معجم المصطلحات البلاغيّة وتطوّرها

الدكتور أحمد مطلوب

معجم المصطلحات البلاغيّة وتطوّرها

المؤلف:

الدكتور أحمد مطلوب


الموضوع : اللغة والبلاغة
الناشر: مكتبة لبنان ناشرون
الطبعة: ٠
الصفحات: ٧٠٥

الأوصاف :

وصف الشيء له وعليه وصفا وصفة : حلّاه. وقال الليث : الوصف وصفك الشيء بحليته ونعته ، وتواصفوا الشيء من الوصف (١).

وكان قدامة قد تحدث عن نعت الوصف وقال : «الوصف إنّما هو ذكر الشيء بما فيه من الأحوال والهيئات ، ولما كان أكثر وصف الشعراء انما يقع على الأشياء المركبة من ضروب المعاني كان أحسنهم وصفا من أتى في شعره بأكثر المعاني التي الموصوف مركب منها ثم بأظهرها فيه وأولاها حتى يحكيه بشعره ويمثله للحس بنعته» (٢).

وتكلم ابن رشيق على الوصف وقال : «الشعر إلا أقله راجع الى باب الوصف ولا سبيل الى حصره واستقصائه ، وهو مناسب للتشبيه مشتمل عليه وليس به ؛ لأنّه كثيرا ما يأتي في أضعافه. والفرق بين الوصف والتشبيه أنّ هذا إخبار عن حقيقة الشيء وأنّ ذلك مجاز وتمثيل. وأحسن الوصف ما نعت به الشيء حتى يكاد يمثله عيانا للسامع» (٣).

وعقد ابن الاثير الحلبي بابا سماه «باب الأوصاف والنعوت» وقال : «وحدّ الوصف أنّه ذكر الشيء بما فيه من الأحوال والهيئات والفرق بين الوصف والتشبيه أنّ الوصف إخبار عن حقيقة الشيء وأنّ التشبيه مجاز وتمثيل. وأحسن الوصف ما نعت به الشيء حتى يمثل للسامع حضور المنعوت وتنزيل النعوت التي نعت بها على الأجزاء الموصوفة» (٤) ولكنّ كثيرا من الأوصاف لا تكون بديعة من غير مجاز ولذلك ترتبط هذه الصور بالتشبيه أو التمثيل ، ومعظم الأمثلة التي ذكرها ابن الأثير الحلبي تعتمد على ذلك ؛ ومن هنا كان هذا الباب أقرب الى باب التشبيه.

ومن الأمثلة التي ذكرها قول البحتري :

وأغرّ في الزمن البهيم محجل

قد رحت منه على أغرّ محجّل

كالهيكل المبنيّ إلا أنه

في الحسن جاء كصورة في هيكل

تتوهم الجوزاء في أرساغه

والبدر غرّة وجهه المتهلّل

صافي الاديم كأنما عنيت به

لصفاء نقبته مداوس صيقل (٥)

ومنه قول المتنبي :

وخيل تغتدي ريح الموامي

ويكفيها من الماء السّراب

رميتهم ببحر من حديد

له في البرّ خلفهم عباب

فمسّاهم وبسطهم حرير

وصبّحهم وبسطهم تراب

ومن في كفه منهم قناة

كمن في كفه منهم خضاب (٦)

الإيجاب والسّلب :

وجب الشيء يجب وجوبا أي : لزم وأوجبه هو وأوجبه الله واستوجبه أي : استحقه. ووجب البيع يجب جبة وأوجبت البيع فوجب ، وقد أوجب لك البيع وأوجبه هو ايجابا اي : لزم وألزمه (٧).

وسلبه الشيء يسلبه سلبا أخذه منه ، والسلب نقيض الايجاب وهو القبول والالزام (٨)

__________________

(١) اللسان (وصف).

(٢) نقد الشعر ص ١٣٤.

(٣) العمدة ج ٢ ص ٢٩٤.

(٤) جوهر الكنز ص ٧١.

(٥) الجوزاء ؛ برج في السماء. النقبة ؛ اللون.

المداوس ؛ جمع مدوس وهو المصقل تصقل به السيوف. الصيقل ؛ الذي يصقل السيوف.

(٦) الموامي جمع موماة وهي الفلاة التي لا ماء فيها.

(٧) اللسان (وجب).

(٨) اللسان (سلب).

٢٠١

وكان قدامة قد تحدث عن هذا الموضوع وقال : «ومما جاء في الشعر من التناقض على طريق الايجاب والسلب قول عبد الرحمن بن عبد الله القس :

أرى هجرها والقتل مثلين فاقصروا

ملامكم فالقتل أفى وأيسر

فأوجب هذا الشاعر الهجر والقتل أنّهما مثلان ثم سلبهما ذلك بقوله : «إنّ القتل أعفى وأيسر» فكأنه قال :إنّ القتل مثل الهجر وليس مثله. وأرى أنّ هذا الشاعر أراد أن يقول : بل القتل أعفى وأيسر ، ولو قال : «بل» لكان الشعر مستقيما لأنّ مقام لفظة «بل» مقام ما ينفي الماضي ويثبت المستأنف. لكنه لما لم يقلها وأتى بجمع الاثبات ونفيه استحال شعره. وليس إذا علمنا أنّ شاعرا أراد لفظة تقيم شعره فجعل مكانها لفظة تحيله وتفسده وجب أن يحتسب له ما توهّم أنّه أراده ويترك ما قد صرّح به ، ولو كانت الأمور كلها تجري على هذا لم يكن خطأ» (١).

الإيجاز :

وجز الكلام وجازة ووجزا وأوجز : قلّ في بلاغة ، وأوجزه اختصره. ويقال : أوجز فلان ايجازا في كل أمر ، وأمر وجيز وكلام وجيز أي : خفيف مقتصر. (٢)

فالايجاز أن يكون اللفظ أقل من المعنى مع الوفاء به وإلا كان إخلالا يفسد الكلام. أو هو «قلة عدد اللفظ مع كثرة المعاني» (٣). وقد سأل معاوية صحار بن عياش العبدي : «ما تعدّون البلاغة فيكم؟». قال :الايجاز. قال له معاوية : وما الايجاز؟ قال صحار : أن تجيب فلا تبطئ وتقول فلا تخطئ (٤).

وأسلوب الايجاز من أهم خصائص اللغة العربية ، فقد كان العرب لا يميلون الى الاطالة والاسهاب وكانوا يعدون الايجاز هو البلاغة ، فأكثم بن صيفي رأى أنّ البلاغة هي الايجاز ، وكان جعفر بن يحيى يقول لكتّابه : «إن قدرتم أن تجعلوا كتبكم توقيعات فافعلوا» (٥). وفعلوا مثل ذلك في القصائد وقد قيل لبعضهم : ما لك لا تزيد على أربعة واثنين؟ قال : هي بالقلوب أوقع ، والى الحفظ أسرع ، وبالالسن أعلق ، وللمعاني أجمع ، وصاحبها أبلغ وأوجز (٦). وقال أبو عبيدة : «العرب تختصر الكلام ليخففوه لعلم المستمع بتمامه فكأنّه في تمام القول» (٧). وقال الجاحظ : «وأحسن الكلام ما كان قليله يغنيك عن كثيره» (٨) ولكنه قال : «والايجاز ليس يعني قلة عدد الحروف واللفظ ، وقد يكون الباب من الكلام من أتى عليه فيما يسع بطن طومار (٩) فقد أوجز ، وكذلك الاطالة. وإنّما ينبغي له أن يحذف بقدر ما لا يكون سببا لاغلاقه ولا يردد وهو يكتفي في الافهام بشطره ، فما فضل عن المقدار فهو الخطل (١٠)». وعدّ ابن المقفع الايجاز هو البلاغة (١١).

وكان لهذه الصفة التي أولع بها العرب أن اهتم البلاغيون والنقاد باسلوب الايجاز ووضعوا له حدودا وأقساما وبينوا مواضعه (١٢) ، لأنّه ليس بمحمود في كل

__________________

(١) نقد الشعر ص ٢٣٩ ، الموشح ص ٣٥٣.

(٢) اللسان (وجز).

(٣) البيان ج ٢ ص ٢٨.

(٤) البيان ج ١ ص ٩٦ ، الحيوان ج ١ ص ٩١.

(٥) البيان ج ١ ص ٨٦ ، كتاب الصناعتين ص ١٧٣.

(٦) كتاب الصناعتين ص ١٧٤.

(٧) مجاز القرآن ج ١ ص ١١١.

(٨) البيان ج ١ ص ٨٣.

(٩) الطومار ؛ الصحيفة.

(١٠) الحيوان ج ١ ص ٩١.

(١١) البيان ج ١ ص ١١٦.

(١٢) ايضاح ذلك في ؛ الكتاب ج ١ ص ٢١١ ، مجاز القرآن ج ١ ص ١١١ ، البيان ج ١ ص ٨٣ ، ٩٠ ، ٩١ ، ٩٦ ، ٩٧ ، ١٠٧ ، ١١٥ ، ١١٦ ، ١٥٥ ، ج ٢ ص ١٧ ، ٢٨ ، ٦٨ ، الحيوان ج ١ ص ٤٤ ، ٩١ ، ٩٤ ، ج ٣ ص ٧٢ ، ٧٦ ، ج ٦ ص ٧ ، عيون الاخبار ج ٢ ص ١٧٢ ، النكت في إعجاز القرآن ص ٧٠ ، الخصائص ج ١ ص ٢٨ ، ٢٩ ، ٨٣ ، ٨٦ ، كتاب الصناعتين ص ١٧٣ ، ١٧٥ ، إعجاز القرآن ص ٣٩٦ ، زهر الآداب ج ١ ص ١١٤ ، ـ ـ العمدة ج ١ ص ٢٢١ ، ٢٥٠ ، سر الفصاحة ص ٢٤٥ ، الرسالة العسجدية ص ٨٨ ، نهاية الايجاز ص ١٤٥ ، مفتاح العلوم ص ١٣٣ ، الأقصى القريب ص ٦٠ ، نهاية الارب ج ٧ ص ٤ ، المثل السائر ج ٢ ص ٧١ ، ٧٤ ، ١٢٩ ، الجامع الكبير ص ١٢٢ ، التبيان ص ١١٠ ، البرهان الكاشف ص ٢٣٢ ، تحرير التحبير ص ٤٥٩ ، بديع القرآن ص ١٧٩ ، جوهر الكنز ص ٢٦٨ ، الايضاح ص ١٨٢ ، التلخيص ص ٢٠٩ ، شروح التلخيص ج ٣ ص ١٦٠ ، الطراز ج ٣ ص ٣١٦ ، منهاج البلغاء ص ١٧٤ ، الفوائد ص ٦٨ ، المطول ص ٢٨٧ ، الاطول ج ٢ ص ٣٢. البرهان ج ٣ ص ٢٢٠ ، خزانة الادب ص ٣٦٤ ، معترك ج ١ ص ٢٩٥ الاتقان ج ٢ ص ٥٣ ، شرح عقود الجمان ص ٦٧ ، ٧٠ ، حلية اللب ص ٩٩ ، أنوار الربيع ج ٦ ص ٢٣٩ ، شرح الكافية ص ١٧٨.

٢٠٢

موضع ، ولا بمختار في كل كتاب ، بل لكل مقام مقال ، والى ذلك أشار ابن قتيبة بقوله : «لو كان الايجاز محمودا في كل الأحوال لجرّده الله تعالى في القرآن ، ولم يفعل الله ذلك ، ولكنه أطال تارة للتوكيد وحذف تارة للايجاز وكرر تارة للافهام» (١).

وقال ابن جني إنّ الإطالة والإيجاز هما في كل كلام مستقل بنفسه ولو بلغ الايجاز غايته لم يكن له بدّ من أن يعطيك تمامه وفائدته مع أنّه لا بدّ فيه من تركيب الجملة فان نقصت عن ذلك لم يكن هناك استحسان ولا استعذاب ، وقال إنّ العرب الى «الايجاز أميل وعن الاكثار أبعد» وضرب مثلا بالقرآن الكريم وما فيه من الحذف الذي يجعل الكلام موجزا (٢). ومعنى ذلك أنّ الايجاز ضروري كغيره إذا أراد المتكلم أن يكون مطابقا لمقتضى الحال ولذلك قال العسكري : «إنّ الايجاز والاطناب يحتاج اليهما في جميع الكلام وكل نوع منه ولكل واحد منهما موضع ، فالحاجة الى الايجاز في موضعه كالحاجة الى الاطناب في مكانه ، فمن أزال التدبير في ذلك عن وجهته واستعمل الاطناب في موضع الايجاز واستعمل الايجاز في موضع الاطناب أخطأ» (٣).

وتحدث ابن رشيق عنه وذكر تعريف الرماني وهو : «الايجاز هو العبارة عن الغرض بأقل ما يمكن من الحروف» (٤). وسماه ابن سنان «الاشارة» وقال عنه : «هو أن يكون المعنى زائدا على اللفظ ، أي أنّه لفظ موجز يدل على معنى طويل على وجه الاشارة واللمحة» (٥). والمختار عنده في الفصاحة والدال على البلاغة هو أن يكون المعنى مساويا للفظ أو زائدا عليه ، أي أن يكون اللفظ القليل يدل على المعنى الكثير دلالة واضحة ظاهرة لا أن تكون الالفاظ لفرط ايجازها قد ألبست المعنى وأغمضته حتى يحتاج في استنباطه الى طرف من التأمل ودقيق الفكر.

وعرّفه الكلاعي تعريفا بديعا فقال إنه «ما ثوب لفظه كثوب المؤمن» (٦) ، وقال الرازي : «إنّه العبارة عن الغرض بأقل ما يمكن من الحروف من غير إخلال» (٧). وقال السكاكي إنّ الايجاز والاطناب من الامور النسبية كالأبوة والبنوة ، وهي التي يتوقف تعقلها على تعقل غيرها ، فانّ الكلام الموجز إنما يدرك من حيث وصفه بالايجاز بالقياس الى كلام آخر اكثر منه وكذلك المطنب انما يدرك من حيث وصفه بالاطناب الى كلام آخر يكون أقل منه ، أي أنّه جعل متعارف الأوساط مقياسا له ، وقال : «فالايجاز هو أداء المقصود من الكلام بأقل من عبارات متعارف الأوساط ، والاطناب هو أداؤه بأكثر من عباراتهم سواء كانت القلة والكثرة راجعة الى الجمل أو الى

__________________

(١) أدب الكاتب ص ١٥.

(٢) الخصائص ج ١ ص ٣٠ ، ٨٣ ، ٨٦.

(٣) كتاب الصناعتين ص ١٩٠.

(٤) العمدة ج ١ ص ٢٥٠ ، النكت في إعجاز القرآن ص ٧٠.

(٥) سر الفصاحة ص ٢٤٣.

(٦) إحكام صنعة الكلام ص ٨٩.

(٧) نهاية الايجاز ص ١٤٥.

٢٠٣

غير الجمل» (١).

وتحدث عنه ابن الأثير وعقد له فصلا في «المثل السائر» وفصلا في «الجامع الكبير» وقال في تعريفه : «هو حذف زيادات الألفاظ» (٢) ثم قال : «حدّ الايجاز هو دلالة اللفظ على المعنى من غير أن يزيد عليه ، والتطويل هو ضد ذلك ، وهو أن يدلّ على المعنى بلفظ يكفيك بعضه في الدلالة عليه» (٣) وسماه ابن الزمكاني الاشارة كما سماه ابن سنان وقال : «هو إثبات المعاني المتكثرة باللفظ القليل» (٤). وقال العلوي : «هو في مصطلح أهل هذه الصناعة عبارة عن تأدية المقصود من الكلام بأقل من عبارة متعارف عليها» (٥). وقال السجلماسي : «هو قول مركب من أجزاء فيه مشتملة بمجموعها على مضمون تدل عليه من غير مزيد» (٦).

وهذه التعريفات كلها لا تخرج عن القول بأنّ الايجاز هو التعبير عن المعنى بألفاظ قليلة تدل عليه دلالة واضحة.

والايجاز عدة أنواع تحدث عنها المتقدمون ، ولكنهم أجمعوا على تقسيمه الى ايجاز قصر وايجاز حذف.

إيجاز التّقدير :

ايجاز التقدير هو ما ساوى لفظة معناه وقد عدّه ابن الاثير (٧) القسم الأول من الايجاز الذي لا يحذف منه شيء. وسماه ابن مالك «ايجاز التضييق» وذكر السيوطي هذه التسمية (٨). ومن ذلك قوله تعالى : (قُتِلَ الْإِنْسانُ ما أَكْفَرَهُ. مِنْ أَيِّ شَيْءٍ خَلَقَهُ. مِنْ نُطْفَةٍ خَلَقَهُ فَقَدَّرَهُ. ثُمَّ السَّبِيلَ يَسَّرَهُ. ثُمَّ أَماتَهُ فَأَقْبَرَهُ. ثُمَّ إِذا شاءَ أَنْشَرَهُ. كَلَّا لَمَّا يَقْضِ ما أَمَرَهُ)(٩). فقوله : (قُتِلَ الْإِنْسانُ) دعاء عليه وقوله : (ما أَكْفَرَهُ) تعجب من إفراطه في كفران نعمة الله عليه. ولا نرى أسلوبا أغلظ من هذا الدعاء والتعجب ولا أخشن حسّا ولا أدل سخط مع تقارب طرفيه ولا أجمع للائمة على قصر متنه ثم أنّه أخذ في صفة حاله من ابتداء حدوثه الى منتهى زمانه فقال : (مِنْ أَيِّ شَيْءٍ خَلَقَهُ) ثم بيّن الشيء الذي خلق منه بقوله : (مِنْ نُطْفَةٍ خَلَقَهُ فَقَدَّرَهُ) أي هيأه لما يصلح له (ثُمَّ السَّبِيلَ يَسَّرَهُ) أي سهّل سبيله وهو مخرجه من بطن أمه أو السبيل الذي يختار سلوكه من طريقي الخير والشر ، والأول أولى لانه تال لخلقته وتقديره. ثم بعد ذلك يكون تيسير سبيله لما يختاره من طريقي الخير والشر (ثُمَّ أَماتَهُ فَأَقْبَرَهُ) أي جعله ذا قبر يوارى فيه (ثُمَّ إِذا شاءَ أَنْشَرَهُ) أي : أحياه (كَلَّا) ردع للانسان عما هو عليه (لَمَّا يَقْضِ ما أَمَرَهُ) أي لم يقض مع تطاول زمانه ما أمره الله به ، يعني أنّ انسانا لم يخل من تقصير قط ، ألا ترى الى هذا الكلام الذي لو أردت أن تحذف منه كلمة واحدة لما قدرت على ذلك لأنّك تذهب بجزء من معناه ، والايجاز «هو أن لا يمكنك أن تسقط شيئا من ألفاظه» (١٠).

ومنه قوله ـ عليه الصلاة والسّلام ـ : «الحلال بيّن والحرام بيّن وبينهما أمور متشابهات». وهذا الحديث من أجمع الأحاديث للمعاني الكثيرة ، وذلك إنه يشتمل على جلّ الأحكام الشرعية فانّ الحلال والحرام إما أن يكون الحكم فيهما بينا لا خلاف فيه بين العلماء ، وإما أن يكون خافيا تتجاذبه وجوه

__________________

(١) مفتاح العلوم ص ١٣٣.

(٢) المثل السائر ج ٢ ص ٧١ ، الجامع الكبير ص ١٢٢.

(٣) المثل ج ٢ ص ٧٤.

(٤) التبيان ص ١١٠ ، البرهان الكاشف ص ٢٣٢ ، وينظر الايضاح في شرح مقامات الحريري ص ٨ ، ونفحات ص ٢٨٣ ، التبيان في البيان ص ١١٦.

(٥) الطراز ج ٣ ص ٣١٦.

(٦) المنزع البديع ص ١٨١ ، الروض المريع ص ١٤١.

(٧) المثل ج ٢ ص ٧٨ ، ١١٤ ، الجامع ص ١٤٢ ، وينظر الطراز ج ٢ ص ١٢٠.

(٨) المصباح ص ٣٦ ، شرح عقود الجمان ص ٦٩.

(٩) عبس ١٧ ـ ٢٣.

(١٠) المثل السائر ج ٢ ص ١١٥.

٢٠٤

التأويلات ، فكل منهم يذهب فيه مذهبا.

ومنه قول النابغة الذبياني :

وإنّك كالليل الذي هو مدركي

وإن خلت أنّ المنتأى عنك واسع

وتخصيصه الليل دون النهار مما يسأل عنه.

ومما يجري هذا المجرى قول جرير :

تمنّى رجال من تميم منيّتي

وما ذاد عن أحسابهم ذائد مثلي

فلو شاء قومي كان حلمي فيهم

وكا على جهّال أعدائهم جهلي

ومن هذا الضرب قول أبي نواس :

ودار ندامى عطّلوها وأدلجوا

بها أثر منهم جديد ودارس

مساحب من جرّ الزقاق على الثرى

وأضغاث ريحان جنيّ ويابس

حبست بها صحبي فجددت عهدهم

وإنّي على أمثال تلك لحابس

فللراح ما زرّت عليه جيوبها

وللماء ما دارت عليه القلانس

الإيجاز الجامع :

هو القسم الثالث من أقسام الإيجاز الخالي من الحذف وهو ما ذكره ابن مالك وقال : «أن يكون المعنى عندك خليقا بمزيد البسط فتتركه الى بسط أخصر منه لتوخي نكتة» (١). وذكره الطيبي في «التبيان» ونقله عنه السيوطي وقال : «هو أن يحتوي اللفظ على معان متعددة» (٢) كقوله تعالى : (إِنَّ اللهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسانِ)(٣) فان العدل هو الصراط المستقيم المتوسط بين طرفي الافراط والتفريط المومي به الى جميع الواجبات في الاعتقاد والأخلاق والعبودية ، والاحسان هو الاخلاص في واجبات العبودية.

إيجاز الحذف :

سماه أبو عبيدة «مجاز المختصر» (٤) ، وسماه الجاحظ «الايجاز المحذوف» وسماه «الكلام المحذوف» (٥). وهو ما يكون بحذف كلمة أو جملة أو اكثر مع قرينة تعيّن المحذوف ، أو هو كما قال ابن الاثير : «ما يحذف منه المفرد والجملة لدلالة فحوى الكلام على المحذوف ولا يكون إلا فيما زاد معناه على لفظه» (٦). وقال : أمّا الايجاز بالحذف فإنّه عجيب الأمر أشبه بالسحر ، وذاك انك ترى فيه ترك الذكر أفصح من الذكر ، والصمت عن الافادة أزيد للافادة وتجدك أنطق ما تكون إذا لم تنطق ، وأتم ما تكون مبينا إذا لم تبيّن. وهذه جملة تنكرها حتى تخبرها وتدفعها حتى تنظر. والأصل في المحذوفات جميعا على اختلاف ضروبها أن يكون في الكلام ما يدل على المحذوف فان لم يكن هناك دليل على المحذوف فانه لغو من الحديث لا يجوز بوجه ولا سبب. ومن شرط المحذوف في حكم البلاغة أنّه متى أظهر صار الكلام الى شيء غث لا يناسب ما كان عليه أولا من الطلاوة والحسن» (٧).

وأدلة الحذف كثيرة منها :

١ ـ أن يدلّ العقل على الحذف والمقصود الأظهر على تعيين المحذوف كقوله تعالى : (حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ وَالدَّمُ وَلَحْمُ الْخِنْزِيرِ)(٨). فالعقل يدل على الحذف والمقصود الأظهر يرشد الى أنّ التقدير :حرّم عليكم تناول الميتة والدم ولحم الخنزير ؛ لأنّ

__________________

(١) المصباح ص ٣٨.

(٢) شرح عقود الجمان ص ٦٩.

(٣) النحل ٩٠.

(٤) مجاز القرآن ج ٢ ص ٢ ، ٩٨.

(٥) الحيوان ج ٣ ص ٧٥ ، البيان ج ٢ ص ٢٧٨.

(٦) المثل السائر ج ٢ ص ٧٨.

(٧) المثل ج ٢ ص ٨١.

(٨) المائدة ٣.

٢٠٥

الغرض الأظهر منها تناولها.

٢ ـ أن يدلّ العقل على الحذف والتعيين كقوله تعالى : (وَجاءَ رَبُّكَ)(١) أي : أمر ربك أو عذابه أو بأسه.

٣ ـ أن يدلّ الفعل على الحذف والعادة على التعيين كقوله تعالى حكاية عن امرأة العزيز :

(فَذلِكُنَّ الَّذِي لُمْتُنَّنِي فِيهِ)(٢). دل العقل على الحذف فيه ؛ لأنّ الانسان إنّما يلام على كسبه فيحتمل أن يكون التقدير «في حبه» ، لقوله : (قَدْ شَغَفَها حُبًّا)(٣) ، وأن يكون «في مراودته لقوله : (تُراوِدُ فَتاها عَنْ نَفْسِهِ)(٤) وأن يكون «في شأنه وأمره» فيشملهما. والعادة دلّت على تعيين المراودة لأنّ الحبّ المفرط لا يلام الانسان عليه في العادة لقهره صاحبه وغلبته إياه ، وإنّما يلام على المراودة الداخلة تحت كسبه التي يقدر أن يدفعها عن نفسه.

٤ ـ أن تدلّ العادة على الحذف والتعيين كقوله تعالى : (لَوْ نَعْلَمُ قِتالاً لَاتَّبَعْناكُمْ)(٥) من أنّهم كانوا أخبر الناس بالحرب فكيف يقولون بأنّهم لا يعرفونها؟ فلا بدّ من حذف ، وتقديره : «مكان قتل» أي أنكم تقاتلون في موضع لا يصلح للقتال ويخشى عليكم منه ، ويدل عليه أنّهم أشاروا على رسول الله ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ أن لا يخرج من المدينة وأنّ الحزم البقاء فيها.

٥ ـ الشروع في الفعل كقول المؤمن : «بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ» عند الشروع في القراءة أو أي عمل ، فانه يفيد أنّ المراد : «بسم الله أقرأ» والمحذوف بقدر ما جعلت التسمية مبدأ له.

٦ ـ اقتران الكلام بالفعل فانه يفيد تقديره كقولنا لمن أعرس : «بالرفاء والبنين» فانه يفيد : بالرفاء والبنين أعرست (٦).

والمحذوف نوعان :

الأول : حذف جزء جملة ، وهو حذف المفردات ، ويكون على صور مختلفة.

١ ـ حذف الفاعل : كقول العرب : «أرسلت» وهم يريدون : «جاء المطر» ولا يذكرون السماء. ومنه قوله تعالى : (كَلَّا إِذا بَلَغَتِ التَّراقِيَ وَقِيلَ مَنْ راقٍ)(٧) ، والضمير في (بَلَغَتِ) للنفس ولم يجر لها ذكر.

ومنه قول حاتم :

أماويّ ما يغني الثراء عن الفتى

إذا حشرجت يوما وضاق بها الصّدر

يريد : النفس ، ولم يجر لها ذكر.

٢ ـ حذف الفعل وجوابه : وهو نوعان :

أحدهما : يظهر بدلالة المفعول عليه كقوله تعالى : (فَقالَ لَهُمْ رَسُولُ اللهِ : ناقَةَ اللهِ وَسُقْياها)(٨) أي :احذروا.

وقول المتنبي :

ولو لا أنّ أكثر ما تمنّى

معاودة لقلت ولا مناكا

أي : ولا صاحبت مناكا.

وثانيهما : لا يظهر فيه قسم الفعل ؛ لأنّه لا يكون هناك منصوب يدل عليه ، وإنّما يظهر بالنظر الى ملاءمة الكلام كقوله تعالى : (وَعُرِضُوا عَلى رَبِّكَ صَفًّا لَقَدْ جِئْتُمُونا كَما خَلَقْناكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ)(٩).

فقوله : (لَقَدْ جِئْتُمُونا) يحتاج الى اضمار فعل ؛ أي : فقيل لهم : لقد جئتمونا ، أو فقلنا لهم.

ومن هذا الضرب ايقاع الفعل على شيئين وهو

__________________

(١) الفجر ٢٢.

(٢) يوسف ٣٢.

(٣) يوسف ٣٠.

(٤) يوسف ٣٠.

(٥) آل عمران ١٦٧.

(٦) الايضاح ص ١٩٣ ، شروح التلخيص ج ٣ ص ٢٠٣.

(٧) القيامة ٢٦ ـ ٢٧.

(٨) الشمس ١٣.

(٩) الكهف ٤٨.

٢٠٦

لأحدهما كقوله تعالى : (فَأَجْمِعُوا أَمْرَكُمْ وَشُرَكاءَكُمْ)(١) وهو لـ «أمركم» وحده ، وانما المراد : أجمعوا أمركم وادعوا شركاءكم.

ومن حذف الفعل باب يسمى «باب إقامة المصدر مقام الفعل» ويؤتي به لضرب من المبالغة والتوكيد كقوله تعالى : (فَإِذا لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا فَضَرْبَ الرِّقابِ)(٢) أي : فاضربوا الرقاب ضربا ، حذف الفعل وأقيم المصدر مقامه وفي ذلك اختصار وتوكيد.

وأما حذف جواب الفعل فانه لا يكون في الأمر المحتوم كقوله تعالى : (فَذَرْهُمْ يَخُوضُوا وَيَلْعَبُوا*)(٣) لأنّهما جواب أمر (فَذَرْهُمْ*) وحذف الجواب في هذا لا يدخل في باب الايجاز.

٣ ـ حذف المفعول به كقوله تعالى : (وَأَنَّهُ هُوَ أَضْحَكَ وَأَبْكى. وَأَنَّهُ هُوَ أَماتَ وَأَحْيا)(٤). فبعد كل فعل مفعول به محذوف. ويكون ذلك لأغراض منها أن يكون غرض المتكلم بيان حال الفعل والفاعل فقط أو أن يكون غرض المتكلم ذكره ولكنه يحذفه ليوهم أنّه لم يقصد كقول البحتري :

شجو حسّاده وغيظ عداه

أن يرى مبصر ويسمع واع

أي : أن يرى مبصر محاسنه ويسمع واع أخباره.

او أن يحذف لأنّه معلوم ويأتي هذا بعد فعل المشيئة كقوله تعالى : (وَلَوْ شاءَ اللهُ لَذَهَبَ بِسَمْعِهِمْ وَأَبْصارِهِمْ)(٥) أي : لو شاء الله أن يذهب بسمعهم وأبصارهم لذهب بها.

ومنه قول البحتري :

لو شئت لم تفسد سماحة حاتم

كرما ولم تهدم مآثر خالد

أي : لو شئت أن لا تفسد سماحة حاتم لم تفسدها ، فحذف ذلك من الأول استغناء بدلالته عليه في الثاني (٦).

٤ ـ حذف المضاف أو المضاف اليه واقامة كل واحد منهما مقام الآخر ، فمن حذف المضاف قوله تعالى : (وَسْئَلِ الْقَرْيَةَ)(٧) أي : أهلها. ومن حذف المضاف اليه قوله : (لِلَّهِ الْأَمْرُ مِنْ قَبْلُ وَمِنْ بَعْدُ)(٨) ، أي : من قبل ذلك ومن بعد ذلك.

٥ ـ حذف الموصوف أو الصفة وإقامة كل واحد منهما مقام الآخر. فمن حذف الموصوف قوله تعالى :(وَآتَيْنا ثَمُودَ النَّاقَةَ مُبْصِرَةً)(٩) أي : آية مبصرة ، ولم يرد الناقة فإنّها لا معنى لها لو وصفها بالبصر.

ومن حذف الصفة قوله : (وَكانَ وَراءَهُمْ مَلِكٌ يَأْخُذُ كُلَّ سَفِينَةٍ غَصْباً)(١٠) أي : كل سفينة صحيحة أو صالحة.

٦ ـ حذف الشرط أو جوابه ، ومثال حذف الشرط قوله تعالى : (يا عِبادِيَ الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ أَرْضِي واسِعَةٌ فَإِيَّايَ فَاعْبُدُونِ)(١١) ، فالفاء في قوله : (فَاعْبُدُونِ) جواب شرط محذوف والمعنى : أنّ أرضي واسعة فإن لم تخلصوا لي العبادة في أرض فاخلصوها في غيرها.

ومنه قول الشاعر :

قالوا خراسان أقصى ما يراد بنا

ثم القفول ، فقد جئنا خراسانا

كأنه قال : إن صحّ ما قلتم انّ خراسان أقصى ما يراد بنا فقد جئنا خراسان وآن لنا أن نخلص.

ومن حذف جواب الشرط قوله تعالى : (قُلْ أَرَأَيْتُمْ

__________________

(١) يونس ٧١.

(٢) محمد ٤.

(٣) الزخرف ٨٣ ، المعارج ٤٢.

(٤) النجم ٤٣ ـ ٤٤.

(٥) البقرة ٢٠.

(٦) المثل السائر ج ٢ ص ٩٧ ، بديع القرآن ص ١٨٥ ، الطراز ج ٢ ص ١٠٤.

(٧) يوسف ٨٢.

(٨) الروم ٤.

(٩) الاسراء ٥٩.

(١٠) الكهف ٧٩.

(١١) العنكبوت ٥٦.

٢٠٧

إِنْ كانَ مِنْ عِنْدِ اللهِ وَكَفَرْتُمْ بِهِ وَشَهِدَ شاهِدٌ مِنْ بَنِي إِسْرائِيلَ عَلى مِثْلِهِ فَآمَنَ وَاسْتَكْبَرْتُمْ إِنَّ اللهَ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ)(١). فان جواب الشرط هنا محذوف تقديره : إن كان القرآن من عند الله وكفرتم به ألستم ظالمين؟ ويدلّ على المحذوف قوله تعالى : (إِنَّ اللهَ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ.)

٧ ـ حذف القسم أو جوابه ، ومثال حذف القسم : «لأفعلنّ» أي : والله لأفعلنّ. ومثال حذف جوابه قوله تعالى : (وَالْفَجْرِ. وَلَيالٍ عَشْرٍ. وَالشَّفْعِ وَالْوَتْرِ. وَاللَّيْلِ إِذا يَسْرِ. هَلْ فِي ذلِكَ قَسَمٌ لِذِي حِجْرٍ. أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِعادٍ. إِرَمَ ذاتِ الْعِمادِ. الَّتِي لَمْ يُخْلَقْ مِثْلُها فِي الْبِلادِ)(٢). أي : ليعذبن أو نحوه.

٨ ـ حذف «لو» أو جوابها ، ومثال حذف «لو» قوله تعالى : (مَا اتَّخَذَ اللهُ مِنْ وَلَدٍ وَما كانَ مَعَهُ مِنْ إِلهٍ إِذاً لَذَهَبَ كُلُّ إِلهٍ بِما خَلَقَ وَلَعَلا بَعْضُهُمْ عَلى بَعْضٍ)(٣).

وتقديره : لو كان معه آلهة لذهب كل إله بما خلق.

ومنه قول قريط بن أنيف :

لو كنت من مازن لم تستبح إبلي

بنو اللقيطة من ذهل بن شيبانا

إذن لقام بنصري معشر خشن

عند الحفيظة إن ذو لوثة لانا

والتقدير : إذن لو كنت منهم لقام بنصري معشر خشن.

ومثال حذف جواب «لو» قوله تعالى : (وَلَوْ تَرى إِذْ فَزِعُوا فَلا فَوْتَ وَأُخِذُوا مِنْ مَكانٍ قَرِيبٍ)(٤). وتقدير جواب «لو» : لرأيت أمرا عظيما. ومنه قول أبي تمام :

لو يعلم الكفر كم من أعصر كمنت

له العواقب بين السحر والقضب

التقدير : لو يعلم الكفر لأخذ أهبة الحذار.

٩ ـ حذف جواب «لو لا» كقوله تعالى : (إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَنْ تَشِيعَ الْفاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آمَنُوا لَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ فِي الدُّنْيا وَالْآخِرَةِ ، وَاللهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ. وَلَوْ لا فَضْلُ اللهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ وَأَنَّ اللهَ رَؤُفٌ رَحِيمٌ)(٥). أي : ولو لا فضل الله عليكم ورحمته لعجّل لكم العذاب.

١٠ ـ حذف جواب «لما» كقوله تعالى : (فَلَمَّا أَسْلَما وَتَلَّهُ لِلْجَبِينِ. وَنادَيْناهُ أَنْ يا إِبْراهِيمُ. قَدْ صَدَّقْتَ الرُّؤْيا إِنَّا كَذلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ)(٦). أي : فلمّا أسلما وتلّه للجبين وناديناه أن يا إبراهيم قد صدقت الرؤيا كان ما كان مما ينطق به الحال ولا يحيط به الوصف.

١١ ـ حذف جواب «أمّا» كقوله تعالى : (فَأَمَّا الَّذِينَ اسْوَدَّتْ وُجُوهُهُمْ أَكَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمانِكُمْ؟)(٧) أي : فيقال لهم : أكفرتم بعد إيمانكم.

١٢ ـ حذف جواب «إذا» كقوله تعالى : (وَإِذا قِيلَ لَهُمُ اتَّقُوا ما بَيْنَ أَيْدِيكُمْ وَما خَلْفَكُمْ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ. وَما تَأْتِيهِمْ مِنْ آيَةٍ مِنْ آياتِ رَبِّهِمْ إِلَّا كانُوا عَنْها مُعْرِضِينَ)(٨). أي وإذا قيل لهم اتقوا أعرضوا وأصروا على تكذيبهم.

١٣ ـ حذف المبتدأ أو الخبر ، ولا يكون حذف المبتدأ إلا مفردا ، والأحسن حذف الخبر لأنّ منه ما يأتي جملة. ومن المواضع التي يحسن فيها حذف المبتدأ على طريق الايجاز قولهم : «الهلال والله» أي : هذا الهلال.

ومن المواضع التي يصحّ فيها حذف الخبر قولنا : «لو لا محمد لكان كذا» ومن المواضع التي يحتمل أن يكون المحذوف فيها اما المبتدأ وإما الخبر قوله تعالى :

__________________

(١) الأحقاف ١٠.

(٢) الفجر ١ ـ ٨.

(٣) المؤمنون ٩١.

(٤) سبأ ٥١.

(٥) النور ١٩ ـ ٢٠.

(٦) الصافات ١٠٣ ـ ١٠٥.

(٧) آل عمران ١٠٦.

(٨) يس ٤٥ ـ ٤٦.

٢٠٨

(فَصَبْرٌ جَمِيلٌ*)(١) فيحتمل أن يكون المبتدأ محذوفا وتقديره : فأمري صبر جميل ، ويحتمل أن يكون من باب حذف الخبر وتقديره : فصبر جميل أجمل.

١٤ ـ حذف «لا» من الكلام وهي مرادة كقوله تعالى : (تَاللهِ تَفْتَؤُا تَذْكُرُ يُوسُفَ)(٢). أي : لا تفتأ.

ومنه قول امرىء القيس :

فقلت يمين الله أبرح قاعدا

ولو قطّعوا رأسي لديك وأوصالي

أي : لا أبرح.

١٥ ـ حذف «الواو» من الكلام وإثباتها ، وأحسن حذوفها في المعطوف والمعطوف عليه كقوله تعالى : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا بِطانَةً مِنْ دُونِكُمْ لا يَأْلُونَكُمْ خَبالاً وَدُّوا ما عَنِتُّمْ قَدْ بَدَتِ الْبَغْضاءُ مِنْ أَفْواهِهِمْ وَما تُخْفِي صُدُورُهُمْ أَكْبَرُ)(٣). أي : لا يألونكم خبالا وودوا.

١٦ ـ حذف بعض اللفظ وهو سماعي لا يجوز القياس عليه (٤) ، ومنه قول علقمة بن عبدة :

كأنّ إبريقهم ظبي على شرف

مفدّم بسبا الكتّان ملثوم (٥)

فقوله : «بسبا الكتان» يريد : بسبائب الكتان.

وهذا وأمثاله مما يقبح ولا يحسن وان كانت العرب قد استعملته.

والنوع الثاني من الايجاز حذف الجمل ، وهو قسمان :

أحدهما : حذف الجمل المفيدة التي تستقل بنفسها كلاما ، وهذا أحسن المحذوفات وأدلها على الاختصار.

ثانيهما : حذف الجمل غير المفيدة.

وجملة هذين النوعين أربعة أضرب :

الأول : حذف السؤال المقدر ، ويسمى الاستئناف وهو على وجهين :

١ ـ إعادة الاسماء والصفات كقوله تعالى : (الم. ذلِكَ الْكِتابُ لا رَيْبَ فِيهِ هُدىً لِلْمُتَّقِينَ. الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ وَيُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَمِمَّا رَزَقْناهُمْ يُنْفِقُونَ. وَالَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِما أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَما أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ وَبِالْآخِرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ. أُولئِكَ عَلى هُدىً مِنْ رَبِّهِمْ وَأُولئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ)(٦). والاستئناف واقع في هذا الكلام على «أولئك» لأنّه لما قال : (الم. ذلِكَ الْكِتابُ). الى قوله : (وَبِالْآخِرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ) اتجه لسائل أن يقول : ما بال المستقلين بهذه الصفات قد اختصوا بالهدى فأجيب بأن اولئك الموصوفين غير مستبعد أن يفوزوا دون الناس بالهدى عاجلا وبالفلاح آجلا.

٢ ـ الاستئناف بغير إعادة الاسماء والصفات كقوله تعالى : (وَما لِيَ لا أَعْبُدُ الَّذِي فَطَرَنِي وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ. أَأَتَّخِذُ مِنْ دُونِهِ آلِهَةً إِنْ يُرِدْنِ الرَّحْمنُ بِضُرٍّ لا تُغْنِ عَنِّي شَفاعَتُهُمْ شَيْئاً وَلا يُنْقِذُونِ. إِنِّي إِذاً لَفِي ضَلالٍ مُبِينٍ. إِنِّي آمَنْتُ بِرَبِّكُمْ فَاسْمَعُونِ. قِيلَ ادْخُلِ الْجَنَّةَ ، قالَ : يا لَيْتَ قَوْمِي يَعْلَمُونَ بِما غَفَرَ لِي رَبِّي وَجَعَلَنِي مِنَ الْمُكْرَمِينَ)(٧). فمخرج هذا القول مخرج الاستئناف ؛ لأنّ ذلك من مظان المسألة عن حاله عند لقاء ربه وكأنّ قائلا قال : كيف حال هذا الرجل عند لقاء ربه بعد ذلك التصلب في دينه والتسخي لوجهه بروحه؟ فقيل : قيل ادخل الجنة ولم يقل : قيل له ، لانصباب الغرض الى المقول لا الى المقول له مع كونه معلوما. وكذلك قوله : (يا لَيْتَ قَوْمِي يَعْلَمُونَ) مرتّب على تقدير سؤال سائل عما وجد.

__________________

(١) يوسف ١٨ ، ٨٣.

(٢) يوسف ٨٥.

(٣) آل عمران ١١٨.

(٤) المثل السائر ج ٢ ص ١١٣ ، الطراز ج ٢ ص ١١٢.

(٥) الفدام ؛ خرقة تجعل في فم الابريق. سبائب جمع سبيبة وهي الشقة.

(٦) البقرة ١ ـ ٥.

(٧) يس ٢٢ ـ ٢٧.

٢٠٩

الثاني : الاكتفاء بالسبب عن المسبب ، وبالمسبب عن السبب ، فاما الاكتفاء بالسبب عن المسبب فكقوله تعالى : (وَما كُنْتَ بِجانِبِ الْغَرْبِيِّ إِذْ قَضَيْنا إِلى مُوسَى الْأَمْرَ وَما كُنْتَ مِنَ الشَّاهِدِينَ. وَلكِنَّا أَنْشَأْنا قُرُوناً فَتَطاوَلَ عَلَيْهِمُ الْعُمُرُ)(١). فذكر سبب الوحي الذي هو إطالة الفترة ودلّ به على المسبب وهو الوحي الى الرسول ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ وعليه قول المتنبي :

أتى الزمان بنوه في شبيبته

فسرّهم وأتيناه على الهرم

أي : فساءنا.

وأما حذف الجملة غير المفيدة من هذا الضرب فكقوله تعالى حكاية عن مريم ـ عليها‌السلام ـ :(قالَتْ أَنَّى يَكُونُ لِي غُلامٌ وَلَمْ يَمْسَسْنِي بَشَرٌ وَلَمْ أَكُ بَغِيًّا. قالَ كَذلِكِ قالَ رَبُّكِ هُوَ عَلَيَّ هَيِّنٌ وَلِنَجْعَلَهُ آيَةً لِلنَّاسِ وَرَحْمَةً مِنَّا وَكانَ أَمْراً مَقْضِيًّا)(٢). فقوله : (لِنَجْعَلَهُ آيَةً لِلنَّاسِ) تعليل معلّله محذوف أي : وإنّما فعلنا ذلك لنجعله آية للناس ، فذكر السبب الذي صدر الفعل من أجله وهو جعله آية للناس ودلّ به على المسبب الذي هو الفعل.

وأما الاكتفاء بالمسبب عن السبب فكقوله تعالى :(فَإِذا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ فَاسْتَعِذْ بِاللهِ مِنَ الشَّيْطانِ الرَّجِيمِ)(٣). أي : إذا أردت قراءة القرآن فاكتف بالمسبب الذي هو القراءة عن السبب الذي هو الارادة. والدليل على ذلك أنّ الاستعاذة قبل القراءة والذي دلت عليه أنّها بعد القراءة.

الثالث : الإضمار على شريطة التفسير ، وهو أن يحذف من صدر الكلام ما يؤتي به في آخره فيكون الآخر دليلا على الأول. وهو ثلاثة أوجه (٤).

١ ـ أن يأتي على طريق الاستفهام فتذكر الجملة الاولى دون الثانية كقوله تعالى : (أَفَمَنْ شَرَحَ اللهُ صَدْرَهُ لِلْإِسْلامِ فَهُوَ عَلى نُورٍ مِنْ رَبِّهِ فَوَيْلٌ لِلْقاسِيَةِ قُلُوبُهُمْ مِنْ ذِكْرِ اللهِ ، أُولئِكَ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ)(٥).

تقدير الآية : أفمن شرح الله صدره للاسلام كمن أقسى قلبه؟ ويدل على المحذوف قوله : (فَوَيْلٌ لِلْقاسِيَةِ قُلُوبُهُمْ.)

٢ ـ أن يرد على حد النفي والاثبات كقوله تعالى : (لا يَسْتَوِي مِنْكُمْ مَنْ أَنْفَقَ مِنْ قَبْلِ الْفَتْحِ وَقاتَلَ ، أُولئِكَ أَعْظَمُ دَرَجَةً مِنَ الَّذِينَ أَنْفَقُوا مِنْ بَعْدُ وَقاتَلُوا)(٦) تقديره : لا يستوي منكم من أنفق قبل الفتح وقاتل ومن أنفق بعده وقاتل. ويدل على المحذوف قوله :(أُولئِكَ أَعْظَمُ دَرَجَةً مِنَ الَّذِينَ أَنْفَقُوا مِنْ بَعْدُ وَقاتَلُوا.)

٣ ـ أن يرد على غير هذين الوجهين فلا يكون استفهاما ولا نفيا واثباتا كقوله تعالى : (وَالَّذِينَ يُؤْتُونَ ما آتَوْا وَقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ أَنَّهُمْ إِلى رَبِّهِمْ راجِعُونَ)(٧). فالمعنى في الآية : والذين يعطون ما أعطوا من الصدقات وسائر القرب الخالصة لوجه الله ـ تعالى ـ وقلوبهم وجلة ، أي : خائفة من أن ترد عليهم صدقاتهم. فحذف قوله : «ويخافون ان ترد عليهم هذه النفقات» ودلّ عليه بقوله : (وَقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ.) فظاهر الآية أنّهم وجلون من الصدقة وليس وجلهم لأجل الصدقة وانما وجلهم لأجل خوف الرد المتصل بالصدقة.

ومنه قول أبي تمام :

يتجنب الآثام ثم يخافها

فكانّما حسناته آثام

والتقدير : أنّه يتجنب الآثام فاذا تجنبها فقد أتى بحسنة ثم يخاف أن لا تكون تلك الحسنة مقبولة

__________________

(١) القصص ٤٤ ـ ٤٥.

(٢) مريم ٢٠ ـ ٢١.

(٣) النحل ٩٨.

(٤) المثل السائر ج ٢ ص ٨٦ ، الجامع الكبير ص ١٢٥ ، الطراز ج ٢ ص ٩٧.

(٥) الزمر ٢٢.

(٦) الحديد ١٠.

(٧) المؤمنون ٦٠.

٢١٠

فكأنما حسناته آثام فلم يخف الحسنة لكونها حسنة وانما خاف ما يتصل بها من الرد فكأنها مخوفة كما تخاف الآثام.

ومنه قول أبي نواس :

سنّة العشاق واحدة

فاذا أحببت فاستكن

فحذف الاستكانة من الأول وذكرها في المصراع الثاني ، لأنّ التقدير : سنّة العاشقين واحدة وهي أن يستكينوا ويتضرعوا ، فاذا أحببت فاستكن.

الرابع : ما ليس بسبب ولا مسبب ولا اضمار على شريطة التفسير ولا استئناف. فمن حذف الجمل المفيدة قوله تعالى : (قالَ : تَزْرَعُونَ سَبْعَ سِنِينَ دَأَباً فَما حَصَدْتُمْ فَذَرُوهُ فِي سُنْبُلِهِ إِلَّا قَلِيلاً مِمَّا تَأْكُلُونَ. ثُمَّ يَأْتِي مِنْ بَعْدِ ذلِكَ سَبْعٌ شِدادٌ يَأْكُلْنَ ما قَدَّمْتُمْ لَهُنَّ إِلَّا قَلِيلاً مِمَّا تُحْصِنُونَ. ثُمَّ يَأْتِي مِنْ بَعْدِ ذلِكَ عامٌ فِيهِ يُغاثُ النَّاسُ وَفِيهِ يَعْصِرُونَ. وَقالَ الْمَلِكُ ائْتُونِي بِهِ)(١).

فانه حذف من هذا الكلام جملة مفيدة تقديرها : فرجع الرسول اليهم فأخبرهم بمقالة يوسف فعجبوا لها أو فصدّقوه عليها ، وقال الملك : (ائْتُونِي بِهِ.)

ومن حذف الجمل غير المفيدة قوله تعالى : (يا زَكَرِيَّا إِنَّا نُبَشِّرُكَ بِغُلامٍ اسْمُهُ يَحْيى لَمْ نَجْعَلْ لَهُ مِنْ قَبْلُ سَمِيًّا. قالَ رَبِّ أَنَّى يَكُونُ لِي غُلامٌ وَكانَتِ امْرَأَتِي عاقِراً وَقَدْ بَلَغْتُ مِنَ الْكِبَرِ عِتِيًّا. قالَ كَذلِكَ قالَ رَبُّكَ هُوَ عَلَيَّ هَيِّنٌ وَقَدْ خَلَقْتُكَ مِنْ قَبْلُ وَلَمْ تَكُ شَيْئاً. قالَ : رَبِّ اجْعَلْ لِي آيَةً ، قالَ : آيَتُكَ أَلَّا تُكَلِّمَ النَّاسَ ثَلاثَ لَيالٍ سَوِيًّا. فَخَرَجَ عَلى قَوْمِهِ مِنَ الْمِحْرابِ فَأَوْحى إِلَيْهِمْ أَنْ سَبِّحُوا بُكْرَةً وَعَشِيًّا. يا يَحْيى خُذِ الْكِتابَ بِقُوَّةٍ وَآتَيْناهُ الْحُكْمَ صَبِيًّا)(٢). هذا الكلام قد حذف منه جملة دل عليها صدره وهو البشرى بالغلام ، وتقديرها : ولما جاء الغلام ونشأ وترعرع قلنا له :يا يحيى خذ الكتاب بقوة. فالجملة المحذوفة ليس من الجمل المفيدة.

ومن ذلك قول المتنبي :

لا أبغض العيس لكني وقيت بها

قلبي من الهمّ أو جسمي من السّقم

وفي هذا البيت حذف والتقدير : لا أبغض العيس لإنضائي إياها في الأسفار ولكنّي وقيت بها او كذا ، فالثاني دليل على حذف الأول.

ومما يتصل بهذا الضرب حذف ما يجيء بعد «أفعل» مثل : «الله أكبر» أي : أكبر من كل كبير.

وعليه ورد قول البحتري :

الله أعطاك المحبة في الورى

وحباك بالفضل الذي لا ينكر

ولأنت أملأ في العيون لديهم

وأجلّ قدرا في الصدور وأكبر

أي : أنت أملأ في العيون من غيرك (٣).

إيجاز القصر :

هو تقليل الالفاظ وتكثير المعاني ، وكان الجاحظ قد أشار اليه وهو «الكلام الذي قلّ عدد حروفه وكثر عدد معانيه» (٤). وأشار الى كتابه الذي جمع فيه آيا من القرآن ليعرف بها فصل ما بين الايجاز والحذف ، وبين الزوائد والفصول والاستعارات. قال : «فاذا قرأتها رأيت فضلها في الايجاز والجمع للمعاني الكثيرة بالالفاظ

__________________

(١) يوسف ٤٧ ـ ٥٠.

(٢) مريم ٧ ـ ١٢.

(٣) معاني القرآن ج ١ ص ٦١ ، مجاز القرآن ج ٢ ص ٢ ، ٩٨ ، الحيوان ج ٣ ص ٧٥ ، البيان ج ٢ ص ٢٧٨ ، كتاب الصناعتين ص ١٨١ ، المثل السائر ج ٢ ص ٧١ ، الجامع الكبير ص ١٢٢ ، الايضاح ص ١٨٥ ، نهاية الارب ج ٧ ص ٤ ، الطراز ج ٢ ص ٨٨ ، شروح التلخيص ج ٣ ص ١٨٣ ، معترك ج ١ ص ٢٩٥ ، الاتقان ج ٢ ص ٥٤ ، ٥٧ ، المطول ص ٢٨٧ ، الاطول ج ٢ ص ٣٧.

(٤) البيان ج ٢ ص ١٦.

٢١١

القليلة على الذي كتبته لك في باب الايجاز وترك الفضول ، فمنها قوله حين وصف خمر أهل الجنة :(لا يُصَدَّعُونَ عَنْها وَلا يُنْزِفُونَ)(١) ، وهاتان الكلمتان قد جمعتا جميع عيوب خمر أهل الدنيا.

وقوله ـ عزوجل ـ حين ذكر فاكهة أهل الجنة فقال : (لا مَقْطُوعَةٍ وَلا مَمْنُوعَةٍ)(٢) جمع بهاتين الكلمتين جميع تلك المعاني» (٣) وقال فيما بقي من رسالته في البلاغة والايجاز : «درجت الارض من العرب والعجم على إيثار الايجاز وحمد الاختصار وذم الاكثار والتطويل والتكرار وكل ما فضل عن المقدار» (٤).

ورأى ابن الأثير أنّ التنبه لهذا النوع من الايجاز عسر ، لأنّه يحتاج الى فضل تأمل (٥) ، ومن ذلك قوله تعالى : (وَلَكُمْ فِي الْقِصاصِ حَياةٌ)(٦). وتظهر روعة هذه الآية الكريمة حينما تقارن بقول العرب : «القتل أنفى للقتل» ، ويتضح ذلك في وجوه :

الأول : أنّ عدة حروف (فِي الْقِصاصِ حَياةٌ) عشرة في التلفظ ، وعدد حروفه أربعة عشر.

الثاني : ما فيه من التصريح بالمطلوب الذي هو الحياة بالنص عليها فيكون أزجر عن القتل بغير حق لكونه أدعى الى الاقتصاص.

الثالث : ما يفيده تنكير «حياة» من التعظيم أو النوعية.

الرابع : اطراده بخلاف قولهم ، فانّ القتل الذي ينفي القتل هو ما كان على وجه القصاص لا غيره.

الخامس : سلامته من التكرار الذي هو من عيوب الكلام بخلاف قولهم.

السادس : استغناؤه عن تقدير محذوف بخلاف قولهم فان تقديره : القتل أنفى من تركه.

السابع : أنّ القصاص ضد الحياة فالجمع بينهما طباق.

الثامن : جعل القصاص كالمنبع والمعدن للحياة بادخل «في» عليه (٧). ومن الايجاز بالقصر قوله تعالى : (مَا اتَّخَذَ اللهُ مِنْ وَلَدٍ وَما كانَ مَعَهُ مِنْ إِلهٍ إِذاً لَذَهَبَ كُلُّ إِلهٍ بِما خَلَقَ وَلَعَلا بَعْضُهُمْ عَلى بَعْضٍ)(٨).

ومنه قول الشريف الرضي :

مالو الى شعب الرحال وأسندوا

أيدي الطّعان الى قولب تخفق

فانه لما أراد أن يصفهم بالشجاعة في أثناء وصفهم بالغرام عبّر عن ذلك بقوله : «أيدي الطعان» وهذا معنى الايجاز بالقصر عند البلاغيين غير أنّ ابن الأثير (٩) عدّه فرعا من الايجاز الذي لا يحذف منه شيء لأنّه قسّم الايجاز الى قسمين :

١ ـ الايجاز بالحذف ، وهو ما يحذف منه المفرد والجملة.

٢ ـ ما لا يحذف منه شيء وهو ضربان :

الأول : ما ساوى لفظه معناه ويسمى التقدير.

الثاني : ما زاد معناه على لفظه ويسمى الايجاز بالقصر.

وقسّم الايجاز بالقصر الى نوعين :

الأول : ما دلّ لفظه على محتملات متعددة ويمكن التعبير عنه بمثل ألفاظه وفي عدتها ، ومنه قوله تعالى : (وَلَقَدْ أَوْحَيْنا إِلى مُوسى أَنْ أَسْرِ بِعِبادِي

__________________

(١) الواقعة ١٩.

(٢) الواقعة ٣٣.

(٣) الحيوان ج ٣ ص ٨٦.

(٤) رسالة في البلاغة والايجاز ص ٢٣ وتنظر رسائل الجاحظ ج ٤ ص ١٥١.

(٥) المثل السائر ج ٢ ص ٧٨.

(٦) البقرة ١٧٩.

(٧) كتاب الصناعتين ص ١٧٥ ، نهاية الايجاز ص ١٤٥ ، المثل السائر ج ٢ ص ١٢٥ ، بديع القرآن ص ١٩٢ ، الايضاح ص ١٨٢.

(٨) المؤمنون ٩١.

(٩) المثل ج ٢ ص ١١٤ ، وينظر الطراز ج ٢ ص ١١٩.

٢١٢

فَاضْرِبْ لَهُمْ طَرِيقاً فِي الْبَحْرِ يَبَساً لا تَخافُ دَرَكاً وَلا تَخْشى. فَأَتْبَعَهُمْ فِرْعَوْنُ بِجُنُودِهِ فَغَشِيَهُمْ مِنَ الْيَمِّ ما غَشِيَهُمْ وَأَضَلَّ فِرْعَوْنُ قَوْمَهُ وَما هَدى)(١) فقوله :(فَغَشِيَهُمْ مِنَ الْيَمِّ ما غَشِيَهُمْ) من جوامع الكلم التي يستدل على قلتها بالمعاني الكثيرة أي : غشيهم من الأمور الهائلة والخطوب الفادحة ما لا يعلم كنهه إلا الله ولا يحيط به غيره. ومنه قوله تعالى : (خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجاهِلِينَ)(٢) فجمع في الآية جميع مكارم الاخلاق ؛ لأنّ في الأمر بالمعروف صلة الرحم ومنع اللسان عن الغيبة وعن الكذب وغض الطرف عن المحرمات وغير ذلك ، وفي الإعراض عن الجاهلين الصبر والحلم وغيرهما.

ومن ذلك قول السموأل :

وإن هو لم يحمل على النفس ضيمها

فليس الى حسن الثناء سبيل

فانّ هذا البيت قد اشتمل على مكارم الأخلاق جميعها من سماحة وشجاعة وعفة وتواضع وحلم وصبر وغير ذلك ، فانّ هذه الأخلاق كلّها من ضيم النفس ؛ لأنّها تجد بحملها ضيما أي مشقة وعناءا.

الثاني : ما دلّ لفظه على محتملات متعددة ولا يمكن التعبير عنه بمثل ألفاظه وفي عدتها بل يستحيل ذلك ، وهو أعلى طبقات الايجاز. ومنه قوله تعالى : (وَلَكُمْ فِي الْقِصاصِ حَياةٌ)(٣) الذي فاق كل كلام وفضل غيره من كلام العرب (٤).

الايداع :

استودعه مالا وأودعه إياه : دفعه اليه ليكون عنده وديعة ، وأودعه قبل منه الوديعة ، وقد جاء به الكسائي في باب الأضداد (٥). وقال المدني : «الايداع في اللغة مصدر أودعته مالا إذا دفعته اليه ليكون عنده وديعة ، وأودعته أيضا إذا أخذته منه وديعة فيكون من الأضداد لكنه بمعنى الأول أشهر ، والثاني بالمعنى الاصطلاحي أنسب» (٦).

وقال المصري : «هو أن يعمد الشاعر أو المتكلم الى نصف بيت لغيره يودعنه شعره سواء أكان صدرا أو عجزا ، وأما الناثر فان أتى في نثره بنصف بيت لغيره سمّي ايداعا ، وإن كان لنفسه سمّي تفصيلا» (٧). وقال إنّ من لا يعرف الاصطلاح يسميه تضمينا ، وفرق بينهما وبين الاستعانة بقوله : «إنّ التضمين يقع في النظم والنثر ويكون من المحاسن ومن العيوب ولكنه لا يكون من العيوب إلا اذا وقع في النظم بالنظم ، والايداع والاستعانة وإن وقعا معا في النظم والنثر فلا يكونان إلا بالنظم دون النثر» (٨).

وقال الحلبي : «وأكثر الناس يجعلونه من باب التضمين وهو منه إلا أنّه مخصوص بالنثر وبأن يكون المودع نصف بيت إما صدرا وإما عجزا» (٩). وذكر النويري هذا التعريف أيضا (١٠).

وقال الحموي : «الايداع الذي نحن بصدده هو أن يودع الناظم شعره بيتا من شعر غيره أو نصف بيت أو ربع بيت بعد أن يوطىء له توطئة تناسبه بروابط متلائمة بحيث يظن السامع أنّ البيت بأجمعه له. وأحسن الايداع ما صرف عن معنى غرض الناظم الأول

__________________

(١) طه ٧٧ ـ ٧٩.

(٢) الاعراف ١٩٩.

(٣) البقرة ١٧٩.

(٤) كتاب الصناعتين ص ١٧٥ ، الرسالة العسجدية ص ٨٨ ، ٩٤ ، الجامع الكبير ص ١٤٣ ، نهاية الارب ج ٧ ص ٥ ، الايضاح ص ١٨٢ ، شروح التلخيص ج ٣ ص ١٨٣ ، المطول ص ٢٨٦ ، الاطول ج ٢ ص ٣٥ ، معترك ج ١ ص ٢٩٥ ، الاتقان ج ٢ ص ٥٤ ، شرح عقود الجمان ص ٦٩.

(٥) اللسان (ودع).

(٦) أنوار الربيع ج ٦ ص ٧٣.

(٧) تحرير التحبير ص ٣٨٠.

(٨) تحرير ص ١٤٢.

(٩) حسن التوسل ص ٢٩٥.

(١٠) نهاية الارب ج ٧ ص ١٦٤.

٢١٣

ويجوز عكس البيت المضمن بأن يجعل عجزه صدرا أو صدره عجزا وقد تحذف صدور قصيدة بكمالها وينظم لها المودع صدورا لغرض اختاره وبالعكس» (١).

وقال السيوطي : «والمصراع فما دونه يسمى رفوا وايداعا ؛ لأنّه رفا بشعر الغير وأودعه إياه» (٢).

وقال المدني : «هو أن يودع الشاعر شعره بيتا فأكثر أو مصراعا فما دونه من شعر غيره بعد أن يوطىء له في شعره توطئة تناسبه وتلائمه ويسمى التضمين والرفو أيضا» (٣). ثم قال : «والايداع عند البديعيين من المحاسن».

ومثال الايداع في النثر قول علي ـ رضي‌الله‌عنه ـ في جواب كتابه لمعاوية : «ثم زعمت أنّي لكل الخلفاء حسدت ، وعلى كلهم بغيت ، فان يكون ذلك كذلك فليست الجناية عليك فيكون العذر اليك : «وتلك شكاة ظاهر عنك عارها». وهذا عجز بيت تمثل به أيضا عبد الله بن الزبير وقد قال أهل الشام له : «يا ابن ذات النطاقين» على سبيل المعيرة لها بذلك ، نظر الى أنها كانت خادمة لا مخدومة على طريقة الجاهلية في مدح النساء وذمهم فأنشد :

وعيّرها الواشون أنّي أحبّها

وتلك شكاة ظاهر عنك عارها

ومن شواهد الايداع الشعرية قول أبي نواس :

تغنّى وما دارت له الكأس ثالثا

تعزّى بصبر بعد فاطمة القلب

وقد يجتمع الايداع والتضمين في شعر واحد كقول علي بن الجهم في «فضل» الشاعرة و «بنان» المعنّي :

كلّما غنّى بنان

اسمعي أو خبرينا

أنشدت فضل ألا حيي

ت عنا يا مدينا

عارضت معنى بمعنى

والندامى غافلينا

فوقع التضمين في البيت الاول والايداع في البيت الثاني.

وقال المصري : «وكنت نظرت الى بيت لأبي الطيب وهو :

تذكرت ما بين العذيب وبارق

مجرّ عوالينا ومجرى السوابق (٤)

فأودعت كل قسم منه بيتا من قصيدة مطلعها :

أعر مقلتي إن كنت غير مرافقي

دموعا لتبكي فقد حيّ مفارق

فقد نضبت يوم الوداع مدامعي

وشابت لتشتيت الفراق مفارقي

والبيتان منها :

إذا الوهم أبدى لي لماها وثغرها

تذكّرت ما بين العذيب وبارق

ويذكرني من قدّها ومدامعي

مجرّ عوالينا ومجرى السوابق

وإن أخذ نصف بيت لغيره فابتدأ به وثنى عليه تتمة البيت لا غير فذلك تمليط ، وان بنى عليه كل ما يخطر له من أبيات لتمام غرضه فذلك توطيد» (٥). ويبدو من الأمثلة المتقدمة أنّ الايداع هو التضمين وأنّ المصري لم يكن دقيقا حينما أنكر على البلاغيين خلطهم بين الايداع والتضمين ، وقد أشار المدني الى مثل ذلك فقال : «وانكار كون التضمين بمعنى الايداع بعد أن اصطلح على ذلك كثير من أرباب هذا الفن ، بل هو

__________________

(١) خزانة الأدب ص ٣٧٧ ، نفحات ص ٨٥.

(٢) شرح عقود الجمان ص ١٧٠.

(٣) أنوار الربيع ج ٦ ص ٧٣ ، شرح الكافية ص ٢٦٦.

(٤) العذيب وبارق ؛ موضعان بظاهر الكوفة. العوالي ؛ الرماح. السوابق ؛ الخيل.

(٥) تحرير التحبير ص ٣٨٢.

٢١٤

أشهر من الايداع في هذا المعنى ـ لا وجه له» (١).

وذكر تنبيهات منها : أنّ أحسن التضمين ما صرف عن معنى غرض الشاعر الأول وما زاد على الأصل بنكتة كالتورية ونحو ذلك ، ومثاله قول المصري المتقدم في بيت المتنبي.

وانه يجوز في التضمين أن يجعل صدر البيت عجزا وبالعكس كقول الحريري :

على أنّي سأنشد عند بيعي

أضاعوني وأيّ فتى أضاعوا

المصراع الثاني صدر بيت للعرجي وعجزه : «ليوم كريهة وسداد ثغر». وانّه لا يضره التغيير اليسير لما قصد تضمينه ليدخل في معنى الكلام كقول بعضهم في يهودي به داء الثعلب :

أقول لمعشر غلطوا وغضوا

من الشيخ الرشيد وأنكروه

هو ابن جلا وطلاع الثنايا

متى يضع العمامة تعرفوه

والبيت لسحيم بن وثيلة وهو :

أنا ابن جلا وطلاع الثنايا

متى أضع العمامة تعرفوني

فغيّره الى طريق الغيبة ليدخل في المقصود.

الإيضاح :

وضح الشيء يضح وضوحا وضحة وضحة واتضح أي : بان وهو واضح ووضّاح. وأوضح وتوضّح : ظهر (٢).

والايضاح من مبتدعات المصري وقد قال في تعريفه : «هو أن يذكر المتكلم كلاما في ظاهره لبس ثم يوضحه في بقية كلامه» (٣). وفرّق بينه وبين التفسير بقوله : «إنّ التفسير تفصيل الاجمال ، والايضاح رفع الاشكال» (٤).

ومن الايضاح قوله تعالى : (كُلَّما رُزِقُوا مِنْها مِنْ ثَمَرَةٍ رِزْقاً قالُوا هذَا الَّذِي رُزِقْنا مِنْ قَبْلُ وَأُتُوا بِهِ مُتَشابِهاً)(٥). فان هذه الآية لو اقتصر على قوله :(مِنْ قَبْلُ) دون بقية الآية لأشكل على المخاطب ، فلا يدري هل أراد سبحانه بما حكاه أهل الجنة اشارتهم الى صنف الثمرة أو مقدار ما يؤتون منها بحيث تكون مقادير الثمار متساوية ، فأوضح سبحانه هذا الاشكال بقوله : (وَأُتُوا بِهِ مُتَشابِهاً) أي : يشبه بعضه بعضا في الكمية وان تغايرت أصنافه.

ومنه قول الشاعر :

يذكرنيك الخير والشرّ كلّه

وقيل الخنا والعلم والحلم والجهل

فان هذا الشاعر لو اقتصر على هذا البيت لأشكل مراده على السامع لجمعه بين ألفاظ المدح والهجاء ، فلما قال بعده :

فألقاك عن مكروهها متنزها

وألقاك في محبوبها ولك الفضل

أوضح المعنى المراد ورفع اللبس وأوضح الشك.

وقد يكون الايضاح في الوصف الذي لا يتعلق به مدح ولا هجاء وذلك أن يخبر المتكلم بخبر واحد عن شيء واحد يقع التعجب منه ويشكل الأمر فيه ثم يوضح ذلك الأشكال بأن يخبر عنه بما يفهم منه كشف اللبس عن الجزء الأول ، كقول ابن حيوس الدمشقي :

ومقرطق يغني النديم بوجهه

عن كأسه الملأى وعن إبريقه (٦)

__________________

(١) أنوار الربيع ج ٦ ص ٧٤.

(٢) اللسان (وضح).

(٣) تحرير التحبير ص ٥٥٩ ، بديع القرآن ص ٢٥٩.

(٤) تحرير التحبير ص ٥٦٠.

(٥) البقرة ٢٥.

(٦) المقرطق ؛ لابس القرطق ، وهو قباء.

٢١٥

فعل المدام ولونها ومذاقها

في مقلتيه ووجنتيه وريقه

فانه لو اقتصر على البيت الأول لأشكل الأمر على السامع من جهة الوجه وإن كان حسنا لا يغنى به النديم عن الخمر ، فأوضح اللبس في البيت الثاني.

ونقل عن المصري هذا الفن البلاغيون كابن مالك والحلبي والنويري والعلوي والحموي والسيوطي والمدني ، وذكروا بعض أمثلته (١).

الإيضاح بعد الإبهام : هو أحد أنواع الإطناب ، وقد تقدّم.

الإيغال :

وغل في الشيء وغولا دخل فيه وتوارى ، ووغل : ذهب وأبعد وكذلك أوغل في البلاد ونحوها ، وتوغّل في الأرض ذهب فأبعد فيها (٢).

والايغال أحد أقسام الاطناب وقد تقدم ، وهو «ختم الكلام نثرا كان أو نظما بما يفيد نكتة يتمّ المعنى بدونها» (٣).

إيقاع الممتنع :

وقع على الشيء ومنه يقع وقعا ووقوعا : سقط ، ووقع الشيء من يدي كذلك وأوقعه غيره ، ويقال :وقع الشيء موقعه. ووقع بالأمر : أحدثه وأنزله ، ووقع القول والحكم اذا وجب (٤).

والمنع أن تحول بين الرجل وبين الشيء الذي يريده وهو خلاف الاعطاء ، ويقال : هو تحجير الشيء ، منعه يمنعه منعا ومنّعه فامتنع منه وتمنّع (٥).

وإيقاع الممتنع من عيوب المعاني عند قدامة ، وقد قال عنه : «ايقاع الممتنع فيها في حال ما يجوز وقوعه ويمكن كونه. والفرق بين الممتنع والمتناقض أنّ المتناقض لا يكون ولا يمكن تصوره في الوهم ، والممتنع لا يكون ويجوز أن يتصور في الوهم» (٦).

ومما جاء في الشعر وقد وضع الممتنع فيه فيما يجوز وقوعه قول أبي نواس :

يا أمين الله عش أبدا

دم على الأيام والزمن

فليس يخلو هذا الشاعر من أن يكون تفاءل لهذا الممدوح بقوله : «عش أبدا» أو دعا له ، وكلا الأمرين مما لا يجوز مستقبح.

الإيماء :

أوميت لغة في أومأت ، وأومى يومى وومى يمي مثل أوحى ووحى. والايماء الاشارة بالأعضاء كالرأس واليد والعين والحاجب (٧).

والايماء من المسائل التي تحدث عنها المتقدمون فقال المبرد : «من كلام العرب الاختصار المفهم والاطناب المفخم ، وقد يقع الايماء الى الشيء فيغني عند ذوي للألباب عن كشفه كما قيل لمحة دالة» (٨). وقال ابن جني معلقا على قول الشاعر :

أخذنا بأطراف الأحاديث بيننا

وسالت بأعناق المطيّ الأباطح

__________________

(١) المصباح ص ٩٣ ، حسن التوسل ص ٣٠٤ ، نهاية الارب ج ٧ ص ١٦٩ ، الطراز ج ٣ ص ١٠١. خزانة الأدب ص ٤١٣ ، شرح عقود الجمان ١٤٠ ، أنوار الربيع ج ٦ ص ٣١. نفحات الأزهار ص ٢٧٢ ، شرح الكافية ص ٢١٤.

(٢) اللسان (وغل).

(٣) أنوار الربيع ج ٥ ص ٣٣٣ ، وينظر المنزع البديع ص ٣٢١ والمنصف ٧٠ ، نفحات ص ٢٧١ ، كفاية الطالب ص ١٩٩ ، التبيان في البيان ص ٣١١ ، شرح الكافية ص ١٥٦.

(٤) اللسان (وقع).

(٥) اللسان (منع).

(٦) نقد الشعر ص ٢٤٢.

(٧) اللسان (ومي).

(٨) الكامل ج ١ ص ٢٧.

٢١٦

«إنّ في قوله : «أطراف الأحاديث» وحيا خفيا ورمزا حلوا ، ألا ترى أنّه يريد باطرافها ما يتعاطاه المحبون ويتفاوضه ذوو الصبابة المتيمون من التعريض والتلويح والايماء دون التصريح ، وذلك أحلى وأدمث وأغزل وأنسب من أن يكون مشافهة وكشفا ومصارحة وجهرا» (١). وذكر المدني أنّ الايماء عند ابن جني هو الاكتفاء قال : «وسماه ابن جني في كتاب التعاقب بالايماء وعقد له بابا فقال : «باب الايماء وهو الاكتفاء عن الكلمة بحرف من أولها» (٢).

وعدّه ابن رشيق من أنواع الاشارة ومثّل له بقوله تعالى : (فَغَشِيَهُمْ مِنَ الْيَمِّ ما غَشِيَهُمْ)(٣) فأومأ اليه وترك التفسير معه. وبقول كثيّر :

تجافيت عني حين لالي حيلة

وخلّفت ما خلّفت بين الجوانح

فقوله : «وخلفت ما خلفت» ايماء مليح (٤).

والكناية تتنوع عند السكاكي الى تعريض وتلويح ورمز وايماء واشارة (٥) ، قال : «وان كانت الكناية لامع نوع الخفاء كقول أبي تمام :

أبين فما يزرن سوى كريم

وحسبك أن يزرن أبا سعيد

فانه في إفادة أنّ أبا سعيد كريم غير خاف كان اطلاق اسم الايماء والاشارة عليها مناسبا» (٦). ونقل ذلك القزويني وشراح التلخيص (٧). وأدخله السجلماسي في أنواع الاشارة (٨).

الإيهام :

الوهم من خطرات القلب ، وتوهّم الشيء تخيّله وتمثّله كان في الوجود أو لم يكن. ويقال : توهّمت في كذا وكذا وأوهمت الشيء : إذا أغفلته. ووهمت في الشيء أهم وهما إذا ذهب وهمك اليه وأنت تريد غيره وتوهمّت أي ظننت ، وأوهمت غيري إيهاما والتوهيم مثله (٩).

وكان الوطواط قد تحدّث عنه وقال : «الايهام في اللغة بمعنى التخييل ولذلك يسمون هذه الصنعة بالتخييل أيضا. وتكون بأن يذكر الكاتب أو الشاعر في نثره أو نظمه ألفاظا يكون لها معنيان أحدهما قريب والآخر غريب فاذا سمعها السامع انصرف خاطره الى المعنى القريب بينما يكون المراد منها هو المعنى الغريب» (١٠). ومثال ذلك قول أبي العلاء :

إذا صدق الجدّ افترى العمّ للفتى

مكارم لا تكرى وإن كذب الخال

فكل من سمع الالفاظ الثلاثة «جد» و «عم» و «خال» انصرف ذهنه الى الأقارب في حين أنّ المقصود بها أشياء أخرى ، فالجد هو الحظ ، والعم هو الجماعة ، والخال هو مخيلة السحاب وهي ما يرى فيها من علامة المطر (١١).

وقال الرازي : «هو أن يكون للفظ معنيان أحدهما قريب والآخر غريب فالسامع يسبق فهمه الى القريب مع أنّ المراد هو ذلك البعيد ، وهذا إنّما يحسن إذا كان الغرض تصوير ذلك المعنى البعيد بالمعنى الظاهر.

وأكثر المتشابهات من هذا الجنس» (١٢) ومنه قوله تعالى : (وَالْأَرْضُ جَمِيعاً قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيامَةِ

__________________

(١) الخصائص ج ١ ص ٢٢٠.

(٢) أنوار الربيع ج ٣ ص ٨٣.

(٣) طه ٧٨.

(٤) العمدة ج ١ ص ٣٠٣.

(٥) مفتاح العلوم ص ١٩٦.

(٦) مفتاح العلوم ص ١٩٤.

(٧) الايضاح ص ٣٢٧ ، التلخيص ص ٣٤٣ ، شروح التلخيص ج ٤ ص ٢٧٠ ، المطول ص ٤١٣ ، الاطول ج ٢ ص ١٧٦ ، شرح عقود الجمان ص ١٠٣.

(٨) المنزع البديع ص ٢٦٨ ، الروض المريع ص ١٢١.

(٩) اللسان (وهم).

(١٠) حدائق السحر ص ١٣٥.

(١١) شروط سقط الزند ج ٣ ص ١٢٦٢.

(١٢) نهاية الايجاز ص ١١٣ ، وينظر الايضاح في شرح مقامات الحريري ص ٢٢.

٢١٧

وَالسَّماواتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ)(١). وذكر السكاكي هذه الآية شاهدا أيضا وقال عن الايهام : «هو أن يكون للفظ استعمالان قريب وبعيد فيذكر لايهام القريب في الحال الى أن يظهر أنّ المراد به البعيد» (٢) كقول الشاعر :

حملناهم طرا على الدّهم بعد ما

خلعنا عليهم بالطعان ملابسا

أراد بالحمل على الدهم : تقييد العدى فأوهم إركابهم الدهم. ومنه قوله تعالى : (الرَّحْمنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوى)(٣).

وذكر الحلبي والنويري أنّ الايهام «يقال له التورية والتخييل ، وهو أن تذكر ألفاظا «لها معان قريبة وبعيدة فاذا سمعها الانسان سبق إلى فهمه القريب ، ومراد المتكلم البعيد» (٤). ومثاله قول عمر بن أبي ربيعة :

أيّها المنكح الثريا سهيلا

عمرك الله كيف يلتقيان

هي شامية إذا ما استقلّت

وسهيل اذا استقلّ يماني

فذكر الثريا وسهيلا ليوهم أنّه يريد النجمين ويقول :كيف يجتمعان ، والثريا من منازل القمر الشامية ، وسهيل من النجوم اليمانية. ومراده الثريا التي كان يتغزل بها لما زوجت بسهيل. وقالا عن قوله تعالى : (وَالْأَرْضُ جَمِيعاً قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيامَةِ وَالسَّماواتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ)(٥) إنّه من التخييل وهو «تصوير حقيقة الشيء للتعظيم» (٦).

وعقد الزركشي بابا للتورية وقال : «وتسمى الايهام والتخييل والمغالطة والتوجيه» (٧) وعرّفها بمثل تعريف الايهام ، وفرّق بينها وبين الاستخدام ، وذلك انها استعمال المعنيين في اللفظ واهمال الآخر ، والاستخدام استعمالهما معا بقرينتين ، أي أنّ المشترك إن استعمل في مفهومين معا فهو الاستخدام وإن أريد أحدهما مع لمح الآخر باطنا فهو التورية.

وذهب الحموي الى ذلك وقال : «والتورية أولى في التسمية لقربها من مطابقة المسمى لأنها مصدر ورّيت الخبر تورية إذا سترته وأظهرت غيره كأن المتكلم يجعله وراءه بحيث لا يظهر» (٨).

وسمى السيوطي هذا الفن إيهاما وأشار الى أنّه يدعى التورية أيضا (٩) ، وفضّل المدني اسم التورية فقال : «التورية أقرب اسم سمّي به هذا النوع ولمطابقته المسمّى لأنّه مصدر ورّيت الحديث : إذا أخفيته وأظهرت غيره. قال أبو عبيدة : لا أراه إلا مأخوذا من وراء الانسان ، فاذا قال : «وريته» فكأنه جعله وراءه بحيث لا يظهر. ويسمى الايهام والتوجيه والتخييل» (١٠). ولكن الأفضل أن يقال عن الآيات القرآنية إنّها تخييل لأنّها ليست تورية ولا ايهاما بالمعنى المتأخر ، وقد ألمح الزمخشري الى مثل ذلك فقال عن قوله تعالى : (وَما قَدَرُوا اللهَ حَقَّ قَدْرِهِ وَالْأَرْضُ جَمِيعاً قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيامَةِ وَالسَّماواتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ سُبْحانَهُ وَتَعالى عَمَّا يُشْرِكُونَ)(١١) «لما كان العظيم من الأشياء إذا عرفه الانسان حق معرفته وقدره في نفسه حق تقديره عظمه حق تعظيمه قيل : (وَما قَدَرُوا اللهَ حَقَّ قَدْرِهِ) وقرئ

__________________

(١) الزمر ٦٧.

(٢) مفتاح العلوم ص ٢٠١.

(٣) طه ٥.

(٤) حسن التوسل ص ٢٤٩ ، نهاية الارب ج ٧ ص ١٣١.

(٥) الزمر ٦٧.

(٦) حسن التوسل ص ٢٥٠ ، نهاية الارب ج ٧ ص ١٣٢.

(٧) البرهان في علوم القرآن ج ٣ ص ٤٤٥ ، وينظر التبيان في البيان ص ٢٤٣.

(٨) خزانة الأدب ص ٢٣٩.

(٩) معترك ج ١ ص ٣٧٤ ، الاتقان ج ٢ ص ٨٣ ، شرح عقود الجمان ص ١١٢.

(١٠) أنوار الربيع ج ٥ ص ٥.

(١١) الزمر ٦٧.

٢١٨

بالتشديد على معنى : وما عظموه كنه تعظيمه ، ثم نبههم على عظمته وجلالة شأنه على طريقة التخييل فقال : (وَالْأَرْضُ جَمِيعاً قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيامَةِ وَالسَّماواتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ.) والغرض من هذا الكلام إذا أخذته كما هو بجملته ومجموعه تصوير عظمته والتوقيف على كنه جلاله لا غير ، من غير ذهاب بالقبضة ولا باليمين الى جهة حقيقة أو جهة مجاز ، وكذلك حكم ما يروى أنّ جبريل جاء الى رسول الله ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ فقال : «يا أبا القاسم إنّ الله يمسك السماوات والأرض يوم القيامة على أصبع والأرضين على اصبع والجبال على اصبع والشجر على اصبع وسائر الخلق على اصبع ، ثم يهزهنّ فيقول أنا الملك. فضحك رسول الله ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ وتعجب لأنّه لم يفهم منه إلا ما يفهمه علماء البيان من غير تصوّر امساك ولا اصبع ولا هز ولا شيء من ذلك ، ولكن فهمه وقع أول شيء وآخره على الزبدة والخلاصة التي هي الدلالة على القدرة الباهرة ، وان الأفعال العظام التي تتحير فيها الأفهام والأذهان ولا تكتنهها الأوهام هينة عليه هوانا لا يوصل السامع الى الوقوف عليه إلا اجراء العبارة في مثل هذه الطريقة من التخييل. ولا ترى بابا في علم البيان أدق ولا أرق ولا ألطف من هذا الباب ولا أنفع وأعون على تعاطي تأويل المشتبهات من كلام الله تعالى في القرآن وسائر الكتب السماوية وكلام الانبياء ، فانّ أكثره وعليته تخييلات» (١)

إيهام التّضادّ :

سماه الحموي «ايهام المطابقة» (٢) وسماه المدني «ايهام الطباق» (٣) ، وألحقه القزويني بالطباق وهو ما يمكن التقابل فيه بين الظاهر من مفهوم اللفظين وإن يكن بين حقيقة المراد منهما تقابل ما (٤). كقول دعبل :

لا تعجبي يا سلم من رجل

ضحك المشيب برأسه فبكى

وقول أبي تمام :

ما إن ترى الأحساب بيضا وضّحا

إلا بحيث ترى المنايا سودا

إيهام التّناسب :

ألحقه القزويني بمراعاة النظير وقال : «ومما يلحق بالتناسب نحو قوله تعالى : (الشَّمْسُ وَالْقَمَرُ بِحُسْبانٍ. وَالنَّجْمُ وَالشَّجَرُ يَسْجُدانِ)(٥) ويسمى إيهام التناسب» (٦) ، لأنّه لما ذكر لفظ الشمس والقمر ذكر النجم والمراد به النبات ، فذكر النجم بعد ذكر الشمس والقمر يوهم التناسب لأنّ النجم أكثر ما يطلق على نجم السماء المناسب للشمس والقمر بكونه في السماء.

إيهام التّوكيد :

قال المدني إنّ «إيهام التوكيد استخرجه الشيخ عمر بن الوردي وسماه بهذا الاسم ، وهو عبارة عن أن يعيد المتكلم في كلامه كلمة فأكثر مرادا بها غير المعنى الأول حتى يتوهم السامع من أول وهلة أنّ الغرض التأكيد وليس كذلك ولذلك سمي «ايهام التوكيد». ولم أقف عليه في شيء من كتب هذا الفن وإنّما أشار اليه الشيخ صلاح الدين الصفدي في شرح لامية العجم استطردا وقال : «إنّه في غاية الحسن ، يظن السامع من أول وهلة أنّه من باب التكرار وتحصيل

__________________

(١) الكشاف ج ٤ ص ١١٠.

(٢) خزانة الأدب ص ٧٠.

(٣) أنوار الربيع ج ٢ ص ٣٨.

(٤) الايضاح ص ٣٤٠ ، التلخيص ص ٣٥٢ ، شروح التلخيص ج ٤ ص ٢٩٥ ، المطول ص ٤٢١ ، الأطول ج ٢ ص ١٨٦.

(٥) الرحمن ٥ ـ ٦.

(٦) الايضاح ص ٣٤٥ ، التلخيص ص ٣٥٥ ، شروح التلخيص ج ٤ ص ٣٠٥ ، المطول ص ٤٢١ ، الأطول ج ٢ ص ١٨٩.

٢١٩

الحاصل الى أن يعيره ذهنه ويتأمل معنى الشاعر في ذلك فيرقص طربا» (١) ومثاله قوله تعالى : (لَمَسْجِدٌ أُسِّسَ عَلَى التَّقْوى مِنْ أَوَّلِ يَوْمٍ أَحَقُّ أَنْ تَقُومَ فِيهِ ، فِيهِ رِجالٌ يُحِبُّونَ أَنْ يَتَطَهَّرُوا وَاللهُ يُحِبُّ الْمُطَّهِّرِينَ)(٢).

فقوله : «فيه ، فيه» هو إيهام التوكيد فانّ السامع يظن من أول وهلة أنّ الثانية تأكيد للأولى ، وليس كذلك.

ومن ذلك قول الشاعر :

ألا حلّ بي عجب عاجب

تقاصر وصفي عن كنهه

رأيت الهلال على وجه من

رأيت الهلال على وجهه

وأنشد الوردي لنفسه من هذا النوع :

تعشّقت أحوى لي اليه وسائل

واصلاح أحوالي لديه لديه

أمرّ به مستعطفا ومسلّما

فيثقل تسليمي عليه عليه

فلا كان واش كدّر الصفو بيننا

وبغّض تحبيبي اليه اليه

وقال المدني : «ولم ينظم أحد من أصحاب البديعيات هذا النوع وقد تفردت أنا بنظمه في بديعيتي وهو قولي في آخر البيت : «ولم أزل مغريا وجدي بهم بهم» ، فان قولي «بهم بهم» يوهم التوكيد وليس توكيدا بل «بهم» الأولى. متعلقة بـ «وجدي» والثانية بقولي : «مغريا» (٣).

وبيت المدني هو :

حقّقت إيهام توكيدي لحبهم

ولم أزل مغريا وجدي بهم بهم

إيهام الطّباق :

هو إيهام التضاد (٤) ، وقد تقدم.

إيهام المطابقة :

هو إيهام التّضاد وإيهام الطّباق (٥) ، وقد تقدّما.

__________________

(١) أنوار الربيع ج ٦ ص ١٥٩.

(٢) التوبة ١٠٨.

(٣) أنوار الربيع ج ٦ ص ١٦١.

(٤) أنوار الربيع ج ٢ ص ٣٨.

(٥) خزانة الأدب ص ٧٠ ، أنوار الربيع ج ٢ ص ٣٨.

٢٢٠