معجم المصطلحات البلاغيّة وتطوّرها

الدكتور أحمد مطلوب

معجم المصطلحات البلاغيّة وتطوّرها

المؤلف:

الدكتور أحمد مطلوب


الموضوع : اللغة والبلاغة
الناشر: مكتبة لبنان ناشرون
الطبعة: ٠
الصفحات: ٧٠٥

مراجعة في القول ومحاورة جرت بينه وبين غيره بأوجز عبارة وأخصر لفظ فينزل في البلاغة أحسن المنازل وأعجب المواقع.

ومن جيد ما يورد من أمثلتها ما قاله بعض الشعراء (١).

قالت ألا لا تلجن دارنا

إنّ أبانا رجل غائر

أما رأيت الباب من دوننا

قلت بأنّي واثب ظافر

قالت فانّ الليث عادية

قلت فسيفي مرهف باتر

قالت أليس البحر من دوننا

قلت فانّي سابح ماهر

قالت أليس الله من فوقنا

قلت بلى وهو لنا غافر

قالت فامّا كنت أعييتنا

فأت اذا ما هجع السامر

واسقط علينا كسقوط النّدى

ليلة لاناه ولا آمر

وألطف من هذا قول أبي نواس في شعره :

قال لي يوما سليما

ن وبعض القول أشنع

قال صفني وعليّا

أيّنا أتقى وأورع

قلت إني إن أقل ما

فيكما بالحقّ تجزع

قال كلّا قلت مهلا

قال قل لي قلت فاسمع

قال صفه قلت يعطي

قال صفني قلت تمنع

ومن جيده ما قاله البحتري :

بتّ أسقيه صفوة الراح حتى

وضع الكأس ماثلا يتكفّا

قلت عبد العزيز تفديك نفسي

قال لبيك قلت لبيك ألفا

هاكها قال هاتها قلت خذها

قال لا أستطيعها ثم أغفى

فهذا وما شاكله من جيد ما يؤثر في المحاورة وترجيع الخطاب على وجهه الملاطفة والاستعطاف» (٢).

وذكر السيوطي في بحث التكرير نوعا خاصا منه سماه الترجيع وقال : «قال الطيبي هو أن يكون المعنى مهتما بشأنه فاذا شرع في نوع من الكلام نظر الى ما يتخلص اليه فاذا تمكن من إيراده كرّ اليه كقوله تعالى : (وَلا تُعْجِبْكَ أَمْوالُهُمْ وَأَوْلادُهُمْ إِنَّما يُرِيدُ اللهُ أَنْ يُعَذِّبَهُمْ بِها فِي الدُّنْيا وَتَزْهَقَ أَنْفُسُهُمْ وَهُمْ كافِرُونَ)(٣). قال الزمخشري (٤) في تجديد النزول له شأن في تقرير ما نزل له وتأكيده وارادة أن يكون على بال من المخاطب ولا ينساه ولا يسهو عنه لفوته فأشبه الشيء الذي أهم صاحبه فهو يرجع اليه في أثناء حديثه ويتخلص اليه» (٥).

وسمّاه الآخرون «المراجعة» وذكر المصري أنّه من مبتدعاته قال : «هو أن يحكي المتكلم مراجعة في القول ومحاورة في الحديث جرت بينه وبين غيره أو بين اثنين غيره بأوجز عبارة وأرشق سبك وأسهل ألفاظ إما في بيت واحد أو في أبيات أو جملة واحدة» (٦) كقول عمر بن أبي ربيعة :

__________________

(١) الأبيات لوضاح اليمن.

(٢) الطراز ج ٣ ص ١٥١ وما بعدها.

(٣) التوبة ٨٥.

(٤) عبارة الزمخشري في الكشاف ج ٢ ص ٢٣٥.

(٥) شرح عقود الجمان ص ٧٣.

(٦) تحرير التحبير ص ٥٩٠ ، بديع القرآن ص ٣٠٠.

٣٠١

بينما ينعتنني أبصرنني

مثل قيد الرّمح يعدو بي الأغر

قالت الكبرى ترى من ذا الفتى

قالت الوسطى لها : هذا عمر

قالت الصّغرى وقد تيّمتها

قد عرفناه وهل يخفى القمر؟

وذكر أبيات أبي نواس والبحتري ، وقوله تعالى :(قالَ إِنِّي جاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِماماً قالَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِي قالَ لا يَنالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ)(١).

وكان الرازي قد تحدث عن السؤال والجواب (٢) ومثّل له بقول الباخرزي :

قد قلت هجرتني فما العلّة؟

صدّت وتمايلت قالت قلّه

وأشار الى ذلك المدني بقوله : «وسماها جماعة منهم الامام فخر الدين الرازي : السؤال والجواب ...

قال الشيخ صفي الدين الحلبي في شرح بديعيته : وذكر ابن الاصبع أنّ هذا النوع من مخترعاته ، وقد وجدناه في كتب غيره بالاسم الثاني» (٣) أي : السؤال والجواب ونقل ابن مالك تعريف المصري وأمثلته (٤) ، وقال السبكي : «هي حكاية محاورة بين المتكلم وغيره وهو أعم من الالجاء» (٥) ومثّل له بأبيات وضاح اليمن التي ذكرها العلوي : «قالت الا لاتلجن درانا ...».

وقال الحموي : «المراجعة ليس تحتها كبير أمر ولو فوّض اليّ حكم في البديع ما نظمتها في أسلاك أنواعه.

وذكر ابن أبي الاصبع أنّها من اختراعاته وعجبت من مثله كيف قربها الى الذي استنبطه من الانواع البديعية الغريبة كالتهكم والافتنان والتدبيج والهجاء في معرض المدح والاشتراك والالغاز والنزاهة. ومنهم من سمّى هذا النوع أعني المراجعة السؤال والجواب» (٦).

ونقل السيوطي تعريف المصري وقال : «المراجعة ذكرها ابن مالك وعبد الباقي وغيرهما وهي حكاية التحاور بين المتكلم وغيره في البيت الواحد بألفاظ وجيزة» (٧).

وذكر المدني للترجيع والمراجعة أمثله كثيرة تدل على شيوع مثل هذا الاسلوب بين الشعراء (٨).

التّرديد :

الردّ ، مصدر : «رددت الشيء» وهو صرف الشيء ورجعه ، وردّه عن وجهه يرده ردّا صرفه ، وردّد القول بمعنى ردّه والتثقيل للكثرة (٩). والترديد هو إعادة الشيء.

قال الحاتمي : «الترديد هو تعليق الشاعر لفظة في البيت متعلقة بمعنى ثم يرددها فيه بعينها ويعلقها بمعنى آخر في البيت نفسه» (١٠).

وعدّه ابن رشيق من المجانسة (١١) ، وعقد له بابا وعرّفه بقوله : «وهو أن يأتي الشاعر بلفظة متعلقة بمعنى ثم يردها بعينها متعلقة بمعنى آخر في البيت نفسه أو في قسيم منه». وهذا كلام الحاتمي ، وذلك كقول زهير :

من يلق يوما على علّاته هرما

يلق السماحة منه والندى خلقا

فعلق «يلق» بـ «هرم» ثم علقها بالسماحة. وقوله :

__________________

(١) البقرة ١٢٤.

(٢) نهاية الايجاز ص ١١٤.

(٣) أنوار الربيع ج ٢ ص ٣٥٠.

(٤) المصباح ص ١٢١.

(٥) عروس الافراح ج ٤ ص ٤٧١.

(٦) خزانة الادب ص ٩٩.

(٧) شرح عقود الجمان ص ١٣٤ ، معترك ج ١ ص ٤١٨ ، الاتقان ج ٢ ص ٩٦.

(٨) أنوار الربيع ج ٢ ص ٣٥٠ وما بعدها.

(٩) اللسان (ردد).

(١٠) حلية المحاضرة ج ١ ص ١٥٤ وينظر المنصف ص ٦١ ، الروض المريع ص ١٦٢.

(١١) العمدة ج ١ ص ٣٢٣.

٣٠٢

ومن هاب أسباب السماء ينلنه

ولو رام أسباب السماء بسلّم

فرددت «أسباب». ومنق قول أبي حيّة النميري :

ألا حيّ من أجل الحبيب المغانيا

لبسن البلى ممن لبسن اللياليا

إذا ما تقاضى المرء يوما وليلة

تقاضاه شيء لا يملّ التقاضيا

والترديد في قوله : «لبسن البلى ممن لبسن اللياليا» و «إذا ما تقاضى المرء يوما وليلة» ثم قال : «تقاضاه شيء لا يملّ التقاضيا».

ومنه قول أبي نواس :

صفراء لا تنزل الأحزان ساحتها

لو مسّها حجر مسّته سرّاء

ثم قال ابن رشيق : «وسمع أبو الطيب باستحسان هذا النوع فجعله نصب عينه حتى مقتّه وزهد فيه ، ولو لم يكن إلا بقوله :

فقلقلت بالهمّ الذي قلقل الحشا

قلاقل عيش كلّهن قلاقل

فهذه الألفاظ كما قال كلهن قلاقل» (١).

وعرفه التبريزي والبغدادي بما يقرب من تعريف ابن رشيق وذكرا بعض أمثلته ثم قالا : «وقد يسمى التعطف أيضا» (٢). ولكن المصري فرّق بينهما بقوله : «وقد يلتبس الترديد الذي ليس تعددا من هذا الباب بباب التعطف ، والفرق بينهما أنّ هذا النوع من الترديد يكون في أحد قسمي البيت تارة وفيهما معا مرة ، ولا تكون احدى الكلمتين في قسم والاخرى في آخر. والمراد بقربهما أن يتحقق الترديد. والتعطف وإن كان ترديد الكلمة بعينها فهو لا يكون إلا متباعدا بحيث تكون كل كلمة في قسم. والترديد يتكرر والتعطف لا يتكرر ، والترديد يكون بالأسماء المفردة والجمل المؤتلفة والحروف ، والتعطف لا يكون إلا بالجمل غالبا» (٣).

وسماه ابن منقذ «التصدير» (٤) وهو رد الأعجاز على الصدور والفرق بينهما أنّ التصدير مخصوص بالقوافي تردّ على الصدور والترديد يقع في أضعاف البيت (٥).

وقال ابن شيث القرشي : «وهو أن ترد آخر الكلام على أوله» (٦) ، وهذا هو التصدير ، أوردّ الأعجاز على الصدور.

وقال ابن الاثير : «وربما جهل بعض الناس فادخل في التجنيس ما ليس منه نظرا الى مساواة اللفظ دون اختلاف المعنى. فمن ذلك قول أبي تمام :

أظنّ الدّمع في خدّي سيبقى

رسوما من بكائي في الرسوم

وهذا ليس من التجنيس في شيء إذ حدّ التجنيس هو إتفاق اللفظ واختلاف المعنى وهذا البيت المشار اليه هو اتفاق اللفظ والمعنى معا ، وهذا مما ينبغي أن ينبه عليه ليعرف. ومن علماء البيان من جعل له اسما سمّاه به وهو الترديد أي أنّ اللفظة الواحدة رددت فيه» (٧).

وقال ابن الزّملكاني : «هو أن تعلق لفظة بمعنى ثم تردها بعينها وتعلقها بمعنى آخر» (٨). وذكر المصري مثل ذلك فقال : «هو أن يعلق المتكلم لفظة من الكلام بمعنى ثم يردّها بعينها ويعلقها بمعنى آخر كقوله ـ سبحانه وتعالى ـ : (حَتَّى نُؤْتى مِثْلَ ما أُوتِيَ رُسُلُ اللهِ ، اللهُ أَعْلَمُ حَيْثُ يَجْعَلُ رِسالَتَهُ)(٩). فالجلالة الأولى

__________________

(١) العمدة ج ١ ص ٣٣٣.

(٢) الوافي ص ٢٨٧ ، قانون البلاغة ص ٤٥٣.

(٣) تحرير التحبير ص ٢٥٤.

(٤) البديع في نقد الشعر ص ٥١.

(٥) العمدة ج ٢ ص ٣.

(٦) معالم الكتابة ص ٨٤.

(٧) المثل السائر ج ١ ص ٢٥٢ ، كفاية الطالب ص ١٣٩.

(٨) التبيان ص ١٨٦.

(٩) الانعام ١٢٤.

٣٠٣

مضاف اليها ، والثانية مبتدأ بها» (١). وذكر أنّ من الترديد نوعا يسمى الترديد المتعدد «وهو أن يتردد حرف من حروف المعاني إما مرة أو مرارا وهو الذي يتغير فيه مفهوم المسمى لتغير الاسم إما لتغاير الاتصال أو تغاير ما يتعلق بالاسم» (٢) ومثال هذا النوع قوله تعالى : (وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ)(٣) فان اتصال «من» بضمير المخاطبين الغائبين في الموضعين مع ما تضمنت «من» من معنى الشرط أصارت المؤمنين كافرين عند وقوع الشرط ، وقد يتردد حرف الجر في الجملة من الكلام والبيت من الشعر مرارا عدة في جمل متغايرة ، ومثاله قول الشاعر :

يريك في الرّوع بدرا لاح في غسق

فليث عرّيسة في صورة الرجل

وربما كان المتردد غير حرف الجر كحرف النداء أو غيره ومثاله قول المتنبي :

يا بدر يا بحر يا غمامة يا

ليث الشّرى يا حمام يا رجل

ومثال المتردد من الجمل غير المتعددة قول أبي نواس :

صفراء لا تنزل الأحزان ساحتها

لو مسّها حجر مسّته سرّاء

فقوله : «مسّها» و «مسته» ترديد حسن.

ومن الترديد نوع آخر ذكره المصري وهو «ترديد الحبك» ويسمى بيته المحبوك وهو «أن تبني البيت من جمل ترد فيه كلمة من الجملة الأولى في الجملة الثانية وكلمة من الثالثة في الرابعة بحيث تكون كل جملتين في قسم ، والجملتان الأخيرتان غير الجملتين الاوليين في الصورة ، والجمل كلها سواء في المعنى» (٤).

كقول زهير :

يطعنهم ما ارتموا حتى إذا اطّعنوا

ضارب حتى إذا ما ضاربوا اعتنقا

قد ردد كلمة من الجملة الأولى في الجملة الثانية ، وردد كلمة من الجملة الثالثة في الجملة الرابعة ثنتان في كل قسم ، وكل جملتين متفقتان في الصورة غير أنّهما مختلفتان إذا نظرت الى كل قسم وجملته وإن اشتركا في المعنى فانّ صورة الطعن غير صورة الضرب ، ومعنى الجميع واحد وهو الحماسة في الحرب.

وذكر المظفر العلوي وابن مالك والنويري والحلبي وابن الاثير الحلبي والعلوي والسبكي والزركشي والسيوطي والمدني كلام السابقين (٥). وقال الحموي : «إنّ الترديد والتكرار ليس تحتهما كبير أمر ولا بينهما وبين أنواع البديع قرب ولا نسبة لانحطاط قدرهما عن ذلك ولو لا المعارضة ما تعرضت لهما في بديعيتي. ولكن ذكر زكي الدين بن أبي الاصبع بينهما فرقا فيه بعض إشراق وهو أنّ اللفظة التي تكرر في البيت ولا تفيد معنى زائدا بل الثانية عين الاولى هي التكرار ، واللفظة التي يرددها الناظم في بيته تفيد معنى غير معنى الأولى هي الترديد. وعلى هذا التقدير صار للترديد بعض مزية يتميز بها على الكرار ويتحلى بشعارها وعلى هذا الطريق نظم أصحاب البديعيات هذا النوع أعني الترديد» (٦).

وذكروا نوعا من الطباق سمّوه «طباق الترديد» وهو

__________________

(١) تحرير التحبير ص ٢٥٣ ، بديع القرآن ص ٩٦.

(٢) تحرير ص ٢٥٣.

(٣) المائدة ٥١.

(٤) تحرير ص ٢٥٥.

(٥) نضرة الاغريض ص ١٢٣ ، المصباح ص ٧٦ ، حسن التوسل ص ٢٦٤ ، نهاية الارب ج ٧ ص ١٤١ ، جوهر الكنز ص ٢٦٠ ، الطراز ج ٣ ص ٨٢ ، عروس الافراح ج ٤ ص ٤٧٠ ، البرهان ج ٣ ص ٣٠١ ، معترك ج ١ ص ٣٩٧ شرح عقود الجمان ص ٧٣ ، أنوار الربيع ج ٣ ص ٣٥٩ ، نفحات الأزهار ص ١٤١ ، شرح الكافية ص ١٤٨.

(٦) خزانة الأدب ص ١٦٤ ، وينظر كلام المصري في تحرير التحبير ص ٢٥٤.

٣٠٤

«أن ترد آخر الكلام المطابق على أوله» (١). ثم قال الحموي : «فان لم يكن الكلام مطابقا فهو من ردّ الأعجاز على الصدور ومنه قول الأعشى :

لا يرقع الناس ما أوهوا وإن جهدوا

طول الحياة ولا يوهون ما رقعوا

التّرشيح :

الرشح : ندى العرق على الجسد ، والترشيح التربية والتهيئة للشيء ، ورشّح للأمر : ربّي له وأهّل ، ورشّح الغيث النبات : رباه ، ورشّحت الأرض البهمى : ربّتها وبلغت بها (٢).

قال المصري : «هو أن يؤتى بكلمة لا تصلح لضرب من المحاسن حتى يؤتى بلفظة تؤهلها لذلك» (٣). ومنه قوله تعالى : (اذْكُرْنِي عِنْدَ رَبِّكَ فَأَنْساهُ الشَّيْطانُ ذِكْرَ رَبِّهِ)(٤) فإن لفظة (رَبِّكَ) رشحت لفظة (رَبِّهِ) لأن تكون تورية إذ يحتمل أن يراد بها الإله تعالى ، وأن يراد بها الملك. ولو وقع الاقتصار على قوله : (فَأَنْساهُ الشَّيْطانُ ذِكْرَ رَبِّهِ) دون قوله : (اذْكُرْنِي عِنْدَ رَبِّكَ) لم تدلّ لفظة (رَبِّهِ) إلا على الاله فحسب لكن لما تقدمت لفظة (رَبِّكَ) وهي لا تحتمل إلا الملك صلحت لفظة (رَبِّهِ) للمعنيين.

والترشيح يكون للتورية وللاستعارة وللمطابقة وغيرها ، وقد فرّق المصري بين الترشيح والاستعارة والتورية من ثلاثة أوجه :

الأول : أنّ من التورية ما لا يحتاج الى ترشيح ، وهي التورية المحضة.

الثاني : أنّ الترشيح لا يخص التورية دون بقية الأبواب بل يعم الاستعارة والطباق وغيرهما ، ففي قول المتنبي :

وخفوق قلب لو رأيت لهيبه

يا جنّتي لظننت فيه جهنّما

رشحت لفظة «يا جنتي» لفظة «جهنم» للمطابقة ، ولو قال مكانها «يا منيتي» لم يكن في البيت طباق.

الثالث : أنّ لفظة الترشيح في كلام المورّى غير لفظة التورية ، فإن التورية في قول علي ـ عليه‌السلام ـ : «وهذا كان أبوه ينسج الشمال باليمين» في لفظة «الشمال» والترشيح في لفظة «اليمين».

وذكر الحموي والسيوطي والمدني ما ذكره المصري (٥) لأنّه من أوائل الذين حددوا هذا الفن ، ولذلك استندوا الى ما ذكره.

ومثال الترشيح للتورية قول التهامي :

واذا رجوت المستحيل فإنّما

تبني الرجاء على شفير هار

فذكر «الشفير» يرشح «الرجاء» للتورية برجاء البئر وهو ناحيتها ولو لا ذكره ما كان فيه تورية ولكان من رجوت بمعنى ضد اليأس فقط لقوله أولا : «واذا رجوت المستحيل». ومثال الترشيح للطباق بيت المتنبي : «وخفوق قلب ...».

ومثال الترشيح للاستخدام قول أبي العلاء في صفة الدرع :

تلك ماذيّة وما لذباب ال

صّيف والسيف عندها من نصيب

فان ذكر «السيف» رشح «الذباب» لاستخدامه بمعنى طرف السيف ، ولولاه لا نحصر في معنى الطائر المعروف.

ومثال الترشيح للاستعارة قوله تعالى : (أُولئِكَ الَّذِينَ اشْتَرَوُا الضَّلالَةَ بِالْهُدى فَما رَبِحَتْ

__________________

(١) خزانة ص ٧١.

(٢) اللسان (رشح).

(٣) تحرير ص ٢٧١ ، بديع القرآن ص ١٠٣.

(٤) يوسف ٤٢.

(٥) خزانة الأدب ص ٣٧٢ ، شرح عقود الجمان ص ١١٦ ، أنوار الربيع ج ٦ ص ١٧٢.

٣٠٥

تِجارَتُهُمْ)(١) ، فإنّه استعار الاشتراء للاستبدال والاختيار ثم رشحه بما يلائم الاشتراء من الربح والتجارة فذكر الربح والتجارة يرشح حقوق المبالغة في التشبيه.

فالترشيح لا يخص فنا بعينه ولذلك قال المدني : «إنّ الترشيح لا يختص بنوع من البديع فمن زعم أنّه ضرب من التورية فلا معنى لجعله نوعا برأسه ، فقد توهّم» (٢).

التّرصيع :

رصع الشيء : عقده عقدا مثلثا متداخلا ، وإذا أخذت سيرا فعقدت فيه عقدا مثلثة فذلك الترصيع.

والترصيع : التركيب ، يقال : تاج مرصع بالجوهر وسيف مرصع أي محلّى بالرصائع وهي حلق يحلّى بها الواحدة رصيعة. ورصّع العقد بالجوهر : نظمه فيه وضمّ بعضه الى بعض (٣).

فالترصيع مأخوذ من ترصيع العقد وذاك أن يكون في أحد جانبي العقد من اللآلىء مثل ما في الجانب الآخر ، ولكن ابن شيث القرشي قال : «الترصيع وهو مأخوذ من رصيعة اللجام وهي العقدة التي تكون على صدغ الفرس من الجانبين ولا يجوز أن تكون احدى العقدتين معقودة والأخرى محلولة ولا أن تكون إحداهما حالية والأخرى عاطلة» (٤).

والترصيع من نعوت الوزن عند قدامة وقد عرّفه بقوله : «هو أن يتوخى فيه تصيير مقاطع الأجزاء في البيت على سجع أو شبيه به أو من جنس واحد في التصريف» (٥). وبقوله أيضا : «فالترصيع أن تكون الالفاظ متساوية البناء متفقة الانتهاء سليمة من عيب الاشتباه وشين التعسف والاستكراه يتوخى في كل جزئين منها متواليين أن يكون لهما جزءان متقابلان يوافقانهما في الوزن ويتفقان في مقاطع السجع من غير استكراه ولا تعسف» (٦).

وقال العسكري : «هو أن يكون حشو البيت مسجوعا» (٧) ، وذكر الباقلاني نوعا منه سماه «الترصيع مع التجنيس» (٨) كقول ابن المعتز :

ألم تجزع على الربع المحيل

وأطلال وآثار محول

وقوله تعالى : (إِنَّ الَّذِينَ اتَّقَوْا إِذا مَسَّهُمْ طائِفٌ مِنَ الشَّيْطانِ تَذَكَّرُوا فَإِذا هُمْ مُبْصِرُونَ. وَإِخْوانُهُمْ يَمُدُّونَهُمْ فِي الغَيِّ ثُمَّ لا يُقْصِرُونَ)(٩).

وقال الباقلاني : «ومما يقارب الترصيع ضرب يسمّى المضارعة» (١٠) ، كقول الخنساء :

حامي الحقيقة محمود الخليقة مه

ديّ الطريقة ، نفّاع وضرّار

جوّاب قاصية جزّار ناصية

عقّاد ألوية للخيل جرّار

وقال ابن رشيق : «واذا كان تقطيع الأجزاء مسجوعا أو شبيها بالمسجوع فذلك هو الترصيع عند قدامة» (١١). ثم قال : «وللقدماء من هذا النوع إلا أنهم لا يكثرون منه كراهة التكلف».

وقال ابن سنان : «وهو أن يعتمد تصيير مقاطع الأجزاء في البيت المنظوم أو الفصل من الكلام المنثور مسجوعة وكأن ذلك شبّه بترصيع الجوهر

__________________

(١) البقرة ١٦.

(٢) أنوار الربيع ج ٦ ص ١٦٣ وينظر الروض المريع ص ١٢٩ ، نفحات ص ١٠٦ ، شرح الكافية ص ١٦٤.

(٣) اللسان (رصع).

(٤) معالم الكتابة ص ٧١.

(٥) نقد الشعر ص ٣٨ ، وينظر المنزع البديع ص ٥٠٩.

(٦) جواهر الالفاظ ص ٣.

(٧) كتاب الصناعتين ص ٣٧٥.

(٨) اعجاز القرآن ص ١٤٥.

(٩) الاعراف ٢٠١ ـ ٢٠٢.

(١٠) اعجاز القرآن ص ١٤٦.

(١١) العمدة ج ٢ ص ٢٦.

٣٠٦

في الحلي» (١).

ولا يخرج كلام التبريزي والبغدادي وابن منقذ وابن الزملكاني وابن مالك وابن الأثير الحلبي والحموي والسيوطي والمدني عن ذلك (٢).

وقال الرازي : «هو أن تكون الالفاظ مستوية الأوزان متفقة الأعجاز» (٣) ونقل السكاكي وابن قيم الجوزية والحلبي والنويري هذا التعريف (٤).

وقال ابن الاثير : «هو أن تكون كل لفظة من ألفاظ الفصل الأول مساوية لكل لفظة من ألفاظ الفصل الثاني في الوزن والقافية» (٥). ونفى أن يكون هذا الفن في كتاب الله العزيز لما فيه من زيادة في التكلف ، وقال إنّه قليل في الشعر ، واذا جيء به فيه لم يكن عليه محض الطلاوة التي تكون اذا جيء به في الكلام المنثور. ومن ذلك قول بعضهم :

فمكارم أوليتها متبرّعا

وجرائم ألغيتها متورّعا

فـ «مكارم» بازاء «جرائم» و «أوليتها» بازاء «الغيتها» و «متبرعا» بازاء «متورعا».

ولكنّ السابقين كابن منقذ والرازي والسكاكي ذكروا له أمثلة من القرآن الكريم كقوله تعالى :(وَلَسْتُمْ بِآخِذِيهِ إِلَّا أَنْ تُغْمِضُوا فِيهِ)(٦) ، وقوله : (إِنَّ إِلَيْنا إِيابَهُمْ. ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنا حِسابَهُمْ)(٧) ، وقوله :(وَآتَيْناهُمَا الْكِتابَ الْمُسْتَبِينَ. وَهَدَيْناهُمَا الصِّراطَ الْمُسْتَقِيمَ)(٨) ، وقوله : (إِنَّ الْأَبْرارَ لَفِي نَعِيمٍ. وَإِنَّ الْفُجَّارَ لَفِي جَحِيمٍ)(٩). وعلق ابن الاثير على الآية الأخيرة بقوله «فأما قول من ذهب الى أنّ في كتاب الله منه شيئا ومثله بقوله : إنّ الأبرار ...» فليس الأمر كما وقع له فان لفظة «لفي» قد وردت في الفقرتين معا ، وهذا يخالف شرط الترصيع الذي شرطناه لكنه قريب منه» (١٠).

وقال المصري : «الترصيع كالتسجيع في كونه يجزّىء البيت إما ثلاثة أجزاء إن كان سداسيا ، أو أربعة إن كان ثمانيا وسجع على ثاني العروضين دون الأول ، وأكثر ما يقع الجزءان المسجع والمهمل في الترصيع مدمجين إلا أنّ أسجاع التسجيع على قافية البيت. والفرق بينه وبين التسميط المسمى تسميط التبعيض ، أنّ المسجع من قسمي التسميط معا هي أجزاء عروضية والمسجع من الترصيع أجزاء غير عروضية لوقوع السجع في بعض الأجزاء» (١١).

وذكر أبيات أبي صخر التي ذكرها قدامة (١٢) وهي :

وتلك هيكلة خود مبتّلة

صفراء رعبلة في منصب سنم

عذب مقّبلها خدل مخلخلها

كالدعص أسفلها مخضوبة القدم

سود ذوائبها بيض ترائبها

محض ضرائبها صيغت على الكرم

__________________

(١) سر الفصاحة ص ٢٢٣.

(٢) الوافي ص ٢٧٦ ، قانون البلاغة ص ٤٤٦ ، البديع في نقد الشعر ص ١١٦ ، التبيان ص ١٦٩ ، المصباح ص ٧٨ ، جوهر الكنز ص ٢٥٤ ، خزانة ص ٤٢٢ ، معترك ج ١ ص ٤١٥ ، أنوار الربيع ج ٦ ص ١٦٢ ، نفحات ص ١٦٨.

(٣) نهاية الايجاز ص ٣٥ ، وينظر الايضاح في شرح مقامات الحريري ص ٩.

(٤) مفتاح العلوم ص ٢٠٣ ، الفوائد ص ٢٢٩ ، حسن التوسل ص ٢٠٧ ، نهاية الارب ج ٧ ص ١٠٤.

(٥) المثل ج ١ ص ٢٦٤ ، الجامع ص ٢٦٣.

(٦) البقرة ٢٦٧.

(٧) الغاشية ٢٥ ـ ٢٦.

(٨) الصافات ١١٧ ـ ١١٨.

(٩) الانفطار ١٣ ـ ١٤.

(١٠) المثل ج ١ ص ٢٦٤ ، وينظر الطراز ج ٢ ص ٣٧٣ ، الروض المريع ص ١٦٨ ، التبيان في البيان ص ٤١٩ ، شرح الكافية ص ١٩٠.

(١١) تحرير التحبير ص ٣٠٢.

(١٢) نقد الشعر ص ٤٧.

٣٠٧

سمح خلائقها درم مرافقها

يروى معانقها من بارد شبم

كأن معتّقة في الدن مغلقة

صفرا مصفّقة من رابىء رذم

شيبت بموهبة من رأس مرقبة

جرداء مهيبة في حالق شمم (١)

وسمّى هذا النوع «الترصيع المدمج» لأنّ كل جزء مسجع من أجزائه مدمج في الجزء الذي قبله فرقا بينه وبين ما ليس كذلك من الترصيع. فانّ من الترصيع ما أجزاؤه المسجعة غير مدمجة فيما قبلهما ، ومثاله قول مسلم بن الوليد :

كأنّه قمر أو ضيغم هصر

أو حيّة ذكر أو عارض هطل (٢)

وسمّاه المظفر العلوي ترصيعا وتفويفا (٣).

وأدخل القزويني هذا اللون في السجع وقال : «وقيل السجع غير مختص بالنثر ومثاله من الشعر قول أبي تمام :

تجلّى به رشدي وأثرت به يدي

وفاض به ثمدي وأورى به زندي

وأدخل في السجع التشطير أيضا وهو أن يجعل كل من شطري البيت سجعة مخالفة لأختها كقول أبي تمام :

تدبير معتصم بالله منتقم

لله مرتغب في الله مرتقب (٤)

وقسّم الحلبي والنويري الأسجاع الى أربعة أنواع :

الترصيع والمتوازي والمطرف والمتوازن (٥) ، وبذلك يتفقان مع القزويني في هذا التحديد ، كما يتفق المتأخرون معهم حينما عدّوا بيت أبي تمام الأول من السجع المطرف ، والبيت الثاني من سجع التشطير. وقسّمه ابن شيث القرشي الى ترصيع حذو وترصيع لغو وقال : «فترصيع الحذو وأفصحه قوله تعالى : (وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعاً)(٦).

ومنه قول النبي ـ صلوات الله عليه ـ «إياكم والمشارّة فانها تميت الغرّة وتحيي العرّة» (٧) ومنه قول الشاعر :

غرر لكنّهم عرر

إن مزجت الخبر بالخبر

وأما ترصيع اللغو (٨) فهو كل كلمتين جاءتا في النثر على صورة واحدة في الخط لا يفرق بينهما إلا بالشكل والنقط إلا أنّه لا يصلح أن تكون إحداهما قبالة الأخرى قافية لاختلاف حرف الروي وهو مثل : «أعجبني من نبل فلان شائعه ومن نيله سائغه» و «أنا فيما فعلته نابغ لا تابع وعائد لا عائذ وحابس لا خائس» (٩).

وهذا تقسيم جديد للترصيع وهو من صنوف الجناس ، وقد عدّها ابن رشيق من جناس التصحيف (١٠).

وقد يكون الترصيع مع التجنيس ، قال الوطواط :

__________________

(١) الخود : الحسنة الخلق الشابة. المبتلة : الحسناء أيضا. رعبلة : ذات خلقان ، والرعبلة : الرعناء الخرقاء وهو المقصود. المخلخل : موضع الخلخال. الدعص : الرمل. مخضوبة : مصبوغة بالخضاب. الترائب : الصدور. محض ضرائبها : خالصة الاخلاق. درم مرافقها : مستوية مرافقها.

الشبم : البارد. رذم الاناء : امتلأ وسال ما فيه.

شيبت : خلطت. الموهبة : غدير ماء صغير.

مهيبة : يهاب فيها. الشمم : البعد.

(٢) الهصر : الذي يكسر فريسته. العارض الهطل : السحاب ...

(٣) نضرة الاغريض ص ١١٨.

(٤) الايضاح ص ٣٩٥ ، التلخيص ص ٤٠٠.

(٥) حسن التوسل ص ٢٠٧ ، نهاية الارب ج ٧ ص ١٠٤.

(٦) الكهف ١٠٤.

(٧) غرة كل شيء ما يرفع قيمته. العرة : العيب.

(٨) من لغاعن الطريق وعن الصواب : مال عنه.

(٩) معالم الكتابة ص ٧١.

(١٠) العمدة ج ١ ص ٢٩٥.

٣٠٨

«وصناعة الترصيع رفيعة الشأن في ذاتها ولكنها إذا اقترنت بعمل آخر مثل التجنيس فإنّها تزداد علوا ورفعة شأن» (١). ومنه قول بعضهم : «قد وطئت الدهماء أعقابهم وخشيت الأعداء أعقابهم» و «الكؤوس في الراحات والنفوس في الراحات» ، وقول المؤملي الكاتب :

لم نزل نحن في سداد ثغور

واصطلام الابطال من وسط لام

واقتحام الأهوال من وقت حام

واقتسام الاموال من وقت سام

ومنه قول الوطواط :

جلالك يا خير الملوك مساعيا

على منبر المجد المؤثل خاطب

فللحظة النكراء سيبك دافع

وللخطة العذراء سيفك خاطب

وكان الباقلاني (٢) قد ذكر ـ كما تقدم ـ الترصيع مع التجنيس ومثل له بقول ابن المعتز وبآية من الذكر الحكيم.

التّرقّي :

رقي الى الشيء رقيا ورقوّا وارتقى يرتقي وترقّى : صعد ، ورقّى غيره ، ويقال : ما زال فلان يترقّى به الأمر حتى بلغ غايته (٣).

قال السبكي : «هو أن يذكر معنى ثم يردف بأبلغ منه كقولك : «عالم نحرير وشجاع باسل» وهذا قد يدخل في بعض أقسام الأطناب» (٤).

ومثل له الزركشي (٥) بقوله تعالى : (لا تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلا نَوْمٌ)(٦) ، وقوله : (لا يُغادِرُ صَغِيرَةً وَلا كَبِيرَةً)(٧). وذكر السيوطي تعريف السبكي ومثاله نقلا عن كتاب «التبيان» (٨). وذكر قوله تعالى : (الْخالِقُ الْبارِئُ الْمُصَوِّرُ)(٩) أي قدر ما يوجد ثم مثله. وقوله : (لَنْ تَرْضى عَنْكَ الْيَهُودُ وَلَا النَّصارى)(١٠). أي : ولا من هو أقرب مودّة فكيف بالأبعد؟

التّزاوج :

الزوج : خلاف الفرد ، والزوج ، الفرد الذي له قرين.

وتزاوج القوم وازدوجوا : تزوّج بعضهم بعضا.

والمزاوجة والازدواج بمعنى ، وازدوج الكلام وتزاوج أشبه بعضه بعضا في السجع أو الوزن أو كان لإحدى القضيتين تعلّق بالأخرى (١١).

والتزاوج هو أن يزاوج بين معنيين في الشرط والجزاء كقول البحتري :

إذا ما نهى الناهي فلجّ بي الهوى

أصاخت الى الواشي فلجّ بها الهجر

وقوله :

إذا احتربت يوما ففاضت دماؤها

تذكّرت القربى ففاضت دموعها (١٢)

وسمّي التزاوج مزاوجة ، فالرماني قسّم التجانس الى مناسبة ومزاوجة وقال إنّ المزاوجة تقع في الجزاء (١٣) كقوله تعالى : (فَمَنِ اعْتَدى عَلَيْكُمْ

__________________

(١) حدائق السحر ص ٩٢.

(٢) اعجاز القرآن ص ١٤٥.

(٣) اللسان (رقا).

(٤) عروس الافراح ج ٤ ص ٤٧٣.

(٥) البرهان في علوم القرآن ج ٣ ص ٢٩٦.

(٦) البقرة ٢٥٥.

(٧) الكهف ٤٩.

(٨) شرح عقود الجمان ص ١٣٥ ، التبيان في البيان ص ٣١٥.

(٩) الحشر ٢٤.

(١٠) البقرة ١٢٠.

(١١) اللسان (زوج).

(١٢) دلائل الاعجاز ص ٧٤ ، حسن التوسل ص ٢٨٣ ، نهاية الارب ج ٧ ص ١٥٤.

(١٣) النكت في اعجاز القرآن ص ٩١.

٣٠٩

فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ)(١) أي جازوه بما يستحق على طريق العدل إلا أنّه استعير للثاني لفظ الاعتداء لتأكيد الدلالة على المساواة في المقدار فجاء على مزاوجة الكلام لحسن البيان. ومن ذلك : (مُسْتَهْزِؤُنَ ، اللهُ يَسْتَهْزِئُ بِهِمْ)(٢) أي : يجازيهم على استهزائهم. ومنه :(وَمَكَرُوا وَمَكَرَ اللهُ ، وَاللهُ خَيْرُ الْماكِرِينَ)(٣) جازاهم على مكرهم فاستعير للجزاء على المكر اسم المكر لتحقيق الدلالة على أنّ وبال المكر راجع عليهم ومختص بهم.

ونقل الصنعاني كلام الرماني وأمثلته (٤) ، وتبعهما في ذلك ابن مالك الذي قال عن المزاوجة هي «أن تأتي في غير ردّ العجز على الصدر بمتماثلين في أصل المعنى والاشتقاق فحسب» (٥) كقول الشاعر :

ألا لا يجهلن أحد علينا

فنجهل فوق جهل الجاهلينا

والمزاوجة عند الرازي من أقسام النظم وذلك «أن يزاوج بين معنيين في الشرط والجزاء» (٦) ، أي أنّها الازدواج والتزاوج وهو ما ذهب اليه عبد القاهر من قبل. والى ذلك ذهب السكاكي والقزويني وشراح التلخيص ، وأدخلوا المزاوجة في المحسنات المعنوية (٧).

التّسبيغ :

يقال : شيء سابغ أي كامل واف ، وسبغ الشيء يسبغ سبوغا : طال الى الأرض واتسع ، وسبغت الدرع وكل شيء : طال الى الارض فهو سابغ (٨).

قال المصري : «هذا الباب سمّاه الأجدابي التسبيغ وفسّره بأن قال : «هو أن يعيد لفظ القافية في أول البيت الذي يليها ، والتسبيغ زيادة في الطول ، ومنه قولهم : «درع سابغة» إذا كانت طويلة الأذيال. وهذه اللفظة في اصطلاح العروضيين عبارة عن زيادة حرف ساكن على السبب الخفيف في آخر الجزء ، وعلى هذا لا تكون هذه التسمية لائقة بهذا المسمى فرأيت أن اسمي هذا الباب تشابه الاطراف لأنّ الأبيات فيه تتشابه أطرافها» (٩). وقال : «ولم أظفر من الكتاب العزيز في هذا الباب إلا بقوله : (اللهُ نُورُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ ، مَثَلُ نُورِهِ كَمِشْكاةٍ فِيها مِصْباحٌ ، الْمِصْباحُ فِي زُجاجَةٍ ، الزُّجاجَةُ كَأَنَّها كَوْكَبٌ دُرِّيٌ)(١٠) فالحظ تشابه أطراف هذه الجمل لتقدر هذا النظم قدره» (١١).

ومنه قول النابغة الذبياني :

لعمري وما عمري عليّ بهيّن

لقد نطقت بطلا عليّ الأقارع

أقارع عوف لا أحاول غيرها

وجوه قرود تبتغي من تخادع

وقول ليلى الأخيلية تمدح الحجاج :

إذا نزل الحجّاج أرضا مريضة

تتبّع أقصى دائها فشفاها

شفاها من الداء العضال الذي بها

غلام إذا هزّ القناة سقاها

__________________

(١) البقرة ١٩٤.

(٢) البقرة ١٤ ـ ١٥.

(٣) آل عمران ٥٤.

(٤) الرسالة العسجدية ص ١٢٧.

(٥) المصباح ص ٨٤.

(٦) نهاية الايجاز ص ١١١.

(٧) مفتاح العلوم ص ٢٠٠ ، الايضاح ص ٣٥٠ ، التلخيص ص ٣٥٨ ، شروح التلخيص ج ٤ ص ٣١٦ ، المطول ص ٤٠٣ ، الاطول ج ٢ ص ١٩٢ ، خزانة ص ٤٣٥ ، معترك ج ١ ص ٤١١ ، الاتقان ج ٢ ص ٩٤ ، شرح عقود الجمان ص ١١١ ، حلية اللب ص ١٤ ، أنوار الربيع ج ٦ ص ١٠١.

(٨) اللسان (سبغ).

(٩) تحرير التحبير ص ٥٢٠ ، بديع القرآن ص ٢٢٩.

(١٠) النور ٣٥.

(١١) بديع القرآن ص ٢٣٠.

٣١٠

سقاها فروّاها بشرب سجاله

دماء رجال يحلبون صراها

وقول أبي حية النميري :

رمتني وستر الله بيني وبينها

عشيّة آرام الكناس رميم

رميم التي قالت لجيران بيتها

ضمنت لكم ألّا يزال بهيم

وذكر الحموي والسيوطي والمدني مثل ذلك (١) ، ولكنّ تشابه الأطراف كما فسّره القزويني ليس كذلك فهو عنده من مراعاة النظير وذلك «أن يختم الكلام بما يناسب أوّله في المعنى» (٢).

التّسجيع :

سجع يسجع سجعا : استوى واستقام وأشبه بعضه بعضا ، والسجع الكلام المقفّى ، والجمع : أسجاع وأساجيع ، وكلام مسجّع. وسجع يسجع سجعا وسجّع تسجيعا : تكلم بكلام له فواصل كفواصل الشعر من غير وزن ، وصاحبه : سجّاعة وهو من الاستواء والاستقامة والاشتباه كأن كل كلمة تشبه صاحبتها. قال ابن جني : سمي سجعا لاشتباه أواخره وتناسب فواصله. وسجع الحمام : هدل على جهة واحدة ، وسجع الحمامة : موالاة صوتها على طريق واحد (٣) وربط الخليل السجع بالفواصل فقال : «سجع الرجل إذا نطق بكلام له فواصل كقوافي الشعر من غير وزن» (٤).

السجع هو الفن المعروف في الأدب العربي ، وقد سماه تسجيعا قدامة وابن الزملكاني والمصري وابن مالك والعلوي والمدني (٥) ، وألحقه ابن الاثير الحلبي بالتسميط (٦). وقال ابن الاثير الجزري : «وحدّه أن يقال : تواطؤ الفواصل في الكلام المنثور على حرف واحد» (٧) وهو ما قاله القزويني (٨) ، وهو معنى قول السكاكي : «الأسجاع وهي في النثر كما القوافي في الشعر» (٩).

والسجع من أوصاف البلاغة في موضعه وعند سماحة القول فيه وأن يكون في بعض الكلام لا كله ، فانّه في الكلام كمثل القافية في الشعر وإن كانت القافية غير مستغنى عنها في الشعر القديم والسجع مستغنى عنه. قال ابن وهب : «فاما أن يلزمه الانسان في جميع قوله ورسائله وخطبه ومناقلاته فذلك جهل من فاعله وعيّ من قائله» (١٠). وقال ابن جني : «ألا ترى أنّ المثل إذا كان مسجوعا لذّ لسامعه فحفظه ، فاذا هو حفظه كان جديرا باستعماله ، ولو لم يكن مسجوعا لم تأنس النفس به ولا أنقت لمستمعه ، واذا كان كذلك لم تحفظه ، وان لم تحفظه لم تطالب أنفسها باستعمال ما وضع له وجيء به من أجله» (١١).

وقد ذمه بعضهم لأنّ الرسول ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ ذمّ سجع الكهان حينما قال لبعضهم منكرا عليه وقد كلّمه بكلام مسجوع : «أسجعا كسجع الكهان؟». قال الجاحط : «وكان الذي كرّه الأسجاع بعينها وإن كانت دون الشعر في التكلف والصنعة أنّ كهّان العرب الذين كان أكثر الجاهلية يتحاكمون اليهم وكانوا يدّعون الكهانة وأنّ مع كل واحد منهم رئيا من الجن مثل حازي جهينة ، ومثل شق وسطيح

__________________

(١) خزانة ص ١٠٢ ، شرح عقود الجمان ص ١٤٩ ، أنوار الربيع ج ٣ ص ٤٥.

(٢) الايضاح ص ٣٤٤ ، التلخيص ص ٣٥٤.

(٣) اللسان (سجع).

(٤) العين ج ١ ص ٢١٤.

(٥) نقد الشعر ص ٦٠ ، التبيان ص ١٧٨ ، تحرير التحبير ص ٣٠٠ ، بديع القرآن ص ١٠٨ ، المصباح ص ٧٩ ، الطراز ج ٣ ص ١٨ ، أنوار الربيع ج ٦ ص ٢٤٩.

(٦) جوهر الكنز ص ٢٥٢.

(٧) المثل السائر ج ١ ص ١٩٣.

(٨) الايضاح ص ٣٩٣ ، التلخيص ص ٣٩٧.

(٩) مفتاح العلوم ص ٢٠٣.

(١٠) البرهان في وجوه البيان ص ٢٠٩.

(١١) الخصائص ج ١ ص ٢١٦.

٣١١

وعزّى سلمة وأشباههم. وكانوا يتكهنون ويحكمون بالأسجاع» (١) وعلل ذلك النهي بقوله : «فوقع النهي في ذلك الدهر لقرب عهدهم بالجاهلية ولبقيتها في صدور كثير منهم ، فلما زالت العلة زال التحريم. وقد كانت الخطباء تتكلم عند الخلفاء الراشدين فيكون في تلك الخطب أسجاع كثيرة فلا ينهونهم» (٢). وقال ابن وهب إنّ الرسول الكريم أنكر ذلك لأنّ المتكلم أتى به في بعض كلامه ومنطقه وكان ذلك على سجية الانسان وطبعه فهو غير منكر ولا مكروه بل أتى في الحديث الشريف (٣). ونطق به ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ في بعض كلامه حتى أنّه غيّر الكلمة عن وجهها اتباعا لها باخواتها في السجع فقال لابن ابنته : «أعيذه من الهامّة والسامّة وكل عين لامّة» ، وإنّما أراد «ملمة» لأنّ الأصل فيها من «ألمّ فهو ملمّ». ورأى ابن الاثير أنّ الرسول العظيم لم يذم السجع كله وانما ذمّ ما كان مثل سجع الكهان لا غير ، وقد ورد في القرآن الكريم.

وعلل ذم بعضهم للسجع بقوله : «وقد ذمه بعض أصحابنا من أرباب هذه الصناعة ، ولا أرى لذلك وجها سوى عجزهم أن يأتوا به ، وإلا فلو كان كان مذموما لما ورد في القرآن الكريم فانه قد أتى منه بالكثير حتى ليؤتى بالسورة جميعها مسجوعة كسورة الرحمن وسورة القمر وغيرهما. وبالجملة فلم تخل منه سورة من السور» (٤). وقال الكلاعي : «والذي عندي في هذا أنّ النثر والنظم أخوان فكما لا يقدح في النظم تكلف الوزن والقافية ، كذلك لا يقدح في النثر تكلف السجع» (٥).

وقسّم ابن الاثير التسجيع أو السجع الى ثلاثة أقسام :

الأول : أن يكون الفصلان متساويين لا يزيد أحدهما على الآخر ، كقوله تعالى : (فَأَمَّا الْيَتِيمَ فَلا تَقْهَرْ. وَأَمَّا السَّائِلَ فَلا تَنْهَرْ)(٦).

الثاني : أن يكون الفصل الثاني أطول من الأول كقوله تعالى : (بَلْ كَذَّبُوا بِالسَّاعَةِ وَأَعْتَدْنا لِمَنْ كَذَّبَ بِالسَّاعَةِ سَعِيراً. إِذا رَأَتْهُمْ مِنْ مَكانٍ بَعِيدٍ سَمِعُوا لَها تَغَيُّظاً وَزَفِيراً. وَإِذا أُلْقُوا مِنْها مَكاناً ضَيِّقاً مُقَرَّنِينَ دَعَوْا هُنالِكَ ثُبُوراً)(٧).

الثالث : أن يكون الفصل الآخر أقصر من الأول ، وهو عند ابن الاثير عيب فاحش ، وذلك أنّ السجع يكون قد استوفى أمده من الفصل الأول بحكم طوله ثم يجيء الفصل الثاني قصيرا عن الأول فيكون كالشيء المبتور فيبقى الانسان عند سماعه كمن يريد الانتهاء الى غاية فيعثر دونها.

ثم قسّمه على اختلاف أنواعه الى نوعين :

الأول : القصير ، وهو أن تكون كل واحدة من السجعتين مؤلفة من ألفاظ قليلة وكلّما قلّت الألفاظ كان أحسن لقرب الفواصل المسجوعة من سمع السامع. وهذا الضرب أوعر السجع مذهبا وأبعده متناولا ولا يكاد استعماله يجيء إلا نادرا.

الثاني : الطويل ، وهو ضد الأول لأنّه أسهل متناولا (٨).

وكل واحد من هذين الضربين تتفاوت درجاته في عده ألفاظ ، أما السجع القصير فأحسنه ما كان مؤلفا من لفظتين لفظتين كقوله تعالى : (وَالْمُرْسَلاتِ عُرْفاً. فَالْعاصِفاتِ عَصْفاً)(٩). ومنه ما يكون مؤلفا من ثلاثة ألفاظ وأربعة وخمسة ، وكذلك الى العشرة. وأمّا السجع الطويل فانّ درجاته تتفاوت أيضا في الطول فمنه ما يقرب من السجع القصير وهو أن يكون

__________________

(١) البيان ج ١ ص ٢٨٩.

(٢) البيان ج ١ ص ٢٩٠.

(٣) البرهان ص ٢٠٩.

(٤) المثل السائر ج ١ ص ١٩٣.

(٥) إحكام صنعة الكلام ص ٢٣٦.

(٦) الضحى ٩ ـ ١٠.

(٧) الفرقان ١١ ـ ١٣.

(٨) المثل السائر ج ١ ص ٢٣٨ ، الجامع الكبير ص ٢٥٣.

(٩) المرسلات ١ ـ ٢.

٣١٢

تأليفه من إحدى عشرة الى اثنتي عشرة لفظة واكثره خمس عشرة لفظة ، ومنه ما يكون تأليفه من العشرين لفظة أو ما يزيد على ذلك.

وأخذ العلوي بهذا التقسيم وتابع ابن الاثير في أنّ القصير أحسن وأوعر مسلكا من الطويل وأصعب مدركا وأخف على القلب وأطيب على السمع ؛ لأنّ الألفاظ اذا كانت قليلة فهي أحسن وأرق (١).

وأضاف القزويني قسما ثالثا وهو «السجع المتوسط» (٢) كقوله تعالى : (اقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ وَانْشَقَّ الْقَمَرُ. وَإِنْ يَرَوْا آيَةً يُعْرِضُوا وَيَقُولُوا سِحْرٌ مُسْتَمِرٌّ)(٣).

وقسمه المتأخرون الى عدة أقسام هي : الحالي والعاطل والمرصع والمشطر والمطرف والمتماثل والمتوازن والمتوازي (٤). ولكنّ تقسيم ابن الاثير اكثر وضوحا وأقرب الى روح الفن ، ولعل اهتمام المتأخرين بالتقسيم هو الذي دفعهم الى ذلك.

والأصل في السجع الاعتدال في مقاطع الكلام ، والاعتدال مطلوب في جميع الأشياء والنفس تميل اليه بالطبع. وشرط السجع الحسن أن يصفّى من الغثاثة وأن يكون اللفظ تابعا للمعنى ، وهو كما قال عبد القاهر : «لا تجد تجنيسا مقبولا ولا سجعا حسنا حتى يكون المعنى هو الذي طلبه واستدعاه وساق نحوه وحتى تجده لا تبتغي به بدلا ولا تجد عنه حولا» (٥). وقال ابن سنان : «والمذهب الصحيح أنّ السجع محمود إذا وقع سهلا متيسرا بلا كلفة ولا مشقة وبحيث يظهر أنه لم يقصد في نفسه ولا أحضره إلا صدق معناه دون موافقة لفظه. ولا يكون الكلام الذي قبله إنما يتخيل لأجله وورد ليصير وصلة اليه» (٦). وللسجع سرّ بيّنه ابن الأثير بقوله : «واعلم أنّ للسجع سرا هو خلاصته المطلوبة فان عرّي منه فلا يعتد به أصلا ، وهذا شيء لم ينبه عليه أحد غيري ...

والذي أقوله في ذلك هو أن تكون كل واحدة من السجعتين المزدوجتين مشتملة على معنى غير المعنى الذي اشتملت عليه أختها فان كان المعنى فيهما سواء فذاك هو التطويل بعينه لأنّ التطويل إنما هو الدلالة على المعنى بألفاظ يمكن الدلالة عليها بدونها ، واذا وردت سجعتان يدلان على معنى واحد كانت إحداهما كافية في الدلالة عليه. وجلّ كلام الناس المسجوع جار عليه» (٧). ووضع للكلام المسجوع أربع شرائط :

الأولى : اختيار مفردات الألفاظ على الوجه الصحيح ، وذلك أن تكون جيدة.

الثانية : اختيار التركيب الحسن.

الثالثة : أن يكون اللفظ في الكلام المسجوع تاليا للمعنى لا المعنى تابعا للفظ.

الرابعة : أن تكون كل واحدة من الفقرتين المسجوعتين دالة على معنى غير الذي دلّت عليه أختها.

وتسمى الكلمة التي تختم بها الآية الكريمة «فاصلة» لقوله تعالى : (كِتابٌ فُصِّلَتْ آياتُهُ)(٨) ومنع بعضهم أن يسمّى سجعا وذلك لأنّ أصل السجع من «سجع الطير» فشرف القرآن الكريم من أن يستعار لشيء فيه لفظ هو في أصل صوت الطائر ، ولأجل تشريف كتاب الله عن مشاركة غيره من الكلام في اسم السجع الواقع في كلام الناس ، ولأنّ الكتاب العزيز من صفات الله ـ عزوجل ـ فلا يجوز وصفه بصفة لم يرد الاذن بها وإن صّح المعنى.

__________________

(١) الطراز ج ٣ ص ٢٣.

(٢) الايضاح ص ٣٩٥.

(٣) القمر ١ ـ ٢.

(٤) معالم الكتابة ص ٦٩ ـ ٧٠ ، الفوائد ص ٢٢٦ ، خزانة الأدب ص ٤٢٣ ، نفحات ص ١٨٢ ، شرح الكافية ص ١٩٤.

(٥) أسرار البلاغة ص ١٠.

(٦) سر الفصاحة ص ٢٠١.

(٧) المثل السائر ج ١ ص ١٩٨.

(٨) فصلت ٣.

٣١٣

وفرّقوا بين الفاصلة والسجع وقالوا إنّ الفواصل تتبع المعاني ولا تكون مقصودة في نفسها ، والسجع يقصد لنفسه ثم يحيل المعنى اليه (١). ومن أشهر الذين نفوا السجع عن كتاب الله أبو بكر الباقلاني متابعا في ذلك أبا الحسن الأشعري ؛ لأنّ القرآن لو كان سجعا لكان غير خارج على أساليب العرب في كلامهم ولو كان داخلا فيها لم يقع بذلك إعجاز (٢).

ولعل ما كان من أمر السجع في عصره جعله يذهب هذا المذهب ويربط السجع باللفظ دون المعنى مع علمه بأنّ السجع كثير في كتاب الله ، وقد سمّاه بعض البلاغيين سجعا ، ولن يقلل من قيمته أن نسميه «فواصل» لأننا حينما ننظر في تصريفهم لها نجد أنّها حروف متشاكلة في المقاطع وهي تابعة للمعاني ويمكن أن نجعل السجع تابعا للمعاني أيضا كما فعل عبد القاهر وابن الاثير. وتقسيم الفواصل الى وجهين :

أحدهما : على الحروف المتجانسة كقوله تعالى : (طه ما أَنْزَلْنا عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لِتَشْقى. إِلَّا تَذْكِرَةً لِمَنْ يَخْشى)(٣).

وثانيهما : الحروف المتقاربة كالميم والنون في قوله تعالى : (الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ. مالِكِ يَوْمِ الدِّينِ)(٤) ـ لا يخرج السجع منها ، ولو قال الباقلاني إنّ الإعجاز لا يؤخذ من السجع كما لا يؤخذ من فنون البديع الأخرى لكان أولى ، وله الحق في ذلك ما دام يذهب الى أنّ كتاب الله الخالد معجز بنظمه وحسن تأليفه. يضاف الى ذلك أنّ معنى السجع في اللغة ليس تصويت الحمام فحسب بل الأساس فيه الاستقامة والاستواء والاشتباه بأنّ كل كلمة تشبه صاحبتها ، وليس بعد القرآن كتاب يشمل الاستقامة والاستواء بكل صورها ومعانيها.

ومهما يكن من أمر فان أكثر البلاغيين يسمون هذا الفن سجعا ، وهو فن أصيل عرف في الجاهلية وصدر الاسلام وشاع وانتشر في العصر العباسي أيما انتشار واسرف بعضهم فيه ، ولذلك نزّه الأشعرية كتاب الله من هذا الفن البديعي الذي أصبح من المحسنات اللفظية عند المتأخرين (٥) ، وسموا نهاية الآيات «فواصل» وهي تسمية دقيقة من أجل أن يكون هناك فرق بين سجع البشر وآيات الله العزيز.

التّسجيع الحالي :

قسّم ابن شيث القرشي السجع الى حال وعاطل ، وقال عن الحالي : هو «كل كلمتين جاءتا في الكلام المنثور على زنة واحدة تصلح أن تكون إحداهما قافية أمام صاحبتها كقولك «فلان لا تدرك في المجد غايته ولا تنسخ من الفضل آيته». ويكفي في ذلك كلام رسول الله ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ في تعويذ الحسن والحسين ـ عليهما‌السلام ـ : «أعيذكما من الهامة والسامّة وكل عين لامّة» ، وكذلك قوله : «يرجعن مأزورات غير مأجورات». وبمقدار ما تتوازن اللفظتان ويلزم فيهما من تكرار الحروف يكون التبريز في ذلك» (٦).

وقال الكلاعي : «وإنّما سمّينا هذا النوع الحالي لأنّه حلّي بحسن العبارة ولطف الاشارة وبدائع التمثيل والاستعارة ، وجاء من الأسجاع والفواصل ما لم يأت في باب العاطل» (٧).

التّسجيع العاطل :

قال ابن شيث القرشي : «وأما السجع العاطل فهو

__________________

(١) البرهان في علوم القرآن ج ١ ص ٥٤.

(٢) اعجاز القرآن ص ٨٦.

(٣) طه ١ ـ ٣.

(٤) الفاتحة ٣ ـ ٤.

(٥) الايضاح ص ٣٩٣ ، التلخيص ص ٤٠٤ ، شروح التلخيص ج ٣ ص ٤٤٥ ، المطول ص ٤٥٣ ، الأطول ج ٢ ص ٢٣٢ ، شرح عقود الجمان ص ١٥٠.

(٦) معالم الكتابة ص ٦٩.

(٧) احكام صنعة الكلام ص ٩٧.

٣١٤

أن تقابل اللفظة أختها ولا تجمع بينهما القافية ، وكثير من الكتاب البلغاء يقصده لخلوه من التكلف وجريانه على سجية الكلام دون التصنع ، وهو اذا كان من القادر حسن واذا كان من العاجز قصور. وهو كقوله : «قلّ أهل الدين والأمانة فالى من يسكن وعلى من يعوّل» فقال : «يعوّل» في قبالة «يسكن» فلو شاء قال «يظهر ويبطن» أو «فيما يسر ويعلن». فاذا كان الكاتب متمكنا من البلاغة عدّ ذلك منه تنزلا وطلبا للاختصار واعتناء بحصول المعنى الى المخاطب بالالفاظ النقية من غير التفات الى تصنيع السجع» (١).

وقال الكلاعي : «وإنّما سمّينا هذا النوع العاطل لقلة تحليته بالاسجاع والفواصل ، وهذا النوع هو الأصل ، والتجمل بكثرة السجع فرع طارىء عليه» (٢).

التّسجيع المتماثل :

قال السيوطي : «أن يتساويا في الوزن دون التقفية ويكون أفراد الأولى مقابلة لما في الثانية فهو بالنسبة الى المرصع كالمتوازن بالنسبة الى المتوازي» (٣). ومنه قوله تعالى : (وَآتَيْناهُمَا الْكِتابَ الْمُسْتَبِينَ. وَهَدَيْناهُمَا الصِّراطَ الْمُسْتَقِيمَ)(٤) فالكتاب والصراط متوازنان ، وكذلك «المستبين» و «المستقيم» واختلفا في الحرف الأخير.

التّسجيع المتوازن :

قال الرازي هو : «أن يتفقا في عدد الحروف ولا يتفقا في الحرف الأخير» (٥). وبمثل ذلك عرّفه السيوطي (٦). ومنه قوله تعالى : (وَنَمارِقُ مَصْفُوفَةٌ. وَزَرابِيُّ مَبْثُوثَةٌ)(٧). ثم قال الرازي «وهذا القسم خارج عن الحد المذكور» (٨). وهذا النوع سمّاه المتأخرون الموازنة وأدخلوه في المحسنات اللفظية ، قال القزويني : «وهي أن تكون الفاصلتان متساويتين في الوزن دون التقفية» (٩). وذكر الآيتين السابقتين.

التّسجيع المتوازي :

وهو أن تتفق اللفظة الأخيرة من القرينة مع نظيرتها في الوزن والرويّ (١٠). كقوله تعالى : (فِيها سُرُرٌ مَرْفُوعَةٌ. وَأَكْوابٌ مَوْضُوعَةٌ)(١١).

التّسجيع المرصّع :

وهو مقابلة كل لفظة بلفظة على وزنها ورويّها (١٢) ، كقوله تعالى : (إِنَّ الْأَبْرارَ لَفِي نَعِيمٍ. وَإِنَّ الْفُجَّارَ لَفِي جَحِيمٍ)(١٣) وسماه الحلبي والنويري «الترصيع» (١٤).

التّسجيع المشطّر :

وهو أن يكون لكل نصف من البيت قافيتان مغايرتان لقافيتي النصف الأخير (١٥) ، كقول أبي تمام :

__________________

(١) معالم الكتابة ص ٧٠.

(٢) أحكام صنعة الكلام ص ٩٦.

(٣) معترك ج ١ ص ٥٠.

(٤) الصافات ١١٧ ـ ١١٨.

(٥) نهاية الايجاز ص ٣٤ ، وينظر حدائق السحر ص ١٠٦ ، حسن التوسل ص ٢٠٩ ، نهاية الارب ج ٧ ص ١٠٥.

(٦) معترك الأقران ج ١ ص ٥٠.

(٧) الغاشية ١٥ ـ ١٦.

(٨) نهاية الايجاز ص ٣٤.

(٩) الايضاح ص ٣٩٨ ، التلخيص ص ٤٠٤.

(١٠) حدائق السحر ص ١٠٥ ، نهاية الايجاز ص ٣٤ ، حسن التوسل ص ٢٠٩ ، نهاية الارب ج ٧ ص ١٠٤ ، الفوائد ٢٢٦ ، معترك ج ١ ص ٥٠ ، الايضاح في شرح مقامات الحريري ص ١٣.

(١١) الغاشية ١٣ ـ ١٤.

(١٢) خزانة الأدب ص ٤٢٣ ، معترك ج ١ ص ٥٠.

(١٣) الانفطار ١٣ ـ ١٤.

(١٤) حسن التوسل ص ٢٠٧ ، نهاية الارب ج ٧ ص ١٠٤.

(١٥) خزانة الأدب ص ٣٤٢.

٣١٥

تدبير معتصم بالله منتقم

لله مرتغب في الله مرتقب

التّسجيع المطرّف :

وهو أن يأتي المتكلّم في أجزاء كلامه أو بعضها بأسجاع غير متّزنة بزنة عروضية ولا محصورة في عدد معيّن بشرط أن يكون رويّ الأسجاع رويّ القافية (١).

وسمّاه ابن قيم الجوزية «المتطرّف» وقال : «هو أن تتفق الكلمتان الاخيرتان في الحرف الأخير دون الوزن» (٢).

ومن هذا الضرب قوله تعالى : (ما لَكُمْ لا تَرْجُونَ لِلَّهِ وَقاراً. وَقَدْ خَلَقَكُمْ أَطْواراً)(٣).

التّسجيل :

السّجل : الدلو الضخمة المملوءة ماء ـ ، والسّجل : الصبّ ، يقال : سجلت الماء سجلا إذا صببته صبّا متصلا ، وأسجل الرجل : كثر خيره ، وسجّل أنعظ (٤). فالأسجال الاكثار.

قال العلوي : «هو تطويل الكلام والمبالغة فيما سيق من أجله من مدح أو ذم ، وهو نوع من الأطناب ، خلا أنّ الأطناب عام في كل مقصود من الكلام والتسجيل خاص في المبالغة في المدح أو الذم» (٥). والمثال فيه قوله ـ تعالى ـ في ذم عبادة الأوثان والأصنام وتهجين من عبد سواه فانه سجل عليهم غاية التسجيل ونعى اليهم أفعالهم وربخهم وسفّه حلومهم واستركّ عقولهم على جهة التسجيل والتنويه بما عملوا : (إِنَّ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللهِ لَنْ يَخْلُقُوا ذُباباً وَلَوِ اجْتَمَعُوا لَهُ وَإِنْ يَسْلُبْهُمُ الذُّبابُ شَيْئاً لا يَسْتَنْقِذُوهُ مِنْهُ ضَعُفَ الطَّالِبُ وَالْمَطْلُوبُ)(٦).

ومثاله في المدح قوله ـ تعالى ـ في صفة المؤمنين في صدر سورة البقرة حيث ذكرهم بالصفات المحمودة وأثنى عليهم بالمناقب المعهودة وبما شرح الله صدورهم بالايمان بالله تعالى وبرسوله وكتبه المنزلة وبما كان منهم من التصديق بما جاءت به من أحوال القيامة والحشر والنشر وغير ذلك.

التّسليم :

سلّمت اليه الشيء فتسلّمه أي أخذه ، والتسليم بذل الرضى بالحكم ، وأسلم أمره لله أي سلّم ، وأسلم أي دخل في السّلم وهو الاستسلام (٧).

والتسليم أقرب الى أسلوب البحث والمناظرة ، قال السبكي : «وهذا يدخل في المذهب الكلاميّ» (٨).

وهو من مبتكرات المصري الذي قال : «هو أن يفرض المتكلّم فرضا محالا إما منفيا أو مشروطا بحروف الامتناع ليكون ما ذكره ممتنع الوقوع لامتناع وقوع مشروطه ، ثم يسلّم بوقوع ذلك تسليما جدليّا ويدلّ على تقدير عدم الفائدة في وقوعه على تقدير وقوعه» (٩). كقوله تعالى : (مَا اتَّخَذَ اللهُ مِنْ وَلَدٍ وَما كانَ مَعَهُ مِنْ إِلهٍ إِذاً لَذَهَبَ كُلُّ إِلهٍ بِما خَلَقَ وَلَعَلا بَعْضُهُمْ عَلى بَعْضٍ)(١٠).

ومنه قول الطرمّاح :

لو كان يخفى على الرحمن خافية

من خلقه خفيت عنه بنو أسد

__________________

(١) حدائق السحر ص ١٠٦ ، نهاية الايجاز ص ٣٤ ، حسن التوسل ص ٢٠٩ ، نهاية الارب ج ٧ ص ١٠٤ ، معترك ج ١ ص ٤٩ ، شرح عقود الجمان ص ١٥١ ، الايضاح في شرح مقامات الحريري ص ١٣.

(٢) الفوائد ص ٢٢٦.

(٣) نوح ١٣ ـ ١٤.

(٤) اللسان (سجل).

(٥) الطراز ج ٣ ص ١٦٧.

(٦) الحج ٧٣.

(٧) اللسان (سلم).

(٨) عروس الافراح ج ٤ ص ٤٧٠.

(٩) تحرير التحبير ص ٥٨٧ ، بديع القرآن ص ٢٩٥.

(١٠) المؤمنون ٩١.

٣١٦

ونقل ذلك السيوطي والمدني (١).

التّسميط :

السّمط : الخيط ما دام فيه الخرز وإلا فهو سلك ، والسمط خيط النظم لأنّه يعلق ، والسمط : الخيط الواحد المنظوم. وسمط الشيء سمطا : علّقه ، وسمّطت الشيء : علقته على السموط تسميطا ، وسمّطت الشيء : لزمته (٢).

قال المدني : «التسميط مأخوذ من «السّمط» ـ بكسر السين المهملة وسكون الميم ـ وهو خيط النظم ، كأنّهم جعلوا القافية كالسمط ، والأجزاء المسجعة بمنزلة حبات العقد ، أو من السمط بمعنى القلادة كأنّهم جعلوا البيت بتفصيله بالأجزاء المسجعة كالقلادة المفصّلة بالجواهر المتناسبة ، وهو عبارة عن أن يجعل الشاعر البيت من قصيدة أو كل بيت منها أربعة أقسام ، ثلاثة منها على سجع واحد مع مراعاة القافية في الرابع» (٣).

وقال التبريزي : «التسميط اعتماد الشاعر تصيير مقاطع الأجزاء في البيت على سجع أو شبيه به أو من جنس واحد في التصريف والتمثيل. وسمّي تسميطا تشبيها بالمسمّط في نظمه» (٤). كقول امرىء القيس :

مكر مفر مقبل مدبر معا

كجلمود صخر حطّه السّيل من عل

فأتى باللفظتين الاوليين مسجوعتين في تصريف واحد وجاء التاليتين شبيهتين بهما في التعديل والتمثيل.

والمراد من هذا أن تكون الأجزاء متوالية أو أن تكون مسجوعة.

ونقل البغدادي هذا الكلام (٥) ، وقال المصري : «هو أن يعتمد الشاعر تصيير بعض مقاطع الأجزاء أو كلها في البيت على سجع يخالف قافية البيت» (٦). كقوله تعالى : (وَرَبُّكَ أَعْلَمُ بِمَنْ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ ، وَلَقَدْ فَضَّلْنا بَعْضَ النَّبِيِّينَ عَلى بَعْضٍ وَآتَيْنا داوُدَ زَبُوراً)(٧). ومنه قول مروان بن حفصة :

هم القوم إن قالوا أصابوا وإن دعوا

أجابوا وإن أعطوا أطابوا وأجزلوا

ويسمّى هذا «تسميط التبعيض» ، ومنه نوع آخر يسمّى «تسميط التقطيع» وهو «أن يسجع جميع أجزاء التفعيل على رويّ يخالف رويّ القافية» (٨) كقول المصري نفسه :

وأسمر مثمر بمزهر نضر

من مقمر مسفر عن منظر حسن

والفرق بين التسميط والتفويف تسجيع بعض أجزاء بيت التسميط وخلوّ كل أجزاء بيت التفويف من السجع (٩). والفرق بينه وبين التسجيع كون أجزاء التسجيع على روي قافية وليس كذلك التسميط (١٠).

وتحدث المظفر العلوي عن التضمين وقال : «ويسمّى التسميط والتوشيح ، وهذا في أشعار العرب قليل جدا وقد استعمل المحدثون من ذلك ما لا يأتي عليه الاحصاء كثرة وعدّا واليسير منه دليل على الكثير.

قال الأخطل :

__________________

(١) معترك ج ١ ص ٤٦٢ ، عقود الجمان ص ١٣٢ ، انوار الربيع ج ٢ ص ٢١٤ ، نفحات ص ١٢١ ، شرح الكافية ص ٩٢.

(٢) سمط (اللسان).

(٣) أنوار الربيع ج ٦ ص ١٩٠ ، وينظر الايضاح في شرح مقامات الحريري ص ١٧.

(٤) الوافي ص ٢٩٢.

(٥) قانون البلاغة ص ٤٥٦.

(٦) تحرير التحبير ص ٢٩٥ ، بديع القرآن ص ١٠١.

(٧) الاسراء ٥٥.

(٨) تحرير ص ٢٩٥.

(٩) تحرير ص ٢٩٥.

(١٠) تحرير ص ٣٠٠.

٣١٧

ولقد سما للخرميّ فلم يقل

بعد الونى لكن تضايق مقدمي (١)

ضمّن قول عنترة :

إذ يتّقون بي الأسنة لم أخم

عنها ولكنّي تضايق مقدمي (٢)

وليس هذا هو التسميط عند الآخرين بل هو التضمين الذي عرّفه ابن رشيق بقوله : «هو قصدك الى البيت من الشعر أو القسيم فتأتي به في آخر شعرك أو في وسطه كالتمثل» (٣).

وقسّمه ابن مالك كالمصري الى تسميط تبغيض وتسميط التقطيع وذكر أمثلته (٤).

وقال الحلبي والنويري : «هو أن يجعل المتكلم مقاطيع أجزاء البيت أو القرينة على سجع يخالف قافية البيت أو آخر القرينة» (٥). ومثلا له ببيت مروان : «هم القوم ...» وقال : «فان أجزاء البيت مسجعة على خلاف قافيته فتكون القافية بمنزلة السمط والأجزاء المسجعة بمنزلة حبّ العقد». وهذا هو تسميط التبغيض عند المصري وابن مالك.

ونقل ابن الاثير الحلبي تعريف المصري وبيت مروان (٦) ، وأوضح العلوي الفرق بينه وبين التسجيع بقوله : «اعلم أنّ من الناس من يعدّ هذا النوع من أنواع التسجيع والحق ما قاله الخليل بن احمد ـ رحمه‌الله تعالى ـ انّه مخالف لأنواع السجع ، وهو أن يؤتى بالبيت من الشعر على أربعة مقاطع فثلاثة منها على سجع واحد مع مراعاة القافية في الرابعة الى أن تنقضي القصيدة على هذه الصفة. واشتقاقه من قولهم :

عقد مسمّط إذا روعي فيه هذه الحال» (٧). ومن أمثلته قول جنوب الهذلية :

وحرب وردت وثغر سددت

وعلج شددت عليه الحبالا

ومال حويت وخيل حميت

وضيف قريت يخاف الوكالا

وقال ابن قيم الجوزية إنّه على قسمين (٨).

الأول : أن يكون في صدر الكلام أو الرسالة أو البيت أبيات مشطورة أو منهوكة مقفاة ثم يجمعها قافية مخالفة لازمة للقصيدة حتى تنقضي أو رسالة حتى تنتهي فتصير كالسمط الذي احتوى على جواهر متشاكلة. ومنه قوله تعالى : (إِذَا الشَّمْسُ كُوِّرَتْ. وَإِذَا النُّجُومُ انْكَدَرَتْ)(٩) الى قوله : (عَلِمَتْ نَفْسٌ ما أَحْضَرَتْ) (التكوير ١٤). وقوله : (فَلا أُقْسِمُ بِالْخُنَّسِ الْجَوارِ الْكُنَّسِ. وَاللَّيْلِ إِذا عَسْعَسَ. وَالصُّبْحِ إِذا تَنَفَّسَ)(١٠). وقوله : (الرَّحْمنُ. عَلَّمَ الْقُرْآنَ خَلَقَ الْإِنْسانَ. عَلَّمَهُ الْبَيانَ. الشَّمْسُ وَالْقَمَرُ بِحُسْبانٍ. وَالنَّجْمُ وَالشَّجَرُ يَسْجُدانِ)(١١).

وقول امرئ القيس :

ومستلئم كشّفت بالرمح ذيله

أقمت بعضب ذي شقاشق ميله

فجعت به في ملتقى الحرب خيله

تركت عتاق الطير يحجلن حوله

كأنّ على سرباله نضح جريال

الثاني : أن يصير كل بيت أربعة أقسام كقول

__________________

(١) لم يرد البيت في ديوان الأخطل. الونى : التعب والفتور.

(٢) نضرة الاغريض ص ١٩٠. يتقون بي الأسنة :

يجعلونها بينهم وبينها. لم أخم : لم أنكل ولم أضعف.

(٣) العمدة ج ٢ ص ٨٤.

(٤) المصباح ص ٧٩.

(٥) حسن التوسل ص ٢٧٢ ، نهاية الارب ج ٧ ص ١٤٧.

(٦) جوهر الكنز ص ٢٥٢.

(٧) الطراز ج ٣ ص ٩٧.

(٨) الفوائد ص ٢٣٠.

(٩) التكوير ١ ـ ٢.

(١٠) التكوير ١٥ ـ ١٨.

(١١) الرحمن ١ ـ ٦.

٣١٨

جنوب الهذلية : «وحرب وردت ...» وكقول الحريري :

خلّ ادّكار الأربع

والمعهد المرتبع

والظاعن المودع

وعدّ عنه ودع

واندب زمانا سلفا

سوّدت فيه الصّحفا

ولم تزل معتكفا

على القبيح الشّنيع

وعاد السبكي والحموي والسيوطي بهذا الفن الى قول السابقين ولا سيما كلام المصري وابن مالك (١).

وأخذ المدني بتعريف ابن قيم الجوزية للقسم الثاني حينما قال : «وهو عبارة عن أن يجعل الشاعر البيت من قصيدة أو كلّ بيت منها أربعة أقسام ثلاثة منها على سجع واحد مع مراعاة القافية في الرابع» (٢) ، وذكر أبيات جنوب الهذلية وامرىء القيس والحريري وغيرها وفرّق بينه وبين التسجيع. وهذا هو تسميط التبعيض عند المصري وابن مالك. وأشار الى القسم الآخر أي تسميط التقطيع ونقل تعريف المصري وبيت شعره ثم قال : «ومنهم من يسّمي هذا النوع الموازنة ، وعدّه نوعا مستقلا» (٣).

التّسهيل :

السهولة : كل شيء الى اللين وقلة الخشونة ، وقد سهل سهولة وسهّله : صيّره سهلا. وفي الدعاء : «سهّل الله عليك الأمر ولك» أي : حمل مؤونته عنك وخفّف عليك ، والتسهيل : التيسير (٤).

قال المدني : «التسهيل أدخلها بعضهم في نوع الانسجام ، وذكرها التيفاشي مضافة الى باب الظرافة وسمّاها قوم التظريف ، وذكرها ابن سنان الخفاجي في كتاب «سر الفصاحة» وقال في مجمل كلامه : «هي خلو اللفظ من التكلّف والتعقيد والتعسف في السبك ، لا كما قال بعضهم :

وقبر حرب بمكان قفر

وليس قرب قبر حرب قبر

وهذا من أعقد الكلام وأشده تنافرا» (٥).

وعقد ابن منقذ بابا باسم «الظرافة والسهولة» (٦) ، وفعل مثله الحموي الذي قال : «السهولة ذكرها التيفاشي مضافة الى باب الظرافة وشركها قوم بالانسجام ، وذكرها ابن سنان الخفاجي في كتابه «سر الفصاحة» فقال في مجمل كلامه : «هو خلوص اللفظ من التكلف والتعقيد والتعسف في السبك».

وقال التيفاشي : السهولة أن يأتي الشاعر بألفاظ سهلة تتميز على ما سواها عند من له أدنى ذوق من أهل الأدب ، وهي تدلّ على رقة الحاشية وحسن الطبع وسلامة الرويّة» (٧). ومنه قول الشاعر.

ألست وعدتني يا قلب أنّي

إذا ما تبت عن ليلى تتوب

فها أنا تائب عن حبّ ليلى

فمالك كلما ذكرت تذوب؟

وقول أبي العتاهية :

أتته الخلافة منقادة

اليه تجرّر أذيالها

فلم تك تصلح إلا له

ولم يك يصلح إلا لها

__________________

(١) عروس الافراح ج ٤ ص ٤٦٨ ، خزانة الادب ص ٤٣٤ ، شرح عقود الجمان ص ١٥٢.

(٢) أنوار الربيع ج ٦ ص ١٩٠.

(٣) أنوار الربيع ج ٦ ص ١٩٩ ، نفحات ص ١٣١ ، شرح الكافية ص ١٩٦.

(٤) اللسان (سهل).

(٥) أنوار الربيع ج ٦ ص ٢٧٠ ويتضح من عبارته انه يريد (السهولة).

(٦) البديع في نقد الشعر ص ١٣٤.

(٧) خزانة الأدب ص ٤٥٤.

٣١٩

ثم قال الحموي : «ومذهبي أنّ البهاء زهير قائد عنان هذا النوع وفارس ميدانه».

وسمّى المدني هذا النوع «التسهيل» وذكر كلام الحموي» (١) ، ومعنى ذلك أنّ التسهيل عنده السهولة التي ذكرها السابقون.

التّسهيم :

المسهّم : البرد المخطّط ، وبرد مسهّم مخطّط بصور على شكل السهام (٢).

وقال المدني : «التسهيم مأخوذ من البرد المسهّم أي المخطط ، وهو الذي يدل أحد سهامه على الذي يليه لكون لونه يقتضي أن يليه لون فحصوص بمجاورة الذي قبله أو بعده منه» (٣).

والتسهيم الإرصاد وقد تقدم ، وسمّاه قدامة والعسكري «التوشيح» (٤) ، ويقال إنّ الذي سماه تسهيما علي بن هارون وسماه ابن وكيع «المطمع» (٥).

وفرّق صفي الدين الحلي بينه وبين التوشيح وقال : «ومن المؤلفين من سماه التوشيح ، والتوشيح غيره ، والفرق بينهما من ثلاثة أوجه :

أحدها : أنّ التسهيم يعرف به من أول الكلام آخره ، ويعلم مقطعه من حشوه من غير أن تتقدم سجعة النثر أو قافية الشعر ، والتوشيح لا يعلم السجعة والقافية منه إلا بعد تقدم معرفتها.

والآخر : أنّ التوشيح لا يدلّك أولّه إلا على القافية فحسب ، والتسهيم يدلك تارة على عجز البيت وطورا على ما دون العجز بشرط الزيادة على القافية.

والثالث : أنّ التسهيم يدلّ تارة أوله على آخره وطورا آخره على أوله بخلاف التوشيح» (٦).

وكان المظفّر العلوي قد تكلّم على التسهيم كلاما يختلف عن كلام البلاغيين الآخرين ، قال : «سئل جماعة ممن يتعاطى علم البديع ونقد الشعر الصنيع عن التسهيم فما منهم من أجاب بجواب التفهيم ولم يحصل من إشاراتهم اليه ونصوصهم عليه سوى أنّ المسهّم هو الذي يسبق السامع الى قوافيه قبل أن ينتهي اليها راوية. قلت : ليس هذا اللقب دالا على هذا المعنى فإن كان الملقب قصد الاغراب به فقد أبعد المرمى وزلّ عن النهج الأقوم. وإنّما التسهيم التخطيط والبرد المسهّم : المخطط. وكان الأجدر أن يقال : إنّ التسهيم في الشعر هو التحسين له والتنقيح لألفاظه ومعانيه بالبرد المحسّن بالتسهيم حتى يكون هذا النوع من الشعر معناه الى قلبك أسرع من ألفاظه الى سمعك. ولو سمّي المطمع أي من سمعه يطمع في قول مثله وهو من ذاك بعيد لجاز» (٧). ولكنه بعد ذلك فسّره كما فسّره الآخرون.

التّسويم :

السومة والسيمة والسيماء والسيمياء : العلامة ، وسوّم الفرس جعل عليه السيمة ، والمسوّمة :

__________________

(١) أنوار الربيع ج ٦ ص ٢٧٠.

(٢) اللسان (سهم).

(٣) أنوار الربيع ج ٤ ص ٣٣٦.

(٤) نقد الشعر ص ١٩١ ، كتاب الصناعتين ص ٣٨٢.

(٥) ينظر حلية المحاضرة ج ١ ص ١٥٢ ، العمدة ج ٢ ص ٣١ ، الوافي ص ٢٧١ ، قانون البلاغة ص ٤٤٣ ، البديع في نقد الشعر ص ١٢٧ ، الرسالة العسجدية ص ١٥٢ ، التبيان ص ١٨٣ ، منهاج البلغاء ص ٩٤ ، المصباح ص ٨٩ ، حسن التوسل ص ٢٦٦ ، نهاية الارب ج ٧ ص ١٤٢ ، جوهر الكنز ص ٢٨٤ ، الفوائد ص ٧٥ ، شروح التلخيص ج ٤ ص ٣٠٥ ، المطول ص ٤٢٢ ، خزانة الأدب ص ٣٧٤ ، الأطول ج ٢ ص ١٩٠ ، أنوار الربيع ج ٤ ص ٣٣٦ ، حلية اللب ص ١٣٤.

والمنزع البديع ص ٣٥٩ ، نفحات ص ١٣٥ ، كفاية ص ١٨٠ ، شرح الكافية ص ٢٦٨.

(٦) أنوار الربيع ج ٤ ص ٣٣٦.

(٧) نضرة الاغريض ص ١١٦.

٣٢٠