معجم المصطلحات البلاغيّة وتطوّرها

الدكتور أحمد مطلوب

معجم المصطلحات البلاغيّة وتطوّرها

المؤلف:

الدكتور أحمد مطلوب


الموضوع : اللغة والبلاغة
الناشر: مكتبة لبنان ناشرون
الطبعة: ٠
الصفحات: ٧٠٥

التصرف (١). كما سماه المصري في «تحرير التحبير».

التّصريح بعد الإبهام :

صرّحت الخمر تصريحا انجلى زبدها فخلصت ، وصرّح فلان بما في نفسه وصارح : أبداه وأظهره ، والتصريح خلاف التعريض (٢).

والتصريح بعد الإبهام هو التفسير وقد سمّاه كذلك ابن قيم الجوزية فقال : «التصريح» بعد الابهام ويسمى التفسير» (٣). والتفسير «في اللغة تفعيل من الفسر ، وهو البيان والكشف ، وقيل : هو مقلوب السفر ، يقال : أسفر الصباح : إذا أضاء» (٤). وسمّاه بعضهم «التبيين» (٥) ، وعدّه قدامة من أنواع المعاني وسمّاه «صحة التفسير» وقال : هي «أن يضع الشاعر معاني يريد أن يذكر أحوالها في شعره الذي يصنعه فاذا ذكرها أتى بها من غير أن يخالف معنى ما أتى به منه ولا يزيد أو ينقص» (٦) كقول الفرزدق :

لقد جئت قوما لو لجأت اليهم

طريد دم أو حاملا ثقل مغرم

فلما كان هذا البيت محتاجا الى التفسير قال :

لألفيت منهم معطيا ومطاعنا

وراءك شزرا بالوشيج المقوّم (٧)

وقال العسكري : «هو أن يورد معاني فيحتاج الى شرح أحوالها فاذا شرحت تأتي في الشرح بتلك المعاني من غير عدول عنها أو زيادة تزاد فيها» (٨) ، كقوله تعالى : (وَمِنْ رَحْمَتِهِ جَعَلَ لَكُمُ اللَّيْلَ وَالنَّهارَ لِتَسْكُنُوا فِيهِ وَلِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ)(٩). فجعل السكون لليل وابتغاء الفضل للنهار ، فهو في غاية الحسن ونهاية التمام.

وقال الباقلّاني : هو أن توضع معان تحتاج الى شرح أحوالها فاذا شرحت أثبتت تلك المعاني من غير عدول عنها ولا زيادة ولا نقصان» (١٠).

وقال ابن رشيق : «هو أن يستوفي الشاعر شرح ما ابتدأ به مجملا وقلما يجيء هذا إلا في أكثر من بيت واحد» (١١).

وقال ابن سنان : «هو أن يذكر مؤلف الكلام معنى يحتاج الى تفسيره فيأتي به على الصحة من غير زيادة ولا نقص» (١٢).

وقال البغدادي : «هي أن توضع معان تحتاج الى شرح أحوالها فاذا شرحت أتي بتلك المعاني من غير عدول عنها ولا زيادة عليها ولا نقصان منها» (١٣).

وقال ابن منقذ : «إنّ التفسير هو أن تذكر جملة فلا تزيد فيها ولا تنقص منها ولا تخالف بينها» (١٤).

وقال الصنعاني : «ومن أنواع الفصاحة ما يسمونه التفسير ، والتفسير شرح ما يبتدىء به القائل مجملا» (١٥).

وقال ابن شيث القرشي : «هو أن يكون في صدر الكلام جملة يفسرها ما بعدها» (١٦). وقال ابن الاثير : «إنّ صحة الترتيب في ذلك أن يذكر في الكلام معان مختلفة فاذا أعيد اليها بالذكر لتفسر قدّم المقدّم وأخّر

__________________

(١) حسن القرآن ص ٣١٥ ، نهاية الارب ج ٧ ص ١٧٧ ، وينظر الروض المريع ص ١٦٧.

(٢) اللسان (صرح).

(٣) الفوائد ص ١٧٩.

(٤) أنوار الربيع ج ٦ ص ١٢٣.

(٥) المصباح ص ٩٥ ، خزانة الأدب ص ٤٠٨ ، أنوار الربيع ج ٦ ص ١٢٣.

(٦) نقد الشعر ص ١٥٤.

(٧) الوشيج : شجر الرماح ، وتستعمل للرماح.

(٨) كتاب الصناعتين ص ٣٤٥.

(٩) القصص ٧٣.

(١٠) اعجاز القرآن ص ١٤٣.

(١١) العمدة ج ٢ ص ٣٥.

(١٢) سر الفصاحة ص ٣١٨ ، وينظر الايضاح في شرح مقامات الحريري ص ٢٠.

(١٣) قانون البلاغة ص ٤١٢.

(١٤) البديع في نقد الشعر ص ٧٢.

(١٥) الرسالة العسجدية ص ١٤٩.

(١٦) معالم الكتابة ص ٨١.

٣٦١

المؤخر وهو الأحسن» (١).

وقال ابن الزّملكاني : «هو أن تذكر شيئا ثم تقصد تخصيصه فتعيده مع ذلك المخصص» (٢).

وقال المصري : «هو أن يأتي المتكلّم في أول الكلام ، أو الشاعر في بيت من الشعر بمعنى لا يستقل الفهم بمعرفة فحواه دون أن يفسر أما في البيت الآخر أو في بقية البيت إن كان الكلام الذي يحتاج الى التفسير في أوله» (٣).

وقال التنوخي : «هو أن يذكر المؤلف ناظما كان أو ناثرا أشياء مرتبة ثم يفسرها ، فالمحمود منه أن يكون التفسير مرتبا ترتيب المفسر ، فان خالف بين التفسير والمفسر في الترتيب أخذ عليه ما لم يكن ذلك لمعنى.

ومما يخالف فيه الترتيب النظم لضرورة الوزن والقافية فيعذر فاعله ، وقد يخالف الترتيب لمعنى غير النظم فتكون المخالفة أولى من الترتيب» (٤). ولا يخرج معنى التفسير عن ذلك عند الآخرين (٥). ويلاحظ أنّ هذه التعريفات تقرّب هذا الفن من اللف والنشر وقد أشار بعضهم كالحلبي والنويري الى ذلك فقالا : «وهو قريب منه ـ أي من اللف والنشر ـ وهو أن يذكر لفظا ويتوهم أنّه يحتاج الى بيانه فيعيده مع التفسير» (٦).

والتفسير على أقسام : فمنه ما هو ضروري ، ومنه ما هو غير ضروري فالضروري ما لا يتمّ الكلام إلا به ، وغير الضروري ويسمى «تبرعا» وهو نوعان : نوع يتم الكلام دونه ولكن لا يكمل معناه إلا بالتفسير ، ونوع يتم الكلام ويكمل تقسيمه ولكن يحتاج في معناه الى زيادة تكميل وتوكيد (٧).

ومثال الضروري قوله تعالى : (وَاللهُ خَلَقَ كُلَّ دَابَّةٍ مِنْ ماءٍ ، فَمِنْهُمْ مَنْ يَمْشِي عَلى بَطْنِهِ ، وَمِنْهُمْ مَنْ يَمْشِي عَلى رِجْلَيْنِ ، وَمِنْهُمْ مَنْ يَمْشِي عَلى أَرْبَعٍ)(٨) ، فاستغرق بذلك أقسام أجناس كل ما دبّ ودرج مع حسن الترتيب. وهذا تفسير ضروري فانه لو اقتصر على قوله : (خَلَقَ كُلَّ دَابَّةٍ مِنْ ماءٍ) ولم يفسر هذا التفسير لكان الكلام غير تام ، ولمّا فسره بهذه الاقسام الثلاثة كمل به المعنى ولم يبق فيه قسم رابع.

ومثال تفسير التبرع قول الشاعر :

لئن كنت محتاجا الى الحلم إنّني

الى الجهل في بعض الأحايين أحوج

ثم فسرّه بقوله :

ولي فرس بالحلم للحلم ملجم

ولي فرس بالجهل للجهل مسرج

ثم فسره بقوله :

فمن رام تقويمي فإنّي مقوّم

ومن رام تعويجي فاني معوّج

فالثاني تفسير الأول والثالث تفسير الثاني وكلا التفسيرين من باب التبرع لأن البيت الأول تمّ به الكلام واستوفى المعنى ، فهذا هو تفسير التبرع.

وليس كل كلام يفتقر الى تفسير بل ما كان منه مجملا ومبهما فيجب تفسيره وتبيانه. وأفصح ما كانت الكلمة وتفسيرها في بيت واحد كقول الشاعر :

ثلاثة تشرق الدنيا ببهجتهم

شمس الضّحى وأبو إسحاق والقمر

وقول الآخر :

__________________

(١) المثل السائر ج ٢ ص ٣١٠ ، الجامع الكبير ص ٢٢١ كفاية الطالب ص ١٨٢.

(٢) التبيان ص ١٧٦ ، البرهان الكاشف ص ٣١٥.

(٣) تحرير التحبير ص ١٨٥ ، بديع القرآن ص ٧٤.

(٤) الأقصى القريب ص ٩٧.

(٥) جوهر الكنز ص ١٤٨ ، الراز ج ٣ ص ١١٤ ، البرهان في علوم القرآن ج ٣ ص ٣٦ ، خزانة الأدب ص ٤٠٨ ، معترك ج ١ ص ٣٦١ ، الاتقان ج ٢ ص ٧٢ ، شرح عقود الجمان ص ١٣٩ ، انوار الربيع ج ٦ ص ١٢٣.

(٦) حسن التوسل ص ٢٤٦ ، نهاية الارب ج ٧ ص ١٢٩.

(٧) جوهر الكنز ص ١٤٨.

(٨) النور ٤٥.

٣٦٢

صالوا وجادوا وضاءوا واحتبوا فهم

أسد ومزن وأقمار وأجبال

وفي بيتين كقول الشاعر :

ولمّا أبى الواشون إلا فراقنا

وما لهم عندي وعندك من ثار

غزوتهم من مقلتيك وأدمعي

ومن نفسي بالسّيف والماء والنار

وعدّ قدامة فساد التفسير من عيوب المعاني وهو ما كان على نقيض صحة التفسير ، ولم يجد له مثالا إلا بيتين جاءه بهما أحد شعراء زمانه وهو يطلب أمثلة لهذا الباب وهما :

فيا أيّها الحيران في ظلم الدّجى

ومن خاف أن يلقاه بغي من العدى

تعال اليه تلق من نور وجهه

ضياء ومن كفّيه بحرا من الندى

قال قدامة : «ووجه العيب فيهما أنّ هذا الشاعر لما قدّم في البيت الأول الظلم وبغي العدى كان الجيد أن يفسر هذين المعنيين في البيت الثاني بما يليق بهما فأتى بازاء الاظلام بالضياء وذلك صواب ، وكان الواجب أن يأتي بازاء بغي العدى بالنصرة أو العصمة أو بالوزر أو بما جانس ذلك مما يحتمي به الانسان من أعدائه فلم يأت بذلك وجعل مكانه ذكر الندى ، ولو كان ذكر الفقر أو العدم لكان ما أتى به صوابا» (١).

التّصريع :

صرع الباب : جعل له مصراعين. قال أبو اسحاق :

المصراعان بابا القصيدة بمنزلة المصراعين اللذين هما بابا البيت ، قال واشتقاقهما من الصرعين وهما نصفا النهار. قال : فمن غدوة الى انتصاف النهار صرع ومن انتصاف النهار الى سقوط القرص صرع. قال الازهري : والمصراعان من الشعر ما كان فيه قافيتان في بيت واحد ، ومن الأبواب ما له بابان منصوبان ينضمان جميعا مدخلهما بينهما في وسط المصراعين ، وبيت من الشعر مصرّع له مصراعان ، وكذلك باب مصرّع. والتصريع في الشعر : تقفية المصراع الأول ، مأخوذ من مصراع الباب ، وهما مصرّعان ، وانما وقع التصريع في الشعر ليدل على أن صاحبه مبتدىء إما قصة وأما قصيدة (٢).

وقد سبق الى معرفة التصريع علماء العروض كالخليل ، وقد كانوا يعدونه من محاسن الكلام ، قال أبو تمام يمتدحه :

وتقفو لي الجدوى بجدوى وإنّما

يروقك بيت الشعر حين يصرّع

قال قدامة في نعت القوافي : «أن تكون عذبة الحرف سلسة المخرج ، وأن يقصد لتصيير مقطع المصراع الأول في البيت الاول من القصيدة مثل قافيتها فان الفحول المجيدين من الشعراء القدماء والمحدثين يتوخون ذلك ولا يكادون يعدلون عنه ، وربما صرّعوا أبياتا أخر من القصيدة بعد البيت الأول وذلك يكون من اقتدار الشاعر وسعة بحره ، وأكثر من كان يستعمل ذلك امرؤ القيس لمحله من الشعر» (٣). فمنه قوله :

قفا نبك من ذكرى حبيب ومنزل

بسقط اللوى بين الدّخول فحومل

ثم أتى بعد هذا البيت بأبيات فقال :

أفاطم مهلا بعض هذا التدلل

وإن كنت قد أزمعت صرمي فأجملي

ثم أتى بأبيات بعد هذا البيت فقال :

ألا أيّها الليل الطويل ألا انجلي

بصبح وما الإصباح منك بأمثل

وذكر أنّ كثيرا من الشعراء سلك مسلك امرىء

__________________

(١) نقد الشعر ص ٢٣١ ، وينظر الموشح ص ٣٦٧ ، قانون البلاغة ص ٤١٥.

(٢) اللسان (صرع) ، وينظر العمدة ج ١ ص ١٧٤.

(٣) نقد الشعر ص ٥١ ، وينظر انوار الربيع ج ٥ ص ٢٧١.

٣٦٣

القيس ومنهم أوس بن حجر والمرقش وحسان والشماخ وعبيد بن الابرص والراعي وابن أحمر الباهلي وأمية بن حرثان. ثم قال : «وإنّما يذهب الشعراء المطبوعون المجيدون الى ذلك لأنّ بنية الشعر إنّما هو التسجيع والتقفية فكلما كان الشعر أكثر اشتمالا عليه كان أدخل له في باب الشعر وأخرج له عن مذهب النثر» (١).

فالتصريع في الشعر بمنزلة السجع في الفصلين من الكلام المنثور وفائدته أنّه قبل كمال البيت الأول من القصيدة تعلم قافيتها ، وهو أدخل في باب السجع. وقد قال ابن رشيق : «فأما التصريع فهو ما كانت عروض البيت فيه تابعة لضربه تنقص بنقصه وتزيد بزيادته» (٢). وقال : «وسبب التصريع مبادرة الشاعر القافية ليعلم في أول وهلة أنّه أخذ في كلام موزون غير منثور ، ولذلك وقع في أول الشعر ، وربما صرّع الشاعر في غير الابتداء ، وذلك اذا خرج من قصة الى قصة أو من وصف شيء الى وصف شيء آخر فيأتي حينئذ بالتصريع إخبارا بذلك وتنبيها عليه.

وقد كثر استعمالهم هذا حتى صرّعوا في غير موضع تصريع ، وهو دليل على قوة الطبع وكثرة المادة إلا أنّه إذا كثر في القصيدة دلّ على التكف إلا من المتقدمين» (٣).

وقال ابن سنان : «وأمّا التصريع فيجري مجرى القافية ، وليس الفرق بينهما إلا أنّه في آخر النصف الأول من البيت والقافية في آخر النصف الثاني منه.

وإنّما شبه مع القافية بمصراعي الباب» (٤).

وقال البغدادي : «هو أن يقصد الشاعر لتصيير مقطع المصراع الأول في البيت الأول من القصيدة كمقطع المصراع الثاني» (٥).

وقال ابن الأثير : «إنّ التصريع في الشعر بمنزلة السجع في الفصلين من الكلام المنثور» (٦).

وفرّق المصري بين العروضي والبديعي فقال : «التصريع على ضربين : عروضي وبديعي. فالعروضي عبارة عن استواء عروض البيت وضربه في الوزن والاعراب والتقفية بشرط أن تكون العروض قد غيّرت عن أصلها لتلحق الضرب في زنته. والبديعي استواء آخر جزء في الصدر وآخر جزء في العجز في الوزن والاعراب والتقفية ، ولا يعتبر بعد ذلك أمر آخر» (٧).

ومثال التصريع العروضي قول امرىء القيس :

ألا عم صباحا أيّها الطّلل البالي

وهل يعمن من كان في العصر الخالي

ومثال التصريع البديعي قوله في أثناء هذه القصيدة :

ألا إنني بال على جمل بال

يقود بنا بال ويتبعنا بال

ولا يخرج الآخرون عن هذا المعنى للتصريع (٨). وقد قسمّه ابن الأثير الى سبعة أقسام أو سبع مراتب وتابعه العلوي في ذلك (٩) ، وهذه المراتب هي :

الأولى : وهي أعلى التصريع درجة ، أن يكون كل مصراع من البيت مستقلا بنفسه في فهم معناه غير محتاج الى صاحبه الذي يليه ، ويسمى «التصريع الكامل» كقول المتنبي :

__________________

(١) نقد الشعر ص ٦٠.

(٢) العمدة ج ١ ص ١٧٣.

(٣) العمدة ج ١ ص ١٧٤.

(٤) سر الفصاحة ص ٢٢١.

(٥) قانون البلاغة ص ٤٥٦.

(٦) المثل السائر ج ١ ص ٢٤٢ ، الجامع الكبير ص ٢٥٤.

(٧) تحرير التحبير ص ٣٠٥.

(٨) نضرة الاغريض ص ٢٨ ، منهاج الادباء ص ٢٨٣ ، الأقصى القريب ص ١١١ ، الايضاح ص ٣٩٧ ، الطراز ج ٣ ص ٣٢ ، المطول ص ٤٥٦ ، خزانة الادب ص ٣٦٦ ، أنوار الربيع ج ٥ ص ٢٧١ ، نفحات ص ٢٨١ ، التبيان في البيان ص ٤١٧ ، شرح الكافية ص ١٨٨.

(٩) المثل السائر ج ١ ص ٢٤٢ ، الطراز ج ٣ ص ٣٣.

٣٦٤

إذا كان مدح فالنسيب المقدّم

أكلّ فصيح قال شعرا متيّم

الثانية : أن يكون المصراع الأول مستقلا بنفسه غير محتاج الى الذي يليه فاذا جاء الذي يليه كان مرتبطا به كقول امرىء القيس :

قفا نبك من ذكرى حبيب ومنزل

بسقط اللوى بين الدّخول فحومل

فالمصراع الأول غير محتاج الى الثاني في فهم معناه لكن لما جاء الثاني صار مرتبطا به. ومنه قول أبي تمام :

ألم يأن أن تروى الظماء الحوائم

وأن ينظم الشّمل المبدّد ناظم

وقول المتنبي :

الرأي قبل شجاعة الشّجعان

هي أوّل وهي المحلّ الثاني

الثالثة : أن يكون الشاعر مخيرا في وضع كل مصراع موضع صاحبه ويسمى التصريع «الموجّه» كقول بعضهم :

من شروط الصّبوح في المهرجان

خفّة الشرب مع خلوّ المكان

فإنّ هذا البيت يجعل مصراعه الأول ثانيا ومصراعه الثاني أولا.

الرابعة : أن يكون المصراع الأول غير مستقل بنفسه ولا يفهم معناه إلا بالثاني ويسمى التصريع «الناقص» وليس بمرضي ولا حسن ، كقول المتنبي :

مغاني الشعب طيبا في المغاني

بمنزلة الربيع من الزّمان

فانّ المصراع الأول لا يستقل بنفسه في فهم معناه دون أن يذكر المصراع الثاني.

الخامسة : أن يكون التصريع في البيت بلفظة واحدة وسطا وقافية ويسمى التصريع «المكرر» وهو قسمان :

أحدهما : أقرب حالا من الآخر ويكون بلفظة حقيقية لا مجاز فيها كقول عبيد بن الأبرص :

فكلّ ذي غيبة يؤوب

وغائب الموت لا يؤوب

وثانيهما : أن يكون التصريع بلفظة مجازية يختلف المعنى فيها ، كقول أبي تمام :

فتى كان شربا للعغاة ومرتعا

فأصبح للهنديّة البيض مرتعا

السادسة : أن يذكر المصراع الأول ويكون معلقا على صفة يأتي ذكرها في أول المصراع الثاني ويسمى التصريع «المعلق» كقول امرىء القيس :

ألا أيّها الليل الطويل ألا انجلي

بصبح وما الإصباح منك بأمثل

فانّ المصراع الأول معلق على قوله «بصبح» وهذا معيب جدا ، وعليه ورد قول المتنبي :

قد علّم البين منا البين أجفانا

تدمى وألّف في ذا القلب أحزانا

فان المصراع الأول معلق على قوله : «تدمى».

السابعة : أن يكون التصريع في البيت مخالفا لقافيته ويسمى التصريع «المشطور» وهو أنزل درجات التصريع وأقبحها ، ومن ذلك قول أبي نواس :

أقلني قد ندمت على الذّنوب

وبالاقرار عدت عن الجحود

فصرّع بحرف الباء في وسط البيت ثم قفّاه بحرف الدال ، وهذا لا يكاد يستعمل إلا قليلا. قال ابن الاثير عن هذه المراتب السبع : «وذلك شيء لم يذكره على هذا الوجه أحد قبلي» (١). وأدخل القزويني التصريع في السجع ، وقال : «ومنه ما يسمى التصريع وهو جعل العروض مقفاة تقفية الضرب» (٢). وسمّاه السّيوطي

__________________

(١) المثل السائر ج ١ ص ٢٤٢.

(٢) الايضاح ص ٣٩٧.

٣٦٥

«المصرّع» وأدخله في السجع أيضا ، وقال : «المصرّع وهو من زيادتي ، وذكره في الإيضاح ، وهو توافق آخر المصراع الأوّل وعجز المصراع الثاني في الوزن والرّويّ والإعراب وأليق ما يكون في مطالع القصائد» (١) ، ونقل عن صاحب «التبيان» أنّه ثمانية أقسام ، وهي المراتب السبع التي ذكرها ابن الاثير غير أنّه عدّ المرتبة الخامسة نوعين ، وأقسام صاحب التبيان هي :

الأول : الكامل ، وهو المرتبة الأولى.

الثاني : المستقل ، وهو المرتبة الثانية.

الثالث : غير المستقلّ ، وهو المرتبة الرابعة أي الناقص.

الرابع : المعلّق ، وهو المرتبة السادسة.

الخامس : أن يكون لكل منهما في التقديم معنى ، وهو المرتبة الثالثة أي الموجّه.

السادس : أن يكون لفظ العجز حقيقة ، وهو النوع الأول من المرتبة الخامسة أي المكرّر.

السابع : أن يكون مجازا ، وهو النوع الثاني من المرتبة الخامسة أي المكرّر.

الثامن : أن يتخالف لفظ العجزين وهو المرتبة السابعة أي المشطور.

التّصريع الكامل :

هو المرتبة الأولى من التصريع وقد تقدم.

التّصريع المستقلّ :

هو المرتبة الثانية من التصريع وقد تقدم.

التّصريع المشطور :

هو المرتبة السابعة من التصريع وقد تقدم.

التّصريع المعلّق :

هو المرتبة السادسة من التصريع وقد تقدم.

التّصريع المكرّر :

هو المرتبة الخامسة من التصريع وقد تقدم.

التّصريع الموجّه :

هو المرتبة الثالثة من التصريع وقد تقدم.

التّصريع الناقص :

هو المرتبة الرابعة من التّصريع وقد تقدّم (٢).

التّصريف :

صرّف الشيء : أعمله في غير وجه كأنه يصرفه عن وجه الى وجه (٣).

قال الرماني : «التصريف : تصريف المعنى من المعاني المختلفة كتصريفه في الدلالات المختلفة وهو عقدها به على وجه التعاقب. فتصريف المعنى في المعاني كتصريف الأصل في الاشتقاق في المعاني المختلفة وهو عقدها به على جهة المعاقبة كتصريف الملك في معاني الصفات فصرف في معنى «مالك» و «ملك» و «ذي الملكوت» و «المليك» وفي معنى «التمليك» و «التمالك» و «الأملاك» و «التملك» و «الملوك». ثم قال : «وهذا الضّرب من التصريف فيه بيان عجيب يظهر فيه المعنى بما يكتنفه من المعاني التي تظهره وتدلّ عليه. أما تصريف المعنى في الدلالات المختلفة فقد جاء في القرآن في غير قصة منها قصة موسى ـ عليه‌السلام ـ ذكرت في سورة الأعراف وفي طه والشعراء وغيرها لوجوه من الحكمة

__________________

(١) شرح عقود الجمان ص ١٥١ ـ ١٥٢.

(٢) المثل السائر ج ١ ص ٢٤٢ ، الطراز ج ٣ ص ٣٣ ، شرح عقود الجمان ص ١٥١ ـ ١٥٢.

(٣) اللسان (صرف).

٣٦٦

منها التصرف في البلاغة من غير نقصان عن أعلى مرتبة ، ومنها تمكين العبرة والموعظة ، ومنها حل الشبهة في المعجزة» (١).

وعدّه الباقلاني من وجوه البلاغة ولخّص ما ذكره الرّمّاني (٢).

التّضادّ :

ضد الشيء : خلافه ، وقد ضادّه وهما متضادّان ، يقال : ضادّني فلان إذا خالفك ، فأردت طولا وأراد قصرا ، وأردت ظلمة وأراد نورا ، فهو ضدك وضد يدك (٣). والتضادّ أن يجمع بين المتضادين مع مراعاة التقابل (٤).

والتضاد هو التطبيق والتكافؤ والطباق والمطابقة والمقاسمة (٥) ، وقد سمّاه ابن المعتز «المطابقة» وهو الفن الثالث من بديعه ، قال : «قال الخليل ـ رحمه‌الله ـ : يقال طابقت بين الشيئين إذا جمعتهما على حذو واحد ، وكذلك قال أبو سعيد : فالقائل لصاحبه : أتيناك لتسلك بناسبيل التوسع فأدخلتنا في ضيق الضمان. قد طابق بين السعة والضيق في هذا الخطاب» (٦) وقد ذكر الحاتمي في باب المطابقة ما قيل فيها فقال : «أخبرنا أبو الفرج علي ابن الحسين القرشي قال : قلت لأبي الحسن علي بن سليمان الأخفش وكان أعلم من شاهدته بالشعر : أجد قوما يخالفون في الطباق ، فطائفة تزعم وهي الاكثر ـ بأنّه ذكر الشيء وضده فيجمعهما اللفظ فهما لا المعنى ، وطائفة تخالف ذلك فتقول : هو اشتراك المعنيين في لفظ واحد كقول زياد الاعجم :

ونبئتهم يستنصرون بكاهل

وللؤم فيهم كاهل وسنام

فقوله : «كاهل» للقبيلة ، وقوله «كاهل» للعضو عندهم ، هو المطابقة. قال : فقال الاخفش : من هذا الذي يقول هذا؟ قلت : قدامة وغيره. فاما قدامة فقد أنشد :

وأقطع الهوجل مستأنسا

بهوجل عيرانة عنتريس (٧)

«هوجل» واسعة السير ، فقال : هذا يا بني هو التجنيس ، ومن زعم انه طباق فقد ادّعى خلافا على الخليل والاصمعي. فقيل له : أفكانا يعرفان هذا؟ فقال :سبحان الله ، وهل غيرهما في علم الشعر وتمييز خبيثه من طيبه». وقال الحاتمي بعد ذلك : «أخبرنا عبيد الله بن احمد بن دريد عن أبي حاتم قال : سألت الأصمعي عن صنعة الشعر فذكر في بعض قوله المطابقة ، وقال :أصلها وضع الرجل موضع اليد ، وأنشد :

وخيل يطابقن بالدّارعين

طباق الكلاب يطأن الهراسا (٨)

وقال المدني : «قالوا : ولا مناسبة بين معنى المطابقة لغة ومعناها اصطلاحا فانها في اللغة الموافقة ، يقال : طابقت بين الشيئين إذا جعلت

__________________

(١) النكت في اعجاز القرآن ص ٩٣.

(٢) اعجاز القرآن ص ٤١٢ ، وينظر المنزع البديع ص ٤٩٩.

(٣) اللسان (ضدد).

(٤) التعريفات ص ٥٣.

(٥) الايضاح في شرح مقامات الحريري ص ١٦ ، حسن التوسل ص ١٩٩ ، نهاية الارب ج ٧ ص ٩٨ ، الفوائد ص ١٤٥ ، الطراز ج ٢ ص ٣٧٧ ، البرهان ج ٣ ص ٤٥٥ ، خزانة الأدب ص ٦٩ ، معترك ج ١ ص ٤١٤ ، الاتقان ج ٢ ص ٩٥ ، شرح عقود الجمان ص ١٠٥ ، أنوار الربيع ج ٢ ص ٣١ ، المنزع البديع ص ٣٧٠.

(٦) البديع ص ٣٦.

(٧) الهوجل الأولى المطمئن من الارض والثانية الناقة واسعة السير ، العيرانة : الناقة الصلبة ، والعنتريس :

الغليظة.

(٨) حلية المحاضرة ج ١ ص ١٤٢ ، وينظر نضرة الاغريض ص ٩٧ ـ ٩٩ ، العمدة ج ٢ ص ٦.

الدارعون : الذين لبسوا الدروع ، الهراس : شوك كأنه حسك ، الواحدة هراسة.

٣٦٧

أحدهما على حذو الآخر وطابق الفرس في جريه : إذا وضع رجليه مكان يديه ، والجمع بين الضدين ليس موافقة» (١). ونقل عن ابن الأثير قوله : «إنّهم سمّوا هذا الضرب من الكلام مطابقا لغير اشتقاق ولا مناسبة بينه وبين مسماه ، هذا الظاهر لنا من هذا القول إلا ان يكونوا قد علموا لذلك مناسبة لطيفة لم نعلمها نحن» (٢). ثم قال المدني : «وأغرب ابن أبي الحديد في قوله : «الطبق بالتحريك في اللغة هو المشقة ، قال الله سبحانه : (لَتَرْكَبُنَّ طَبَقاً عَنْ طَبَقٍ)(٣) أي مشقة بعد مشقة ، فلما كان الجمع بين الضدين على الحقيقة شاقا بل متعذرا ، ومن عادتهم أن تعطى الألفاظ حكم الحقائق في أنفسها توسعا سمّوا كل كلام جمع فيه بين الضدين مطابقة وطباقا» (٤).

وقال السعد التفتازاني في شرح المفتاح : «إنّما سمّي هذا النوع مطابقة لأنّ في ذكر المعنيين المتضادين معا توفيقا ، وايقاع توافق بين ما هو في غاية التخالف كذكر الإحياء مع الإماتة والابكاء مع الضحك ونحو ذلك».

ثم قال المدني : «وكأنّ ابن الاثير ظهر له وجه المناسبة فيما بعد فقال في كافية الطالب : «المطابقة هي عند الجمهور الجمع بين المعنى وضده ، ومعناها أن يأتلف في اللفظ ما يضاد المعنى وكأنّ كل واحد منهما وافق الكلام فسمي طباقا» (٥). ويبدو من ذلك ان تسميته «مطابقة» أو «طباقا» غير مناسبة ، ومصطلح «التضاد» اكثر دلالة على هذا الفن ، لان التضاد يدل على الخلاف ..

وسمّاه قدامة «التكافؤ» وقال : «ومن نعوت المعاني التكافؤ وهو أن يصف الشاعر شيئا أو يذمه أو يتكلم فيه بمعنى ما ، أي معنى كان فيأتي بمعنيين متكافئين.

والذي أريد بقولي : «متكافئين» في هذا الموضوع :

متقاومان ، إما من جهة المضادة أو السلب والايجاب أو غيرهما من أقسام التقابل» (٦). اما «المطابق» عند قدامة فهو التجنيس (٧) ، وهو ما ذكره ثعلب حيث سمّى الجناس «المطابق» (٨) ، وإن كانت بعض الأمثلة التي ذكرها تحتمل المطابقة أيضا. وقال الآمدي عن المطابقة : «هو مقابلة الحرف بضده أو ما يقارب الضد ، وإنّما قيل مطابق لمساواة أحد القسمين صاحبه وإن تضادّا او اختلفا في المعنى» (٩). وقال : «إنّما هو مقابلة الشيء بمثل الذي هو على قدره فسموا المتضادين إذا تقابلا متطابقين» (١٠) ، ثم قال : «وهذا باب أعني المطابقة لقّبه أبو الفرج قدامة بن جعفر الكاتب في كتابه المؤلف في «نقد الشعر» : المتكافىء ، وسمّى

ضربا من المتجانس المطابق ، وهو أن تأتي بالكلمة مثل الكلمة سواء في تأليفها واتفاق حروفها ويكون معناهما مختلفا ... وما علمت أنّ أحدا فعل هذا غير أبي الفرج فانه وإن كان هذا اللقب يصح لموافقته معنى الملقبات وكانت الألقاب غير محظورة ، فاني لم أكن أحب أن يخالف من تقدّمه مثل أبي العباس عبد الله بن المعتز وغيره ممن تكلم في هذه الأنواع وألف فيها إذ قد سبقوا الى التلقيب وكفوه المؤونة. وقد رأيت قوما من البغداديين يسمون هذا النوع المجانس «المماثل» ويلحقون به الكلمة إذا ترددت وتكررت» (١١).

وقال التّبريزي : «فالطّباق أن يأتي الشاعر بالمعنى وضده أو ما يقوم مقام الضد» (١٢).

وقال ابن الأثير : «وهذا النوع يسمى البديع أيضا ،

__________________

(١) أنوار الربيع ج ٢ ص ٣١.

(٢) المثل السائر ج ٢ ص ٢٨٠ ، الجامع الكبير ص ٢١٢.

(٣) الانشقاق ١٩.

(٤) الفلك الدائر ـ المثل السائر ج ٤ ص ٣٠٠.

(٥) أنوار الربيع ج ٢ ص ٣١ ـ ٣٢ ، وينظر كفاية الطالب ١٢٨.

(٦) نقد الشعر ص ١٦٣.

(٧) نقد الشعر ص ١٨٥.

(٨) قواعد الشعر ص ٥٦.

(٩) الموازنة ج ١ ص ٢٧١.

(١٠) الموازنة ج ١ ص ٢٧٢.

(١١) الموازنة ج ١ ص ٢٧٤ ـ ٢٧٥.

(١٢) الوافي ص ٢٥٨ ، قانون البلاغة ص ٤٣٦.

٣٦٨

وهو في المعاني ضد التجنيس في اللفظ» (١) ، ورأى أنّ الاليق من حيث المعنى ان يسمى «المقابلة» وكان ابن سنان قد آثر تسميته «المطابق» (٢).

وقال المصري إنّ المطابقة ضربان : ضرب يأتي بالفاظ الحقيقة ، وضرب يأتي بألفاظ المجاز. فما كان منه بلفظ الحقيقة سمي طباقا ، وما كان بلفظ المجاز سمي تكافؤا ، ومثاله.

حلو الشمائل وهو مرّ باسل

يحمي الذمار صبيحة الإرهاق

فقوله : «حلو» و «مر» يجري مجرى الاستعارة إذ ليس في الانسان ولا في شمائله ما يذاق بحاسة الذوق» (٣).

وأدخل السّكّاكي والقزويني وشرّاح التلخيص المطابقة في المحسنات المعنوية (٤) واصبحت من فنون البديع.

والجمع بين المتضادين يكون باسمين أو فعلين أو حرفين ، أي لا يصح أن يضم الاسم الى الفعل أو الفعل الى الاسم (٥). والجمع بين الاسمين كقوله تعالى :(وَتَحْسَبُهُمْ أَيْقاظاً وَهُمْ رُقُودٌ)(٦) ، ومنه قول الفرزدق :

والشّيب ينهض في الشباب كأنّه

ليل يصيح بجانبيه نهار

والجمع بين الفعلين كقوله تعالى : (تُؤْتِي الْمُلْكَ مَنْ تَشاءُ وَتَنْزِعُ الْمُلْكَ مِمَّنْ تَشاءُ وَتُعِزُّ مَنْ تَشاءُ وَتُذِلُّ مَنْ تَشاءُ)(٧) ، وقوله ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ : «إنكم لتكثرون عند الفزع وتقلّون عند الطمع» ، وقول أبي صخر الهذلي :

أما والذي أبكى وأضحك والذي

أمات وأحيا والذي أمره الأمر

والجمع بين الحرفين كقوله تعالى : (لَها ما كَسَبَتْ وَعَلَيْها مَا اكْتَسَبَتْ)(٨) وقول الشاعر :

على أنني راض بأن أحمل الهوى

وأخلص منه لا عليّ ولا ليا

وللطباق نوعان كما ذكر المصري :

الأول : الطباق الحقيقي وهو ما كان بألفاظ الحقيقة سواء كان من اسمين أو فعلين أو حرفين كقوله تعالى : (وَتَحْسَبُهُمْ أَيْقاظاً وَهُمْ رُقُودٌ)(٩) ، وقوله : (وَما يَسْتَوِي الْأَعْمى وَالْبَصِيرُ وَلَا الظُّلُماتُ وَلَا النُّورُ وَلَا الظِّلُّ وَلَا الْحَرُورُ)(١٠) ، وقوله : (وَأَنَّهُ هُوَ أَضْحَكَ وَأَبْكى. وَأَنَّهُ هُوَ أَماتَ وَأَحْيا)(١١).

الثاني : الطباق المجازي : وهو ما كان بألفاظ المجاز ، ويرى المدني أن يشترط فيه أن يكون المعنيان المجازيان متقابلين أيضا وإلا دخل فيه إيهام الطباق (١٢). ومن ذلك قوله تعالى : (أَوَمَنْ كانَ مَيْتاً فَأَحْيَيْناهُ)(١٣) أي : ضالا فهديناه ، فالموت والاحياء متقابل معناهما المجازيان ، وهما الضلال والهدى.

ومنه قول التهامي :

لقد أحيا المكارم بعد موت

وشاد بناءها بعد انهدام

وهذا هو الطباق اللفظي ، أمّا الطباق المعنوي فهو مقابلة الشيء بضده في المعنى لا في اللفظ كقوله

__________________

(١) المثل السائر ج ٢ ص ٢٧٩ ، الجامع الكبير ص ٢١١.

(٢) سر الفصاحة ص ٢٣٤.

(٣) تحرير التحبير ص ١١١ ، بديع القرآن ص ٣١.

(٤) مفتاح العلوم ص ٢٠٠ ، المصباح ص ٨٧ ، الايضاح ص ٣٣٤ ، التلخيص ص ٣٤٨ ، شروح التلخيص ج ٤ ص ٢٨٦ ، المطول ص ٤١٧ ، الاطول ج ٢ ص ١٨٢.

(٥) الفوائد ص ١٤٥.

(٦) الكهف ١٨.

(٧) آل عمران ٢٦.

(٨) البقرة ٢٨٦.

(٩) الكهف ١٨.

(١٠) فاطر ١٩ ـ ٢١.

(١١) النجم ٤٣ ـ ٤٤.

(١٢) أنوار الربيع ج ٢ ص ٣٧.

(١٣) الانعام ١٢٢.

٣٦٩

تعالى : (إِنْ أَنْتُمْ إِلَّا تَكْذِبُونَ. قالُوا رَبُّنا يَعْلَمُ إِنَّا إِلَيْكُمْ لَمُرْسَلُونَ)(١) معناه : ربّنا يعلم إنّا لصادقون. ومنه قول هدبة ابن الخشرم :

فإن تقتلوني في الحديد فاننّي

قتلت أخاكم مطلقا لم يقيّد

فان معناه : فان تقتلوني مقيدا وهو ضد المطلق ، فطابق بينهما بالمعنى : وقول المقنع الكندي :

لهم جلّ مالي إن تتابع لي غنى

وإن قلّ مالي لا أكلّفهم رفدا

فقوله : «إن تتابع» في قوة قوله : «ان كثر» والكثرة ضد القلة ، فهو طباق بالمعنى لا باللفظ (٢).

والطباق الذي يأتي بألفاظ الحقيقة ثلاثة أقسام :

الأول : طباق الايجاب ، وهو الجمع بين الشيء وضده ، كالأمثلة السابقة.

الثاني : طباق السلب ، وهو الجمع بين فعلي مصدر واحد مثبت ومنفي أو أمر ونهي كقوله تعالى : (وَلكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ. يَعْلَمُونَ ظاهِراً مِنَ الْحَياةِ الدُّنْيا)(٣) ، وقول الشاعر :

وننكر إن شئنا على الناس قولهم

ولا ينكرون القول حين نقول

وقول البحتري :

يقيّض لي من حيث لا أعلم النوى

ويشري اليّ الشّوق من حيث أعلم

الثالث : طباق الترديد ، وهو أن يرد آخر الكلام المطابق على أوله فإن لم يكن الكلام مطابقا فهو ردّ الاعجاز على الصدور. ومثاله قول الأعشى :

لا يرقع الناس ما أو هوا وإن جهدوا

طول الحياة ولا يوهون ما رقعوا

ومن الطباق نوع يسمّى الطّباق الخفيّ والملحق بالطباق ، وهو الجمع بين معنيين بتعلق أحدهما بما يقابل الآخر نوع تعلق مثل السببية واللزوم كقوله تعالى : (أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَماءُ بَيْنَهُمْ)(٤) ، فإنّ الرحمة وإن لم تكن مقابلة للشدة لكنها مسببة عن اللين الذي هو ضد الشدة. ومنه قول التهامي :

والهون في ظلّ الهوينى كامن

وجلالة الأخطار في الاخطار

فان جلالة الأخطار وان لم تكن مقابلة للهون لكنها لازمة للعز المقابل للهون (٥).

ولا يكفي أن يؤتى بالتضاد أو المطابقة بعيدة عن أي هدف ، مجردة عن أي تأثير ، وإنما ينبغي أن تأتي مرشحة بنوع من البديع لكي تكتسب جمالا.

قال الحموي : «والذي أقوله إنّ المطابقة التي يأتي بها الناظم مجردة ليس تحتها كبير أمر ، ونهاية ذلك أن يطابق الضد بالضد وهو شيء سهل ، اللهم إلا أن تترشح بنوع من أنواع البديع وتشاركه في البهجة والرونق ، كقوله تعالى : (تُولِجُ اللَّيْلَ فِي النَّهارِ وَتُولِجُ النَّهارَ فِي اللَّيْلِ ، وَتُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَتُخْرِجُ الْمَيِّتَ مِنَ الْحَيِّ وَتَرْزُقُ مَنْ تَشاءُ بِغَيْرِ حِسابٍ)(٦) ، ففي العطف بقوله تعالى : (وَتَرْزُقُ مَنْ تَشاءُ بِغَيْرِ حِسابٍ) دلالة على أنّ من قدر على الافعال العظيمة قدر على أن يرزق بغير حساب من شاء من عباده. وهذه مبالغة التكميل المشحونة بقدرة الرب سبحانه وتعالى. فانظر الى عظم كلام الخالق هنا فقد اجتمع فيه المطابقة الحقيقية والعكس الذي لا يدرك لو جازته وبلاغته ومبالغة التكميل التي لا تليق بغير قدرته. ومثل ذلك قول امرئ القيس :

__________________

(١) يس ١٥ ـ ١٦.

(٢) أنوار الربيع ج ٢ ص ٣٣.

(٣) الروم ٦ ـ ٧.

(٤) الفتح ٢٩.

(٥) تحرير التحبير ص ١١٤ ، بديع القرآن ص ٣٢ ، الايضاح ص ٣٣٤ ، التلخيص ص ٣٤٧ ، خزانة الأدب ص ٧١ ، معترك ج ١ ص ٤١٤ ، شرح عقود الجمان ص ١٠٧ ، الأطول ج ٢ ص ١٨٣.

(٦) آل عمران ٢٧.

٣٧٠

مكر مفرّ مقبل مدبر معا

كجلمود صخر حطّه السيل من عل

فالمطابقة في الإقبال والإدبار ، ولكنه لما قال «معا» زادها تكميلا في غاية الكمال ، فانّ المراد بها قرب الحركة في حالتي الاقبال والادبار وحالتي الكر والفر.

فلو ترك المطابقة من هذا التكميل ما حصل لها هذه البهجة ولا هذا الموقع ، ثم انّه استطرد بعد تمام المطابقة وكمال التكميل الى التشبيه على سبيل الاستطراد البديعي ... وقد اشتمل بيت امرئ القيس على المطابقة والتكميل والاستطراد» (١).

ومن المطابقة التي اكتست بالتورية قول المتنبي :

برغم شبيب فارق السيف كفّه

وكانا على العلّات يصطحبان

كأنّ رقاب الناس قالت لسيفه

رفيقك قيسيّ وأنت يماني

ومن المطابقة التي اكتست بالجناس قول أبي تمام :

بيض الصفائح لا سود الصحائف في

متونهنّ جلاء الشّكّ والرّيب

وليس معنى ذلك أنّ التضاد أو المطابقة حينما تأتي من غير ترشيح تفقد قيمتها بل أنّ التضاد هو الذي يكسبها قيمة لأنّه يؤدي الى ايضاح المعنى وتقريب الصورة وهي كما قال الشاعر :

ضدان لمّا استجمعا حسنا

والضّدّ يظهر حسنه الضّدّ

ولأهمية المطابقة قال القاضي الجرجاني : «وأما المطابقة فلها شعب خفية ، وفيها مكامن تغمض ، وربما التبست بها أشياء لا تتميز إلا للنظر الثاقب والذهن اللطيف» (٢). وقال الصنعاني : «وهي من أكثرها دلالة على الفصاحة في الكلام وأدخل في المنظوم والمنثور» (٣).

التّضمين :

ضمّن الشيء الشيء : أودعه إياه كما تودع الوعاء المتاع ، وقد تضمّنه هو ، والمضمّن من الشعر : ما ضمنته بيتا (٤).

التضمين في العروض هو أن يبنى بيت على كلام يكون معناه في بيت يتلوه من بعده مقتضيا له (٥) ، أو هو «أن يكون الفصل الأول مفتقرا الى الفصل الثاني والبيت الاول محتاجا الى الأخير» (٦). أو هو «أن تتعلق القافية أو لفظة مما قبلها بما بعدها» (٧) ، كقول الشاعر :

كأنّ القلب ليلة قيل يغدى

بليلى العامرية أو يراح

قطاة عزّها شرك فباتت

تجاذبه وقد علق الجناح (٨)

وقول النابغة الذبياني :

وهم وردوا الجفار على تميم

وهم أصحاب يوم عكاظ إنّي

شهدت لهم مواطن صالحات

وثقت لهم بحسن الظّن مني

وقول الآخر :

وسعد نسائلهم والرباب

وسائل هوازن عنا إذا ما

__________________

(١) خزانة الادب ص ٧١.

(٢) الوساطة ص ٤٤.

(٣) الرسالة العسجدية ص ١٣٧.

(٤) اللسان (ضمن).

(٥) الموشح ص ٢٣ ، الوافي ص ٢٩٢ ، مفتاح العلوم ص ٢٧٣ ، الاقصى القريب ص ١٠٢ ، جوهر الكنز ص ٢٦٢.

(٦) كتاب الصناعتين ص ٣٦.

(٧) العمدة ج ١ ص ١٧١.

(٨) عزها ـ بالعين المهملة والزاي : قهرها وغلبها.

٣٧١

لقيناهم كيف تعلوهم

بواتر يعزين بيضا وهاما

قال ابن رشيق : «وكلما كانت اللفظة المتعلقة بالبيت الثاني بعيدة من القافية كان أسهل عيبا من التضمين» (١). والتضمين من العيوب عند القدماء لأنّ «خير الشعر ما قام بنفسه وكمل معناه في بيته وقامت أجزاء قسمته بانفسها واستغني ببعضها لو سكت عن بعض» (٢) ، غير أنّ ابن الاثير لا يعدّه عيبا (٣).

والتضمين أيضا : «حصول معنى فيه من غير ذكر له باسم أو صفة هي عبارة عنه» (٤) ، وهو على وجهين : ما كان يدلّ عليه الكلام دلالة الاخبار ، وما يدل عليه دلالة القياس ، أي : أنّ العبارة تتضمن المعنى من غير إشارة صريحة اليه ، وهو تضمين توجيه البنية مثل «معلوم» يوجب أنّه لا بدّ من «عالم» ، وتضمين يوجبه معنى العبارة من حيث لا يصح إلا به كالصفة بضارب يدل على «مضروب».

والتضمين عند البلاغيين هو «استعارتك الانصاف والأبيات من غيرك وادخالك إياه في أثناء أبيات قصيدتك» (٥). كقول الشاعر :

إذا دلّه عزم على الحزم لم يقل

«غدا غدها إن لم تعقها العوائق»

ولكنّه ماض على عزم يومه

فيفعل ما يرضاه خلق وخالق

والشطر الثاني من البيت الاول مضمّن.

ومنه قول جحظة :

أصبحت بين معاشر هجروا الندى

وتقبّلوا الأخلاق عن أسلافهم

قوم أحاول نيلهم فكأنما

حاولت نتف الشّعر من آنافهم

هات اسقنيها بالكبير وغنّني

«ذهب الذين يعاش في أكنافهم»

والشطر الأخير مضمن.

وللتضمين معنى آخر ، قال الزركشي : «هو إعطاء الشيء معنى الشيء وتارة يكون في الأسماء وفي الأفعال وفي الحروف. فأمّا في الأسماء فهو أن تضمّن اسما معنى اسم لافادة معنى الاسمين جميعا كقوله تعالى : (حَقِيقٌ عَلى أَنْ لا أَقُولَ عَلَى اللهِ إِلَّا الْحَقَ)(٦) ، ضمن «حقيق» معنى حريص ليفيد أنّه محقوق بقول الحق وحريص عليه. وأما الافعال فإن تضمّن فعلا معنى فعل آخر ويكون فيه معنى الفعلين جميعا وذلك بأن يكون الفعل يتعدى بحرف فيأتي متعديا بحرف آخر ليس من عادته التعدي به فيحتاج إما الى تأويله أو تأويل الفعل ليصح تعدّيه به» (٧). وهذا هو التضمين اللغوي ، اما التضمين البلاغي فهو استعارة كلام الاخير وادخاله في الكلام الجديد ، وقد بدأ يتضح في الكتب البلاغية منذ عهد مبكر كما في كتاب الصناعتين (٨) ، وقال ابن رشيق : «هو قصدك الى البيت من الشعر أو القسيم فتأتي به في آخر شعرك أو في وسطه كالمتمثل» (٩) ، وهذا ما تردد في كتب البلاغة الأخرى (١٠).

__________________

(١) العمدة ج ١ ص ١٧١.

(٢) المصون ص ٩.

(٣) المثل السائر ج ٢ ص ٣٤٢ ، الجامع الكبير ص ٢٣٢ ، كفاية الطالب ص ٢١٢.

(٤) النكت في إعجاز القرآن ص ٩٤ ، وإعجاز القرآن ص ٤١٢ ، المنزع البديع ص ٢١٣.

(٥) كتاب الصناعتين ص ٣٦ ، وينظر تحرير التحبير ص ١٤٠ ، بديع القرآن ص ٥٢ ، الايضاح في شرح مقامات الحريري ص ١٩.

(٦) الأعراف ١٠٥.

(٧) البرهان في علوم القرآن ج ٣ ص ٣٣٨.

(٨) كتاب الصناعتين ص ٣٦.

(٩) العمدة ج ٢ ص ٨٤.

(١٠) قانون البلاغة ص ٤٥٧ ، البديع في نقد الشعر ص ٢٤٩ ، منهاج البلغاء ص ٣٩ ، ٢٧٦ ـ ٢٧٧ ، الأقصى القريب ص ١٠٢ ، جوهر الكنز ص ٢٦٢ كفاية الطالب ص ٢١٢ ، الروض المريع ص ١٣٤ معاهد التنصيص ج ٤ ص ١٥٣.

٣٧٢

وسمّاه المظفر العلوي تضمينا وتسميطا وتوشيحا ، ولهذين الفنين معنيان مختلفان عن التضمين ، ولكنه سماهما كذلك ، قال : «باب التضمين ويسمّى التسميط والتوشيح ، وهذا في أشعار العرب قليل جدا وقد استعمل المحدثون من ذلك ما لا يأتي عليه الاحصاء كثرة وعدّا واليسير منه دليل على الكثير.

قال الاخطل :

ولقد سما للخرّميّ فلم يقل

بعد الونى لكن تضايق مقدمي (١)

وهذا تضمين لعبارة «لكن تضايق مقدمي» وليس تسميطا أو توشيحا ، إلا اذا نظر أنّ العبارة المضمنة وشحت وسمطت الكلام.

وتحدث القزويني عن الاقتباس في خاتمة كتابيه «الايضاح» و «التلخيص» فقال : «أما الاقتباس فهو أن يضمن الكلام شيئا من القرآن أو الحديث لا على أنّه منه» (٢) ، وقال : «وأمّا التضمين فهو أن يضمن الشعر شيئا من شعر الغير مع التنبيه عليه إن لم يكن مشهورا عند البلغاء» (٣) ، أي انه فرّق بين الاقتباس والتضمين ، فالأول يخص القرآن والحديث على أن لا يدمج قوله تعالى أو كلامه صلى‌الله‌عليه‌وسلم بكلام الآخرين ، والثاني يخص الشعر. وتبعه في ذلك شراح التلخيص (٤).

ولخّص السيوطي معاني التضمين فقال إنّه يطلق على أشياء (٥).

الأول : ايقاع لفظ موقع غيره لتضمنه معناه ، وهو نوع من المجاز.

الثاني : حصول معنى فيه من غير ذكر له باسم هو عبارة عنه ، وهذا نوع من الايجاز.

الثالث : تعلق ما بعد الفاصلة بها.

الرابع : ادراج كلام الغير في أثناء الكلام لقصد تأكيد المعنى أو ترتيب النظم ، وهذا هو النوع البديعي.

تضمين المزدوج :

قال الوطواط : «ويكون بأن يورد الشاعر أو الكاتب في عباراته أو أبياته لفظين أو أكثر مزدوجين ، وذلك بمراعاته لحدود الاسجاع والقوافي» (٦).

وقال الرازي : «هو أن يكون المتكلم بعد رعايته الاسجاع يجمع في أثناء القرائن بين لفظين متشابهتي الوزن والروي» (٧) كقوله تعالى : (وَجِئْتُكَ مِنْ سَبَإٍ بِنَبَإٍ يَقِينٍ)(٨) ، وقوله ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ : «المؤمنون هينون لينون».

وقال ابن الزّملكاني : «هو أن يقع في أثناء قرائن النثر أو النظم لفظان مسجعان مع مراعاة حدود الاسجاع الأصلية» (٩). وذكر ابن قيم الجوزية (١٠) مثل هذا التعريف وذكر الآية نفسها وقول الشاعر :

تعوّد وسم الوهب والنّهب في العلا

وهذان وقت اللّطف والعنف دابه

ففي اللطف أرزاق العباد هباته

وفي العنف أعمار العداة نهابه

وذكر المدني أنّ هذا النوع من مستخرجات صاحب المعيار (١١) وذكر الأمثلة السابقة وقول البحتري :

__________________

(١) نضرة الاغريض ص ١٩٠.

(٢) الايضاح ص ٤١٦ ، التلخيص ص ٤٢٢.

(٣) الايضاح ص ٤١٩ ، التلخيص ص ٤٢٤.

(٤) عروس الافراح ج ٤ ص ٥١٤ ، المختصر ج ٤ ص ٥١٤ ، المطول ص ٤٧١ ، الاطول ج ٢ ص ٢٥١ ، مواهب الفتاح ج ٤ ص ٥١٤ ، التبيان في البيان ص ٣٤١.

(٥) معترك ج ١ ص ٣٩٨ ، الاتقان ج ٢ ص ٤٠ ، ٥٦ ، ٩٠ ، شرح عقود الجمان ص ١٦٩.

(٦) حدائق السحر ص ١٢٠.

(٧) نهاية الايجاز ص ٣٤ ، الايضاح في شرح مقامات الحريري ص ١٨.

(٨) النمل ٢٢.

(٩) التبيان ص ١٧٢.

(١٠) الفوائد ص ٢٢٦.

(١١) أنوار الربيع ج ٦ ص ٢١٥.

٣٧٣

إنّ الظباء غداة سفح محجّر

هيّجن حرّ جوى وفرط تذكّر

من كلّ ساجي الطّرف أغيد أجيد

ومهفهف الكشحين أحوى أحور

وقول الآخر يرثي الصاحب بن عباد :

مضى الصاحب الكافي ولم يبق بعده

كريم يروّي الأرض فيض غمامه

فقدناه لمّا تمّ واعتمّ بالعلى

كذاك خسوف البدر عند تمامه

التّضييق :

الضيق : نقيض السعة ، ويقال : ضيّق عليه الموضع (١).

والتضييق : هو الالتزام والاعنات والتشديد ولزوم ما لا يلزم ، وقد تقدم في الإعنات. ولكنّ معظم البلاغيين يسمونه «لزوم ما لا يلزم» (٢) غير أنّ ابن منقذ عقد بابا سمّاه «التضييق والتوسيع والمساواة» وقال : «التضييق هو أن يضيق اللفظ عن المعنى لكون المعنى أكثر من اللفظ» (٣).

كقول امرئ القيس :

على سابح يعطيك قبل سؤاله

أفانين جري غير كزّ ولا واني

فان قوله : «أفانين جري» اختصار معان كثيرة وكذلك «غير كزّ» يحتمل معاني كثيرة ، وكذلك «لا واني».

وهذا غير الاعنات أو لزوم ما لا يلزم الذي ذكره الآخرون.

وقال السيوطي : «هذا النوع اخترعته وسميته بالتضييق بأن يلتزم في الروي أمرا لا يلزم ، وإنما لم يذكروه لظنهم أنّ الروي يلزم أن يكون على حرف واحد فلا يقع فيها التزام ما لا يلزم» (٤).

التّطبيق :

الطبق : غطاء كل شيء ، وقد طابقه مطابقة وطباقا وتطابق الشيئان : تساويا ، والمطابقة الموافقة ، والتطابق : الاتّفاق. وطبّق السّحاب الجوّ : غشّاه ، وطبّق الماء وجه الأرض : غطّاه. والتطبيق في الصّلاة : جعل اليدين بين الفخذين في الرّكوع (٥).

والتطبيق هو التضاد وقد تقدم ، والتكافؤ والطباق والمطابقة والمقاسمة (٦) ، ولا علاقة لمعنى التطبيق البلاغي بمعناه اللغوي ، وقد أشار الى ذلك البلاغيون (٧).

التّطريز :

الطّرز : البزّ والهيئة ، والطراز ما ينسج من الثياب للسلطان ، والطرز والطراز : الجيد من كل شي ، ويقال : طرّز الثوب فهو مطرّز (٨).

والتّطريز من مبتدعات العسكري (٩) ، وقد قال في تعريفه : «هو أن يقع في أبيات متوالية من القصيدة كلمات متساوية في الوزن فيكون فيها كالطراز في الثوب ، وهذا النوع قليل في الشعر» (١٠). ومنه قول

__________________

(١) اللسان (ضيق).

(٢) حسن التوسل ص ٢٢٠ ، نهاية الارب ج ٧ ص ١١٣ ، الفوائد ص ٢٣٤ ، خزانة الأدب ص ٤٣٤ ، شرح عقود الجمان ص ١٥٤ ، أنوار الربيع ج ٦ ص ٩٣ ، نفحات ص ٣١٦.

(٣) البديع في نقد الشعر ص ١٥٥.

(٤) شرح عقود الجمان ص ١٥٤.

(٥) اللسان (طبق).

(٦) أسرار البلاغة ص ٢٠ ، البديع في نقد الشعر ص ٣٦ الايضاح في شرح مقامات الحريري ص ١٦ ، التبيان ص ١٧٠ ، الطراز ج ٢ ص ٣٧٧ ، الفوائد ص ١٤٥ ، خزانة الادب ص ٦٩ ، شرح عقود الجمان ص ١٠٥ ، أنوار الربيع ج ٢ ص ٣١.

(٧) المثل السائر ج ٢ ص ٢٨٠ ، الجامع الكبير ص ٢١٢ كفاية الطالب ص ١٢٨ ، أنوار الربيع ج ٢ ص ٣١.

(٨) اللسان (طرز).

(٩) كتاب الصناعتين ص ٢٦٧.

(١٠) كتاب الصناعتين ص ٤٢٥.

٣٧٤

أحمد بن أبي طاهر :

إذا أبو قاسم جادت لنا يده

لم يحمد الأجودان : البحر

والمطر

وإن أضاءت لنا أنوار غرّته

تضاءل الأنوران : الشمس والقمر

وإن مضى رأيه أو حدّ عزمته

تأخّر الماضيان : السيف والقدر

من لم يكن حذرا من حدّ صولته

لم يدر ما المزعجان : الخوف والحذر

وقول أبي تمام :

أعوام وصل كاد ينسي طولها

ذكر النّوى فكأنّها أيّام

ثم انبرت أيام هجر أردفت

نجوى أسى فكأنّها أعوام

ثم انقضت تلك السنون وأهلها

فكأنّهم وكأنّها أحلام

وذكر ابن منقذ تعريف العسكري وأمثلته وأضاف اليها (١).

والتطريز عند المصري غير هذا ، قال : «هو أن يبتدئ المتكلم أو الشاعر بذكر جمل من الذوات غير مفصّلة ثم يخبر عنها بصفة واحدة من الصفات مكررة بحسب العدد الذي قدّره في تلك الجملة الأولى فتكون الذوات في كل جملة متعددة تقديرا والجمل متعددة لفظا والصفة الواحدة المخبر بها عن تلك الذوات متعددة لفظا وعدد الجمل التي وصفت بها الذوات لا عدد الذوات عدد تكرار واتحاد لا تعداد تغاير» (٢) كقول ابن الرومي :

أموركم بني خاقان عندي

عجاب في عجاب في عجاب

قرون في رؤوس في وجوه

صلاب في صلاب في صلاب

وقول الآخر :

فثوبي والمدام ولون خدّي

شقيق في شقيق في شقيق

وهذا النوع من مبتدعات المصري ، أما التطريز الذي ذكره العسكري فهو التوشيع عنده (٣) ، وتبعه ابن مالك فقال : زهو أن يشتمل الصدر على ثلاثة أسماء مخبر عنه ويتعلق به ويشتمل العجز على الخبر مقيدا بمثله مرتين» (٤) وتبعه كذلك الحلبي والنويري والعلوي والسبكي والحموي والسيوطي (٥).

وعاد ابن قيم الجوزية الى المعنى الأول للتطريز فقال : «هو أن تأتي قبل القافية بسجعات متتالية فيبقى في الأبيات أواخر الكلام كالطراز في الثوب» (٦) ، ومثّل له بقول الشاعر :

أمسي وأصبح من هجرانكم دنفا

يرثي لي المشفقان : الأهل والولد

قد خدّد الدمع خدّي من تذكركم

وهدّني المضنيان : الشوق والكمد

كأنّما مهجتي شلو بمسبعة

ينتابها الضاريان : الذئب والأسد

لم يبق غير خفيّ الروح من جسدي

فدى لك الفانيان : الروح والجسد

إنّي لأحسد في العشاق مصطبرا

وحسبك القاتلان : الحبّ والحسد

ثم قال ابن قيم الجوزية : «هذا النوع استخرجه

__________________

(١) البديع في نقد الشعر ص ٦٤.

(٢) تحرير التحبير ص ٣١٤.

(٣) تحرير ص ٣١٦.

(٤) المصباح ص ٨١.

(٥) حسن التوسل ص ٢٧٣ ، نهاية الأرب ج ٧ ص ١٤٨ ، الطراز ج ٣ ص ٩١ ، عروس الأفراح ج ٤ ص ٤٧١ ، خزانة الادب ص ٣٧٥ ، شرح عقود الجمان ص ١٤٩.

(٦) الفوائد ص ٢٣٦.

٣٧٥

المتأخرون وليس في شعر القدماء شيء منه ولا في كلامهم ، وقد استقريته من الكتاب العزيز وأشعار المولدين فوجدته على ثلاثة أقسام :

الأول : ما له علمان : علم من أوله وعلم من آخره.

الثاني : ما له علم من أوله.

والثالث : ما له علم من آخره :

فأما الذي له علمان فكقوله تعالى : (وَمِنْ آياتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْواجاً لِتَسْكُنُوا إِلَيْها وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ. وَمِنْ آياتِهِ خَلْقُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلافُ أَلْسِنَتِكُمْ وَأَلْوانِكُمْ إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِلْعالِمِينَ. وَمِنْ آياتِهِ مَنامُكُمْ بِاللَّيْلِ وَالنَّهارِ وَابْتِغاؤُكُمْ مِنْ فَضْلِهِ إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يَسْمَعُونَ. وَمِنْ آياتِهِ يُرِيكُمُ الْبَرْقَ خَوْفاً وَطَمَعاً وَيُنَزِّلُ مِنَ السَّماءِ ماءً فَيُحْيِي بِهِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِها إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ)(١).

ومنه قول بعضهم :

والمسعدان عليها الصبر والجلد

أفناهما الخاذلان : الوجد والكمد

والعاذلان عليها ردّ عذلهما

في حبّها العاذران : الحسن والجيد

والباقيان هواها والغرام بها

فداهما الذاهبان : الروح والجسد

وأما الذي طرازه من أوله فمنه في القرآن كثير ، فمن ذلك قوله تعالى : (هُوَ اللهُ الَّذِي لا إِلهَ إِلَّا هُوَ عالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهادَةِ هُوَ الرَّحْمنُ الرَّحِيمُ. هُوَ اللهُ الَّذِي لا إِلهَ إِلَّا هُوَ الْمَلِكُ الْقُدُّوسُ السَّلامُ الْمُؤْمِنُ الْمُهَيْمِنُ الْعَزِيزُ الْجَبَّارُ الْمُتَكَبِّرُ سُبْحانَ اللهِ عَمَّا يُشْرِكُونَ. هُوَ اللهُ الْخالِقُ الْبارِئُ الْمُصَوِّرُ لَهُ الْأَسْماءُ الْحُسْنى يُسَبِّحُ لَهُ ما فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ)(٢).

ومنه قول البحتري :

تعلو الوفود ثلاثة في أرضه

إفضاله وجداه والإنعام

وثلاثة تغشاك مهما زرته

إرفاده والمنّ والإكرام

وثلاثة قد جانبت أخلاقه

قول البذا والزور والآثام

وثلاثة في الغرّ من أفعاله

تدبيره والنقض والإبرام

وأما الذي علمه من آخره ففي القرآن منه كثير ، فمن ذلك قوله تعالى : (خَلَقَ الْإِنْسانَ مِنْ صَلْصالٍ كَالْفَخَّارِ. وَخَلَقَ الْجَانَّ مِنْ مارِجٍ مِنْ نارٍ. فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ. رَبُّ الْمَشْرِقَيْنِ وَرَبُّ الْمَغْرِبَيْنِ. فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ)(٣) الى آخر السورة.

وجمع المدني بين رأي المتقدمين والمتأخرين لأنّه ذكر للتطريز معنين : (٤)

الأول : أن يؤتى في الكلام بمواضع متقابلة كأنّها طراز كأبيات أبي تمام التي ذكرها العسكري : «أعوام وصل ...».

الثاني : أن يبتدئ المتكلم من ذوات غير منفصلة ثم يخبر عنها بصفة واحدة من الصفات مكررة بحسب العدد الذي قدره في تلك الجمل الأول فتكون الذوات في كل جملة متعددة تقديرا والجمل متعددة لفظا وعدد الجمل التي وصفت بها الذوات لا عدد الذوات عدد تكرار واتحاد لا تعداد تغاير ، كبيتي ابن الرومي : «أموركم بني خاقان ...». وهذا كلام المصري ومثاله. وقد قال المدني : «هكذا قرره الشيخ صفي الدين الحلي في شرح بديعيته» (٥).

__________________

(١) الروم ٢١ ـ ٢٤.

(٢) الحشر ٢٢ ـ ٢٤.

(٣) الرحمن ١٤ ـ ١٨.

(٤) أنوار الربيع ج ٥ ص ٣٤٢.

(٥) أنوار الربيع ج ٥ ص ٣٤٢ وينظر كفاية الطالب ـ ـ ص ١٥٤ ، نفحات ص ٢٥٧ ، التبيان في البيان ص ٣٢٥ ، شرح الكافية ص ١٩٨.

٣٧٦

التّطريف :

طرّف فلان إذا قاتل حول العسكر لأنّه يحمل على طرف منهم فيردّهم الى الجمهور ، والتطريف : أن يرد الرجل عن أخريات أصحابه ، وطرف كل شيء :

منتهاه (١).

قال ابن منقذ : «هو أن تكون الكلمة مجانسة لما قبلها أو لما بعدها أو متعلقة بها بسبب من الأسباب» (٢) ، كقول أبي تمام :

السيف أصدق أنباء من الكتب

في حدّه الحدّ بين الجدّ واللّعب

التّطويل :

الطول : نقيض القصر ، وطوّل : أطال ، يقال : طوّل لفرسك يا فلان ، أي أرخ له حبله في مرعاه» (٣).

قال ابن سنان : «التطويل هو أن يعبّر عن المعاني بألفاظ كثيرة كل واحد منها يقوم مقام الآخر ، فأي لفظ شئت من تلك الالفاظ حذفته وكان المعنى على حاله ، وليس هو لفظا متميزا مخصوصا كما كان الحشو لفظا متميزا مخصوصا» (٤).

وقال ابن الأثير : «هو أن يدلّ على المعنى بلفظ يكفيك بعضه في الدلالة عليه» (٥) ، كقول العجير السلولي :

طلوع الثنايا بالمطايا وسابق

الى غاية من يبتدرها يقدّم

فصدر هذا البيت فيه تطويل لا حاجة اليه وعجزه من محاسن الكلام.

وقال القزويني : «هو أن لا يتعين الزائد في الكلام كقوله : «وألفى قولها كذبا ومينا» فإنّ الكذب والمين واحد» (٦).

وعدّ بعضهم التطويل عيّا ، قال الرماني : «فأما التطويل فعيب وعيّ ، لأنّه تكلف فيه الكثير فيما يكفي منه القليل فكان كالسالك طريقا بعيدا جهلا منه بالطريق القريب. وأما الاطناب فليس كذلك لأنّه كمن سلك طريقا بعيدا لما فيه من النزهة والفوائد العظيمة فيحصل في الطريق الى غرضه من الفائدة على نحو ما يحصل له بالغرض المطلوب» (٧). ونقل ذلك الصنعاني وقال : «وهذا الاطناب وهو بلاغة وليس بالتطويل الذي هو عيّ لأنّه يتكلف فيه التكثير فيما يكفي فيه القليل فكان كالسالك طريقا بعيدا جهلا منه بالطريق القريب ، والإطناب ليس كذلك لأنّه كما قال الرماني يكون كمن سلك طريقا بعيدا لما فيه من النزه الكثيرة والفوائد العظيمة فيحصل له في الطريق الى غرضه من الفائدة على نحو ما يحصل له بالغرض المطلوب» (٨). وذكر ابن الاثير مثل ذلك فقال : «فانّ مثال الايجاز والاطناب والتطويل مثال مقصد يسلك اليه في ثلاثة طرق ، فالايجاز هو أقرب الطرق الثلاثة اليه ، والاطناب والتطويل هما الطريقان المتساويان في البعد اليه ، إلا أنّ طريق الاطناب تشتمل على منزّه من المنازه لا يوجد في طريق التطويل» (٩).

التّظريف :

الظّرف : البراعة وقيل : حسن العبارة والحذق بالشيء ، وقد ظرف يظرف وهم الظرفاء ورجل

__________________

(١) اللسان (طرف).

(٢) البديع في نقد الشعر ص ١٢٩.

(٣) اللسان (طول).

(٤) سر الفصاحة ص ٢٥٧.

(٥) المثل السائر ج ٢ ص ٧٤ ، وتنظر ص ١٢٩ ، ١٥٦.

(٦) الايضاح ص ١٧٧ ، التلخيص ص ٢١١ ، وتنظر شروح التلخيص ج ٣ ص ١٧٣ ، المطوّل ص ٢٨٥ ، الأطول ج ٢ ص ٣٤.

(٧) النكت في إعجاز القرآن ص ٧٢ ـ ٧٣.

(٨) الرسالة العسجدية ص ٩٩.

(٩) المثل السائر ج ٢ ص ١٢٩ وينظر الروض المريع ص ٨٧.

٣٧٧

ظريف (١).

والتظريف هو التسهيل (٢) ، وقد تقدّم.

تعادل الأقسام :

ذكره المرزوقي (٣) وأراد به صحة التقسيم ثم مقابلة كل قسم من المعاني المتحدث عنها بقسمه.

تعادل الأوزان :

ذكره المرزوقي (٤) وأراد به تساوي سموط الاسجاع وهي القرائن التي تنزل من الكلام المسجوع منزلة المصاريع للشعر فتعادلها بأن تكون متساوية المقدار في النطق ، معتدلة فيه ، وذلك أصل السجع.

التّعبير عن المستقبل بلفظ الماضي :

وهو من الالتفات وذلك بأن يعدل فيه الى لفظ الماضي تقريرا وتحقيقا لوقوعه كقوله تعالى : (وَيَوْمَ يُنْفَخُ فِي الصُّورِ فَفَزِعَ مَنْ فِي السَّماواتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ إِلَّا مَنْ شاءَ اللهُ ، وَكُلٌّ أَتَوْهُ داخِرِينَ.)(٥) ، وقوله : (وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَصَعِقَ مَنْ فِي السَّماواتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ إِلَّا مَنْ شاءَ اللهُ ، ثُمَّ نُفِخَ فِيهِ أُخْرى فَإِذا هُمْ قِيامٌ يَنْظُرُونَ)(٦).

وقد يعبر عن المستقبل بالماضي مرادا به المستقبل فهو مجاز لفظي كقوله تعالى : (وَإِذْ قالَ اللهُ يا عِيسَى)(٧) ، أي : «يقول» ، عكسه لأنّ المضارع يراد به الديمومة والاستمرار (٨).

التّعجّب :

العجب والعجب : إنكار ما يرد عليك لقلة اعتياده ، وقد عجب منه يعجب عجبا وتعجّب واستعجب.

والاستعجاب : شدة التعجّب (٩).

قال ابن فارس : «وأما التعجب فتفضيل شخص من الأشخاص أو غيره على أضرابه بوصف كقولك : «ما أحسن زيدا» وفي كتاب الله جلّ ثناؤه : (قُتِلَ الْإِنْسانُ ما أَكْفَرَهُ)(١٠) ، وهو أحد أبواب الكلام العشرة التي ذكرها (١١) وقد أدخله الرازي في أقسام النظم وقال (١٢) إنه كقول الشاعر :

أيا شمعا يضيء بلا انطفاء

ويا بدرا يلوح بلا محاق

فأنت البدر ما معنى انتقاصي

وأنت الشمع ما سبب احتراقي

وهذا ما ذكره الوطواط فقال : «تكون هذه الصنعة بأن يظهر الشاعر في أحد أبياته تعجبه وحيرته من شيء من الأشياء» (١٣) ، وذلك كقول أديب ترك : «أيا شمعا يضيء ...».

التّعديد :

هو الأعداد ، وقد تقدم ، ويسمى سياقة الاعداد وسياقة العدد أيضا (١٤).

__________________

(١) اللسان (ظرف).

(٢) أنوار الربيع ج ٦ ص ٢٧٠.

(٣) شرح ديوان الحماسة ج ١ ص ٦.

(٤) شرح ديوان الحماسة ج ١ ص ٦.

(٥) النمل ٨٧.

(٦) الزمر ٦٨.

(٧) المائدة ١١٦.

(٨) البرهان في علوم القرآن ج ٣ ص ٣٧٢.

(٩) اللسان (عجب).

(١٠) عبس ١٧.

(١١) الصاحبي ص ١٨٨.

(١٢) نهاية الايجاز ص ١١٦.

(١٣) حدائق السحر ص ١٨٩ وينظر الروض المريع ص ١١٨.

(١٤) نهاية الايجاز ص ١١٣ ، الإيضاح في شرح مقامات الحريري ص ٢١ ، التبيان ص ١٧٧ ، حسن التّوسّل ص ٢٤٧ ، نهاية الأرب ج ٧ ص ١٣٠ ، يتيمة الدهر ج ١ ص ٢١٢ ، حدائق السحر ص ١٤٩ ، الفوائد ص ١٦٤ ، البرهان ج ٣ ـ ـ ص ٤٧٥ ، خزانة الأدب ص ٤١٦ ، معترك ج ١ ص ٣٩٧ ، الاتقان ج ٢ ص ٩٠ ، شرح عقود الجمان ص ١٤٩ ، حلية اللب ص ١٦٦ ، أنوار الربيع ج ٦ ص ١٢٨ ، نفحات ص ٢١٣ ، شرح الكافية ص ٣٠٦.

٣٧٨

التّعديل :

عدّل الموازين والمكاييل : سوّاها ، وعدل الشيء :وازنه (١).

قال ابن شيث القرشي : «هو أن تكون اللفظة التي هي السّجعة الثانية مركّبة من كلمتين حتى تساوي أختها» (٢). ومثاله : «شكر الله تفضله ولا زالت ختوم المحامد تفض له» ، وقول الشاعر :

وإن أقرّ على رقّ أنامله

أقرّ بالرقّ كتّاب الانام له

وهذا نوع من التجنيس ، وقد ذكره ابن رشيق وذكر البيت في بحث التجنيس ، وقال : «وقد أحدث المولدون تجانسا منفصلا يظهر أيضا في الخط» (٣) ، وذكر له أيضا قول أبي تمام :

رفدوك في يوم الكلاب وشققوا

فيه المزاد بجحفل كالّلاب (٤)

وقول البستي :

عارضاه فيما جنى عارضاه

أو دعاني أمت بما أودعاني

التّعريض :

عرّض لفلان وبه : إذا قال فيه قولا وهو يعيبه ، يقال :

عرّض تعريضا : اذا لم يبيّن ، والتعريض خلاف التصريح ، والمعاريض : التورية بالشيء عن الشيء (٥).

وقال العلوي : «التعريض خلاف التصريح ، يقال :

عرّضت لفلان أو بفلان إذا قلت قولا وأنت تعنيه ، ومنه المعاريض في الكلام. وفي أمثالهم : «إنّ في المعاريض لمندوحة عن الكذب» أرادوا أنّ المعاريض فيها سعة عن قصد الكذب وتعمده. واشتقاقه من قولهم عرض له كذا إذا عنّ ، لأنّ الواحد منا قد يعرض له أمر خلاف التصريح فيؤثره ويقصده» (٦).

التعريض من الأساليب العربية العريقة ، وقد استعمله الشعراء فقال كعب ابن زهير :

يمشون مشي الجمال الزهر يعصمهم

ضرب إذا عرّد السّود التنابيل (٧)

يعرّض بالأنصار لغلظتهم عليه فانكرت قريش ما قال ، وقالوا : لم تمدحنا إذ هجوتهم ، ولم يقبلوا ذلك حتى قال :

من سرّه كرم الحياة فلا يزل

في مقنب من صالحي الأنصار (٨)

الباذلين نفوسهم لنبيّهم

يوم الهياج وسطوة الجبّار (٩)

وقد ذكره المتقدّمون كالفرّاء ولم يسمّه ، ولكنّ تعليقه على قوله تعالى : (وَإِنَّا أَوْ إِيَّاكُمْ لَعَلى هُدىً)(١٠) يدلّ على أنه عرفه وفهمه (١١) ، وذكره ابن قتيبة وتحدث عنه (١٢) ، وعقد له وللكناية بابا قال : «ومن هذا الباب التعريض والعرب تستعمله في كلامها كثيرا فتبلغ إرادتها بوجه هو ألطف وأحسن من الكشف

__________________

(١) اللسان (عدل).

(٢) معالم الكتابة ص ٧٨.

(٣) العمدة ج ١ ص ٣٢٨.

(٤) اللاب : جمع لابة ، وهي الحرة ذات الحجارة السود.

(٥) اللسان (عرض).

(٦) الطراز ج ١ ص ٣٨٠.

(٧) الزهر : البيض. عرد : فر. التنابيل جمع تنبال ـ بكسر أوله ـ وهو القصير.

(٨) المقنب : ألف وأقل وقيل : هم الجماعة من الفوارس نحو الثلاثين.

(٩) طبقات فحول الشعراء ج ١ ص ١٠٢.

(١٠) سبأ ٢٤.

(١١) معاني القرآن ج ٢ ص ٣٦٢.

(١٢) عيون الاخبار ج ١ ص (ك) ، ج ٢ ص ١٩٧.

٣٧٩

والتصريح ، ويعيبون الرجل إذا كان يكاشف في كل شيء ويقولون : «لا يحسن التعريض إلا ثلبا». وقد جعله الله في خطبة النساء في عدّتهن جائزا فقال : (وَلا جُناحَ عَلَيْكُمْ فِيما عَرَّضْتُمْ بِهِ مِنْ خِطْبَةِ النِّساءِ أَوْ أَكْنَنْتُمْ فِي أَنْفُسِكُمْ)(١) ولم يجز التصريح.

والتعريض في الخطبة أن يقول الرجل للمرأة : والله إنّك لجميلة ، ولعلّ الله أن يرزقك بعلا صالحا ، وإنّ النساء لمن حاجتي ، وهذا وأشباهه من الكلام» (٢).

وعدّ ثعلب من لطافة المعنى الدلالة بالتعريض على التصريح وقال : «ومن لطف المعنى كل ما يدلّ على

الايحاء الذي يقوم مقام التصريح لمن يحسن فهمه واستنباطه» (٣). وعدّ ابن المعتز من محاسن الكلام «التعريض والكناية» (٤) ولم يعرّفهما أو يفصل بينهما.

وسمّاه ابن وهب «اللحن» وقال : «وأما اللحن فهو التعريض بالشيء من غير تصريح أو الكناية عنه بغيره» (٥). وذكره ابن جني ولم يعرّفه (٦) ، وأدخله ابن رشيق في باب الاشارة وذكر بيت كعب بن زهير الذي عرّض فيه بالانصار وبعض الأمثلة الاخرى (٧) :وتحدث عنه عبد القاهر مع الكناية (٨) ، وفعل مثله التبريزي والبغدادي (٩).

وكان ابن الاثير ممن ميزوا بين الكناية والتعريض وقال : «وأمّا التعريض فهو اللفظ الدّالّ على الشيء من طريق المفهوم لا بالوضع الحقيقي ولا المجازي فاذا قلت لمن تتوقع صلته ومعروفه بغير طلب : «والله إني لمحتاج وليس في يدي شيء وأنا عريان والبرد قد آذاني» فإنّ هذا وأشباهه تعريض بالطلب وليس هذا اللفظ موضوعا في مقابلة الطلب لا حقيقة ولا مجازا ، إنما دلّ عليه من طريق المفهوم» (١٠). وفعل مثله التنوخي وقال : «ومن البيان الكناية والتعريض وهما معنيان متقاربان جدا وربما التبس على كثير من الفضلاء أمرهما فمثل أحدهما بما يستحق أن يكون مثالا للآخر وربما كان ذلك لكون اللفظ صالحا للكناية من وجه والتعريض من وجه. والفرق بينهما أنّ الكناية وضع لفظ يراد به معنى يعرف من لفظ آخر هو أحق به لكن يعدل عنه لقبحه في العادة أو لعظمه أو لستره أو لما ناسب ذلك من الأغراض.

والتعريض أن يذكر شيء يفهم منه غير ما وضع له لمناسبة ما بين المعنيين» (١١).

ومن التعريض قول الشّمندر الحارثي :

بنى عمّنا لا تذكروا الشعر بعد ما

دفنتم بصحراء الغمير القوافيا

فقوله : «دفنتم القوافيا» يعني أنّ ما جرى لكم في ذلك اليوم من قهرنا لكم لا يصلح بعده ذكر الشعر ، فلم يذكر القهر والغلبة ، وعرّض عنه بدفن القوافي.

وقال ابن الأثير الحلبي إنّ الالغاز والتعمية اذا قاربت الظهور سمّيت كناية أو تعريضا ، وأما إذا أوغل في خفائه سمي لغزا أو رمزا ، وذكر تعريف ابن الاثير وقال : «وقالوا إنّ هذا الحدّ فاسد لأنّه ليس لنا قسم ثالث في استعمال اللفظ ليدلّ على المعنى خارجا عن الحقيقة والمجاز» (١٢). وفرّق العلوي كابن الاثير بين الفنين (١٣) ، وعرّف الحلبي والنويري التعريض بعد تعريف الكناية وقالا : «وأما التعريض فهو تضمين الكلام دلالة ليس لها ذكر

__________________

(١) البقرة ٢٣٥.

(٢) تأويل مشكل القرآن ص ٢٠٤.

(٣) قواعد الشعر ص ٤٤.

(٤) البديع ص ٦٤.

(٥) البرهان في وجوه البيان ص ١٣٤.

(٦) الخصائص ج ١ ص ٢٢٠.

(٧) العمدة ج ١ ص ٣٠٣.

(٨) دلائل الإعجاز ص ٢٣٦.

(٩) الوافي ص ٢٧٧ ، قانون البلاغة ص ٤٤٧.

(١٠) المثل السائر ج ٢ ص ١٩٨ ، الجامع الكبير ص ١٥٧.

(١١) الأقصى القريب ص ٧٢.

(١٢) جوهر الكنز ص ١١٠ ، وتنظر ص ١٠٦.

(١٣) الطراز ج ١ ص ٣٨٠.

٣٨٠