج ١ ص ٩٥ ، خزانة ص ١٠٠ ، معترك ج ١ ص ٤٩ ، أنوار الربيع ج ٣ ص ٣٢ ، نفحات ص ٢٣٥ ، شرح الكافية ص ٧٤.

٤٣٨

منه» (١) ، كقول ابن المعتز.

آذريون أتاك في طبقه

كالمسك في ريحه وفي عبقه

قد نفض العاشقون ما صنع ال

هجر بألوانهم على ورقه

فمدار البيت موضوع على أنه أصفر.

وقال ابن الاثير : هو أن يبني الشاعر أبيات قصيدته على بحرين مختلفين فاذا وقف من البيت على القافية الأولى كان شعرا مستقيما من بحر على عروض واذا أضاف الى ذلك ما بنى عليه شعره من القافية الاخرى كان أيضا شعرا مستقيما من بحر آخر على عروض وصار ما يضاف الى القافية الاولى للبيت كالوشاح ، وكذلك يجري الأمر في الفقرتين من الكلام المنثور» (٢). والى ذلك ذهب ابن قيم الجوزية أيضا فقال : «التوشيح أن تكون ذيول الأبيات ذات قافتين على بحرين أو ضربين من بحر واحد فعلي أي القافيتين وقفت كان شعرا مستقيما» (٣). وهذا هو «التشريع» وقد يسمّى «ذا القافيتين» (٤) ، وقد تقدم الكلام عليه في «التشريع».

وسمّى العلوي «التضمين» تسميطا وتوشيحا (٥) على خلاف ما تعارف عليه البلاغيون.

التّوشيع :

وشع القطن وغيره ووشّعه : لفّه ، والتوشيع : دخول الشيء في الشيء (٦). والتوشيع هو الاطناب بالتوشيع (٧) وقد تقدم ، وهو التطريز أيضا (٨).

التّوفيق :

الوفاق : الموافقة ، والتوافق : الاتفاق والتظاهر ، ويقال : وفّقه الله ـ سبحانه ـ للخير ألهمه وهو من التوفيق (٩).

والتوفيق هو الائتلاف والتناسب والمؤاخاة ومراعاة النظير (١٠) ، وقد تقدم الأئتلاف والتناسب.

التّوقيف :

وقّف الحديث : بيّنه ، وقّفت الحديث توقيفا وبينته تبيينا ، ويقال وقّفته على الكلمة توقيفا ، والتوقيف :البياض مع السواد ، والتوقيف : عقب يلوى على القوس رطبا لينا حتى يصير كالحلقة ، مشتق من الوقف الذي هو السوار من العاج (١١).

قال السبكي : «هو إثبات المتكلم معاني من المدح والوصف والتشبيه وغيرها من الفنون التي يفتتح بها الكلام في جملة منفصلة عن أختها بالسجع غالبا مع تساوي الجمل في الزنة أو بالجمل الطويلة» (١٢).

كقوله تعالى : (يُولِجُ اللَّيْلَ فِي النَّهارِ وَيُولِجُ النَّهارَ فِي

__________________

(١) البديع في نقد الشعر ص ٨٩.

(٢) المثل السائر ج ٢ ص ٣٥٩ ، الجامع الكبير ص ٢٤٢.

(٣) الفوائد ص ٢٣٢ ، الايضاح في شرح مقامات الحريري ص ١٧.

(٤) المطول ص ٤٥٨.

(٥) نضرة الاغريض ص ١٩٠.

(٦) اللسان (وشع).

(٧) تحرير ص ٣١٦ ، المصباح ص ٨٠ ، حسن التوسل ص ٢٧٤ ، نهاية الارب ج ٧ ص ١٤٨ ، جوهر الكنز ص ٢٨١ ، الايضاح ص ١٩٦ ، التلخيص ص ٢٢٣ ، الطراز ج ٣ ص ٨٩ ، شروح التلخيص ج ٣ ص ٢١٥ ، المطول ص ٢٩٢ ، الاطول ج ١ ص ٤٢ ، خزانة ص ١٦٩ ، شرح عقود الجمان ص ٧١ ، أنوار الربيع ج ٥ ص ١٨١ ، نفحات ص ١٤٢ ، شرح الكافية ص ١٣٩.

(٨) كتاب الصناعتين ص ٤٢٥ ، البديع في نقد الشعر ص ٦٤.

(٩) اللسان (وقف).

(١٠) الايضاح ص ٣٤٣ ، التلخيص ص ٣٥٤ ، شروح التلخيص ج ٤ ص ٣٠١ ، المطول ص ٤٢٠ ، الاطول ج ٢ ص ١٨٧ ، خزانة ص ١٣١ ، شرح عقود الجمان ص ١٠٨ ، أنوار الربيع ج ٣ ص ١١٩.

(١١) اللسان (وقف).

(١٢) عروس الافراح ج ٤ ص ٤٦٨.

٤٣٩

اللَّيْلَ)(١).

التّوكيد :

أكّد العهد والعقد لغة في وكّده ، والتأكيد لغة في التوكيد ، وقد أكدت الشيء ووكدته (٢).

والتوكيد هو التأكيد (٣) ، وقد تقدم.

توكيد الضّمير :

قال ابن الأثير الحلبي في باب الاطناب : «ومن هذا النوع الذي هو الاطناب ضربان : أحدهما ما يسمّى توكيد الضمير المتصل بالمنفصل والآخر يسمّى التكرير. فأما توكيد الضمير المتصل بالمنفصل فكقوله تعالى : (قالُوا يا مُوسى إِمَّا أَنْ تُلْقِيَ وَإِمَّا أَنْ نَكُونَ نَحْنُ الْمُلْقِينَ)(٤). فقولهم : (نَحْنُ الْمُلْقِينَ) ولم يقولوا : «وإما أن نلقي» ذلك لرغبتهم في أن يلقوا قبله تقدما عليه فلهذا أتى الضمير المتصل مؤكدا بالمنفصل» (٥).

توكيد الضّميرين :

قال ابن الاثير : «إذا كان المعنى المقصود معلوما ثابتا في النفوس فأنت بالخيار في توكيد أحد الضميرين فيه بالآخر واذا كان غير معلوم وهو مما يشك فيه فالأولى حينئذ أن يؤكد أحد الضميرين بالآخر في الدلالة عليه لتقرره وتثبته» (٦). وهذا ما تحدث عنه ابن الاثير الحلبي في توكيد الضمير المتصل بالمنفصل ، ولكن ابن الاثير الجزري أوضح هذه المسألة قبله ، ومن ذلك قوله تعالى : (قالُوا يا مُوسى إِمَّا أَنْ تُلْقِيَ وَإِمَّا أَنْ نَكُونَ نَحْنُ الْمُلْقِينَ)(٧) وقد أتى الضمير المتصل مؤكدا للمنفصل.

ومن أمثلة توكيد المتصل بالمتصل قوله تعالى :(فَانْطَلَقا حَتَّى إِذا لَقِيا غُلاماً فَقَتَلَهُ قالَ : أَقَتَلْتَ نَفْساً زَكِيَّةً بِغَيْرِ نَفْسٍ لَقَدْ جِئْتَ شَيْئاً نُكْراً. قالَ : أَلَمْ أَقُلْ لَكَ إِنَّكَ لَنْ تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْراً)(٨).

ومن أمثلة توكيد المتصل بالمنفصل قوله تعالى :(فَأَوْجَسَ فِي نَفْسِهِ خِيفَةً مُوسى. قُلْنا لا تَخَفْ إِنَّكَ أَنْتَ الْأَعْلى)(٩).

ومن توكيد المنفصل بالمنفصل قول أبي تمام :

لا أنت أنت ولا الديار ديار

خفّ الهوى وتولّت الأوطار

ومنه قول المتنبي :

قبيل أنت أنت وأنت منهم

وجدّك بشر الملك الهمام

التّوليد :

ولّد الرجل غنمه توليدا كما يقال نتّج إبله (١٠) ، وقال المدني : «التوليد في اللغة مصدر : «ولّدت القابلة المرأة» إذا تولت ولادتها ، وولّدت الشيء عن غيره أنشأته عنه ، وهو المنقول عنه الى الاصطلاح» (١١).

تحدث البلاغيون والنقاد عن التوليد عند كلامهم على السرقة ، وكان هدف بعضهم نفيها عنه ، فقال ابن رشيق : «هو أن يستخرج الشاعر معنى من معنى شاعر آخر تقدّمه أو يزيد فيه زيادة فلذلك يسمّى التوليد وليس باختراع لما فيه من الاقتداء بغيره ، ولا يقال له أيضا

__________________

(١) فاطر ١٣.

(٢) اللسان (أكد).

(٣) الاقصى القريب ص ٩٩ ، التبيان ص ١١٠ ، البرهان الكاشف عن اعجاز القرآن ص ٢٣٣.

(٤) الأعراف ١١٥.

(٥) جوهر الكنز ص ٢٥٧.

(٦) المثل السائر ج ٢ ص ١٩ ، الجامع الكبير ص ١٥٢ وينظر الروض المريع ص ١٥١ ـ ١٥٩.

(٧) الأعراف ١١٥.

(٨) الكهف ٧٤ ـ ٧٥.

(٩) طه ٦٧ ـ ٦٨.

(١٠) اللسان (ولد).

(١١) انوار الربيع ج ٥ ص ٣٢٣.

٤٤٠