الحديث النبوي في النحو العربي

الدكتور محمود فجال

الحديث النبوي في النحو العربي

المؤلف:

الدكتور محمود فجال


الموضوع : اللغة والبلاغة
الطبعة: ٢
الصفحات: ٣٨٤

و «اللّيّانا» معطوف على محل «الإفلاس».

وإلى الإتباع على الموضع ذهب جماعة.

ورأى «سيبويه» الحمل على إضمار الفعل. ذكر ذلك في باب المصدر الجاري مجرى فعله.

ومن الحمل على الموضع استشهد «أبو إسحاق الشاطبي» بالحديث التالي : «أمر بقتل الأبتر وذو الطّفيتين» (١).

قال «أبو البقاء» : وفي لفظ : «أمر بقتل الأبتر وذو الطّفيتين» الوجه : «وذي» معطوفا على لفظ «الأبتر».

ويروي : «ذو» بالواو عطفا على موضع «الأبتر» ، والتقدير : أمر بأن يقتل الأبتر وذو الطّفيتين.

__________________

(١) أخرجه «البخاري» في «صحيحه» في (كتاب بدء الخلق ـ باب قوله تعالى : (وَبَثَّ فِيها مِنْ كُلِّ دَابَّةٍ) ٤ : ٩٧ ، برواية : «اقتلوا ذا الطفيتين والأبتر».

ومثله عند «مسلم» في «صحيحه» في (كتاب قتل الحيات وغيرها) ٧ : ٣٨.

ونحوه عند «ابن ماجه» في «سننه» في (كتاب الطب ـ باب قتل ذي الطفيتين) ٢ : ١١٦٩.

ونحوه عنده «الترمذي» في «سننه» في «أبواب الصيد ـ باب في قتل الحيّات) ٣ : ٢١.

ونحوه عند «أحمد» في «مسنده» ٢ : ٩ ، ١٢١ ، ٣ : ٤٥٢ ، ٦ : ٢٣٠.

و «مسلم» في «صحيحه» في (كتاب قتل الحيات وغيرها) ٧ : ٩٧ ، برواية : «أمر بقتل ذي الطّفيتين».

ومثله عند «ابن ماجه» في «سننه» في (كتاب الطب ـ باب قتل ذي الطفيتين) ٢ : ١١٦٩.

ومثله عند «أحمد» في «مسنده» ٣ : ٤٥٣.

و «مسلم» في «صحيحه» ٧ : ٣٩ ، برواية : «وأمر بقتل الأبتر وذي الطفيتين» ، وبرواية : «نهى عن قتل الجنّان التي تكون في البيوت إلا الأبتر وذا الطفيتين».

و «أبو داود» في «سننه» في (كتاب الأدب ـ باب في قتل الحيات) ٤ : ٣٦٤ ، برواية : «اقتلوا الحيات وذا الطفيتين والأبتر» وبرواية : «إلا أن يكون ذا الطفيتين والأبتر».

و «النسائي» في «سننه» في (كتاب مناسك الحج ـ باب قتل الوزغ) ٥ : ١٨٩ ، برواية : «ونهى عن قتل الجنّان إلّا ذا الطّفيتين والأبتر». ونحوه عند «مالك» في «الموطأ» في (كتاب الاستئذان ـ باب ما جاء في قتل الحيات) ٢ : ٩٧٦.

و «أحمد» في «مسنده» ٥ : ٢٦٢ ، برواية : «نهى عن قتل عوامر البيوت إلا من كان من ذي الطفيتين والأبتر».

٢٤١

__________________

و ٦ : ٢٩ برواية : «نهى عن قتل حيات البيوت إلا الأبتر وذا الطفيتين» ، و ٦ : ٥٢ ، ١٣٤ ، ١٤٧ برواية : «كان يأمر بقتل ذي الطفيتين» ، و ٦ : ١٥٧ برواية : «اقتلوا الحيات كلهن إلا الجان الأبتر منها وذا الطفيتين».

والروايات المتقدمة من حديث «عمر» ، وابنه ، و «عائشة» ، و «أبي لبابة» ، و «أبي أمامة». المعاني اللغوية.

الجنّان واحدها. جانّ ، وهي الدقيق الخفيف ، وهي الحية التي تكون في البيوت.

ذو الطفية من الحية ، ما على ظهره خطان أسودان ، وقيل : أبيضان. ورجح بعضهم الأول.

الأبتر : الذي لا ذنب له ، أو قصير الذنب.

والمراد بالحبل : الجنين. وانظر «شرح صحيح مسلم» للنووي ١٤ : ٢٣٠.

همسة صادقة في آذان النحاة : من هذا الاستقراء لروايات الحديث في دواوين السنة نوقن دقة الرواية ، وتحري الرواة. ولو عرضنا هذه الروايات على القواعد النحوية ، المتّفق عليها ، لوجدناها جارية على الأساليب الفصيحة. وأما الروايتان اللتان ذكرهما «أبو البقاء» في «إعراب الحديث النبوي» ص : ١٩٢ ، وهما : «نهى عن قتل جنّان البيوت إلّا الأبتر وذو الطفيتين» و «أمر بقتل الأبتر وذو الطفيتين»

وتعليقه على الرواية الأولى بقوله : والقياس أن يكون هو والأبتر منصوبين ؛ لأنه استثناء من موجب أو منفي ، ولكن المقدر في المعنى منصوب ، لأن التقدير : لا تقتلوا جنّان البيوت إلا الأبتر ، فأما الرفع فوجهه على شذوذه أن يقدّر له ما يرفعه ، والتقدير : لكن يقتل ذو الطفيتين والأبتر ؛ وعلى هذا يجوز نصبه على أصل باب الاستثناء ، ورفعه على ما قدرنا.

ومثل هذا قول «الفرزدق» :

وعضّ زمان يا ابن مروان لم يدع

من المال إلا مسحتا أو مجلّف

ف «مجلّف» مرفوع على تقدير : بقي مجلف. و «مسحتا» بالنصب على أصل الباب.

ويروي «مسحت» بالرفع على ما قدرنا.

وتعليقه على الرواية الثانية بقوله : الوجه «وذي» ، معطوفا على لفظ «الأبتر» ، ويروي «ذو» بالواو عطفا على موضع «الأبتر» فأقول : إن أبا البقاء حكم على الرواية الأولى بالشذوذ ، ومخالفة القياس ، وحكم على الرواية الثانية بمخالفتها للوجه (أي : القياس النحوي). وهاتان الروايتان لا وجود لهما في الدواوين الحديثيّة المشتهرة. وكان عليه أن يأتي بالروايات الواردة في الكتب الحديثية المعتبرة.

والملاحظ أنّ أحاديث كثيرة استشهد بها النحاة ، وهي محرّفة ، ويوردونها لبيان شذوذها وغرابتها ، ومخالفتها للقواعد النحوية.

وكان من الواجب على العالم تحرير الشاهد الحديثيّ ، وأخذه من كتب الحديث الصحيحة ، والتوثق من ضبطه قبل الحكم عليه ، فالأمانة العلمية توحي على العالم ضبط موضع الاستشهاد ، وإثبات ما قبله وما بعده ، ليعرف موقع الأعراب ، وليزهو الشاهد بالجانبين. فكثيرا ما يكون الشاهد الأبتر داعية الخطأ في المعنى والمبنى.

ارجع إلى مسألة / ٤٣ / في لغة «أكلوني البراغيث» تر الحديث «يتعاقبون فيكم ملائكة» وقد استشهدوا به على جواز مطابقة الفعل المتقدم لفاعله المتأخر في الإفراد والتثنية والجمع ، فأجازوا : جاؤوا

٢٤٢

«أبنية المصادر»

مسألة (٦٧)

في مصدر الهيئة (١)

إذا أرادوا نوعا من الفعل مخصوصا ، أو هيئة منه ، فأرادوا أن يشعروا بذلك ، ويدلوا عليه باللفظ ، أتوا بالمصدر على زنة «فعلة» مكسور الفاء ، ساكن العين.

كالحديث : (إذا قتلتم فأحسنوا القتلة) (٢) بكسر القاف للنوع.

__________________

الطلاب. واحتجوا بهذا الحديث. ولما رجعنا إلى الدواوين الحديثية ، عثرنا على تتمته ، وهي : «إن لله ملائكة يتعاقبون فيكم : ملائكة في الليل ، وملائكة في النهار» فالحديث روي مختصرا وروي مطولا.

فلا شاهد في الرواية المطولة على قاعدتهم المطروحة للمزايدة.

وبهذا العرض السريع يتبيّن لنا أن المانعين من الاستشهاد بالحديث اعتمدوا على روايات متهافتة ، أو ساقطة ، غير مسطورة في كتب معتبرة. فكان الأجدر بهم أن يصرفوا وقتهم وهمتهم للنهل من علوم الحديث النبوي ، وألّا يتواكلوا ؛ لتنجلي لهم الأمور ، وتنكشف لهم الحقائق ، ولن يجتمع التواكل والدراسة الصحيحة بحال. جاء في «تدريب الراوي» ٥٣ : قال «الحازمي» في (كتاب العجالة) : علم الحديث يشتمل على أنواع كثيرة تبلغ مائة ، كلّ نوع منها علم مستقل ، لو أنفق الطالب فيه عمره لما أدرك نهايته. وأخيرا : بما قدّمته أبدت الرّغوة عن الصريح ، وقد تبيّن الصّبح لذي عينين. والله أعلم.

(١) موارد المسألة : «شرح الشاطبي» و «شرح السيوطي على سنن النسائي».

(٢) أخرجه «مسلم» في «صحيحه» في (كتاب الصيد والذبائح وما يؤكل من الحيوان ـ باب الأمر بإحسان الذبح والقتل وتحديد الشفر) ٦ : ٧٢.

و «النسائي» في «سننه» في (كتاب الضحايا ـ باب الأمر بإحداد الشفرة) ٧ : ٢٢٧ ، و (باب ذكر المنفلتة التي لا يقدر على أخذها) ٧ : ٢٢٨ ، و (باب حسن الذبح) ٧ : ٢٢٩.

و «أبو داود» في «سننه» في (كتاب الأضاحي ـ باب في النهي أن تصبر البهائم والرفق بالذبيحة) ٣ : ١٠٠ ، و «الترمذي» في «سننه» في (أبواب الديات ـ باب ما جاء في النهي عن المثلة) ٢ : ٤٣١.

و «ابن ماجه» في «سننه» في (كتاب الذبائح ـ باب إذا ذبحتم فأحسنوا الذبحة) ، ٢ : ١٠٥٨.

و «الدارمي» في «سننه» في (كتاب الأضاحي ـ باب في حسن الذبيحة) ٢ : ٨٢ ، و «أحمد» في «مسنده» ٤ : ١٢٣ ، ١٢٤ ، ١٢٥.

من حديث «شدّاد بن أوس».

٢٤٣

والحديث : (من فارق الجماعة مات ميتة جاهلية) (١)

ميتة : بالكسر ، حالة الموت ، أي : كما يموت أهل الجاهلية من الضلال والفرقة.

__________________

(١) بنحوه أخرجه «البخاري» في «صحيحه» في (كتاب الفتن ـ باب سترون بعدي أمورا تنكرونها) ٨ : ٨٧ ، وفي (كتاب الأحكام ـ باب السمع والطاعة للإمام ما لم تكن معصية) ٨ : ١٠٥ ، و «مسلم» في «صحيحه» في (كتاب الإمارة ـ باب الأمر بلزوم الجماعة عند ظهور الفتن ، وتحذير الدعاة إلى الكفر) ٦ : ٢١ و «النسائي» في «سننه» في (كتاب تحريم الدم ـ باب التغليظ فيمن قاتل تحت راية عمّيّة) ٧ : ١٢٣.

و «الدارمي» في «سننه» في (كتاب السّير ـ باب في لزوم الطاعة والجماعة) ٢ : ٢٤١.

و «أحمد» في «مسنده» ١ : ٢٩٧ ، ٣١٠ ، ٢ : ٧٠ ، ٨٣ ، ٩٣ ، ١٢٣ ، ١٣٣ ، ١٥٤ ، ٣ : ٤٤٥ ، ٥ : ١٨٠. من حديث ابن عباس ، وابن عمر ، وأبي ذر.

٢٤٤

«الصفة المشبهة»

مسألة (٦٨)

في إضافة صفة مجردة من «أل» إلى مضاف لضمير (١)

تقبح إضافة الصفة إذا كانت مجردة من «أل» إلى مضاف لضمير ، نحو :

حسن وجهه.

ومنعها «سيبويه» اختيارا. وخصّ جوازها بالشعر.

ومنعها «المبرد» في الشعر والنثر.

قال «ابن مالك» في «شرح الكافية» : وهو عند الكوفيين جائز في الكلام كله. وهو الصحيح ؛ لأن مثله قد ورد في حديث «أم زرع» (٢) :

«صفر وشاحها»

وفي حديث «الدجال» : «أعور عينه اليمنى» (٣).

وفي صفة النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «شثن أصابعه» (٤).

قال : ومع هذا ففي جوازه ضعف. اه. ووافقه «أبو حبان».

__________________

(١) موارد المسألة : «شرح ابن الناظم» ١٧٥ ، و «شرح الشاطبي» و «شرح الأشموني» ٣ : ١٢ ، و «أمالي السهيلي» ١١٥ ـ ١١٨ ، و «مغني اللبيب» ٥٩٩ ، و «همع الهوامع» في (الصفة المشبهة) ، و «فتح الباري» ٦ : ٤٨٨.

(٢) حديث «أم زرع» أخرجه «البخاري» في «صحيحه» في (كتاب النكاح ـ باب حسن المعاشرة مع الأهل) ٦ : ١٤٦ ، ولا شاهد فيه.

و «مسلم» في «صحيحه» في (كتاب فضائل الصحابة ـ باب ذكر حديث أم زرع) ٧ : ١٤٠ ، بلفظ : «وصفر ردائها» ، من حديث عائشة.

(٣) أخرجه «البخاري» في «صحيحه» في (كتاب الأنبياء ـ باب : واذكر في الكتاب مريم إذ انتبذت من أهلها) ٤ : ١٤١ ، و «الترمذي» في «سننه» في «أبواب الفتن ـ باب ما جاء في صفة الدجال) برواية : «وإنه أعور عينه اليمنى» برفع «عينه» ، ويروي : «أعور عينه اليسرى» ، وكلتا الروايتين صحيحة. قال «ابن عبد البر» : رواية «اليمنى» أصح إسنادا ، ولا يظهر الجمع بينهما. وانظر «فتح الباري» ٦ : ٤٨٨ ، و «حاشية الصبان» ٣ : ١٢.

(٤) جاء في «صحيح البخاري» في (كتاب اللباس ـ باب الجعد) ٧ : ٥٨ ، معلقا ، عن أنس كان رسول الله ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ شثن القدمين والكفين. ولا شاهد في هذه الرواية. وانظر «فتح الباري» ١٠ : ٣٥٩.

٢٤٥

وفي «فتح الباري» و «أمالي السهيلي» : «أعور عينه اليمنى» بالإضافة ، من إضافة الموصوف إلى صفته. وهو جائز عند الكوفيين. وتقديره عند البصريين : عين صفحة وجهه اليمنى.

ورواه «الأصيلي» : «عينه» بالرفع ، كأنه وقف على وصفه أنه أعور ، وابتدأ الخبر عن صفة عينه ، فقال : عينه كأنها كذا ، وأبرز الضمير. وفيه نظر ، لأنه يصير كأنه قال : عينه كأن عينه.

ويحتمل أن يكون رفع على البدل من الضمير في «أعور» الراجح على الموصوف ، وهو بدل بعض من كل.

ولا يجوز أن يرتفع بالصفة كما ترتفع الصفة المشبهة باسم الفاعل ، لأن «أعور» لا يكون إلا نعتا لمذكر.

ويجوز أيضا أن تكون «عينه» مرتفعة بالابتداء ، وما بعدها الخبر.

وفي «شرح الشاطبي» : أما إضافة الصفة إلى مضاف محلّى بـ «أل» فكثير نظما ونثرا ، نحو : مررت برجل حسن الوجه. وقد جاء في التنزيل : (وَاللهُ سَرِيعُ الْحِسابِ)(١)

وفي الحديث : «كان ـ عليه‌السلام ـ ضخم الهامة ، شثن الكفين والقدمين ، ضخم الكراديس ، أنور المتجرد» (٢)

__________________

(١) البقرة : ٢٠٢.

(٢) أخرجه بروايات فيها تقديم وتأخير «الترمذي» في «سننه» في (أبواب المناقب ـ باب حدثنا محمد بن إسماعيل ...) و (باب حدثنا أبو جعفر ...) ٥ : ٢٥٩ ، ٢٦٠.

و «أحمد» في «مسنده» ١ : ٩٦ ، ١١٦ ، ١١٧ ، ١٢٧ ، ١٣٤ ، ١٥١. دون «أنور المتجرد».

٢٤٦

«التعجب»

مسألة (٦٩)

في التعجب اللغوي

يدلّ على التعجب بصيغ مختلفة ، غير مبوّب لها في النحو ، مثل : «سبحان الله». وقد جاء في الحديث :

(سبحان الله إن المؤمن لا ينجس) (١) ، فـ «سبحان الله» تعجب لغوي.

مسألة (٧٠)

في التعجب من السواد

وفي شرح المفصل لابن يعيش ٧ : ١٤٥ : وأما الألوان والعيوب ، فنحو الأبيض والأصفر والأحول والأعور ، فلا يقال : ما أبيض هذا الطائر ، ولا : ما أصفره ، إذا أريد البياض والصفرة. وكذلك لا تقول : ما أسود فلانا ، من السواد الذي هو اللون ، وكذلك : ما أحمره ، إن أردت الحمرة. لم يجز.

وفي حاشية يس ٢ : ٩٣ : ردّ هذا «ابن الحاجب» بأنه : ما أشد سواده ، وأكثر حمرته. قال : فإن قيل : إنما تعجبنا من أشد. قلنا : القصد في () موارد المسألة : «شرح ابن الناظم» : ١٧٦ ، و «شرح الشاطبي» و «همع الهوامع» (التعجب) ، و «أوضح المسالك» و «شرح قطر الندى».

__________________

(١) أخرجه «البخاري» في «صحيحه» في (كتاب الغسل ـ باب عرق الجنب وأنّ المسلم لا ينجس ـ وباب الجنب يخرج ويمشي في السّوق وغيره) ١ : ٧٤ ، ٧٥ ،

و «مسلم» في «صحيحه» في (كتاب الحيض ـ باب الدليل على أن المسلم لا ينجس) ١ : ١٩٤ ، و «النسائي» في «سننه» في (كتاب الطهارة ـ باب مماسة الجنب ومجالسته) ١ : ١٤٦ ،

و «أحمد» في «مسنده» ٢ : ٢٣٥.

عن «أبي هريرة».

٢٤٧

التعجب ليس إلا للسواد ، وتعليلك إنما كان من جهة المعنى ، لا من جهة اللفظ.

قال «الشاطبي» : وباب أفعل التفضيل والتعجب من نوع واحد ، وقد استعمل في السواد ذلك أيضا ، ففي الحديث عن النبي ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ : «هي أسود من القار» (١).

والاستعمال فيهما كثير فلا بد من القول بالجواز.

مسألة (٧١)

في دخول «ما» على الفعل المنفي

قال «الشاطبي» :

لا بعد في القياس أن تدخل «ما» على الفعل المنفي ، كما تدخل المصدرية الظرفية عليه.

نحو ما جاء في الحديث : «لا يزال الرجل في فسحة من دينه ما لم يسفك دما حراما» (٢).

__________________

(١) أخرجه «مالك» في «الموطأ» في (كتاب جهنم ـ باب ما جاء في صفة جهنم) ٢ : ٩٩٤.

موقوفا على أبي هريرة.

قال «الباجي» : مثل هذا لا يعلمه أبو هريرة إلا بتوقيف. يعني لأنه إخبار عن مغيّب فحكمه الرفع.

ا ه زرقاني. القار : الزفت.

وأعاد «الشاطبي» الاستشهاد بالحديث في (باب أفعل التفضيل) أيضا.

(٢) أخرجه «البخاري» في «صحيحه» في أول (كتاب الديات) عن «ابن عمر» بلفظ : «لن يزال المؤمن في فسحة من دينه ما لم يصب دما حراما» ٨ : ٣٥ ،

و «أبو داود» في «سننه» في (كتاب الفتن ـ باب في تعظيم قتل المؤمن) عن «أبي الدرداء» نحوه ٤ : ١٠٤ ، و «أحمد» في «مسنده» عن «ابن عمر» نحوه ٢ : ٩٤.

٢٤٨

«نعم ، وبئس»

مسألة (٧٢)

في حكم الفاعل المضاف إلى الله (١)

وقد شذ كون الفاعل مضافا إلى «الله» علما كان أو غيره ، وإن كان فيه «أل» ؛ لأنه من الأعلام. نحو قوله ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ : (نعم عبد الله خالد بن الوليد) (٢) ، وقوله ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ : (نعم عبد الله هذا) ، وقول الشاعر :

بئس قوم الله قوم طرقوا

فقروا جارهم لحما وحر

خلافا لـ «الجرمي» في قوله باطراده.

وغيره يتأوّل ما ورد منه. ومن العلم على أنه المخصوص ، والفاعل مضمر ، حذف مفسّره.

قال «الشاطبي» : ومن ذلك ـ أي ومن فاعل نعم وبئس ـ العلم ، والمضاف إليه ، فقد جاء منه في النثر مما يمكن أن يدعي قياسه ، ففي الحديث :

«نعم عبد الله خالد بن الوليد» ، وقول بعض عبادلة الصحابة : «بئس عبد الله أنا إن كان كذا» ، وقول «سهل بن حنيف» : «شهدت صفين وبئست صفين». وهو نادر ، ومن باب الاستشهاد بالحديث ، قد مرّ ما فيه (٣) ، وإذا سلم فندور يمتنع من القياس عليه.

وقد تأوله «ابن مالك» على أن يكون التمييز قد حذف والفاعل ضمير ، والظاهر المرفوع هو المخصوص. و «أنا» و «خالد» بدلان فلا يكون فيه على هذا دليل.

__________________

(١) موارد المسألة : «شرح الشاطبي» و «شرح المرادي» ٣ : ٨٣ ، و «شرح الأشموني» ٣ : ٢٨ ، و «همع الهوامع» ٥ : ٤٠.

(٢) وهو بتمامه : «نعم عبد الله خالد بن الوليد ، سيف من سيوف الله» (حم ، ت ، عن أبي هريرة) كما في «كنز العمال» ١١ : ٦٧٨.

(٣) مراده الكلام على حكم الاستشهاد بالحديث. وتكلم عليه «الشاطبي» في باب الاستثناء.

٢٤٩

مسألة (٧٣)

في حكم إضمار فاعل «نعم» غير مميز وفي فعلية «نعم» (١)

استشهد النحاة بقوله ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ : (من توضّأ يوم الجمعة فبها ونعمت) (٢) على أن فاعل «نعم» لا يجوز أن يأتي مضمرا غير مميز لفظا ، وإن كان معلوما إلا قليلا. دلّ على ذلك الاستقراء. ومن ذلك القليل الحديث الشريف ، والتقدير : فبالسنة أخذ ، ونعمت السنة الوضوء ، لكن حذف للعلم به.

قال «الشاطبي» : فإن قيل : التمييز في مثل : (نعم عبد الله خالد بن الوليد) لا يحذف.

قيل : ذلك هو الشائع ، وقد يحذف نحو قوله ـ عليه‌السلام ـ : «من توضأ يوم الجمعة فبها ونعمت» فالتقدير : ونعمت سنة ، لأنه أضمر الفاعل على شريطة التفسير ، كأنه قال : ونعمت سنة فعلته ، أو نحو ذلك.

وقدره «السيوطي» بقوله : ونعمت السنة سنة ، أو فعلة هي ، أو رخصة ، أو راجع إلى السنة ، أي : فبالسنّة أخذ.

وعليه «ابن عصفور» و «ابن مالك» ، ونص «سيبويه» على لزوم ذكره.

واستدلوا بالحديث أيضا على أن «نعم» فعل بدليل اتصاله بتاء التأنيث الساكنة بها.

__________________

(١) موارد المسألة : «الكتاب» ٢ : ٢٥٨ ـ ٢٥٩ ، و «شرح الجمل لابن عصفور» في (باب نعم وبئس) ، و «شرح الشاطبي» ، و «الكافي شرح الهادي» ص : ١٤٢١ (آلة كاتبة) ، و «شرح شذور الذهب» ٢١ ، و «شرح قطر الندى» : ٣٦ في (أنواع الفعل) ، و «همع الهوامع» فى (العوامل).

(٢) أخرجه «الترمذي» في «سننه» في (أبواب الجمعة ـ باب في الوضوء يوم الجمعة) ٢ : ٤ ، و «النسائي» في «سننه» في (كتاب الجمعة ـ باب الرخصة في ترك الغسل يوم الجمعة) ٣ : ٩٤.

عن «سمرة بن جندب»

وانظر «التلخيص الحبير» ٢ : ٧١ ، و «كشف الخفاء» ٢ : ٢٤٣.

٢٥٠

مسألة (٧٤)

في وقوع التمييز بعد فاعل «نعم» و «بئس» ظاهرا (١)

قال «الشاطبي» مال «ابن مالك» في «التسهيل» إلى القول بالجواز ، تعويلا على القياس والسماع.

فأما السماع ، فمنه في «البخاري» في حديث «عبد الله بن عمرو» :

«فيسألها عن بعلها» فتقول : «نعم الرجل من رجل ، لم يطأ لنا فراشا ولم يفتّش لنا كنفا مذ أتيناه» (٢).

وأدخل «من» على المفسر.

قال «ابن مالك» : تضمن هذا الحديث وقوع التمييز بعد فاعل نعم وبئس ظاهرا. وهو مما منعه «سيبويه». فإنه لا يجيز أن يقع التمييز بعد فاعل نعم وبئس إلا إذا أضمر الفاعل ، كقوله تعالى : (بِئْسَ لِلظَّالِمِينَ بَدَلاً)(٣).

وأجاز «المبرد» وقوعه بعد الفاعل الظاهر ، وهو الصحيح.

ومن شواهد الموافقة للحديث الشريف قول «جرير» يمدح «عمر بن عبد العزيز».

تزوّد مثل زاد أبيك فينا

فنعم الزاد زاد أبيك زادا

فما كعب بن مامة وابن سعدى

بأجود منك يا عمر الجوادا

وقول «جرير» يهجو «الأخطل» :

والتغلبيّون بئس الفحل فحلهم

فحلا وأمّهم زلّاء منطيق

وقول الآخر :

نعم الفتاة فتاة هند لو بذلت

ردّ التحيّة نطقا أو بإيماء

__________________

(١) موارد المسألة : «شرح الشاطبي» ، و «شواهد التوضيح والتصحيح» ١٠٧ ، و «فتح الباري» ٩ : ٩٥.

(٢) أخرجه «البخاري» في «صحيحه» في (كتاب فضائل القرآن ـ باب في كم يقرأ القرآن) ٦ : ١١٣ ، عن «عبد الله بن عمرو بن العاص»

لم يطأ لنا فراشا : أي : لم يضاجعنا. كنفا : الستر والجانب. وأرادت بذلك الكناية عن عدم الجماع ؛ لأن عادة الرجل أن يدخل يده مع زوجته في دواخل أمرها.

(٣) الكهف : ٥٠.

٢٥١

«أفعل التفضيل»

مسألة (٧٥)

في جواز المطابقة وعدمها في أفعل التفضيل المضاف لمعرفة (١)

«أفعل التفضيل» إذا أضيف إلى معرفة ، وقصد به التفضيل ، بأن نويت معنى «من» جاز فيه وجهان :

(١) استعماله كالمجرد ، فلا يطابق ما قبله.

نحو : (محمد أفضل القوم) ، (المحمدان أفضل القوم) ،

المحمدون أفضل القوم) ،

و (هند أفضل النساء) ، و (الهندان أفضل النساء) ،

و (الهندات أفضل النساء) ،

(٢) استعماله كالمقرون بالألف واللام ، فتجب مطابقته لما قبله.

نحو : (محمد أفضل القوم) ، و (المحمدان أفضلا القوم) ،

و (المحمدون أفضلو القوم ، وأفاضل القوم) ،

و (هند فضلى النساء) ، و (الهندان فضليا النساء) ،

و (الهندات فضّل النساء ، أو فضليات النساء).

ولا يتعين الاستعمال الأول ، خلافا لابن السراج ، وقد ورد الاستعمالان في القرآن الكريم.

__________________

(١) موارد المسألة : «إعراب الحديث النبوي» : ٥٣ ، و «شرح الشاطبي» ، و «شرح الأشموني» ٣ : ٤٩ ، و «شرح ابن عقيل» ٣ : ١٨١ ، و «الكافي شرح الهادي» : ١٤٥٨ ، و «شرح ابن يعيش» ٣ : ٧ ، و «همع الهوامع» في (أفعل التفضيل).

٢٥٢

فمن استعماله غير مطابق قوله تعالى : «وَلَتَجِدَنَّهُمْ أَحْرَصَ النَّاسِ عَلى حَياةٍ». (١)

ومن استعماله مطابقا قوله تعالى : (وَكَذلِكَ جَعَلْنا فِي كُلِّ قَرْيَةٍ أَكابِرَ مُجْرِمِيها)(٢).

وقد اجتمع الاستعمالان في قوله ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ :

(ألا أخبركم بأحبّكم إليّ وأقربكم مني منازل يوم القيامة : أحاسنكم أخلاقا ، الموطّئون أكنافا ، الذين يألفون ويؤلفون) (٣).

والشاهد فيه : أنه وحّد «أحبكم» و «أقربكم» ؛ لأن أفعل التفضيل الذي بمعنى التفضيل يكون في جميع الأحوال بلفظ واحد ، لا يثنى ولا يجمع ولا يؤنث.

وجمع «أحاسنكم» ، ومفرده «أحسن» ؛ لأنه لم يرد به التفضيل ، وإنما المراد به الذات ، نحو : الحسن.

والذين أجازوا الوجهين ، قالوا : الأفصح المطابقة.

__________________

(١) البقرة : ٩٦.

(٢) الأنعام : ١٢٣

(٣) أخرجه «الترمذي» في «سننه» في (أبواب البر والصلة ـ باب ما جاء في معالي الأخلاق) ٣ : ٢٤٩ قريب منه عن «جابر» وفيه الشاهد.

وانظر «مسند أحمد» ٢ : ١٩٣ ، ٤ : ١٩٣ ، ١٩٤.

٢٥٣

مسألة (٧٦)

في حكم رفع اسم التفضيل الظاهر (١)

لا يعمل «أفعل التفضيل» في مصدر ، فلا يقال : زيد أحسن الناس حسنا ، ولا مفعول به ، لا يقال : زيد أشرب الناس عسلا.

وإنما تعدّيه إليه باللام ، فيقال : (زيد أشرب الناس للعسل). ولا يعمل في فاعل ملفوظ به ، فلا يقال : مررت برجل أحسن منه أبوه. إلا في لغة ضعيفة (حكاها «سيبويه»).

واتفقت العرب على جواز ذلك في «مسألة الكحل».

وضابطها : أن يكون أفعل صفة لاسم جنس مسبوق بنفي أو استفهام.

ومرفوعه أجنبيا مفضلا على نفسه باعتبارين.

وذلك كقوله ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ : (ما من أيّام أحبّ إلى الله فيها الصّوم منه في عشر ذي الحجّة) (٢)

وقولك : (ما رأيت رجلا أبغض إليه الشرّ منه إليه).

وقول العرب : (ما رأيت رجلا أحسن في عينه الكحل منه في عين زيد) وبهذا المثال لقّبت المسألة بمسألة الكحل.

وقوله :

ما رأيت امرأ أحبّ إليه الب

ذل منه إليك يا ابن سنان

ولم يقع هذا التركيب في التنزيل.

وفي «شرح الشذور» : واعلم أن مرفوع «أحبّ» في الحديث والبيت نائب الفاعل ، لأنه مبني من فعل المفعول ، لا من فعل الفاعل ، وبناء «أحسن» في المثال فاعل ، لأنه مبني من فعل الفاعل ، لا من فعل المفعول.

__________________

(١) موارد المسألة : «الكتاب» ١ : ٢٣٢ ، و «شرح ابن الناظم» ١٨٩ ، و «شرح الأشموني» ٣ : ٥٥ ، و «شرح الشذور» : ٤١٥ ، و «الفصول الخمسون» لابن معطي : ٢٢٢ ، و «شرح الكافية للرضي» ٢ : ٢٢٣ ، و «همع الهوامع» (أفعل التفضيل).

(٢) أخرجه «ابن ماجه» في «سننه» في (كتاب الصيام ـ باب صيام العشر) ١ : ٥٥٠ ، ٥٥١ برواية قريبة ، عن «ابن عباس» ، و «الترمذي» في «سننه» في (أبواب الصوم ـ باب ما جاء في العمل في أيام العشر) ٢ : ١٢٩ برواية قريبة ، عن «أبي هريرة» ، وانظر «فيض القدير» ٥ : ٤٧٤ وفيه : قال الطيبي : الأولى جعل «أحب» خبر «ما» وأما اللفظ المذكور فلم أقف عليه.

٢٥٤

«التوكيد»

مسألة (٧٧)

في حكم التوكيد اللفظي في الجمل بلا عاطف (١)

الأكثر في التوكيد اللفظي أن يكون في الجمل ، وكثيرا ما يقترن بعاطف ، كقوله تعالى : (كَلَّا سَيَعْلَمُونَ. ثُمَّ كَلَّا سَيَعْلَمُونَ)(٢).

وقوله تعالى : (أَوْلى لَكَ فَأَوْلى)(٣).

وقوله تعالى : (ما أَدْراكَ ما يَوْمُ الدِّينِ. ثُمَّ ما أَدْراكَ ما يَوْمُ الدِّينِ)(٤).

ويأتي دون عاطف نحو قوله ـ عليه الصلاة والسّلام ـ : (والله لأغزونّ قريشا) (٥) ثلاث مرات.

__________________

(١) موارد المسألة : «شرح الأشموني» ٣ : ٨١ ، و «أوضح المسالك» ٣ : ٢٤.

(٢) النبأ : ٤ ، ٥.

(٣) القيامة : ٣٤.

(٤) الانفطار : ١٧ ، ١٨.

(٥) أخرجه «أبو داود» في «سننه» في (كتاب الأيمان والنذور ـ باب الاستثناء في اليمين بعد السكوت) ٣ : ٢٣١ عن «عكرمة» وانظر «التلخيص الحبير» ٤ : ١٨٤.

٢٥٥

«عطف النسق»

مسألة (٧٨)

في استعمال الفاء للترتيب (١)

«الفاء» : حرف عطف ، ومعناها : الترتيب والتعقيب ، بلا مهلة.

كقوله تعالى : (أَماتَهُ فَأَقْبَرَهُ)(٢).

وكثيرا ما تقتضي التسبب إن كان المعطوف جملة ، كقوله تعالى : (فَوَكَزَهُ مُوسى فَقَضى عَلَيْهِ)(٣).

وأما قوله تعالى : (وَكَمْ مِنْ قَرْيَةٍ أَهْلَكْناها فَجاءَها بَأْسُنا بَياتاً أَوْ هُمْ قائِلُونَ)(٤) وقوله ـ عليه الصلاة والسّلام ـ : توضأ فغسل وجهه ويديه (٥). فالمعنى أردنا إهلاكها ، وأراد الوضوء.

وأما قوله تعالى : (الَّذِي خَلَقَ فَسَوَّى. وَالَّذِي قَدَّرَ فَهَدى. وَالَّذِي أَخْرَجَ الْمَرْعى فَجَعَلَهُ غُثاءً أَحْوى)(٦) أي : جافا هشيما ، أحوى : أي :

أسود. فالتقدير : فمضت مدة فجعله غثاء ، أو أن الفاء نابت عن «ثم».

__________________

(١) موارد المسألة : «شرح الأشموني» ٣ : ٩٣ ، و «أوضح المسالك» ٣ : ٤٢.

(٢) عبس : ٢١.

(٣) القصص : ١٥.

(٤) الأعراف : ٤.

(٥) أخرجه «البخاري» في «صحيحه» في (كتاب الوضوء ـ باب غسل الوجه باليدين من غرفة واحدة) ١ : ٤٤ ، عن ابن عباس.

وانظر «التخليص الحبير» ١ : ٦٨.

(٦) الأعلى : ٢ ، ٣ ، ٤ ، ٥.

٢٥٦

مسألة (٧٩)

في استعمال «حتى» لمطلق الجمع (١)

«حتى» : لا تقتضي الترتيب ، بل مطلق الجمع ، كالواو. ويشهد لذلك قوله ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ : (كلّ شيء بقضاء وقدر حتى العجز والكيس) (٢) وليس في القضاء ترتيب ، وإنما الترتيب في ظهور المقتضيات.

وفي «شرح صحيح مسلم» للنووي ١٦ : ٢٠٥ : «فقوله عليه‌السلام : حتى العجز والكيس» قال القاضي : (٣) رويناه برفع العجز والكيس عطفا على «كل» وبجرهما عطفا على «شيء» ، قال : ويحتمل أن العجز هنا على ظاهره ، وهو عدم القدرة. وقيل : هو ترك ما يجب فعله والتسويف به ، وتأخيره عن وقته.

قال : ويحتمل العجز عن الطاعات ، ويحتمل العموم في أمور الدنيا والآخرة.

والكيس : ضد العجز ، وهو النشاط والحذق بالأمور ، ومعناه : أن العاجز قد قدر عجزه. والكيس قد قدر كيسه.

__________________

(١) مورد المسألة : «شرح ابن الناظم» ٢٠٦.

(٢) أخرجه «مسلم» في «صحيحه» في (كتاب القدر ـ باب كل شيء بقدر) ٨ : ٥١ عن «عبد الله ابن عمر».

(٣) هو أبو الفضل عياض بن موسى ، سبتي الدار والميلاد ، أندلسي الأصل. كان إمام وقته في الحديث وعلومه ، وبالتفسير وعلومه ، وبالنحو واللغة ، وهو من أهل التفنن في العلم واليقظة والفهم. وكان شاعرا مجيدا ، خطيبا بليغا ، صبورا حليما ، جميل العشرة ، جوادا ، سمحا ، كثير الصدقة ، دؤوبا على العمل ، صلبا في الحق. أخذ العلم عن علماء قرطبة. له التصانيف المفيدة ، منها : «إكمال المعلم في شرح صحيح مسلم» و «مشارق الأنوار» في تفسير غريب حديث الموطأ والبخاري ومسلم ، وضبط الألفاظ ، والتنبيه على مواضع الأوهام والتصحيفات ، وضبط أسماء الرجال. وهو كتاب لو كتب بالذهب ، أو وزن بالجوهر لكان قليلا في حقه. وفيه أنشد بعضهم :

مشارق أنوار تبدّت بسبتة

ومن عجب كون المشارق بالغرب

وكتاب «الشفا بتعريف حقوق المصطفى» ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ أبدع فيه كل الإبداع ، وسلّم له أكفاؤه كفاءته فيه ، ولم ينازعه أحد في الانفراد فيه ، ولا أنكروا مزية السبق إليه ، بل تشوفوا للوقوف عليه ، وأنصفوا في الاستفادة منه ، وحمله الناس عنه ، وطارت نسخه شرقا وغربا. توفي بمراكش سنة ٥٤٤ ه‍. «الديباج المذهب» ١٦٨.

٢٥٧

مسألة (٨٠)

في ورود «أو» بمعنى «الواو» (١)

تأتي «أو» بمعنى «الواو» على قلة ، ولكن بشرط ألا يقع في الكلام لبس باستعمالها في معنى «الواو» فيتوهم في أنها ليست بمعنى «الواو» بل بمعنى آخر من المعاني الثابتة لها ، فلا بد من تعيين ذلك فيها. وبهذا القيد ثبتت في السماع فلا بد من اعتباره في القياس.

فمما يتعين لذلك عند بعض ما في الحديث من قوله ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ : «اهدأ فما عليك إلا نبيّ ، أو صدّيق ، أو شهيد» (٢)

وقول «ابن عباس» ـ رضي‌الله‌عنه ـ : «كل ما شئت والبس ما شئت ما خطئتك اثنتان : سرف أو مخيلة» (٣)

فقوله : «ما خطئتك ...» أي : مدة عدم إصابة الخصلتين إيّاك ، وهما الإسراف والتكبر ، يقال : اختال الرجل ، وبه خيلاء ، وهو الكبر والإعجاب.

__________________

(١) موارد المسألة : «شرح الشاطبي» ، و «همع الهوامع» (عطف النسق) وانظر «إعراب الحديث للعكبري» : ٣٢ ، و «شواهد التوضيح والتصحيح» : ١١٢ ، وانظر «دراسات لأسلوب القرآن الكريم» (القسم الأول ١ : ٥٧٨).

(٢) أخرجه «البخاري» في «صحيحه» في (كتاب فضائل أصحاب النبي ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ باب مناقب عمر بن الخطاب ـ رضي‌الله‌عنه ـ ٤ : ٢٠٠.

و «مسلم» في «صحيحه» في (كتاب فضائل الصحابة ـ باب من فضائل طلحة والزبير رضي‌الله‌عنهما) ٧ : ١٢٨.

و «الترمذي» في «سننه» في (أبواب المناقب ـ باب مناقب أبي حفص عمر بن الخطاب رضي‌الله‌عنه) ، و (باب مناقب عثمان بن عفان رضي‌الله‌عنه) ٥ : ٢٨٧ ، ٢٨٨.

و «ابن ماجه» في مقدمة «سننه» ١ : ٤٨.

و «أحمد» في «مسنده» ٢ : ٤١٩ ، وانظر «صفة الصفوة» ١ : ٢٩٩ ، و «بلوغ الأماني من أسرار الفتح الرباني» ٢٢ : ١٨٦.

حصل ذلك لجبل أحد ، وحصل مثله أيضا لجبل حراء.

(٣) أخرجه «البخاري» في «صحيحه» في (كتاب اللباس ـ باب قول الله تعالى : (قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللهِ الَّتِي أَخْرَجَ لِعِبادِهِ)) معلقا عن «ابن عباس» ٧ : ٣٣.

٢٥٨

وعند «ابن مالك» أن قول الله تعالى : (وَمَنْ يَكْسِبْ خَطِيئَةً أَوْ إِثْماً ثُمَّ يَرْمِ بِهِ بَرِيئاً فَقَدِ احْتَمَلَ بُهْتاناً وَإِثْماً مُبِيناً)(١).

«أو» فيه بمعنى «الواو» ، لأن الإثم بمعنى الخطيئة ، فهي بمعنى الواو التي في قول الشاعر :

وهند أتى من دونها النأي والبعد

وعلى ذلك أيضا حمل قوله تعالى : (وَلا تُطِعْ مِنْهُمْ آثِماً أَوْ كَفُوراً)(٢) ، أي : وكفورا. وكذلك قول «النابغة» :

قالت : ألا ليتما هذا الحمام لنا

إلى حمامتنا أو نصفه فقد

فحسبوه فألفوه كما ذكرت

تسعا وتسعين لم تنقص ولم تزد

قالوا : أراد «ونصفه» كالرواية الأخرى.

وقول «جرير» :

جاء الخلافة أو كانت له قدرا

كما أتى ربّه موسى على قدر

ولكن قال «ابن هشام» في «مغنيه» : ٨٩ :والذي رأيته في ديوان «جرير» : «إذ كانت» وقال «أبو حيان» : إنها الرواية المشهورة.

وفي «البحر المحيط» ٣ : ١٤٤ : «وقد تجيء (أو) في معنى الواو إذا عطفت ما لا بد منه ، كقوله (أي : حميد بن ثور) :

قوم إذا سمعوا الصّريخ رأيتهم

من بين ملجم مهره أو سافع (٣)

يريد : وسافع ... لأن (بين) لا تدخل على شيء واحد ، فلا بد من عطف مصاحب مجرورها».

__________________

(١) النساء : ١١٢.

(٢) الإنسان : ٢٤.

(٣) «ديوان حميد بن ثور» : ١١١. «الصريخ» : المستغيث ، ويروى : «الصراخ» كما يروى «ما بين». و «ملجم» : اسم فاعل من ألجمت الفرس. و «سافع» : آخذ بناصية مهره ليلجمه.

يقول : رأيتهم عند الصريخ هذه حالهم.

٢٥٩

مسألة (٨١)

في العطف على الضمير المرفوع المتصل (١)

لا يعطف على ضمير رفع متصل في النثر إلا بعد الفصل بفاصل ما ، ضميرا منفصلا أو غيره ، نحو قوله تعالى : (لَقَدْ كُنْتُمْ أَنْتُمْ وَآباؤُكُمْ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ)(٢) ، وقوله تعالى : (جَنَّاتُ عَدْنٍ يَدْخُلُونَها وَمَنْ صَلَحَ مِنْ آبائِهِمْ ،)(٣) وقوله تعالى : (لَوْ شاءَ اللهُ ما أَشْرَكْنا وَلا آباؤُنا)(٤).

فصل في الأول بالضمير «أنتم» وقوله «وآباؤكم» معطوف على الضمير في «كنتم».

وفصل في الثاني بالمفعول وهو «الهاء» ، فـ «من» معطوف على الواو في «ويدخلونها».

وفصل في الثالث بـ «لا» ، فـ «آباؤنا» معطوف على «نا» في «أشركنا». هذا هو مذهب البصريين.

أما الكوفيون فلا يتمسكون بالفصل ، ولا يرون في خلوّ الكلام منه عيبا في النثر. فمثال العطف من غير توكيد ولا فصل قول «علي بن أبي طالب» : كنت أسمع رسول الله ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ يقول : «كنت وأبو بكر وعمر ، فعلت وأبو بكر وعمر ، وانطلقت وأبو بكر وعمر» (٥).

__________________

(١) موارد المسألة : «شرح الشاطبي» عند قوله وإن على ضمير رفع متّصل) و «شواهد التوضيح» :

١١٢ ، و «همع الهوامع» ٢ : ١٣٨ ، و «شرح ابن عقيل» ٣ : ٢٣٧ ، و «شرح شذور الذهب» ٤٤٨ ، و «النحو الوافي» ٣ : ٦٣١.

(٢) الأنبياء : ٥٤.

(٣) الرعد : ٢٣.

(٤) الأنبياء : ١٤٨.

(٥) أخرجه «البخاري» في «صحيحه» في (كتاب فضائل أصحاب النبي ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ باب مناقب عمر بن الخطاب رضي‌الله‌عنه) ٤ : ١٩٩.

وأخرج نحوه «مسلم في «صحيحه» في (كتاب فضائل الصحابة رضي‌الله‌عنهم ـ باب من فضائل عمر رضي‌الله‌عنه) ٧ : ١١٢ ، و «ابن ماجه» في «سننه» في (المقدمة) ١ : ٣٧.

٢٦٠