الحديث النبوي في النحو العربي

الدكتور محمود فجال

الحديث النبوي في النحو العربي

المؤلف:

الدكتور محمود فجال


الموضوع : اللغة والبلاغة
الطبعة: ٢
الصفحات: ٣٨٤

مسألة (٥٣)

في ورود «الباء» بمعنى «بدل» (١)

تستعمل «الباء» للبدلية

ومن ذلك ما ورد في الحديث : (ما يسرّني بها حمر النّعم) (٢)

أي : بدلها. وقول الشاعر :

فليت لي بهم قوما إذا ركبوا

شنّوا الإغارة فرسانا وركبانا

مسألة (٥٤)

في ورود «في» بمعنى التعليل (٣)

قال النبي ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ : (دخلت امرأة النار في هرة حبستها ، فلا هي أطعمتها ولا هي تركتها تأكل من خشاش الأرض) (٤).

__________________

(١) موارد المسألة : «شرح الأشموني» ٢ : ٢٢٠ ، و «شرح ابن عقيل» ٣ : ١٩.

(٢) أخرجه «البخاري» في «صحيحه» في (كتاب الجمعة ـ باب من قال في الخطبة بعد الثناء : أما بعد) ١ : ٢٢٢.

وفي (كتاب التوحيد ـ باب قول الله تعالى : (إِنَّ الْإِنْسانَ خُلِقَ هَلُوعاً ...) ٨ : ٢١٢.

و «أحمد» في «مسنده» ١ : ١٠٣ ، ٢ : ١٨١ ، ٥ : ٦٩ ، ٢٤١.

وفيما تقدم من دواوين الحديث جاءت روايتان ، الأولى بلفظ : «ما يسرّني أنّ لي بها حمر النعم» ، والأخرى بلفظ : «ما أحبّ أنّ لي بكلمة رسول الله ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ حمر النّعم»

والمعنى : ما أحب أن لي بدل كلمته النعم الحمر.

(٣) موارد المسألة : «شواهد التوضيح» : ٦٧ ، و «شرح ابن عقيل» ٣ : ٢١ ، و «شرح الأشموني» ٢ : ٢١٨ ، «مغنى اللبيب» ٢٢٤ (في).

(٤) أخرج الحديث بروايات متقاربة «البخاريّ» في «صحيحه» في (كتاب المساقاة ـ باب فضل سقي الماء) ٣ : ٧٧ و «مسلم» في صحيحه في (كتاب السّلام ـ باب تحريم قتل الهرة) ٧ : ٤٣ ، و «ابن ماجه» في «سننه» في (كتاب الزهد ـ باب ذكر التوبة) ٢ : ١٤٢١ ،

و «أحمد» في «مسنده» ٢ : ٣١٧. وانظر «التلخيص الحبير» ٤ : ١٠٩.

٢٢١

قال «ابن مالك» : تضمّن هذا الحديث استعمال «في» دالة على التعليل ، وهو ما خفي على أكثر النحويين ، مع وروده في القرآن العزيز ، والحديث ، والشعر القديم.

فمن الوارد في القرآن العظيم : قوله تعالى : (لَوْ لا كِتابٌ مِنَ اللهِ سَبَقَ لَمَسَّكُمْ فِيما أَخَذْتُمْ عَذابٌ عَظِيمٌ)(١)

وقوله تعالى : (وَلَوْ لا فَضْلُ اللهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ فِي الدُّنْيا وَالْآخِرَةِ لَمَسَّكُمْ فِيما أَفَضْتُمْ فِيهِ عَذابٌ عَظِيمٌ)(٢)

ومن الوارد في الحديث : «عذبت امرأة في هرة ...»

و «يعذبان وما يعذبان في كبير» (٣)

ومن الوارد في الشعر القديم قول «جميل» :

فليت رجالا فيك قد نذروا دمي

وهمّوا بقتلي يا بثين لقوني

ومنه قول «أبي ذؤيب» :

لوى رأسه عنّي ، ومال بودّه

أغانيج خود ، كان فينا يزورها (٤)

__________________

(١) الأنفال : ٦٨.

(٢) النور : ١٤.

(٣) أخرجه «البخاريّ» في «صحيحه» في (كتاب الوضوء ـ باب من الكبائر أن لا يستتر من بوله).

و «في» في الشواهد المذكورة للسببية عند «ابن عقيل» و «الأشموني».

(٤) «ديوان الهذليين» ١ : ١٥٥ ، و «اللسان» (غنج» ٢ : ٣٣٧. قال «السكري» : أغانيج :

جمع غنج ، والخود : الشابة. وقال «أبو نصر» : أغانيج واحده أغنوجة ، والخود : الحسنة الخلق.

«شرح السكري» ١ : ٢١١.

٢٢٢

مسألة (٥٥)

في استعمال «عن» بمعنى البدل (١)

«عن» حرف جر ، من معانيها «البدل»

نحو قوله تعالى : (وَاتَّقُوا يَوْماً لا تَجْزِي نَفْسٌ عَنْ نَفْسٍ شَيْئاً)(٢)

والحديث : (قصومي عن أمّك) (٣)

مسألة (٥٦)

في استعمال «ربّ» للتكثير كثيرا (٤)

«رب» : حرف جر ، يفيد التكثير كثيرا ، والتقليل قليلا.

فمن ورودها للتكثير قوله تعالى : (رُبَما يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْ كانُوا مُسْلِمِينَ)(٥)

فإنه يكثر منهم تمنّى ذلك.

__________________

(١) موارد المسألة : «شرح الأشموني» ٢ : ٢٢٤ ، و «مغنى اللبيب» ١٩٦ (عن).

(٢) البقرة : ٤٨.

(٣) أخرجه «مسلم» في «صحيحه» في (كتاب الصيام ـ باب قضاء الصيام عن الميت) ٣ : ١٥٦ بلفظه.

و «الترمذي» في «سننه» في (أبواب الزكاة ـ باب ما جاء في المتصدّق يرث صدقته) ٢ : ٨٩ بلفظ قريب من رواية الشاهد.

(٤) موارد المسألة : «شرح الأشموني» ٢ : ٢٢٩ ، و «أوضح المسالك» ٢ : ١٤٥ ، و «شواهد التوضيح» : ١٠٤ ، و «إعراب الحديث النبوي» : ٢٠٣ ، و «أمالي السهيلي» : ٧٠ ، و «مغنى اللبيب» ١٨٠ ، ٤٨٨ (ربّ) ، و «شرح شذور الذهب» : ١٨ (مبحث علامات الاسم) ، «همع الهوامع» (خواص الاسم) و (المجرورات) و «الإنصاف في مسائل الخلاف» ٢ : ٨٣٢.

(٥) الحجر : ٢.

٢٢٣

وحديث : «يا رب كاسية في الدنيا ، عارية يوم القيامة» (١)

وقول بعض العرب عند انقضاء رمضان : (يا رب صائمه لن يصومه ، وقائمه لن يقومه).

ومن ورودها للتقليل قول رجل من أزد السّراة :

ألا ربّ مولود وليس له أب

وذي ولد لم يلده أبوان

يعني عيسى وآدم ـ عليهما‌السلام ـ

وأراد لم يلده ، فسكن المكسور تخفيفا.

دخول «يا» على «ربّ» ، وهما حرفان :يا : حرف للتنبيه.

وقيل : للنداء ، والمنادى محذوف ، أي : يا قوم.

وضعفه «ابن مالك» في توضيحه (أي : في شواهد التوضيح)

قال «العكبري» :الجيد جر «عاريات» على أنه نعت للمجرور بـ «ربّ» ، وأما الرفع فضعيف ، لأنّ «ربّ» ليست اسما يخبر عنه بل هي حرف جر.

وأجاز قوم الرفع ، وهو عندنا على تقدير حذف مبتدأ ، أي : هن عاريات.

__________________

(١) أخرجه «البخاري» في «صحيحه» في (كتاب العلم ـ باب العلم والعظة بالليل) ١ : ٣٧ ، وفي (كتاب التهجد بالليل ـ باب تحريض النبي ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ على صلاة الليل والنوافل من غير إيجاب) ٢ : ٤٣ وفي (كتاب اللباس ـ باب ما كان النبي ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ يتجوز من اللباس والبسط) ٧ : ٤٧ ، وفي (كتاب الأدب ـ باب التكبير والتسبيح عند التعجب) ٧ : ١٢٣ ، وفي (كتاب الفتن ـ باب لا يأتي زمان إلا الذي بعده شر منه) ٨ : ٩٠.

و «مالك» في «الموطأ» في (كتاب اللباس ـ باب ما يكره للنساء لبسه من الثياب) ٢ : ٩١٣.

٢٢٤

«الإضافة»

مسألة (٥٧)

في معاني الإضافة (١)

الإضافة تكون بمعنى اللام ، عند جميع النحويين.

وزعم بعضهم أنها تكون بمعنى «من» أو «في» ، وهو اختيار «ابن مالك».

وضابط ذلك : أنه إن لم يصلح إلا تقدير «من» أو «في» ، فالإضافة بمعنى ما تعيّن تقديره ، وإلا فالإضافة بمعنى اللام.

فيتعين تقدير «من» إن كان المضاف إليه جنسا للمضاف ، نحو : (هذا ثوب خزّ ، وخاتم حديد). والتقدير : هذا ثوب من خز ، وخاتم من حديد.

ويتعين تقدير «في» إن كان المضاف إليه ظرفا واقعا فيه المضاف ، نحو : (أعجبني ضرب اليوم زيدا) ، أي : ضرب زيد في اليوم.

ومنه قوله تعالى : (لِلَّذِينَ يُؤْلُونَ مِنْ نِسائِهِمْ تَرَبُّصُ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ)(٢).

فإن لم يتعين تقدير «من» أو «في» ، فالإضافة بمعنى اللام ، نحو : (هذا غلام زيد ، وهذه يد عمرو) ، أي : غلام لزيد ، ويد لعمرو.

قال «الشاطبي» : أما الإضافة التي بمعنى «في» فمعناها على أن يكون المضاف إليه ظرفا ، فأوقع فيه المضاف ، وهذه الإضافة قد أغفلها أكثر النحويين ، وأثبتها المؤلف في كتبه ... قال الله تعالى : (بَلْ مَكْرُ اللَّيْلِ وَالنَّهارِ)(٣).

وفي الحديث : (فلا يجدون أعلم من عالم المدينة) (٤).

__________________

(١) موارد المسألة : «شرح الشاطبي» و «شرح ابن عقيل» ٣ : ٤٣.

(٢) البقرة : ٢٢٦.

(٣) سبأ : ٣٣.

(٤) أخرجه «الترمذي» في «سننه» في (أبواب العلم ـ باب ما جاء في عالم المدينة) ٤ : ١٥٢ ، بلفظ :

«يوشك أن يضرب الناس أكباد الإبل يطلبون العلم فلا يجدون أحدا أعلم من عالم المدينة» قال : هذا حديث حسن صحيح. وفيه : أنه «مالك بن أنس».

٢٢٥

مسألة (٥٨)

في قيام المضاف إليه مقام المضاف في أحكامه (١)

كما يقوم المضاف إليه مقام المضاف في الإعراب ، يقوم المضاف إليه مقام المضاف في التذكير ، كقوله :

يسقون من ورد البريص عليهم

بردى يصفّق بالرحيق السّلسل (٢)

ف «بردى» مؤنث ، فكان حقه أن يقول : «تصفق» بالتاء ، لكنه أراد ماء بردى.

ويقوم المضاف إليه مقام المضاف في التأنيث ، كقوله :

مرّت بنا في نسوة خولة

والمسك من أردانها نافحه (٣)

أي : رائحة المسك.

وفي حكمه الحديث : (إنّ هذين حرام على ذكور أمتي) (٤)

__________________

(١) موارد المسألة : «شرح الأشموني» ٢ : ٢٧٢ ، و «همع الهوامع» (الإضافة) ، و «شرح السيوطي على سنن النسائي» و «حاشية السندي على شرح السيوطي» ٨ : ١٦٠.

(٢) البريص : اسم واد. بردى : نهر بدمشق ، وألفه للتأنيث. والرحيق : الخمر. والسلسل من الماء العذب أو البارد ، ومن الخمر اللينة. ويصفق : حال من بردى. قوله : بالرحيق السلسل تشبيه بليغ ، أي : بماء كالرحيق السلسل في اللذة. ا ه صبان.

(٣) الأردان : جمع ردن بالضم ، وهو أصل الكم. نافحة : فائحة.

(٤) أخرجه «النسائي» في «سننه» في (كتاب الزينة ـ باب تحريم الذهب على الرجال) ٨ : ١٦٠ عن «علي بن أبي طالب».

٢٢٦

وفي شرح «السيوطي» على سنن النسائي :

قال «ابن مالك» في شرح الكافية : أراد استعمال هذين ، فحذف «استعمال» ، وأقام «هذين» مقامه ، فأفرد الخبر. ا ه قال الله تعالى : (وَتِلْكَ الْقُرى أَهْلَكْناهُمْ)(١) أي : أهل القرى ، فحذف المضاف لدليل.

وفي حاشية «السندي» على شرح «السيوطي» على سنن النسائي :

قوله : «إن هذين» : إشارة إلى جنسهما لا عينهما فقط.

«حرام» قيل : القياس : حرامان ، إلا أنه مصدر ، وهو لا يثنّى ولا يجمع ، أو التقدير : كل واحد منهما حرام ؛ فأفرد لئلا يتوهم الجمع.

والمراد استعمالهما لبسا ، أما استعمالهما صرفا وإنفاقا وبيعا فجائز للكل.

مسألة (٥٩)

في أنّ «لبّيك» وأمثالها مصادر مثناة (٢)

«لبّي» مثنى ، وهو من المصادر التي جاءت مثناة لازمة للإضافة إلى الضمير.

وفي الحديث : (لبيك اللهم لبيك ، لبيك لا شريك لك لبيك) (٣)

ومثل «لبيك» : دواليك ، وسعديك ، وحنانيك ، وهذاذيك (٤).

__________________

(١) الكهف : ٥٩.

(٢) موارد المسألة : «شرح الشاطبي» و «شرح ابن عقيل» ٣ : ٥١ ـ ٥٥.

(٣) تقدم تخريج حديث التلبية في مسألة / ٣٤ / (في جواز كسر «إنّ» وفتحها في حديث التلبية ، وانظر «صحيح البخاري» ٢ : ١٤٧.

(٤) لبيك : بمعنى إقامة على إجابتك بعد إقامة.

ودواليك : بمعنى إدالة لك بعد إدالة. وسعديك : بمعنى إسعادا لك بعد إسعاد ، وحنانيك : بمعنى تحننا عليك بعد تحنن.

٢٢٧

وفي الحديث : «لبيك وسعديك والخير بين يديك» (١)

ولا يضاف من هذه الأسماء إلى ظاهر إلا ما شذّ ، كقول الشاعر :

دعوت لما نابني مسورا

فلبّى ، فلبّي يدي مسور

هذا رأي «ابن مالك».

ويفهم من كلام «سيبويه» أن ذلك غير شاذ في «لبّي» و «سعدي».

قال «الشاطبي» : وكأنه لم يسمع في غير اليدين أصلا ، وروي في بعض الأحاديث عن النبي ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ أنه قال : «إذا دعا أحدكم أخاه فقال : لبيك ، فلا يقولنّ : لبي يديك ، وليقل : أجابك الله بما تحب». وهذا مما يشعر بأن عادة العرب إذا دعيت فأجيبت لبيك ، أن تقول : لبي يديك ، فنهى ـ عليه‌السلام ـ عن هذا القول وعوض منه كلاما حسنا ، ويشعر بهذا أيضا معنى البيت المتقدم ، فعلى هذا ليس بمختص بالشعر.

ومذهب «سيبويه» أن «لبّيك» وما ذكر بعده مثنّى ، وأنه منصوب على المصدرية بفعل محذوف ، وأن تثنيته المقصود بها التكثير ؛ فهو على هذا ملحق بالمثنى ، كقوله تعالى : (ثُمَّ ارْجِعِ الْبَصَرَ كَرَّتَيْنِ)(٢) فـ «كرّتين» : ليس المراد به مرتين فقط ؛ لقوله تعالى : (يَنْقَلِبْ إِلَيْكَ الْبَصَرُ خاسِئاً وَهُوَ حَسِيرٌ)(٣).

أي مزدجرا ، وهو كليل ، ولا ينقلب البصر مزدجرا كليلا من كرتين فقط ، فتعين أن يكون المراد بـ «كرّتين» التكثير ، لا اثنين فقط ، وكذلك «لبيك»

__________________

(١) أخرجه «مالك» في «الموطأ» في (كتاب الحج ـ باب العمل في الإهلال) ١ : ٣٣٢ ، و «أحمد» في «المسند» ٢ : ٣ ، ٤٧ ، ٣ : ٣٢. بلفظ : كان «عبد الله بن عمر» يزيد فيها : لبيك لبيك ، لبيك وسعديك ، والخير بيديك لبيك.

(٢ ، ٣) الملك : ٤.

٢٢٨

معناه إقامة بعد إقامة ، فليس المراد الاثنين فقط ، وكذا باقي أخواته ، على ما تقدم في تفسيرها.

ومذهب «يونس» أنه ليس بمثنى ، وأن أصله «لبّى» ، وأنه مقصور ، قلبت ألفه ياء مع المضمر ، كما قلبت ألف «لدى» و «على» مع الضمير ، في «لديه» و «عليه».

وردّ عليه «سيبويه» بأنه لو كان الأمر كما ذكر لم تنقلب ألفه مع الظاهر ياء ، كما لا تنقلب ألف «لدى» و «على» ، فكما تقول : على زيد ، ولدى زيد ، كذلك كان ينبغي أن يقال : لبّى زيد ، لكنهم لما أضافوه إلى الظاهر قلبوا الألف ياء ، فقالوا :

فلبّي يدي مسور

فدلّ ذلك على أنه مثنّى ، وليس بمقصور ، كما زعم «يونس».

مسألة (٦٠)

في أن «أيّا» إذا تكررت تضاف إلى مفرد معرفة (١)

من الأسماء الملازمة للإضافة معنى «أيّ» ، ولا تضاف إلى مفرد معرفة إلا إذا تكررت ، ومنه قول الشاعر :

ألا تسألون الناس أيّي وأيّكم

غداة التقينا كان خيرا وأكرما

__________________

(١) موارد المسألة : «شرح الشاطبي» و «شرح ابن عقيل» ٣ : ٦٤

٢٢٩

وفي الحديث : «أيّ العمل أفضل؟ قال : الصلاة لميقاتها ، قال : ثم أيّ؟ قال :

كذا ... ، قال : ثم أيّ؟ قال : كذا ...» (١).

و «أي» : هنا استفهامية.

مسألة (٦١)

في حذف المضاف لقيام قرينة (٢)

قال «أبو الفتح» عن حذف المضاف في «الخصائص» ١ : ١٩٢ :

«وأما أنا فعندي أن في القرآن مثل هذا الموضع نيّفا على ألف موضع». وقال في «المحتسب» : ١ : ١٨٨ : «حذف المضاف في القرآن والشعر ، وفصيح الكلام في عدد الرمل». ولكنه يحذف المضاف لقيام قرينة تدلّ عليه ، ويقام المضاف إليه مقامه ، فيعرب بإعرابه.

كقوله ـ تعالى ـ : (وَأُشْرِبُوا فِي قُلُوبِهِمُ الْعِجْلَ بِكُفْرِهِمْ»)(٣)

أي : حبّ العجل.

__________________

(١) أخرجه «البخاري» في «صحيحه» في (كتاب مواقيت الصلاة ـ باب فضل الصلاة لوقتها) ١ : ١٣٤.

في (كتاب التوحيد ـ باب وسمّى النبيّ ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ الصلاة عملا) ٨ : ٢١٢ ، و «مسلم» في «صحيحه» في (كتاب الإيمان ـ باب بيان كون الإيمان بالله ـ تعالى ـ أفضل الصلاة) ١ : ٦٣ ، وأخرجه غيرهما. والحديث في رواية «مسلم» عن «عبد الله بن مسعود» قال : «سألت رسول الله ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ

أيّ العمل أفضل؟ قال : الصلاة لوقتها.

قال : قلت : ثم أيّ؟ قال : برّ الوالدين.

قال : قلت : ثم أيّ؟ قال : الجهاد في سبيل الله.

فما تركت استزيده إلّا إرعاء عليه».

(٢) موارد المسألة : «شرح الشاطبي» و «شرح ابن عقيل» ٤ : ٧٦ ، وانظر «دراسات لأسلوب القرآن الكريم» (القسم الثالث ٣ : ٣٨٩).

(٣) البقرة : ٩٣.

٢٣٠

وفي الحديث من قول الصحابي في «الدجال» : قلنا : «يا رسول الله! ما لبثه في الأرض؟ قال : أربعين يوما». (١)

أي : لبث أربعين.

فحذف المضاف وهو «حب ، ولبث» وأعرب المضاف إليه ، وهو «العجل» و «أربعين» بإعرابه.

مسألة (٦٢)

في حذف المضاف إليه (٢)

يحذف المضاف إليه في المضاف المعطوف على مضاف إلى مثل المحذوف ، وهو أقرب في القياس ، لتقدم الدليل على المحذوف.

ومن ذلك قول «أبي برزة الأسلمي» ـ رضي‌الله‌عنه ـ.

«غزوت مع رسول الله ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ ستّ غزوات ، أو سبع غزوات ، أو ثماني» (٣)

__________________

(١) أخرجه «أبو داود» في «سننه» في (كتاب الملاحم ـ باب خروج الدجال) ٤ : ١١٧ ،

و «ابن ماجه» في «سننه» في (كتاب الفتن ـ باب فتنة الدجال ، وخروج عيسى بن مريم ، وخروج يأجوج ومأجوج) ٢ : ١٣٥٦. وفيه : قلنا : يا رسول الله! وما لبثه في الأرض؟ قال : أربعون يوما ، يوم كسنة ، ويوم كشهر ، ويوم كجمعة ، وسائر أيامه كأيّامكم.

من حديث «النّوّاس بن سمعان الكلابي».

وأخرجه «أحمد» في «مسنده» ٤ : ١٨١.

(٢) موارد المسألة : «شرح الشاطبي» و «شرح المرادي» ٢ : ٢٧٥ ، و «شرح الأشموني» ٢ : ٢٧٥ ، و «شواهد التوضيح والتصحيح» ٤٧ ـ ٤٩.

(٣) أخرجه «البخاري» في «صحيحه» في (كتاب العمل في الصلاة ـ باب إذا انفلتت الدابة في الصلاة) ٢ : ٦٢.

٢٣١

ويكون التقدير : سبع غزوات ، أو ثماني غزوات.

فحذف المضاف إليه ، وأبقي المضاف على حاله. (١)

يروي «أو ثمان» بغير ياء ، ولا تنوين.

وللحموي والمستملي «ثماني» بياء مفتوحة من غير تنوين ويروي «أو ثمانيا» للكشميهني.

قال «ابن مالك» : الأجود أن يقال : سبع غزوات أو ثمانيا ، بالتنوين. لأن لفظ ثمان ، وإن كان كلفظ جوار في أن ثالث حروفه ألف بعدها حرفان ثانيهما ياء ، فهو يخالفه في أن جواري جمع ، وثمانيا ليس بجمع. واللفظ بهما في الرفع والجر سواء ، ولكن تنوين ثمان تنوين صرف كتنوين يمان. وتنوين جوار تنوين عوض كتنوين أعمّ.

وإنما يفترق لفظ ثمان ، ولفظ جوار في النصب. فإنك تقول : رأيت جواري ثمانيا ، فتترك تنوين جوار ، لأنه غير منصرف.

__________________

(١) جاء في «فتح الباري» ٣ : ٨٢ ، وفي «عمدة القاري» ٧ : ٢٨٩ : وقال «ابن مالك» في «شرح التسهيل» : الأصل : أو ثماني غزوات ، فحذف المضاف وأبقى المضاف إليه على حاله.

(أقول) : يلاحظ أن ما جاء في «عمدة القاري» موافق لما جاء في «فتح الباري» ، وكلّ من النّصين خطأ ، ولا أدري من أين جاء هذا الخطأ ، فلعله من النسّاخ ، ولكنّ العجب كل العجب من توافق الكتابين في النص المنسوب لـ «ابن مالك». وقد ورد رأي «ابن مالك» في هذه المسألة في «شواهد التوضيح والتصحيح» بقوله : «أن يكون أراد : أو ثماني غزوات. ثم حذف المضاف إليه ، وأبقى المضاف على ما كان عليه قبل الحذف ...»

وقد أثبتّ النص بتمامه في هذه المسألة.

وبإمكاني أن أقول : إنّ هذا الخطأ ربّما وجد من ناسخ «شرح التسهيل» لـ «ابن مالك» ، أو من ناسخ «فتح الباري» ، وقد نقله منه «البدر العيني» دون تثبّت ؛ لأن «البدر» كان يطلّع على شرح «الشهاب ابن حجر» جزءا فجزءا بواسطة «البرهان ابن خضر» أحد أصحاب «الشهاب» ، وينتقده في مواطن. ولا أدّعي أن «البدر» ـ ٨٥٥ ه‍ أخذ شرحه من «الشهاب ابن حجر» ـ ٨٥٢ ه‍ ، فقد يكون سبب التوافق بين الشرحين في النقول في بعض المواضع توافق مراجعهما ، وليس أحدهما بأحق من الآخر في النقل عن كتب من تقدّمهما.

وقد يكون مصدر الخطأ من «شرح التسهيل» ، وذلك من الناسخ ، أو من مصنّفه «ابن مالك» ، وذلك بأن جرى قلمه ، بما لا يريده علمه ، والكمال لله وحده «وما يعزب عن ربك من مثقال ذرّة في الأرض ولا في السماء ولا أصغر من ذلك ولا أكبر» يونس : ٦١.

٢٣٢

وقد استغنى عن تنوين العوض بتكمل لفظه ، وتنوّن ثمانيا ، لأنه منصرف ، لانتفاء الجمعية.

ومع هذا ، ففي قوله : أو ثماني ، بلا تنوين ، ثلاثة أوجه :

أحدها : وهو أجودها ، أن يكون أراد : أو ثماني غزوات ، ثم حذف المضاف إليه ، وأبقي المضاف على ما كان عليه قبل الحذف. وحسّن الحذف دلالة ما تقدم من مثل المحذوف.

ومثله قول الشاعر :

خمس ذود أو ستّ عوّض منها

مائة غير أبكر وإفال (١)

وهذا من الاستدلال بالمتقدم على المتأخر. وهو في غير الإضافة كثير ، كقوله تعالى : (وَالْحافِظِينَ فُرُوجَهُمْ وَالْحافِظاتِ وَالذَّاكِرِينَ اللهَ كَثِيراً وَالذَّاكِراتِ)(٢).

والأصل : والحافظات فروجهن ، والذاكرات الله كثيرا.

الوجه الثاني : أن تكون الإضافة غير مقصودة ، وترك تنوين «ثمان» لمشابهته جواري ، لفظا ومعنى. أما اللفظ فظاهر. وأما المعنى ، فلأن ثمانيا ، وإن لم يكن له واحد من لفظه ، فإن مدلوله جمع. وقد اعتبر مجرد الشبه اللفظيّ في سراويل ، فأجرى مجرى سرابيل ، فلا يستبعد إجراء ثمان مجرى جوار.

__________________

(١) الذود من الإبل ما بين الثلاث إلى العشر. والذود مؤنثة لأنهم قالوا : ليس في أقل من خمس ذود صدقة ، والجمع أذواد مثل : ثوب وأثواب. البكر الفتيّ من الإبل ، والجمع : أبكر. والأفيل : الفصيل وزنا ومعنى ، والجمع : إفال.

(٢) الأحزاب : ٣٥.

٢٣٣

ومن إجرائه مجراه قول الشاعر :

يحدو ثماني مولعا بلقاحها

حتى هممن بزيغة الإرتاج (١)

الوجه الثالث : أن يكون في اللفظ ثمانيا ، بالنصب والتنوين ، إلا أنه كتب على اللغة الربيعيّة. فإنهم يقفون على المنوّن المنصوب بالسكون ، فلا يحتاج الكاتب على لغتهم ، إلى ألف ، لأن من أثبتها في الكتابة لم يراع إلا جانب الوقف. فإذا كان يحذفها في الوقف كما يحذفها في الوصل لزمه أن يحذفها خطّا. ا ه «ابن مالك».

مسألة (٦٣)

في جواز الفصل بين المتضايفين بغير ضرورة (٢)

مذهب أكثر البصريين أن الفصل بين المضاف والمضاف إليه ممتنع إلا في الشعر.

__________________

(١) من أبيات الكتاب. قال الشنتمري : الشاهد فيه ترك صرف «ثماني» تشبيها لها بما جمع على زنة مفاعل.

كأنه توهم واحدتها ثمنية كحذريّة. فقال : ثمان ، كما يقال : حذار في جمع حذرية. والمعروف في كلام العرب صرفها على أنها اسم واحد أتى بلفظ المنسوب ، نحو : يمان ورباع. فإذا أنّث قيل : ثمانية ، كما قيل :

يمانية ، وفرس رباعية. وصف إبلا أولع راعيها بلقاحها حتى لقحت. ثم حداها أشد الحداء. ثم همت بإزلاق ما أرتجت عليه أرحامها من الأجنة. والزيغ بها وهو أزلاقها وإسقاطها. وقال صاحب «الخزانة»

إن قائله هو : ابن ميّادة ، أبو شراحيل ، وقيل : أبو شرحبيل ، واسمه : الرّمّاح بن يزيد.

(٢) موارد المسألة : «إعراب الحديث النبوي» ١٦٥ ، و «شواهد التوضيح والتصحيح» ١٦٣ ، و «شرح الشاطبي» ، و «شرح المرادي» ٢ : ٢٧٥ ـ ٢٧٧ ، و «شرح الأشموني» ٢ : ٢٧٦ ، و «شرح ابن عقيل» ٣ : ٨٣ ، و «أوضح المسالك» ٢ : ٢٢٩ ، و «الإنصاف» المسألة (٦٠) ، وانظر «دراسات لأسلوب القرآن الكريم» (القسم الثالث ٣ : ٣٨٥).

٢٣٤

وقد قال «أبو البقاء» عن الحديث : «فهل أنتم تاركو لي صاحبي» : (١)

الوجه «تاركون» ؛ لأنّ الكلمة ليست مضافة ، لأن حرف الجر منع الإضافة.

وإنما يجوز حذف النون في موضعين :

أحدهما : الإضافة ، ولا إضافة هنا.

والثاني : إذا كان في «تاركون» الألف واللام. مثل قول الشاعر :

الحافظو عورة العشيرة لا

يأتيهم من ورائنا نطف (٢)

والأشبه : أنّ حذفها من غلط الرواة.

وذهب «ابن مالك» إلى أنه يجوز في السعة ، وقد قال في «الكافية الشافية» :

وحجتي قراءة ابن عامر

وكم لها من عاضد وناصر

وقسم «الأشموني» الجائز في السعة إلى ثلاث مسائل :

الأولى : أن يكون المضاف مصدرا ، والمضاف إليه فاعله. والفاصل إما مفعوله ، كقراءة «ابن عامر» : «زين لكثير من المشركين قتل أولادهم شركائهم» (٣)

بنصب «أولادهم» وجرّ «شركائهم».

وقول الشاعر :

عتوا إذ أجبناهم إلى السّلم رأفة

فسقناهم سوق البغاث الأجادل

__________________

(١) أخرجه «البخاري» في «صحيحه» في (كتاب فضائل أصحاب النبي ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ باب قول النبي ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ : لو كنت متخذا خليلا) ٤ : ١٩٢ ، وفي (كتاب تفسير القرآن ـ سورة الأعراف) ٥ : ١٩٧ ، من حديث أبي الدرداء. قال «ابن حجر» في «فتح الباري» ٧ : ٢٥ : قوله : «تاركو لي صاحبي» في التفسير «تاركون» ، وهي الموجهة ، حتى قال أبو البقاء : إن حذف النون من خطأ الرواة.

(٢) العورة : المكان الذي يخاف منه العدو. النطف : العيب وانظر «الخزانة» ٢ : ١٨٨ ـ ١٩٣.

(٣) الأنعام : ١٣٧. وانظر «البحر المحيط» ٤ : ٢٣٠.

٢٣٥

وقول «عمرو بن كلثوم» :

وحلق الماذيّ والقوانس

فداسهم دوس الحصاد الدّائس (١)

وقوله :

فزججتها بمزجّة

زجّ القلوص أبي مزاده

وإما ظرفه ، كقول بعضهم : «ترك يوما نفسك وهواها سعي لها في رداها» (٢).

الثانية : أن يكون المضاف وصفا ، والمضاف إليه إما مفعوله الأول ، والفاصل مفعوله الثاني ، كقراءة بعضهم : (فَلا تَحْسَبَنَّ اللهَ مُخْلِفَ وَعْدِهِ رُسُلَهُ)(٣).

بنصب «وعده» وجر «رسله».

وقول الشاعر :

ما زال يوقن من يؤمّك بالغنى

وسواك مانع فضله المحتاج

أو ظرفه ، كقوله :

فرشني بخير لا أكونن ومدحتي

كناحت ، يوما ، صخرة بعسيل (٤)

__________________

(١) وحلق : مجرور بالعطف على ما قبله من المجرور. والماذيّ : من الدروع البيضاء. والقوانس : جمع قونس ، وهو أعلا البيضة من الحديد.

والشاهد في دوس الحصاد الدائس) ، فإن الحصاد منصوب لأنه مفعول وقع بين المضاف ، وهو «دوس» ، والمضاف إليه وهو «الدائس» ، والدوس : نصب على المصدر ، والتقدير : كدوس الدائس الحصاد.

(٢) نصيحة نثرية ، ترك : مصدر مبتدأ ، يوما : ظرف منصوب به ، وقد فصله من المضاف إليه ـ وهو نفسك ـ الواقع فاعلا للمصدر ، ومفعوله محذوف. وهواها : مفعول معه ، أي : أن تترك نفسك شأنها يوما مع هواها سعي لها في رداها. سعي : خبر المبتدأ. ويحتمل أن يكون المصدر مضافا إلى مفعوله والفاعل محذوف ـ أي : تركك نفسك.

(٣) إبراهيم : ٤٧ ، انظر «البحر المحيط» ٥ : ٤٣٩.

(٤) فرشني : أمر من راش يريش ، يقال : رشت فلانا أصلحت حاله ، والواو في «ومدحتي» للمصاحبة ، أي : مع مدحتي. العسيل : المكنسة التي يجمع بها العطار عطره ، وتتّخذ من الريش عادة.

٢٣٦

قال «البدر العيني» في «عمدة القاري» ١٦ : ١٨٠ ـ بعد إنشاده البيت المتقدم ـ :وبهذا يردّ على «أبي البقاء» حيث يقول : إن حذف النون من خطأ الرواة ؛ لأن الكلمة ليست مضافة ؛ ولا فيها ألف ولام ، وإنما يجوز في هذين الموضعين ، ولا وجه لإنكاره ، لوقوع مثل هذه كثيرا في الأشعار ، وفي القرآن.

أو مجروره ، كقوله ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ : «هل أنتم تاركو لي صاحبي» أي :تاركو صاحبي لي.

قال «ابن مالك» : وفي الحديث شاهد على جواز الفصل دون ضرورة ، بجار ومجرور بين المتضايفين ، إن كان الجار متعلقا بالمضاف. ا ه

وقول الشاعر :

لأنت معتاد في الهيجا مصابرة

يصلى بها كلّ من عاداك نيرانا (١)

وجاء في شرح المرادي : قال «ابن مالك» في «شرح التسهيل» : فهذا من أحسن الفصل ، لأنه فصل بمعمول المضاف ، ويدل على جوازه في الاختيار قول النبي ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ : «هل أنتم تاركو لي صاحبي» وقول من يوثق بعربيته : «ترك يوما نفسك ...».

الثالثة : أن يكون الفاصل القسم ، نحو ما حكاه «الكسائي» من قولهم : هذا غلام ـ والله ـ زيد.

وما حكاه «أبو عبيدة» : إن الشاة لتجتر فتسمع صوت ـ والله ـ ربّها.

__________________

(١) الاستشهاد فيه في قوله : «في الهيجا» فإنه فصل بين المضاف ، وهو قوله : «معتاد» ، والمضاف إليه ، وهو قوله : «مصابرة». «المقاصد النحوية» ٣ : ٤٨٦.

٢٣٧

«إعمال المصدر»

مسألة (٦٤)

في إعمال اسم المصدر (١)

يجوز إعمال اسم المصدر عمل المصدر عند «الكوفيين» و «ابن مالك» ؛ لأن معناه معنى المصدر.

وظاهر كلام «ابن مالك» في «التسهيل» أنه جائز قياسا. ومنعه البصريون. قال بعضهم : إلا في الضرورة.

وقال «الصيمري» : إعماله شاذ.

وتأول البصريون ما ورد من ذلك على إضمار فعل.

ومن عمله ما جاء في الحديث : «من قبلة الرجل امرأته الوضوء» (٢)

«قبلة» اسم مصدر ، مضاف لفاعله. و «امرأته» مفعوله ، والجار والمجرور خبر مقدم عن «الوضوء».

وقول «القطامي» :

أكفرا بعد ردّ الموت عنّي

وبعد عطائك المائة الرّتاعا

ف «المائة» منصوب بـ «عطائك».

وقول الآخر :

إذا صحّ عون الخالق المرء لم يجد

عسيرا من الآمال إلّا ميسّرا

وقول الشاعر :

بعشرتك الكرام تعدّ منهم

فلا ترين لغيرهم ألوفا

__________________

(١) موارد المسألة : «شرح المرادي» ٣ : ٩ ، و «شرح ابن عقيل» ٣ : ١٠٠.

(٢) تقدّم تخريجه في مسألة / ٤١ / في (جر الفاعل).

٢٣٨

مسألة (٦٥)

في إضافة المصدر لمفعوله ثم يذكر فاعله (١)

من أحوال المصدر المضاف : أن يضاف المصدر إلى مفعوله ثم يذكر فاعله.

وقد قالوا عن هذه الحالة : إنها ضعيفة. وغلا بعضهم فزعم أنه مختصّ بالشعر ، كقول «الأقيشر الأسدي» :

أفنى تلادي وما جمّعت من نشب

قرع القواقيز أفواه الأباريق

فيمن روى «أفواه» بالرفع.

ويردّ على هذا القائل بأنه روي أيضا بالنصب. فلا ضرورة في البيت.

وبقول النبي ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ : (وحجّ البيت من استطاع إليه سبيلا) (٢) وهو قليل.

فإن قلت : فهلّا استدللت عليه بالآية الكريمة ، أية الحج؟ قلت : الصواب أنها ليست من ذلك في شيء ، بل الموصول في موضع جر بدل بعض من «الناس» ، أو في موضع رفع بالابتداء ، على أن «من» موصولة ضمنت معنى الشرط ، أو شرطية ، وحذف الخبر أو الجواب ، أي : من استطاع فليحج.

ويؤيّد الابتداء (وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ اللهَ غَنِيٌّ عَنِ الْعالَمِينَ)(٣).

وأما الحمل على الفاعلية ـ وقد أجازه «ابن خروف» كما قال الشاطبي ـ

__________________

(١) موارد المسألة : «شرح المرادي» ٣ : ١٢ ، و «شرح الشاطبي» ، و «أوضح المسالك» ٢ : ٢٤٥ ، و «شرح الأشموني» ٢ : ٢٨٩ ، و «مغنى اللبيب» ٦٩٤ ، و «شرح قطر الندى» ٣٧٦ ، و «همع الهوامع» (المصدر) ، و «شرح شذور الذهب» : ٣٨٤.

(٢) قطعة من حديث : «بني الإسلام» ، أخرجه «مسلم» في «صحيحه» في (كتاب الإيمان ـ باب قول النبي ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ : بني الإسلام على خمس) ١ : ٣٤ ، ٣٥ ، و «الترمذي» في «سننه» في (أبواب الإيمان ـ باب ما جاء بني الإسلام على خمس) ٤ : ١١٩ و «الديلمي» في «الفردوس» (١ : ٣٠)

(٣) آل عمران : ٩٧.

٢٣٩

فمفسد للمعنى ؛ إذ التقدير إذ ذاك : ولله على الناس أن يحجّ المستطيع ، فعلى هذا إذا لم يحج المستطيع يأثم الناس كلهم.

ولو أضيف للمفعول ثم لم يذكر الفاعل لم يمتنع ذلك في الكلام عند أحد ، نحو قوله تعالى : (لا يَسْأَمُ الْإِنْسانُ مِنْ دُعاءِ الْخَيْرِ)(١) ، أي : من دعائه الخير.

مسألة (٦٦)

في الحمل على محل الفاعل أو المفعول المضاف إليهما المصدر (٢)

إذا أضيف المصدر إلى الفاعل ، ففاعله يكون مجرورا لفظا ، مرفوعا محلا ، فيجوز في تابعه ـ من الصفة ، والعطف ، وغيرهما ـ مراعاة اللفظ فيجر ، ومراعاة المحلّ فيرفع ، تقول : عجبت من شرب زيد الظريف.

ومن اتباعه على المحلّ قول «لبيد» في النعت :

حتّى تهجّر في الرّواح وهاجها

طلب المعقّب حقّه المظلوم

فرفع «المظلوم» لكونه نعتا لـ «المعقب» على المحل.

وإذا أضيف إلى المفعول ، فهو مجرور لفظا ، منصوب محلا ، فيجوز أيضا في تابعه مراعاة اللفظ والمحل.

ومن مراعاة المحلّ قول «زياد العنبري» ، أو «رؤبة» :

قد كنت داينت بها حسّانا

مخافة الإفلاس واللّيّانا

فـ «الإفلاس» مضاف إلى «مخافة» من إضافة المصدر إلى مفعوله ، وقد حذف فاعله.

__________________

(١) فصلت : ٤٩.

(٢) موارد المسألة : «شرح الشاطبي» و «شرح ابن عقيل» ٣ : ١٠٤ ، و «إعراب الحديث النبوي» ١٩٣.

٢٤٠