معجم المصطلحات البلاغيّة وتطوّرها

الدكتور أحمد مطلوب

معجم المصطلحات البلاغيّة وتطوّرها

المؤلف:

الدكتور أحمد مطلوب


الموضوع : اللغة والبلاغة
الناشر: مكتبة لبنان ناشرون
الطبعة: ٠
الصفحات: ٧٠٥

للشعر». ورأى أنّ المعقود بالتفصيل هو المعنى الأول ، وفرّق بينه وبين الايداع فقال : «ولا فرق بينه وبين الايداع سوى أنّ الايداع إيراد الشاعر شطر بيت لغيره ، والتفصيل إيراده شطر بيته لنفسه ، وليس تحته كبير أمر».

التّفضيل :

فضّله : مزّاه ، ويقال : فضل فلان على غيره إذا غلب بالفضل عليهم ، وقوله تعالى : (وَفَضَّلْناهُمْ عَلى كَثِيرٍ مِمَّنْ خَلَقْنا تَفْضِيلاً)(١) قيل : تأويله أنّ الله فضلهم بالتمييز (٢).

وقال السّيوطي : «هو من زيادتي ذكره الصفي واتباعه وجعله الاندلسي قسما من التفريع وكذا فعل صاحب التلخيص أولا ثم ضرب عليه بخطه كما رأيته في نسخته ومشى عليه في الايضاح. وهو أن ينفى بـ «ما» أو «لا» دون غيرهما من أدوات النفي عن ذي وصف أفعل تفضيل مناسب لذلك الوصف معدّى بـ «من» الى ما يراد مدحه أو ذمة فتحصل المساواة بين الاسم الجرور بـ «من» وبين الاسم الداخلة عليه «ما» النافية ، لانها نفت الأفضلية فتبقى المساواة كقوله :

ما ربع ميّة معمورا يطيف به

غيلان أبهى ربى من ربعها الخرب

ولا الخدود وإن أدمين من خجل

أبهى الى ناظري من خدّها الترب

ومثاله من الحديث : «ماذئبان ضاريان ارسلا في غنم بأفسد لها من حرص المرء على المال والشرف لدينه» ومنهم من سمّى هذا النوع النفي والجحد (٣).

ومنهم من سماه «التفريع» وقد تقدم.

التّفقير :

قال ابن المظفر إنّ التفقير في رجل الدواب بياض مخالط للأسؤق الى الركب ، وقال الأزهري : هذا عندي تصحيف والصواب بهذا المعنى التقفير بالزاي والقاف قبل الفاء (٤). ولا علاقة لهذا المعنى بالفن الذي ذكره ابن قيّم الجوزّيّة وعرّفه بقوله : «هو أن يأتي في البيت ذكر نكتة أو بيت او رسالة أو خطبة أو غير ذلك فيومئ اليها الشاعر أو الناثر» (٥).

كقوله تعالى : (فِيهِنَّ قاصِراتُ الطَّرْفِ)(٦) ، فان امرأ القيس أومأ اليه بقوله :

من القاصرات الطّرف لو دبّ محول

من الذرّ فوق الأنف منه لأثّرا

ومنه قول الآخر :

ألوم زيادا من ركاكة رأيه

وفي قوله : أيّ الرجال المهذّب

وهل يحسن التهذيب منك خلائقا

أرق من الماء الزلال وأطيب

وسمّى ابن منقذ هذا النوع «التقفية» (٧) ، ولا يدرى أي المصطلحين أصح ، وهل فيهما تحريف.

التّفويف :

اشتقاق التفويف من الثوب الذي فيه خطوط بيض ، وأصل الفوف البياض الذي في أظفار الأحداث والحبة البيضاء في النواة وهي التي تنبت منها النخلة. والفوفة القشرة البيضاء التي تكون على النواة ، والفوف الشيء ، والفوف قطع القطن ، وبرد مفوّف أي رقيق. فكأنّ المتكلم خالف بين جمل المعاني في التقفية كمخالفة البياض لسائر الألوان ، لان بعده من سائر الألوان أشد من بعد بعضها عن

__________________

(١) الاسراء ٧٠.

(٢) اللسان (فضل).

(٣) شرح عقود الجمان ص ١٢٤.

(٤) اللسان (فقر).

(٥) الفوائد ص ٢١٧.

(٦) الرحمن ٥٦.

(٧) البديع في نقد الشعر ص ٢٨٤.

٤٠١

بعض (١).

قال التبريزي : «والتفويف المشبه بالبرد المفوف ، وهو الذي يخلط في وشيه شيء من بياض» (٢). كقول جرير :

هم الأخيار منسكة وهديا

وفي الهيجا كأنّهم صقور

بهم حدب الكرام على المعالي

وفيهم من مساءتهم فتور

خلائق بعضهم فيها كبعض

يؤمّ كبيرهم فيها الصغير

عن النكراء كلّهم غبيّ

وبالمعروف كلّهم بصير

وقال البغدادي : «وهذا النوع من الشعر هو أن يسهل له مخارج الحروف ويرف منه رونق الفصاحة مع الخلو من البشاعة. وأن يكون ظاهر المعنى لا يحتاج الى إعمال الفكر في استنباط معانيه وإن كان خاليا من جميع الأوصاف التي تقدمت وتأخرت عنها» (٣).

وذكر أمثلة التبريزي. وقال ابن الزملكاني : «التفويف شبه بالبرد المفوّف الذي يخالط وشيه شيء من بياض ، وفي الاصطلاح عبارة عن أن يصف المذكور مما يدخل على مدحه من صفات الكرم مثلا ثم بما يدل على ذمه لكن تقرن بذلك الذم ما يرشد بأنّه مديح» (٤) ، وذكر أبيات جرير. وقال المصري : «والتفويف في الصناعة عبارة عن إتيان المتكلّم بمعان شتى من المدح أو الغزل أو غير ذلك من الفنون والأغراض كل فن في جملة من الكلام منفصلة من أختها بالتجميع غالبا مع تساوي الجمل المركبة في الوزنية» (٥). ويكون بالجمل الطويلة والمتوسّطة والقصيرة ، فمثال ما جاء منه بالجمل الطويلة قول النابغة الذبياني :

فلله عينا من رأى أهل قبّة

أضرّ لمن عادى وأكثر نافعا

وأعظم أحلاما وأكبر سيّدا

وأفضل مشفوعا اليه وشافعا

ومثال ما جاء منه في الجمل المتوسطة قول ابن زيدون :

ته احتمل واحتكم اصبر وعز أهن

ودل اخضع وقل اسمع ومر أطع

ومثال ما جاء منه بالجمل القصيرة قول المتنبي :

أقل أنل اقطع احمل على سل اعد

زد هش بش تفضل ادن سر صل

وقد جاء من التفويف المركّب من الجمل الطويلة في الكتاب العزيز قوله تعالى (الَّذِي خَلَقَنِي فَهُوَ يَهْدِينِ. وَالَّذِي هُوَ يُطْعِمُنِي وَيَسْقِينِ. وَإِذا مَرِضْتُ فَهُوَ يَشْفِينِ. وَالَّذِي يُمِيتُنِي ثُمَّ يُحْيِينِ. وَالَّذِي أَطْمَعُ أَنْ يَغْفِرَ لِي خَطِيئَتِي يَوْمَ الدِّينِ)(٦). وفي الجمل المتوسّطة قول سبحانه : (تُولِجُ اللَّيْلَ فِي النَّهارِ وَتُولِجُ النَّهارَ فِي اللَّيْلِ وَتُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَتُخْرِجُ الْمَيِّتَ مِنَ الْحَيِ)(٧).

قال المصري : «ولم يأت من الجمل القصيرة شيء في فصيح الكلام» (٨).

وقال المظفر العلوي إنّ الترصيع يسمى

__________________

(١) تحرير التحبير ص ٢٦٠ ، وينظر اللسان (فوف) ، حسن التوسل ص ٢٦٥ ، خزانة الأدب ص ١١١ ، أنوار الربيع ج ٢ ص ٣٠٨.

(٢) الوافي ص ٢٨٩ ، وينظر كفاية الطالب ص ١٥٦.

(٣) قانون البلاغة ص ٤٥٥.

(٤) التبيان ص ١٨٧.

(٥) تحرير التحبير ص ٢٦٠ ، القرآن ص ٩٨.

(٦) الشعراء ٧٨ ـ ٨٢.

(٧) آل عمران ٢٧.

(٨) تحرير التحبير ص ٢٦٢ ، بديع القرآن ص ١٠٠ ، وينظر معترك ج ١ ص ٣٩٤ ، الاتقان ج ٢ ص ٨٩ ، التبيان في البيان ص ٣٢٤ ، شرح الكافية ٧٩.

٤٠٢

«التفويف» (١) ، ولكنّ تعريفه للترصيع والأمثلة التي ذكرها لا صلة لها بالتفويف وأمثلته.

وقال ابن مالك : «التفويف أن تأتي بمعان متلائمة في جمل مستوية المقدار أو مقاربة من قولهم : «ثوب مفوف» للذي على لون وفيه خطوط بيض» (٢) ، وهو ضربان :

الأوّل : ما جمله على المقاطع كقول الشاعر يصف سحابا :

يسربل وشيا من خزوز تطرّزت

مطارفها طرزا من البرق كالتّبر

فوشي بلا رقم ونقش بلا يد

ودمع بلا عين وضحك بلا ثغر

الثاني : ما جمله مدمجة وهو ثلاثة أقسام ، لأنّ جمله إمّا طوال كما في قول عنترة :

إن يلحقوا اكرر وإن يستلحموا

أشدد وإن نزلوا بضنك أنزل

وإمّا متوسّطة كما في قول ابن زيدون : «ته احتمل ...».

واما قصار كما في قول ديك الجن :

احل وامرر وضر وانفع ولن

واخشن ورش وابر وانتدب للمعالي

وهذا ما ذكره الحلبي والنّويري والعلوي (٣) ، ولكنّ القزويني قال : «وأمّا ما يسميه بعض الناس التفويف ... فبعضه من مراعاة النظير وبعضه من المطابقة» (٤).

وذكر ابن قيم الجوزية فيه قولين (٥) :

الأول : أن تكون ألفاظه سهلة المخارج عليها رونق الفصاحة وبهجة الطلاوة وعذوبة الحلاوة مع الخلوّ من البشاعة ملطفة عند الطلب والسؤال مفخمة عند الفخار والنزال. وينبغي أن يكون الشعر سهل العروض وقوافيه عذبة المخارج سهلة الحروف ومعانيه مواجهة للغرض المطلوب ظاهرة منه حيث لا تحتاج الى إعمال الفكر في استنباط معانيه. وهذا ما ذكره البغدادي (٦)

الثاني : المفوف من الكلام والشعر هو الذي يكون فيه التزامات لا تلزم تكتب بأصباغ مختلفة حتى يفطن للالتزامات التي جعلت عليه.

وقال ابن قيم الجوزية بعد ذلك : «وعلى كلا القولين فالقرآن العزيز كله كذلك فان كان التفويف بأصباغ مختلفة الالوان فتفويف القرآن العظيم مقاطع آياته وتحزيبه وتعشيره وأرباعه وأخماسه وأسباعه فان العلماء ـ رضي‌الله‌عنهم ـ رخصوا بأن يكون ذلك بالحمرة أو الخضرة او الصفرة او بألوان مخالفة للون الحبر والمداد حتى يعلم أنّها ليست من نفس القرآن فاستحبوا ذلك ، فاذا صار على هذه الصفة أشبه البرد المفوّف بل أجل وأحسن وأبهى وألطف. وان كان التفويف الاول فالقرآن الكريم كله كذلك أيضا فاعرف ذلك» (٧).

وليس هذا ما أراده البلاغيون المتأخرون من التفويف ، وقد قال الحموي : «التفويف تأملته فوجته نوعا لم يفد غير إرشاد ناظمه الى طرق العقادة ، والشاعر إذا كان معنويا وتجشم مشاقه تقصر يده عن التطاول الى اختراع معنى من المعاني الغريبة وتجفوه حسان الألفاظ ولم يعطف عليه برقة وتأنف كل قرينة صالحة أن تسكن له بيتا ولكن شروع المعارضة ملزم به» (٨). ثم قال : «والتفويف في الصناعة عبارة عن اتيان المتكلم بمعان شتى من

__________________

(١) نضرة الاغريض ص ١١٨.

(٢) المصباح ص ٨٢.

(٣) حسن التوسل ص ٢٦٥ ، نهاية الارب ج ٧ ص ١٤١ ، الطراز ج ٣ ص ٨٤.

(٤) الإيضاح ص ٣٤٥.

(٥) الفوائد ص ٢٣٥.

(٦) قانون البلاغة ص ٤٥٥.

(٧) الفوائد ص ٢٣٦.

(٨) خزانة الادب ص ١١١.

٤٠٣

المدح والغزل وغير ذلك من الفنون والاغراض كل فن في جملة من الكلام منفصلة عن أختها مع تساوي الجملة في الوزنية ويكون بالجملة الطويلة أو المتوسطة او القصيرة وأحسنها وأبلغها وأصعبها مسلكا القصار» (١). وهذا كلام المصري نفسه ، وذكر المدني مثل ذلك وأضاف أمثلة أخرى (٢).

التّقديم والتّأخير :

التقديم من «قدّم» أي وضعه أمام غيره ، والتأخير نقيض ذلك (٣). قال الزركشي عن التقديم والتأخير : «هو أحد أساليب البلاغة ، فانهم أتوا به دلالة على تمكنهم في الفصاحة وملكتهم في الكلام وانقياده لهم ، وله في القلوب أحسن موقع وأعذب مذاق» (٤).

واختلفوا في عدّه من المجاز ، فمنهم من عدّه منه لأنّ تقديم ما رتبته التأخير كالمفعول وتأخير ما رتبته التقديم كالفاعل نقل كل واحد منهما عن رتبته وحقه ، قال الزركشي : «والصحيح أنّه ليس منه ، فإنّ المجاز نقل ما ما وضع له الى ما لم يوضع» (٥).

والمعاني لها في التقديم خمس أحوال (٦) :

الأولى : تقدّم العلة على معلولها.

الثانية : التّقدّم بالذات كتقدم الواحد على الاثنين.

الثالثة : التّقدّم بالشرف.

الرابعة : التّقدّم بالمكان.

الخامسة : التّقدّم بالزّمان.

وتقديم الشيء على وجهين : تقديم على نية التأخير كتقديم الخبر اذا قدّم على المبتدأ ، وتقديم لا على نية التأخير ولكن على أن ينقل الشيء عن حكم الى حكم ، وذلك كأن يعمد الى اسمين يحتمل كل واحد منهما أن يكون مبتدأ ويكون الآخر خبرا له فيقدم تارة على ذاك واخرى على ذاك مثل : «زيد المنطلق» و «المنطلق زيد» ، فالتقديم والتأخير يؤثران في معنى الجملة لأنّ ما يقدم هو المبتدأ أو المسند اليه وما يؤخر هو الخبر أو المسند (٧). وباب التقديم والتأخير واسع لأنّه يشمل كثيرا من أجزاء الكلام ، فالمسند اليه يقدم لأغراض بلاغية منها : أنّه الاصل ولا مقتضى للعدول عنه كتقديم الفاعل على المفعول ، والمبتدأ على الخبر ، وصاحب الحال عليها.

وان يتمكن الخبر في ذهن السامع لأنّ في المبتدأ تشويقا اليه كقول أبي العلاء :

والذي حارت البرية فيه

حيوان مستحدث من جماد

وأن يقصد تعجيل المسرّة مثل : «سعد في دارك» أو الاساءة مثل : «السفّاح في دار صديقك».

وايهام أنّ المسند اليه لا يزول عن الخاطر مثل «اللهَ رَبِّي».

وايهام التلذذ بذكره كقول الشاعر :

بالله يا ظبيات القاع قلن لنا

ليلاي منكنّ أم ليلى من البشر

وتخصيص المسند اليه بالخبر الفعلي إن ولي حرف النفي كقول المتنبي :

وما أنا أسقمت جسمي به

ولا أنا أضرمت في القلب نارا

وتقوية الحكم وتقريره كقوله تعالى : (وَالَّذِينَ هُمْ بِرَبِّهِمْ لا يُشْرِكُونَ)(٨). وإفادة العموم مثل : «كل

__________________

(١) خزانة الادب ص ١١٢ ، نفحات ص ١١٩ ، كفاية الطالب ص ١٥٦.

(٢) أنوار الربيع ج ٢ ص ٣٠٨.

(٣) اللسان (قدم) و (أخر).

(٤) البرهان في علوم القرآن ج ٣ ص ٢٣٣.

(٥) البرهان في علوم القرآن ج ٣ ص ٢٣٣ ، الفوائد ص ٨٢.

(٦) الطراز ج ٢ ص ٥٦ ، وينظر معترك الاقران ج ١ ص ١٧٤ ، التبيان في البيان ص ٨٧.

(٧) ينظر دلائل الاعجاز ص ٨٣.

(٨) المؤمنون ٥٩.

٤٠٤

انسان لم يقم» (١).

ويقدم المسند لأغراض منها : تخصيص المسند بالمسند اليه كقوله تعالى : (وَلِلَّهِ مُلْكُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ)(٢).

والتنبيه من أول الأمر على أنّه خبر لا نعت كقول حسان يمدح النبي ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ :

له همم لا منتهى لكبارها

وهمّته الصّغرى أجلّ من الدّهر

له راحة لو أنّ معشار جودها

على البرّ كان البرّ أندى من البحر

والتفاؤل بتقديم ما يسر مثل : «عليه من الرحمن ما يستحقّه».

والتشويق الى ذكر المسند اليه كقول محمد بن وهيب :

ثلاثة تشرق الدنيا ببهجتها

شمس الضحى وأبو إسحاق والقمر (٣)

ومن التقديم تقديم تعلّقات الفعل عليه كالمفعول والجار والمجرور والحال ويكون ذلك لأغراض منها :الاختصاص كقوله تعالى : (إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ)(٤).

والاهتمام بالمتقدم كقوله تعالى : (قُلْ أَغَيْرَ اللهِ أَبْغِي رَبًّا وَهُوَ رَبُّ كُلِّ شَيْءٍ)(٥).

والتبرك مثل «قرآنا قرأت».

وضرورة الشعر ، وهو كثير لا يحدّ ولا يحصر.

ورعاية الفاصلة كقوله تعالى : (فَأَمَّا الْيَتِيمَ فَلا تَقْهَرْ. وَأَمَّا السَّائِلَ فَلا تَنْهَرْ)(٦).

وهناك أنواع اخرى لا ترجع إلى المسند اليه أو المسند او متعلّقات الفعل ، وإنما ترجع الى أمور كثيرة ، وقد بحثها الزركشي (٧) في أنواع التقديم والتأخير ، ومما ذكره السبق كقوله تعالى : (وَمِنْ نُوحٍ وَإِبْراهِيمَ وَمُوسى وَعِيسَى)(٨).

والذات كقوله تعالى : (ما يَكُونُ مِنْ نَجْوى ثَلاثَةٍ إِلَّا هُوَ رابِعُهُمْ ، وَلا خَمْسَةٍ إِلَّا هُوَ سادِسُهُمْ)(٩). والعلة والسببية كقوله تعالى : (إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ)(١٠) لأنّ العبادة سبب حصول الاعانة.

والمرتبة كقوله تعالى : (غَفُورٌ رَحِيمٌ*)(١١) لأنّ المغفرة سلامة والرحمة غنيمة والسلامة مطلوبة قبل الغنيمة.

والتعظيم كقوله تعالى : (وَمَنْ يُطِعِ اللهَ وَالرَّسُولَ)(١٢).

والغلبة والكثرة كقوله تعالى : (فَمِنْهُمْ ظالِمٌ لِنَفْسِهِ وَمِنْهُمْ مُقْتَصِدٌ وَمِنْهُمْ سابِقٌ بِالْخَيْراتِ بِإِذْنِ اللهِ)(١٣).

والاهتمام عند المخاطب كقوله تعالى : (فَحَيُّوا بِأَحْسَنَ مِنْها أَوْ رُدُّوها)(١٤). ومراعاة الافراد كقوله تعالى : (الْمالُ وَالْبَنُونَ)(١٥) ، فانّ المفرد سابق على الجمع. ومن ذلك قصد الترتيب وخفة اللفظ ورعاية الفاصلة. وهذه الانواع التي ذكرها الزركشي لم يبحثها البلاغيون إلا من خلال الجملة ، ولذلك

__________________

(١) مفتاح العلوم ص ٩٣ ، الايضاح ص ٥٢ ، شروح التلخيص ج ١ ص ٣٨٩.

(٢) آل عمران ٨٩.

(٣) مفتاح العلوم ص ١٠٥ ، الايضاح ص ١٠١ ، شروح التلخيص ج ٢ ص ١٠٩.

(٤) الفاتحة ٥.

(٥) الانعام ١٦٤.

(٦) الضحى ٩ ـ ١٠.

(٧) البرهان في علوم القرآن ج ٣ ص ٢٣٨ ، وينظر معترك ج ١ ص ١٧٤.

(٨) الأحزاب ٧.

(٩) المجادلة ٧.

(١٠) الفاتحة ٥.

(١١) البقرة ١٧٣ ، وهناك آيات كثيرة فيها «غَفُورٌ رَحِيمٌ».

(١٢) النساء ٦٩.

(١٣) فاطر ٣٢.

(١٤) النساء ٨٦.

(١٥) الكهف ٤٦.

٤٠٥

كانت دراستهم لها قاصرة ، أما الذين عنوا باسلوب القرآن الكريم فقد تجاوزوا ذلك ونظروا الى التقديم والتأخير نظرة أوسع واكثر عمقا فجاءت مادتهم أغزر وبحوثهم أخصب ، ولا يكاد يستثنى من ذلك إلا عبد القاهر الذي أبدع في تحليل الأساليب البلاغية ونقل النحو من أحوال الإعراب والبناء الى المعاني التي تزخر بها العبارات ، وكانت نظريته في النظم من أحسن ما عرف النقد القديم والبلاغة العربية.

التّقسيم :

قسّم : جزّأ ، والتقسيم هو التجزئة والتفريق (١).

سمّاه الحلبي والنويري «التقسيم المفرد» (٢) ، والتقسيم من الأساليب العريقة في اللغة العربية ، فقد سمع عمر بن الخطّاب ـ رضي‌الله‌عنه ـ قول زهير وكان لشعره مقدما :

وإنّ الحقّ مقطعه ثلاث

يمين أو نفار أو جلاء

فقال كالمعجب : «من علّمه بالحقوق وتفصيله بينها واقامته أقسامها؟» (٣). وذكر الجاحظ إعجاب عمر ـ رضي‌الله‌عنه ـ بقول عبدة بن الطبيب أيضا :

والمرء ساع لأمر ليس يدركه

والعيش شحّ وإشفاق وتأميل

وقال : وكان عمر بن الخطاب ـ رضي‌الله‌عنه ـ يردد هذا النصف الآخر ويعجب من جودة التقسيم» (٤).

وكان ذلك أساس فن التقسيم في البلاغة العربية ، وقد قال القاضي الجرجاني عن قول زهير :

يطعنهم ما ارتموا حتى إذا اطّعنوا

ضارب حتى إذا ما ضاربوا اعتنقا

«فقسّم البيت على أحوال الحرب ومراتب اللقاء ، ثم ألحق بكل قسم مايليه في المعنى الذي قصده من تفضيل الممدوح فصار موصولا به مقرونا اليه» (٥).

وتحدث قدامة عن تمام الأقسام فقال : «هو أن يؤتى بالأقسام مستوفاة لم يخلّ بشيء منها ومخلصة لم يدخل بعضها في بعض» (٦). كقول بعضهم : «فانك لم تخل فيما بدأتني من مجد أثّلته ، وشكر تعجلته ، وأجر ادخرته». وتحدث عن صحة التقسيم وقال : «وصحة التقسيم أن توضع معان يحتاج الى تبيين أحوالها فاذا شرحت أتي بتلك المعاني من غير عدول عنها ولا زيادة عليها ولا نقصان منها» (٧).

كقول بعضهم : «انا واثق بمسالستك في حال بمثل ما أعلم من مشارستك في أخرى : لانك إذا عطفت وجدت لدنا ، وإذا غمزت ألفيت شثنا». وهذا غير التقسيم المعروف وإنما هو نوع من اللف والنشر.

وقال العسكريّ : «التقسيم الصحيح أن تقسم الكلام على جميع أنواعه ولا يخرج منها جنس من أجناسه» (٨).

وقال الخفاجي : «أن تكون الأقسام المذكورة لم يخلّ بشيء منها ولا تكرّرت ولا دخل بعضها تحت بعض» (٩).

وقال ابن رشيق : إنّ بعضهم يرى أنّ التقسيم «استقصاء الشاعر جميع أقسام ما ابتدأ به» (١٠) ، وعدّ من التقسيم التقطيع ، ومن التقطيع الترصيع.

وعدّ عبد القاهر التقسيم من النظم الجيد ولا سيما اذا تلاه جمع كقول حسان ابن ثابت :

__________________

(١) اللسان (قسم).

(٢) حسن التوسل ص ٢٨١ ، نهاية الارب ج ٧ ص ١٥٣.

(٣) البيان ج ١ ص ٢٤٠.

(٤) الحيوان ج ٣ ص ٤٦.

(٥) الوساطة ص ٤٧.

(٦) جواهر الالفاظ ص ٥.

(٧) جواهر الالفاظ ص ٦.

(٨) كتاب الصناعتين ص ٣٤١.

(٩) سر الفصاحة ص ٢٧٧.

(١٠) العمدة ج ٢ ص ٢٠.

٤٠٦

قوم إذا حاربوا ضرّوا عدّوهم

أو حاولوا النفع في أشياعهم نفعوا

سجيّة تلك منهم غير محدثة

إنّ الخلائق فاعلم شرّها البدع (١)

وقال ابن منقذ : «هو أن يقسم المعنى بأقسام تستكمله فلا تنقص عنه ولا تزيد عليه» (٢).

وقال الصنعاني : «هو أن يستقصي الشاعر تفصيل ما ابتدأ به ويستوفيه فلا يغادر قسما يقتضيه المعنى إلا أورده» (٣).

وقال ابن الاثير : نريد بالتقسيم ههنا ما يقتضيه المعنى مما يمكن وجوده من غير أن يترك منها قسم واحد ، واذا ذكرت قام كل قسم منها بنفسه ولم يشارك غيره» (٤).

وقال ابن الأثير الحلبي : «وحدّ هذا الباب أن يستوفي المتكلم جميع أقسام الكلمة التي يمكن وجودها غير تارك منها قسما واحدا» (٥).

وأدخل السكاكي التقسيم في المحسنات المعنوية وقال : «هو أن تذكر شيئا ذا جزأين أو أكثر ثم تضيف الى كل واحد من أجزائه ما هو له عندك» (٦).

كقول بعضهم :

أديبان في بلخ لا يأكلان

إذا صحبا المرء غير الكبد

فهذا طويل كظلّ القناة

وهذا قصير كظلّ الوتد

وعلّق القزويني على تعريف السكاكي بقوله : «وهذا يقتضي أن يكون التقسيم أعمّ من اللف والنشر» (٧).

وعرّف التقسيم بقوله : «هو ذكر متعدد ثم إضافة ما لكل اليه على التعيين» (٨) ، وتبعه شراح التلخيص (٩).

وذكر القرطاجني عدة أقسام لهذا الفن وقال إنّ من ذلك تعدد أشياء ينقسم إليها شيء لا يمكن انقسامه الى اكثر منها ، ومنها : تعديد أشياء تكون لازمة عن شيء على سبيل الاجتماع أو التعاقب ، ومنها تعديد أشياء تتقاسمها أشياء لا يصلح أن ينسب منها شيء إلا الى ما نسب اليه من الأشياء المتقاسمة ، ومنها تعديد أجزاء من شيء تتقاسمها أشياء أو أجزاء من شيء وتكون الأجزاء المعدودة إما جملة أجزاء الشيء أو أشهر أجزائه وألحقها بغرض الكلام ويكون كل جزء منها لا يصلح أن ينسب الى غير ما نسب اليه بالنظر الى صحة المعنى ومنها تعديد أشياء محمودة أو مذمومة من شيء متفقة في الشهرة والتناسب (١٠).

والكمال في المعاني باستيفاء أقسامها واستقصاء متمماتها ، ومن المعاني التي وردت القسمة فيها تامة صحيحة قول نصيب :

فقال فريق القوم : لا ، وفريقهم

نعم ، وفريق قال : ويحك ما ندري

ومن المعاني التي وقع التقسيم فيها تاما صحيحا قول الشماخ :

متى ما تقع أرساغة مطمئنة

على حجر يرفضّ أو يتدحرج

ومن المعاني التي قسّمت أتمّ تقسيم على جهة من التدريج والترتيب قول زهير :

يطعنهم ما ارتموا حتى إذا اطّعنوا

ضارب حتى اذا ما ضاربوا اعتنقا

__________________

(١) دلائل الاعجاز ص ٧٤.

(٢) البديع في نقد الشعر ص ٦١.

(٣) الرسالة العسجدية ص ١٤٤.

(٤) المثل السائر ج ٢ ص ٣٠٤ ، الجامع الكبير ص ٢١٨ ، كفاية الطالب ص ١٤٧.

(٥) جوهر الكنز ص ١٤٤.

(٦) مفتاح العلوم ص ٢٠١ ، وينظر حدائق السحر ص ١٧٩.

(٧) الايضاح ص ٣٥٨.

(٨) الايضاح ص ٣٥٨ ، التلخيص ص ٣٦٤.

(٩) شروح التلخيص ج ٤ ص ٣٣٦ ، المطول ص ٤٢٨ ، الأطول ج ٢ ص ٢٠٠.

(١٠) منهاج البلغاء ص ٥٥.

٤٠٧

ومن المعاني التي وقعت قسمتها ناقصة قول جرير :

صارت حنيفة أثلاثا فثلثهم

من العبيد وثلث من مواليها

فهذه قسمة ناقصة ، لأنّه أخلّ بالقسم الثالث.

ومما نقصت قسمته من المعاني بتداخل قسم على قسم قول أبي تمام :

قسم الزمان ربوعها بين الصّبا

وقبولها ودبورها أثلاثا (١)

ولا يخرج كلام الآخرين عمّا تقدّم في التحديد والتقسيم والأمثلة (٢).

وذكر ابن قيم الجوزية والزركشي أنّ أرباب علم البيان لا يريدون بالتقسيم القسمة العقلية التي يتكلم عليها المتكلم لأنّها تقتضي أشياء مستحيلة كقولهم : الجواهر لا تخلو إما أن تكون مجتمعة أو مفترقة ، أو لا مفترقة ولا مجتمعة ، أو مجتمعة ومفترقة معا ، أو بعضها مجتمع وبعضها مفترق ، فانّ هذه القسمة صحيحة عقلا لكنّ بعضها يستحيل وجوده ، وإنّما المقصود «استيفاء المتكلم أقسام الشيء بحيث لا يغادر شيئا وهو آلة الحصر ومظنة الاحاطة بالشيء» (٣) كقوله تعالى : (فَمِنْهُمْ ظالِمٌ لِنَفْسِهِ وَمِنْهُمْ مُقْتَصِدٌ وَمِنْهُمْ سابِقٌ بِالْخَيْراتِ بِإِذْنِ اللهِ)(٤) فإنّه لا يخلو العالم جميعا من هذه الأقسام الثلاثة : إما ظالم نفسه وإما سابق مبادر الى الخيرات وإما مقتصد فيها ، وهذا من أوضح التقسيمات وأكملها.

وكان قدامة قد قال عن صحة التقسيم : «هي أن يبتدىء الشاعر فيضع أقساما فيستوفيها ولا يغادر قسما منها» (٥) وفساد التقسيم يكون إما بأن يكرر الشاعر الأقسام أو يأتي بقسمين أحدهما داخل تحت الآخر (٦). وقال المصري : «وصحّة الأقسام عبارة عن استيفاء المتكلم أقسام المعنى الذي هو فيه بحيث لا يغادر منه شيئا (٧)».

التّقصير :

القصر : الحبس ، وقصر قيد بعيره قصرا : اذا ضيّقه.

وقصر فلان صلاته يقصرها قصرا في السفر. وقصّر :

نقص ورخص ، ضد (٨).

قال ابن منقذ : «هو أن ينقص السارق من كلامه ما هو من تمامه» (٩) كما قال عنترة :

وإذا سكرت فإنّني مستهلك

مالي وعرضي وافر لم يكلم

واذا صحوت فما أقصّر عن ندى

وكما علمت شمائلي وتكرّمي

أخذهما حسان فنقص منهما ذكر الصّحو فقال :

فنشربها فتتركنا ملوكا

وأسدا ما ينهنهنا اللقاء

وكقول أبي نواس :

__________________

(١) منهاج البلغاء ص ١٥٤ ـ ١٥٧ ، وينظر المنزع البديع ص ٣٥٥.

(٢) نضرة الاغريض ص ١١٢ ، المصبح ص ٩٦ ، الاقصى القريب ص ٩٦ ، حسن التوسل ص ٢٨١ ، نهاية الارب ج ٧ ص ١٥٣ ، خزانة ص ٣٦٢ ، معترك ج ١ ص ٣٩٤ ، الاتقان ج ٢ ص ٨٩ ، شرح عقود الجمان ص ١١٩ ، حلية اللب ص ١٣٧ ، أنوار الربيع ج ٥ ص ٢٩٣ ، المنصف ص ٦٥ ، كفاية الطالب ص ١٧٤ ، الروض المريع ص ١٢٧.

(٣) الفوائد ص ٩٠ ، البرهان في علوم القرآن ج ٣ ص ٤٧١ ، نفحات ص ٢٠٩ ، التبيان في البيان ص ٣٣٢ ، شرح الكافية ص ١٦٩.

(٤) فاطر ٣٢.

(٥) نقد الشعر ص ١٤٩.

(٦) نقد الشعر ص ٢٢٦ ، الموشح ص ١٢٤ ، قانون البلاغة ص ٤١٤.

(٧) تحرير التحبير ص ١٧٣ ، بديع القرآن ص ٦٥.

(٨) اللسان (قصر).

(٩) البديع في نقد الشعر ص ٢٠٤.

٤٠٨

إذا حصلت دون اللهاة من الفتى

دعا همّه من صدره برحيل

أخذه ابن المعتز فنقص منه فقال :

إذا سكنت صدر الفتى زال همّه

فطابت له دنياه واتّسع الضّنك

ومعنى ذلك أنّ هذا النوع يدخل في باب السرقات غير المحمودة ، لأنّ اللاحق قصّر عن السابق.

التّقطيع :

قطّع : قسّم ، والتقطيع : التقسيم (١).

وقد ذكر ابن رشيق من أنواع التقسيم نوعا سماه «التقطيع» ، وهو كقول النابغة الذبياني :

ولله عينا من رأى أهل قبّة

أضرّ لمن عادى وأكثرّ نافعا

وأعظم أحلاما وأكبر سيّدا

وأفضل مشفوعا اليه وشافعا

وسماه قوم منهم عبد الكريم «التفصيل» وأنشد في ذلك :

بيض مفارقنا تغلي مراجلنا

نأسو بأموالنا آثار أيدينا

وقال البحتري :

قف مشوقا أو مسعدا أو حزينا

أو معينا أو عاذرا أو عذولا

فقطع وفصل.

وقال المتنبي :

فيا شوق ما أبقى ويالي من النوى

ويا دمع ما أجرى ويا قلب ما أصبى

ففصل وجاء به على تقطيع الوزن كل لفظتين ربع بيت.

وقال :

للسبي ما نكحوا والقتل ما ولدوا

والنّهب ما جمعوا والنار ما زرعوا

واذا كان تقطيع الاجزاء مسجوعا أو شبيها بالمسجوع فذلك هو الترصيع (٢).

التّقفية :

قفاه واقتفاه وتقفّاه : تبعه ، وقفّيت على أثره بفلان أي أتبعته إياه (٣).

ذكر ابن منقذ بابا باسم «التقفية» وقال : «هو أن يأتي ذكر نكتة أو خبر أو غير ذلك يومىء اليه الشاعر أو الناثر (٤)» كقوله تعالى : (فِيهِنَّ قاصِراتُ الطَّرْفِ)(٥) فانه يومئ الى قول امرئ القيس :

من القاصرات الطرف لو دبّ محول

من الذرّ فوق الأتب منه لأثّرا

ومنه قول الرّفّاء :

مدح يغضّ زهير عنه ناظره

ونائل يتوارى عنده هرم

لا يستعير له المدّاح منقبة

ولا يقولون فيه غير ما علموا

وقد ذكر النوع نفسه ابن قيم الجوزية باسم «التفقير» (٦) ، وذكر له الآية وبيت امرىء القيس وغير ذلك مما ذكره ابن منقذ ، ولعل الأصح تسمية ابن منقذ ، وليس بعيدا أن يكون مصطلح ابن الجوزية محرّفا ، لأن معنى التفقير اللغوي لا علاقة له بالأمثلة.

تقليل اللّفظ ولا تقليله :

ذكره السّكّاكي في المحسّنات المعنوية وقال :

__________________

(١) اللسان (قطع).

(٢) العمدة ج ٢ ص ٢٥.

(٣) اللسان (قفا).

(٤) البديع في نقد الشعر ص ٢٨٤.

(٥) الرحمن ٥٦.

(٦) الفوائد ص ٢١٧.

٤٠٩

«ومنه تقليل اللفظ ولا تقليله مثل : يا ، وهيا ، وغاض ، وغيض ، إذا صادفا الموقع. ويتفرع عليهما الإيجاز في الكلام والإطناب فيه» (١).

التّكافؤ :

التكافؤ : الاستواء ، وفي حديث النبي ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ : «المسلمون تتكافأ دماؤهم» (٢).

التكافؤ هو التضاد والتطبيق والطباق والمطابقة ، وقد سمّاه كذلك قدامة والنحاس (٣) ، وقال المصري إنّ الطباق حينما يأتي بلفظ المجاز يسمى تكافؤا ، وذكر الحموي مثل ذلك (٤). وقال ابن الأثير الحلبي : «أمّا التكافؤ فهو كالطباق في أنّه ذكر الشيء وضده لكن يشترط في التكافؤ أن يكون أحد الضدين حقيقة والآخر مجازا ، فبهذا يحصل الفرق بينهما» (٥) ، كقول دعبل :

لا تعجبي يا سلم من رجل

ضحك المشيب برأسه فبكى

ف «ضحك المشيب» مجاز و «بكاء الرجل» حقيقة.

وقول بشار :

إذا أيقظتك حروب العدى

فنبّه لها عمرا ثمّ نم

فايقاظ الحروب مجاز ونوم الشخص حقيقة.

وذكر مثل ذلك السيوطي الذي قسّم المطابقة أو الطباق الى حقيقي ومجازيّ وقال إنّ المجازي هو التكافؤ (٦).

وقد تقدم الكلام على ذلك في التضادّ.

التّكرار :

هو الإطناب بالتكرار ، وقد تقدّم.

التّكرير :

كرّر الشيء : أعاده مرة بعد أخرى ، وكررت عليه الحديث : اذا ردّدته عليه (٧).

قال ابن الأثير عن الإطناب : «والذي يحدّه أن يقال : هو زيادة اللفظ عن المعنى لفائدة ، فهذا حدّه الذي يميزه عن التطويل ، إذ التطويل هو : زيادة اللفظ عن المعنى لغير فائدة ، وأما التكرير فإنّه دلالة اللفظ على المعنى مرددا كقولك لمن تستدعيه : «أسرع أسرع» فان المعنى مردد واللفظ واحد ... واذا كان التكرير هو إيراد المعنى مرددا فمنه ما يأتي لفائدة ومنه ما يأتي لغير فائدة ، فاما الذي يأتي لفائدة فانّه جزء من الإطناب وهو أخصّ منه فيقال حينئذ : إنّ كل تكرير يأتي لفائدة فهو إطناب وليس كل إطناب تكريرا يأتي لفائده. وأما الذي يأتي من التكرير لغير فائدة فإنه جزء من التطويل وهو أخص منه فيقال حينئذ : إنّ كل تكرير يأتي لغير فائدة تطويل وليس كل تطويل تكريرا يأتي لغير فائدة (٨)».

وقسّم ابن الأثير الحلبي التكرير قسمين (٩) :

الأوّل : يوجد في اللفظ والمعنى مثل : «أسرع

__________________

(١) مفتاح العلوم ص ٢٠٢.

(٢) اللسان (كفأ).

(٣) نقد الشعر ص ١٦٣ ، جواهر الالفاظ ص ٧ ، إعجاز القرآن ص ١٤٦ ، العمدة ج ٢ ص ٥ ، الوافي ص ٢٧٦ ، قانون البلاغة ص ٤١٢ ، ٤٤٧ ، الطراز ج ٢ ص ٣٣٧ ، الفوائد ص ١٤٥ ، أنوار الربيع ج ٢ ص ٣١.

(٤) تحرير التحبير ص ١١١ ، خزانة الأدب ص ٦٩.

(٥) جوهر الكنز ص ٨٩ ، وينظر الروض المريع ص ١٠٦.

(٦) معترك ج ١ ص ٤١٤ ، الاتقان ج ٢ ص ٩٥ ، شرح عقود الجمان ص ١٠٥.

(٧) اللسان (كرر).

(٨) المثل السائر ج ٢ ص ١٢٨ ، وينظر كفاية الطالب ص ٢٠٨ ، المنزع البديع ص ٤٧٦ ، الروض المريع ص ١٥٥ ، نفحات ص ١٥٧ ، التبيان في البيان ص ٢٩٩.

(٩) جوهر الكنز ص ٢٥٧.

٤١٠

أسرع».

الثاني : يوجد في المعنى دون اللفظ مثل : «أطعني ولا تعصني» فإنّ الأمر بالطاعة هو النهي عن المعصية.

وكلّ قسم من هذين القسمين ينقسم الى مفيد وغير مفيد ، فالمفيد الذي يأتي في الكلام توكيدا له وتسديدا من أمره وإشعارا بعظم شأنه ، وهو يأتي في اللفظ والمعنى ، كقوله : قال تعالى : (قُلْ إِنِّي أُمِرْتُ أَنْ أَعْبُدَ اللهَ مُخْلِصاً لَهُ الدِّينَ وَأُمِرْتُ لِأَنْ أَكُونَ أَوَّلَ الْمُسْلِمِينَ. قُلْ إِنِّي أَخافُ إِنْ عَصَيْتُ رَبِّي عَذابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ)(١) ثم قال بعد ذلك : (قُلِ اللهَ أَعْبُدُ مُخْلِصاً لَهُ دِينِي) (الزّمر ١٤). والمقصود في هذا التكرير غرضان مختلفان ، أما ما جاء في اللفظ والمعنى والمراد به غرض واحد فكقوله تعالى : (اللهُ الَّذِي يُرْسِلُ الرِّياحَ فَتُثِيرُ سَحاباً فَيَبْسُطُهُ فِي السَّماءِ كَيْفَ يَشاءُ وَيَجْعَلُهُ كِسَفاً فَتَرَى الْوَدْقَ يَخْرُجُ مِنْ خِلالِهِ فَإِذا أَصابَ بِهِ مَنْ يَشاءُ مِنْ عِبادِهِ إِذا هُمْ يَسْتَبْشِرُونَ. وَإِنْ كانُوا مِنْ قَبْلِ أَنْ يُنَزَّلَ عَلَيْهِمْ مِنْ قَبْلِهِ لَمُبْلِسِينَ)(٢).

وأما القسم الذي هو غير مفيد فهو الذي يأتي في الكلام توكيدا له كقول المتنبي :

ولم أر مثل جيراني ومثلي

لمثلي عند مثلهم مقام

وقال ابن شيث القرشي : «التكرير هو أن يأتي بثلاث أو أربع كلمات موزونات ثم يختم (٣) بأخرى تكون القافية إما على وزنهن أو خارجة عنهن ، مثل أن يقال : «لا زال عالي المنار حامي الذمار عزيز الجار هامي النعم وافي المجد نامي الحمد جديد الجد وافر القسم». أو تتكرر اللفظة الواحدة مثل أن يقال : «باسم الأيام باسم الايادي باسم الخدام» ... وفي الشعر :

كأنّ المدام وصوب الغمام

ونشر الخزامى وريح القطر (٤)

وهذا نوع من التقطيع الذي يورث تكريرا.

التّكلّف :

تكلّفت الشيء : تجشّمته على مشقة وعلى خلاف عادتك ، ويقال : حملت الشيء تكلفة إذا لم تطقه إلا تكلفا (٥).

وقد عقد ابن منقذ بابا سماه «التكلف والتعسف» وقال : «وهو الكثير من البديع كالتطبيق والتجنيس في القصد لأنّه يدلّ على تكلف الشاعر لذلك وقصده اليه ، واذا كان قليلا نسب الى أنّه طبع في الشاعر ، ولهذا عابوا على أبي تمام لأنّه كثر في شعره ، ثم إنهم استحسنوه في شعر غيره لقلته. وقالوا : إنّه بمنزلة اللثغة تستحسن فاذا كثرت صار خرسا ، والشية تستحسن في الفرس فاذا كثرت صار بلقا ، والجودة تستحسن في الشعر فاذا كثرت صار قططا (٦) ، ولهذا قالوا : خير الأمور أوسطها ، والحسنة بين الشيئين والفضلة بين الرذيلتين» (٧).

التّكميل :

هو الإطناب بالتكميل وقد تقدم. وقد عرّفه المدني بقوله : «التكميل عبارة عن أن يأتي المتكلم بمعنى تام في فن من الفنون فيرى الاقتصار عليه ناقصا فيكمله بمعنى آخر في غير ذلك الفصل الذي أتى به أولا ، كمن مدح انسانا بالحلم فيرى الاقتصار عليه بدون مدحه بالبأس ناقصا فيكمله بذكره» (٨).

__________________

(١) الزمر : ١١ ـ ١٣.

(٢) الروم ٤٨ ـ ٤٩.

(٣) معالم الكتابة ص ٧٧.

(٤) معالم الكتابة ص ٧٧.

(٥) اللسان (كلف).

(٦) القطط : الجعد.

(٧) البديع في نقد الشعر ص ١٦٣.

(٨) أنوار الربيع ج ٥ ص ١٨٥ ، وينظر الروض المريع ص ١٥١ ، نفحات ص ١٣٦ ، التبيان في البيان ص ٣٠٩ ، شرح الكافية ص ١٤٢.

٤١١

التّلاؤم :

تلاءم القوم والتأموا : اجتمعوا واتّفقوا (١).

قال الرّمّاني : «التلاؤم نقيض التنافر ، والتلاؤم تعديل الحروف في التأليف ، والتأليف على ثلاثة أوجه : متنافر ومتلائم في الطبقة الوسطى ومتلائم في الطبقة العليا» (٢) والفائدة في التلاؤم حسن الكلام في السمع وسهولته في اللفظ وتقبل المعنى له في النفس لما يرد عليها من حسن الصورة وطريق الدّلالة (٣).

وقد تقدّم الكلام عليه في الالتئام :

التّلطّف :

لطف يلطف : اذا رفق ، والتّلطّف للأمر : التّرفّق له (٤).

التّلطّف من ابتداع العسكري (٥) ، وقد قال في تعريفه : «هو ان تتلطف للمعنى الحسن حتى تهجنه والمعنى الهجين حتى تحسنه» (٦). ومنه قول الحطيئة في قوم كانوا يلقبون بأنف الناقة فيأنفون فقال فيهم :

قوم هم الأنف والأذناب غيرهم

ومن يسوّي بأنف الناقة الذّنبا

فكانوا بعد ذلك يتبجحون بهذا البيت.

ومدح ابن الرومي البخل وعذر البخيل فقال :

لا تلم المرء على بخله

ولمه يا صاح على بذله

لا عجب بالبخل من ذي حجى

يكرم ما يكرم من أجله

وقال ابن منقذ : «هو أن يلفق كلاما من كلام آخر فيولد من الكلامين كلاما ثالثا» (٧) ، كما روي عن مصعب بن الزبير أنّه وشم على خيله (عدّة) فلما أخذها الحجاج كتب عليها (للفرار) ، ومن ذلك قوله لسعيد : ما اسمك؟ قال : سعيد ، فقال : على الأعداء.

وقال الحموي والمدني إنّ بعضهم سمّى التغاير تلطفا (٨) ، ولكن التغاير ـ وقد تقدّم ـ أوسع من ذلك وإن كان لا يخرج عنه كثيرا.

التّلفيف :

لفّ الشيء يلفّه لفا : جمعه ، وقد التفّ (٩).

قال المصري : «هو أن يقصد المتكلم التعبير عن معنى خطر له أو سئل عنه فيلف معه معنى آخر يلازم كلمة المعنى الذي سئل عنه» (١٠). كقوله تعالى :مخبرا عن موسى عليه‌السلام وقد قال سبحانه له :(وَما تِلْكَ بِيَمِينِكَ يا مُوسى؟ قالَ : هِيَ عَصايَ أَتَوَكَّؤُا عَلَيْها وَأَهُشُّ بِها عَلى غَنَمِي وَلِيَ فِيها مَآرِبُ أُخْرى)(١١) وكقول الرسول ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ وقد سئل عن البحر في حديث أوله : «هو الطّهور ماؤه ، الحّل ميتته».

وعرّفه المصري تعريفا آخر فقال : «التلفيف وهو عبارة عن إخراج الكلام مخرج التعليم بحكم أو أدب لم يرد المتكلم ذكره وانما قصد ذكر حكم خاص داخل في عموم الحكم المذكور الذي صرح بتعليمه. وبيان هذا التعريف أن يسأل السائل عن حكم هو نوع من أنواع جنس تدعو الحاجة الى بيانها كلها أو أكثرها فيعدل المسؤول عن الجواب الخاص عما سئل عنه من تبيين ذلك النوع ، ويجيب

__________________

(١) اللسان (لأم).

(٢) النكت في اعجاز القرآن ص ٨٧.

(٣) النكت في اعجاز القرآن ص ٨٨ ، الرسالة العسجدية ص ١٥٦ وينظر الروض المريع ص ١١١.

(٤) اللسان (لطف).

(٥) كتاب الصناعتين ص ٢٦٧.

(٦) كتاب الصناعتين ص ٤٢٧.

(٧) البديع في نقد الشعر ص ٢٨٤.

(٨) خزانة الأدب ص ١٠٢ ، أنوار الربيع ج ٢ ص ٣٧١.

(٩) اللسان (لفف).

(١٠) تحرير التحبير ص ٣٤٣.

(١١) طه ١٧ ـ ١٨.

٤١٢

بجواب عام يتضمن الإبانة عن الحكم المسؤول عنه وعن غيره بدعاء الحاجة الى بيانه» (١).

وهذا هو التعريف الذي ذكره السبكي للتلفيف بعد ذلك فقال : «هو إخراج الكلام مخرج التعليم وهو أن يقع السؤال عن نوع من الأنواع تدعو الحاجة لبيان جميعها فيجاب بجواب عام عن المسؤول عنه وعن غيره ليبنى على عمومه ما بعده من الصفات المقصودة» (٢) وليس في كتب البلاغة الأخرى إشارة الى هذا الفن ، فالمصري لم يذكر السابقين ولم يضعه في الفنون التي ابتدعها ، ولكن السبكي قال : «وقد يقال إنّ هذا يرجع الى الاستطراد» (٣).

التّلفيق :

لفقت الثوب ألفقه لفقا : وهو أن تضم شقّة الى أخرى فتخيطها ، ولفق الشقتين يلفقهما لفقا ولفّقهما : ضمّ إحداهما الى الأخرى فخاطهما والتلفيق أعم ، وهما ما دامتا ملفوقتين لفاق وتلفاق وكلتاهما لفقان ما دامتا مضمومتين فاذا تباينتا بعد التلفيق قيل انفتق لفقهما (٤).

والتلفيق من السرقات وهو أن يلفق الشاعر بيته من عدة أبيات لغيره ، مثل قول ابن الطثريّة :

إذا ما رآني مقبلا غضّ طرفه

كأنّ شعاع الشّمس دوني يقابله

فأوله من قول جميل :

إذا ما رأوني طالعا من ثنيّة

يقولون : من هذا وقد عرفوني

ووسطه من قول جرير :

ففضّ الطّرف إنّك من نمير

فلا كعبا بلغت ولا كلابا

وعجزه من قول عنترة الطائي :

إذا أبصرتني أعرضت عنّي

كأنّ الشمس من حولي تدور (٥)

والتلفيق هو الالتقاط وقد تقدم.

التّلميح :

لمح اليه يلمح لمحا وألمح : اختلس النظر ، وقال بعضهم : لمح : نظر (٦).

قال التفنازاني : «وأما التلميح : صح بتقديم اللام على الميم من لمحه إذا أبصره ونظر اليه وكثيرا ما تسمعهم يقولون في تفسير الأبيات في هذا البيت تلميح الى قول فلان ، وقد لمح هذا البيت فلان الى غير ذلك من العبارات» (٧).

وقال الرازي : «هو أن يشار في فحوى الكلام الى مثل سائر أو شعر نادر أو قصة مشهورة من غير أن يذكره» (٨) ، كقول الشاعر :

المستغيث بعمرو عند كربته

كالمستغيث من الرّمضاء بالنّار

وتحدّث القزويني عن التلميح في باب السرقات وقال : «وأما التلميح فهو أن يشار الى قصة أو شعر من غير ذكره» (٩).

والأول كقول ابن المعتز :

__________________

(١) بديع القرآن ص ١٢٣.

(٢) عروس الافراح ج ٤ ص ٤٦٩.

(٣) عروس الأفراح ج ٤ ص ٤٦٩.

(٤) اللسان (لفق).

(٥) حلية المحاضرة ج ٢ ص ٩٠ ، العمدة ج ٢ ص ٢٨٩.

(٦) اللسان (لمح).

(٧) المطول ص ٤٧٥ ، المختصر ج ٤ ص ٥٢٤.

وينظر أنوار الربيع ج ٤ ص ٢٦٦.

(٨) نهاية الايجاز ص ١١٢ ، وينظر الايضاح في شرح مقامات الحريري ص ٢٢.

(٩) الايضاح ص ٤٢٦ ، التلخيص ص ٤٢٧.

٤١٣

أترى الجيرة الذين تداعوا

عند سير الحبيب وقت الزّوال

علموا أنّني مقيم وقلبي

راحل فيهم أمام الجمال

مثل صاع العزيز في أرحل القو

م ولا يعلمون ما في الرحال

وفيه إشارة الى ما جاء في سورة يوسف ـ عليه‌السلام ـ من صواع صاحب مصر أيام يوسف.

وقول أبي تمام :

لحقنا بأخراهم وقد حوّم الهوى

قلوبا عهدنا طيرها وهي وقّع

فردّت علينا الشمس والليل راغم

بشمس لهم من جانب الخدر تطلع

نضا ضؤوها صبغ الدّجنّة وانطوى

لبهجتها ثوب السماء المجزّع

فو الله ما أدري أأحلام نائم

ألمّت بنا أم كان في الركب يوشع

وفيه إشارة الى قصة يوشع فتى موسى ـ عليهما‌السلام ـ واستيقافه الشمس.

والثاني كقول الحريري : «بت ليلة نابغية» أومأ الى قول النابغة الذبيانيّ :

فبتّ كأنّي ساورتني ضئيلة

من الرقش في أنيابها السّمّ ناقع

وقول غيره :

لعمرو مع الرمضاء والنار تلتظي

أرقّ وأحفى منك في ساعة الكرب

أشار الى البيت المشهور :

المستجير بعمرو عند كربته

كالمستجير من الرمضاء بالنار

ومن التلميح ضرب يشبه اللغز كما روي أنّ تميميا قال لشريك النميري : «ما في الجوارح أحبّ اليّ من البازي» فقال : «إذا كان يصيد القطا» ، أشار التميمي الى قول جرير :

أنا البازي المطلّ على نمير

أتيح من السماء لها انصبابا

وأشار شريك الى قول الطرماح :

تميم بطرق اللؤم أهدى من القطا

ولو سلكت طرق المكارم ضلّت

وتبع القزويني في هذا الفن شراح التلخيص (١) ، ولا يخرج كلام الآخرين عن هذا المعنى (٢) ، وان كان المدني فصّل القول فيه وصنفه أربعة فصول :

الأول : فيما وقع التلميح فيه الى آية من القرآن.

الثاني : فيما وقع التلميح فيه الى حديث مشهور.

الثالث : فيما وقع التلميح فيه الى شعر مشهور.

الرابع : فيما وقع التلميح فيه الى مثل.

ولا يخرج ما ذكره عما تقدم ، وإن كان بحثه مرتبا ، وأمثلته كثيرة لأنّه كما قال : «باب لا ينتهي حتى ينتهى عنه» (٣).

وقد عدّه الحلبي والنويري من التضمين فقالا : «وهو من التضمين وإنّما بعضهم أفرده وهو أن يشير في فحوى الكلام الى مثل سائر أو بيت مشهور أو قضية معروفة من غير أن يذكره» (٤).

__________________

(١) شروح التلخيص ج ٤ ص ٥٢٤ ، المطول ص ٤٧٥ ، الأطول ج ٢ ص ٢٥٤.

(٢) الطراز ج ٣ ص ١٧٠ ، الفوائد ص ١٦٢ ، خزانة الأدب ص ١٨٤ ، شرح عقود الجمان ص ١٧١ ، أنوار الربيع ج ٤ ص ٢٦٦ ، نفحات ص ١٨٤ ، التبيان في البيان ص ٣٥٧ ، شرح الكافية ص ٣٢٨.

(٣) أنوار الربيع ج ٤ ص ٣٠٧.

(٤) حسن التوسل ص ٢٤٢ ، نهاية الارب ج ٧ ص ١٢٧.

٤١٤

التّلويح :

ألاح بالسيف ولوّح : لمع به وحرّكه ، وألاح بثوبه ولوّح به : أخذ طرفه بيده من مكان بعيد ثم أداره ولمع به ليريه من يحب أن يراه (١).

الوحي باللفظ ودلالة الاشارة والتلويح من أساليب العرب القديمة ، وقد أشار الجاحظ اليها (٢) ، وذكر ابن جني «التلويح» مع التعريض والإيماء (٣) ، وأدخله ابن رشيق في باب الاشارة وقال : «ومن أنواعها قول المجنون قيس بن معاذ العامري :

فلو كنت أعلو حبّ ليلى فلم يزل

بي النقض والإبرام حتى علانيا

فلوّح بالصحة والكتمان ثم بالسقم والاشتهار تلويحا عجيبا» (٤).

وتحدث السكاكي عن التلويح في الكناية فقال : «متى كانت الكناية عرضية على ما عرفت كان إطلاق اسم التعريض عليها مناسبا ، واذا لم تكن كذلك نظر فان كانت ذات مسافة بينها وبين المكنيّ عنها متباعدة لتوسط لوازم كما في «كثير الرماد» وأشباهه كان إطلاق اسم التلويح عليها مناسبا لأنّ التلويح هو أن تشير الى غيرك عن بعد» (٥).

وذكر القزويني وشراح التلخيص ذلك (٦) ، ولم يخرجوا على ما ذكره السّكّاكي ، وقال السجلماسي : «هو اقتضاب الدلالة على الشيء بنظيره واقامته مقامه» (٧).

التّمام :

هو التتميم وقد تقدّم ، والتمام اسمه القديم ولكن الحاتمي سمّاه «التتميم» وقال عنه : «هو أن يذكر الشاعر معنى فلا يغادر شيئا يتم به ويتكامل الاشتقاق معه فيه إلا أتى به» (٨).

وهو الاعتراض عند ابن المعتز (٩) ، وقد تقدم.

تمام الأقسام :

تحدث قدامة عن توفير الأقسام فقال : «هو أن يؤتى بالأقسام مستوفاة لم يخل بشيء منها ومخلصة لم يدخل بعضها في بعض» (١٠) مثل : «فانك لم تخلّ فيما بدأتني من مجد أثلته وشكر تعجلته وأجر ادخرته». وهو عنده غير التقسيم المتقدم ، لأنّه تحدث عنه منفردا باسم «صحة التقسيم» (١١).

التّمثيل :

التمثيل في اللغة هو التشبيه ، وقد تحدث عنه أبو عبيدة وهو عنده التشبيه أو تشبيه التمثيل (١٢) ، وأفرد له قدامة بحثا وقال : «هو أن يريد الشاعر إشارة إلى معنى فيضع كلاما يدل على معنى آخر ، وذلك المعنى الآخر والكلام منبئان عما أراد أن يشير اليه» (١٣) ، وفسره المصري مثل هذا التفسير (١٤).

__________________

(١) اللسان (لوح).

(٢) البيان ج ١ ص ٤٤.

(٣) الخصائص ج ١ ص ٢٢٠.

(٤) العمدة ج ١ ص ٣٠٤.

(٥) مفتاح العلوم ص ١٩٤.

(٦) الايضاح ص ٣٢٧ ، التلخيص ص ٣٤٤ ، شروح التلخيص ج ٤ ص ٢٦٩ ، المطول ص ٤١٣ ، الأطول ج ٢ ص ١٧٦ ، شرح عقود الجمان ص ١٠٣ ، حلية اللب ص ١٦٩ ، نفحات ص ٢٨٤.

(٧) المنزع البديع ص ٢٦٦.

(٨) حلية المحاضرة ج ١ ص ١٥٣ ، العمدة ج ٢ ص ٥٠ ، تحرير التحبير ص ١٢٧ ، بديع القرآن ص ٤٥ ، حسن التوسل ص ٢٢٦ ، نهاية الارب ج ٧ ص ١١٨ ، خزانة ص ١٢١ ، أنوار الربيع ج ٣ ص ٥٢.

(٩) البديع ص ٥٩.

(١٠) جواهر الالفاظ ص ٥.

(١١) جواهر الالفاظ ص ٦.

(١٢) مجاز القرآن ج ١ ص ٢٦٩.

(١٣) نقد الشعر ص ١٨٢.

(١٤) تحرير التحبير ص ٢١٤ ، بديع القرآن ص ٨٥ ، وينظر كفاية الطالب ص ١٦٠.

٤١٥

والتمثيل عند العسكري والباقلاني وابن رشيق المماثلة ، وهو ضرب من الاستعارة (١). والتمثيل عند عبد القاهر والسكاكي والقزويني وشراح التلخيص وغيرهم (٢) هو «التشبيه التمثيلي» وقد تقدم.

التّمزيج :

مزج الشيء يمزجه مزجا فامتزج : خلطه (٣).

والتمزيج من مبتدعات المصري ، وقد قال : «هو أن يمزج المتكلم معاني البديع بفنون الكلام أعني أغراضه ومقاصده بعضها ببعض بشرط أن تجمع معاني البديع والفنون في الجملة أو الجمل من النثر والبيت او البيوت من الشعر» (٤) كقول بكر بن النطّاح :

بذلت لها ما قد أرادت من المنى

لترضى فقالت قم فجئني

بكوكب

فقلت لها هذا التعنّت كلّه

كمن يتشهّى لحم عنقاء مغرب

فأقسم لو أصبحت في عزّ مالك

وقدرته أعيا بما رمت مطلبي

فتى شقيت أمواله بعفاته

كما شقيت بكر بأرماح تغلب

فان التمزيج وقع في الثلاثة المتواليات من هذا الشعر بعد الأول ، فأما الأول من الثلاثة فانّه مزج في صدره العتاب بالغزل بالمراجعة حيث قال : «فقلت لها هذا التعنت كله» لارتباط هذا الصدر بما قبله بسبب المراجعة التي فيهما إذ قال : «فقالت» وأتى في عجز البيت بالتذييل ليتحقق العتاب ويستدل على صحة ما ادعاه من التعنت فمزج المذهب الكلامي بالتذييل في العجز. كما مزج العتاب والغزل في الصدر مع الارتباط بما قبله وحقق ذلك بالمراجعة الحاصلة فيهما فوقع التمزيج في البيت المذكور من الفنون في العتاب والغزل ، ومن المعاني في المراجعة بسبب الارتباط والتذييل والمذهب الكلامي ، ثم مزج المبالغة بالقسم في البيت الثاني من الثلاثة ، والمدح بالغزل بواسطة الاستطراد ، وأتى بالطامة الكبرى في البيت الثالث من الثلاثة إذ مزج فيه الإرداف بالتشبيه والشجاعة بالكرم ، ومدح قبيلة الممدوح بمدحه وذمّ أعداءها ، والايغال بالتشبيه.

والتمزيج يلتبس بأربعة أبواب من البديع هي :

التكميل والافتنان والتعليق والادماج ، وقد فرّق المصري بينها فقال : «إنّ التكميل لا يكون إلا في معاني النفوس وأغراضها معا في البديع ، ولا يكون أحد الأمرين فيه قد اتحد بالآخر بحيث لا يظهر من الكلام إلا صورة أحد الأمرين دون الآخر. وإنما يؤخذ المعنى الآخر من الكلام بطريق القوة لشدة امتزاج المعنيين او الفنين أو أحدهما بالآخر ، وهذه حال التمزيج بمعاني النفوس ومعاني البديع. والفرق بين التمزيج والافتنان أنّ الافتنان لا يكون إلا بالجمع بين فنين من أغراض المتكلم كالغزل والمدح والعتاب والهجاء والتهنئة والتعزية ، والتمزيج بخلاف ذلك إذ هو يجمع الفنون والمعاني ويكون الأمران فيه متداخلين ، والفنان فيه ظاهران. والفرق بين التمزيج والتعليق أنّ التعليق كالافتنان في اختصاصه بالفنون دون المعاني وظهور الفنين فيه معا إلّا أنّ أحدهما متعلق بالآخر ، والافتنان لا يكون إلا بالجمع بين فنين من أغراض المتكلم كالغزل والمدح والعتاب والهجاء والتهنئة والتعزية ، والتمزيج بخلاف ذلك إذ هو يجمع الفنون والمعاني ، ويكون الأمران فيه متداخلين أي أحد الفنين فيه متعلقا بالآخر ولا بدّ ، وكلاهما يفارق الامتزاج في ظهور صور الأشياء التي

__________________

(١) كتاب الصناعتين ص ٣٥٣ ، إعجاز القرآن ص ١١٩ ، العمدة ج ١ ص ٢٨٠.

(٢) أسرار البلاغة ص ٨٤ ، دلائل الاعجاز ص ٥٤ ، مفتاح العلوم ص ١٦٤ ، الايضاح ص ٢٤٩ ، شرح الكافية ص ١١٥.

(٣) اللسان (مزج).

(٤) تحرير التحبير ص ٥٣٦ ، بديع القرآن ص ٢٤٦.

٤١٦

تكون فيه فإنها تمتزج في الامتزاج بحيث لا يظهر منها لكل شيئين إلا صورة واحدة. والفرق بين التمزيج والادماج أنّ الادماج كالتعليق لا يكون إلا بالفنون دون المعاني بخلاف التمزيج وإن اشتبه التمزيج في إيجاد الصور ، لا يكون إلا بالمعاني البديعية دون المعاني النفسية ودون الفنون. والفرق بين التعليق والتكميل دقيق وقد جاء في الكتاب العزيز من التمزيج قوله تعالى : (رَبِّ احْكُمْ بِالْحَقِ)(١) فإنّها امتزج فيها فنا الأدب والهجاء بمعنى الإرداف والتتميم وتولّد من ذلك ما استخرجته منها من بقية المحاسن ، فكان ذلك أربعة عشر نوعا يضيق هذا المكان عن ذكرها مفصّلة ، وقد ذكرتها مفصّلة في «بديع القرآن» العزيز» (٢).

وقد ذكر ابن الاثير الحلبي فنا سمّاه «التعريج» وقال : «هذا الباب يسمّى بحسن الارتباط ويسمّى حسن الترتيب ويسمّى حسن النسق ، وحقيقته أئتلاف الكلام بعضه ببعض حتى كأنه أفرغ في قالب واحد. وأكثر ما يوجد هذا النوع مستعملا في كتاب الله تعالى الدالّ على الاعجاز ، وسمّي الارتباط لأنّه اذا جاءت الآية وعلم تأويل الارتباط بين الآيتين وامتزج معناهما علم حسن الترتيب فسمي حسن الارتباط لذلك. وكذلك تسميته بالتمزيج وحسن النسق وحسن الترتيب» (٣). وليس هذا تعريجا وإنّما هو «التمزيج» الذي ذكره المصري لأنّ تعريفه قريب من ذلك ولأن ابن الأثير الحلبي ردد كلمة «التمزيج» عدة مرات في هذا التعريف ، وفي الكتاب خطأ وقع في العنوان الذي كتب صحيحا في مسارد الكتاب ، يضاف الى ذلك أنّ التعريج ليس من الفنون المذكورة في كتب البلاغة المعروفة.

التّمكين :

مكن مكانه فهو مكين ، وتمكّن مثل مكن. وتمكن بالمكان وتمكنه أي ثبت فيه ، وتمكّن من الشيء واستمكن : ظفر (٤).

والتمكين هو «ائتلاف القافية» وقد تقدم. وكان اسمه «ائتلاف القافية» عند قدامة ولكن الذين جاءوا بعده سموه «التمكين» (٥).

التّمليط :

ملط الحائط ملطا وملّطه : طلاه ، والملاط : الطين الذي يجعل بين سافي البناء ويملطه في الحائط.

والملاطان جانبا السنام مما يلي مقدّمه ، والملاطان : الجنبان ، سميا بذلك لأنّهما قد ملط اللحم عنهما ملطا أي نزع ، والملاطان : الكتفان ، والملاطان :العضدان (٦). وقال ابن رشيق : «واشتقاق التمليط من أحد شيئين :

أوّلهما : أن يكون من الملاطين ، وهما جانبا السنام في مرد الكتفين ، قال جرير :

ظللن حوالي خدر أسماء وانتحى

باسماء موّار الملاطين أروح

فكأنّ كل قسيم ملاط ، أي جانب من البيت ، وهما عند ابن السكيت العضدان. والآخر : وهو الأجود ، أن يكون اشتقاقه من الملاط وهو الطين يدخل في البناء يملط به الحائط ملطا ، أي يدخل بين اللبن حتى يصير شيئا واحدا. وأما الملط ـ وهو الذي لا يبالي ما صنع ـ والأملط الذي لا شعر عليه في جسده فليس

__________________

(١) الأنبياء ١١٢.

(٢) تحرير التحبير ص ٥٣٨ ـ ٥٣٩ ، وينظر باب التوليد في بديع القرآن ص ٢٠٧ ـ ٢١١ ، نفحات ص ٢٠٤.

(٣) جوهر الكنز ص ١٥٤.

(٤) اللسان (مكن).

(٥) نقد الشعر ص ١٩٠ ، تحرير التحبير ص ٢٢٤ ، بديع القرآن ص ٨٩ ، المصباح ص ١١٧ ، جوهر الكنز ص ٢٠٠ ، خزانة ص ٤٣٩ ، معترك ج ١ ص ٣٩ ، شرح عقود الجمان ص ١٥٥ ، أنوار الربيع ج ٦ ص ١٥١ ، نفحات ص ٣٢٢ ، شرح الكافية ص ٢٦٧.

(٦) اللسان (ملط).

٤١٧

لاشتقاقه منهما وجه» (١).

وقد تحدّث ابن رشيق عنه في باب «التضمين والاجازة» وقال : «ومن هذا الباب نوع يسمى التمليط ، وهو أن يتساجل الشاعران فيصنع هذا قسيما وهذا قسيما لينظر أيهما ينقطع قبل صاحبه» (٢).

وفي الحكاية أنّ امرأ القيس قال للتوأم اليشكري : إن كنت شاعرا كما تقول فملط أنصاف ما أقول فأجزها قال : نعم.

قال امرؤ القيس :

أحار ترى بريقا هبّ وهنا.

فقال التوأم :

كنار مجوس تستعر استعارا

فقال امرؤ القيس :

أرقت له ونام أبو شريح

فقال التوأم :

إذا ما قلت قد هدأ استطارا

وربما ملّط الأبيات شعراء جماعة كما يحكى أن أبا نواس والعباس بن الاحنف والحسين بن الضحاك الخليع ومسلم بن الوليد الصريع خرجوا في متنزه لهم ومعهم يحيى بن المعلّى فقام يصلي بهم فنسي الحمد وقرأ : «قل هو الله أحد» فارتج عليه في نصفها فقال أبو نواس : أجيزوا :

أكثر يحيى غلطا

في «قُلْ هُوَ اللهُ أَحَدٌ»

فقال العباس :

قام طويلا ساهيا

حتى إذا أعيا سجد

فقال مسلم :

يزحر في محرابه

زحير حبلى بولد

كأنّما لسانه

شدّ بحبل من مسد

وكان الخطابي قد تحدث عن الاجازة وذكر طرفا مما ذكره ابن رشيق (٣).

التّمنّي :

تمنّى الشيء : أراده ، والتمني : تشهّي حصول الأمر المرغوب فيه (٤).

ولا يخرج معنى التمني عند البلاغيين عن هذا المعنى فهو توقع أمر محبوب في المستقبل ، والفرق بينه وبين الترجي أنّه يدخل في المستحيلات ، والترجي لا يكون إلا في الممكنات (٥). ولكن البلاغيين ـ مع ذلك ـ يفرقون بين نوعين من التمني :

الأوّل : توقع الأمر المحبوب الذي لا يرجى حصوله لكونه مستحيلا كقوله تعالى : (يا لَيْتَنِي كُنْتُ مَعَهُمْ فَأَفُوزَ فَوْزاً عَظِيماً)(٦) ، وقول الشاعر :

ألا ليت الشّباب يعود يوما

فأخبره بما فعل المشيب

الثاني : توقع الأمر المحبوب الذي لا يرجى حصوله لكونه ممكنا غير مطموع في نيله كقوله تعالى : (يا لَيْتَ لَنا مِثْلَ ما أُوتِيَ قارُونُ)(٧).

والأداة الموضوعة للتمني «ليت» وقد تستعمل ثلاثة أحرف للدلالة عليه :

أحدها : «هل» كقوله تعالى : (فَهَلْ لَنا مِنْ شُفَعاءَ

__________________

(١) العمدة ج ٢ ص ٩٢.

(٢) العمدة ج ٢ ص ٩١.

(٣) بيان إعجاز القرآن ص ٥٤ ، وينظر العمدة ج ١ ص ٢٠٢ ، ج ٢ ص ٩١ ـ ٩٢.

(٤) اللسان (مني).

(٥) البرهان في علوم القرآن ج ٢ ص ٣٢٣.

(٦) النساء ٧٣.

(٧) القصص ٧٩.

٤١٨

فَيَشْفَعُوا لَنا)(١).

الثاني : «لو» سواء كانت مع «ودّ» كقوله تعالى :(وَدُّوا لَوْ تُدْهِنُ فَيُدْهِنُونَ)(٢). أو لم تكن ، كقوله تعالى : (لَوْ أَنَّ لِي بِكُمْ قُوَّةً)(٣) ، وقوله : (لَوْ أَنَّ لَنا كَرَّةً فَنَتَبَرَّأَ مِنْهُمْ)(٤).

الثالث : «لعل» كقوله تعالى : (لَعَلِّي أَبْلُغُ الْأَسْبابَ. أَسْبابَ السَّماواتِ فَأَطَّلِعَ إِلى إِلهِ مُوسى)(٥). ومنه قول الشاعر :

أسرب القطا هل من يعير جناحه

لعلّي الى من قد هويت أطير (٦)

تمهيد الدّليل :

مهدت لنفسي ومهّدت أي جعلت لها مكانا وطيئا سهلا ، ويمهدون : يوطئون. وتمهيد الأمور : تسويتها وإصلاحها ، وتمهيد العذر : قبوله وبسطه (٧).

تحدث السيوطي في المحسنات المعنوية عن «تمهيد الدليل» وقال : «هذا نوع ثالث اخترعته وسميته تمهيد الدليل ، وهو أن يقصد الحكم بشيء فيرتب له أدلة تقتضي تسليمه قطعا بأن يبدأ بالمقصود ويخبر عنه بجملة مسلّمة ، ثم يخبر عن تلك الجملة بأخرى مسلّمة فيلزم ثبوت الحكم للأول بأن يحذف الوسط ويخبر بالأخير عن الأول. وهذا شكل من أشكال المناطقة ، ونحن أهل السنة لا نتبعهم أصلا ، وهم مصرحون بأنّه في طبع أهل الذوق والذكاء ، والقرآن والسنة طافحان باستعماله ثم تارة يكون الوسط جملة واحدة وتارة يكون أكثر. فمن الأول قوله ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ : «لا تدخلوا الجنة حتى تؤمنوا ، ولا تؤمنوا حتى تحابّوا» لأنّه يصح أن يحذف الوسط فيقال : «لا تدخلوا الجنة حتى تحابوا ، لم يؤمن بالله من لم يؤمن بي ، ولم يؤمن بي من لا يحب الانصار» (٨).

التّناسب :

ناسبه : شركه في نسبه ، المناسبة : المشاكلة ، (٩) وتناسبا : تماثلا وتشاكلا ، والتّناسب من تناسب.

تحدّث بشر بن المعتمر في صحيفته عن التناسب بين الألفاظ والمعاني فقال : «ومن أراغ معنى كريما فليلتمس له لفظا كريما ، فانّ حق المعنى الشريف اللفظ الشريف» (١٠).

وقال الجاحظ عن تناسب الألفاظ والمعاني : «إلا أنّي أزعم أنّ سخيف الألفاظ مشاكل لسخيف المعاني» (١١). وقال : «ومتى شاكل ـ أبقاك الله ـ ذلك اللفظ معناه وأعرب عن فحواه ، وكان لتلك الحالة وفقا ولذلك القدر لفقا وخرج من سماجة الاستكراه وسلم من فساد التكلف كان قمينا بحسن الموقع وبانتفاع المستمع وأجدر أن يمنع جانبه من تناول الطاعنين ويحمي عرضه من اعتراض العائبين ، وألا تزال القلوب به معمورة والصدور مأهولة» (١٢).

وقال : «ولكل ضرب من الحديث ضرب من اللفظ

__________________

(١) الأعراف ٥٣.

(٢) القلم ٩.

(٣) هود ٨٠.

(٤) البقرة ١٦٧.

(٥) غافر ٣٦ ـ ٣٧.

(٦) مفتاح العلوم ص ١٤٧ ، الايضاح ص ١٣١ ، التلخيص ص ١٥١ ، الطراز ج ٣ ص ٢٩١ ، شروح التلخيص ج ٢ ص ٢٣٨ ، المطول ص ٢٢٥ ، الاطول ج ١ ص ٢٣٢ ، البرهان ج ٢ ص ٣٢١ ، معترك ج ١ ص ٤٤٤ ، الاتقان ج ٢ ص ٨٢ ، شرح عقود الجمان ص ٤٨ ، حلية اللب ص ٩٣ ، الروض المريع ص ٧٧.

(٧) اللسان (مهد).

(٨) شرح عقود الجمان ص ١٤٢.

(٩) اللسان (نسب).

(١٠) البيان ج ١ ص ١٣٦.

(١١) البيان ج ١ ص ١٤٥.

(١٢) البيان ج ٢ ص ٧.

٤١٩

ولكل نوع من المعاني نوع من الأسماء ، فالسخيف للسخيف والخفيف للخفيف والجزل للجزل والافصاح في موضع الافصاح والكناية في موضع الكناية والاسترسال في موضع الاسترسال» (١).

وتحدّث قدامة عن نعت ائتلاف اللفظ والمعنى وهو المساواة والاشارة والإرداف والتمثيل والمطابق والمجانس (٢) ، وقال التنوخي : «ومن البيان التناسب ، وهو في الالفاظ وفي المعاني ، وأكثر ما يحتاج اليه في الالفاظ لأنّ المعاني التي تطلب لا يلزم فيها ترتيب ولا مناسبة ، فانّ المتكلم قد يفتقر الى ذكر الاشياء المتناقضة والمتضادة والمتغايرة والمتنافرة وحيث لا يفتقر الى شيء من ذلك فهو التناسب فكأنه مضطر الى ما يأتي به إذا كان مرادا» (٣).

وقال الحلبي والنّويري : «والتّناسب هو ترتيب المعاني المتآخية التي تتلاءم ولا تتنافر» (٤). ويسمّى التشابه أيضا ، وقيل إنّ التشابه أن تكون الألفاظ غير متباينة بل متقاربة في الجزالة والرقّة والسلاسة وتكون المعاني مناسبة لألفاظها من غير أن يكسو اللفظ الشريف المعنى السخيف أو على الضد ، بل يصاغان معا صياغة تتناسب وتتلاءم.

ومن التناسب قول النابغة :

الرفق يمن والأناة سعادة

فاستأن في رزق تنال نجاحا

واليأس عما فات يعقب راحة

ولربّ مطمعة تعود ذباحا

ونقل ابن قيّم الجوزيّة ذلك (٥) ، وسمّى الوطواط والقزويني وشراح التلخيص والحموي والسّيوطي والمدني ، مراعاة النظير «تناسبا» أيضا (٦).

تناسب الأبيات :

وهو أن تكون الأبيات أو أشطرها متناسبة ، وقد قال ابن طباطبا العلوي : «وينبغي للشاعر أن يتأمل تأليف شعره وتنسيق أبياته ويقف على حسن تجاورها أو قبحه فيلائم بينها لتنتظم له معانيها ويتصل كلامه فيها ولا يجعل بين ما ابتدأ وصفه أو بين تمامه فصلا من حشو ليس من جنس ما هو فيه ، فينسى السامع المعنى الذي يسوق القول اليه.

كما انه يحترز من ذلك من كل بيت فلا يباعد كلمة عن اختها ولا يحجز بينها وبين تمامها بحشو يشينها ويتفقد كل مصراع هل يشاكل ما قبله؟ فربما اتفق للشاعر بيتان يضع مصراع كل واحد منهما في موضع الآخر فلا يتنبه على ذلك إلا من دقّ نظره ولطف فهمه. وربما وقع الخلل في الشعر من جهة الرواة والناقلين له فيسمعون الشعر على جهة ويؤدونه على غيرها سهوا ولا يتذكرون حقيقة ما سمعوه منه كقول امرئ القيس :

كأني لم أركب جوادا للذّة

ولم أتبطّن كاعبا ذات خلخال

ولم أسبأ الزقّ الرويّ ولم أقل

لخيلي كرّي كرّة بعد إجفال

هكذا الرواية وهما بيتان حسنان ولو وضع مصراع كل واحد منهما في موضع الآخر كان أشكل وأدخل في استواء النسج فكان يروى :

__________________

(١) الحيوان ج ٣ ص ٣٩.

(٢) نقد الشعر ص ١٧١ وما بعدها.

(٣) الاقصى القريب ص ٩٢.

(٤) حسن التوسل ص ٢١٢ ، نهاية الارب ج ٧ ص ١٠٧ ، وينظر الايضاح في شرح مقامات الحريري ص ١٤.

(٥) الفوائد ص ٨٧ ـ ٨٨.

(٦) حدائق السحر ص ١٣٠ ، الايضاح ص ٣٤٣ ، التلخيص ص ٣٥٤ ، شروح التلخيص ج ٤ ص ٣٠١ ، المطول ص ٤٢٠ ، الاطول ج ٢ ص ١٨٨ ، خزانة الادب ص ١٣١ ، شرح عقود الجمان ص ١٠٨ ، أنوار الربيع ج ٣ ص ١١٩ ، الروض المريع ص ١١٢ ، ١٤٣.

٤٢٠