الحديث النبوي في النحو العربي

الدكتور محمود فجال

الحديث النبوي في النحو العربي

المؤلف:

الدكتور محمود فجال


الموضوع : اللغة والبلاغة
الطبعة: ٢
الصفحات: ٣٨٤

عوامل الجزم

مسألة (٩٦)

في لام الأمر الداخلة على فعلي المتكلم والمخاطب (١)

جزم اللام لفعل المتكلم المبني للمعلوم جائز (في النثر) ، ولكنه قليل.

فمن ذلك قوله ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ : (قوموا فلأصلّ لكم) (٢).

وقوله ـ تعالى ـ : (وَقالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِلَّذِينَ آمَنُوا اتَّبِعُوا سَبِيلَنا وَلْنَحْمِلْ خَطاياكُمْ)(٣).

وأقلّ منه جزمها فعل الفاعل المخاطب.

فمن ذلك قوله ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ : (لتأخذوا مصافّكم) (٤) أي : خذوا ، وكقراءة «يعقوب» و «أبيّ» و «أنس» ـ رضي‌الله‌عنهم ـ : «فبذلك فلتفرحوا» (٥).

والاستعمال الكثير أن الأمر باللام إنما يكون في الغائب.

أما إذا كان مرفوع فعل الطلب فاعلا مخاطبا استغنى عن اللام بصيغة الأمر.

__________________

(١) موارد المسألة : «شرح ابن الناظم» : ٢٧٠ ، و «شرح الأشموني» ٤ : ٣ ، و «الإنصاف» (مسألة : فعل الأمر معرب أو مبني) ٢ : ٥٢٥ ـ ٥٤١ ، و «أسرار العربية» ٣١٨ ، و «شرح ابن يعيش» ٧ : ٤١ ، و «الكافي شرح الهادي» ١٢١٥ (طبع على الآلة الكاتبة) ، و «أمالي السهيلي» :

٩٤ ، و «شواهد التوضيح والتصحيح» (البحث الرابع والستون) ١٨٦ ـ ١٨٩ ، و «شرح الكافية للرضي» ٢ : ٢٥٢ ، و «مغنى اللبيب» ٢٩٧ ـ ٣٠٠ ، و «فتح الباري» ١ : ٤٨٨ ـ ٤٩١.

(٢) أخرجه «البخاري» في (كتاب الصلاة ـ باب الصلاة على الحصير) ١ : ١٠٠ ، وتمامه : «روى البخاري بسنده عن أنس بن مالك أنّ جدّته مليكة دعت رسول الله ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ لطعام صنعته له ، فأكل منه ، ثم قال : قوموا فلأصلّي لكم ، قال أنس : فقمت إلى حصير لنا قد اسودّ من طول ما لبس فنضحته بماء ، فقام رسول الله ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ وصففت واليتيم وراءه ، والعجوز من ورائنا ، فصلى لنا رسول الله ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ ركعتين ثم انصرف».

(٣) العنكبوت : ١٢.

(٤) قال «البغدادي» في «تخريج أحاديث شرح الرضي على الكافية» مخطوط : لم أره إلا في كتاب «الإنصاف في مسائل الخلاف لابن الأنباري» ، ورأيت في صحيح مسلم عن جابر : «لتأخذوا مناسككم فإني لا أدري لعلي لا أحجّ بعد حجّتي هذه». انظر «صحيح مسلم» في (كتاب الحج ـ باب استحباب رمي جمرة العقبة يوم النحر راكبا ..) ٤ : ٧٩.

(٥) يونس : ٥٨ ، انظر «البحر المحيط» ٥ : ١٧٢ ، و «إتحاف فضلاء البشر» ٢٥٢ ، (تنبيه) ورد في «حاشية الصبان» ٤ : ٣ قراءة «أبيّ» و «أنس» : «فليفرحوا» ، وهي خطأ ، والصواب ما أثبته.

٢٨١

وتجب اللام إن انتفت الفاعلية ، نحو : (لتعن بحاجتي) أو انتفى الخطاب ، نحو : (ليقم زيد).

وحذف الياء من «فلأصلّ» من الحديث هي رواية «الأصيلي» وقد وجّه في «أمالي السهيلي» : ٩٤ ، و «شواهد التوضيح والتصحيح» : ١٨٦ على خمسة أوجه :

(١) بحذف الياء ، فتكون اللام للأمر.

(٢) بإثبات الياء ، فتكون اللام للأمر ، إجراء للمعتل مجرى الصحيح ، كقراءة «قنبل» : إنه من يتقي ويصبر (١)

(٣) اللام للتعليل ، والفعل منصوب في حال فتح الياء.

(٤) اللام للتعليل أيضا ، والياء ساكنة تخفيفا ، وتسكين الياء المفتوحة لغة مشهورة.

واللام التي هي للتعليل تسمى «لام كي» ، والفعل بعدها منصوب بـ «أن» مضمرة ، واللام ومصحوبها خبر مبتدأ محذوف ، والتقدير : فقوموا فقيامكم لأصلي لكم.

ويستبعد «السهيليّ» رواية : «لأصلّي لكم» بلام كي إلّا على مذهب من رأى زيادة الفاء ، وهو قول «الأخفش» و «يونس» ، فإذا كانت كذلك كانت الفاء ملغاة على قولهما ، أي قوموا لأصلّي.

(٥) اللام مفتوحة (٢) على لغة «سليم» ، فتكون للقسم ، والفعل مبني على الفتح ، ونون التوكيد محذوفة ، والتقدير : لأصلّينّ.

وقال «السهيلي» : وقلما يوجد في الكلام انفراد هذه اللام في التأكيد والقسم دون النون ، فإن صحت الرواية فليس ببعيد في القياس كل البعد أن تقول :

ليقوم زيد ، أي : لقائم زيد ، توقع الفعل موقع الاسم ، كما قد توقع الاسم موقع الفعل ، وتعمله عمله.

وبعد فقد قال «ابن مالك» : وأمر المتكلم نفسه بفعل مقرون باللام فصيح ، قليل في الاستعمال.

__________________

(١) يوسف : ٩٠.

(٢) تسكين اللام بعد «الفاء» و «الواو» و «ثم» لغة قريش.

٢٨٢

مسألة (٩٧)

في الجزم بـ «إذا» (١)

قال «ابن مالك» : قد يجزم بـ «إذا» الاستقباليّة حملا على «متى».

قال «الأشموني» : المشهور في «إذا» أنه لا يجزم بها إلا في الشعر.

وشاع في الشعر الجزم بـ «إذا» حملا على «متى». فمن ذلك إنشاد «سيبويه» (٢) :

ترفع لي خندف والله يرفع لي

نارا إذا خمدت نيرانهم تقد

وكإنشاد «الفراء» :

استغن ما أغناك ربّك بالغنى

وإذا تصبك خصاصة فتحمّل

وظاهر كلام ابن مالك في «التسهيل» جواز ذلك في النثر على قلة.

ومنه قوله ـ عليه الصلاة والسّلام ـ لعلي وفاطمة ـ رضي‌الله‌عنهما ـ : «إذا أخذتما مضاجعكما تكبّرا أربعا وثلاثين» (٣). الحديث.

__________________

(١) موارد المسألة : «التسهيل» ٢٣٧ ، و «شرح الأشموني» ٤ : ١٣.

(٢) الكتاب ١ : ٤٣٤ ، والبيت للفرزدق.

(٣) أخرجه «البخاري» في «صحيحه» في (كتاب الخمس ـ باب الدليل على أن الخمس لنوائب رسول الله ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ والمساكين) ٤ : ٤٨ ، وفي (كتاب فضائل أصحاب النبي ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ باب مناقب عليّ بن أبي طالب) ٤ : ٢٠٨.

و «مسلم» في «صحيحه» في (كتاب الذكر والدعاء والتوبة والاستغفار ـ باب التسبيح أول النهار وعند النوم) ٨ : ٨٤. وتمام الحديث برواية البخاري ، بسنده إلى «عليّ» ـ رضي‌الله‌عنه ـ أن فاطمة ـ عليها‌السلام ـ شكت ما تلقى من أثر الرّحى فأتى النبيّ ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ سبي فانطلقت فلم تجده فوجدت عائشة فأخبرتها فلما جاء النبيّ ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ أخبرته عائشة بمجيء فاطمة ، فجاء النبيّ ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ إلينا وقد أخذنا مضاجعنا فذهبت لأقوم ، فقال : على مكانكما ، فقعد بيننا حتى وجدت برد قدميه على صدري ، وقال : ألا أعلّمكما خيرا مما سألتماني إذا أخذتما مضاجعكما تكبّرا أربعا وثلاثين ، وتسبّحا ثلاثا وثلاثين ، وتحمدا ثلاثة وثلاثين ، فهو خير لكما من خادم. وقد جاء في هامش «البخاري» ٤ : ٢٠٨ قوله : تكبرا ، بلفظ المضارع ، وحذف النون للتخفيف ، أو أن «إذا» تعمل عمل الشرط ، ولأبي ذر عن الحمويّ والمستملي : «تكبران» بإثباتها.

ولابن عساكر وأبي ذرّ عن الكشميهني : «فكبرا» بصيغة الأمر ، وكذا القول والرواية في «تسبحا» و «تحمدا».

وقال «العيني» في «عمدة القاري» ١٦ / ٢١٨ :

قوله «تكبرا» بلفظ المضارع ، وترك النون ، وحذفت «إما» للتخفيف ، وإما على لغة من قال أن كلمة «إذا» جازمة ، وهي لغة شاذة ، ويروى : فكبرا.

٢٨٣

مسألة (٩٨)

في مجيء الشرط مضارعا والجواب ماضيا (١)

ومن الاستعمالات السليمة وقوع الشرط مضارعا ، والجواب ماضيا لفظا لا معنى ، والنحويون يستضعفون ذلك. ويراه بعضهم مخصوصا بالضرورة.

والصحيح الحكم بجوازه مطلقا ، لثبوته في كلام أفصح الفصحاء ، وكثرة وروده عن فحول الشعراء.

فقد جاء في الحديث من قول النبي ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ : (من يقم ليلة القدر إيمانا واحتسابا غفر له ما تقدّم من ذنبه) (٢) وقول «عائشة» أم المؤمنين ـ رضي‌الله‌عنها ـ «إنه ـ أي أبا بكر ـ رجل أسيف متى يقم مقامك رقّ» (٣).

وقد جاء في النظم قول «نهشل بن ضمرة» :

يا فارس الحيّ يوم الرّوع قد علموا

ومدره الخصم لا نكسا ولا ورعا

ومدرك التّبل في الأعداء يطلبه

وما يشأ عندهم من تبلهم منعا (٤)

وقول «أعشى بن قيس» :

وما يرد من جميع ، بعد ، فرّقه

وما يرد ، بعد ، من ذي فرقة جمعا

__________________

(١) موارد المسألة : «شرح الشاطبي» ، و «شرح المرادي» ٢٧٣ ، و «شرح الأشموني» ٤ : ١٧ ، و «شواهد التوضيح» ١٤ ـ ١٧ ، و «أوضح المسالك» ٣ : ١٩٠.

(٢) أخرجه «البخاري» في «صحيحه» في (كتاب الإيمان ـ باب قيام ليلة القدر من الإيمان) ١ : ١٤ ، عن «أبي هريرة».

و «النسائي» في «سننه» في (كتاب الإيمان وشرائعه ـ باب قيام ليلة القدر) ٨ : ١١٨.

(٣) أخرجه «البخاري» في «صحيحه» في (كتاب الأنبياء ـ باب قول الله تعالى : (لَقَدْ كانَ فِي يُوسُفَ وَإِخْوَتِهِ آياتٌ لِلسَّائِلِينَ)) ٢ : ١٢٢.

(٤) البيتان في قصيدة له في كتاب وقعة صفين ، باختلاف يسير. الورع : الجبان. التّبل : التّرة والذّحل.

٢٨٤

وقول «حاتم» :

وإنّك مهما تعط بطنك سؤله

وفرجك نالا منتهى الذّمّ أجمعا

وقول «رؤبة» :

ما يلق في أشداقه تلهّما

إذا أعاد الزّأر أو تنهّما (١)

وقول «قعنب بن ضمرة» :

إن يسمعوا ريبة طاروا بها فرحا

عنّي وما سمعوا من صالح دفنوا

وقول الآخر :

إن تصرمونا وصلناكم وإن تصلوا

ملأتم أنفس الأعداء إرهابا (٢)

قال الشاطبي : وصاحب البيت : (إن يسمعوا سبة طاروا بها فرحا ...) متمكن من أن يقول بدل (إن يسمعوا) : (سمعوا).

وصاحب البيت : (إن تصرمونا وصلناكم وإن تصلوا) متمكن من أن يقول بدل وصلناكم : نواصلكم ، وإن تصلوا تملؤه ، فلمّا لم يقولوا ذلك مع إمكانه وسهولة تعاطيه علم أنهم غير مضطرين.

وقال «ابن مالك» : وقد صرح بجواز ذلك «الفراء» ، وجعل منه قوله تعالى : (إِنْ نَشَأْ نُنَزِّلْ عَلَيْهِمْ مِنَ السَّماءِ آيَةً فَظَلَّتْ أَعْناقُهُمْ لَها خاضِعِينَ)(٣) ، لأن «ظلت» بلفظ الماضي ، وقد عطف على «ننزل» ، وحق المعطوف أن يصلح حلوله في المعطوف عليه ...

ثم قال «الشاطبي» : والحق أنه نادر دون رتبة الأنواع الأخرى ، كما يقول النحاة.

__________________

(١) لهم الشيء لهما ولهما وتلهّمه والتهمة : ابتلعه بمرة. والنّهم والنّهيم : صوت وتوعّد وزجر. وقيل : هو صوت فوق الزئير.

(٢) الصرم : القطع.

(٣) الشعراء : ٤.

٢٨٥

وقال الأشموني : يكون فعل الشرط وجوابه مضارعين ، وهو الأصل ، نحو : (وَإِنْ تَعُودُوا نَعُدْ)(١) ، وماضيين نحو : (وَإِنْ عُدْتُمْ عُدْنا)(٢) ، وماضيا فمضارعا ، نحو : (مَنْ كانَ يُرِيدُ حَرْثَ الْآخِرَةِ نَزِدْ لَهُ فِي حَرْثِهِ)(٣). وعكسه قليل ، وخصه الجمهور بالضرورة. ومذهب الفراء ، وابن مالك جوازه في النثر ، وهو الصحيح.

مسألة (٩٩)

في اقتران جواب الشرط بالفاء (٤)

إن كانت الجملة اسمية ، أو فعلية فعلها طلبيّ ، أو جامد ، أو مقرون بـ «قد» أو تنفيس ، أو «لن» أو «ما» فلا تقع جوابا إلا بالفاء. فالجملة الاسمية نحو قوله تعالى : (وَإِنْ يَمْسَسْكَ بِخَيْرٍ فَهُوَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ)(٥).

والأفعال الطلبية هي فعل الأمر ، نحو قوله تعالى : (قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللهُ)(٦).

والنهي نحو ما في قراءة «ابن كثير» (٧) : ومن يعمل من الصالحات وهو مؤمن فلا يخف ظلما ولا هضما (٨) ، فـ «ابن كثير» قرأ بالقصر ، والجزم على النهي ، وقراءة الرفع خبر لمبتدأ محذوف تقديره : فهو لا يخاف ، والجملة في موضع الجزم على أنها جواب الشرط.

__________________

(١) الأنفال : ١٩.

(٢) الإسراء : ٨.

(٣) الشورى : ٢٠.

(٤) موارد المسألة : «شرح الشاطبي» و «شرح الأشموني» ٤ : ١٩ والحديث غير مذكور في «شرح الأشموني».

(٥) الأنعام : ١٧.

(٦) آل عمران : ٣١.

(٧) انظر «إتحاف فضلاء البشر» : ٣٠٧.

(٨) طه : ١١٢.

٢٨٦

والدعاء نحو قوله تعالى : (وَإِذْ قالُوا اللهُمَّ إِنْ كانَ هذا هُوَ الْحَقَّ مِنْ عِنْدِكَ فَأَمْطِرْ عَلَيْنا)(١).

وفي الحديث : «اللهم إن أمسكت نفسي فاغفر لها ، وإن أرسلتها فاحفظها» (٢).

والفعل الجامد ، نحو قوله تعالى : (إِنْ تَرَنِ أَنَا أَقَلَّ مِنْكَ مالاً وَوَلَداً فَعَسى رَبِّي)(٣).

أو مقرون بـ «قد» ، نحو قوله تعالى : (إِنْ يَسْرِقْ فَقَدْ سَرَقَ أَخٌ لَهُ مِنْ قَبْلُ)(٤).

أو تنفيس ، نحو قوله تعالى : (وَإِنْ خِفْتُمْ عَيْلَةً فَسَوْفَ يُغْنِيكُمُ اللهُ»)(٥).

أو «لن» ، نحو قوله تعالى : (وَما يَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ فَلَنْ يُكْفَرُوهُ)(٦).

أو «ما» ، نحو قوله تعالى : (فَإِنْ تَوَلَّيْتُمْ فَما سَأَلْتُكُمْ مِنْ أَجْرٍ)(٧).

__________________

(١) الأنفال : ٣٢.

(٢) أخرجه «أحمد» في «مسنده» ٢ : ٢٨٣ ، ٢٩٥ ، و «الدارمي» في «سننه» في (باب الدعاء عند النوم) ٢ : ٢٩٠ ، بهذا اللفظ. وبلا «اللهم» أخرجه «البخاري» في (كتاب التوحيد ـ باب السؤال بأسماء الله ـ تعالى ـ والاستعاذة بها) ٨ : ١٦٩ ، و «أبو داود» في «سننه» في (كتاب الأدب ـ باب ما يقال عند النوم) ٤ : ٣١٢ ، و «الترمذي» في «سننه» في (أبواب الدعوات ـ باب ما جاء في الدعاء إذا أوى إلى فراشه) ٥ : ١٣٩ ، و «أحمد» في «مسنده» أيضا ٢ : ٢٤٦ ، ٤٢٢ ، ٤٣٢.

(٣) الكهف : ٣٩ ، ٤٠.

(٤) يوسف : ٧٧.

(٥) التوبة : ٢٨.

(٦) آل عمران : ١١٥.

(٧) يونس : ٧٢.

٢٨٧

مسألة (١٠٠)

في حذف الفاء من جواب الشرط (١)

وقد تحذف الفاء الواجب ذكرها ، للضرورة أو للندور.

فمن خص هذا الحذف بالشعر حاد عن التحقيق ، وضيّق حيث لا تضييق ، بل هو في غير الشعر قليل ، وهو فيه كثير.

فمن الضرورة قول «حسان» :

من يفعل الحسنات الله يشكرها

والشّرّ بالشّرّ عند الله مثلان (٢)

وقول الآخر :

ومن لا يزل ينقاد للغيّ والصّبا

سيلفى على طول السلامة نادما

ومن الندور قول النبي ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ لـ «أبيّ بن كعب» : «فإن جاء صاحبها وإلا استمتع بها» (٣)

وقوله ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ لـ «هلال بن أمية» : (البيّنة وإلّا حدّ في ظهرك) (٤)

فقد تضمن الحديث الأول حذف جواب «إن» الأولى ، وحذف شرط «إن» الثانية ، وحذف الفاء من جوابها. فإن الأصل : فإن جاء صاحبها أخذها ، وإلّا يجيء فاستمتع بها.

__________________

(١) موارد المسألة : «شرح المرادي» ٤ : ٢٥٢ ، و «شرح ابن الناظم» ٢٧٤ ، و «شرح الأشموني» ٤ : ٢١ ، و «شواهد التوضيح» : ١٣٣ ، و «المغني» (الفاء) : ٢١٩.

(٢) استشهد به «سيبويه» في «الكتاب» ١ : ٤٣٥ على حذف الفاء لضرورة الشعر ، وقال : «سألته عن قوله : إن تأتني أنا كريم ، فقال : لا يكون هذا إلّا أن يضطر شاعر». وقال في «الكتاب» ١ : ٤٣٧ : «وكما قالوا في اضطرار : إن تأتني أنا صاحبك ، يريد معنى الفاء».

والبيت نسبه «سيبويه» لـ «حسان» ، ونسبه «المبرد» لـ «عبد الرحمن بن حسان» ، وكذلك نسبه في «الخزانة» ورواه جماعة لـ «كعب بن مالك الأنصاري». «المقتضب» بتحقيق الأستاذ محمد عبد الخالق عضيمة (٢ : ٧٠).

(٣) أخرجه «البخاري» في «صحيحه» في (كتاب في اللّقطة ـ باب هل يأخذ اللّقطة ولا يدعها تضيع حتى لا يأخذها من لا يستحقّ) ٣ : ٩٥ ـ ٩٦ بهذا اللفظ. وأخرجه «أبو داود» في «سننه» في أول (كتاب اللقطة) ٢ : ١٣٤ برواية : «وإلا فاستمتع بها».

(٤) أخرجه «البخاري» في «صحيحه» في (كتاب التفسير ـ سورة النور ، باب قوله : «ويدرأ عنها العذاب أن تشهد أربع شهادات بالله إنه لمن الكاذبين» ٦ : ٤.

٢٨٨

وتضمن الحديث الثاني حذف فعل ناصب «البينة» وحذف فعل الشرط بعد «ألّا» ، وحذف فاء الجواب والمبتدأ معا. فإن الأصل : أحضر البينة وإلّا تحضرها فجزاؤك حدّ في ظهرك.

وقال «ابن مالك» : والنحويون لا يعترفون بمثل هذا الحذف في غير الشعر. أعني حذف فاء الجواب إذا كان جملة اسمية ، أو جملة طلبية. وزعم النحويون أنه مخصوص بالضرورة ، وقد ثبت الحذف في هذين الحديثين ، فبطل تخصيصه بالشعر ، لكنّ الشعر به أولى. ولو قيل في الكلام : إن استعنت أنت معان ، لم أمنعه.

ومن ورود الجواب طلبا عاريا من الفاء قول الشاعر :

إن تدع للخير كن إيّاه مبتغيا

ومن دعاك له احمده بما فعلا

وقال «المبرد» : هو على إرادة الفاء ، ولا اختلاف بين النحويين في ذلك.

٢٨٩

مسألة (١٠١)

في حذف فعل الشرط (١)

قد يحذف فعل الشرط بعد «إن» المردفة بـ «لا» إن دل الدليل على المحذوف ، نحو : (تكلم بخير وإلّا فاسكت) ، وتقديره : وإلّا تتكلم بخير فاسكت.

ونحو : (افعل كذا وإلّا ضربتك). وتقديره : وإلا تفعل ضربتك.

ونحو قول «الأحوص» :

فطلّقها ، فلست لها بكفء

وإلا يعل مفرقك الحسام

أي : وإلّا تطلقها يعل مفرقك الحسام

ومنه قوله ـ عليه‌السلام ـ : (إمّا لا فأعنّي على نفسك بكثرة السجود) (٢).

والتقدير : إن كنت لا تقول غير هذا فأعني ...

__________________

(١) مورد المسألة : «شرح الشاطبي» عند قوله :

والشرط يغني عن جواب قد علم

والعكس قد يأتي إن المعنى فهم

وانظر «شرح الأشموني» ٤ : ٢٥.

(٢) وفي «بلوغ الأماني من أسرار الفتح الرباني» ٢ : ٢١٩ : ورد في «مسند أحمد» : «إمّا لا فأعنّي بكثرة السجود» ، ولا شاهد فيه عند «مسلم» و «أبي داود» من حديث : «ربيعة بن كعب الأسلمي» ، قال : «كنت أبيت مع النبي ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ فآتيه بوضوئه وبحاجته ، فقال لي : سلني ، قلت : فإني أسألك مرافقتك في الجنة ، فقال : أو غير ذلك؟ قلت : هو ذاك ، فقال : فأعنّي على نفسك بكثرة السجود».

ف «إما» أصلها : إن كان ، فـ «إن» شرطية ، و «ما» عوض عن «كان» المحذوفة. والمعنى : إن كان لا بد فكن لي عونا في إصلاح نفسك بكثرة السجود.

وهو في «كنز العمال» ٧ : ٣٠٦.

٢٩٠

وفي حديث الغامدية قوله ـ عليه‌السلام ـ : «إما لا فاذهبي حتى تلدي» (١).

وكذا تقول العرب : (إما لا فافعل كذا).

وحذف فعل الشرط قليل ، وحذف جوابه كثير.

__________________

(١) أخرجه «مسلم» في «صحيحه» في (كتاب الحدود ـ باب من اعترف على نفسه بالزنى) ٥ : ١٢٠ ، عن «بريدة». وفيه : «... فجاءت الغامدية فقالت : يا رسول الله إني قد زنيت فطهّرني وإنه ردّها ، فلمّا كان الغد قالت يا رسول الله لم تردّني؟ لعلّك أن تردّني كما رددت ماعزا ، فو الله إني لحبلى ، قال :

إمّا لا فاذهبي حتّى تلدي.

فلما ولدت أتته بالصبيّ في خرقة ، قالت : هذا قد ولدته ، قال : اذهبي فأرضعيه حتى تفطميه ، فلمّا فطمته أتته بالصّبيّ في يده كسرة خبز ، فقالت : هذا يا نبيّ الله قد فطمته وقد أكل الطّعام ، فدفع الصّبيّ إلى رجل من المسلمين ، ثمّ أمر بها فحفر لها إلى صدرها ، وأمر الناس فرجموها ، فيقبل خالد بن الوليد بحجر ، فرمى رأسها ، فتنضّح الدّم على وجه خالد فسبّها فسمع نبيّ الله ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ سبّه إيّاها ، فقال : «مهلا يا خالد فو الذي نفسي بيده لقد تابت توبة لو تابها صاحب مكس لغفر له ، ثمّ أمر بها فصلّى عليها ودفنت».

وفي «شرح صحيح مسلم» للنووي ١١ : ٢٠٣ :

معناه : إذا أبيت أن تستري على نفسك وتتوبي وترجعي عن قولك فاذهبي حتى تلدي ، فترجمين بعد ذلك.

٢٩١

«لو» مسألة (١٠٢)

في وقوع جواب «لو» مضارعا منفيا (١)

حقّ جواب «لو» أن يكون ماضيا معنى ، نحو : (لو لم يخف الله لم يعصه) ، أو وضعا ، وهو إما مثبت فاقترانه باللام ، نحو قوله تعالى : (لَوْ نَشاءُ لَجَعَلْناهُ حُطاماً)(٢) أكثر من تركها ، نحو قوله تعالى : (لَوْ نَشاءُ جَعَلْناهُ أُجاجاً)(٣). وإما منفي بـ «ما» فاقترانه باللام أقل من تركها ، نحو قوله تعالى : (وَلَوْ شاءَ رَبُّكَ ما فَعَلُوهُ)(٤).

وقول الشاعر :

ولو نعطى الخيار لما افترقنا

ولكن لا خيار مع الليالي

وأما قوله ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ : (لو كان لي مثل أحد ذهبا ما يسرّني ألّا يمرّ عليّ ثلاث وعندي منه شيء إلا شيء أرصده لدين) (٥).

قال «ابن مالك» : تضمن هذا الحديث وقوع جواب «لو» مضارعا منفيا بـ «ما». وحق جوابها أن يكون ماضيا مثبتا ، نحو : (لو قام لقمت). أو منفيا بـ «لم» ، نحو : (لو قام لم أقم).

وأما الفعل الذي يليها فيكون مضارعا مثبتا ومنفيا بـ «لم» ، وماضيا مثبتا.

__________________

(١) موارد المسألة : «شرح الأشموني» ٤ : ٤٣ ، و «شواهد التوضيح» : ٧١.

(٢) الواقعة : ٦٥.

(٣) الواقعة : ٧٠.

(٤) الأنعام : ١١٢.

(٥) أخرجه «البخاري» في «صحيحه» في (كتاب الاستقراض وأداء الديون ـ باب أداء الديون) ٣ : ٨٣ عن أبي هريرة.

٢٩٢

نحو : (لو يقوم لقمت) ، و (لو يقم لقمت) ، و (لو قمت لقمت).

قلنا : في وقوع المضارع في هذا الحديث جوابان :

أحدهما : أن يكون وضع المضارع موضع الماضي الواقع جوابا كما وضع في موضعه ، وهو شرط. كقوله تعالى : (لَوْ يُطِيعُكُمْ فِي كَثِيرٍ مِنَ الْأَمْرِ لَعَنِتُّمْ)(١)

والأصل : لو أطاعكم ، فكما وقع يطيع موقع أطاع وهو شرط ، وقع يسرني موقع سرني ، وهو جواب.

الثاني : أن يكون الأصل : ما كان يسرني ، فحذف «كان» وهو جواب «لو» ، وفيه ضمير هو الاسم ، ويسرني خبر. وحذف «كان» مع اسمها ، وبقاء خبرها كثير في نثر الكلام ونظمه.

فمن النثر قول النبي ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ : (المرء مجزيّ بعمله ، إن خيرا فخير ، وإن شرا فشر) (٢) أي : إن كان عمله خيرا فجزاؤه خير. وإن كان عمله شرا فجزاؤه شر.

ومن النظم قول «النابغة الذبياني» (٣) :

حدبت عليّ بطون ضنّة كلها

إن ظالما فيهم ، وإن مظلوما

أي : إن كنت ظالما فيهم وإن كنت مظلوما.

__________________

(١) الحجرات : ٧.

(٢) قال «البغدادي» في تخريجه أحاديث شرح رضي الدين للكافية ، مخطوط ورقة / ٦ / : وأورد في خبر «كان» حديث : «الناس مجزيّون بأعمالهم إن خيرا فخير ، وإن شرا فشر» رواه «ابن جرير» في تفسيره عن «ابن عباس» موقوفا ، ورواه «ابن مالك» في «التوضيح» مرفوعا إلى النبي ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ بلفظ : «المرء مجزي بعمله» إلى آخره. كذا في «الدرر المنتثرة في الأحاديث المشتهرة» ، وهو من أمثلة النحويين ، وأول من مثّل به «سيبويه» قال في أوائل كتابه : «هذا باب ما يضمر فيه الفعل المستعمل إظهاره بعد حرف ، وذلك قولك : الناس مجزيون بأعمالهم إن خيرا فخير ، وإن شرا فشر ، والمرء مقتول بما قتل به إن خنجرا فخنجر وإن سيفا فسيف) وذكر الأوجه المشهورة فيها. ا ه.

(٣) ديوانه : ١٣١ ، ضنّة : من قضاعة ، ثم من عذرة.

٢٩٣

وأشبه شيء بحذف «كان» قبل «يسرني» حذف «جعل» قبل «يجادلنا» في قوله تعالى : (فَلَمَّا ذَهَبَ عَنْ إِبْراهِيمَ الرَّوْعُ وَجاءَتْهُ الْبُشْرى يُجادِلُنا فِي قَوْمِ لُوطٍ)(١) أي : جعل يجادلنا في قوم لوط ، لأن «لمّا» مساوية لـ «لو» في استحقاق جواب بلفظ الماضي. فلما وقع المضارع في موضع الماضي دعت الحاجة إلى أحد أمرين : إما تأول المضارع بماض. وإما تقدير ماض قبل المضارع. وهو أولى الوجهين. والله تعالى أعلم.

__________________

(١) هود : ٧٤.

٢٩٤

«أمّا» مسألة (١٠٣)

في حذف الفاء في جواب «أمّا» (١)

«أما» حرف شرط وتفصيل وتوكيد. نائبة عن أداة شرط وفعله ، ولهذا تؤوّل بـ «مهما يكن من شيء» ، ولا بد من ذكر جملة هي جواب له ، ولا بد فيها من ذكر الفاء ، كقوله تعالى : (فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا فَيَعْلَمُونَ أَنَّهُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّهِمْ وَأَمَّا الَّذِينَ كَفَرُوا فَيَقُولُونَ : ما ذا أَرادَ اللهُ بِهذا مَثَلاً)(٢).

وجاء في «مغني اللبيب» وغيره : فإن دخلت «أمّا» على قول قد طرح فيجب حذف الفاء معه ، كقوله تعالى : (يَوْمَ تَبْيَضُّ وُجُوهٌ وَتَسْوَدُّ وُجُوهٌ فَأَمَّا الَّذِينَ اسْوَدَّتْ وُجُوهُهُمْ أَكَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمانِكُمْ فَذُوقُوا الْعَذابَ بِما كُنْتُمْ تَكْفُرُونَ)(٣) ، أي : (فيقال لهم : أكفرتم) ، فحذف القول استغناء عنه بالمقول ، فتبعته الفاء في الحذف ، وربّ شيء يصح تبعا ولا يصح استقلالا ، كالحاجّ عن غيره يصلّي عنه ركعتي الطواف ، ولو صلى أحد عن غيره ابتداء لم يصح على الصحيح (٤). هذا قول الجمهور.

__________________

(١) موارد المسألة : «شرح ابن الناظم» ٢٧٩ ، و «شرح الشاطبي» ، و «شرح ابن عقيل» ٤ : ٥٤ ، و «شرح الأشموني» ٤ : ٤٥ ، و «أوضح المسالك» ٣ : ٢٠٨ ، و «شواهد التوضيح» ١٣٦ ، و «مغنى اللبيب» (أما) ٨٠.

(٢) البقرة : ٢٦.

(٣) آل عمران : ١٠٦.

(٤) من ذلك (المادة : ٥٦) «البقاء أسهل من الابتداء» يعني أن ما لا يجوز ابتداء يجوز بقاء ، للقاعدة المذكورة ، فلو كان لرجل داران على جانبي الطريق فأراد أن ينشيء جسرا من الواحدة إلى الأخرى يمنع ، ولكن لا يهدم بعد إنشائه إن لم يكن فيه ضرر على المارين.

ويتفرع عن هذه القاعدة (المادة : ٥٥) «يغتفر في البقاء ما لا يغتفر في الابتداء».

مثاله : إن هبة الحصة الشائعة لا تصح ، لكن إذا وهب رجل عقارا من آخر فاستحق منه حصة شائعة لا تبطل الهبة في حق الباقي. «شرح المجلة للباز» ٤٢ ، وانظر «حاشية ابن عابدين» ٢ : ٢٣٦.

٢٩٥

وزعم بعض المتأخرين أن فاء جواب «أمّا» لا تحذف في غير الضرورة أصلا ، وأن الجواب في الآية : (فَذُوقُوا الْعَذابَ) ، والأصل : فيقال لهم : ذوقوا ، فحذف القول وانتقلت الفاء إلى المقول ، وأن ما بينهما (١) اعتراض. ومن هذا قوله تعالى : (وَأَمَّا الَّذِينَ كَفَرُوا أَفَلَمْ تَكُنْ آياتِي تُتْلى عَلَيْكُمْ فَاسْتَكْبَرْتُمْ وَكُنْتُمْ قَوْماً مُجْرِمِينَ)(٢).

فإن أصله : فيقال لهم : ألم تكن آياتي ، ثم حذف القول ، وتأخرت الفاء عن الهمزة.

وورد في «شرح الأشموني» وغيره : لا تحذف هذه الفاء إلا في ضرورة ، نحو قول الشاعر :

فأمّا القتال لا قتال لديكم

ولكنّ سيرا في عراض المواكب (٣)

أراد : فلا قتال لديكم. فحذف الفاء ؛ لإقامة الوزن.

أو في ندور ، نحو قوله ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ : (أما بعد ما بال رجال يشترطون شروطا ليست في كتاب الله) (٤).

وقول «عائشة» ـ رضي‌الله‌عنها ـ : (وأمّا الذين جمعوا بين الحجّ والعمرة طافوا طوافا واحدا) (٥).

__________________

(١) أي : بين «فأما الذين اسودّت» وفاء الجواب الداخلة على القول المحذوف ، والجملة المعترضة هي : (أَكَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمانِكُمْ).

(٢) الجاثية : ٣١.

(٣) قال «العينيّ» : هذا البيت مما هجى به قديما بنو أسد بن أبي العيص بن أمية بن عبد شمس. في عراض المواكب : في شقها وناحيتها. والمواكب : جمع موكب ، وهم القوم الركوب على الإبل المزيّنة. وكذلك جماعة الفرسان.

(٤) أخرجه «البخاري» في «صحيحه» في (كتاب البيوع ـ باب إذا اشترط شروطا في البيع لا تحلّ) ٣ : ٢٩ ، وانظر «عمدة القاري» ١١ : ٢٨٨.

(٥) أخرجه «البخاري» في «صحيحه» في (كتاب الحج ـ باب طواف القارن) ٢ : ١٦٨ برواية :

«طافوا طوافا واحدا» هكذا بغير فاء في جواب «أمّا» ، وللكشميهني : «فإنما طافوا طوافا واحدا».

٢٩٦

وقول النبي ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ : (أمّا موسى كأنّي أنظر إليه إذا انحدر في الوادي يلبّي) (١).

وقال «ابن مالك» : وقد خولفت القاعدة في هذه الأحاديث ، فعلم بتحقيق عدم التضييق ، وإن من خصه بالشعر ، أو بالصورة المعينة من النثر مقصر في فتواه ، عاجز عن نصرة دعواه.

__________________

(١) أخرجه «البخاري» في «صحيحه» في (كتاب الحج ـ باب التلبية إذا انحدر في الوادي) ٢ : ١٤٨ ، برواية : «كأني أنظر إليه» هكذا بحذف الفاء من جواب «أمّا» ، وقوله : «إذا انحدر بإثبات الألف بعد الذال وبحذفها.

وانظر «عمدة القاري» ٩ : ٢٨١.

٢٩٧

العدد

مسألة (١٠٤)

في تمييز العدد باسمي الجنس والجمع (١)

مميّز الثلاثة والعشرة وما بينهما إن كان اسم جنس (وهو ما يفرق بينه وبين مفرده بالتاء غالبا) ، ك : شجر ، وتمر. أو كان اسم جمع (وهو ما دل على الجمع ، وليس له مفرد من لفظه غالبا) ، ك : قوم ، ورهط ، خفض بـ «من» نحو : (ثلاثة (٢) من التمر أكلتها) و (عشرة من القوم لقيتهم). قال الله تعالى : (فَخُذْ أَرْبَعَةً مِنَ الطَّيْرِ)(٣).

وقد يخفض هذين الجمعين بإضافة العدد إليه ، نحو قوله تعالى : (وَكانَ فِي الْمَدِينَةِ تِسْعَةُ رَهْطٍ)(٤) ، وفي الحديث : «ليس فيما دون خمس ذود صدقة» (٥) ، وقال «الحطيئة» :

ثلاثة أنفس وثلاث ذود

لقد جار الزمان على عيالي (٦)

والصحيح قصره على السماع.

__________________

(١) موارد المسألة : «شرح الشاطبي» و «شرح الأشموني» ٤ : ٦٥ ، و «أوضح المسالك» ٣ : ٢١٥ ، و «النحو الوافي» ٤ : ٥٢٧.

(٢) التمر : اسم جنس ، ويعتبر التذكير والتأنيث مع اسمي الجمع والجنس بحسب حالهما (أي : باعتبار عود الضمير عليهما تذكيرا وتأنيثا) فيعطى العدد عكس ما يستحقه ضميرها ، والضمير الذي يعود على «التمر» هو ضمير مذكر. انظر «أوضح المسالك» (العدد).

(٣) البقرة : ٢٦٠.

(٤) النمل : ٤٨.

(٥) أخرجه «البخاري» في «صحيحه» في (كتاب الزكاة ـ باب ليس فيما دون خمس ذود صدقة) ٢ : ١٢٥ عن «أبي سعيد الخدري» ، و «مسلم» في «صحيحه» في أول (كتاب الزكاة) ٣ : ٦٦ ، و «أبو داود» في «سننه» في (كتاب الزكاة ـ باب ما تجب فيه الزكاة) ٢ : ٩٤ ، و «النسائي» في «سننه» في (كتاب الزكاة ـ باب زكاة الإبل) ٥ : ١٨.

(٦) الذود من الإبل : ما بين الثلاثة إلى العشرة ، وهي مؤنثة ، لا واحد لها من لفظها (صحاح). والأنفس جمع نفس ، وهي مؤنثة ، وإنما أنت عددها ، لأن النفس كثر استعمالها مقصودا بها إنسان. قاله «المرادي».

والشاهد : إضافة العدد إلى معدوده في قوله : «وثلاث ذود» ، والمعدود اسم جمع.

٢٩٨

وإن كان جمعا خفض بإضافة العدد إليه ، نحو : (ثلاثة رجال) ، وحقه أن يكون جمعا مكسرا من أبنيه القلة ، نحو : (ثلاثة أعبد ، وثلاث آم) (١) جمع : أمة.

__________________

(١) آم : بمد الهمزة وتخفيف الميم مكسورة ، جمع أمة ، على وزن : أفعل ، وأصله : أأمو ، قلبت الواو ياء تفاديا من عدم النظير ، والضمة قبلها كسرة ، ثم أعلت الياء إعلال ياء «قاض» ، ثم قلبت ثانية الهمزتين ألفا لسكونها إثر همزة مفتوحة. «دليل المنجد» ٣٨ ، و «حاشية الصبان» ٤ : ٦٥.

٢٩٩

الممدود

مسألة (١٠٥) في تثنية الممدود (١)

قال «الشاطبي» : ذكر الناظم حكم الممدود من الأسماء في التثنية فقال :

وما كصحراء بواو ثنّيا

ونحو علباء كساء وحيا

بواو أو همز ، وغير ما ذكر

صحّح ، وما شذّ على نقل قصر

قسم الممدود ثلاثة أقسام : ما كانت الهمزة فيه للتأنيث ، وما كانت للإلحاق ، أو بدلا من أصل. وما عداها وهو ما كانت الهمزة فيه أصلية. وابتدأ بالقسم الأول فقال : (وما كصحراء بواو ثنيا) يعني أن ما كان من الأسماء الممدودة همزتة كهمزة صحراء ، أي في كونها للتأنيث ، فإن حكمه في التثنية أن تقلب الهمزة فيه واوا مطلقا في صحراء : صحراوات. ومثله : حمراء ، وغرّاء ، وبيضاء ، وزكرياء ، وعمياء.

تقول : حمراوان ، وغراوان ، وبيضاوان ، وزكرياوان ، وعمياوان. وفي الحديث : «أفعمياوان أنتما» (٢).

وقال الشاعر :

يديان بيضاوان عند محلّم

قد تمنعانك أن تضام وتقهرا

__________________

(١) موارد المسألة : «شرح الشاطبي» ، و «الكافي شرح الهادي» : ٩٧ (آلة كاتبة).

(٢) أخرجه «أبو داود» في «سننه» في (كتاب اللباس ـ باب في قوله ـ عزوجل ـ : (وَقُلْ لِلْمُؤْمِناتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصارِهِنَّ)) ٤ : ٦٣ والحديث بتمامه : عن أم سلمة ـ رضي‌الله‌عنها ـ قالت : «كنت عند رسول الله ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ وعنده ميمونة فأقبل ابن أمّ مكتوم ، وذلك بعد أن أمرنا بالحجاب ، فقال النبي ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ : احتجبا منه. فقلنا : يا رسول الله ، أليس أعمى لا يبصرنا ولا يعرفنا؟ فقال النبي ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ : أفعمياوان أنتما؟ ألستما تبصرانه؟» وأخرجه «الترمذي» و «النسائي». وقال «الترمذي» : حسن صحيح. انظر «مختصر سنن أبي داود» للمنذري ٦ : ٦٠ ، و «التلخيص الحبير» ٣ : ١٧٠ ، وورد في «فتح الباري» : «أفعمياوان أنتما» هذا في حق أمهات المؤمنين ، نهاهما عن رؤية الأعمى مع قوله لـ «فاطمة بنت قيس» : «اعتدى عند ابن أم مكتوم فإنه أعمى» فغلظ الحجاب في حقهن دون غيرهن. ا ه.

٣٠٠