معجم المصطلحات البلاغيّة وتطوّرها

الدكتور أحمد مطلوب

معجم المصطلحات البلاغيّة وتطوّرها

المؤلف:

الدكتور أحمد مطلوب


الموضوع : اللغة والبلاغة
الناشر: مكتبة لبنان ناشرون
الطبعة: ٠
الصفحات: ٧٠٥

وسمّى ابن قيم الجوزية التجريد المحض «خطاب الغير» وقال : «الأول خطاب الغير والمراد به المتكلم وهو أولى باسم التجريد» وسمّى غير المحض «خطاب المتكلم لنفسه» (١). وقال الزركشي : «هو أن تعتقد أنّ في الشيء من نفسه معنى آخر كأنه مباين له فتخرج ذلك الى ألفاظه بما اعتقدت ذلك» (٢).

ونقل الحموي (٣) تعريف القزويني ولم يفصّل القول فيه وإنما اكتفى بمثال واحد : «مررت بالرجل الكريم والنسمة المباركة» فجردت من الرجل نسمة متصفة بالبركة وعطفتها عليه كأنها غيره وهي هو. وبيت واحد هو :

أعانق غصن البان من لين قدّها

وأجني جنيّ الورد من وجناتها

فانه جرّد من قدّها غصنا ومن وجنتيها وردا.

وذكر السيوطي في «معترك الاقران» مثال الحموي النثري وبعض الآيات بعد أن عرّفه تعريفا لا يخرج على ما قاله السابقون (٤). ولكنه أعاد الحديث عنه في «شرح عقود الجمان» وقسّمه الى قسمين : الأول : أن ينتزع من أمر ذي صفة آخر مثله مبالغة.

الثاني : أن تجرد نفسك فتخاطبها كأنّها غيرك (٥).

وقال المدني بعد أن ذكر معنى التجريد في اللغة : «وفي الاصطلاح أن ينتزع من أمر متصف بصفة أمر آخر مثله في تلك الصفة مبالغة لكمالها فيه حتى كأنه بلغ من الاتصاف بها مبلغا يصحّ أن ينتزع منه أمر آخر موصوف بتلك الصفة» (٦).

وأوضح أقسامه وهي :

الأول : أن يكون بـ «من» التجريدية الداخلة على المنتزع منه. مثل : «لي من فلان صديق حميم» أي قد بلغ من الصداقة مبلغا صحّ معه أن يستخلص منه صديق آخر مثله فيها. ومنه قول الشاعر :

وبي ظبية أدماء ناعمة الصّبا

تحار الظباء الغيد من لفتاتها

أعانق غصن البان من لين قدّها

وأجني جنيّ الورد من وجناتها

وقول أبي العلاء :

ماجت نمير فهاجت منك ذا لبد

والليث أفتك أفعالا من النّمر

الثاني : أن يكون بالباء التجريدية الداخلة على المنتزع منه. مثل : «لئن سألت فلانا لتسألن به البحر» بالغ في اتصافه بالسماحة حتى انتزع منه بحرا في السماحة.

ومنه قول الشاعر :

دعوت كليبا دعوة فكأنّما

دعوت بها ابن الطّود أو هو أسرع

جرّد من كليب شيئا يسمى ابن الطود وهو الصدى ، والحجر إذا تدهده ، يريد به سرعة استجابته.

الثالث : أن يكون بدخول باء المعية والمصاحبة في المنتزع كقوله :

وشوهاء تعدو بي الى صارخ الوغى

بمستلئم مثل الفنيق المرحّل

الرابع : أن يكون بدخول «في» على المنتزع منه كقوله تعالى : (لَهُمْ فِيها دارُ الْخُلْدِ)(٧) أي : في جهنم وهي دار الخلد ، لكنه انتزع منها دارا أخرى وجعلها معدة في جهنم لأجل الكفار تهويلا لأمرها ومبالغة في اتصافها بالشدة.

__________________

(١) الفوائد ص ١٦٧.

(٢) البرهان في علوم القرآن ج ٣ ص ٤٤٨.

(٣) خزانة الأدب ص ٤٣٦.

(٤) معترك ج ١ ص ٣٩٦ ، وينظر الاتقان ج ٢ ص ٩٠ ، حلية اللب ص ١٣٩.

(٥) شرح عقود الجمان ص ١٢١ وينظر الروض المريع ص ٩٦ ، نفحات ص ٣١٨ ، التبيان في البيان ص ٢٣٥ ، شرح الكافية ص ٢٠٧.

(٦) أنوار الربيع ج ٢ ص ١٥٣.

(٧) فصلت ٢٨.

٢٦١

الخامس : أن يكون بلا توسط حرف كقول قتادة بن مسلمة الحنفي :

فلئن بقيت لأرحلنّ بغزوة

تحوي الغنائم أو يموت كريم

يعني بالكريم نفسه فكأنه انتزع من نفسه كريما مبالغة في كلامه ، ولذلك لم يقل : «أو أموت».

السادس : أن يكون بطريق الكناية كقول الأعشى :

يا خير من يركب المطيّ ولا

يشرب إلا بكفّ من بخلا

أي يشرب الكأس بكف جواد ، فقد انتزع من الممدوح جوادا يشرب هو الكأس بكفه على طريق الكناية لأنّه إذا نفى عنه الشرب بكف البخيل فقد أثبت له الشرب بكف كريم ، ومعلوم أنّه يشرب بكفه فهو ذلك الكريم.

السابع : أن يكون بطريق خطاب المرء لنفسه كقول المتنبي :

لا خيل عندك تهديها ولا مال

فليسعد النطق إن لم تسعف الحال

كأنه انتزع من نفسه شخصا آخر مثله في فقد الخيل والمال والحال الذي هو الغنى.

وهذه الأقسام التي ذكرها المدني جمعت ما قاله السابقون.

التّجزئة :

الجزء : البعض ، وجزأ الشيء جزء وجزّأه : جعله أجزاء ، وكذلك التجزئة وجزّأ المال بينهم ـ مشدد لا غير ـ قسّمه ، وأجزأ منه جزء أخذه (١).

قال ابن منقذ : التجزئة هو أن يكون البيت مجزأ ثلاثة أجزاء أو أربعة» (٢) كقول المتنبي :

فنحن في جذل والروم في جزل

والبحر في خجل والبر في شغل

وقال المصري : «وهو أنّ الشعر ـ يجزىء البيت من الشعر جميعه أجزاء عروضية ويسجعها كلها على رويين مختلفين جزء بجزء الى آخر البيت ، الأول من الجزأين على رويّ مخالف لرويّ البيت ، والثاني على رويّ البيت» (٣) كقول الشاعر :

هندية لحظاتها

خطية خطراتها

داريّة نفحاتها (٤)

ومثال الثاني الذي سجع كل ثان من أجزائه زائدا على قافيته قول أبي تمام :

تجلّى به رشدي وأثرت به يدي

وطاب به ثمدي وأورى به زندي (٥)

وفرّق بينه وبين التسميط من وجهين :

الأول : تقسيم بيتها الى ثلاثة أجزاء مسجعة إن كان سداسيا أو أربعة مسجعة إن كان ثمانيا.

الثاني : التزام السجع في الأجزاء على قافية البيت.

وفرّق بينه وبين التسجيع فقال : «وبينه وبين التجزئة اختلاف زنة أجزائه ومجيئها على غير عدد محصور معين» (٦).

وقال ابن مالك : «التجزئة أن تأتي مقاطع أجزاء البيت على سجعين متداخلين وأولهما مخالف للروي والثاني على وفقه» (٧).

وسمّاه ابن قيم الجوزية : «التجزيء» : وقال : «هو أن يكون الكلام مجزء ثلاثة أجزاء أو أربعة

__________________

(١) اللسان (جزأ).

(٢) البديع في نقد الشعر ص ٦٣.

(٣) تحرير التحبير ص ٢٩٩.

(٤) الهندية : السيوف. الخطية : الرماح. دارية : نسبة الى دارين أي أن لحاظها كالسيوف فتكا والرماح اعتدالا وكالمسك طيبا.

(٥) الثمد : الماء القليل.

(٦) تحرير ص ٣٠٠.

(٧) المصباح ص ٧٩.

٢٦٢

أجزاء» (١) كقوله تعالى : (إِنَّا أَعْطَيْناكَ الْكَوْثَرَ فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ. إِنَّ شانِئَكَ هُوَ الْأَبْتَرُ)(٢) ، وهذا مثال الأجزاء الثلاثة أما مثال الأربعة فكقوله تعالى حكاية عن ابراهيم ـ عليه‌السلام ـ يعظ أباه بقوله : (يا أَبَتِ لِمَ تَعْبُدُ ما لا يَسْمَعُ وَلا يُبْصِرُ وَلا يُغْنِي عَنْكَ شَيْئاً. يا أَبَتِ إِنِّي قَدْ جاءَنِي مِنَ الْعِلْمِ ما لَمْ يَأْتِكَ فَاتَّبِعْنِي أَهْدِكَ صِراطاً سَوِيًّا. يا أَبَتِ لا تَعْبُدِ الشَّيْطانَ إِنَّ الشَّيْطانَ كانَ لِلرَّحْمنِ عَصِيًّا. يا أَبَتِ إِنِّي أَخافُ أَنْ يَمَسَّكَ عَذابٌ مِنَ الرَّحْمنِ فَتَكُونَ لِلشَّيْطانِ وَلِيًّا)(٣).

ولا يخرج كلام الحموي والسيوطي والمدني على هذا التحديد وهذه الأمثلة (٤).

التّجزيء :

هو التجزئة ، وهذه تسمية ابن قيم الجوزية (٥). وقد تقدم.

التّجميع :

جمع الشيء عن تفرقة يجمعه جمعا وجمّعه وأجمعه فاجتمع ، وكذلك تجمّع واستجمع.

وجمعت الشيء إذا جئت به من ههنا وههنا (٦).

ذكر قدامة التجميع في عيوب القوافي وقال : «هو أن تكون القافية المصراع الاول من البيت الاول على روي متهّيء لأن تكون قافية آخر البيت فتأتي بخلافه» (٧) كقول عمرو بن شأس :

تذكّرت ليلى لات حين ادّكارها

وقد حني الاصلاب ضلا بتضلال

وعدّه العسكري من عيوب الازدواج وقال عنه : «هو أن تكون فاصلة الجزء الأول بعيدة المشاكلة لفاصلة الجزء الثاني» (٨). مثل ذلك أنّ سعيد بن حميد كتب : «وصل كتابك فوصل به ما يستعبد الحر وإن كان قديم العبودية ويستغرق الشكر وإن كان سالف ودك لم يبق منه شيئا». فالعبودية بعيدة منه. وذكر العسكري وابن سنان (٩) أنّ قدامة مثّل للتجميع بقول سعيد هذا ، وليس في «نقد الشعر» هذا المثال.

وقال ابن رشيق إنّ من ابتداء القصائد التجميع وهو «أن يكون القسم الأول متهيئا للتصريع بقافية ما فيأتي تمام البيت بقافية من خلالها» (١٠). كقول جميل بثينة :

يا بثن إنّك قد ملكت فاسجحي

وخذي بحظك من كريم واصل

فتهيأت القافية على الحاء ثم صرفها الى اللام. ثم قال ابن رشيق : «وهو كالاكفاء والسناد (١١) في القوافي إلا أنّه دونهما في الكراهية جدا واذا لم يصرع الشاعر قصيدته كان كالمتسوّر الداخل من غير باب».

وقال ابن سنان إنّ قدامة سمّى «ترك المناسبة في مقاطع الفصول التجميع» (١٢) ثم قال : «ومن عيوب القوافي أن تكون قافية المصراع الأول من البيت الأول على روي ينبىء أن تكون قافية آخر البيت بحسبه فيأتي بخلافه» (١٣).

__________________

(١) الفوائد ص ٢٣١.

(٢) الكوثر ١ ـ ٣.

(٣) مريم ٤٢ ـ ٤٥.

(٤) خزانة الأدب ص ٤٣٥ ، شرح عقود الجمان ص ١٥٣ ، أنوار الربيع ج ٦ ص ٢٠١ ، نفحات ص ٦٥ ، شرح الكافية ص ١٩٣.

(٥) الفوائد ص ٢٣١.

(٦) اللسان (جمع).

(٧) نقد الشعر ص ٢٠٩.

(٨) كتاب الصناعتين ٢٦٤.

(٩) كتاب الصناعتين ص ٢٦٤ ، سر الفصاحة ص ٢٠٩.

(١٠) العمدة ج ١ ص ١٧٧.

(١١) الاكفاء : اختلاف حرف الروي في قصيدة واحدة.

(١٢) سر الفصاحة ص ٢٠٩.

(١٣) سر الفصاحة ص ٢٢٠.

٢٦٣

وقال البغدادي إنّ التجميع من عيوب الألفاظ ومثّل له بقول سعيد بن حميد (١). وقال القرطاجني : «ويكره أن يكون مقطع المصراع الأول على صيغة يوهم وضعها أنّها مصراع ثم تأتي القافية على خلاف ذلك فيخلف ظن النفس في القافية لذلك ، وقد سمّي هذا تجميعا» (٢).

التّجنيس :

الجنس : الضرب من كل شيء ، وهو من الناس ومن الطير ومن حدود النحو والعروض ومن الأشياء جملة. ومنه المجانسة والتجنيس ، ويقال : هذا يجانس هذا أي يشاكله وفلان يجانس البهائم ولا يجانس الناس إذا لم يكن له تمييز ولا عقل (٣).

وقال الحموي : «وأما اشتقاق الجناس فمنهم من يقول التجنيس هو تفعيل من الجنس ومنهم من يقول المجانسة المفاعلة من الجنس أيضا إلا أنّ إحدى الكلمتين إذا تشابهت بالأخرى وقع بينهما مفاعلة الجنسية والجناس مصدر جانس ، ومنهم من يقول التجانس التفاعل من الجنس أيضا لأنه مصدر تجانس الشيئان إذا دخلا في جنس واحد. ولما انقسم أقساما كثيرة وتنوع أنوعا عديدة تنزل منزلة الجنس الذي يصدق على كل واحد من أنواعه فهو حينئذ جنس» (٤).

وقال المدني : «الجناس والتجنيس والمجانسة والتجانس كلها ألفاظ مشتقة من الجنس ، فالجناس مصدر جانس والتجنيس تفعيل من الجنس والمجانسة مفاعلة منه ؛ لأنّ إحدى الكلمتين إذا شابهت الأخرى وقع بينهما مفاعلة الجنسية ، والتجانس مصدر تجانس الشيئان إذا دخلا تحت جنس واحد» (٥).

فالتجنيس هو التجانس والجناس والمجانسة وكلها مشتقة من الجنس ، وقد قال ابن الاثير الحلبي : «فأما لفظة الجناس فيقال إنّ العرب لم تتكلم بها وانما علماء اللغة قاسوها على نظائرها وجعلوا الجناس حال كلمة بالنسبة الى أختها وكذلك المجانسة. وأما التجنيس فانه فعل المجنس مثل التصنيف فعل المصنف. وأما التجانس فهو الكلمات في نفسها من التشابه» (٦).

وقال العلوي : «وهو تفعيل من التجانس وهو التماثل وانما سمي هذا النوع جناسا لأن التجنيس الكامل أن تكون اللفظة تصلح لمعنيين مختلفين ، فالمعنى الذي تدل عليه هذه اللفظة هي بعينها تدل على المعنى الآخر من غير مخالفة بينهما ، فلما كانت اللفظة الواحدة صالحة لهما جميعا كان جناسا ، وهو من ألطف مجاري الكلام ومحاسن مداخله وهو من الكلام كالغرة في وجه الفرس. فالجنس في اللغة هو الضرب من الشيء وهو أعم من النوع والمجانسة المماثلة. وسمّي هذا النوع جناسا لما فيه من المماثلة اللفظية. وزعم ابن دريد أنّ الاصمعي يدفع قول العامة : «هذا مجانس» لهذا ، ويقول إنه مولّد» (٧).

وللأصمعي كتاب سماه «الأجناس» ولأبي عبيد الله القاسم بن سلّام «كتاب الاجناس من كلام العرب وما اشتبه في اللفظ واختلف في المعنى» (٨) وقد أشار سيبويه الى فن التجنيس وسماه «اتفاق اللفظين والمعنى مختلف» (٩). وذكر المبرد مثل ذلك (١٠) وله كتاب «ما اتفق لفظه واختلف معناه من القرآن

__________________

(١) قانون البلاغة ص ٤١٠.

(٢) منهاج البلغاء ص ٢٨٣.

(٣) اللسان (جنس).

(٤) خزانة الأدب ص ٢٢.

(٥) أنوار الربيع ج ١ ص ٩٧.

(٦) جوهر الكنز ص ٩١.

(٧) الطراز ج ٢ ص ٣٥٥ ، وينظر اللسان (جنس).

(٨) فهرست ابن النديم ص ٦١ ، وينظر كتاب الصناعتين ص ٣٢١.

(٩) الكتاب ج ١ ص ٢٤.

(١٠) المقتضب ج ١ ص ٤٦.

٢٦٤

المجيد» (١). وسماه ثعلب «المطابق» وقال : «هو تكرر اللفظة بمعنيين مختلفين» (٢).

والتجنيس ثاني فن من بديع ابن المعتز وهو «أن تجيء الكلمة تجانس أخرى في بيت شعر وكلام.

ومجانستها لها أن تشبهها في تأليف حروفها على السبيل الذي ألف الاصمعي كتاب الاجناس عليها.

وقال الخليل : «الجنس لكل ضرب من الناس والطير والعروض ونحوه فمنه ما تكون الكلمة تجانس أخرى في تأليف حروفها ومعناها ويشتق منها مثل قول الشاعر : «يوم خلجت على الخليج نفوسهم». أو يكون تجانسها في تأليف الحروف دون المعنى مثل قول الشاعر : «إن لوم العاشق اللوم» (٣). ومعنى ذلك ان التسمية ليست لابن المعتز وانما هي للخليل وللاصمعي ، ويبدو أن رأيهما قريب من كلامه فهو يقول : «على السبيل الذي ألف : الأصمعي كتاب الاجناس عليها».

وللتجنيس تعريفات كثيرة ، وقد شرّق المؤلفون فيه وغرّبوا وقسموه أقساما كثيرة لذلك قال ابن الاثير : «وقد تصرف العلماء من أرباب هذه الصناعة فيه فغرّبوا وشرّقوا لا سيما المحدثين منهم ، وصنف الناس فيه كتبا كثيرة وجعلوه أبوابا متعددة واختلفوا في ذلك وأدخلوا بعض تلك الابواب في بعض فمنهم عبد الله بن المعتز وأبو علي الحاتمي والقاضي أبو الحسن الجرجاني وقدامة بن جعفر الكاتب ، وإنما سمّي هذا النوع من الكلام مجانسا ، لأنّ حروف ألفاظه يكون تركيبها من جنس واحد. وحقيقته أن يكون اللفظ واحدا والمعنى مختلفا وعلى هذا فانه : هو اللفظ المشترك وما عداه فليس من التجنيس الحقيقي في شيء إلا أنّه قد خرج من ذلك ما يسمى تجنيسا وتلك تسمية بالمشابهة لا لأنّها دالة على حقيقة المسمّى بعينه» (٤).

وكان البلاغيون قبل ذلك قد عرفوا التجنيس وتحدثوا عنه ومنهم قدامة الذي تكلم في باب ائتلاف اللفظ والمعنى على المطابق والمجانس وقال : «ومعناهما أن تكون في الشعر معان متغايرة قد اشتركت في لفظة واحدة وألفاظ متجانسة مشتقة. فأما المطابق فهو ما يشترك في لفظة واحدة مثل قول زياد الأعجم :

ونبئتهم يستنصرون بكاهل

وللؤم فيهم كاهل وسنام (٥)

 ... وأما المجانس فأن تكون المعاني اشتراكها في ألفاظ متجانسة على جهة الاشتقاق مثل قول أوس بن حجر :

لكن بفرتاج فالخلصاء أنت بها

فحنبل فعلى سرّاء مسرور (٦)

ومثل قول زهير :

كأنّ عيني وقد سال السليل بهم

وجيرة ما هم لو أنّهم أمم (٧)

فالمطابق عند قدامة هو التجنيس الحقيقي اما المجانس فهو شبيه به أو أحد أنواعه الذي سمّي تجنيس الاشتقاق.

وذكر الحاتمي قصة هذا الخلاف في المصطلح فقال : «أخبرنا أبو الفرج علي بن الحسين القرشي قال :قلت لأبي الحسن علي بن سليمان الأخفش وكان

__________________

(١) فهرست ابن النديم ص ٦٥ ، وينظر كتاب ما اتفق لفظه واختلف معناه ص ٣ وما بعدها.

(٢) قواعد الشعر ص ٥٦.

(٣) البديع ص ٢٥.

(٤) المثل السائر ج ١ ص ٢٤٦ ، كفاية الطالب ص ١٣١.

(٥) كاهل الأولى للقبيلة والثاني للعضو المعروف وهو أعلى الظهر مما يلي العنق.

(٦) فرتاج : موضع. الخلصاء : ماء في البادية وقيل موضع. حنبل : موضع.

(٧) نقد الشعر ص ١٨٥ ـ ١٨٦. سأل السليل بهم : ساروا فيه سيرا سريعا ، والسليل : اسم واد.

الأمم : القصد والقرب.

٢٦٥

أعلم من شاهدته بالشعر : أجد قوما يخالفون في الطباق فطائفة تزعم ـ وهي الأكثر ـ بأنه ذكر الشيء وضده فيجمعهما اللفظ فهما لا المعنى. وطائفة تخالف ذلك فتقول : هو اشتراك المعنيين في لفظ واحد كقول زياد الاعجم :

ونبئتهم يستنصرون بكاهل

وللؤم فيهم كاهل وسنام

فقوله : «كاهل» للقبيلة ، وقوله «كاهل» للعضو عندهم هو المطابقة. قال : فقال الأخفش : من هذا الذي يقول هذا؟ قلت : قدامة وغيره ... فقال : هذا يا بني هو التجنيس ومن زعم أنّه طباق فقد ادّعى خلافا على الخليل والأصمعي. فقيل له : أفكانا يعرفان هذا؟فقال : سبحان الله وهل غيرهما في علم الشعر وتمييز خبيثه من طيبه. قلت : فأنشدني أحسن طباق للعرب.

قال قول عبد الله بن الزّبير الأسدي (١) :

رمى الحدثان نسوة آل حرب

بمقدار سمدن له سمودا

فردّ شعورهنّ السود بيضا

وردّ وجوههنّ البيض سودا (٢)

وتحدث الحاتمي عن المجانسة وذكر له قول جرير :

كأنّك لم تسر ببلاد نعم

ولم تنظر بناظرة الخياما

وقوله :

وما زال معقولا عقال عن النّدى

وما زال محبوسا من الخير حابس (٣)

وهذا ما يدخل في التجنيس. وتكلم الآمدي على المجانس في شعر أبي تمام فقال : «هو ما اشتق بعضه من بعض» (٤) وذكر مصطلح «التجنيس» فقال عن جرير والفرزدق : «وكأنّ هذين الشاعرين في تجنيس ما جنّساه من هذه الالفاظ وحاجتهما اليه يشبه قول النبي ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ «عصيّة عصت الله ، وغفار غفر الله لها ، وأسلم سالمها الله» (٥). ثم قال بعد أن تكلم على المطابق : «وهذا باب ـ أعني المطابق ـ لقبه أبو الفرج قدامة ابن جعفر في نقد الشعر «المتكافىء» وسمّى ضربا من المتجانس المطابق ... وما علمت أنّ أحدا فعل هذا غير أبي الفرج فانه وان كان هذا اللقب يصح لموافقته معنى الملقبات ، وكانت الألقاب غير محظورة فاني لم أكن أحب له أن يخالف من تقدمه مثل أبي العباس عبد الله بن المعتز وغيره ممن تكلم في هذه الأنواع وألّف فيها إذ قد سبقوا الى التلقيب وكفوه المؤونة. وقد رأيت قوما من البغداديين يسمون هذا النوع المجانس المماثل ويلحقون به الكلمة إذا ترددت وتكررت نحو قول جرير :

تزوّد مثل زاد أبيك فينا

فنعم الزاد زاد أبيك زادا

وبابه قليل» (٦).

وعقد الرماني بابا للتجانس وقال : «هو بيان بأنواع الكلام الذي يجمعه أصل واحد في اللغة» (٧). وقال العسكري : «التجنيس أن يورد المتكلم كلمتين تجانس كل واحدة منهما صاحبتها في تأليف حروفها على حسب ما ألّف الأصمعي كتاب الأجناس. فمنه ما تكون الكلمة تجانس الأخرى لفظا واشتقاق معنى كقول الشاعر :

يوما خلجت على الخليج نفوسهم

عصبا وأنت لمثلها مستام

__________________

(١) الزبير : بفتح الزاي ، وعبد الله بن الزبير من شعراء الحماسة.

(٢) حلية المحاضرة ج ١ ص ١٤٢. السمود : الغفلة عن الشيء وذهاب القلب عنه.

(٣) حلية المحاضرة ج ١ ص ١٤٦.

(٤) الموازنة ج ١ ص ٢٦٥.

(٥) الموازنة ج ١ ص ٢٦٦.

(٦) الموازنة ج ١ ص ٢٧٤ ـ ٢٧٥.

(٧) النكت في إعجاز القرآن ص ٩١.

٢٦٦

... ومنه ما يجانسه في تأليف الحروف دون المعنى كقول الشاعر :

يا صاح إنّ أخاك الصّبّ مهموم

فارفق به إنّ لوم العاشق اللّوم (١)

وقال الباقلاني : «ومعنى ذلك أن تأتي بكلمتين متجانستين. فمنه ما تكون الكلمة تجانس الأخرى في تأليف حروفها ومعناها واليه ذهب الخليل.

ومنهم من زعم ان المجانسة أن تشترك اللفظتان على جهة الاشتقاق» (٢).

ولم يعرّف ابن رشيق التجنيس وانما ذكر أنّه ضروب كثيرة وعرّف كل ضرب وذكر له أمثلة (٣) ، وفعل مثله عبد القاهر الذي تحدث عن ميزته ومواضع الاحسان والاساءة في استعماله (٤). وقال التبريزي : هو «أن يأتي الشاعر بلفظتين في البيت إحداهما مشتقة من الأخرى ، وهذا الجنس يسمونه المطلق» (٥) ، ونقل البغدادي هذا التعريف (٦).

وقال الصنعاني : «هو اجتماع كلمتين ألفتا من حروف متجانسة ولأهل الأدب فيه مذاهب مختلفة وأقسامه كثيرة» (٧).

وقال السكاكي : «هو تشابه الكلمتين في اللفظ» (٨) وأدخله في التحسين اللفظي كما فعل ابن الاثير حينما تحدث عنه في الصناعة اللفظية (٩).

وقال المظفر العلوي : «هو أن يأتي الشاعر بكلمتين مقترنتين متقاربتين في الوزن غير متباعدتين في النظم ، غير متنافرتين عن الفهم يتقبلهما السمع ولا ينبو عنهما الطبع» (١٠).

وقال ابن مالك : «ويسميه قدامة طباقا ، وهو أن تأتي في غير رد العجز على الصدر بلفظتين بينهما تماثل في الحروف وتغاير في المعنى» (١١). وأدخله في قسم الفصاحة اللفظية من علم البديع.

وقال التنوخي هو : «أن يأتي المتكلم في كلامه بحرف أو حرفين ثم يأتي بها ثانيا في أثناء ذلك الكلام من غير أن يكون بينهما بعد بحيث ينصرف فيه الذهن عن الأول. ولعل ذلك أن يكونا مجتمعين في بيت من الشعر ونحوه من الكلام ، ولا بدّ أن يكون المتجانسان مختلفي المعنى» (١٢).

وسمّاه القزويني : «الجناس» وأدخله في المحسنات اللفظية (١٣) كالسكاكي وابن مالك ، وتبعه في التسمية شراح التلخيص والحموي والسيوطي والمدني (١٤).

وسماه ابن الأثير الحلبي : «الجناس» ولكنه حينما عرفه قال : «وحدّ التجنيس أنّه اتفاق الالفاظ واختلاف المعاني» (١٥) ، وقريب من هذا ما ذكره العلوي الذي عرفه بقوله : «وهو أن تتفق اللفظتان في وجه من الوجوه ويختلف معناهما» (١٦).

ولم يهتم الادباء جميعهم بهذا الفن ، فقد كان منهم من لا يتخذه مذهبا لما في كثير منه من

__________________

(١) كتاب الصناعتين ص ٣٢١.

(٢) اعجاز القرآن ص ١٢٦.

(٣) العمدة ج ١ ص ٣٢١.

(٤) أسرار البلاغة ص ٦ ، دلائل الاعجاز ص ٤٠٢.

(٥) الوافي ص ٢٦٠.

(٦) قانون البلاغة ص ٤٣٧.

(٧) الرسالة العسجدية ص ١٢٧.

(٨) مفتاح العلوم ص ٢٠٢.

(٩) المثل السائر ج ١ ص ٢٤٦.

(١٠) نضرة الاغريض ص ٤٩.

(١١) المصباح ص ٨٤.

(١٢) الأقصى القريب ص ١١٢.

(١٣) الايضاح ص ٣٨٢ ، التلخيص ص ٣٨٨.

(١٤) شروح التلخيص ج ٤ ص ٤١٢ ، المطول ص ٤٤٥ ، الاطول ج ٢ ص ٢٢١ ، خزانة ص ٢٠ ، معترك ج ١ ص ٣٩٩ ، الاتقان ج ٢ ص ٩٠ ، شرح عقود الجمان ص ١٤٣ ، أنوار الربيع ج ١ ص ٩٧ ، التبيان في البيان ص ٤٠٣.

(١٥) جوهر الكنز ص ٩١.

(١٦) الطراز ج ٢ ص ٣٥٦.

٢٦٧

التكلف ، قال الحموي : «أما الجناس فانّه غير مذهبي ومذهب من نسجت على منواله من أهل الأدب وكذلك كثرة اشتقاق الالفاظ فانّ كلا منهما يؤدي الى العقادة والتقييد عن اطلاق عنان البلاغة في مضمار المعاني المبتكرة» (١). وكان الاوائل يستعملون هذا الفن ولكن من غير إسراف فلما أفضى الحال الى المولّدين في العصر العباسي شاع وظهر ، وقد أكثر منه أبو تمام ، ولذلك قال ابن المعتز في التجنيس وغيره من فنون البديع : «إنّ حبيب ابن أوس الطائي من بعدهم شغف به حتى غلب عليه وتفرّع فيه وأكثر منه فأحسن في بعض ذلك وأساء في بعض وتلك عقبى الإفراط وثمرة الإسراف» (٢).

وأقسام التجنيس أو الجناس كثيرة ، وقد اختلف أرباب البديع فيها اختلافا كبيرا ، وقد أفرده بالتأليف جماعة منهم الشيخ صفي الدين الحلي ، ألف كتابا سماه «الدر النفيس في أجناس التجنيس» والشيخ صلاح الدين الصفدي. ألف فيه كتابه المسمى «جناس الجناس» (٣) ورأى ابن الاثير أنّه سبعة أقسام ، واحد منها يدل على حقيقة التجنيس لأنّ لفظه واحد لا يختلف ، وستة أقسام مشبهة. فالقسم الأول الحقيقي هو «أن تتساوى حروف ألفاظه في تركيبها ووزنها» (٤) ، والأقسام الستة المشبهة بالتجنيس هي :

الأول : أن تكون الحروف متساوية في تركيبها مختلفة في وزنها.

الثاني : أن تكون الألفاظ متساوية في الوزن مختلفة في التركيب بحرف واحد لا غير.

الثالث : أن تكون الالفاظ مختلفة في الوزن والتركيب بحرف واحد.

الرابع : المعكوس ، وهو ضربان : عكس الالفاظ وعكس الحروف.

الخامس : المجنب وهو أن يجمع مؤلف الكلام بين كلمتين إحداهما كالتبع للأخرى والجنيبة لها.

السادس : ما يساوي وزنه تركيبه غير أنّ حروفه تتقدم وتتأخر.

وفي كتب البلاغة والنقد والأدب أنواع كثيرة هي :

تجنيس الإشارة :

قال الرازي : «إنّ المتجانس قد يكون مذكورا صريحا وقد يكون مذكورا باشارة» (٥).

وقال العلوي : «هو أن لا يذكر أحد المتجانسين في الكلام ولكن يشار اليه بما يدلّ عليه» (٦).

كقول بعضهم وذكره الرازي أيضا :

حلقت لحية موسى باسمه

وبهرون اذا ما قلبا

لأنّ كلمة «هرون» إذا قلبت كانت «نوره» لكنه لم يذكرها وانما أشار اليها اشارة بقوله : «وبهرون إذا ما قلبا».

وقول آخر :

وما أروى وان كرمت علينا

بأدنى من موقّفة حرون

يطيف بها الرماة فتتقيهم

بأوعال معطفة القرون

ف «أروى» هي المرأة ، وقوله «موقفة حرون» إشارة الى أروى الأوعال وأراد أنّ هذه المرأة التي اسمها أروى ليست بأقرب من التي في الجبال لكنه أعرض عن ذكرها.

__________________

(١) خزانة الأدب ص ٢٠.

(٢) البديع ص ١.

(٣) أنوار الربيع ج ١ ص ٢٢٢ ، حسن التوسل ص ١٨٣ ، التبيان في البيان ص ٤٠٣.

(٤) المثل السائر ج ١ ص ٢٤٦.

(٥) نهاية الايجاز ص ٢٩ ، الايضاح في شرح مقامات الحريري ص ١٢.

(٦) الطراز ج ٢ ص ٣٧٢ ، وينظر المنزع البديع ص ٤٩٦ ، جنى الجناس ص ٧٣ ، الروض المريع ص ١٦٣.

٢٦٨

وسمّى بعضهم هذا النوع «تجنيس الكناية» قال الحموي : «وكل منهما مطباق التسمية» (١). وأدخله في الجناس المعنوي وعرّفه بقوله : «الضرب الثاني من المعنوي وهو جناس الاشارة والكناية هو غير الأول أي جناس الاضمار. وسبب ورود هذا النوع في النظم أنّ الشاعر يقصد المجانسة في بيته بين الركنين من الجناس فلا يوافقه الوزن على إبرازهما فيضمر الواحد ويعدل بقوته الى مرادف فيه كناية تدل على الركن المضمر فان لم يتفق له مرادف الركن المضمر فيأتي بلفظة فيها كناية لطيفة تدل عليه. وهذا لا يتفق في الكلام المنثور» (٢). ومثاله قول امرأة من عقيل وقد أراد قومها الرحيل عن بني ثهلان وتوجه منهم جماعة يحضرون الابل :

فما مكثنا دام الجمال عليكما

بثهلان إلا أن تشدّ الأباعر

وأرادت أن تجانس بين الجمال والجمال فلم يساعدها الوزن ولا القافية فعدلت الى مرادفة الجمال بالاباعر.

ومنه قول دعبل في امرأته سلمى :

إنّي أحبّك حبّا لو تضمّنه

سلمى سميّك ذاك الشاهق الراسي

فالكناية في «سميّك» لأنّها أشعرت أنّ الركن المضمر في سلمى يظهر منه جناس الاشارة بين الركن الظاهر والمضمر في سلمى ، وسلمى الذي هو الجبل.

ولم يخرج السيوطي والمدني عن ذلك في بحث هذا الفن (٣).

تجنيس الاشتقاق :

ألحقه القزويني بالجناس وقال : هو «أن يجمع بين اللفظين الاشتقاق» (٤) كقوله تعالى : (فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ الْقَيِّمِ)(٥) ، وقوله (فَرَوْحٌ وَرَيْحانٌ)(٦).

ومنه قول أبي تمام :

وأنجدتم من بعد إتهام داركم

فيا دمع أنجدني على ساكني نجد

وقال الحلبي والنويري : «ويسمى الاقتضاب أيضا ومنهم من عدّه أصلا برأسه ومنهم من عدّه أصلا في التجنيس : وهو أن تجيء بألفاظ يجمعها أصل واحد في اللغة» (٧).

وقال السيوطي : «ويسمى المقتضب» (٨). وقد فرّق الحموي بينه وبين المطلق فقال : «اما الجناس المطلق فلشدة تشابهه بالمشتق يوهم أحد ركنيه أن أصلهما واحد وليس كذلك كقوله تعالى : (وَإِنْ يُرِدْكَ بِخَيْرٍ فَلا رَادَّ لِفَضْلِهِ)(٩) ، وكقوله تعالى : (لِيُرِيَهُ كَيْفَ يُوارِي سَوْأَةَ أَخِيهِ)(١٠) ... فهذه الأركان هنا شواهد على الجناس المطلق ليس فيها ركنان يرجعان الى أصل واحد كالمشتق بل جميع ما ذكرنا أسماء أجناس وهي محمولة على عدم الاشتقاق» (١١).

تجنيس الإضافة :

قال ابن الزملكاني : «فإن عرض للمنطق أن أضيف الى احدى الكلمتين قيل له تجنيس الاضافة كقول البحتري :

__________________

(١) خزانة الأدب ص ٤١.

(٢) خزانة ص ٤٢.

(٣) شرح عقود الجمان ص ١٤٧ ، أنوار الربيع ج ١ ص ٢١٧ ، التبيان في البيان ص ٤٠٨.

(٤) الايضاح ص ٣٨٩ ، التلخيص ص ٣٩٢ ، الايضاح في شرح مقامات الحريري ص ١٢.

(٥) الروم ٤٣.

(٦) الواقعة ٨٩.

(٧) حسن التوسل ص ١٩٣ ، نهاية الارب ج ٧ ص ٩٥ ، حدائق السحر ص ١٠٣ ، الفوائد ص ٢٢٠.

(٨) معترك ج ١ ص ٤٠١ ، شرح عقود الجمان ص ١٤٧ ، الروض المريع ص ١٦٧.

(٩) يونس ١٠٧.

(١٠) المائدة ٣١.

(١١) خزانة الأدب ص ٢٥.

٢٦٩

أيا قمر التمام أعنت ظلما

عليّ تطاول الليل التمام

فصار بالاضافة كالمختلفين» (١). وكان القاضي الجرجاني قد سماه «المضاف» وذكر بيت البحتري وقال : «ومعنى التمام واحد في الامرين ولو انفرد لم يعدّ تجنيسا ولكنّ أحدهما صار موصولا بالقمر والآخر بالليل فكانا كالمختلفين» (٢).

تجنيس الإضمار :

التجنيس المعنوي نوعان : تجنيس الاشارة وقد تقدم ، وتجنيس الاضمار قال الحموي : «فالمعنوي المضمر هو أن يضمر الناظم ركني التجنيس ويأتي في الظاهر بما يرادف المضمر للدلالة عليه ، فان تعذّر المرادف أتى بلفظ فيه كناية لطيفة تدل على المضمر بالمعنى» (٣). ومنه قول ابن عبدون وقد اصطبح بخمرة ترك بعضها الى الليل فصارت خلا :

ألا في سبيل اللهو كأس مدامة

أتتنا بطعم عهده غير ثابت

حكت بنت بسطام بن قيس صبيحة

وأمست كجسم الشنفرى بعد ثابت

فبنت بسطام بن قيس كان اسمها الصهباء ، والشنفرى قال :

اسقنيها يا سواد بن عمرو

إنّ جسمي من بعد حالي لخلّ

والخل هو الرقيق المهزول فظهر من كناية اللفظ جناسان مضمران في صهباء وصهباء ، وخل وخل ، وهما في صدر البيت وعجزه. ومن هنا أخذ الشيخ صفي الدين الحلي وقال :

وكلّ لحظ أتى باسم ابن ذي يزن

في فتكه بالمعنّى أو أبي هرم

فابن ذي يزن اسمه سيف وأبو هرم اسمه سنان ، فظهر له جناسان مضمران من كنايات الالفاظ الظاهرة.

ونقل السيوطي والمدني هذا الكلام ، وسارا على خطا الحموي (٤).

تجنيس الإطلاق :

ألحقه القزويني بالجناس وقال : هو أن تجمع اللفظين المشابهة ، وهي ما يشبه الاشتقاق وليس به (٥). وقال السيوطي : «ومنها تجنيس الاطلاق بأن يجتمعا في المشابهة فقط» (٦). وقال : «ويسمى أيضا المشابهة والمقاربة والمغايرة وإيهام الاشتقاق» (٧).

ومنه قوله تعالى : (وَجَنَى الْجَنَّتَيْنِ)(٨). وقوله : (قالَ إِنِّي لِعَمَلِكُمْ مِنَ الْقالِينَ)(٩).

ومنه قول البحتري :

وإذا ما رياح جودك هبّت

صار قول العذول فيها هباءا

تجنيس الاقتضاب :

هو تجنيس الاشتقاق ، ويسمى المقتضب أيضا (١٠). وقد تقدم.

تجنيس البعض :

وهو مثل الجناس او التجنيس الناقص ، ومنه قول القطامي :

__________________

(١) التبيان ص ١٦٨.

(٢) الوساطة ص ٤٤.

(٣) خزانة ص ٤١.

(٤) شرح عقود الجمان ص ١٢٧ ، أنوار الربيع ج ١ ص ٢٠٩.

(٥) الايضاح ص ٣٨٩ ، التلخيص ص ٣٩٢.

(٦) معترك ج ١ ص ٤٠١.

(٧) شرح عقود الجمان ص ١٤٦.

(٨) الرحمن ٥٤.

(٩) الشعراء ١٦٨.

(١٠) حسن التوسل ص ١٩٣ ، نهاية الارب ج ٧ ص ٩٥ ، معترك ج ١ ص ٤٠١ ، شرح عقود الجمان ص ١٤٧.

٢٧٠

بأحسن من جمانة يوم ردّوا

جمال البين واحتملوا نهارا

ف «جمانة» و «جمال» تجنيس البعض.

ومنه قول العجير السلولي :

تروّى من البحرين ثم تروّحت

به العين يهديه لظمياء ناقله

«تروّى» و «تروّحت» مجنس البعض (١).

التجنيس التامّ :

وهو الجناس المستوفي والمماثل والكامل (٢) قال السكاكي : «وهو أن لا يتفاوت المتجانسان في اللفظ» (٣).

وقال الحلبي : «المستوفى التام : وهو أن يجيء المتكلم بكلمتين متفقتين لفظا مختلفتين معنى لا تفاوت في تركيبهما ولا اختلاف في حركتهما» (٤).

وقال القزويني : «والتام منه أن يتفقا في أنواع الحروف وأعدادها وهيئاتها وترتيبها فان كانا من نوع واحد كاسمين سمي مماثلا كقوله تعالى : (وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ يُقْسِمُ الْمُجْرِمُونَ ما لَبِثُوا غَيْرَ ساعَةٍ)(٥). وقول أبي تمام :

إذا الخيل جابت قسطل الحرب صدّعوا

صدور العوالي في صدور الكتائب (٦)

ف «صدور العوالي» أسنّتها وأعاليها ، و «صدور الكتائب» نحور أفرادها.

وإن كانا من نوعين كاسم وفعل سمّي مستوفى كقول أبي تمام :

ما مات من كرم الزّمان فإنّه

يحيا لدى يحيى بن عبد الله (٧)

تجنيس التّحريف :

قال ابن منقذ : «هو أن يكون الشكل فرقا بين الكلمتين» (٨).

كقول البحتري :

سقم دون أعين ذات سقم

وعذاب من الثنايا العذاب

وقول الآخر :

أحبابنا ما بين فر

قتكم وبين الموت فرق

جازيتمونا في بعا

دكم بما لا نستحقّ

أفنيتم العبرات فابقوا

وملكتم رقي فرقّوا

وعرّفه المصري بمثل هذا التعريف ، قال : «هو أن يكون الشكل فارقا بين الكلمتين أو بعضهما» (٩). كقوله تعالى : (إِنَّ رَبَّهُمْ بِهِمْ)(١٠) وقوله : (وَلكِنَّا كُنَّا مُرْسِلِينَ)(١١) وكقوله ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ : «الظّلم ظلمات».

__________________

(١) نضرة الاغريض ص ٨٣.

(٢) أسرار البلاغة ص ١٧ ، حسن التوسل ص ١٨٣ ، الطراز ج ٢ ص ٣٥٦ ، معترك ج ١ ص ٣٩٩.

(٣) مفتاح العلوم ص ٢٠٢.

(٤) حسن التوسل ص ١٨٣ ـ ١٨٤ ، وينظر الايضاح في شرح مقامات الحريري ص ١٠.

(٥) الروم ٥٥.

(٦) القسطل : الغبار الساطع في الحرب.

(٧) الايضاح ص ٣٨٢ ، التلخيص ص ٣٨٨ ، التبيان ص ١٦٦ ، الطراز ج ٢ ص ٣٥٦ ، خزانة الأدب ص ٣٠ ، معترك ج ١ ص ٣٩٩ ، شرح عقود الجمان ص ١٤٣ ، أنوار الربيع ج ١ ص ١٤٨ ، حدائق السحر ص ٩٤ ، شروح التلخيص ج ٤ ص ٤١٦ ، المطول ص ٤٤٦ ، الاطول ج ٢ ص ٢٢٣ ، جنى الجناس ص ٧٣ ، التبيان في البيان ص ٤٠٣.

(٨) البديع في نقد الشعر ص ٢٠.

(٩) تحرير التحبير ص ١٠٦ ، بديع القرآن ص ٢٩.

(١٠) العاديات ١١ ، والآية : (إِنَّ رَبَّهُمْ بِهِمْ يَوْمَئِذٍ لَخَبِيرٌ.)

(١١) القصص ٤٥.

٢٧١

ومنه قول أبي تمام :

هنّ الحمام فإن كسرت عيافة

من حائهنّ فانّهنّ حمام (١)

وهو ثلاثة أقسام :

الأول : تبدل فيه الحركة بالحركة كالآيتين السابقتين وبيت أبي تمام.

الثاني : تبدل فيه الحركة بالسكون ، كالحديث الشريف.

الثالث : يبدل فيه التخفيف بالتشديد مثل : «الجاهل إما مفرط أو مفرّط». وعرّفه مثل ذلك ابن الاثير الحلبي وابن قيم الجوزية (٢) ، وقال الحموي : «هو ما اتفق ركناه في عدد الحروف وترتيبها ، واختلفا في الحركات سواء كانا من اسمين أو فعلين أو من اسم وفعل أو من غير ذلك ، فانّ القصد اختلاف الحركات» (٣).

تجنيس التّداخل :

سمّاه بعضهم «تجنيس الترجيع» وسماه التبريزي : «التجنيس الناقص» وسماه آخرون «تجنيس التذييل» ، وهو «الذي يوجد في إحدى كلمتيه حرف لا يوجد في الأخرى ، وجميع حروف الأخرى موجود في الأولى وقسم في وسطها وقسم في آخرها» (٤). مثال الأول : قوله تعالى : (وَالْتَفَّتِ السَّاقُ بِالسَّاقِ إِلى رَبِّكَ يَوْمَئِذٍ الْمَساقُ)(٥).

ومثال الثاني : قول بعضهم : من جدّ وجد».

ومثال الثالث : قول أبي تمام :

يمدّون من أيد عواص عواصم

تصول بأسياف قواض قواضب

وقد تكون الزيادة حرفين ، فإما أن يقعا في أول الكلمة ويكونا متقاربين كقولهم : «ليل دامس وطريق طامس».

وإما أن يقعا في وسطها كقولهم : «ما خصصتني بل خسستني». أو آخر الكلمة ويكونا متباعدين كقوله : «سالب وساكب». أو متقاربين كقولهم : «شاحب وشاغب». ومن القسم الذي توسط فيه الحرف الواحد قوله تعالى : (وَإِنَّهُ عَلى ذلِكَ لَشَهِيدٌ. وَإِنَّهُ لِحُبِّ الْخَيْرِ لَشَدِيدٌ)(٦).

وقال المصري تعليقا على قول أبي تمام : «يمدون من أيد ...» : «وعندي أنّ تسميته تجنيس التداخل لدخول احدى الكلمتين في الأخرى ، أو تجنيس التضمين لتضمن إحدى الكلمتين لفظ الأخرى أولى بالاشتقاق ، إذ لا معنى لقولهم يرجع لفظ إحدى الكلمتين في لفظ الأخرى لأنّ ظاهر الرجوع يؤذن بذهاب قبله ولا ذهاب ، أو كما قالوا : «تجنيس التذييل» (٧).

تجنيس التّذييل :

هو تجنيس التداخل أو تجنيس الترجيع (٨).

تجنيس التّرجيع :

سمّاه ابن منقذ بهذا الاسم وقال : «هو أن ترجع الكلمة بذاتها» (٩) ، وسمّي تجنيس التداخل او تجنيس التذييل (١٠) ، وسماه التبريزي «التجنيس الناقص» (١١).

__________________

(١) العيافة : التكهن بالطير ، العائف المتكهن بالطير وغيره.

(٢) جوهر الكنز ص ٩٤ ، الفوائد ص ٢٤٠.

(٣) خزانة الأدب ص ٣٦.

(٤) تحرير التحبير ص ١٠٧ ، بديع القرآن ص ٣٠.

وينظر الوافي ص ٢٦٢.

(٥) القيامة ٢٩ ـ ٣٠.

(٦) العاديات ٧ ـ ٨.

(٧) تحرير ص ١٠٨.

(٨) تحرير ص ١٠٨.

(٩) البديع في نقد الشعر ص ٢٦.

(١٠) تحرير ص ١٠٨ ، بديع القرآن ص ٣٠ ، جوهر الكنز ص ٩٥ ، شرح عقود الجمان ص ١٤٥ ، جنى الجناس ص ٢٤٤.

(١١) الوافي ص ٢٦٢.

٢٧٢

تجنيس التّركيب :

ذكر ابن سنان «مجانس التركيب» وقال : «ومن المجانس فن ورد في شعر أبي العلاء احمد بن عبد الله بن سليمان وسماه لنا مجانس التركيب ، لأنّه يركب من الكلمتين ما يتجانس به الصيغتان» (١).

وقال ابن منقذ : «هو أن تكون الكلمة مركبة من كلمتين» (٢). ومنه قول أبي العلاء :

البابلية باب كلّ بليّة

فتوقينّ دخول ذاك الباب

وقول الآخر :

إن ترمك الغربة في معشر

تضافروا فيك على بغضهم

فدارهم ما دمت في دارهم

وأرضهم ما دمت في أرضهم

وقال المصري : «هو أن تركب كلمة من كلمتين ليماثل بها كلمة مفردة في الهجاء واللفظ» (٣). وهو قسمان :

الأول : تتشابه الكلمتان فيه لفظا وخطّا كقول القائل :

يا من تدلّ بوجنة

وأنامل من عندم

كفّي جعلت لك الفدا

ألحاظ عينك عن دمي

وكقول أبي الفتح البستي :

إذا ملك لم يكن ذا هبه

فدعه فدولته ذاهبة

الثاني : يتشابهان فيه لفظا لا خطّا كقول الشاعر :

كلّكم قد أخذ الجا

م ولا جام لنا

ما الذي ضرّ مدير ال

جام لو جاملنا

وأدخله القزويني في الجناس التام ، قال : «والتام ايضا إن كان أحد لفظيه مركبا سمي جناس التركيب» (٤). وكان ابن الزملكاني قد سماه «المركب» وقال «وقد يسّمى هذا المرفو لضمك الى القصير الحرف الفائت لتعادل نظيرتها» (٥).

وسمّاه الحلبي كذلك وقسمه كتقسيم المصري (٦) ، وفعل مثله الحموي (٧) وقسّمه المدني (٨) الى ثلاثة أقسام ، الاول والثاني المتقدمان ، والثالث سماه المرفو وهو ما كان أحد ركنيه مستقلا والآخر مرفوا من كلمة أخرى كقول الحريري :

ولا تله عن تذكار ذنبك وابكه

بدمع يحاكي المزن حال مصابه

ومثّل لعينيك الحمام ووقعه

وروعة ملقاه ومطعم صابه

تجنيس التّصحيف :

سمّاه ابن سنان «مجانس التصحيف» ومثّل له بقول البحتري :

ولم يكن المغترّ بالله إذ شرى

ليعجز والمعتزّ بالله طالبه (٩)

وقال ابن منقذ : «هو أن تكون النفط فرقا بين

__________________

(١) سر الفصاحة ص ٢٣٢.

(٢) البديع في نقد الشعر ص ٣٣ ، وينظر جوهر الكنز ص ٩٧.

(٣) تحرير التحبير ص ١٠٩ ، وينظر خزانة الادب ص ٢٢ ، وشرح عقود الجمان ص ١٤٤.

(٤) الايضاح ص ٣٨٣ ، التلخيص ص ٣٨٩ ، الايضاح في شرح مقامات الحريري ص ١١.

(٥) التبيان ص ١٦٧.

(٦) حسن التوسل ص ١٨٨.

(٧) خزانة ص ٢٣.

(٨) انوار الربيع ج ١ ص ٩٨.

(٩) سر الفصاحة ص ٢٣٣.

٢٧٣

الكلمتين» (١). وقال الحموي : «هو ما تماثل ركناه خطا واختلفا لفظا» (٢). كقوله تعالى : (وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ)(٣) وكقول أبي تمام :

السيف أصدق أنباء من الكتب

في حدّه الحدّ بين الجدّ واللّعب

واتفق معظم البلاغيين على هذه التسمية (٤) ، غير أنّ ابن الزملكاني والمظفر العلوي يسميانه «تجنيس الخط» (٥). وسماه الحلبي والنويري والعلوي والحموي والسيوطي والمدني «التجنيس المصحّف» (٦).

تجنيس التّصريف :

قال ابن منقذ : «هو أن تنفرد كل كلمة من الكلمتين عن الأخرى بحرف» (٧) كقوله تعالى : (لَيَكُونُنَّ أَهْدى مِنْ إِحْدَى الْأُمَمِ)(٨). وقوله ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ : «الخيل معقود بنواصيها الخير».

ومنه قول الشريف الرضي :

لا يذكر الرمل إلا حنّ مغترب

له بذي الرّمل أوطار وأوطان

إذا تلفتّ في أطلالها ابتدرت

للعين والقلب أمواه ونيران

وقال المصري : «هو اختلاف صيغة الكلمتين بابدال حرف من حرف إما من مخرجه أو من قريب منه» (٩).

وقال الحلبي والنويري : «ومن أجناس التجنيس تجنيس التصريف ، وهو ما كان كالمصحف إلا في اتحاد الكتابة ثم لا يخلو من أن تتقارب فيه الحروف باعتبار المخارج أو لا تتقارب ، فان تقاربت سمي مضارعا وإن لم تتقارب سمي لاحقا» (١٠).

فالمضارع كقوله تعالى : (وَهُمْ يَنْهَوْنَ عَنْهُ وَيَنْأَوْنَ عَنْهُ)(١١). واللاحق كقول علي ـ رضي‌الله‌عنه ـ : «الدنيا دار ممر والآخرة دار مقر».

وقسمه السيوطي مثل ذلك (١٢) ، وقال الحموي إنّ «من الناس من يسمّي كل ما اختلف بحرف «تجنيس التصريف» سواء كان من المخرج أو من غيره» (١٣).

تجنيس التّغاير :

سمّاه التبريزي «المطلق» (١٤) ، وقال المصري : «هو أن تكون احدى الكلمتين اسما والأخرى فعلا» (١٥) كقوله تعالى : (إِنِّي وَجَّهْتُ وَجْهِيَ)(١٦). وقوله : (اثَّاقَلْتُمْ إِلَى الْأَرْضِ أَرَضِيتُمْ

__________________

(١) البديع في نقد الشعر ص ١٧ ، وينظر جوهر الكنز ص ٩٤ ، المنزع البديع ص ٤٨٩.

(٢) خزانة الأدب ص ٣٦.

(٣) الكهف ١٠٤.

(٤) نهاية الايجاز ص ٢٩ ، مفتاح العلوم ص ٢٠٣ ، التبيان ص ١٦٩ ، تحرير التحبير ص ١٠٥ ، بديع القرآن ص ٢٩ ، البحر المحيط ج ٦ ص ١٦٧ ، خزانة الأدب ص ٣٦ ، الروض المريع ص ١٦٥.

(٥) التبيان ص ١٦٧ ، نضرة الاغريض ص ٨٠ ، الايضاح في شرح مقامات الحريري ص ١١.

(٦) حسن التوسل ص ١٩٢ ، نهاية الارب ج ٧ ص ٩٣ ، الطراز ج ٢ ص ٣٦٥ ، خزانة ص ٣٦ ، معترك ج ١ ص ٤٠٠ ، شرح عقود الجمان ص ١٤٤ ، انوار الربيع ج ١ ص ١٨٠ ، جنى الجناس ص ١٨٠ ، الروض المريع ص ١٦٥.

(٧) البديع في نقد الشعر ص ٢٢ ، وينظر جوهر الكنز ص ٩٤.

(٨) فاطر ٤٢.

(٩) تحرير ص ١٠٧ ، بديع القرآن ص ٢٩.

(١٠) حسن التوسل ص ٩٥ ، نهاية الارب ج ٧ ص ٩٦.

(١١) الانعام ٢٦.

(١٢) شرح عقود الجمان ١٤٦.

(١٣) خزانة ص ٢٩ ، وينظر الروض المريع ص ١٦٧.

(١٤) الوافي ص ٢٦٠.

(١٥) تحرير ص ١٠٤ ، بديع القرآن ص ٢٨.

(١٦) الانعام ٧٩.

٢٧٤

بِالْحَياةِ الدُّنْيا مِنَ الْآخِرَةِ)(١). وقوله ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ : «عصيّة عصت الله ورسوله ، وغفار غفر الله لها ، وأسلم سالمها الله».

ومنه قول جرير :

كأنك لم تسر ببلاد نجد

ولم تنظر بناظرة الخياما

وقال المصري : «وقد فرّع التبريزي من هذا القسم ضربا سماه التجنيس المستوفي ، وهو أن تتشابه الكلمتان لفظا وخطا وإحداهما اسم والأخرى فعل» (٢) كقول أبي تمام :

ما مات من كرم الزمان فانّه

يحيا لدى يحيى بن عبد الله

وهذا هو الجناس التام الذي تقدم.

تجنيس التّماثل :

قال المصري : «هو أن تكون الكلمتان اسمين او فعلين» (٣) ، وهو ضربان :

الأول : تتماثل فيه الكلمتان سواء كانتا اسمين ام فعلين في اللفظ والخط كقول الشاعر :

عينه تقتل النفوس وفوه

منه تحيي عين الحياة النفوسا

الثاني : لا تتماثل في الكلمتان الا من جهة الاشتقاق سواء أكانتا اسمين أم فعلين ، كقوله تعالى : (فَرَوْحٌ وَرَيْحانٌ)(٤) ، وقوله ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ «اسلم تسلم».

ومنه قول البحتري :

نسيم الروض في ريح شمال

وصوب المزن في راح شمول

ثم قال المصري : «وهذان التجنيسان أعني التغاير والتماثل من التجنيس الذي أصّله قدامة وابن المعتز» (٥).

التّجنيس الحقيقيّ :

قال ابن قيّم الجوزية : «هو أن تأتي بكلمتين كل واحدة منهما موافقة للأخرى في الحروف مغايرة لها في المعنى» (٦).

وقال ابن الاثير الحلبي : «فاما الحقيقي فهو ما استوت ألفاظه في الخط والوزن والتركيب» (٧).

وهذا هو الجناس التام ، وقد تقدم.

تجنيس الخطّ :

هو تجنيس التصحيف أو المصحف (٨) وقد تقدم.

وقال الوطواط : «ويسمونه أيضا المضارعة والمشاكلة» (٩).

تجنيس العكس :

سمّاه العلوي «المعكوس» (١٠) وسماه الحموي والمدني «المقلوب» (١١) ، وقال ابن منقذ : «هو أن تكون الكلمة عكس الأخرى» (١٢) وهو قسمان : (١٣).

الاول : تنقلب فيه الحروف ، كقوله تعالى : (إِنِّي

__________________

(١) التوبة ٣٨.

(٢) تحرير التحبير ص ١٠٤.

(٣) تحرير ص ١٠٥ ، بديع القرآن ص ٢٨.

(٤) الواقعة ٨٩.

(٥) تحرير ص ١٠٥.

(٦) الفوائد ص ٢٤٠.

(٧) جوهر الكنز ص ٩٢.

(٨) التبيان ص ١٦٧ ، نضرة الاغريض ص ٨٠ ، معترك ج ١ ص ٤٠٠ ، المنزع البديع ص ٤٨٨ ، التبيان في البيان ص ٤٠٧.

(٩) حدائق السحر ص ١٠٢ ، وينظر جنى الجناس ص ١٨٠.

(١٠) الطراز ج ٢ ص ٣٦٨.

(١١) خزانة الادب ص ٣٩ ، انوار الربيع ج ١ ص ١٩٥.

(١٢) البديع في نقد الشعر ص ٣٠.

(١٣) ينظر جوهر الكنز ص ٩٦ ، الطراز ج ٢ ص ٣٦٩.

٢٧٥

خَشِيتُ أَنْ تَقُولَ فَرَّقْتَ بَيْنَ بَنِي إِسْرائِيلَ)(١). وقول أبي تمام :

بيض الصفائح لا سود الصحائف في

متونهنّ جلاء الشّك والريب

الثاني : تنقلب فيه الكلمات كقوله ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ : «جار الدار أحقّ بدار الجار» وقول بعضهم : «عادات السادات سادات العادات».

وقال المصري : «هو أن تكون إحدى كلمتيه عكس الأخرى بتقديم بعض الحروف على بعض» (٢).

وقال الحلبي والنويري : «فان اشتملت كل كلمة على حروف الأخرى وكان بعض هذه قلب حروف هذه خص باسم جناس العكس» (٣). كقول عبد الله بن رواحة يمدح النبي ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم. ـ :

تحمله الناقة الأدماء معتجرا

بالبرد كالبدر جلّى نوره الظلما (٤)

تجنيس القلب :

هو ان تختلف الكلمتان في ترتيب الحروف ، وقد قسّمه القزويني الى قسمين (٥) :

الاول : قلب الكل كقولهم : «حسامه فتح لأوليائه حتف لأعدائه».

الثاني : قلب البعض كما جاء في الخبر : «اللهمّ استر عوراتنا وآمن روعاتنا». وعليه قول المتنبي :

ممنّعة منعّمة رداح

يكلّف لفظها الطير الوقوعا

واذا وقع أحد المتجانسين جناس القلب في أول البيت والآخر في آخره سمّي «مقلوبا مجنحا» ومثّل له السيوطي بقوله تعالى : (فَرَّقْتَ بَيْنَ بَنِي إِسْرائِيلَ)(٦). وهذا هو تجنيس العكس.

تجنيس القوافي :

وهو أن يأتي في القافية كما يفهم من الأمثلة التي ذكرها المظفر العلوي (٧) كقول النابغة الذبياني :

نرى الراغبين العاكفين ببابه

على كلّ شيزى أترعت بالعراعر

له بفناء البيت دهماء جونة

تلقم أوصال الجزور العراعر (٨)

ومنه الأبيات :

أتعرف أطلالا شجونك بالخال

وعيش زمان كان في العصر الخالي

ليالي ريعان الشباب مسلّط

عليّ بعصيان الإمارة والخال

واذ أنا خدن للغويّ أخي الصّبا

وللغزل المريّح ذي اللهو والخال

ليالي تكنى تستبيني بدّلها

وبالنظر الفتّان والخدّ والخال

إذا سكنت ربعا رئمت رباعها

كما رئم الميثاء ذو الريثة الخالي

__________________

(١) طه ٩٤.

(٢) بديع القرآن ص ٣٠.

(٣) حسن التوسل ص ١٩٧ ، نهاية الارب ج ٧ ص ٩٧.

(٤) الآدم : الاسمر مؤنثه أدماء. اعتجر : لف عمامته.

(٥) الايضاح ص ٣٨٨ ، التلخيص ص ٣٩١ ، شروح التلخيص ج ٤ ص ٤٢٨ ، المطول ص ٤٤٨ ، الاطول ج ٢ ص ٢٢٧ ، المنزع البديع ص ٤٨٧ ، الروض المريع ص ١٦٦ ، التبيان في البيان ص ٤٠٩.

(٦) طه ٩٤.

(٧) نضرة الاغريض ص ٨٩.

(٨) العراعر ـ بفتح العين الاولى ـ : الأسنمة ، والعراعر ـ بضم العين الاولى : الضخمة الكبيرة الشيزى خشب صلب تصنع منه القصاع ، ويراد به هنا القصاع. دهماء : قدر سوداء لكثرة استعمالها. جونة : القدر التي اسودت من دخان النار. جزور : ما يذبح من النوق أو الغنم.

٢٧٦

ويقتادني منهم رخيم دلاله

كما اقتاد مهرا حين يألفه الخالي (١)

الخال الاول موضع ، والثاني : الماضي ، والثالث العجب ، والرابع الذي لا زوجة له ، والخامس النقطة السوداء ، والسادس الذي ليس له معين ، والسابع الذي يسوس الدواب.

التّجنيس الكامل :

هو التجنيس التام او المستوفي (٢) وقد تقدم.

تجنيس الكناية :

هو تجنيس الاشارة (٣) ، وقد تقدم.

التّجنيس اللاحق :

قال الرازي : وإما إن كان الاختلاف بحرفين غير متقاربين فيسمى التجنيس اللاحق» (٤).

وقال السّكّاكي : «وهو أن يختلفا لا مع التقارب» (٥) وقال مثل ذلك ابن الزّملكاني والحلبي والنويري والقزويني والسيوطي (٦).

وقال المدني : «هو ما أبدل من أحد ركنيه حرف بحرف من غير مخرجه ولا قريب منه» (٧). ويكونان إما في الأول كقوله تعالى : (وَيْلٌ لِكُلِّ هُمَزَةٍ لُمَزَةٍ)(٨).

وإما في الوسط كقوله تعالى : (ذلِكُمْ بِما كُنْتُمْ تَفْرَحُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَبِما كُنْتُمْ تَمْرَحُونَ)(٩) ، وقوله : (وَإِنَّهُ عَلى ذلِكَ لَشَهِيدٌ. وَإِنَّهُ لِحُبِّ الْخَيْرِ لَشَدِيدٌ)(١٠). وإما في الآخر كقوله تعالى : (وَإِذا جاءَهُمْ أَمْرٌ مِنَ الْأَمْنِ)(١١).

وقول البحتري :

هل لما فات من تلاق تلاف

أم لشاك من الصّبابة شافي

وفرّق الحموي بينه وبين المضارع فقال : «وأما اللاحق فقلّ من فرّق بينه وبين المضارع والمراد بالمضارع هنا المشابه. والفرق بينهما دقيق فانّ اللاحق هنا ما أبدل من أحد ركنيه حرف من غير مخرجه ومتى كان الحرف المبدل من مخرج المبدل منه سمي مضارعا ، وإن كان قريبا منه كان مضارعا أيضا. وأنا أذكر شاهد كل منهما فانّ الفرق بينهما يدقّ عن كثير من الافهام ولم يساعده على ظلمة شكّه غير ضياء الحسن. والمضارع هو المتشابه في المخرج كقوله تعالى ، وهو الى الغاية التي لا تدرك : (وَهُمْ يَنْهَوْنَ عَنْهُ وَيَنْأَوْنَ عَنْهُ)(١٢).

ومنه قوله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ : «الخيل معقود في نواصيها الخير الى يوم القيامة». ومثله قول بعضهم : «البرايا أهداف البلايا». ومن النظم قول الشريف الرضي رحمه‌الله :

لا يذكر الرمل إلا حنّ مغترب

له الى الرمل أوطار وأوطان

فاللام والراء والنون من مخرج واحد عند قطرب والجرمي وابن دريد والفراء. قال بعض أهل الأدب في كتاب : «راش سهامه بالعقوق ولوى ماله عن

__________________

(١) الغوي : الضال. المريح : من مرح. رئم : الف واجب. ذو الريثة : الريث الابطاء. الميثاء : صفة للارض اللينة السهلة من غير رمل.

(٢) الطراز ج ٢ ص ٣٥٦.

(٣) خزانة الأدب ص ٤١ ، شرح عقود الجمان ص ١٤٧ ، انوار الربيع ج ١ ص ٢١٧ ، المنزع البديع ص ٤٩٦ ، الروض المريع ص ١٦٤.

(٤) نهاية الايجاز ص ٢٩.

(٥) مفتاح العلوم ص ٢٠٣.

(٦) التبيان ص ١٦٧ ، حسن التوسل ص ١٩٣ ، نهاية الارب ج ٧ ص ٩٤ ، الايضاح ص ٣٨٧ ، التلخيص ص ٣٩١ ، معترك ج ١ ص ٤٠٠ ، شرح عقود الجمان ص ١٤٦.

(٧) أنوار الربيع ج ١ ص ١٤٠.

(٨) الهمزة ١.

(٩) غافر ٧٥.

(١٠) العاديات ٧ ـ ٨.

(١١) النساء ٨٣.

(١٢) الانعام ٢٦.

٢٧٧

الحقوق» فالعين والحاء من مخرج واحد. ويعجبني قول الشيخ جمال الدين ابن نباته في هذا الباب :

رقّ النسيم كرقّتي من بعدكم

فكأننا في حيّكم نتغاير

ووعدت بالسلوان واش عابكم

فكأننا في كذبنا نتخاير

فالغين والخاء من مخرج واحد ... واللاحق قد تقدم أنّه ما أبدل من أحد ركنيه حرف من غير مخرجه كقوله تعالى : (فَأَمَّا الْيَتِيمَ فَلا تَقْهَرْ. وَأَمَّا السَّائِلَ فَلا تَنْهَرْ)(١). وكتب بعضهم في جواب رسالة : «وصل كتابك فتناولته باليمين ووضعته مكان العقد الثمين».

ومن النظم قول البحتري وأجاد الى الغاية :

عجب الناس لاعتزالي وفي الأط

راف تلفى منازل الأشراف

وقعودي عن التقلّب والأر

ض لمثلي رحيبة الأكناف

ليس عن ثروة بلغت مداها

غير أنّي امرؤ كفاني كفافي

ف «كفاني» و «كفافي» هو اللاحق الذي لا يلحق» (٢).

تجنيس اللّفظ :

قال المظفر العلوي : «وربما سمّوه المطلق» (٣).

ومنه قول جرير :

حلأّت ذا سقم يري لشفائه

وردا ويمنع إن أراد ورودا (٤)

وقول القطامي :

صريع غوان راقهنّ ورقنه

لدن شبّ حتى شاب سود الذوائب

ف «شبّ» و «شاب» تجنيس لفظ.

التّجنيس اللّفظيّ :

قال الحموي : «أما اللفظي فهو النوع إذا تماثل ركناه وتجانسا خطا خالف أحدهما الآخر بابدال حرف منه فيه مناسبة لفظية كما يكتب بالضاد والظاء» (٥).

وقال السيوطي : «وبقي قسم آخر نبهت عليه من زيادتي وهو أن يكون المبدل مناسبا للاخر مناسبة لفظية ويسمى اللفظي كالذي يكتب بالضاد والظاء نحو : (وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ ناضِرَةٌ إِلى رَبِّها ناظِرَةٌ)(٦).

والتاء والهاء نحو : «جبلت القلوب على معاداة المعاداه». والنون والتنوين كقول الأرجاني :

وبيض الهند من وجدي هواز

باحدى البيض من عليا هوازن

والنون والألف كقول أبي العفيف التلمساني :

أحسن وجه الله وجها وفما

إن لم يكن أحق بالحسن فمن (٧)

التّجنيس المبدل :

قال المظفّر العلوي : «وهو قريب من المطمع» (٨).

وكان قد عرّف المطمع بقوله : «هو أن يأتي الشاعر بكلمة ثم يبدأ في اختها على وفق حروفها فيطمع في أنّه يجيء بمثلها فيبدل في آخرها حرفا بحرف» (٩).

ومثاله قول الخطيم المحرزي :

__________________

(١) الضحى ٩ ـ ١٠.

(٢) خزانة الادب ص ٢٩ ، وينظر أنوار الربيع ج ١ ص ١٤٠ ، التبيان في البيان ص ٤٠٦.

(٣) نضرة الاغريض ص ٥٥.

(٤) حلأه عن الماء : طرده ومنعه.

(٥) خزانة الادب ص ٣٨ ، وينظر أنوار الربيع ج ١ ص ١٩٣.

(٦) القيامة ٢٢ ـ ٢٣.

(٧) شرح عقود الجمان ص ١٤٦ ، معترك ج ١ ص ٤٠١ ، وينظر أنوار الربيع ج ١ ص ١٩٣ ، جنى الجناس ص ٢٦٧.

(٨) نضرة الاغريض ص ٧٤.

(٩) نضرة الاغريض ص ٧٢.

٢٧٨

ليالي شهر ما أعرّس ساعة

وأيام شهر ما أعرّج دائب

أطمع أنّه يجنس «أعرس» فقال : «اعرج» فابدل الجيم من السين.

ومثال التجنيس المبدل قول الزبرقان بن بدر :

فرسان صدق في الصباح إذا

كثر الصياح ولجّ في النفر

أبدل الياء من الباء :

ومنه قول العديل :

أخا شقّة قد شفّه دلج السّرى

يبيت يروم الهمّ كلّ مرام

أبدل الفاء من القاف.

التّجنيس المتشابه :

وهذا النوع من التام ، قال السكاكي : «واذا وقع أحد المتجانسين في التام مركبا ولم يكن مخالفا في الخط كقوله :

إذا ملك لم يكن ذا هبه

فدعه فدولته ذاهبه

سمي «متشابها» (١).

وذكر القزويني كلام السّكّاكي (٢) ، وعدّه الحلبي من المركّب (٣) ، وفعل مثله المدني الذي قال : «الجناس المقرون ويسمّى المتشابه ، وهو ما اتّفق ركناه لفظا وخطا» (٤). ومثّل له بالبيت السابق وبأبيات أخرى.

التّجنيس المجنّب :

قال ابن الأثير : هو «أن يجمع مؤلّف الكلام بين كلمتين إحداهما كالتبع للأخرى والجنيبة» (٥). كقول البستي :

أبا العبّاس لا تحسب لساني

لشيء من حلى الأشعار عاري

فلي طبع كسلسال معين

زلال من ذرى الأحجار جاري

وقال : «وهذا القسم له رونق وطلاوة».

التّجنيس المحرّف :

قال القزويني : «وإن اختلفا في هيئات الحروف فقط سمي محرّفا» (٦). والاختلاف قد يكون في الحركة فقط مثل : «جبّة البرد جنّة البرد» وقوله تعالى : (وَلَقَدْ أَرْسَلْنا فِيهِمْ مُنْذِرِينَ. فَانْظُرْ كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ الْمُنْذَرِينَ)(٧).

وقد يكون في الحركة والسكون كقولهم : «البدعة شرك الشّرك» وقول أبي العلاء :

والحسن يظهر في بيتين رونقه

بيت من الشّعر أو بيت من الشّعر

وهذا هو التجنيس الناقص عند السكاكي (٨).

وقال الحموي : «هو ما اتفق ركناه في عدد الحروف وترتيبها واختلفا في الحركات سواء كانا من اسمين أو فعلين او من اسم وفعل أو من غير ذلك» (٩). وقد سماه «جناس التحريف» وقد تقدم.

التّجنيس المحض :

قال المظفر العلوي : «ومعنى المحض الخالص وكأنه من أصل واحد في مسموع حروفه» (١٠).

__________________

(١) مفتاح العلوم ص ٢٠٣.

(٢) الايضاح ص ٣٨٤ ، التلخيص ص ٣٨٩ ، وينظر الاطول ج ٢ ص ٢٢٤.

(٣) حسن التوسل ص ١٨٨.

(٤) أنوار الربيع ج ١ ص ٩٨.

(٥) المثل السائر ج ١ ص ٢٦٣ ، الجامع ص ٢٦٣.

(٦) الايضاح ص ٣٨٤ ، التلخيص ص ٣٨٩.

(٧) الصافات ٧٢ ـ ٧٣.

(٨) مفتاح العلوم ص ٢٠٢.

(٩) خزانة الادب ص ٣٦.

(١٠) نضرة الاغريض ص ٥١.

٢٧٩

ومنه قول أبي حية البجلي :

يعدّها للعدى فتيان عادية

وكل كهل رحيب الباع صهميم (١)

قوله : «العدى» و «عادية» تجنيس محض.

وقال يزيد بن جدعاء :

وهم صبّحوا أخرى ضرارا ورهطه

وهم تركوا المأموم وهو أميم

«المأموم» الذي يهذي من أم رأسه ، و «الأميم» حجر يشدخ به الرأس.

التّجنيس المحقّق :

قال ابن رشيق : «التجنيس المحقّق ما اتّفقت فيه الحروف دون الوزن رجع الى الاشتقاق أو لم يرجع» (٢). كقول أحد بني عبس :

وذلكم أنّ ذلّ الجار حالفكم

وأنّ أنفكم لا يعرف الأنفا

فاتفقت «الأنف» مع «الأنف» في جميع حروفهما دون البناء ، ورجعا الى أصل واحد ، وهذا عند قدامة (٣) أفضل تجنيس وقع.

ومثله في الاشتقاق قول جرير ـ والجرجاني يسميه التّجنيس المطلق (٤) :

وما زال معقولا عقال عن النّدى

وما زال محبوسا عن الخير حابس

التّجنيس المخالف :

قال الحلبي والنويري : «هو أن تشتمل كل واحدة من الكلمتين على حروف الأخرى دون ترتيبها» (٥).

كقول أبي تمام :

بيض الصفائح لا سود الصحائف في

متونهنّ جلاء الشّك والرّيب

وقول البحتري :

شواجر أرماح تقطع بينهم

شواجر أرحام ملوم قطوعها

وقول المتنبّي :

ممنّعة منعّمة رداح

يكلّف لفظها الطير الوقوعا (٦)

والبيت الأول من شواهد «تجنيس العكس».

التّجنيس المختلف :

هذا النوع من التجنيس الناقص (٧) ، وقد قال ابن الزّملكاني : «ثم النقص إن وقع بتغير الحركات سمّي المختلف» (٨). وذكره المظفر العلوي بهذا الاسم (٩) ، وقال الحلبي والنويري : «ومنه المختلف ويسمى التجنيس الناقص» (١٠).

والاختلاف إما في الحركة كقوله ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ : «اللهمّ كما حسّنت خلقي فحسّن خلقي». وقول أبي العلاء :

لغيري زكاة من جمال فان تكن

زكاة جمال فاذكري ابن سبيل

__________________

(١) الصهميم من الرجال : الشجاع الذي يركب رأسه لا يثنيه شيء عما يريد ويهوى.

(٢) العمدة ج ١ ص ٣٢٣.

(٣) نقد الشعر ص ١٨٩.

(٤) الوساطة ص ٤١.

(٥) حسن التوسل ص ١٩٦ ، نهاية الارب ج ٧ ص ٩٧ ، جنى الجناس ص ١٩٧.

(٦) أي هي منعمة لا يقدر عليها أحد. الرداح : ضخمة العجيزة.

(٧) نهاية الايجاز ص ٢٨ ، الطراز ج ٢ ص ٣٥٩.

(٨) التبيان ص ١٦٦ ، وينظر الايضاح في شرح مقامات الحريري ص ١٠.

(٩) نضرة الاغريض ص ٧٨.

(١٠) حسن التوسل ص ١٨٦ ، نهاية الارب ج ٧ ص ٩١.

٢٨٠